العتبي عن أبيه قال‏:‏ صوَت رجل عند عمر بن الخطاب في المسجد فلما كانت الصلاة قال عمر‏:‏ عَزَمتُ على صاحب الصوت إلا قم فتوضّأ ‏"‏ فلم يَقُم أحدٌ‏.‏
فقال جريرُ بن عبد اللهّ‏:‏ يا أميرَ المؤمنين اعزم علينا كلِّنا أن نَقوم فنتوضأ قال‏:‏ صدقتَ ولا عَلِمتُك إلا سيّدا في الجاهليّة فقيها في الإسلام قُوموا فتوضئوا‏.‏
الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ حدَّثني عُثمان الشحَّام قال‏:‏ قلتُ للحسن‏:‏ يا أبا سعيد قال‏:‏ لَبَّيك قلت‏:‏ أتقول لي لَبّيك قال‏:‏ إني أقولها لخادمي‏.‏
وقال الشاعر‏:‏ يا حبذا حين تُمسى الريحُ باردةً وادي أًشيٍَ وفِتْيانٌ به هُضمُ مُخدَمون كِرامٌ في مجالسهم وفي الرّحال إذا جَربتَهم خَدم وما أصاحب من قوم فأذْكُرهم إلا يَزيدُهم حُبّا إليَ هُم وقالت الحُكماء‏:‏ رأسُ الأدب كلِّه حُسنُ الفَهم والتفهّم والإِصغاء للمتكلّم‏.‏
وذكر الشّعبي قوماً فقال‏:‏ ما رأيتُ مثلَهم أسدَّ تَنَاوباَ في مَجلس ولا أحسن فهما من مُحدِّث‏.‏
وقال الشعبي فيما يَصِف به عبدَ الملك بن مروان‏:‏ والله ما علمتُه إلا آخذاً بثلاث تاركاً لثلاث آخذاً بحُسن الحدِيث إذا حدث وبُحسن الاستماع إذا حُدِّث وبأيسر المؤونة إذا خُولف تاركاً لمجاوبة اللئيم ومماراة السَّفيه ومُنازعة اللجُوج‏.‏
وقال بعض الحُكماء لابنه‏:‏ يا بُني تعلِّم حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن الحديث وليعلم الناسُ أنك أحرصُ على أن تَسمع منك على أن تقول فاحذرْ أن تُسرع في القَوْل فيما تُحِبّ عنه الرجوع بالفِعْل حتى يعلم الناسُ أنك على فِعْل ما لم تَقُل منك إلى قَوْل ما لم تَفْعل‏.‏
وقالوا‏:‏ من حُسن الأدب أن لا تُغالب أحداً على كلامه وإذا سُئِل غيرُك فلا تُجب عنه وإذا حَدًث بحديث فلا تُنازعه إياه ولا تَقْتحم عليه فيه ولا تُره أنك تعَلمه وإذا كلّمت صاحبك فأخذتْه حُجّتك فحسِّن مخرج ذلك عليه ولا تُظهر الظَّفر به وتَعلَم حُسنَ الاستماع كما تعلم حُسنَ الكلام‏.‏
وقال الحسنُ البَصريّ‏:‏ حَدِّثوا الناسَ ما أقبلوا عليكم بوجُوههم‏.‏
وقال أبو عبًاد ‏"‏ الكاتب ‏"‏‏:‏ إذا أنكر المُتكلِّم عين السامع فَلْيسأله عن مَقاطع حديثه والسبَب الذي أُجري ذلك له فإن وَجده يقف على الحقّ أتم له الحديث وإلاّ قطعه عنه وحَرمه مُؤانسته وعَرّفه ما في سُوء الاستماع من الفُسُولة والحِرْمان للفائدة‏.‏
الأدب في المجالسة ومن حديث أبي بكر بن أبي شَيبة‏:‏ أن النبي قال‏:‏ لا يَقم الرجلُ ‏"‏ للرجل ‏"‏ عن مجلسه ولكن ليُوسع له‏.‏
وكان عبد الله بن عمر إِذا قام له الرجلُ عن مجلسه لم يجلس فيه وقال‏:‏ لا يقم أحد لأحد عن مجلسه ولكن افْسَحوا يَفسح الله لكم‏.‏
أبو أمامة قال‏:‏ خرج إلينا النبي فقمنا إليه فقال‏:‏ لا تقوموا كما يقوم العجم لعُظمائها‏.‏
فما قام إليه أحد منّا بعد ذلك‏.‏
ومن حديث ابن عمر‏:‏ أن النبي قال‏:‏ إن خرجتُ عليكم وأنتم جُلوس فلا يقومنَّ أحدٌ منكم في وجهي وإن قمت فكما أنتم وإن جلست فكما أنتم فإنّ ذلك خلق من أخلاق المشركين‏.‏
وقال ‏:‏ الرّجل أحقُّ بصَدْر دابتَّه وصدْر مجلسه وصَدْر فراشه ومن قام من مجلسه وَرَجع إليه فهو أحقّ به‏.‏
وقال ‏:‏ إذا جلس إليك أحدٌ فلا تَقم حتى تستأذنه وجَلس رجلٌ إلى الحسن بن عليّ عليهما الرِّضوانُ فقال له‏:‏ إنك جلستَ إلينا ونحن نريد القيام أفتأذَنُ وقال سعيدُ بنُ العاص‏:‏ ما مددتُ رجْلي قَطًّ بين يَدي جليسي ولا قمتُ ‏"‏ عن مجلسي ‏"‏ حتى يقوم‏.‏
وقال إبراهيمُ النِّخَعيّ‏:‏ إذا دخل أحدُكمِ بيتاً فَلْيَجْلس حيثُ أجلسه أهلُه‏.‏
وطَرح أبو قِلابة لِرَجُل جَلَس إليه وسادةً فرَدَّها فقال‏:‏ أَمَا سَمِعْتَ الحديثَ لا تَردَّ على أخيك كرامَته وقال عليّ بن أبي طالب رضوانُ الله عليه‏:‏ لا يأبى الكرامةَ إلا حِمار‏.‏
وقال سَعِيد بن العاص‏:‏ لجليسي عَلَيَّ ثلاثٌ‏:‏ إذا دنَا رَحَّبْتُ به وإذا جَلَس وَسَّعتُ له وإذا حَدًث أقبلْت عليه‏.‏
وقال‏:‏ إني لأكره أن يمرّ الذُّباب بجليسي مخافةَ أن يُؤذِيه‏.‏
الهيثم بن عديّ ‏"‏ عن عامر الشَّعبي ‏"‏ قال‏:‏ دَخل الأحنفُ بنُ قيس على مُعاوية فأشار إليه إلى وِسادةِ فلم يَجلس عليها فقال له‏:‏ ما مَنعك يا أَحْنف أن تَجلِس على الوسادة فقال‏:‏ يا أمير المُؤمنين إنَّ فيما أَوصى به قَيسُ بن عاصم ولدَه أن قال‏:‏ لا تَسْع للسُّلطان حتى يَمَلَّك ولا تَقْطعه حتى يَنْساك ولا تَجْلِس له على فراش ولا وِسادة واجعل‏!‏ بَينك وبينه مَجْلسَ رجل أو وقال الحسن‏:‏ ‏"‏ مُجالسةُ الرجل من غير أن يُسأل عن اسمه واسم أبيه مُجالسة النوكى‏.‏
ولذلك قال شَبيب بن شَيْبة لأبي جعفر ولَقِيه في الطّواف وهو لا يَعرفه فأَعجبه حسن هَيْئته وسَمته‏:‏ أصلحك الله إنِّي أحب المعرفةَ وأجلَّك عن المسألة فقال‏:‏ أنا فُلان بنُ فلان‏.‏
قال زياد‏:‏ ما أتيت مجلساً قطّ إلا تركتُ منه ما لو جلستُ فيه لكان لي وتَرْك ما لي أحبُ من أخذ ما ليس لي‏.‏
وقال‏:‏ إيّاكَ وصدور المجالس وإن صَدَّرك صاحبُها فإنها مجالس قُلَعة‏.‏
وقال ‏"‏ الشعبي ‏"‏‏:‏ لأن أدعي مِن بُعْد إلى قُرْب أحبُّ إليَّ من أقصى من قُرْب إلى بعد‏.‏
وذكروا أنه كان يوماً أبو السَّمراء عند عبد الله بن طاهر وعنده إسحاقُ ابن إبراهيم فاستدعى عبد الله إِسحاقَ فَناجاه بشيء وطالت النَجوى بينهما‏.‏
قال‏:‏ فاعترَتْني حَيْرَةٌ فيما بين القُعود على ما هما عليه والقيام حتى انقطع ما بينهما وتنَحّى إسحاق إلى مَوْقفه ونظر عبد الله إلي ‏"‏ يا أبا السمراء ‏"‏ إذا النَجيان سرًا عنك أمرهَما فانزحْ بِسَمْعك تَجْهلْ ما يَقُولانِ ولا تُحَملهما ثِقْلاً لخوفهما على تَناجِيهما بالمجلس الدَّاني فما رأيتُ أكرَم منه ولا أرفق أدباً ترك مُطالبتي في هَفْوتي بحق الأمراء وأدَبني أدبَ النُظراء‏.‏
وقال النبي ‏:‏ إنما أحدُكم مرآة أخيه فإذا رأى عليه أَذىَ فليمطه عنه وإذا أخذ أحدُكم على أخيه شيئاً فليقل‏:‏ لا بك السُّوء وصَرَف اللهّ عنك السُّوء‏.‏
وقالوا‏:‏ إذا اجتمعت حُرْمتان أسقطت الكبرى الصُّغرى‏:‏ وقال المُهلَب بن أبي صفرة‏:‏ العيْش كلّه في الجَليس المُمْتع‏.‏