باب من أخبار العلماء والأدباء

أملى أبو عبد الله محمدُ بن عبد السلام الخُشَنيّ‏.‏ إنَ عبد الله بن عبَّاس سُئَل عن أبي بكر رضي الله عنه فقال‏:‏ كان والله خيراَ كلّه مع الْحِدّة التي كانت فيه‏.‏ قالوا‏:‏ فأخْبرنا عن عَمر رضوانُ الله عليه‏.‏ قال‏:‏ كان والله كالطير الحذر الذي نصب فخ له فهو يخاف أن يقع فيه‏.‏ قالوا فأخبرنا عن عثمان قال‏:‏ كان والله صواماً قواماً‏.‏ قالوا‏:‏ فأخبرنا عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال‏:‏ كان والله ممن حَوَى عِلْماً وحلماً حَسْبك من رجل أعزَّتْه سابقتُه وقَدَّمته قرابته من رسول الله فقلّما أشرْف على شيء إلا نالَه‏.‏ قالوا‏:‏ يقال إنه كان مَحْدوداً قال‏:‏ أنتم تقولونه‏.‏ وذكروا أنَّ رجلا أتىَ الحسَنَ فقال أبا سَعِيد إنهم يزعمون أنك تُبْغِض عليّاً فبَكَى حتى اخضلت لِحْيته ثم قال كان عليُّ بنُ أبي طالب سهماً صائباً من مَرامي الله على عدوّه ورَبَّانيَّ هذه الأمّة وذا فَضْلها وذا قَرابةٍ قَريبة من رسول الله لم يكن بالنَّئومة عن أمر الله ولا بالمَلُولة في حق الله ولا بالسَرُوقة لمال الله أعطَى القران عزائمه ففاز منه برياض مُونِقة وأعلام بيِّنة ذاك عليُّ بن أبي طالب يا لُكَع‏.‏ وسُئل خالدُ بن صَفوان عن الحسَن البَصْريّ فقال‏:‏ كان أشبَهَ الناس علانيةً بسَرِيرة وسريرة بعَلاَنِيَة واخذَ الناس لِنَفْسه بما يَأْمُر به غيرَه‏.‏ ‏"‏ يا له ‏"‏ من رجل اسْتَغنى عمَّا في أيدي الناس من دُنياهم واحتاجُوا إلى ما في يَدَيْه من دِينهم‏.‏ ودَخل عُروة بن الزبير بُستاناً لعبد المَلِك بن مَرْوان فقال عُروة‏:‏ ما أحسنَ هذا البستان‏!‏ فقال له عبدُ الملك‏:‏ أنت والله أحسنً منه إنَّ هذا يُؤتي أكله كلَّ عام وأنت تُؤتي أكلك كلّ يوم‏.‏ وقال محمدُ بن شهاب الزُّهريّ‏:‏ دخلتُ على عبد الملك بن مَرْوان في رجال من أهل المدينة فرآني أَحدثَهمِ سنّاً فقال‏:‏ من أنت فانتسبتُ إليه فعَرفني فقال‏:‏ لقد كان أبوك وعمُك نعَّاقَينْ في فِتْنة ابن الزُّبير قلتُ‏:‏ يا أمير المؤمنين مثلُك إذا عفا يَعُدّ وإذا صَفح لم يثرب قال لي‏:‏ أين نشأتَ قلتً بالمدينة قال‏:‏ عند مَن طلبت قلت‏:‏ عند ابن يَسار وقَبِيصة ابن ذؤيب وسَعيد بن المُسيِّب قال لي‏:‏ وأين كنت من عُروة بن الزبير فإنه بَحر لا تُكدِّره الدِّلاء‏.‏ وذُكر الصحابةُ عند الحَسَن البَصريّ فقال‏:‏ رَحِمهم الله شَهدوا وغِبْنا وعَلِموا وجَهِلنا فما اجتمعوا عليه اتَبعنا وما اختلفوا فيه وَقَفنا‏.‏ وقال جعفرُ بن سُليمان‏:‏ سمعتُ عبدَ الرحمن بن مهديّ يقول‏:‏ ما رأيتُ أَحداً أقْشفَ من شُعبة ولا أعبدَ من سُفيان ولا أحفظَ من ابن المُبارك‏.‏ وقال‏:‏ ما رأيتُ مثلَ ثلاثة‏:‏ عَطَاء بن أبي رَباح بمكة ومحمد بن سِيرين بالعراق ورجاء بن حَيوة بالشام‏.‏ وقيل لأهل مكة‏:‏ كيف كان عَطَاء بن أبي رَباح فيكم فقالوا‏:‏ كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فَضْلها حتى تُفْقد‏.‏ وكان عَطَاء بن أبي رَباح أسوَد أعوَر أفطسَ أشلّ أعرج ثم عَمِي وأمُه سوادء تُسمَى بَرَكَة‏.‏ وكان الأحنفُ بن قَيس‏:‏ أعوَر أعرج ولكنه إذا تكلّم جلا عن نفسه‏.‏ وقال الشَّعبي‏:‏ لولا أنِّي زُوحمت في الرَّحم ما قامت لأحد معي قائمة وكان تَوأماً‏.‏ وقيل لطاووس‏:‏ هذا قَتادة يُريد أن يَأتِيك قال‏:‏ لئن جاء لأقومن قيل إنه فَقِيه قال‏:‏ ابليس أفْقه منه قال‏:‏ ‏"‏ رَبِّ بِمَا أغْوَيتَني ‏"‏‏.‏ وقال الشَعبيّ‏:‏ القُضاة أربعة‏:‏ عُمَر وعلي وعبد الله وأبو موسى‏.‏ وقال الحَسَن‏:‏ ثلاثة صَحِبًوا النبي الابن والأب والجدّ‏:‏ عبد الرحمن بنُ أبي بكر بن أبي قُحافة ومَعَن بن يَزيد بن الأخْنس السُّلميّ‏.‏ وكان عُبيد الله بن عبد الله بن عًتبة بن مَسعود فَقِيهاً شاعراً وكان أحدَ السَّبعة من فُقهاء المدينة‏.‏ وقال عمرُ بن عبد العزيز‏:‏ وددتُ لو أنّ لي مجلساً من عُبيد اللهّ بن عبد الله بن عُتبة بن مَسْعود لم يَفُتْني‏.‏ ولَقِيه سعيدُ بن المُسيِّب فقال له‏:‏ أنت الفَقِيه الشاعر قال‏:‏ لا بدِّ للمَصْدور أن يَنْفُث‏.‏ وكتب عبيد الله بن عبد اللهّ إلى عُمَر بنِ عبد العزيز وبلغه عنه شيء يكرهه‏:‏ أبا حَفْص أتاني عَنك قَول قُطعتُ به وضَاق به جَوابي أبا حَفْص فلاَ أدْرِي أَرَغْمِي تُريد بما تُحاول أم عِتابي فإنْ تك عاتباً تُعْتِبْ وإلا فما عُودي إذاً بيَرَاع غاب وقد فارقتُ أعظمَ منك رُزءًا وواريتُ الأحِبَّة في التراب وقد عَزًّوا علي واْسْلمَوني معاً فَلَبْستُ بعدهُم ثِيابي وكان خالدُ بنُ يزيدَ بنِ مُعاوية أبو هاشم عالماً كثيرَ الدِّراسة للكتُب وربما قال الشعرَ ومن قوله‏:‏ هَلْ أنت مُنْتِفعٌ بِعل مك مَرّةً والعِلم نافِعْ ومِنٍ المُشير عليك بال رأي المُسدَّد أنت سامِع الموت حَوْض لا مَحا لةَ فيه كلُّ الخَلْق شارع وقال عمرُ بنُ عبد العزيز‏:‏ ما ولدتْ أُميةُ مثلَ خالد بن يزيد ما أَستَثْني عثمان ولا غيره‏.‏ وكان الحسن في جِنازة فيها نوائحُ ومعه سَعِيدُ بن جُبير فهمَّ سَعيد بالانصراف فقال له الحسنُ‏:‏ إنْ كنتَ كلّما