ناصره ولا ضاع من كنت حافظه فماذا قلت لهم يا أمير المؤمنين قال‏:‏ قلت أبا عبد الله‏:‏ وسعى إلي بعيب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها قال أبو العيناء‏:‏ قلت لأحمد بن أبي داود‏:‏ إن قوماً تظافروا علي قال‏:‏ ‏"‏ يد الله فوق أيديهم ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ إنهم عدد وأنا واحد قال‏:‏ ‏"‏ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ إن للقوم مكراً قال‏:‏ ‏"‏ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ‏"‏‏.‏ قال أبو العيناء‏:‏ فحدثت بها الحديث أحمد بن يوسف الكاتب فقال‏:‏ ما يرى ابن أبي داود إلا أن القرآن أنزل عليه‏.‏ قال‏:‏ وهجا نهار بن توسعة قتيبة بن مسلم وكان ولي خراسان بعد يزيد بن المهلب فقال‏:‏ كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها وكل باب من الخيرات مفتوح فبدلت بعده قرداً نطوف به كأنما وجهه بالخل منضوح فطلبه فهرب منه ثم دخل عليه بكتاب أمه فقال له‏:‏ ويحك‏!‏ بأي وجه تلقاني قال‏:‏ بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك‏.‏ فقر به ووصله وأحسن إليه‏.‏ وأقبل المنصور يوماً راكباً والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب فقام الناس إليه ولم يقم فاستشاط المنصور غيظاً وغضباً ودعا به فقال‏:‏ ما منعك من القيام مع الناس حين رأيتني قال‏:‏ خفت أن يسألني الله تعالى لم فعلت ويسألك عنه لم رضيت وقد كرهه رسول الله ‏.‏ فسكن غضبه وقر به وقضى حوائجه‏.‏ يحيى بن أكثم قال‏:‏ إني عند المأمون يوماً حتى أتي برجل ترعد فرائصه فلما مثل بين يديه قال له المأمون‏:‏ كفرت نعمتي ولم تشكر معروفي قال له‏:‏ يا أمير المؤمنين وأين يقع شكري في جنب ما أنعم الله بك علي فنظر المأمون إلي وقال متمثلاً‏:‏ فلو كان يستغني عن الشكر ماجد لكثرة مال أو علو مكان لما ندب الله العباد لشكره فقال اشكروا لي أيها الثقلان ثم التفت إلى الرجل فقال له‏:‏ هلا قلت كما قال أصرم بن حميد‏:‏ رشحت حمدي حتى إنني رجل كلي بكل ثناء فيك مشتغل خولت شكري ما خولت من نعم فحر شكري لما خولتني خول الاستعطاف والاعتراف لما سخط المهدي على يعقوب بن داود قال له‏:‏ يا يعقوب قال‏:‏ لبيك يا أمير المؤمنين تلبية مكروب لموجدتك قال‏:‏ ألم أرفع من قدرك إذ كنت وضيعاً وأبعد من ذكرك إذا كنت خاملاً وألبسك من نعمتي ما لم أجد بها يدين من الشكر فكيف رأيت الله أظهر عليك ورد إليك مني قال‏:‏ إن كان ذلك بعلمك يا أمير المؤمنين فتصديق معترف منيب وإن كان مما استخرجته دفائن الباغين فعائذ بفضلك فقال‏:‏ والله لولا الحنث في دمك بما تقدم لك لألبستك منه قميصاً لا تشد عليه زراً ثم أمر به إلى الحبس‏.‏ فتولى وهو يقول‏:‏ الوفاء يا أمير المؤمنين كرم والمودة رحم وأنت بها جدير‏.‏ أخذت الشعراء معنى قول المهدي‏:‏ لألبستك منه قميصاً لا تشد عليه زراً فقال معلي الطائي‏:‏ طوقته بالحسام طوق ردى ما يستطيع عليه شد أزرار وقال حبيب‏:‏ طوقته بالحسام طوق داهية أغناه عن مس طوقه بيده ومن قولنا‏:‏ ولما رضي الرشيد عن يزيد بن مزيد أذن له بالدخول عليه فلما مثل بين يديه قال‏:‏ الحمد الله الذي سهل لي سبيل الكرامة بلقائك ورد على النعمة بوجه الرضا منك وجزاك الله يا أمير المؤمنين في حال سخطك جزاء المحسنين المرغبين وفي حال رضاك جزاء المنعمين المتطولين‏:‏ فقد جعلك الله وله الحمد تثبت تحرجاً عند الغضب وتمتن تطولاً بالنعم وتستبقي المعروف عند الصنائع تفضلاً بالعفو‏.‏ ولما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي - وهو الذي يقال له ابن شكلة - أمر بإدخاله عليه فلما مثل بين يديه قال‏:‏ ولي الثأر محكم في القصاص والعفو للتقوى وقد جعل الله كل ذنب دون عفوك فإن صفحت فبكرمك وإن أخذت فبحقك‏.‏ قال المأمون‏:‏ إني شاورت أبا إسحاق والعباس في قتلك فأشارا علي به قال‏:‏ أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر الملك وما جرت عليه عادة السياسة فقد فعلا ولكنك أبيت أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله ثم استعبر باكياً قال له المأمون‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ جذلاً إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته ثم قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه وإن كان جرمي يبلغ سفك دمي فحلم أمير المؤمنين وتفضله يبلغاني عفوه ولي بعدها شفاعة الإقرار بالذنب وحرمة الأب بعد الأب قال المأمون‏:‏ لو لم يكن في حق نسبك ما يبلغ الصفح عن زلتك لبلغك إليه حسن توصلك ولطيف تنصلك‏.‏ وكان تصويب إبراهيم لرأي أبي إسحاق والعباس ألطف في طلب الرضا ودفع المكروه عن نفسه من تخطئتهما‏.‏ وقال المأمون لإسحاق بن العباس‏:‏ لا تحسبني أغفلت إجلابك مع ابن المهلب وتأييدك لرأيه وإيقادك لناره قال‏:‏ يا أمير المؤمنين والله لإجرام قريش إلى رسول الله أعظم من جرمي إليك ولرحمي أمس من أرحامهم وقد قال كما قال يوسف لإخوته‏:‏ ‏"‏ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ‏"‏ وأنت يا أمير المؤمنين أحق وارث لهذه المنة وممتثل لها قال‏:‏ هيهات تلك أجرام جاهلية عفا عنها الإسلام وجرمك جرم في إسلامك وفي دار خلافتك قال‏:‏ يا أمير المؤمنين فوالله للسلم أحق بإقالة العثرة وغفران الزلة من الكافر هذا كتاب الله بيني وبينك يقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ‏"‏ إلى ‏"‏ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ‏"‏‏.‏ فهي للناس يا أمير المؤمنين سنة دخل فيها المسلم والكافر والشريف والمشروف قال‏:‏ صدقت اجلس وريت بك زنادي فلا برح نادماً من القادرين من أهلك وأمثالك‏.‏ العتبي عن أبيه قال‏:‏ قبض مروان بن محمد من معاوية بن عمرو بن عتبة ماله بالفرسان وقال‏:‏ إني قد وجدت قطيعة عمك لأبيك‏:‏ إني أقطعتك بستاني والبستان لا يكون إلا غامراً وأنا مسلم إليك الغامر وقابض منك العامر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن سلفك الصالح لو شهدوا مجلسنا هذا كانوا شهوداً على ما ادعيته وشفعاء فيما طلبته يسألونك بإحسانك إلي مكافأة إحسان سلفي إليهم فشفع فينا الأموات واحفظ منا القرابات واجعل مجلسك هذا مجلساً يلزم من بعدنا شكره قال‏:‏ لا والله إلا أن أجعلها طعمة مني لك لا قطيعة من عمك لأبيك قال‏:‏ قد قبلت ذلك ففعل‏.‏ العتبي قال‏:‏ أمر عبد الملك بن مروان بقطع أرزاق آل أبي سفيان وجوائزهم لموجودة وجدها على خالد بن يزيد بن معاوية فدخل عليه عمر بن عتبة فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أدنى حقك معتب وبعضه فادح لنا ولنا من حقك علينا حق عليك بإكرام سلفنا لسلفك فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليهم وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك قال‏:‏ عبد الملك‏:‏ إنما ما يستحق عطيتي من استعطاها فأما من ظن أنه يكتفي بنفسه فسنكله إلى نفسه ثم أمر له بعطيته‏.‏ فبلغ ذلك خالداً فقال‏:‏ أبا لحرمان يهددني‏!‏ يد الله فوق يده