باب من أحكام القضاء
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا كان في القضاء خمس خصال فقد كمل: علم بما كان قبله ونزاهة عن الطمع وحلم على الخصم واقتداء بالأئمة ومشاورة أهل العلم والرأي. وقال عمر بن عبد العزيز: إذا أتاك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى يأتي خصمه فلعله قد فقئت عيناه جميعاً. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية كتاباً في القضاء يقول فيه: إذ تقدم إليك الخصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة وإدناء الضعيف حتى يشتد قلبه وينبسط لسانه. وتعاهد الغريب فإنك إن لم تتعاهده ترك حقه ورجع إلى أهله وإنما ضيع حقه من لم يرفق به. وآس بين الناس في لحظك وطرفك وعليك بالصلح بين الناس ما لم يتبين لك فصل القضاء. العتبي قال: تنازع إبراهيم بن المهدي هو وبختيشوع الطبيب بين يدي أحمد بن أبي داود القاضي في مجلس الحكم في عقار بناحية السواد فزرى عليه ابن المهدي وأغلظ له بين يدي أحمد بن أبي داود. فأحفظه ذلك فقال: بإبراهيم إذا نازعت أحداً في مجلس الحكم فلا أعلمن أنك رفعت عليه صوتاً ولا أشرت إليه بيد وليكن قصدك أمماً وطريقك نهجاً وريحك ساكنة. ووف مجالس الحكومة حقوقها من التوقير والتعظيم والتوجه إلى الواجب فإن ذلك أشبه بك وأشكل لمذهبك في محتدك وعظم خاطرك. ولا تعجل فرب عجلة تهب ريثاً والله يعصمك من الزلل وخطل القول والعمل ويتم نعمته عليك ما أتمها على أبوك من قبل إن ربك حكيم عليم. قال إبراهيم: أصلحك الله أمرت بسداد وحضضت على رشاد ولست بعائد إلى ما يلثم مروءتي عندك ويسقطني من عينك ويخرجني عن مقدار الواجب إلى الاعتذار فها أنذا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقر بذنبه باخع بجرمه فإن الغضب لا يزال يستفز بمودة فيردني مثلك بحلمه وقد رهبت حقي من هذا العقار لبختيشوع فليت ذلك يقوم بأرش الجناية ولن يتلف مال أفاد موعظة. وبالله التوفيق. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري - رواها ابن عيينة -: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلى إليك الخصم فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يخاف ضعيف من جورك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراماً أو حرم حلالاً. ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه فإن الحق قديم والرجوع إليه خير من التمادي على الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما لم يبلغك به كتاب الله ولا سنة نبيه (ص) واعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أحبها عند الله ورسوله وأشبهها بالحق واجعل للمدعي أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذت له بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر. والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو قرابة أو نسب فإن الله عز وجل ولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والأيمان. ثم إياك والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحقوق التي يوجب الله عز وجل بها الأجر ويحسن بها الذخر فإنه من تخلص نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفيه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه هتك الله ستره. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فاحذر أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة وأهواء متبعة ودنيا مؤثرة. أقم الحدود واجلس للمظالم ولو ساعة من النهار وأخف الفساق واجعلهم يداً يداً ورجلاً رجلاً وإذا كانت بين القبائل ثائرة فنادوا: يا لفلان فإنما تلك نجوى من الشيطان فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا إلى أمر الله عز وجل وتكون دعواتهم إلى الله والإسلام. واستدم النعمة بالشكر والطاعة بالتألف والمقدرة بالعفو والنصرة بالتواضع والمحبة للناس وبلغني أن ضبة تنادي: يا لضبة. وإني والله ما أعلم أن ضبة ساق الله بها خيراً قط ولا صرف بها شراً. فإذا جاءك كتابي هذا فأنهكهم عقوبة حتى يفرقوا إن لم يفقهوا وألصق بغيلان
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
بن خرشة من بينهم. وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وباشر أمورهم بنفسك وافتح لهم بابك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله قد جعلك أثقلهم حملاً. وقد بلغ أمير المؤمنين أنه فشت لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة همها في السمن والسمن حتفها. واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته وأشقى الناس من يشقى به الناس والسلام. أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يغزو قوماً في البحر فكتب إليه عمرو بن العاص وهو عامله على مصر: يا أمير المؤمنين إن البحر خلق عظيم يركبه خلق صغير دود على عود. فقال الشعبي قال: كنت جالساً عند شريح إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها وهو غائب وتبكي بكاء شديداً. فقلت: أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة. قال: وما علمك قلت: لبكائها. قال: لا تفعل فإن أخوة يوسف جاءوا آباءهم عشاء يبكون وهم له ظالمون. وكان الحسن بن أبي الحسن لا يرى أن يرد شهادة رجل مسلم إلا أن يحرجه المشهود عليه. فأقبل إليه رجل فقال: يا أبا سعيد إن إياساً رد شهادتي. فقام معه الحسن إليه فقال: يا أبا وائلة لم رددت شهادة هذا المسلم وقد قال رسول الله (ص) من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا فقال: يا أبا سعيد إن الله عز وجل يقول: " ممن ترضون من الشهداء " وهذا ممن لا يرضى. ودخل الأشعث بن قيس على شريح القاضي في مجلس الحكومة فقال: مرحباً وأهلاً بشيخنا وسيدنا وأجلسه معه. فبينما هو جالس عنده إذ دخل رجل يتظلم من الأشعث فقال له شريح: قم فاجلس مجلس الخصم وكلم صاحبك. قال: بل أكلمه من مجلسي. فقال له: لتقومن أو لآمرن من يقيمك. فقال له الأشعث: لشد ما ارتفعت! قال: فهل رأيت ذلك ضرك قال: لا. قال: فأراك تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها على نفسك. وأقبل وكيع بن أبي سعود صاحب خراسان ليشهد عند إياس بشهادة فقال: مرحباً وأهلاً بأبي مطرف وأجلسه معه ثم قال له: ما جاء بك قال: لأشهد لفلان. فقال: مالك وللشهادة إنما يشهد الموالي والتجار والسوقة. قال: صدقت وانصرف من عنده. فقيل له: خدعك إنه لا يقبل شهادتك. قال: لو علمت ذلك لعلوته بالقضيب. دخل عدي بن أرطأة على شريح فقال: أين أنت أصلحك الله قال: بينك وبين الحائط. قال: إني رجل من أهل الشام. قال: نائي الدار سحيق المزار. قال: قد تزوجت عندكم. قال: بالرفاء والبنين قال: وولد لي غلام. قال: ليهنئك الفارس. قال: وأردت أن أرحلها. قال: الرجل أحق بأهله قال: وشرطت لها دارها قال: الشرط أملك. قال فاحكم الآن بيننا. قال: قد فعلت قال: على من قضيت قال: على ابن أمك. قال: بشهادة من قال: بشهادة ابن أخت خالتك. يريد إقراره على نفسه. سفيان الثوري قال: جاء رجل يخاصم إلى شريح في سنور قال: بينتك. قال: ما أجد بينة في سنور ولدت عندنا. قال شريح: فاذهبوا بها إلى أمها فأرسلوها فإن استقرت واستمرت ودرت فهي سنورك وإن هي اقشعرت وازبأرت وهرت فليست بسنورك. سفيان الثوري قال: جاء رجل إلى شريح فقال: ما تقول في شاة تأكل الدبى قال: لبن طيب وعلف مجان. ودخل رجل على الشعبي في مجلس القضاء ومعه امرأته وهي من أجمل النساء فاختصما إليه فأدلت المرأة بحجتها وقربت بينتها. فقال الشعبي للزوج: هل عندك من مدفع فأنشأ يقول: فتن الشعبي لما رفع الطرف إليها فتنته بدلال وبخطي حاجبيها قال للجلواز قرب - ها وأحضر شاهديها فقضى جوراً على الخص - م ولم يقض عليها قال الشعبي: فدخلت على عبد الملك بن مروان فلما نظر إلي تبسم وقال: فتن الشعبي لم رفع الطرف إليها ثم قال: ما فعلت بقائل هذه الأبيات قلت: أوجعته ضرباً يا أمير المؤمنين بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة وبما افترى به علي. قال: أحسنت.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
كتاب الفريدة في الحروب ومدار أمرها
قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه رحمه الله قد مضى قولنا في السلطان وتعظيمه وما على الرعية من لزوم طاعته وإدامة نصيحته وما على السلطان من العدل في رعيته والرفق بأهل مملكته. ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الحروب ومدار أمرها وقود الجيوش وتدبيرها وما على المدبر لها من إعمال الخدعة وانتهاز الفرصة والتماس الغرة وإذكاء العيون وإفشاء الطلائع واجتناب المضايق وطول تجربته لها و لمقاساة الحروب ومعاناة الجيوش وعلمه أن لا درع كالصبر ولا حصن كاليقين. ثم نذكر كرم الإقدام ومحمود عاقبته ولؤم الفرار ومذموم مغبته. والله المعين.
صفة الحرب
الحرب رحى ثقالها الصبر وقطبها المكر ومدارها الاجتهاد وثقافها الأناة وزمامها الحذر ولكل شيء من هذه ثمرة فثمرة الصبر التأييد وثمرة المكر الظفر وثمرة الاجتهاد والتوفيق وثمرة الأناة اليمن وثمرة الحذر السلامة. ولكل مقام مقال ولكل زمان رجال والحرب بين الناس سجال والرأي فيها أبلغ من القتال. قال عمرو بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن معد يكرب: صف لنا الحرب قال: مرة المذاق إذا كشفت عن ساق من صبر فيها عرف ومن نكل عنها تلف ثم أنشأ يقول: الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا حميت وشب ضرامها عادت عجوزاً ذات خليل شمطاء جزت رأسها وتنكرت مكروهة للثم والتقبيل وقيل لعنترة الفوارس: صف لنا الحرب. فقال: أولها شكوى وأوسطها نجوى وآخرها بلوى. وقال الكميت: والناس في الحرب شتى وهي مقبلة ويستوون إذا ما أدبر القبل كل بأمسيها طب مولية والعاملون بذي غدويها قلل وقال نصر بن سياد صاحب خراسان يصف الحرب ومبتدا أمرها: أرى خلل الرماد جمر فيوشك أن يكون له ضرام فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام: الشر حلو أوله: مر آخره. والعرب تقول: الحرب غشوم لأنها تنال غير الجاني وقال حبيب: والحرب تركب رأسها في مشهد عدل السفيه به بألف حليم في ساعة لو أن لقماناً بها وهو الحكيم لكان غير حكيم وقال أكثم بن صيفي حكيم العرب: لا حلم لمن لا سفيه له. ونحو هذا قول الأحنف بن قيس: ما قل سفهاء قوم قط إلا ذلوا. وقال: لأن يطيعني سفهاء قومي أحب إلي من أن يطيعني حلماؤهم. وقال: أكرموا سفهاءكم فإنهم يكفونكم النار والعار. وقال النابغة الجعدي: ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا وأنشد هذا الشعر للنبي (ص) فلما انتهى إلى هذا البيت قال له النبي صلى وقال النابغة الذبياني يصف الحرب: تبدو كواكبه والشمس طالعة لا النور نور ولا الإظلام إظلام يريد بقوله: " تبدو كواكبه والشمس طالعة " شدة الهول والكرب كما تقول العامة: أريته النجوم وسط النهار. قال الفرزدق: " أريك نجوم الليل والشمس حية " وقال طرفة بن العبد: " وتريك النجم يجري بالظهر " وإليه ذهب جرير في قوله: والشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا يقول: الشمس طالعة وليست بكاسفة نجوم الليل لشدة الغم والكرب الذي فيه الناس. ومن قولنا في صفة الحرب: ومغبر السماء إذا تجلى يغادر أرضه كالأرجوان وكل مشطب المتنين صاف كلون الملح منصلت يماني كأن نهاره ظلماء ليل كواكبه من السمر اللذان وفي صفة المعترك: ومعترك تهز به المنايا ذكور الهند في أيدي ذكور لوامع يبصر الأعمى سناها ويعمي دونها طرف البصير وخافقة الذرائب قد أنافت على حمراء ذات شباً طرير تحوم حولها عقبان موت تخطفت القلوب من الصدور بيوم راح في سربال ليل فما عرف الأصيل من البكور وعين الشمس ترنو في قتام رنو البكر من بين الستور فكم قصرت من عمر طويل به وأطلت من عمر قصير العمل في الحرب قيل لأكثم بن صيفي: صف لنا العمل في الحرب. قال: أقلوا الخلاف على
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
أمرائكم فلا جماعة لمن اختلف عليه. واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل فتثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين ورب وقال شبيب الحروري: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا أمسى يقول لأصحابه: أتاكم المدد يعني الليل. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها يوم الجمل وسمعت منازعة أصحابها وكثرة صياحهم: المنازعة في الحرب خور والصياح فيها فشل وما برأيي خرجت مع هؤلاء. وقال عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر لما رأى عسكر رسول الله (ص): أما ترونهم خرساً لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الحيات. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من أكثر النظر في العواقب لم يشجع. وقال النعمان بن مقرن لأصحابه عند لقاء العدو: إني هاز لكم الراية فليصلح كل رجل منكم من شأنه وليشد على نفسه وفرسه ثم إني هازها لكم الثانية فلينظر كل رجل منكم موقع سهمه وموضع عدوه ومكان فرصته ثم إني هازها لكم الثالثة وحامل فاحملوا على اسم الله. وللنعمان بن مقرن هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه - إذ تكاملت عنده الحشود وتطلع الصحابة إلى التقدم عليها -: لأقلدن أعنتها رجلاً يكون عداء لأول أسنة يلقاها. فقلدها النعمان بن مقرن. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: انتهزوا الفرصة فإنها تمر مر السحاب ولا تطلبوا أثراً بعد عين. وقال بعض الحكماء: انتهز الفرصة فإنها خلسة وثب عند رأس الأمر ولا تثب عند ذنبه. وإياك والعجز فإنه أذل مركب والشفيع المهين فإنه والله أضعف وسيلة. وخرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمه ذلك فقيل له: ما يهمك منهم! وجه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكم. فقال: لا إن وكيعاً رجل به كبر يحتقر أعداءه ومن كان هكذا قلت مبالاته بأعدائه فلم يحترس منهم فيجد عدوه غرة منه. وسئل بعض الملوك عن وثائق الحزم في القتال فقال: مخاتلة العدو عن الريف وإعداد العيون على الرصد وإعطاء المبلغين أمانا على مستأمن ولا تشدهنك الغنيمة عن المحاذرة. وفي بعض كتب العجم: أن حكيماً سئل أشد الأمور تدريباً للجنود وشحذاً لها فقال: تعود القتال وكثرته وأن يكون لها مواد من ورائها. وقال عمرو بن العاص لمعاوية: والله ما أدري يا أمير المؤمنين أشجاع أنت أم جبان فقال معاوية: شجاع إذا ما أمكنتني فرصة وإن لم تكن لي فرصة فجبان قال هدبة العذري: ولا أتمنى الشر والشر تاركي ولكن متى أحمل على الشر أركب ولست بمفراح إذا الدهر سرني ولا جازع من صرفه المتقلب الصبر والإقدام في الحرب جمعت الله تبارك وتعالى تدبير الحرب كلها في آيتين من كتابه فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون. وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ". وتقول العرب: إن الشجاعة وقاية والجبن مقتلة. واعتبر من ذلك أن من يقتل مدبراً أكثر ممن يقتل مقبلاً ولذلك قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لخالد بن الوليد: احرص على الموت توهب لك الحياة. والعرب تقول: الشجاع موقى والجبان ملقى. وقال أعرابي: الله نخلف ما أتلف الناس والدهر متلف ما جمعوا وكم من منية علتها طلب الحياة وحياة سببها التعرض للموت. وكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمر الناس ويقول: يا أهل الإسلام إن الصبر عز وإن الفشل عجز وإن مع الصبر النصر. وكتب أنو شروان إلى مرازبته عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن بالله. وقال حسان بن ثابت: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما وقال العلوي في هذا المعنى: محرمة أكفال خيلى على القنا ودامية لباتها ونحورها حرام على أرماحنا طعن مدبر وتغرق منها في الصدور صدورها وكانوا يتمادحون بالموت قعصا ويتهاجون بالموت على الفراش ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه وأول من قال ذلك النبي عليه الصلاة والسلام. وخطب عبد الله بن الزبير الناس لما بلغه قتل مصعب أخيه فقال: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه. إنا والله لا نموت حتفاً ولكن نموت قعصاً بأطراف الرماح وموتاً تحت ظلال السيوف. وإن يقتل مصعب فإن في آل الزبير خلفاً منه. وقال السموأل بن عادياء: ما مات منا سيد حتف أنفه ولا طل منا حيث كان قتيل تسيل على حد الظبات نفوسنا وليس على غير السيوف تسيل وقال آخر: وقال الشنفرى: فلا تدفنوني إن دفني محرم عليكم ولكن خامري أم عامر إذا حملت رأسي وفي الرأس أكثري وغودر عند الملتقى ثم سائري هنالك لا أبغي حياة تسرني سجيس الليالي مبسلاً بالجرائر قوله: خامري أم عامر هي الضبع. يعني بقوله: إذا قتلتموني فلا تدفنوني ولكن ألقوني إلى التي يقال لها: خامري أم عامر وهي الضبع وهذا اللفظ بعيد من المعنى. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - وقيل له: أتقتل أهل الشام بالغداة وتظهر بالعشي في إزار ورداء - فقال: أبالموت تخوفوني! فوالله ما أبالي أسقطت على الموت أم سقط علي. وقال لابنه الحسن عليهما السلام: لا تدعون أحداً إلى المبارزة وإن دعيت إليها فأجب فإن الداعي إليها باغ والباغي مصروع. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: بقية السيف أنمى عدداً وأطيب ولداً. يريد أن السيف إذا أسرع في أهل بيت كثر عددهم ونمى ولدهم. ومما يستدل به على صدق قوله: ما عمل السيف في آل الزبير وآل أبي طالب وما كثر من وقال أبو دلف العجلي: إني امرؤ عودني مهرى ركوب الغلس يحمدني سيفي كما يحمد كري فرسي سيفي بليلي قبسي وفي نهاري أنسى وقال محمد بن عبد الله بن طاهر صاحب خراسان: لست لربحان ولا راح ولا على الجار بنباح فإن أردت الآن موقفاً فبين أسياف وأرماح ترى فتى تحت ظلال القنا يقبض أرواحاً بأرواح وقال أشهب بن رميلة: أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود وقيل للمهلب بن أبي صفرة: ما أعجب ما رأيت في حرب الأزارقة قال: فتى كان يخرج إلينا منهم في كل غداة فيقف فيقول: وسائلة بالغيب عني ولو درت مقارعتي الأبطال طال نحيبها إذا ما التقينا كنت أول فارس يجود بنفس أثقلتها ذنوبها وقال هشام بن عبد الملك لأخيه مسلمة: يا أبا سعيد هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو قال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبه علي حيلي ولم يغشني ذعر قط سلبني رأيي. قال هشام: صدقت هذه والله البسالة. وقيل لعنترة: كم كنتم يوم الفروق قال: كنا مائة لم نكثر فنتكل ولم نقل فنذل. وكان يزيد بن المهلب يتمثل كثيراً في الحرب بقول حصين بن الحمام: تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما وقالت الخنساء: نهين النفوس وبذل النفو س يوم الكريهة أبقى لها وقيل لعباد بن الحصين - وكان من أشد أهل البصرة -: في أي عدة كنت تريد أن تلقى عدوك قال: في أجل مستأخر: وكان مما يتمثل به معاوية رضي الله عنه يوم صفين. أبت لي شيمتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقدامي على المكروه نفسي وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي ونظير هذا قول قطري بن الفجاءة: وقولي كلما جشأت لنفسي من الأبطال ويحك لا تراعي فإنك لو سألت حياة يوم سوى الأجل الذي لك لم تطاعي وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج كل يوم بصفين حتى يقف بين الصفين ويقول: أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجي الحذر ومثله قول جرير: قل للجبان إذا تأخر سرجه هل أنت من شرك المنية ناجي وهذا البيت في شعره الذي أوله: " هاج الهوى لفؤادك المهتاج " ومدح فيه الحجاج فلما أنشده: " قل للجبان إذا تأخر سرجه " قال: جرأت علي الناس يا بن اللخناء. قال: والله ما ألقيت لها بالاً أيها الأمير إلا وقتي هذا.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)