والطيبون ثياباً كلما عرقوا كأن آخرهم في الجود أولهم إن الشمائل والأخلاق تتفق إن قامروا أو فاخروا فخروا أو ناضلوا نضلوا أو سابقوا سبقوا تنافس الأرض موتاهم إذا دفنوا كما تنوفس عند الباعة الورق وقال فيهم أيضاً‏:‏ وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل على مكثريهم حق من يعتفيهم وعند المقلين السماحة والبذل فما كان من خير ألوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطى إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل وله يقول حبيب‏:‏ يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقص غاية الجود وله ولحاتم الطائي يقول‏:‏ كعب وحاتم اللدان تقسما خطط العلا من طارف وتليد هذا الذي خلف السجاب ومات ذا في المجد ميتة خضرم صنديد إلا يكن فيها الشهيد فقومه لا يسمحون به بألف شهيد أجواد أهل الإسلام وأما أجواد أهل الإسلام فأحد عشر رجلاً في عصر واحد لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم‏.‏ فأجواد الحجاز ثلاثة في عصر واحد‏:‏ عبيد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص‏.‏ وأجواد البصرة خمسة في عصر واحد وهم‏:‏ عبد الله بن عامر بن كريز وعبيد الله بن أبي بكرة مولى رسول الله (ص) ومسلم بن زيادة وعبيد الله بن معمر القرشي ثم التمي وطلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وله يقول الشاعر يرثيه ومات بسجستان وهو وال عليها‏:‏ نضر الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات وأجواد أهل الكوفة ثلاثة في عصر واحد وهم‏:‏ عتاب بن ورقاء الرياحي وأسماء بن خارجة الفزاري وعكرمة بن ربعي الفياض‏.‏ جود عبيد الله بن عباس أنه أول من فطر جيرانه وأول من وضع الموائد على الطرق وأول من حيا على طعامه وأول وفي السنة الشهباء أطعمت حامضاً وحلواً ولحماً تامكا وممزعا وأنت ربيع لليتامى وعصمة إذ المحل من جو السماء تطلعا أبوك أبو الفضل الذي كان رحمة وغوثاً ونوراً للخلائق أجمعا ومن جوده‏:‏ أنه أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين يديه فقال‏:‏ يا بن عباس إن لي عندك يداً وقد احتجت إليها‏.‏ فصعد فيه بصره وصوبه فلم يعرفه ثم قال له‏:‏ ما يدك عندنا قال رأيتك واقفاً بزمزم وغلامك يمتح لك من مائها والشمس قد صهرتك فظللتك بطرف كسائي حتى شربت قال‏:‏ إني لأذكر ذلك وإنه يتردد بين خاطري وفكري ثم قال لقيمه‏:‏ ما عندك قال‏:‏ مائتا دينار وعشرة آلاف درهم قال فادفعها إليه وما أراها تفي بحق يده عندنا‏.‏ فقال له الرجل‏:‏ والله لو لم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيه ما كفاه فكيف وقد ولد سيد الأولين والآخرين محمداً (ص) ثم شفعه بك وبأبيك‏.‏ ومن جوده أيضاً‏:‏ أن معاوية حبس عن الحسين بن علي صلاته حتى ضاقت عليه حاله‏.‏ فقيل له‏:‏ لو وجهت إلى ابن عمك عبيد الله فإن قد قدم بنحو من ألف ألف درهم‏.‏ فقال الحسين‏:‏ وأين تقع ألف ألف من عبيد الله فوالله لهو أجود من الريح إذا عصفت وأسخى من البحر إذا زخر‏.‏ ثم وجه إليه مع رسوله بكتاب ذكر فيه حبس معاوية عنه صلاته وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة ألف درهم‏.‏ فلما قرأ عبيد الله كتابه وكان من أرق الناس قلباً وألينهم عطفاً انهملت عيناه ثم قال‏:‏ ويلك يا معاوية مما اجترحت يداك من الإثم أصبحت حين لين المهاد رفيع العماد والحسين يشكو ضيق الحال وكثرة العيال ثم قال لقهرمانه‏:‏ احمل إلى الحسين نصف ما أملكه من فض وذهب وثوب ودابة وأخبره أني شاطرته مالي فإن أقنعه ذلك وإلا فارجع واحمل إليه الشطر الآخر فقال له القيم‏:‏ فهذه المؤن التي عليك من أين تقوم بها قال‏:‏ إذا بلغنا ذلك دللتك على أمر يقيم حالك‏.‏ فلما أتى الرسول برسالته إلى الحسين قال‏:‏ إنا الله حملت والله على ابن عمي وما حسبته يتسع لنا بهذا كله فأخذ الشطر من ماله‏.‏ وهو أول من فعل ذلك في الإسلام‏.‏ ومن جوده‏:‏ أن معاوية بن أبي سفيان أهدى إليه وهو عنده بالشام من هدايا النيروز حللاً كثيرة ومسكاً وآنية من ذهب وفضة ووجهها مع حاجبه فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو ينظر إليها فقال‏:‏ هل في نفسك منها شيء قال‏:‏ نعم والله إن في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف عليهما السلام فضحك عبيد الله وقال‏:‏ فشأنك بها فهي لك‏.‏ قال‏:‏ جعلت فداك أخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيجد علي‏.‏ قال‏:‏ فاختمها بخاتمك وادفعها إلى الخازن فإذا حان خروجنا حملها إليك ليلاً‏.‏ فقال الحاجب‏:‏ والله لهذه الحيلة في الكرم أكثر من الكرم ولوددت أني لا أموت حتى أراك مكانه - يعني