فيهم بالحارث بن مِسْكين فقيل له‏:‏ أتَشهد أنّ القرآن مخلوق قال‏:‏ أشهدُ أنّ التوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن هذه الأربعة مخلوقة ومَدّ أصابعه الأربع فعرض بها وكنَى عن خلق القرآن وخلِّص مُهْجَته من القَتل‏:‏ وعَجز أحمدُ بن نَصر فقيهُ بغداد عن الكِناية فأباها فقُتِل وَصلِب‏.‏ ودَخل بعضُ النسّاك على بعض الخُلفاء فدعاه إلى طَعامه فقال له‏:‏ الصائم لا يأكل يا أميرَ المؤمنين وما أذكِّي نفسي بل الله يُزَكِّي مَن يشاء وإنما كره طعامه‏.‏ الأصمعيُّ عن عيسى بن عمر قال بينما ابن عِرْباض يَمشي مُقْدِماً لِطيَّتِه إذ استقبلته الخوارج يَجزُّون الناسَ بسيوفهم فقال لهم‏:‏ هل خَرج إليكم في اليهود شيء قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ فامضُوا راشِدين فمضَوْا وتركوه‏.‏ ولقي شيطانُ الطاق رجلاً من الخوارج وبيده سيفٌ فقال له الخارجي‏:‏ واللهّ لأقتلنَّك أو تبرأَ من عليّ فقال له‏:‏ أنا من عليّ ومن عثمان بريء ‏"‏ يريد أنه من عليّ وبريء من عثمان ‏"‏ 0 أبو بكر بن أبي شَيْبة قال‏:‏ قال الوليد ‏"‏ بن عُقْبة ‏"‏ على المِنْبر بالكوفة‏:‏ أًقسمُ على مَن سمّاني أَشعرَ بَرْكاً إلا قام ‏"‏ فخرج عنّي ‏"‏ فقام إليه رجل من أهل الكوفة فقال له‏:‏ ومَن هذا الذي يقوم ‏"‏ وقال معاويةُ لصعْصعة بن صوحان‏:‏ اصْعَد المنبر فالْعَن عليَّا ‏"‏ فامتنع من ذلك وقال‏:‏ أو تُعْفيني قال‏:‏ لا‏.‏ فَصَعد المنبر فَحَمِد اللهّ وأثنى عليه ثم قال‏:‏ معاشر الناس إنّ معاوية أمرني أن ألعن عليَّاً فالعَنُوه لعنه الله ‏"‏‏.‏
الكناية عن الكذب في طريق المدح

المدائنيّ قال‏:‏ أتي العُرْيان بن الهَيْثم بغلام سكران فقال له‏:‏ مَن أنت فقال‏:‏ أنا ابن الذي لا يَنْزلُ الدَّهرِ قدرُه وإن نزلت يوماً فسوف تَعودُ ترى الناسَ أفواجاَ إلى ضوْء ناره فمنهم قِيامٌ حولها وقُعود فظنّه ولداً لبعض الأشراف فأمر بتخليته‏.‏ فلمّا كُشف عنه قيل له‏:‏ إنّه ابن باقلاني‏.‏ ودخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شُبْرمة ‏"‏ القاضي ‏"‏ فقال له‏:‏ أتعرف هذا الرجل - وكان رُمي عنده بريبة - فقال ‏"‏ نعم ‏"‏ إن له بيتاَ وقَدماً وشرَفاً فخلّى سبيلَه‏.‏ فلمّا انصرف ابن شبرمة قال له ‏"‏ أصحابُه ‏"‏‏:‏ أكنت تعرف هذا الرجل قال‏:‏ لا ولكني عرفُ أنّ له بيتاً يأوي إليه وقدماَ يمشي عليها وشرفُه أُذناه ومَنْكباه‏.‏ وخطب رجل لرجل إلى قوم فسألوه‏:‏ ما حِرْفته فقال‏:‏ هو نخَّاس الدوَاب فزوّجوه فلمّا كُشف عنه وجدوه يبيع السَّنانير فلمّا عنِّفوه في ذلك قال‏:‏ أوَ ما السنانير دواب ما كذبتكم في شيء‏.‏ ودخل مُعلَى الطائي على ابن السَّرِيّ يعوده في مرضه فأنشده شعراً يقول فيه‏:‏ فأُقسم إن منَّ الإله بصحَة ونَال السَّرِيُ بنُ السرِيِّ شفَاءَ لأرتَحِلِّن العِيسَ شهراً بحِجة وأُعتق شُكرإً سالماً وصَفَاء فلمّا خرج من عنده قال له أصحابُه‏:‏ والله ما نعلم عبدَك سالماً ولا عبدك صَفاء فمَن أردت أن تُعتق قال هما هرّتان عندي والحجّ فريضة واجبة فما عَلَيِّ في قولي شيءإن شاء الله تعالى‏.‏
باب في الكناية والتعريض في طريق الدعابة

سُئل ابن سيرين عن رجل فقال‏:‏ تُوفّي البارحة‏.‏ فلما رأى جَزَع السائل قال‏:‏ ‏"‏ الله يَتوفَى الأنفسَ حين مَوْتها والتي لم تمُتْ في مَنامها ‏"‏ وإنما أردتُ بالوَفاة النوم‏.‏ ومَرِض زيادٌ فدخَل عليه شُريح القاضي يَعوده‏.‏ فلمِّا خَرج بعث إليه مَسْرُوقُ بنِ الأجْدَع يسأله‏:‏ كيف تركتَ الأمير قال‏:‏ تركتُه يأمر وينهى فقال مَسروق‏:‏ إن شُرَيحاَ صاحبُ تَعرِيض ‏"‏ عَوِيص ‏"‏ وكان سِنان بن مُكمِّل النُميريّ يُساير عُمر بن هبيرة الفَزاريّ يوماً على بَغلة فقال له ابن هُبيرة‏:‏ غُضَّ من عِنان بَغلتك فقال‏:‏ إنها مكتوبة أصلح الله الأمير‏.‏ أراد ابن هُبيرة قول جرير‏:‏ فغُضَّ الطَّرْفَ إنك من نُمير فلا كَعْباً بلغتَ ولا كلابَا وأراد سِنَان قولَ الشاعر‏:‏ لا تَأمننَ فَزاريَّاً خَلوتَ به على قَلُوصك واكتُبْها بأسْيارِ ومرّ رجلٌ من بني تَميم برجل من بني نُمير على يده بازي فقال التَّميميُ للنّميريّ‏:‏ هذا البازي لك فقال له النُّميري‏:‏ نعم وهو أهدَى من القَطا‏.‏ أراد التميميُّ قولَ جرير‏:‏ أنا البازي المُطِلّ على نُمَيْر أُتِحْتُ لها من الجوِّ انصبابَا وأراد النميري قول الطِّرِمْاح‏:‏ تَميم بطُرْق اللُّؤم أهدَى من القَطَا ولو سَلكت سُبْل المكارم ضَلَّتِ ودخل رجلٌ من مُحارب على عبد الله بن يَزيد الهلاليّ وهو والي أَرْمِينية وقَريبٌ منه غَدير فيه ضفادع فقال عبد الله بن يزيد‏:‏ ما تركتنا شيوخ مُحارب نَنام الليلة فقال له المُحاربيّ‏:‏ أصلح الله الأمير أَو تدْري لمَ ذلك قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأنها أضفَت بُرْقُعاً لها قال‏:‏ قَبّحك اللهّ تَنِقّ بلا شيء شُيوخُ مُحَاربِ وما خِلتُها كانت تَريش ولا تَبْرى ضَفادع في ظَلماءِ ليلٍ تَجاوبتْ فدلَّ عليها صوتُها حَيَّةَ البَحَر وأراد المُحاربيُّ قولَ الشاعر‏:‏ لكلّ هِلاليّ من الًّلؤم بُرْقُع ولابن يزيد بُرقعٌ وقميص ُ وقال مُعاوية لعبد الرحمن بن الحَكم‏:‏ استعْرِض لي هذين الفَرسين فقال‏:‏ أحدُهما أجَشُّ والآخر هَزِيم يعني قولَ النَّجاشيّ‏:‏ ونَجَّى ابن هِنْد سابحٌ ذو عُلالةِ أجشُّ هَزيم والرِّماح دواني فقال مُعاوية‏:‏ أما إنَ صاحبَهما على ما فيه ‏"‏ لا ‏"‏ يُشئب بكَنائنه‏.‏ وكان عبدُ الرحمن يُرْمى بكنَّتِه‏.‏ وشاور زيادٌ رجلا من ثِقاته في آمرأة يتزوَّجها فقال‏:‏ لا خير لك فيها إني رأيتُ رجلاً يُقبِّلها فتركها وخالَفه الرجل إليها وتزوَّجها‏.‏ فلما بلغ زياداً خبرهُ أرسل إليه وقال له‏:‏ أما قلتَ لي إنك رأيتَ رجلاً يُقبِّلها قال‏:‏ نعم رأيتُ أباها يُقبِّلها‏.‏ وقال أعرابيُ لعمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه‏:‏ يا أميرَ المؤمنين احمِلْني وسُحَيما على جمل فقال‏:‏ نَشدتك الله يا أعرابيّ أسُحيم هذازِق قال‏:‏ نعم ثم قال‏:‏ مَن لم يَنْفعه ظنه لم يَنْفعه وودَّع رجلٌ رجلاً كان يُبْغِضُه فقال‏:‏ امض في سّرٍ مِن حِفْظ الله وحِجاب من كلاءته‏.‏ فَفطِن له الرجل فقال‏:‏ رَفع الله مكانك وشَدِّ ظهرك وجَعلك مَنظوراً إليك‏.‏ والشَّيباني قال‏:‏ كان ابن أبي عَتيق صاحبَ هَزْل ولهو واسمُه عبد الله بن محمد بن أبي بَكر ‏"‏ الصدِّيق رضي الله عنهم ‏"‏ وكانت له آمرأة من أشراف قَريش وكان لها فتياتٌ يُغنين في الأعراس والمآتم فأمرت جاريةً منهن أن تغنِّي بشعر لها قالتْه في زَوْجها فتغنّت الجاريةُ وهو يسمع‏:‏ ذَهب الإله بما تَعيش به وقمرتَ لُبك أيما قَمْرِ أنفقت مالك غير مُحْتشم في كلِّ زانية وفي الخمر فقال للجارية‏:‏ لمن هذا الشًعر قالت‏:‏ لموْلاتي‏.‏ فأخذ قرْطاساً فكتبه وخرج به فإذا هو بعبد الله بن عُمر بن الخطاب فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن قف قليلا أُكلمك فوقف عبد الله بن عمر فقال‏:‏ ما تَرى فيمن هجاني بهذا الشعر وأنشد البيتن قال‏:‏ أرى أن تَعفو وتَصفح قال‏:‏ أما وإللهّ لئن لقيتُه لأنيكنَه فأخذ ابن عُمر ينَكُله ويَزْجره وقال‏:‏ قبّحك اللهّ‏.‏ ثم لَقيه بعد ذلك بأيام فلما أبصره ابن عُمر أعرض عنه بوَجْهه فاستقبله ابن أبي عَتيق فقال له‏:‏ سألتُك بالقبر ومَن فيه إلا سمعتَ مني حرفين فولاه قفاه وأنصت له قال‏:‏ علمتَ أبا عبد الرحمن