وفود ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم

وفدت ثقيف على النبي (ص) فكتب لهم كتاباً حين أسلموا‏:‏ إن لهم ذمة الله وإن واديهم حرام عضاهه وصيده وظلم فيه وإن ما كان لهم من دين إلى أجل فبلغ أجله فإنه لياط مبرأ من الله ورسوله وإن ما كان لهم من دين في رهن وراء عكاظ فإنه يقضى إلى رأسه ويلاط بعكاظ ولا يؤخر‏.‏ (ص) وفد ظبيان بن حداد في سراة مذحج على النبي (ص) فقال‏:‏ بعد السلام على رسول الله (ص) والثناء على الله عز وجل بما هو أهله‏:‏ الحمد لله الذي صدع الأرض بالنبات وفتق السماء بالرجع‏.‏ ثم قال‏:‏ نحن قوم من سراة مذحج من يحابر بن مالك‏.‏ ثم قال‏:‏ فتوقلت بنا القلاص من أعالي الحوف ورؤوس الهضاب ترفعها عرر الربا وتخفضها بطنان الرفاق وتلحفها دياحي الدجى‏.‏ ثم قال‏:‏ وسروات الطائف كانت لبني مهلائيل بن قينان غرسوا وديانه وذللوا خشانه ورعوا قريانه‏.‏ ثم ذكر نوحاً حين خرج من السفينة بمن معه قال‏:‏ فكان أكثر بنيه بناتا وأسرعهم نباتا عاد وثمود فرماهم الله بالدمالق وهم الذي خطوا مشاربها وأتوا جداولها وأحيوا غراسها ورفعوا عريشها‏.‏ ثم قال‏:‏ وإن حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها وكهول الناس وأغمارها ورؤوس الملوك وغرارها فكان لهم البيضاء والسوداء وفارس الحمراء والجزية الصفراء فبطروا النعم واستحقوا النقم فضرب الله بعضهم ببعض‏.‏ ثم قال‏:‏ وإن قبائل من الأزد نزلوا على عهد عمرو بن عامر ففتحوا فيها الشرائع وبنوا فيها المصانع واتخذوا الدسائع ثم ترامت مذحج بأسنتها وتنزت بأعنتها فغلب العزيز أذلها وقتل الكثير أقلها‏.‏ ثم قال‏:‏ وكان بنو عمرو بن جذيمة يخبطون عضيدها ويأكلون حصيدها ويرشحون خضيدها‏.‏ فقال رسول الله ‏(ص):‏ إن نعيم الدنيا أفل وأصغر عند الله من خرء بعيضة ولو عدلت عند الله جناح ذباب لم يكن لكافر منها خلاق ولا لمسلم منها لحاق‏.‏
وفود لقيط بن عامر بن المنتفق على النبي صلى الله عليه وسلم

وفد لقيط بن المنتفق على النبي (ص) ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق‏.‏ قال لقيط‏:‏ فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيباً فقال‏:‏ أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي من أربعة أيام لتسمعوا الآن ألا فهل من امرئ قد بعثه قومه - فقالوا‏:‏ اعلم لنا ما يقول رسول الله (ص)- ألا ثم لعله أن يلهبه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه ضال ألا وإني مسئول هل بلغت ألا اسمعوا ألا اجلسوا‏.‏ فجلس الناس‏:‏ وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت‏:‏ يا رسول الله ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني أبتغه سقطه فقال‏:‏ ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله‏.‏ وأشار بيده‏.‏ قلت‏:‏ وما هي قال‏:‏ علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه وعلم ما في غد وما أنت طاعم غداً ولا تعلمه وعلم المني حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمونه وعلم الغيث يشرف عليكم آزلين مسنتين فيظل يضحك قد علم أن عونكم قريب - قال لقيط‏:‏ قلت‏:‏ لن نعدم من رب يضحك خيراً - وعلم يوم الساعة قلت‏:‏ يا رسول الله إني أسألك عن حاجتي فلا تعجلني قال‏:‏ سل عما شئت قال قلت‏:‏ يا رسول الله علمنا مما لا يعلم الناس ومما تعلم فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحداً من مذحج التي تدنو إليها وخشعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها‏.‏ قال رسول الله ‏(ص):‏ تلبثون ما لبثتم ثم توفى نبيكم ثم تلبثون حتى تبعث الصيحة فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين عند ربك فيصبح ربك يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد فيرسل ربك السماء بهضب من عند العرش فلعمر ألهك ما تدع ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من قبل رأسه يستوي اليوم‏!‏‏.‏ ولعهده بالحياة يحسبه حديث عهد بأهله‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما قد تفرقنا الرياح والبلى والسباع قال‏:‏ أنبئك بمثل ذلك في إل الله أشرفت على الأرض وهي مدبرة يابسة فقلت‏:‏ لا تحيا هذه أبداً ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث إلا أياماً حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة‏.‏ ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأصواء‏.‏ - قال ابن إسحاق‏:‏ الأصواء‏:‏ أعلام القبور‏.‏ ومن مصارعكم فتنظرون إليه ساعة وينظر إليكم‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه قال‏:‏ أنبئك بمثل ذلك في إل الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة‏.‏ ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه قال‏:‏ تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى منكم خافية فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح بها قلبكم فلعمر إلهك ما تخطئ وجه واحد منكم قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء وأما الكافر بتخطمه بمثل الحمم الأسود ثم ينصرف نبيكم ويتفرق على أثره الصالحون قال‏:‏ فتسلكون جسراً من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول‏:‏ حس فيقول ربك عز وجل‏:‏ أو إنه فتطلعون على حوض الرسول لا يظمأ والله ناهله فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يظهره من الطوف والبول والأذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما أحداً‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فبم نبصر يومئذ قال‏:‏ بمثل بصر ساعتك هذه وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض وواجهته الجبال‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فبم نجزى من سيآتنا وحسناتنا قال‏:‏ الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها أو يعفو‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فما الجنة وما النار قال‏:‏ لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً وإن للجنة لثمانية أبواب ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة قال‏:‏ على أنها من عسل مصفى وأنها من كأس ما بها من صداع ولا ندامة وأنها من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أولنا فيها أزواج أو منهن صالحات قال‏:‏ الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد‏.‏ قال لقيط‏:‏ قلت‏:‏ أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه‏.‏ فلم يجبه النبي ‏.(ص)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله علام أبايعاك قال‏:‏ فبسط إلي يده وقال‏:‏ على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك فلا تشرك بالله إلهاً غيره‏.‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ وإن لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي (ص) يده وظن أن أشترط عليه شيئاً لا يعطينيه قال‏:‏ قلت نحل منها حيث شئنا ولا يجزى عن امرئ إلا نفسه فبسط إلي يده وفود قيلة على النبي (ص) خرجت قيلة بنة مخرمة التميمية تبغي الصحبة إلى رسول الله (ص) وكان عم بناتها وهو أثوب بن أزهر قد انتزع منها بناتها فبكت جويرية منهن حديباء قد أخذتها الفرصة عليها سبيج من صوف فرحمتها فذهبت بها‏.‏ فبينما هما ترتكان الجمل إذا انتفجت منه الأرنب‏.‏ فقال الحديباء‏:‏ الفصية والله لا يزال كعبك أعلى من كعب أثوب ثم سنح الثعب فسمته اسماً غير الثعلب نسيه ناقل الحديث‏.‏ ثم قالت فيه مثل ما قالت في الأرنب فبينما هما ترتكان الجمل إذ برك الجمل وأخذته رعدة‏.‏ فقالت الحديباء‏:‏ أخذتك - والأمانة إخذة أثوب‏.‏ قالت قيلة‏:‏ فقلت لها‏:‏ فما أصنع ويحك‏!‏ قالت‏:‏ قلبي ثيابك ظهورها لبطونها وادحرجي ظهرك لبطنك واقلبي أحلاس جملك ثم خلعت سبيجها فقلبته ثم ادحرجت ظهرها لبطنها فلما فعلت ما أمرتني به انتفض الجمل ثم قام فنأج وبال‏.‏ فقالت‏:‏ أعيدي عليه أداتك‏.‏ ففعلت ثم خرجنا نرتك فإذا أثوب يسعى وراءنا بالسيف صلتا فوألنا إلى حواء ضخم فداراه حتى ألقه الجمل إلى رواقه الأوسط وكان جملاً ذلولاً واقتحمت داخله وأدركني بالسيف فأصابت ظبته طائفة من قرون رأسيه ثم قال‏:‏ ألق إلي ابنة أخي يا دفار‏.‏ فألقيتها إليه فجعلها على منكبيه وذهب بها وكنت أعلم به من أهل البيت‏.‏ وخرجت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان أبتغي الصحبة إلى رسول الله (ص) فبينما أنا عندها تحسب أني نائمة إذ جاء زوجها من السامر فقال لها‏:‏ وأبيك لقد وجدت لقيلة صاحب صدق‏.‏ قالت أختي‏:‏ من هو قال‏:‏ حريث بن حسان الشيباني وافد بكر بن وائل عاوياً ذا صياح‏.‏ فقالت أختي‏:‏ الويل لي‏!‏ لا تخبرها فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها أحد من قومها قال‏:‏ لا ذكرته‏.‏ قالت‏:‏ وسمعت ما قالا فغ*** إلى جملي فشددت عليه ثم نشدت عنه فوجدته غير بعيد فسألته الصحبة فقال‏:‏ نعم وكرامة وركابه مناخ عنده‏.‏ قالت‏:‏ فسرت معه صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله (ص) وهو يصلي بالناس صلاة الغداة قد أقيمت حين شق الفجر والنجوم شابكة في السماء والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل فصففت مع الرجال وأنا امرأة قريبة عهد بجاهلية‏.‏ فقال الرجل الذي يليني من الصف‏:‏ امرأة أنت أم رجل فقلت‏:‏ لا بل امرأة فقال‏:‏ أنك كدت تفتنيني فصلي في النساء وراءك‏.‏ فإذا صف من نساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته إذا دخلت فكنت فيهن حتى إذا طلعت الشمس دنوت لجعلت إذا رأيت رجلاً ذا رواء وقشر طمح إليه بصري لأرى رسول الله فوق الناس حتى جاء رجل فقال‏:‏ السلام عليك يا رسول الله فقال‏:‏ وعليك السلام ورحمة الله وعليه - تعني النبي (ص) أسمال مليتين كانتا بزعفران قد نفضتا ومعه عسيب نخلة مقشو غير خوصتين من أعلاه وهو قاعد القرفصاء فلما رأيت رسول الله (ص) متخشعاً في الجلسة أرعدت من الفرق فقال جليسه‏:‏ يا رسول الله أرعدت المسكينة‏.‏ فقال رسول الله ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره‏:‏ يا مسكينة عليك السكينة‏.‏ قالت‏:‏ فلما قالها(ص) أذهب الله ما كان دخل في قلبي من الرعب وتقدم صاحب أول رجل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال‏:‏ يا رسول الله اكتب بيننا وبين تميم كتاباً بالدهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلا مسافر أو مجاوز‏.‏ قال‏:‏ يا غلام اكتب له بالدهناء‏.‏ قالت‏:‏ فلما رأيته أمر أن يكتب له شخص بي وهي وطني وداري فقلت‏:‏ يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك إنما هذه الدهناء مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك فقال‏:‏ أمسك يا غلام صدقت المسكينة‏:‏ المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان‏.‏ فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه قال‏:‏ كنت أنا وأنت كما قال في المثل‏:‏ حتفها تحمل ضأن بأظلافها فقلت‏:‏ أما والله ما علمت إن كنت لدليلاً في الظلماء جواداً لدى الرحل عفيفاً عن الرفيقة حتى قدمنا على رسول الله (ص) ولكن لا تلمني أن أسأل حظي إذ سألت حظك قال‏:‏ وأي حظ لك في الدهناء لا أبالك قلت‏:‏ مقيد جملي تريده لجمل امرأتك فقال‏:‏ لا جرم إني أشهد رسول الله أني لك أخ ما حييت إذ أثنيت علي عنده فقلت‏:‏ إذ بدأتها فلن أضيعها‏.‏ فقال رسول الله (ص)‏:‏ أيلام ابن هذه أن يفضل الخطة وينتصر من وراء الحجزة فبكيت ثم قلت‏:‏ فقد والله ولدته يا رسول الله حراماً فقاتل معك يوم الربذة ثم ذهب يمتري خيبر فأصابته حماها ومات فقال‏:‏ لو لم تكوني مسكينة لجررناك على وجهك‏.‏ أيغلب أحيدكم على أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفاً فإذا حال بينة وبينه من هو أولى بن استرجع ثم قال‏:‏ رب آسني لما