مشاورة العلماء وتجربة الأمور وحسن التثبت‏.‏ وأشدها إضراراً به ثلاثة أشياء‏:‏ الاستبداد والتهاون والعجلة‏.‏ وأشار حكيم على حكيم برأي فقبله منه‏.‏ فقال له‏:‏ لقد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمره وسهله بوعره ويحرك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره‏.‏ وقد وعيت النصح وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشك في مودته وصفاء غيبه ونصح جيبه وما وكان عبد الله بن وهب الراسي يقول‏:‏ إياكم والرأي الفطير‏.‏ وكان يستعيذ بالله من الرأي الدبري‏.‏ وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول‏:‏ رأي الشيخ خير من مشهد الغلام‏.‏
وأوصى ابن هبيرة ولده فقال‏:‏ لا تكن أول مشير وإياك والهوى والرأي الفطير ولا تشيرن على مستبد ولا على وغد ولا على متلون ولا لجوج وخف الله في موافقة هوى المستشير‏.‏ فإن النماس موافقته لؤم وسوء الاستماع منه خيانة‏.‏ وكان عامر بن الظرب حاكم العرب يقول‏:‏ دعوا الرأي يغب حتى يختمر وإياكم والرأي الفطير‏.‏ يريد الأناة في الرأي والتثبت فيه‏.‏ ومن أمثالهم في هذا قولهم‏:‏ لا رأي لمن لا يطاع‏.‏ وكان المهلب يقول‏:‏ إن من البلية أن يكون الرأي بيد من يملكه دون من يبصره‏.‏ العتبي‏:‏ قال‏:‏ قيل لرجل من عبس‏:‏ ما أكثر صوابكم‏!‏ قال نحن ألف رجل وفينا حازم واحد فنحن نشاوره فكأنا ألف حازم‏.‏ قال الشاعر‏:‏ الرأي كالليل مسود جوانبه والليل لا ينجلي إلا بإصباح فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح العتبي قال‏:‏ أخبرني من رأى عبد الله بن عبد الأعلى وهو أول داخل على الخليفة وآخر خارج من عنده‏.‏ قال‏:‏ ثم رأيته وإنه ليتقى كما يتقى البعير الأجرب فقال لي‏:‏ يا أخا العراق اتهمنا القوم في سريرتنا ولم يقبلوا منا علانيتنا ومن ورائهم وورائنا حكم عدل‏.‏ ومن أحسن ما قيل فيمن أشير عليه فلم يقبل قول سبيع لأهل اليمامة بعد إيقاع خالد بهم‏:‏ يا بني حنيفة بعدا لكم كما بعدت عاد وثمود‏.‏ أما والله لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندامة وإني لما رأيتكم تتهمون النصيح وتسفهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء‏.‏ والله ما منعكم الله التوبة ولا أخذكم على غرة ولقد أمهلكم حتى مل الواعظ ووهن الموعوظ‏.‏ وكنتم كأنما يعنى بما أتم فيه غيركم فأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق‏.‏ ومن نصيحتي الندامة وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلكم الجزع وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون‏.‏ وقال القطامي في هذا المعنى‏:‏ ومعصية الشفيق عليك مما تزيدك مرة منه استماعا وخير الأمر ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعا كذاك وما رأيت الناس إلا إلى ما جر غاويهم سراعا وكان يقال‏:‏ لا تستشر معلماً ولا حائكاً ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء‏.‏ وأنشد في المعلمين‏:‏ وكيف يرجى العقل والرأي عند من يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل وكان يقال‏:‏ لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها‏.‏ وكان يقال‏:‏ لا رأي لحاقن ولا حازق وهو الذي ضغطه الخف ولا لحاقب وهو الذي يحد رزا في بطنه‏.‏ وينشد في الرأي بعد فوته‏:‏ وعاجز الرأي مضياع لفرصته حتى إذا فات أمر عاتب القدرا ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ فلئن سمعت نصيحتي وعصيتها ما كنت أول ناصح معصي وقال حبيب في بني تغلب عند إيقاع مالك بن طوق بهم‏:‏ لم يألكم مالك صفحاً ومغفرةً ولو ينفخ قين الحي في فحم