أنا مهلهل فعزي يفلق الحجرا الانس والجن تخشى سطوتي حذرا كيد النساء فيبقى في عدم فخيب الله من يسمع كلام مرا قالوا أخوك كليب اليوم منطرحا عالفراش ضعيف الجسم والبصرا فجأته عاجلا حتى أساله والعقل في خيرة مما عليه جرى فقلت له كيف حالك أنت أخبرني فقال يامهلهل كيف أنت ترى أريد شربة ماء أطفي بها طمئي من صندل تزول الهم والكدرا
فسرت حالا لذلك البير في عجل فنلت قصدي وعدت اليوم مفتخرا
هذه فعالي وكل الناس ترهبني حتى الاسود وأهل البأس والآمرا
(قال الراوي ) ومازال يقطع القفار وينشد الاشعار حتى وصل الديار وهو رأكب علىظهر الاسد غير مبأل باحد لانه بلغ المقصود والارب وفعل أفعال تعجز عنها فرسان العرب ولما دخل الحي جفلت الخيل الخيل والجمال واندهشت النساء والرجال لما رأوا الاسد على تلك الحال وكثرت الضجات وتصايحت الاولاد والبنات وسمع كليب والجليله تلك الضجه فطلا برؤسهما من الشباك فوجد المهلهل قد أقبل وهو يسوق الاسد بعصا فبكى كليب لما رآه وقال لابنة عمه الجليله هل ينبغي لهذا البطل أن يقتل فقد جاء بالاسد وعلى ظهره القرب وهذا أعجب العجب فاشتعل قلبها والتهب من شدة الغضب حتى كادت تموت قهرا ثم نزل كليب اليه وقلبه بين عينيه وقال لله درك يافارس الميدان وزينة الشبان وبعد ذلك سأله عما جرى له وكان فأنشد يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل ودمعي فوق وجناتي سايل ذهبت اليوم نحو البير قاصد أجيب الماء يا ابن الاكارم وجدت السبع قرب البير راقد فقلت بخاطري ذا السبع نايم نزلت البير أملا منه أشرب وربي بالذي قد كنت عالم ملأت القربتان وعدت حالا لأرجع للقبيلة والمعالم وجدت السبع قد أكل البهيمة ضربته بالعصا فعاد نايم وحملت القرب من فوق ظهره وجئت إليك يافخر الاكارم أطال الله أيامك وعزك على طول الزمان وأنت دايم
فلما سمع كليب هذا المقال أجابه على شعره : يقول كليب اسمع يا مهلهل فما لك من مثيل في العوالم سابع البر خافت من قتالك وولت في الفلا منك هزايم نزلت البير أملا منه واشرب وتحظى بالسرور والغنايم فقم البس ثيابا من حرير وأفعل ماتريد يا ابن الاكارم فمهما طلبت مني يا مهلهل أنا أعطيك والله عالم أخي ما عاد عندي أعز منك وحق الله خلاق العوالم
فلما فرغ كليب من كلامه أنزل الزير القرب من على ظهر الاسد وضربه بالسيف القاه قتيل ثم قطع رأسه أمام أخيه وقال الله أكبر فقد أخذنا بثأر الحمار وبلغنا مانحب ونختار بعون الواحد القهار فأمر كليب الخدم أن يدخلوا الزير إلى الحمام فدخل وأغتسل ولبس حلة من أرجوان وذهب إلى عند أخيه في الديوان فقام له على الاقدام وأكرمه غاية الاكرام واجلسه في اعلى مقام فزداد إعتباره عند الخاص والعام وأرتفع منزلته عند الامراء والاكابر واشتهر اسمه بين القبايل والعشائر وقال له كليب ذات يوم أطلب ياأخي مهما تريد فأن شئت مدينه أوهبك إياها أو إمراة جميله أزوجك بها فمالي جميعا بين يديك فلا أبخل بشيء عليك لأنك اليوم ساعدي وزندي وأنت الحاكم من بعدي فقال لاأريد سوى سلامتك والذي أريده منك أن تأمر بصيوان يكون كبير مفروش بالفرش الفاخر عند بير السباع ويكون عندي جماعه من الخدم يقدمون لي ماأحتاجه من الاكل والخمر لأني أريد أن أنفرد عن باقي جماعة الناس وأكون وحدي خصوصا من كيد النساء وعندما تشتاق اليّ تزورني فقال كليب ماهذا العمل فوالله ماعادي لي صبر على فراقك يا مهلهل ولا عدت أسمع فيك كلام الاعادي اللئام فاأبقي عندي في العز والاكرام فقال يأأخي قد صممت النيه على الارتحال فإن الانعزال أفضل للرجال الاحرار ولا سيما قد صار على السباع ثأر عليّ قتل الحمار ولابد لي من قتل جميع الاسود أو أن الحمار يرجع ويعود فضحك كليب من كلامه وتعجب وأمر له بما طلب وقدم له جوادا من أطيب الخيول وجميع مايحتاج اليه من السلاح والنصول والمشروب والمأكول وأرسل معه عبدان يخدمانه ثم ودعه وسار حتى وصل إلى بير السباع فنصبوا له الصيوان وقام في ذلك المكان وهو يأكل ويشرب المدام وكان في كل يوم يلبس عدته ويركب جواده ويصيد السباع وكان كلما قتل اسد يقول يالثارات الحمار ومازال على تلك الحال حتى أفناها وبنا له قصرا من رؤوسهم فلما طال عليه الزمان أخذه القلق والضجر لأنفراده عن البشر وكان بينه وبين همام بن مرة محبة عظيمه ووداد فزار الامير همام في بعض الايام ففرح بقدومه عليه وقال اهلا وسهلا يا ابن العم وترحب به غاية الترحيب وقال له لقد ضاقت نفسي من الوحشه والانفراد فوالله ماعدت ادعك تذهب من عندي ابدا وكان همام يسرف أكثر اوقاته عنده فينادمه ويشرب معه المدام ويتناشدان الاشعار في الليل والنهار ومازالا كذلك وهم في بسط وانشراح وطرب وافراح وشرب المدام وسماع الانغام مدة ثلاثة أعوام هذا ماكان من حديثهم في تلك الايام.
نقل عن ""
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
في حرب البسوس بين بكر وتغلب
( قال الراوي ) وأعجب ماأتفق وتسطر من الاحاديث التي تروى وتذكر هو حديث العجوز الشاعرة أخت الملك تبع حسان الذي قتله كليب كما شرحنا قبل الان وهي المرأة التي ذكرها تبع لكليب في ملحمته بأنها سوف تظهر بعده وتلقي الفتنه في القبائل وبسببها يقتل كليب بن وائل وتثير الحرب بين بكر وتغلب وباقي عشائر العرب وكانت هذه العجوز من عجائب الزمان وغرائب الاوان ذات مكر واحتيال وخداع ساحرة ماكرة وكان لها أربعة أسماء لانها في يوم ولاداتها وردت اليها أموال السبعة أقاليم وامها سمتها تاج بخت لانها كانت كثيرا ماتأكل من جوز الهند وكانت مع هذه الاوصاف القبيحه جميلة المنظر فصيحة الكلام شديدة البأس ولما كبرت وانتشت وصارت بنت عشرين سنة فكانت تسارع الطواشية وتركب الخيل في الميدان وتبارز الابطال والفرسان وشاع صيتها في كل مكان وتواردت اليها الخطاب من جميع المدن والبلدان فكانت تقول لااتزوج الا من يقهرني في الميدان فكلنت تقهرهم في القتال وتعلم عليهم في ساحة المجال فاقتصرت عنها الخطاب وتباعدت عنها الطلاب وكان قد سمع بخبرها ملك عظيم اسمة سعد اليماني وكان ملكبلاد السرو ابن عم أخوها تبع وبطل أروع ليث صميدع صاحب مدن وبلدان وجيش وفرسان فهام قلبة في حبها فركب في جماعة من أبطالة وسار قاصدا ديار ابن عمة تبع ليخطب اختة سعاد فلما وصل إلى تلك البلادترحب به الملك تبع واضافة ضيافة عظيمة لانة ملك وأمره نافذفي القبائل فلما كان اليوم الثالث قال سعد لتبع اعلم ياابن العم حضرت من بلادي لاخطب أختك سعاد الدرة المصونة والجوهرة المكنونة فلا تردني خائب فهي ابنة عمي ومن لحمي ودمي وأنا أحق بها من كل أحد فقال تبع اني أرغب في ذلك غير انة كما لاخفاك بأنها لاتتزوج بأحد مهما كان الا بمن يقهرها فيالميدان فقال أني ماأتيت الا على هذا الشرط فعند ذلك دخل عليها أخوها وأخبرها بقدوم الامير سعد بن عمها وانة قد جاء ليخطبها ويتزوجها بعد أن يبارزها ويحاربها فأجابتة إلى ذلك المرام وفي ثانب الايام اعتدت بألة الحرب والجلاد وركبت على ظهر جوادها وبرزت إلى الميدان وحل الضرب والطعان وكان الامير سعد قد ركب حصانة وبرز إلى الميدان والتقاها بقوة قلب وجنان وأخذا يتقاتلان نحو ساعة من الزمن وكان الامير سعد صاحب نخوة وحمية ومن اشد فرسان الجاهلية فحاربها حتى أتبعها ثم اقتلعها من بحر سرجها فأقرت لة بالغلبة وبعد ذلك تزوجها واقام الحفلة سبعة أيام ورجع بها إلى بلادة وكانت قد أخذت معها جميع ماتملكه من أمتعه وأموال وعبيد وغلمان وأقامت مع زوجها في أرقد عيش وهناء لمدة عشر سنين إلى ان عمي وفقد البصر فصارت تحكم مكانه واطاعتها العرب وعظم أمرها واشتهر ذكرها ومازالت على تلك الحال وهي في أرقد عيش وانعم بال الا ان كليب قتل أخوها تبع كما سبق الكلام ولما بلغها هذا الخبر اخذها القلق والضجر وتنغص عيشها وتمرمر وقالت لابد لي من المسير إلى تلك الديار كليب الغدار وإذا قتلته انطفىء ناري وأكون قد أخذت بثأري فأقامت مكانها وكيلا يحكم بالنيابه عنها وركبت هي وزوجها وبناتها وأخذت معها عبدان ومازالت تقطع البراري والآكام حتى وصلت إلى بلاد الشام فسألت عن رحلة بني مرة فأرشدوها اليها فلما صارت هناك قصدت الامير جساس دون باقي الناس ودخلت عليه وهو في الديوان وحوله جماعة من الامراء والاعيان فتقدمت اليه وسلمت عليه ودعت وترحمت وبأفصح لسان تكلمت وقالت له أدام الله أيامك ورفع على ملوك الارض قدرك ومكانك وبلغك أربك ومناك ونصرك على حسادك وأعدائك فتعجب جساس من فصاحة مقالها فأنني عليها وسألها عن حالها فقالت له أنني شاعرة أطوف القبائل والعشائر وأمداح السادة والسادات والاكابر وقد سمعت بجودك وكرمك ولطفك ومحاسن شيمك فأتيت إلى دارك حتى أعيش في جوارك وأكون مشمولة بأنظارك ثم أنها بعد هذا الثناء والمديح أشارت اليه بهذا الشعر الفصيح :
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
تقول سعاد من قلب مفجوع زمان السوق أبقانا ذلائل وبعد غلانا صرنا رخاصا وبعد الكثرقد صرنا قلائل وبعد العز قد صرنا اذلا وبعد السمن قد صرنا هزايل فهذا الدهر ماله قط صاحب فهذا مستقيم وذاك مائل وذا يبكي وذا يضحك ويلعب وذا يندب عياله والحلائل فسبحان الذي قدر علينا بغربتنا وتشتيت الشمائل فبعد ان كنت في خير ونعمه دعاني الدهر كالطلاب شاتل أدور على المناصب والامارا وأنزل في القرايا والمدائن سمعت بذكركم ي آل مرة ثلاث شهور لي عندكم أسائل أيا جساس يافخر البرايا وياكهف اليتامى والارامل قصدتك لاتخيب فيك ظني أيا أبن الاماجيد الاصائل فأجبر خاطري ربي يجبرك ويعطيك السعاده والفضائل فكم أوهبت من مال ونوق وكم فرقت من خيل أصائل فانت اليوم بين الناس فردا ثناء مشاع في كل القبائل عديم المثل مابين الامارا وقد تفاخرت عربان القبائل عساك اليوم تنعم لي بمالٍ ولاتصغي إلى واش وقائل فارجع بالغنايم والعطايا وبالخيل المسومه الصواهل
فلما فرغت العجوز من شعرها ونظامها وفهم جساس فحوى كلامها قال لها أهلا ومرحبا الارض أرضي والديار دياري وانت نزيلتي وفي جواري فكل من تعدى عليك قتلته ثم أشار يترحب بها ويقول :
قال جساس بن مرة ياعجوز مرحبا بك بلا بطا مرحبا بك مرحبا بك مرحبا عدد ما مشت الركاب بالوطا في قدومك حلت البركه لنا فابشري بالخير مع كثر العطا أسرحي ثم أمرحي في حبنا ماأغيظك لو بدا منك خطا
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه دعت له العجوز بالنصر وطول العمر والبقاء وقالت في سرها لقد نلت المراد بعون رب العباد وأقامت عنده شهرين وجساس كل يوم يزيد في إكرامها وكانت قد رأت اتفاق قوم كليب مع بني مرة وهم في محبة ومؤالفه عظيمه واجتماعات كثيرة كأنهما قبيلة واحده فما هان عليها ذلك الامر فأخذت تلقي الفتنه والفساد بين الامراء والقواد حتى وقع الشر والنزاع وكثر القيل والقال ولما اشتد الامر اجتمع اكابر الناس عند الامير جساس واخلوا يشكون من بني تغلب وعن سوء معاملتهم وانهم يعتدون عليهم في أكثر الاوقات بدون سبب وهذا كله من يوم ما قتل كليب تبع اليماني وامتد ملكه في الاقطار فابتدا يجور ويظلم ولايحسب حساب أحد وهكذا قومه تفعل كفعلة وكان مرادهم بهذا الكلام يحمسوا الامير جساس ويهيجوه على قتال كليب ولكنه لم يصغ لهم ولم يطاوعهم على مرامهم وقال لهم انه من الصواب ان اجتمع اولا مع ابن عمي كليب واعلمه عن تعديات قومه وجورهم علينا فأن وجدت كلامه قاسيا يكون هو السبب قي تقويتهم وان أمر بتأديب المفترين تكون قد نلنا مرادنا . ( قال الراوي ) ومازالت الفتنه بين الفريقين تمتد وتشتد حتى اتصل الخبر إلى مسامع الامير كليب وبلغه ان بني مرة هم أصل ذلك الخصام وانهم كل يوم في جمعيات واستعدات فضاق صدره وتكدر وارسل أعلم جساس بذلك الخبر طالبا منه ان يبادر بالحال بقصاص المذنبين وتوقيف حركات البكريين واخراج العجوز من القبيله التي كانت سببا لهذه الورطه فاغتاظ جساس من ذلك وتاثر وتاكد عنده كلام قومه وعلم ان أصل ذلك من كليب فلم يجبه بجواب ولا بخطاب واخذ جساس من ذلك اليوم يجمع الجموع ويفرق على قومه السلاح ويقويهم بالات الحرب والكفاح فبلغ ذلك الامير كليب فازداد كدره واحتار في امره واحس بزوال ملكه وكان تذكر اخاه الزير الفارس فركب من يومه في جماعة من الفرسان وقصده إلى بير السباع فوجده جالسا على سفرة المدام مع ابن عمه الامير همام وهما يناشدان الاشعار ويتحادثان بالاخبار فنهضا له على الاقدام واجلساه في اعلى مقام وفرح الزير بقدوم اخيه لانه كان له مدة طويلة غائبا عنه غير عالم بأن مجيئه لم يكن ناتج الا عن سبب ضروري جدا وبعد ان جلس قليلا قال كليب للزير أعلم ياأخي أن سبب مجيىء اليك اولا لاجل المشاهده وثانيا حتى آخذك إلى القبيله وأقيمك ملكا مكاني لاني طعنت في السن ولم يعد لي طاقه على معاطاة الاحكام ولا سيما وقد تغيرت الاحوال ووقع بين القبيلتين النزاع والجدال فاشتعل مني القلب والبال فقم معي الان ياسيد الفرسان فقال الزير والله لقد اشتغل بالي بهذا المقال فانشد كليب يقول
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
أخي سال أسمع ما أقول لك ففكرك ديره والذهن ليا أراك اليوم في زهو ولهو ولاتدري بما قد حل فيا بنو قيس قد وقعوا بخلف وجساس نوى يركب عليا فقوم وشد عزمك يا مهلهل لأنك أنت جبار عتيا والا راحت البلدان مني وصرنا معيرة عند البريه
( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ضحك الزير حتى استلقى على ظهره فقال كليب وماهو ضحكك قال لقلة عقلك قال انا قليل العقل قال لو لم تكن قليل العقل ماكنت تكلمت بهذا الكلام بعد ان نظرت القصر وهو أمامك قال ومايكون هذا القصر قال هذا القصر قد بنيته من رؤس السباع الذين قتلتهم بثأر الحمار ومع كل ذلك أنت ملك عظيم وصاحب ولايات وأقاليم فكيف تقول انك خايف وفزعان وأخوك الزير فارس الفرسان فكن في أمان وإطمئنان من نوائب الزمان فان كنت بثأر الحمار الذي ليس له قدر ولامقدار قد بنيت قصرا من رؤس السباع الا أبني من رؤس الاعادي مدائن وضياع وقلاع وحصون فاذهب بالسلامه ولاترتاع ثم أجابه على شعره يقول :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل أنا لي في الحرب عزما قويا سباع الغاب خافت من قتالي وتخشاني ولم تقدر علّي فاذهب يا كليب ولا تبالي واحكم بالقبائل بالسويه فأن جارت بنو بكر وخابت فلا أترك منهم يا أخي بقيه
فلما سمع كليب شعره أحتار من فعله وندم على مجيئه ثم كرر عليه السؤال وطلب منه أن يسير معه خوفا من حدوث أمر من الامور فقال الزير سر أنت أولا وأنا سأتبعك فيما بعد فقال لماذا لاتسير الآن قال لاخفاك لما حضرت إلى هذا المكان قتلت جميع السباع ماعدا سبعين أو ثلاثة فمتى قتلتهم أدركتك في الحال إلى الاطلال فعند ذلك ركب كليب جواده وسلم أمره للواحد القهار إلى أن وصل إلى تلك الدار وهو قلق وافتكار هذا ماكان من أمر كليب ويرجع الكلام والسياق إلى سعاد الشاعرة الساحرة الماكرة فإنها لما اثارت الفتنه بين القوم وصار لها عند بني مرة ذلك القبول وجميع كلامها عند جساس مقبول أخذت طاسة من الفضه وملأتها من المسك والزباد والعطر وخففت الجميع مع بعضه البعض وعمدت إلى ناقتها الجربانه وأخذت تطلي أجنابها وتدهنها بذلك الطيب وأمرت بعض العبيد أن يأخذها إلى المراعي ويمر بها قرب صيوان جساس في الصباح والمساء وأوصته إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول لا أعلم وانما مولاتي تعلم فأخذ الناقه ومر على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب فاستنشق جساس الرائحه وكانت ذكيه جدا فتعجب وكان قد نظر إلى العبد وتلك الناقه فأمر بإحضار العبد وكان يظن تلك الرائحه عابقه منه ولما أحضر وإذا رائحته كريهه جدا فسأله عن تلك الرائحه فقال من الناقه فازداد تعجبا وسأله عن سبب ذلك فقال لست أعلم يا مولاي إنما مولاتي سعاد الشاعرة تعلم ذلك فقال جساس هذا غريب فاستدعى العجوز اليه فحضرت ثم سألها عن قضية الناقه فتنهدت من فؤاد موجوع وقالت لاخفاك أطال الله عمرك وابقاك ان هذه الناقه من سلالة ناقة صالح وفيها خواص غريب يا أبن الاجواد فان بعرها من المسك وعرقها من الزباد فتعجب جساس غاية العجب وقال في نفسه تبارك الله رب العالمين فلا بدلي من أخذ هذه الناقه فافتخر بها على جميع الملوك فقال لها هل تبيعني أياها يا حرة العرب وأنا أعطيك مهما تطلبيمن الفضه والذهب فلما سمعت كلامه بكت ولطمت وجهها وقالت والله هذا الحساب الذي كنت أحسبه فأني ما هاجرت من بلادي الا لاجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام الامر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين وأنشدت تقول :
تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام ضنى مني الفؤاد وغاب نومي عمى بعلي وقد زادت سقامي انا حرمة لي يد قصيرة ولا لي قيمه بين الانام وهذه ناقتي قد شتتني عن الاوطان يا ابن الاكرام فكم من سيد جاء يشتريها فما نالوا بها نيل المرام وقد جينا لكم والتجينا وقلنا قد حطينا بالسلام وانت تريد أن تأخذها مني فعاد رجوعنا أشهى المرام
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)