مالي أراك مُتَغَيِّراً لونُك قال‏:‏ لكلمة سمعتها منَ رسول الله ولم أسأله عنها قال وما ذاك قال‏:‏ سمعتُه يقول‏:‏ إني أعلم كلمة مَن قالها عند الموت مَحَّصت ذُنوبَه ولو كانت مثلَ زَبَد البحر فأنْسِيت أن أسأله عنها‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ أعَلِّمُكَها وهي‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ أبو الحُبَاب قال‏:‏ لما احتضر مُعاذ قال لخادمته‏:‏ وَيْحكِ‏!‏ هل أصْبَحْنَا قالت‏:‏ لا ثم تركها ساعةً ثم قال لها‏:‏ انظُري فقالت‏:‏ نعم قال‏:‏ أعوذ باللهّ من صباحٍ إلى النار‏.‏ ثم قال‏:‏ مَرْحباً بالموت مَرْحباً بزائر جاء علىِ فاقة أفلح من نَدِم‏.‏ اللهم إنك تعلم أني لم أحِبّ البقاء في الدنيا لِجَرْي الأنهار وغرْس الأشجار ولكن لمُكابدة اللَّيل الطويل وظمأ الهَواجر في الحرّ الشديد ومُزاحمة العُلماء بالرًّكب في مجالس الذِّكر‏.‏ ولما حضرت الوفاةُ عمرَ بن عُتبه قال لرفيقه‏:‏ نَزَلَ بي الموتُ ولم أتأهّب له اللهم إنك تعلم أنه ما سَنح لي أمران لك في أحدهما رضاً ولي في الآخر هوًى إلا آثرْتُ رِضَاك على هَوَاي‏.‏ ولما حضرَت الوفاةُ عمَر بنَ الخطاب‏:‏ قال لوَلده عبد الله بنِ ابن السمَّاك قال‏:‏ دخلتُ على يزيد الرَّقاشي وهو في الموت فقال لي‏:‏ سَبَقَني العابدون وقُطع بي والهْفَاه‏!‏ موسى الأسْوارِيّ قال‏:‏ دخلتُ على أزْدامَرْد وهو ثَقيل فإذا هو كالخُفَّاش لم يَبْقَ منه إلا رَأْسُه فقُلْت له‏:‏ يا هذا ما حالُك قال‏:‏ وما حالُ من يُرِيد سفراً ‏"‏ بعيداً ‏"‏ بغير زاد ويَنطلق إلى ملك عَدْل بغير حُجَّة ويَدْخُل قبراً مُوحشاَ بغير مُؤْنس قال عمرُ بن عبد العزيز لأبي قِلاَبة وقد وَلي غَسْل ابنه عبد الملك‏:‏ إذا غَسّلته وكَفَّنتَه فآذنِّي قبل أن تُغَطِّي وجهه فَفَعل فنظر إَليه وقال‏:‏ رَحمك الله يا بُني وغَفَر لك‏.‏ ولما مات محمد بن الحجَّاج جَزع عليه جَزَعاً شديداً وقال‏:‏ إذا غسَّلتموه وكَفَّنتُموه فآذنوني ففعلوا فنظر إليه وِقال مُتمثّلاً‏:‏ الآن لما كنتَ أكملَ مَنْ مَشى واْفترّ نابُك عن شَباة القارِح وتكاملتْ فيك المُروءة كُلُّها وأعنت ذلك بالفعال الصالح فقيل له‏:‏ اتّق الله واسترجع فقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ وقال عمر بن عبد العزيز لابنه عبد الملك‏:‏ كيف تجدك يا بُني قال‏:‏ أجِدُني في الموت فاحْتَبِسني فإنّ ثوابَ الله خيرٌ لك منّي قال‏:‏ والله يا بُني لأن تكون في ميزاني أحب لي أن أكون في ميزانك قال‏:‏ وأنا واللهّ لأن يكون ما تُحب أحبَّ إليّ من أن يكون ما أحِب‏.‏ لما احتضر عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله استأذن عليه مَسْلمة بنُ عبد الملك فأذِن له وأمره أن يُخفِّف الوَقْفة فلما دخل وقف عند رأسه فقال‏:‏ جَزاك الله يا أميرَ المؤمنين عنّا خيراً فلقد ألنت لنا قُلوباً كانت علينا قاسية وجعلت لنا في الصالحين ذِكْراً‏.‏ حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنَس بن مالك قال‏:‏ كانت فاطمةُ جالسةً عند رسول الله ‏:‏ فتراكبت عليه كُرَب الموت فرفع رأسه وقال‏:‏ واكَرْباه‏!‏ فبكت فاطمة وقالت‏:‏ واكَرْباه لكَرْبك يا أبتاه‏!‏ قال‏:‏ لا كَرْب على أبيك بعد اليوم‏.‏ الرِّياشي عن عثمان بن عُمَر عن إسرائيل عن مَيْسرة بن حبيب عن المِنْهال بن عمرو عن عائشة بنت طَلْحَةَ عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت‏:‏ ما رأيتُ أحداً من خَلْق الله أشبه حَدِيثاً وكلاماً برسول الله سألتُها فقالت‏:‏ أسرّ إليّ فأخبرني أنه مَيِّت فبكيتُ ثم أسرَ إليَّ أني أولُ أهل بَيته لُحُوقاً به فَضَحكتُ‏.‏ القاسم بن محمد عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللهّ عنها‏:‏ أنها دخَلَت على أبيها في مرضه الذي مات فيه فقالت له‏:‏ يا أبَتِ اعهد إلى خاصتك وأنْفذ رأيك في عامّتك واْنقُل من دار جهازك إلى دار مُقامك وإنك مَحْضُور ومًتَصِل بقلبي لوْعتُك وأرى تخاذل أطْرافك وانتفاع لَوْنك فإلى ‏"‏ الله ‏"‏ تَعْزيتي عنك ولديه ثوابُ صَبْري عليك أَرْقأ فلا أرْقأ وأشْكُو فلا أشْكَى‏.‏ فرفعِ رأسه فقال‏:‏ يا بُنيّة هذا يوم يُحَلّ فيه عن غِطائي وأعاين جزائي إنْ فرٍحاً فدائم وإنْ تَرَحاً فمُقيم‏.‏ إني اضطلعت بإمامة هؤلاء القوم حين كان النكوص إضاعةً والحذر تَفْريطاً فشَهيدي الله ما كان بقلبي إلا إياه فتَبلَغت بصَحْفتهم وتعلّلت بدرّة لقْحَتهم وأقمت صَلاَي معهم لا مُخْتالاً أشِراً ولا مُكابِراً بَطِراً لم أعْدُ سَدَّ الجوْعة وتوْرية العَوْرة طَوًى مُمغص تَهْفُو له الأحْشاء وتَجِبً له الأمعاء واضطررت إلى ذلك اضطرار الجَرِض إلى الماء المَعيف الآجن فإذا أنا مِتُّ فردِّي إليهم صَحْفتهم ولَقْحَتهم وعَبْدَهم ورحَاهم ودِثَارة ما فوقي اتقيت بها أذى البرد ووِثارة ما تحتي اتقيتُ بها أذىَ الأرْض كان حَشْوهُما قِطَع السَّعف‏.‏ ودخل عليه عمر فقال‏:‏ يا خليفةَ رسول الله لقد كلفتَ القومَ بعدك تَعَبا ووَلَّيتهم نَصَبا فهيهات مِن شقّ غُبَارك فكيف باللحاق بك‏.‏ وقالت عائشة وأبوها يُغمَّض‏:‏ وأبْيَض يُسْتَسْقَى الغمامُ بوجهه رَبيع اليَتامى عصمة للأرامِل عليه فقالت‏:‏ لَعمرك ما يغني الثّرَاء عن الفَتى إذا حَشْرَجَت يوماً وضاق بها الصَّدْرُ قالت‏:‏ فنظر إليّ كالغضبان وقال لي‏:‏ قُولي‏:‏ ‏"‏ وَجَاءَتْ سَكْرةُ المَوْتِ بالحَقّ ذلِك ما كُنْتَ منه تَحِيد ‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ انظروا مُلاءَتيّ فاغْسلوهما وكفِّنوني فيهما فإن الحيَّ أحوجُ إلى الجديد من الميّت‏.‏ وقال مُعَاوية حين حَضرَته الوفاة‏:‏ أَلا لَيْتَني لم أغنَ في المًلْكِ ساعةً ولم أَكُ في اللَّذّات أعْشىَ النواظِرِ وكنْتُ كذِي طِمْرَيْنِ عاش بِبُلْغَةٍ لياليَ حتى زار ضَنْك المَقابِر لما ثَقُل مُعاوية ويزيدُ غائبٌ أقبل يزيد فوجد من فاطمة وكانت إذا دخلتْ عليه أخذ بيدها فقبَّلها ورَحَب بها وأجْلسها في مَجْلسه وكان إذا دخلِ عليها قامت إليه ورَحَّبَت به وأخذت بيده فقبَّلتها‏.‏ فدخلتْ عليه في مَرضه الذي تُوفي فيه فأسرَّ إليها فبكت ثم أسرّ إليها فضَحِكت‏.‏ فقلتُ‏:‏ كنتُ أحسَبُ لهذه المَرأة فضلاً على النِّساء فإذا هي واحدةٌ منهنّ بينما هي تَبكي إذا هي تَضْحك‏.‏ فلما تُوفِّي رسول الله