ولم يتعاظم ذنباً وإن عظم ولا ثناء وإن سمح‏.‏ وكتب أردشير إلى رعيته‏:‏ من أردشير المؤيد ملك الملوك ووارث العظماء إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين والأساورة الذين هم حفظة البيضة والكتاب الذين هم زينة المملكة وذوي الحرث الذين هم عماد البلاد‏:‏ السلام عليكم فإنا بحمد الله إليكم سالمون‏.‏ فقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا بها إتاوتها الموظفة عليها ونحن مع ذلك كاتبون بوصية فاحفظوها‏:‏ لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدو ولا تحتكروا فيشملكم القحط وتزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحم وأثبت للنسب ولا تعدوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقي على أحد ولا ترفضوها فإن الآخرة لا تدرك إلا بها‏.‏ ولما انصرف مروان بن الحكم من مصر إلى الشام استعمل عبد العزيز ابنه على مصر وقال له حين ودعه‏:‏ أرسل حكيماً ولا توصه‏.‏ أي بني انظر إلى عمالك فإن كان لهم عندكم حق غدوة فلا تؤخره إلى عشية وإن كان لهم عشية فلا تؤخره إلى غدوة وأعطهم حقوقهم عند محلها تستوجب بذلك الطاعة منهم‏.‏ وإياك أن يظهر لرعيتك منك كذب فإنهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدقوك في الحق‏.‏ واستشير جلساءك وأهل العلم فإن لم يستبن لك فاكتب إلي يأتك رأيي فيه إن شاء الله تعالى‏.‏ وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة فإن أول من جعل السجن كان حليماً ذا أناة‏.‏ ثم انظر إلى أهل الحسب والدين والمروءة فليكونوا أصحابك وجلساءك ثم اعرف منازلهم منك على غير استرسال ولا انقباض‏.‏ أقول هذا واستخلف الله عليك‏.‏ أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ قال زياد‏:‏ ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شيء من السياسة إلا مرة واحدة استعملت رجلاً فكسر خراجه فخشي أن أعاقبه ففر إليه واستجار به فأمنه‏.‏ فكتبت إليه‏:‏ إن هذا أدب سوأ من قبلي‏.‏ فكتب إلي‏:‏ إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة لا نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية ولا نشتد جميعا فنحمل الناس على المهالك ولكن تكون أنت للشدة والغلظة وأكون أنا للرأفة والرحمة‏.‏ ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم قالت الحكماء‏:‏ أحزم الملوك من قهر جده هزله وغلب رأيه هواه وجعل له الفكر صاحباً يحسن له العواقب وأعرب عن ضميره فعله ولم يخدعه رضاه عن سخطه ولا غضبه عن كيده‏.‏ وقال عبد الملك بن مروان لابنه الوليد وكان ولي عهده‏:‏ يا بني اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه الرعية إلا حزم أو توان‏.‏ وقالوا‏:‏ لا ينبغي للعاقل أن يستصغر شيئاً من الخطأ أو الزلل فإنه متى ما استصغر الصغير يوشك أن يقع الكبير فقد رأينا الملوك تؤتى من العدو المحتقر ورأينا الصحة تؤتى من الداء اليسير ورأينا الأنهار تتدفق من الجداول الصغار‏.‏ وقالوا‏:‏ لا يكون الذم من الرعية لراعيها إلا لإحدى ثلاث‏:‏ كريم قصر به عن قدره فاحتمل لذلك ضغناً أو لئيم بلغ به إلى ما لا يستحق فأورثه ذلك بطراً أو رجل منع حظه من الإنصاف فشكا تفريطا‏.‏ ومن كتاب للهند‏:‏ خير الملوك من أشبه النسر حوله الجيف لا من أشبه الجيف حولها النسور‏.‏ وقيل لملك سلب ملكه‏:‏ ما الذي سلبك ملكك فقال‏:‏ دفع شغل اليوم إلى غد والتماس عدة بتضييع عدد واستكفاء كل مخدوع عن عقله‏.‏ والمخدوع عن عقله من بلغ قدراً لا يستحقه أو أثيب ثواباً لا يستوجبه‏.‏ وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ انتهزوا هذه الفرص فإنها تمر مر السحاب ولا تطلبوا أثراً بعد عين‏.‏ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحزم الخلفاء‏.‏ كانت عائشة رضي الله عنها إذا ذكر عمر قالت‏:‏ كان والله أحوزياً نسيج وحده وقد أعد للأمور أقرانها‏.‏ وقال المغيرة بن شعبة‏:‏ ما رأيت أحداً هو أحزم من عمر كان والله له فضل يمنعه أن يخدع وعقل يمنعه أن يخدع‏.‏ وقال عمر‏:‏ لست بخب والخب لا يخدعني‏.‏ ومر عمر رضي الله عنه ببنيان يبنى بآجر وجص فقال‏:‏ لمن هذا قيل‏:‏ لعاملك على البحرين‏.‏ فقال‏:‏ أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها‏.‏ فأرسل فشاطره ماله‏.‏ وكان سعد بن أبي وقاص يقال له‏:‏ المستجاب لقول النبي (ص)‏:‏ اتقوا دعوة سعد‏.‏ فلما شاطره عمر ماله قال له سعد‏:‏ لقد