ثم وافقتهم على السفر وقلت لهم: يا أخوتي إننا نحسب ما عندنا من المال فحسبناه فإذا هو ستة آلاف دينار فقلت: ندفن نصفها تحت الأرض لينفعا إذا أصابنا أمر ويأخذ كل واحد منا ألف دينار ونتسبب فيها قالوا: نعم الرأي فأخذت المال وقسمته نصفين ودفنت ثلاثة آلاف دينار. وأما الثلاثة آلاف الأخرى فأعطيت كل واحد منهم ألف دينار وجهزنا بضائع واكترينا مركبًا ونقلنا فيها حوائجنا وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا فربحنا في الدينار عشرة دنانير ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع فقبلت يدي وقالت: يا سيدي هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما قلت: نعم إن عندي الإحسان والمعروف ولو لم تجازيني فقالت: يا سيدي تزوجني وخذني إلى بلادك فإني قد وهبتك نفسي فافعل معي معروفًا لأني ممن يصنع معه المعروف والإحسان ويجازي عليهما ولا يغرنك حالي. فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله عز وجل فأخذتها وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشًا حسنًا وأقبلت عليها وأكرمتها ثم سافرنا وقد أحبها قلبي محبة عظيمة وصرت لا أفارقها ليلًا ولا نهارًا أو اشتغلت بها عن إخوتي فغاروا مني وحسدوني على مالي وكثرت بضاعتي وطمحت عيونهم في المال جميعه وتحدثوا بقتلي وأخذ مالي وقالوا: نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا وزين لهم الشيطان أعمالهم فجاؤوني وأنا نائم بجانب زوجتي ورموني في البحر فلما استيقظت زوجتي انتفضت فصارت عفريتة وحملتني وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلًا وعادت إلي عند الصباح وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل بإذن الله تعالى واعلم أني جنية رأيتك فحبك قلبي وأنا مؤمنة بالله ورسوله فجئتك بالحال الذي رأيتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد نجيتك من الغرق وقد غضبت على إخوتك ولا بد أن أقتلهم. فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها أما هلاك إخوتي فلا ينبغي ثم حكيت لها ما جرى لي معهم من أول الزمان إلى آخره. فلما سمعت كلامي قالت: أنا في هذه الليلة أطير إليهم وأغرق مراكبهم وأهلكهم فقلت لها: بالله لا تفعلي فإن صاحب المثل يقول: يا محسنًا لمن أساء كفي المسيء فعله وهم إخوتي على كل حال قالت لا بد من قتلهم فاستعطفتها ثم أنها حملتني وطارت فوضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب وأخرجت الذي خبأته تحت الأرض وفتحت دكاني بعد ما سلمت على الناس واشتريت بضائع فلما كان الليل دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها فلما رأياني قاما إلي وبكيا وتعلقا بي فلم أشعر إلا وزوجتي قالت هؤلاء إخوتك فقلت من فعل بهم هذا الفعل قالت أنا أرسلت إلى أختي ففعلت بهم ذلك وما يتخلصون إلا بعد عشر سنوات فجئت وأنا سائر إليها تخلصهم بعد إقامتهم عشر سنوات في هذا الحال فرأيت هذا الفتى قال الجني: إنها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته فعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة وقال للجني أنا أحكي لك حكاية أعجب من حكاية الاثنين وتهب لي باقي دمه وجنايته فقال الجني نعم فقال الشيخ أيها السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة ثم قضيت سفري وجئت إليها في الليل فرأيت عبد أسود راقد معها في الفراش وهما في كلام وغنج وضحك وتقبيل وهراش فلما رأتني عجلت وقامت إلي بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني وقالت اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب فصرت في الحال كلبًا فطردتني من البيت فخرجت من الباب ولم أزل سائرًا حتى وصلت دكان جزار فتقدمت وصرت آكل من العظام. فلما رآني صاحب الدكان أخذني ودخل بي بيته فلما رأتني بنت الجزار غطت وجهها مني فقالت أتجيء لنا برجل وتدخل علينا به فقال أبوها أين الرجل قالت إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه فلما سمع أبوها كلامها قال: بالله عليك يا بنتي خلصيه فأخذت كوزًا فيه ماء وتكلمت عليه ورشت علي منه قليلًا وقالت: اخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى فصرت إلى صورتي الأولى فقبلت يدها وقلت لها: أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني فأعطتني قليلًا من الماء وقالت إذا رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها فإنها تصير كما أنت طالب فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء وقلت اخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان ورئيس ملوك الجان ثم التفت إليها وقال: أصحيح هذا فهزت رأسها وقالت بالإشارة نعم هذا صحيح فلما فرغ من حديثه اهتز الجني من الطرب ووهب له باقي دمه وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت: أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح فخرج الملك إلى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر واحتبك الديوان فحكم الملك وولى وعزل ونهى وأمر إلى آخر النهار ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار إلى قصره.
'وفي الليلة الثالثة قالت لها أختها دنيا زاد : يا أختي أتمي لنا حديثك فقالت حبًا وكرامة بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر أقبل على الشيوخ وشكرهم هنوه بالسلامة ورجع كل واحد إلى بلده وما هذه بأعجب من حكاية الصياد فقال لها الملك: وما حكاية الصياد؟
حكاية الصياد مع العفريت

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان رجل صياد وكان طاعنًا في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير ثم أنه خرج يومًا من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر وحط معطفه وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف إلى البر ودق وتدًا وربطها فيه ثم عرى وغطس في الماء حول الشبكة وما زال يعالج حتى أطلعها ولبس ثيابه وأتى إلى الشبكة فوجد فيها حمارًا ميتًا فلما رأى ذلك حزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال أن هذا الرزق عجيب وأنشد يقول:
يا خائضًا في ظلام الله والهلكة.......أقصر عنك فليس الرزق بالحركة
ثم أن الصياد لما رأى الحمار ميت خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها نشرها وبعد ذلك نزل البحر، وقال بسم الله وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول فظن أنه سمك فربط الشبكة وتعرى ونزل وغطس، ثم عالج إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيرًا كبيراً، وهو ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف وأنشد قول الشاعر:
ياحرقة الدهر كفي إن لم تكفي فعفي فلا يحظى أعطي ولا يصنعه كفي خرجت أطلب رزقي وجدت رزقي توفي
كم جاهل في ظهور وعالم متخفي
ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة ورمى الشبكة وصبر عليها حتى أستقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فأنشد قول الشاعر: هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خط.
ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثا، ثم أنه سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن أستقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها أشتبكت في الأرض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله فتعرى وغطس عليها وصار يعالج فيها إلى أن طلعت على البحر وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان.
فلما رآه الصياد فرح وقال هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ثم أنه حركه فوجده ثقيلًا فقال: لا بد أني أفتحه وأنظر ما فيه وأدخره في الخرج ثم أبيعه في سوق النخاس ثم أنه أخرج سكينا، وعالج في الرصاص إلى أن فكه من القمقم وحطه على الارض وهزه لينكت ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن خرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتًا رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة، ومناخير كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعث أغبر.
فلما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليما نبي الله، ثم قال العفريت: يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولًا وأعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك، وما حديثك وما سبب دخولك إلى هذا القمقم.
فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني فقال بقتلك في هذه الساعة أشر القتلات قال الصياد: تستحق على هذه البشارة يا قيم العفاريت زوال الستر عنك، يا بعيد لأي شيء تقتلني وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر فقال العفريت: تمن علي أي موتة تموتها، وأي قتلة تقتلها فقال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك.
فقال العفريت اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. قال اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهًا وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضبًا شديدًا وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت.
فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا الله العجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام، ثم قال الصياد للعفريت، اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني، يسلط الله عليك، من يهلكك. فقال لا بد من قتلك، فتمن علي أي موتة تموتها فلما تحقق ذلك منه الصياد راجع العفريت وقال اعف عني إكرامًا لما أعتقتك، فقال العفريت: وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني، فقال الصياد: يا شيخ العفاريت هل أصنع معك مليح، فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال: فعلنا جميلًا قابلونا بضده وهذا لعمري من فعال الفواجر
ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر
فلما سمع العفريت كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك، فقال الصياد هذا جني، وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلًا كاملًا وها أنا أدبر أمرًا في هلاكه، بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه، ثم قال للعفريت: هل صممت على قتلي قال نعم، فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه، قال نعم، ثم إن العفريت لما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال: اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق أبدًا حتى أنظرك فيه بعيني، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت لا أصدقك أبدًا حتى أنظرك بعيني في القمقم فانتفض العفريت وصار دخانًا صاعدًا إلى الجو، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً، حتى استكمل الدخان داخل القمقم وإذا بالصياد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: تمن علي أي موتة تموتها لأرميك في هذا البحر وأبني لي هنا بيتًا وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت يخبره بينها.
فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوسًا ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه وسجن أحقر العفاريت وأقذرها وأصغرها، ثم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر، فقال له العفريت لا، لا فقال الصياد: لا بد لا بد فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد، قال: ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفًا وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون، أنا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم رويان، فقال العفريت: وما شأن وزير الملك يونان والحكيم رويان وما قصتهما.