يعني أن تكون الطاءات بين قدميه كأنه يمشي عليها و عندي أن هذه القصيدة من تمويهات المتخرفين فلهم في ذلك أحوال غريبة و اصطلاحات عجيبة و تنتهي التخرفة و الكذب بهم إلى أن يسكنوا المنازل المشهورة و الدور المعروفة لمثل هذه و يحتفرون الحفر و يضعون المطابق فيها و الشواهد التي يكتبونها في صحائف كذبهم ثم يقصدون ضعفاء العقول بأمثال هذه الصحائف و يعثون على كبراء ذلك المنزل و سكناه و يوهمون أن به دفيناً من المال لا يعبر عن كثرته و يطالبون بالمال لاشتراء العقاقير و البخورات لحل الطلاسم و يعدونه بظهور الشواهد التي قد أعدوها هنالك بأنفسهم و من فعلهم فينبعث لما يراه من ذلك و هو قد خدع و لبس عليه من حي لا يشعر و بينهم في ذلك اصطلاح في كلامهم يلبسون به عليهم ليخفى عند محاورتهم فيما يتلونه من حفر و بخور، و ذبح حيوان و أمثال ذلك. و أما الكلام في ذلك على الحقيقة فلا أصل له في علم و لا خبر و اعلم أن الكنوز و إن كانت توجد لكنها في حكم النادر و على وجه الاتفاق لا على وجه القصد إليها.
و ليس ذلك بأمر تعم به البلوى حتى يدخر الناس أموالهم تحت الأرض و يختمون عليها بالطلاسم لا في القديم و لا في الحديث. و الركاز الذي ورد في الحديث و فرضه الفقهاء و هو دفين الجاهلية إنما يوجد بالعثور و الاتفاق لا بالقصد و الطلب و أيضاً فمن اختزن ماله و ختم عليه بالأعمال السحرية فقد بالغ في إخفائه فكيف ينصب عليه الأدلة و الأمارات لمن يبتغيه. و يكتب ذلك في الصحائف حتى يطلع على ذخيرته أهل الأمصار و الآفاق ؟ هذا يناقض قصد الإخفاء.
و أيضاً فأفعال العقلاء لا بد و أن تكون لغرض مقصود في الانتفاع. و من اختزن المال فإنه يختزنه لولده أو قريبه أو من يؤثره. و أما أن يقصد إخفاءه بالكلية عن كل أحد و إنما هو للبلاء و الهلاك أو لمن لا يعرفه بالكلية ممن سيأتي من الأمم فهذا ليس من مقاصد العقلاء بوجه. و أما قولهم: أين أموال الأمم من قبلنا و ما علم فيها. من الكثرة و الوفور فاعلم أن الأموال من الذهب و الفضة و الجواهر و الأمتعة إنما هي معادن و مكاسب مثل الحديد و النحاس و الرصاص و سائر العقارات و المعادن. و العمران يظهرها بالأعمال الإنسانية و يزيد فيها أو ينقصها و ما يوجد منها بأيدي الناس فهو متناقل متوارث و ربما انتقل من قطر إلى قطر و من دولة إلى أخرى بحسب أغراضه.
و العمران الذي يستدعي له فإن نقص المال في المغرب و أفريقية فلم ينقص ببلاد الصقالبة و الإفرنج و إن نقص في مصر و الشام فلم ينقص في الهند و الصين. و إنما هي الآلات و المكاسب و العمران يوفرها أو ينقصها، مع أن المعادن يدركها البلاء كما يدرك سائر الموجودات و يسرع إلى اللؤلؤ و الجوهر أعظم مما يسرع إلى غيره. و كذا الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الرصاص و القصدير ينالها من البلاء و الفناء ما يذهب بأعيانها لأقرب وقت. و أما ما وقع في مصر من أمر المطالب و الكنوز فسببه أن مصر في ملكة القبط منذ آلاف أو يزيد من السنين و كان موتاهم يدفنون بموجودهم من الذهب و الفضة و الجواهر و اللآلئ على مذهب من تقدم من أهل الدول فلما انقضت دولة القبط و ملك الفرس بلادهم نقروا على ذلك في قبورهم فكشفوا عنه فأخذوا من قبورهم ما لا يوصف: كالأهرام من قبور الملوك و غيرها. و كذا فعل اليونانيون من بعدهم و صارت قبورهم مظنة لذلك لهذا العهد. و يعثر على الدفين فيها كثيراً من الأوقات.
أما ما يدفنونه من أموالهم أو ما يكرمون به موتاهم في الدفن من أوعية و توابيت من الذهب و الفضة معدة لذلك فصارت قبور القبط منذ آلاف من السنين مظنة لوجود ذلك فيها. فلذلك عني أهل مصر بالبحث عن المطالب لوجود ذلك فيها و استخراجها. حتى أنهم حين ضربت المكوس على الأصناف آخر الدولة ضربت على أهل المطالب.
و صدرت ضريبة على من يشتغل بذلك من الحمقى و المهوسين فوجد بذلك المتعاطون من أهل الأطماع الذريعة إلى الكشف عنه و الذرع باستخراجه و ما حصلوا إلا على الخيبة في جميع مساعيهم نعوذ بالله من الخسران فيحتاج من وقع له شيء من هذا الوسواس و ابتلي به أن يتعوذ بالله من العجز و الكسل في طلب معاشه كما تعوذ رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك و ينصرف عن طرق الشيطان و وسواسه و لا يشغل بالمحالات و المكاذب من الحكايات و الله يرزق من يشاء بغير حساب.