المبادرة بالعمل الصالح
قال الله عزّ وجلّ: " وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وجَنة " وقال تعالى: " والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أُولئك المُقرًبًون ". وقال الحسن: بادروا بالعمل الصالح قبل حُلول الأجل فإنّ لكم ما أَمضيتم لا ما أَبْقَيتم. وقالوا: ثلاثة لا أناة فيهن: المُبادرة بالعمل الصالح ودفْن الميّت وإنكاح الكُفء. وقال النبي : ابن آدم اْغتنم خمَساً قبل خَمْس: شبابك قبل هَرَمك وصِحَّتك قبل سَقَمك وفَراغك قبل شُغلك وحياتَك قبل مَوْتِك وغِناك قبل فَقْرِك. وقال الحسن: " ابن آدم " صُمْ قبل أن لا تَقْدر على يومٍ تَصُومه كأنك إذا ظَمِئْت لمَ تَكُن رَوِيت وكأنك إذا رَوِيتْ لم تكن ظَمِئت. وكان يزيد الرَّقاشيّ يقول: يا يزيدُ مَن يَصُوم عنك أو يُصَلِّي لك أو يَتَرَضىَّ لك ربك إذا مِتّ وكان خالدُ بن مَعْدان يقول: إذا أنتَ لم تَزْرَع وأَبصرْتَ حاصداً نَدِمْتَ عَلَى التَّفْريط في زَمن البَذْرِ وقال ابن المُبارك: رَكِبْتُ مع محمد بن النَّضْر في سفينة فقلتُ: بأي شيء أَسْتَخْرِج منه الكلامَ فقلتُ له: ما تقول في الصَّوم في السفر فقال: إنما هي المبادرة يا بن أخي. فجاءني والله بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشعبي. ومن قولنا في هذا المعنى: بادرْ إلى التَّوْبِة الخَلْصَاء مُجْتهداً والموتُ وَيْحك لم يَمْدًد إليك يَدَا وأرقبْ من الله وَعْداً لَيْسَ يُخْلِفُه لا بُدَّ لله من إنجاز ما وَعَدَا وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه: فيم أنتم قالوا: نَرْجُو ونَخاف قال: مَن رجا شيئاً طَلَبَه ومن خافَ شيئاً هَرَب منه. تَرْجُو النَّجَاةَ وَلم تَسْلُك مَسَالكها إنّ السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبس وقال آخر: اعمل وأنتَ من الدُنيا على حَذَر وآعلم بأنكَ بعد المَوْت مَبْعُوثُ واعلم بأنك ما قَدَمْت من عَمَل يُحْصىَ عَليك وما خَلَّفْتَ مَوْرُوث وقَدَّمَت عائشةُ رضي الله عنها إلى النبي صَحْفَة فيها خُبز شَعِير وقطعة من كَرش وقالت: يا رسولَ الله ذَبَحْنا اليوم شاةً فما أَمسكنا منها غيرَ هذا فقال: بل كلًّها أمسكتم غير هذا. العجز عن العمل قال رجلٌ لمُؤرِّق العِجْلي: أشكُو إليك نفسي إنها لا تُريد الصلاة ولا تَسْتَطيع الصبرَ على الصّيام قال: بئس الثناء أثنيت به على نفسك فإذا ضعًفَت عن الخير فاضْعُف عن الشرّ فإنّ الشاعر قال: احْزَنْ عَلى أَنكَ لا تَحْزَنُ ولا تُسئ إن كُنْتَ لا تُحْسِنُ واضعُفْ عن الشر كما تدَعى ضَعْفاً عن الخير وقد يُمْكِنُ وقال بكرُ بن عبد الله: اجتهدوا في العملِ فإن قَصرًّ بكمِ ضْعْفٌ فأمسكوا عن المعاصي. وقال الحسنُ رحمه الله: من كان قوياً فَلْيعتمد على قُوته في طاعة الله ومَن كان ضعيفاً فلْيَكُفّ عن معاصي الله. وقال عليُ " بن أبي طالب عليه السلام ": لا تَكُنْ كمن يَعْجِزُ عن شُكر ما أُوِتي ويَبْتَغي الزيادة فيما بَقى وينْهَى الناسَ ولا ينتهي. وكان الحسنُ إذا وَعظ يقول: يا لها موعظةً لو صادفت من القلوب حياةً أَسْمَع حَسِيساً ولا أَرَى أنيساً ما لهم تَفاقدوا عقولَهم فَرَاش نار وذُباب طَمَع. وكان ابن السمّاك إذا فَرَغ من مَوْعظته يقول: أَلْسِنَة تَصِف وقلوب تَعْرف وأعمال تخالِف. وقال: الحسنة نورٌ في القَلْب وقُوَّة وقال بعض الحُكماءِ: يا أيُّها المشيَخَة الذين لم يَتْرًكوا الذنوب حتى تَرَكتْهُم الذُّنوب ثمّ ظَنُّوا أنّ تَرْكها لهم توبة وليتهم إذ ذهبتْ عنهم لم يَتَمَنَوا عَوْدَها إليهم. وكان مالكُ بن دينار يقول: ما أشدَّ فِطَامَ الكبير ويُنشد: وتَرُوض عِرْسَك بعدما هَرِمَت ومن العَناء رياضة الهَرِم ومن حديث محمد بن وَضّاح قال: إذا بلغَ الرجلُ أربعين سنة ولم يَتُب مَسح إبليسُ بيده على وجهه وقال: بِأَبي وَجْهٌ لا أفْلَح أبداً. قال الشاعر: فإذا رأى إبليسُ غُرَّةَ وَجْهِه حَيا وقال فَديتُ من لا يُفْلِحُ وقال رجل للحسن: أبا سعيد أردتُ أن أُصَلِّي فلم أستطع قال: قَيَّدَتْكَ ذنوبك. قولهم في الموت قال النبي لعمر بن الخطّاب رضوانُ الله عليه: ما عندك من ذِكر الموت أبا حَفْص قال: أُمْسي فما أرى أنّي أُصْبح وأُصبحِ فما أَرَى أني أُمْسي قال: الأمر أَوْشك من ذلك أبا حَفْص أما إنّه يَخرُج عنّي نفسي فما أَرَى أنه يعود إليّ. وقال عبد بن شَدَّاد: أرى داعي الموت لا يُقْلِع و " أرى " مَن مَضى لا يَرْجع ومن بَقي فإليه يَنْزع. وقال الحسن: ابن آدم إنما أنت عَدَد فإذَا مضى يومُك فقد مَضى بعضُك. وقال أبو العتاهية: الناس في غَفَلاتهمِ ورَحى المَنية تَطْحَنُ وقال عمر بن عبد العزيز: مَن أكثر من ذِكر الموت اكتفي باليسير ومَنْ عَلِم أَنّ الكلام عمل قلِّ كلامُه إلاّ فيما يَنفع. وكان أبو الدَّرداء إذا رأى جِنَازة قال: اغدي فإنا رائحون أو روحي فإنا غادون. وقال رجل للحسن: مات فلانٌ فجأة فقال: لو لم يَمُتْ فجأةً لَمَرِض فجأة ثم مات. وقال يعقوب صلواتُ الله عليه للبَشِير الذي أتاه بقمِيص يوسف: ما أَدْرِي ما أُثيبك به ولكن هوَن الله عليك سكراتِ الموت. وقال أبو عمرو بن العلاء: لقد جَلستُ إلى جَرِير وهو يُملي على كاتبه: وَدِّعْ أُمَامَةَ حَان منك رَحِيلُ ثم طلعت جِنَازَةٌ فَأمْسك وقال: شَيَّبَتْني هذه الجنائز قلت: فَلِم تَسُبّ الناسَ قال: يَبْدَءوني ثم لا أعفو وأَعْتدي ولا أَبْتَدي. ثم أنشد يقول: تُرَوِّعنا الجنائزُ مُقْبِلات فَنَلْهُو حين تذْهبُ مُدْبراتِ كَرَوْعَة هَجْمَةٍ لمُغار سَبْعِ فلما غابَ عادتْ راتعات وقالوا: مَن جعل الموتَ بين عَيْنيه لَهَا عما في يَدَيه. وقالوا: اتخذ نوحٌ بيتاً من خُصّ فقيل له: لو بَنيتَ ما هو أحسن من هذا قال: هذا كثيرٌ لمَن يموت. وأحكم بيتٍ قالْته العربُ في وَصْف الموت بيتُ أُمية بن أبي الصَّلت حيث يقول: يُوشِك مَنْ فَر مِنْ مِنيَّته في بَعْض غِراته يُوَافِقُهَا مَنْ لم يمُتْ غَبْطَةً يَمُت هَرَماً للموت كأسٌ والمرء ذائقها وقال إصْبَغ بن الفَرَج: كان بنَجْران عابد يَصِيح في كلِّ يوم صَيحتين بهذه الأبيات: قَطَعَ البقاء مَطالعُ الشمسِ
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
أبا عُبيدة نعم نَفِرُّ من قدرِ الله إلى قدَر الله أرأَيت لو أنَّ لك إبلاً هَبَطْتَ بها وادياً له جِهتان إحداهما خَصِيبة والأخرى جَدِيبة أليسَ لو رعيتَ الخصيبة رعيتَها بقَدَر الله ولو رعيتَ الجديبة رعيتَها بقدَر الله وكان عبدُ الرحمن بن عَوْف غائباً فأَقبل فقال: عِنْدي في هذا عِلْمٌ سمعتُه من رسول الله قال: إذا سمعتم به في أرض فلا تَقْدَموا عليها وإذا وَقع في أرض وأَنتم بها فلا تَخْرُجوا فِرَاراً منه. فَحَمِد الله عُمر ثم انصرَف بالناس. وقيل للوليد بن عبد الملك حين فرَّ من الطاعون: يا أميرَ المؤمنين إنَّ الله تعالى يقول: " قل لَنْ يَنْفَعَكم الفِرَارُ إن فَرَرْتُم مِنَ المَوْتِ أَو القَتْل وإذَا لا تُمَتَّعُونَ إِلاّ قليلا ". قال: ذلك القليلَ نَطْلُب. العُتْبيّ قال: وَقع الطاعونُ بالكُوفة فخرج صدِيق لِشُرَيح إلى النَّجَف فكتب إليه شُرَيح: أما بعد فإنَ المَوْضع الذي هرَبْتَ منه لم يَسُق إلى أجلك تَمامَه ولم يَسْلُبْه أيّامَه وإنّ الموضع الذي صرت إليه لَبِعين مَنْ لا يُعجزه طَلَب ولا يَفُوتُه هرَب وأنا وإيّاك على بِسَاط مَلِك وإنّ النَّجَف لما وَقع الطاعون الجارفُ أطاف الناسُ بالحُسين فقال: ما أحسنَ ما صنع بكم ربُّكم أَقْلَع مُذْنِبٌ وأَنْفَقَ مًمْسك. وخرج أعرابيّ هارباً من الطاعون فَلَدغَتْه أفْعى في طريقه فمات فقال أَخُوه يَرْثيه: طافَ يَبْغِي نَجْوَةً من هَلاكٍ فَهلَكْ لَيْت شِعْري ضَلّةَ أيًّ شيءٍ قَتَلك أَجُحَاف سائلٌ من جِبالٍ حَمَلك والمَنَايا راصِدَات للفتى حيثُ سَلَك كلُّ شيءٍ قاتِل حين تَلْقى أجَلك حُكِيَ أن ماء المطر اتصل في وقت من الأوقات فَقَطع الحسنَ بن وَهْب عن لقاء محمد بن عبد الملك الزيّات فكتب إليه الحسن: يُوضِّح العذْرَ في تَراخي الِّلقَاءِ ما توالى مِن هذه الأنْوَاءِ فَسَلامُ الإله أهْدِيه منِّي كُل يوم لسيِّد الوزراءِ لستُ ادري ماذا أَذُمُ وأَشْكو من سَماءٍ تعُوقني عن سَماءِ غَيْرَ أَنِّي أدْعُو لهاتِيك بالثُّك ل وأدْعُو لهِذِه بالبَقاءِ أحْسَنُ مِنْ تِسْعِينَ بَيْتاً سُدىً جٍمْعُكَ معناهنَّ في بَيْتِ ما أحْوَجَ الناسَ إلى مَطْرَةٍ تزيلُ عنهم وَضَرَ الزّيتِ فبلغ قولُه محمداً فقال: يا أيُّها المأْفُون رَأْياً لقَدْ عرِّضْت لي نَفْسَك للْمَوْتِ قَيًرْتُم المُلْكَ فلم نُنْقِهِ حتى قلَعْنا القارَ بالزَّيت الزيت لا يزري بأَحْسَابنا أَحْسَابنا مَعْروفة البَيْت وقيل لابن أبي دواد: لم لا تسأَل حوائجك الخليفةَ بحَضْرة محمد بن عبد الملك فقال: لا أُحب أن أُعْلِمَه شأْني. وقد حدّث أبو القاسم جَعْفَر أن محمداً الحَسَنيّ قال: أخبرنا محمد بن زكريا الغَلاَبيّ قال: حدثنا محمد بن نجيع النُّوبَخْتي قال: حدثنا يحيى أن سُليمان قال: حدثني أبي وكان ممن لَحِقَ الصحابة قال: دخلت الكوفة فإذا أنا برجل يُحدِّث الناس فقلت: من هذا قالوا: بَكْر بن الطِّرِمّاح فسمعتُه يقول: سمعتُ زَيد بن حُسَينْ يقول: لما قُتِل أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبى طالب عليه السلام أتى بنَعْيه إلى المدينة كُلْثوم بن عَمْرو فكانت تلك الساعة التي أتيَ فيها بنَعْيه أشْبَه بالساعة التي قُبضَ فيها رسول الله من باكٍ وباكِية وصارخ وصاَرخَةٍ حتى إذا هَدأت عَبْرَة البُكاء عن الناس قال أصحاب رسول الله : تعالوا حتى نَذْهبَ إلى عائشة زَوْج النبي فَنَنْظًرَ حُزْنَها على ابن عمِّ رسول الله . فقام الناسُ جميعاً حتى أتَوْا منزلَ عائشة رضي اللهّ عنها فاستأذنوا عليها فوَجَدوا الخبرَ قد سبق إليها وإذا هي في غَمْرَة الأحْزَان وعَبْرَة الأشجان ما تفتر عن البكاء والنَّحيب منذ وَقْتِ سَمِعَتْ بخَبره. فلما نَظَرَ الناسُ إلى ذلك منها انصرفوا. فلما كان من غدٍ قيل إنها غَدَتْ إلى قبْرِ رسول الله فلم يَبْق في المَسْجد أحدٌ من المهاجرين إلا استَقْبلها يُسلّم عليها وهي لا تُسَلِم ولا تَرُدّ ولا تُطِيق الكلامَ من غَزَارة الدَّمعة وغَمْرَة العَبرَة تَتخنق بعَبْرَتها وتتعَثر في أثوابها والناسُ من خَلْفها حتى أتت إلى الحُجْرةِ فأخذت بِعضَادة الباب ثم قالت: السلامُ عليك يا نبيّ الهُدَى السلامُ عليك يا أبا القاسم السلام عليك يا رسول الله وعلى صاحبَيْك. يا رسول الله أنا ناعيةٌ إليك أحظَى أحْبَابك ذاكرةٌ لك أكرمَ أودّائك عليك. قُتل والله حبيبُك المُجْتَبَى وصَفِيك المُرْتَضى. قُتِل والله مَن زوَجته خيرَ النِّساء. قُتِل والله من آمَن ووَفى وإني لنادِبة ثَكْلَى وعليه باكيةٌ حرى. فلو كُشِف عنك الثرى لقلتَ: إنّه قُتل أكرمهم عليك وأحظاهم لديك. ولو قُدِّر أن نَتَجَنَّب العِدَاء ما كان تعرَّضت له منذ اليوم والله يجري الُأمور على السَّداد. قال المبرّد: عزّى أحمد بن يوسف الكاتب ولدَ الرَّبيع فقال: عُظِّمَ أجركم ورحم
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
صلَّى الإله عَلَى قَوْمٍ شَهِدْتُهُمُ كانوا إذا ذَكَرُوا أو ذُكِّرُوا شَهقُوا كانوا إِذا ذَكَرُوا نارَ الجحيم بَكوْا وَإِنْ تَلاَ بعضُهم تَخْوِيفها صعقوا من غير هَمْزٍ من الشّيطان يأخذهم عِند التِّلاوة إلا الخَوْف والشَفَق صَرْعى من الحُزن قد سَجّوا ثِيابَهم بقيَّة الرُّوح في أوداجهم رَمَقُ حتى تَخَالهم لو كنت شاهِدَهم من شِدَّة الخَوْفِ والإشْفَاقِ قد زَهِقُوا النهي عن كثرة الضحك في الحديث المَرْفوع: كثرةُ الضَّحك تُميت القلب وتُذْهِب بَهاء المُؤمن. وفيه: لو علمتُمْ لَبَكَيْتُمْ كثيراً وضَحِكْتُمْ قَلِيلاً. وفيه: إِنّ الله يكره لكم العَبثَ في الصلاة والرَّفَث في الصِّيام والضَّحِك في الجنائز. ومرَّ الحسنُ بقومٍ يَضْحكون في شَهْر رَمضان فقال: يا قوم إنّ الله جعل رمضان مِضْماراً لِخَلْقِه يَتسَابقون فيه إلى رَحْمتِه فَسَبَق أقوامٌ ففازُوا وتخلَّف أقوامٌ فَخَابوا فالعَجب من الضاحِكِ اللاّهي في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المتخلِّفون أما والله لو كُشِف الغِطاء لَشَغَلَ مُحْسِناً إحسانُه ومُسِيئاً إساءتُه. ونظر عبد الله إلى رجل يضحك مُسْتَغْرِقاً فقال له: أتضحك ولعلّ أكفانَك قد أخِذَت من " عند " القَصَّار. وقال الشاعر: وكم مِنْ فتًى يُمْسي ويًصْبِحُ آمِناً وقد نُسِجَتْ أكْفَانُه وهو لا يَدْرِي النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك " لقى أبو جعفر سفيانَ الثوريّ في الطواف فقال: ما الذي يمنعك أبا عبد الله أن تأتينا قال: إن الله نهانا عنكم فقال: " وَلاَ تَرْكَنُوا إلى الذين ظَلَمُوا فَتَمَسَّكم النار". وقدِمَ هِشامُ بن عبد الملك المدينة لزيارة القَبر فدخل عليه أبو حازم الأعرج فقال: ما يمنعك أبا حازم أن تأتينا فقال: وما أصنع بإتيانك يا أمير المؤمنين إن أدْنيتني فَتَنْتَني وإن أقصيتني أخزَيْتني وليس عندي ما أخافك عليه ولا عندك ما أرجوك له ". قال عمرُ بنُ الخطّاب رضي الله عنه: مَن دخل على المُلوك خَرج وهو ساخِطٌ على الله. أرسل أبو جعفر إلى سُفْيانَ فلما دَخل عليه قال: سَلني حاجتك أبا عبد الله قال: وتَقْضيها يا أمير المؤمنين قال: نعم قال: فإنّ حاجتي إليك أن لا تُرْسِل إليَّ حتى آتيك ولا تُعْطِيني شيئاً حتى أسألك ثم خرج. فقال أبو جعفر: أَلْقَيْنا الحَبَّ إلى العُلماء فلَقَطوا إلا ما كان من سُفيان الثَّوْرِي وقال زِيادٌ لأصحابه: مَنْ أغبطُ الناس عيشاً قالوا: الأميُر وأصحابه قال: كلاّ إِنّ لأعْواد المنْبَر لَهَيْبةً ولقَرْع لِجَام البريد لَفَزْعة ولكنَّ أَغبطَ الناس عيشاً رجلٌ له دار يَسْكُنُها وزَوْجَة صالحة يأوي إليها في كَفَاف من عَيْش لا يَعْرفنا ولا نَعْرفه فإن عَرَفنا وعرفْناه أَفْسَدْنا " عليه " آخرته ودُنياه وقال الشاعر: إِنَّ الملوك بلاءٌ حيثُما حَلُّوا فلا يَكُنْ لك في أكنافِهم ظِلُّ ماذا تُريد بقَوْمٍ إِنْ هُمُ غَضبُوا جارُوا عليك وإن أَرْضَيْتهم مَلُّوا فاسْتَغْنِ بالله عنَ إتْيَانهم أبداً إنّ الوُقوف على أبوابهم ذلُّ وقال آخر: لا تصحبنَّ ذَوي السُّلطان في عَملٍِ تُصْبِح عَلَى وَجَلٍ تمسْي عَلَى وَجَل كُل الترابَ ولا تَعْملِ لهم عملاً فالشرُّ أَجْمَعُه في ذلك العَمَل وفي كتاب كليلة ودِمْنة: صاحبُ السلطان مثلُ راكب الأسد لا يَدْرِي متى يَهيجُ به فَيَقْتُله. دخل مالكُ بنُ دِينار على رَجُل في السِّجن يَزوره فنظر إلى رجل جُنْديّ قد اتّكأ في رِجلَيه كُبُول قد قَرَنت بين سَاقَيْه وقد أتِي بسُفْرة كثيرة الألوان فدعا مالكَ بنَ دِينار إلى طَعامه فقال له: أخشى إن أكلتُ من طَعامك هذا أن يُطْرَح في رجليّ مثلُ كُبولك هذه. وفي كتاب الهِنْد: السلطانُ مثلُ النار إن تباعدتَ عنها احتجتَ إليها وإن دنوتَ منها أحْرقَتك. أيوب السِّخْتياني قال: طُلب أبو قِلابة لِقَضاء البَصْرة فهَرب منها إلى الشام فأقامَ حيناً ثم رَجع. قال: أيوب. فقلتُ له: لو وَليتَ القَضاء وعَدلْت كان لك أجران فقال يا أيّوب إذا وقعِ السابحُ في البحر كَم عسى أَنْ يَسْبح وقِال بَقيّة: قال لي إبراهيم: يا بَقِيّة كن ذَنبا ولا تَكن رَأْسا فإنّ الرأسَ يهلك والذَّنب ينجو. ومن قولنا في خِدْمة السلطان وصُحبته: تجَنَّب لِباس الخَزّ ِإنْ كنْت عاقلاً وَلا تَخْتَتِمْ يوماً بفَصِّ زَبَرْجَدِ ولا تتطيَّب بالغَوالي تَعَطُّرًا وَتَسْحَبَ أذْيَالَ المُلاَءِ المعضَّد وَلاَ تَتَخَيَّر صَيِّتَ النًعْل زَاهِيًا ولا تَتَصَّدر في الفِرَاش المُمَهَّد وكُنْ هَمَلاً في الناس أغْبَرَ شاعثاً تَرُوحُ وَتَغْدُو في إزارٍ وَبُرْجُد يَرَى جِلْد كَبْشٍ تحتَهُ كلما استوَى عليْه سِريراً فَوْقَ صَرْحٍ ممَرَّد ولا
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
تَطْمَح العينَان منك إلى امرىءٍ له سَطَوَاتٌ باللِّسان وباليَد تراءَتْ له الدُّنيا بزِبْرج عَيْشِهِا وقادَتْ له الأطماع من غيره مقوَد فأسْمَنَ كَشَحَيْهِ وأهْزَلَ دِينه وَلم يَرتَقِب في اليوم عاقبةَ الغد فَيُرْحَم تاراتٍ وَبُحْسَدُ تارةً فذا شرُّ مَرْحُوم وَشرُّ مُحَسَّد القول في الملوك الأصمعِيّ قال: بَلغني أنت الحسن قال: يابن آدم أنتَ أسيرُ الجُوع صرَيع الشِّبع إنّ قوماَ لَبِسوا هذه المَطَارفَ العِتاق وِالعَمائم الرقاق وَوسَعوا دُورَهم وَضيَّقوا قُبورهم وأسْمَنوا دوابَّهم وأهزَلوا دِيَبهم يَتّكِىء أحدُهم على شِماله ويأكل " مِن " غير مالِه " فإذا أدركته الكِظّة " قال: يا جارية هاتي هاضُومَك ويلك! وهل تَهْضم إلا دينَك. يحيى بنُ يحيى قال: جَلسِ مالكٌ يوماً فأطرقَ مليّا ثم رَفع رأسَه فقال: يا حَسْرةً على المُلوِك لأنهم تُركوا في نعِيم دُنياهم وماتُوا قبل أن يَموتوا حُزْناً على ما خلَفوا وجَزَعاً مما استقبلوا. وقال الحسن وذُكِر عنده الملوك: أما إنّهم وإنْ هَمْلَجت بهم البِغال وأطافت بهم الرِّجال وتعاقبت لهم الأموال إنِّ ذُلَّ المَعْصِية في قُلوبهم أبَى الله إلا أن يُذِلَّ مَن عَصاه. الأصمعيًّ قال: خَطَب عبد الله بن الحسَن على مِنْبر البَصرة فأنشد على المِنبر: أينَ المُلوك التي عَن حَظِّها غَفِلت حتى سَقاها بِكأْس المَوْت ساقِيها بلاء المؤمن في الدنيا قال النبيُّ : المُؤمن كالخامَة من الزّرع تَمِيلٍ بها الرّيح مرة كذا ومرّة كذا والكافر كالأرْزَة المُجْذية حتى يكون انجعافُها مرِّة. ومعنى هذا الحديث: تردُد الرزايا على المؤمن وتجافِيها عن الكافر ليزدادَ إثماَ. وقال وَهْب بنُ مُنَبِّه: قرأتُ في بعض الكُتب: إني لأذودُ عبادي المخْلصين عن نَعيم الدُّنيا كما يَذُود الرَّاعي الشَّفِيقُ إبلَه عن مَوارد الهَلَكة. وقال الفًضيل ابن عِيَاض: ألا ترَوْنَ كيف يُزْوِي الله الدنيا عمن يُحب من خلْقه ويمرمرها عليه مرَّةً بالجوع ومرَّة بالعُرْي ومرَّة بالحاجة كما تصنع الأُمّ الشَّفيقة بولدها تَفْطِمه بالصًبْرِ مرَّة وبالحُضَض مرَّة وإنما تُريد بذلك ما هو خيرٌ له. " وفي الحديث: إن النبي قال: أخبرني جبريل عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ما ابتليتُ عَبْدي ببليّة! نفسه أو ماله أو ولده فتلقّاها بِصَبْر جميل إلا استحييت يوم القيامة أن أرفَع له ميزاناً أو أنشر له ديواناً ".
كتمان البلاء إذا نزل
قال النبيّ : من ابتلي ببَلاء فكَتَمَه ثلاثة أيام صَبْراً واحتساباً كان له أجرُ شهيد. وسَمِع الفُضَيْل بن عِيَاض رجلاً يشْكو بلاء نَزَل به فقال: يا هذا تشكو مَنْ يَرْحَمُك إلى من لا يَرْحمك. وقال: مَن شكا مُصِيبةً نزَلت به فكأنما شَكا ربَّه. وقال دُريد بن الصِّمة يَرْثي أخاه عبد الله بن الصِّمة: قليلَ التَّشَكِّي للمصائب ذاكرًا من اليوم أَعقابَ الأحادِيث في غَدِ وقال تأبَّطَ شرًّا: قليلَ التشكِّي للمُلًمَ يصيبه كثيرَ النوَى شتى الهوى والمسالِكِ الشيبَانيّ قال: أخبرني صَديقٌ لي قال: سَمِعَني شُريح وأنا أشْتَكي بعضَ ما غمني إلى صديق " لي " فأخذ بيدي وقال: يا بن أَخي إياك والشَّكْوى إلى غير الله فإنه لا يَخلو من تشكو إليه أن يكون صديقاً أو عدوًّا فأما الصديق فتخْزُنه ولا يَنْفعك وأما العدوّ فَيَشْمَت بك انظُر إلى عيني هذه - وأشار إلى إحدى عَينيه - فوالله ما أبصرت بها شخصاً ولا طريقاً منذُ خمسَ عشرةَ سنة وما أخبرتُ بها أحداَ إلى هذه الغاية أما سمعتَ قول العبد الصالح: " إنما أَشْكو بَثِّي وحُزْني إلى اللهّ " فاجعلْه مَشْكاك ومَفْزَعك عند كل نائبة تَنُوبك فإنه أكرمُ مَسْئول وأقربُ مدعوٍّ إليك. كتب عَقِيل إلى أخيه علي بن أبي طالب رضوانُ اللهّ عليهما يسألهُ عن حاله فكتب إليه: عزيزٌ عليّ أنْ تُرَى بي كآبة فيَفْرَحَ وَاشٍ أَوْ يُسَاءَ حَبيب وكان ابن شُبْرمة إذا نزلتْ به نازلةٌ قالت: سحابة " صَيْف عن قليل " تَقَشِّع. وكان يُقال: أَرْبع من كُنوز الجنَّة: كِتْمان المُصيبة وكِتمان الصَّدقة وكِتمان الفاقة وكِتمان الوَجَع.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 9 (0 من الأعضاء و 9 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)