أترك أمراً قد وقع لأمر لعله لا يقع‏.‏ وكان خالد بن عبد الله القسري يقول على المنبر‏:‏ أيها الناس عليكم بالمعروف فإن الله لا يعدم فاعله جوازيه‏.‏ وما ضعفت الناس عن أدائه قوي الله على جزائه‏.‏ وأخذه من قول الحطيئة‏:‏ من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس وأخذه الحطيئة من بعض الكتب القديمة‏.‏ يقول الله تعالى فيما أنزله على داود عليه السلام‏:‏ من يفعل الخير يجده عندي لا يذهب العرف بيني وبين عبدي‏.‏ وكان سعيد بن العاص يقول على المنبر‏:‏ من رزقه الله رزقاً حسناً فلينفق منه سراً وجهراً حتى يكون أسعد الناس به فإنما يترك ما يترك لأحد رجلين‏:‏ إما لمصلح فلا يقل عليه شيء وإما لمفسد فلا يبقى له شيء‏.‏ أخذه الشاعر فقال‏:‏ أسعد بمالك في الحياة فإنما يبقى خلافك مصلح أو مفسد وقال أبو ذر رضي الله عنه‏:‏ إن لك في مالك شريكين‏:‏ الحدثان والوارث فإن استطعت ألا تكون أبخس الشركاء حظاً فافعل‏.‏ وقال بزرجمهر الفارسي‏:‏ إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى‏:‏ أخذ الشاعر هذا المعنى فقال‏:‏ لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة فليس ينقصها التبذير والسرف وإن تولت فأحرى أن تجود بها فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف وكان كسرى يقول‏:‏ عليكم بأهل السخاء والشجاعة فإنهم أهل حسن الظن بالله تعالى ولو أن أهل البخل لم يدخل عليهم من ضرر بخلهم ومذمة الناس لهم وإطباق القلوب على بغضهم إلا سوء ظنهم بربهم في الخلف لكان عظيماً‏.‏ وأخذ هذا المعنى محمود الوراق فقال‏:‏ من ظن بالله خيراً جاد مبتدئاً والبخل من سوء ظن المرء بالله محمد بن يزيد بن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ خرجت مع موسى الهادي أمير المؤمنين من جرجان فقال لي‏:‏ إما أن تحملني وإما أن أحملك‏.‏ ففهمت ما أراد فأنشدته أبيات ابن صرمة الأنصاري‏:‏ وإن قومكم سادوا فلا تحسدوهم وإن كنتم أهل السيادة فاعدلوا وإن أنتم أعوزتم فتعففوا وإن كان فضل المال فيكم فأفضلوا فأمر لي بعشرين ألفاً‏.‏ وقال عبد الله بن عباس‏:‏ سادات الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء‏.‏ وقال أبو مسلم الخولاني‏:‏ ما شيء أحسن من المعروف إلا ثوابه‏.‏ وما كل من قدر على المعروف كانت له نية‏.‏ فإذا اجتمعت القدرة والنية تمت السعادة وأنشد‏:‏ إن المكارم كلها حسن والبذل أحسن ذلك الحسن كم عارف بي لست أعرفه ومخبر عني ولم يرني يأتيهم خبري وإن بعدت داري وبوعد عنهم وطني إني لحر المال ممتهن ولحر عرضي غير ممتهن وقال خالد بن عبد الله القسري‏:‏ من أصابه غبار مركبي فقد وجب علي شكره‏.‏ وقال عمرو بن العاص‏:‏ والله لرجل ذكرني ينام على شقة مرة وعلى شقة أخرى يراني موضعاً لحاجته لأوجب علي حقاً إذا سألنيها مني إذا قضيتها له‏.‏ وقال عبد العزيز بن مروان‏:‏ إذا أمكنني الرجل من نفسه حتى أضع معروفي عنده يده عندي إذا طارقات الهم ضاجعت الفتى وأعمل فكر الليل والليل عاكر وباكرني في حاجة لم يكن لها سواي ولا من نكبة الدهر ناصر فرجت بمالي همه عن خناقه وزايله الهم الطروق المساور وكان له فضل علي بظنه بي الخير إني للذي ظن شاكر وقيل لأبي عقيل البليغ العراقي‏:‏ كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة إليه قال‏:‏ رأيت رغبته في الشكر وحاجته إلى القضاء أشد من حاجة صاحب الحاجة‏.‏ أخذه بشار فنظمه فقال‏:‏ مالكي ينشق عن وجهه الجد ب كما انشقت الدجى عن ضياء ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ف ولكن يلذ طعم العطاء وقال زياد‏:‏ كفى بالبخل عاراً اسمه لم يقع في حمد قط وكفى بالجود فخراً أن اسمه لم يقع في ذم قط‏.‏ وقال آخر‏:‏ لقد علمت وقد قطعتني عذلاً ماذا من الفضل بين البخل والجود إلا يكن ورق يوماً أروح به للخابطين فإني لين العود قوله‏:‏ إلا يكن ورق يريد المال وضربه مثلاً‏.‏ ويقال‏:‏ أتى فلان فلاناً يختبط ما عنده‏.‏ والاختباط‏:‏ ضرب الشجر ليسقط الورق لتأكله السائمة فجعل طالب الرزق مثل الخابط‏.‏ وقال أسماء بن خارجة‏:‏ ما أحب أن أرد أحداً عن حاجة طلبها‏.‏ لأنه لا يخلو أن يكون كريماً فأصون له عرضه أو لئيماً فأصون عرضي منه‏.‏ وقال أرسطو طاليس‏:‏ من انتجعك من بلاده فقد ابتدأك بحسن الظن بك والثقة بما عندك‏.‏ الترغيب في حسن الثناء واصطناع المعروف قال النبي (ص)‏:‏ إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء‏.‏ وكتب عمر بن الخطاب