على كل ما هويت لأنا‏.‏ وإن أهل هذه المدينة قد طمعوا فيك لمكاني منك فأحب أن تشفعني فيهم وأن لا تخالفني في كل ما سألتك لهم‏.‏ فأعطاه من العهود والمواثيق على ذلك ما لا يقدر على الرجوع عنه‏.‏ فلما توثق منه قال‏:‏ فإن حاجتي إليك أن تهدمها وتقتل أهلها‏.‏ قال‏:‏ وقيل‏:‏ صالح سعيد بن العاص حصناً من حصون فارس على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً‏.‏ ابن الكلبي قال‏:‏ لما فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل غزة فبعث إليه علجها‏:‏ أن أبعث إلي رجلاً من أصحابك أكلمه‏.‏ ففكر عمرو وقال‏:‏ ما لهذا أحد غيري‏.‏ قال‏:‏ فخرج حتى دخل على العلج فكلمه فسمع كلاماً لم يسمع قط مثله‏.‏ فقال العلج‏:‏ حدثني‏:‏ هل في أصحابك أحد مثلك قال‏:‏ لا تسأل عن هذا إني هين عليهم إذ بعثوا بي إليك وعرضوني لما عرضوني له ولا يدرون ما تصنع بي قال‏:‏ فأمر له بجائزة وكسوة وبعث إلى البواب‏:‏ إذ مر بك فاضرب عنقه وخذ ما معه‏.‏ فخرج من عنده فمر من رجل من نصارى غسان فعرفه فقال‏:‏ يا عمرو قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج‏.‏ ففطن عمرو لما أراده فرجع‏.‏ فقال له الملك‏:‏ ما ردك إلينا قال‏:‏ نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع بني عمي فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد‏.‏ فقال‏:‏ صدقت أعجل بهم‏.‏ وبعث إلى البواب أن خل سبيله‏.‏ فخرج عمرو وهو يلتفت حتى إذا أمن قال‏:‏ لا عدت لمثلها أبداً‏.‏ فلما صالحه عمرو ودخل عليه العلج قال له‏:‏ أنت هو‏!‏ قال‏:‏ نعم على ما كان من غدرك‏.‏ وقال‏:‏ ولما أتي بالهرمزان أسيراً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا زعيم العجم وصاحب رستم‏.‏ فقال له عمر‏:‏ أعرض عليك الإسلام نصحاً لك في عاجلك وآجلك‏.‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنما أعتقد ما أنا عليه ولا أرغب في الإسلام رهبة‏.‏ فدعا له عمر بالسيف‏.‏ فلما هم بقتله قال‏:‏ يا أمير المؤمنين شربة ماء أفضل من قتلى على ظمأ‏.‏ فأمر له عمر بشربة ماء‏.‏ فلما أخذها قال له‏:‏ أنا آمن حتى أشربها قال‏:‏ نعم‏.‏ فرمى بها وقال‏:‏ الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج‏.‏ قال‏:‏ صدقت لك التوقف عنك وأنظر في أمرك ارفعوا عنه السيف‏.‏ فلما رفع عنه قال‏:‏ الآن يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وما جاء به حق من عنده‏.‏ قال عمر‏:‏ أسلمت خير إسلام فما أخرك قال‏:‏ كرهت أن يظن أني إنما أسلمت جزعاً من السيف وإيثاراً لدينه بالرهبة‏.‏ فقال عمر‏:‏ إن لأهل فارس عقولاً بها استحقوا ما كانوا فيه من الملك ثم أمر به أن يبر ويكرم‏.‏ فكان عمر يشاوره في توجيه العساكر والجيوش لأهل فارس‏.‏ وهذا نظير فعل الأسير الذي أتى به معن بن زائدة في جملة الأسرى فأمر بقتلهم فقال له أتقتل الأسرى عطاشاً يا معن فأمر بهم فسقوا‏.‏ فلما شربوا قال‏:‏ أتقتل أضيافك يا معن فخلى سبيلهم‏.‏ وذكروا أن ملك من ملوك العجم كان معروفاً ببعد الغور ويقظة الفطنة وحسن السياسة وكان إذا أراد محاربة ملك من الملوك وجه إليه من يبحث عن أخباره وأخبار رعيته قبل أن يظهر إلى محاربته فيكشف عن ثلاث خصال من حاله فكان يقول لعيونه‏:‏ انظروا هل ترد على الملك أخبار رعيته على حقائقها أم يخدعه عنها المنهي ذلك إليه وانظروا إلى الغنى في أي صنف هو من رعيته أفيمن اشتد أنفه وقل شرهه أم فيمن قل أنفه واشتد شرهه وانظروا في أي صنفي رعيته القوام بأمره أفيمن نظر ليومه وغده أم من شغله يومه عن غده فإن قيل له لا يخدع عن أخبار رعيته والغنى فيمن قل شرهه واشتد أنفه والقوام بأمره من نظر ليومه وغده قال‏:‏ اشتغلوا عنه بغيره‏.‏ وإن قيل له ضد ذلك قال‏:‏ نار كامنة تنتظر موقد وأضغان مزملة تنتظر مخرجاً اقصدوا له فلا حين أحين من سلامة مع تضييع ولا عدو أعدى من أمن أدى إلى اغترار‏.‏ وكانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ ثم نزلت بابل ثم نزل أردشير بن بابك فارس فصارت دار مملكتهم وصار بخراسان ملوك الهياطلة وهم الذين قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بههرام ملك الفرس وكان غزاهم‏.‏ فكاده ملك الهياطلة بأن عمد إلى رجل ممن عرفه بالمكابدة وحسن الإدارة فأظهر السخط عليه ووقع به على أعين الناس توقيعاً قبيحاً ونكل به تنكيلاً شديداً ثم أرسله وقد واطأه على أمر أبطنه معه وظاهره عليه‏.‏ فخرج حتى أتى فيروز في طريقه فأظهر له النزوع إليه والاستنصار به من عظيم ما يناله‏.‏ فلما رأى فيروز ما به من التوقيع والنكاية فيه وثق به واستنام إليه‏.‏ فقال له‏:‏ أنا أدلك أيها الملك على غرة القوم وعورتهم وأعلمك مكان غفلتهم‏.‏ فسلك به سبيل مهلكة معطشة‏.‏ ثم خرج إليه ملك الهياطلة فأسره وأكثر أصحابه‏.‏ فسألهم أن يمنوا عليه وعلى من معه وأعطاهم موثقاً لا يغزوهم أبداً ونصب لهم حجراً جعله حداً