حطان يرثي أبا بلال‏:‏ يا عين بكي لمرداس ومصرعه يا رب مرداس اجعلني كمرداس أبقيتني هائماً أبكي لمرزئتي في منزل موحش من بعد إيناس أنكرت بعدك ما قد كنت أعرفه ما الناس بعدك يا مرداس بالناس إما شربت بكأس دار أولها على القرون فذاقوا جرعة الكاس فكل من لم يذقها شارب عجلاً منها بأنفاس ورد بعد أنفاس وليس في الفرق كلها وأهل البدع أشد بصائر من الخوارج ولا أكثر اجتهاداً ولا أوطن أنفساً على الموت فمنهم الذي طعن فأنفذه الرمح فجعل يسعى إلى قاتله ويقول‏:‏ عجلت إليك رب لترضى‏.‏ ولما مالت الخوارج إلى أصبهان حاصرت بها عتاب بن ورقاء سبعة أشهر يقاتلهم في كل يوم وكان من عتاب بن ورقاء رجل يقال له شريح ويكنى أبا هريرة فكان يخرج إليهم في كل يوم فيناديهم‏:‏ يا بن أبي الماحوز والأشرار كيف ترون يا كلاب النار شد أبي هريرة الهرار يعروكم بالليل والنهار وهو من الرحمن في جوار فتعاظمهم ذلك‏.‏ فكمن له عبيدة بن هلال فضربه واحتمله أصحابه فظنت الخوارج أنه قد قتل فكانوا إذا تواقفوا ينادونهم‏:‏ ما فعل الهرار فيقولون‏:‏ ما به من بأس‏.‏ حتى أبل من علته فخرج إليهم فقال‏:‏ يا أعداء الله‏.‏ أترون بي بأساً فصاحوا به‏:‏ قد كنا نرى أنك لحقت بأمك الهاوية في النار الحامية‏.‏ فلما طال الحصار على عتاب قال لأصحابه‏:‏ ما تنتظرون‏:‏ إنكم والله ما تؤتون من قلة وإنكم فرسان عشائركم ولقد حاربتموها مراراً فانتصفتم منهم وما بقي من هذا الحصار إلا أن تفنى ذخائركم فيموت أحدكم فيدفنه صاحبه ثم يموت هو فلا يجد من يدفنه فقاتلوا القوم وبكم قوة من قبل أن يضعف أحدكم عن أن يمشي إلى قرنه‏.‏ فلما أصبح بهم الصبح ثم خرج إلى الخوارج وهم غارون وقد نصب لواء لجارية يقال لها ياسمين فقال‏:‏ من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين ومن أراد الجهاد فليلحق بلوائي‏.‏ قال‏:‏ فخرج في ألفين وسبعمائة فارس فلم تشعر بهم الخوارج حتى غشوهم فقاتلوهم بجد لم تر الخوارج مثله فقتلوا أميرهم الزبير بن علي وانهزمت الخوارج فلم يتبعهم عتاب بن ورقاء‏.‏ وخرج قريب بن مرة الأزدي وزحاف الطائي‏.‏ كانا مجتهدين بالصرة في أيام زياد فاعترضا الناس فلقيا شيخاً ناسكاً من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار فقتلاه وتنادى الناس فخرج رجل من بني قطيعة من الأزد بالسيف‏.‏ فناداه الناس من بعض البيوت‏:‏ الحرورية انج بنفسك‏.‏ فنادوه‏:‏ لسنا حرورية نحن الشرط فوقف فقتلوه‏.‏ وبلغ أبا بلال خبرهما وكان على دين الخوارج إلا أنه كان لا يرى اعتراض الناس فقال قريب لا قربه الله من الخير وزحاف لا عفا الله عنه فلقد ركباها عشواء مظلمة‏.‏ ثم جعلا لا يمران بقبيلة إلا قتلا من وجدا فيها حتى مرا ببني علي ابن سود من الأزد‏.‏ وكانوا رماة وكان فيهم مائة يجيدون الرمي‏.‏ فرموهم رمياً شديداً فصاحوا‏:‏ يا بني علي البقيا لا لا شيء للقوم سوى السهام مشحوذة في غلس الظلام فهربت عنهم الخوارج‏.‏ فاشتقوا مقبرة بني يشكر حتى خرجوا إلى مزينة‏.‏ واستقبلهم الناس فقتلوا عن آخرهم‏.‏ ثم عاد الناس إلى زياد فقال‏:‏ ألا ينهى كل قوم سفهاءهم‏.‏ فكانت القبائل إذا أحست بخارجي فيهم أوثقوه وأتوا به زياداً فمنهم من يجبسه ومنهم من يقتله‏.‏ ولزياد أخرى في الخوارج أنه أتي بامرأة منهم فقتلها ثم عراها فلم تخرج النساء إلا بعد زياد وكن إذا أرغمن على الخروج قلن‏:‏ لولا التعرية لسارعنا‏.‏