وهاهنا بلغت همتك وعلى هاهنا انتهت أمنيتك قال لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فإنه بقي علي‏.‏ قال‏:‏ وما بقي عليك قال غلام يقود الكلب‏.‏ قال‏:‏ وغلام يقود الكلب‏.‏ قال‏:‏ وخادم يطبخ لنا الصيد‏.‏ قال‏:‏ وخادم يطبخ الصيد‏.‏ قال ودار نسكنها‏.‏ قال‏:‏ ودار تسكنها‏.‏ قال وجارية نأوي إليه‏.‏ قال‏:‏ وجارية تأوي إليها‏.‏ قال‏:‏ قد بقى الآن المعاش قال‏:‏ قد أقطعناك ألفي جريب عامرة وألفي جريب غامرة‏.‏ قال‏:‏ وما الغامرة يا أمير المؤمنين قال‏:‏ التي لا تعمر‏.‏ قال‏:‏ أنا أقطع أمير المؤمنين خمسين ألفاً من فيافي بني أسد‏.‏ قال قد جعلتها كلها لك عامرة‏.‏ قال‏:‏ فيأذن لي أمير المؤمنين في تقبيل يده قال‏:‏ أما هذه فدعها‏.‏ قال‏:‏ ما منعتني شيئاً أيسر هي أم ولدي فقداً منه‏.‏ ودخل أبو دلامة على أبي جعفر المنصور يوماً وعليه قلنسوة طويلة - وكان قد أخذ أصحابه بلبسها وأخذهم بلبس دراريع عليها مكتوب بين كتفي الرجل‏:‏ ‏"‏ فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ‏"‏ وأمرهم بتعليق السيوف على أوساطهم - فدخل عليه أبو دلامة في ذلك الزي فقال له‏:‏ كيف أصبت أبا دلامة قال‏:‏ بشر حال يا أمير المؤمنين‏.‏ قال‏:‏ كيف ذلك ويلك‏!‏ قال‏:‏ وما ظنك يا أمير المؤمنين بمن أصبح وجهه في وسطه وسيفه في أسته وقد نبذ كتاب الله عز وجل وراء ظهره‏.‏ قال‏:‏ فضحك أبو جعفر وأمر بتغيير ذلك وأمر لأبي دلامة بصلة‏.‏ وأوصل أبو دلامة إلى العباس بن المنصور رقعة فيها هذه الأبيات‏:‏ قف بالديار وأي الدهر لم تقف على منازل بين الظهر والنجف وما وقوفك في أطلال منزلة لولا الذي استحدثت في قلبك الكلف إن كنت أصبحت مشغوفاً بجارية فلا وربك لا تشفيك من شغف ولا تزيدك إلا العل من أسف فهل لقلبك من صبر على الأسف تخطها من جواري المصر كاتبة قد طالما ضربت في اللام والألف وطالما اختلفت صيفاً وشاتية إلى معلمها باللوح والكتف حتى إذا ما استوى الثديان وامتلأت منها وخيفت على الإسراف والقرف صينت ثلاث سنين ما ترى أحداً كما تصان ببحر درة الصدف بينا الفتى يتمشى نحو مسجده مبادراً لصلاة الصبح بالسدف حانت لن نظرة منها فأبصرها مطلة بين سجفيها من الغرف فخر في الترب ما يدري غداتئذ أخر منكشفاً أم غير منكشف وجاءه القوم أفواجاً بمائهم لينضحوا الرجل المغشى بالنطف فوسوسوا بقران في مسامعه خوفاً من الجن والإنسان لم يخف شيئاً ولكنه من حب جارية أمسى وأصبح من موت على شرف قالوا‏:‏ لك الخير ما أبصرت قلت لهم جنية أقصدتني من بني خلف أبصرت جارية محجوبة لهم تطلعت من أعالي القصر ذي الشرف فبت ألثمها طوراً وتلثمني طوراً ونفعل بعض الشيء في اللحف بتنا كذلك حتى جاء صاحبها يبغي الدنانير بالميزان ذي الكفف وذاك حق على زند وكيف به والحق في طرف والعين في طرف وبين ذاك شهود لم أبال بهم أكنت معترفاً أم غير معترف فإن تصلني قضيت القوم حقهم وإن تقل لا فحق القوم في تلف فلما قرأ العباس الأبيات أعجب بها واستظرفها وقضى عنه ثمن الجارية‏.‏ واسم أبي دلامة‏:‏ زند‏.‏ إبراهيم بن المهدي قال‏:‏ قال لي جعفر بن يحيى يوماً‏:‏ إني استأذنت أمير المؤمنين في الحجامة وأردت أن أخلو وأفر من أشغال الناس وأتوحد‏.‏ فهل أنت مساعدي قلت‏:‏ جعلني الله فداك أنا أسعد الناس بمساعدتك وآنس بمخالاتك‏.‏ قال‏:‏ فكر إلي بكور الغراب‏.‏ قال‏:‏ فأتيت عند الفجر الثاني فوجدت الشمعة بين يديه وهو قاعد ينتظرني للميعاد‏.‏ قال‏:‏ فصلينا ثم أفضنا في الحديث حتى جاء وقت الحجامة فأتى بحجام وحجمنا في ساعة واحدة ثم قدم إلينا طعام فطعمنا‏.‏ فلما غسلنا أيدينا خلع علينا ثياب المنادمة وضمخنا بالخلوق وظللنا بأسر يوم مر بنا‏.‏ ثم إنه ذكر حاجة فدعا الحاجب فقال‏:‏ إذا جاء عبد الملك القهرماني فأذن له‏.‏ فنسي الحاجب وجاء عبد الملك بن صالح الهاشمي على جلالته وسنه وقدره وأدبه فإذن له الحاجب‏.‏ فما راعنا إلا طلعة عبد الملك‏.‏ فتغير لذلك جعفر بن يحيى وتنغص عليه ما كان فيه‏.‏ فلما نظر عبد الملك إليه على تلك الحال دعا غلامه دفع إليه سيفه وسواده وعمامته ثم جاء ووقف على باب المجلس وقال‏:‏ اصنعوا بي ما صنعتم بأنفسكم‏.‏ قال‏:‏ فجاء الغلام فطرح عليه ثياب المنادمة‏.‏ ودعا بالطعام فطعم ثم دعا بالشراب فشرب ثلاثاً ثم قال‏:‏ ليخفف عني فإن شيء ما شربته قط‏.‏ فتهلل وجه جعفر وفرح به وكان الرشيد قد عتب على عبد الملك بن صالح ووجد عليه‏.‏ فقال له جعفر بن يحيى‏:‏ جعلني الله فداك قد تفضلت وتطولت وأسعدت فهل من حاجة تبلغها مقدرتي أو تحيط بها نعمتي فأقضيها لك مكافأة لما صنعت قال‏:‏ بلى إن قلب أمير المؤمنين عاتب علي فسله الرضا عني‏.‏ قال‏:‏ قد رضي عنك أمير المؤمنين‏.‏ ثم قال‏:‏ علي أربعة آلاف دينار‏.‏ قال حاضرة ولكن من مال أمير المؤمنين أحب إليك‏.‏ قال‏:‏ وابني إبراهيم أحب أن أشد ظهره بصهر من أولاد أمير المؤمنين‏.‏ قال‏:‏ قد زوجه أمير المؤمنين ابنته عائشة‏.‏ قال‏:‏ وأحب أن تخفق الألوية على رأسه‏.‏ قال‏:‏ قد ولاه أمير المؤمنين على مصر‏.‏