الربّ وإنّا بك يا إبراهيم لَمَحْزونون. وإذا تأمَّل ذو النّظَر ما هو مُشْفٍ عليه من غَير الدُّنيا وانْتَصح نفسه وفِكْرَه في غِيرَها بتنقُّل الأحوال وتقارُب الآجال وانقطاع يسير هذه المُدَّة ذَلَّت الدُّنيا عنده وهانت المصائبُ عليه وتَسهًّلت الفجائعُ لديه فأخَذ للأَمر أُهْبته وأعدَّ للموت عًدَّته. ومن صَحِب الدُّنيا بحُسْن رَويَّة ولاحَظَها بعين الحقيقة كان على بَصِيرة من وَشْكِ زوالها. قال النبي : أذكُرُوا الموت فإنه هادم اللذات ومُنَغِّص الشَّهَوَات. وليس شيء مما اقتصصتُ إلا وقد جعلك اللهّ مُقَدَّماً في العِلْم به. ولَعْمري إن الخَطْبَ فيما أصِبْتَ به لَعَظيم غير أن تَعوّصه من الأجْر والمَثُوبة عليه بحُسْن الصَّبر يُهَوِّنان الرَّزِيِّة وإن ثَقُلَت ويُسَهِّلاَن الخَطْب وإن عَظُم. وهب الله لك من عِصْمة الصَّبر ما يُكمل لك به زُلْفي الفائزين ومزيد الشاكرين وجعلك من المُرتَضين قَوْلاً وفِعلا الذين أعطاهم " الحُسْنَى " ووفَّقهم للصَّبْر والتَّقْوَى. محمد بن الفَضل عن أبي حازم قال: مات عُقْبة بن عِيَاض بن غَنْم الفِهْريّ فعزَّى رجلٌ أباه فقال: لا تَجْزع عليه فقد قُتِل شهيداً فقال: وكيف أجزع على من كان في حَيَاته زينةَ الدُّنيا وهو اليومَ من الباقيَات الصَّالحات. ابن الغاز قال: حَدَّثنا عيسى بن إسماعيل قال: سمعتُ الأصمعيّ يقول: دخلتُ على جعفر بن سُليمان وقد ترك الطعامَ جَزَعاً على أخيه محمد بن سليمان فأنشدته بيتين فما برحتُ حتى دعا بالمائدة. فقلتُ للأصمعيّ: ما هما فسكت فسألتهُ فقال: أتدري قد زادهُ كلَفاً بالحُبِّ إذ مَنَعت أحبُ شيء إلى الإنسان ما مُنِعاَ قال أبو موسى: والأبيات لأراكة الثقفي يرْثى بها عمرو بن أراكَة ويُعزِّى نفسه حيث يقول: لَعَمْري لئن أَتْبَعْتَ عينك ما مضى به الدَّهْرُ أو ساق الحِمَامُ إلى القَبر لتستنفدن ماءَ الشُّئون بأَسْره وإنْ كُنْتَ تَمريهنَ من ثَبَج البَحْر تَبَيّنْ فإنْ كان البُكا ردّ هالِكاً على أَحَدٍ فاجْهَد بُكاك على عَمْرو فلا تَبْكِ مَيْتاً بعد مَيت أَجَنَّة عليُّ وعبَّاس وآل أبي بَكْر أبو عمر بن يزيد قال: لما مات أخو مالكَ بن دِينار بكى مالك وقال: يا أخي لا تَقَرُّ عيْني بعدك حتى أعْلم أفي الجنِّة أنت أم في النَّار ولا أعلم ذلك حتى ألحق بك. وقالت أعرابية ورأت ميتاً يُدْفَن: جافي الله عن جَنْبَيْه الثَّرَى وأعانه على طول البِلَى. وعَزَّى أعرابيَ رجلاً فقال: أوصيك بالرِّضا من الله بقَضائه والتنجًّز لما وعد به من ثوابه فإنَ الدُّنيا دار زوال ولا بد من لقاء اللهّ. وَعزَّى أيضاً رجلاً فقال: إنّ من كان لك في الآخرة أجراً خيرٌ لك ممن كان لك في الدُّنيا سرُوراً. وجَزع رجلٌ على ابن له فشكا ذلك إلى الحسن فقال له: هل كان ابنك يَغيب عنك قال: نَعم كان مَغيبُه عنِّي أكثر من حضوره قال: فاترًكه غائباً فإنه فإنه لم يَغِب عنك غيبةً الأجر لك فيها أعظمُ من هذه الغَيْبة. وعزّى رجلٌ نصرانيٌّ مسلماً فقال له: إنّ مِثْلي وكان عليُّ بن الحُسين رضى الله عنه في مجلسه وعنده جماعةٌ إذ سمع ناعيةً في بَيْته فنَهض إلى منزله فَسَكّنَهم ثم رجَعَ إلى مجلسه فقالوا له: أَمِنْ حَدَث كانت الناعية قال: نعم. فعَزَّوه وعَجِبوا من صَبْره فقال: إنا أهل بيت نُطيع الله فيما نُحب ونَحْمَدُه على ما نَكره. تعزية - التمس ما وَعد الله من ثَوَابه بالتّسليم لقضائِه والانتهاء إلى أمره فإن ما فات غير مُسْتَدْرَك. وعزى موسى المَهْدِيّ إبراهيمَ بن سَلْم على ابن له مات فَجَزع عليه جزعاً شديداً فقال له: أَيسرُّك وهو بلية وفِتْنَة ويَحْزُنك وهو صَلَوات ورحمة سُفيان الثّوْري عن سعيد بن جُبير قال: ما أعْطِيَتْ أمّة عند المُصِيبة ما أعْطِيَت هذه الأمة من قولها: " إنّا لله وإنّا إليه رَاجِعُون ". ولو أعْطِيها أحدٌ لأعْطيها يَعْقوب حيثُ يقول: " وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ". وعَزَى رجلٌ بابن له فقال له: ذَهب أبوك وهو أصلُك وذَهب ابنك وهو فَرْعك فما بَقَاء مَن ذهب أصلُه وفرعه تعازى الملوك العُتْبى قال: عَزّى أكثَم بن صَيْفيّ عمرو بنَ هِنْد ملكَ العرب على أخيه فقال له: أيها الملك إنّ أهلَ الدار سَفْرٌ لا يَحُلّون عُقَد الرحال إلا في غَيْرها وقد أتاك ما ليس بمردود عنك وارتحل عنك ما ليس براجع إليك وأقام معك مَن سَيَظْعَنِ عنك ويَدَعك. واعلم أنّ الدُنيا ثلاثة أيام: فأمس عِظَة وشاهدُ عَدْل فَجَعَك بِنفْسه وأبْقَى لك عليه حُكْمَك واليوم غَنيمة وصَدَيق أتاك ولم تَأته طالت عليك غَيْبَتُه وستُسْرع عنك رِحْلته وغَد لا تَدري من أهلُه وسيأتيك إنْ وَجَدك. فما أحسَن الشُّكر للمُنْعم والتسليمَ للقادر! وقد مَضت لنا أصولٌ نحن فُروِعها فما بَقَاء الفُروع بعد أصُولها! واعلم أنّ أعظم من المُصيبة سوءُ الخَلف منها وخيرٌ من الخير مُعْطيه وشرٌ من الشرّ فاعله. لما هَلك أميرُ المؤمنين المَنصور قَدِمَت وُفود الأنصار على أمير المؤمنين المهديّ وقَدِمَ فيهم أبو العَيْناء المُحَدَث فَتَقَدَّمَ إلى التّعْزية فقال: آجَر الله أميرَ المؤمنين على أمير المؤمنين قبلَه وبارك لأمير المُؤمنين فيما خَلِّفه له فلا مُصِيبةَ أعظمُ من مُصيبة إمام والد ولا عُقْبَى أفْضَلُ من خِلافة الله على أوليائه فاْقبل من الله أفضلَ العطية واصْبر له على الرزيّة. ولما مات معاويةُ بن أبي سفيان ويزيدُ غائب صلَّى عليه الضحّاك بن قيس الفِهْري ثم قَدِمَ يزيد من يومه ذلك فلم يَقْدَم أحدٌ على تَعْزيته حتى دخل عليه عبدُ الله بن همّام السلوليّ فقال: اصْبرْ يزيدُ فقد فارقتَ ذا مِقَةٍ واشكُر حِبَاءَ الذي بالمُلْك حاباكَا لا رُزْءَ أعظمُ في الأَقْوَام قد عَلِمُوا مما رُزِئْتَ ولا عُقْبَى كعُقْبَاكا أصبحتَ رَاعى أهل الأرض كلِّهمُ فأنت تَرعاهُم والله يَرْعاكا وفي مُعاويةَ الباقي لنا خلف إذا بقيتَ فلا نَسْمَع بِمَنْعاكا فافتتح الخُطباء الكلام. عَزى شَبيبُ بن شَيْبَة المنصورَ على أخيه أبي العبّاس فقال: جَعل الله ثوابَ ما رُزِئت به لك أَجراً وأعْقَبك عليه صبرا وخَتَم لك ذلك بعافية تامّة ونعْمة عامّة فثوابُ الله خير لك منه وما عند الله خير له منك وأحقُّ ما صُبر عليه ما ليس إلى تَغْييره سبيل. وكتب إبراهيم بن إسحاق إلى بعض الخُلَفاء يُعَزِّيه: إنّ أحَقَّ مَن عَرف حقَ اللهّ فيما أَخَذ منه مَن عَرف نِعْمَته فيما أبقَى عليه. يا أميرَ المؤمنين إِنّ الماضيَ قبلك هو الباقي لك والباقيَ بعدك هو المأجور فيك وإِنّ النِّعمة على الصابرين فيما ابتُلوا به أعظمُ منها عليهم فيما يُعَافَوْنَ منه. دخل عبدُ الملك بن صالح دار الرّشيد فقال له الحاجبُ: إن أمير المؤمنين قد أصِيب بابن له ووُلد له آخر. فلما دخل عليه قال: سرَّك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءَك ولا ساءَك فيما سرّك وجَعل هذه بهذه مَثُوبةً على الصبر وجزاءً على الشكر. ودخل المأمونُ عَلَى أم الفَضْل بن سَهل يُعَزِّيها بابنها الفَضْل بن سهل فقال: يا أُمّه إنك لم تَفْقِدِي إلا رؤيته وأنا ولدُك مكانَه فقالت: يا أمير المؤمنين إنّ رجلا أفادني ولداً مثلك لَجَدير أن أَجْزع عليه. لما مات عبدُ الملك بن عمر بن عبد العزيز كتب عمر إلى عُمّاله: إِنَّ عبد الملك كان عبداً من عَبيد اللهّ أَحْسَنَ الله إليه وإليّ فيه أعاشه ما شاء وقَبَضَه حين شاء وكان - ما علمتُ من صالِحِي شباب أَهْل بَيْته قراءةً للقرآن وتَحَرِّياً للخير وأعوذ بالله أن تكون لي مَحَبّة أخالف فيها محبة الله فإن ذلك لا يَحْسُن في إحسانه إليّ وتتابُع نَعمه عليّ ولأعلمنّ ما بكت عليه باكية ولا ناحت عليه نائحة قد نَهينا أهلَه الذين هم أحقُّ بالبكاء عليه. دخل زيادُ بن عثمان بن زياد على سُليمان بن عبد الملك وقد تُوفي ابنه أيُّوب فقال: يا أميرَ المؤمنين إنّ عبدَ الرحمن ابن أبي بكر كان يقول: من أَحبّ البقاء - ولا بقاء - فَلْيُوَطِّن نفسه على المصائب. لما مات مُعاوية دخل عَطاء بن أبي صيْفِيّ على يزِيد فقال: يا أميرَ المؤمنين أصبحتَ رُزِئْت خليفةَ الله وأعطيت خلافةَ الله فاحْتسِب على الله أعظم الرزيّة واشكُره على أحسن العَطية. عزّى محمدُ بن الوليد بن عتبة عُمَر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين أعِدّ لما تَرَى عُدَّةً تكنِ لك جُنّة من الحُزن وسِتْراً من النار. فقال عمر: هلِ رأيتَ حُزْناً يُحْتَجّ به أو غَفْلة يُنبّه عليها قال: يا أميرَ المؤمنين لو أن رجلاً ترَك تعْزية رجل لِعِلْمِه وانتباهه لكُنَته ولكن الله قضى أن الذِّكرى تنفع المؤمنين. وتُوُفِّيَت أخْتٌ لعمر بن عبد العزيز فلما فرغ من دَفْنها دَنا إليه رجل فعزَّاه فلم يَرُدّ عليه شيئاً ثم دنا إليه آخرُ فعزَّاه فلم يرُدَّ عليه شيئاً فلما رأى الناسُ ذلك أمسكوا عنه ومَشَوْا معه. فلما بلغ البابَ أقبل على الناس بوجهه وقال: أدركتُ الناس وهم لا يُعَزون بامرأة إلا أن تكون أًمًّا انقلبوا رحمكم اللهّ. وُجد في حائط من حيطان تُبَّع مكتوب: اصبِرْ لِدَهْرٍ نال من ك فهكذا مضت الدهور فرح وَحُزْنٌ مرةً لا الحزن دام ولا السرور وهذا نظيرُ قول العتَّابي: وقائلة لمَّا رَأَتْني مسهداً كَأَنّ الحَشَا مِنِّي تُلَذِّعُه الجَمُرْ أباطِنُ داءٍ أم جَوَى بك قاتلٌ فقلتُ الذي بي ما يَقوم له صبر تَفرّق ألافٍ وموتُ أَحِبّة وفَقْدُ ذَوى الإفْضَال قالت كذا الدهر كتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المُتوكل يُعزيه بابن له: ليس المُعزى ببعد ميته بباق بعد مَيِّته ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حِين وقال أبو عُيَينة: فإنْ أَشكُ من لَيلى بجُرْجان طُولَه فقد كنت أشكو منه بالبَصرة القِصَرْ وقائلةٍ ماذا نأى بك عنهمُ فقلت لها لا عِلْم لي فَسَلِي القَدَر وقال بعض الحُكماء لسُليمان بن عبد الملك لما أصِيب بابنه أيّوب: يا أميرَ المؤمنين إنّ مثلَك لا يُوعَظ إلا بدون عِلْمه فإن رأَيتَ أن تًقَدِّم ما أخَّرَت العَجَزة من حُسن العَزاء والصَّبر على المُصيبة فتُرضي ربَّك وتُرِيح بدنك فافعل. وكتب الحسنُ إلى عمر بن عبد العزيزُ يعزِّيه في ابنه عبد الملك ببيت شعر وهو: وعُوِّضْتُ أَجْراً مِن فَقيد فلا يكُن فَقِيدُك لا يَأتي وأَجْرُك يَذْهَبُ ولما حَضرت الإسكندرَ الوفاةُ كَتب إلى أمِّه: أن اصنَعي طعاماً يحضُره الناسُ ثم تَقدّمي إليهم أن لا يَأكل منه مَحْزون ففَعلت. فلم يبْسُط إليه أحدٌ يده فقالت: ما لكم لا تَأكلون فقالوا: إنك تقَدّمت إلينا أن لا يأكلَ منه مَحْزون وليس منَّا إلا من قد أصيب بِحَميم أو قرِيب فقالت: مات والله ابني وما أَوْصى إِليّ بهذا إلا ليُعَزِّينَى به. وكان سهل بن هارون يقول في تَعْزِيته: إن التَهْنِئَة بآجل الثَوَاب أوجبُ من التَّعزية على عاجل
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
كتاب اليتيمة في النسب وفضائل العرب قال أحمدُ بنُ محمّد بن عبد ربّه: قد مَضى قولُنا في النّوادب والمَراثي ونحنُ قائلون بعَوْن الله وتوفيقه في النَّسب الذي هو سبب التعارُف وسُلّم إلى التَّواصل به تتعاطف الأرحام الواشجة وعليه تحافظ الأوَاصر القَريبة. قال اللهّ تبارك وتعالى: " يا أيُّهَا النَّاسُ إنّا خَلقْنَاكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأنْثَى وَجَعلْنَاكُم شُعُوبَاً وقَبَائِلَ لِتعَارَفُوا ". فمن لم يَعْرف النسب لم يعرف الناسَ ومَنِ لم يَعْرف الناسَ لم يُعَدّ من الناس. وفي الحديث: تَعلَّموا من النَّسَب ما تَعْرِفون به أحسابَكم وتَصِلون به أرحامَكم. وقال عمرُ بن الخطّاب: تَعلّموا النَّسَب ولا تَكونوا كَنبِيط السَّواد إذا سُئِل أحدُهم عن أَصْله قال: من قَرْية كذا وكذا. أصل النسب معاوية بن صالِح عن يحيى عن سَعيد بن المُسيِّب قال: وَلَد نُوحٍ ثلاثة أولاد: سام وحام ويافِث. فوَلد سام العَرَب وفارس الرُّوم وَوَلَد حامٌ السّودان والبربر والنبط وَوَلد يافثُ التركَ والصًقَالبة ويَأجوِج ومَأجوج. أصل قريش - كانت قُرَيش تُدْعى النضرَ بن كِنَانة وكانوا مُتَفرِّقين في بَنِي كِنانة فَجَمَعهم قُصيَّ بن كِلاب بن مُرّة بنِ كعْب بن لؤىّ بن غالب بن فِهْر بن مالك من كلِّ أَوْب إلى البيت فَسُمُّوا قُرَيشاً. والتّقَرش: التّجَمُّع وسُمِّي قُصىَّ بن كِلاب مُجَمِّعاً فقال فيه الشاعر: قُصيَّ أبوكم كان يُدْعى مُجَمِّعاً به جَمَّع الله القبائلَ من فِهْرِ وقال حبيب: غَدَوْا في نواحي نَعْشِه وكأنما قُرَيشٌ يوم مات مُجَمِّعُ يُريد بمُجَمِّع قُصيًّ بن كِلاب وهو الذي بَنى المَشْعَر الحَرَام وكان يقوم عليه أيام الحج فسمَّاه اللهّ مَشْعَراً وأمر بالوقوف عنده. وإنما جمع قًصيَّ إلى مكة بني فِهْر بن مالك فجِذْم قُرَيش كلّها فِهْر بن مالك فما دُونه قُريش وما فوقه عَرب مثل كِنانة وأسد وغيرهما من قبائل مُضر وأما قبائل قُرَيش فإنما تَنْتهي إلى فِهر بن مالك لا تُجاوزه. وكان قُريش تُسَمَّى آلَ اللهّ وجِيران الله وسكّان حرم اللهّ وفي ذلك يقول عبدُ المطلب ابن هاشم: نحن آل الله في ذِمَّتِه لم نَزَلْ فيها على عَهْدٍ قَدُمْ إنَّ للبيتِ لَرَبًّا مانِعاً مَن يُرِد فيه بإثْمٍ يُخْترَم لم تَزَلْ لله فينا حُرْمةٌ يَدْفَعُ الله بها عَنَا النِّقَم إذا اشْتَعَبَ الناسُ البيوتَ فأنتُمُ أولو الله والبيتِ العَتِيق المُحَرَّم نسب قريش - أبو المنذر هِشام بن محمد بن السائب الكَلْبي: تَسمِيةُ من انتهى إليه الشرَّف من قُرَيشِ في الجاهلية فَوَصله بالإسلام عَشرة رَهْط من عشرة أبْطُنٍ وهم: هاشم وأمَيَّةُ ونوْفل وعبد الدار وأسد وتَيْم ومَحْزوم وعَدِيّ وجُمَح وسَهْم. فكان من هاشم: العبَّاس بن عبد المُطلب يَسْقِي الحَجِيج في الجاهليَّة وبقى له ذلك في الإسلام ومن بني أمية: أبو سُفيان بن حَرْب كانت عنده العُقاب رايةُ قُرَيش وإذا كانت عند رَجُل أخرجها إذا حَمِيَت الحرب فإذا اجتمعت قُريشِ على أحد أعْطَوْه العُقَاب وإن لم يَجْتمعوا على أحد راَسوا صاحبَها فقَدَّموه ومن بني نوْفَل: الحارثُ بن عامر وكانت إليه الرِّفادة وهي ما كانت تُخْرجه من أموالها وتَرْفُد به مُنْقَطِع الحاج ومن بني عبد الدار: عثمان ابن طَلْحة كان إليه اللِّواء والسِّدانة مع الحِجابة ويقال: والنَّدْوة أيضاً في بَني عبد الدَّار ومن بَني أَسَد: يزيدُ بن زَمْعة بن الأسود وكان إليه المَشُورة وذلك أن رُؤَساء قُريش كانوا لا يجتمعون على أمر حتى يَعْرِضُوه عليه فإن وافَقه والاهم عليه وإلا تَخَيَّر وكانوا له أعواناً واستُشهد مع رسول الله بالطَّائف ومن بني تَيْم: أبو بكر الصِّديق وكانت إليه في الجاهليّة الأشْناق وهي الدِّيات والمَغْرَم فكان إذا احتمل شيئاً فسأل فيه قُريشاً صدَقوه وأمْضوا حمالة مَنْ نَهض معه وإن احتملها غيرُه خَذَلوه ومن بني مَخْزوم: خالدُ ابن الوليد كانت إليه القُبَّة والأعِنَّة فأما القُبة فإنهم كانوا يضرْبونها ثم يجمعون إليها ما يُجَهِّزون به الجَيش وأما الأعِنَّة فإنه كان على خَيْل قُرَيش في الحَرْب ومن بَني عَدِيّ: عمر بن الخطاب وكانت إليه السِّفارة في الجاهليَّة وذلك أنهم كانوا إذا وقعت بينهم وبين غيرهم حَرْب بعَثوه سفيراً وإن نافرهم حي لمُفاخرة جَعَلوه مُنَافِراً ورَضُوا به ومن بني جمح: صَفْوان بن أمية وكانت إليه الأيسار وهي الأزْلام فكان لا يُسْبَق بأمْر عام حتى يكون هو الذي تَسْييره على يَدَيْه ومن بني سَهْم: الحارث بن قَيس وكانت إليه الحكومة والأموال المُحَجَّرة التي سمَوها لآلهتهم. فهذه مكارم قُريش التي كانت في الجاهليَّة وهي السِّقاية والعِمارة والعُقاب والرِّفادة والسِّدانة والحِجابة والنَّدوة واللِّواء والمَشُورة والأشناق والقُبَّة والأعِنَة والسِّفارة والأيسار والحكومة والأموال المحجَّرة إلى هؤلاء العَشَرة من هذه البُطون العَشرة على حال ما كانت في أولِيتهم يتوارثوِن ذلك كابراً عن كابر وجاء الإسلامُ فوَصَل ذلك لهم وكذلك كلُّ شرف من شرف الجاهليَّة أدْركَه الإسلام وَصله فكانت سِقاية الحاجّ وعِمارة المَسْجِد الحَرَام وحلْوان النَّفْر في بَني هاشم. فأما السِّقاية فمَعْروفة وأما العِمارة فهو أن لا يتكلم أحد في المَسْجد الحَرَام بهُجْر ولا رَفَث ولا يرفعٍ فيه صوتَه كان العبَّاس ينْهاهم عن ذلك. وأما حُلْوان النَّفْر فإن العَرب لم تَكُن تملك عليها في الجاهليَّة أحداً فإن كان حَرب أَقْرعوا بين أهل الرِّياسة فمَنْ خَرَجت عليه القُرْعة أَحْضروه صَغيراً كان أو كبيراً فلما كان يوم الفِجار أقرَعوا بين بني هاشم فخَرَج سَهْم العبّاس وهو صَغير فأجلسوه على المِجَن. أبو الطاهر أحمدُ بن كَثير بن عبد الوهّاب قال: حدَّثني أبو ذَكْوان عن أحمد بن يَزِيد الأنطاكيّ أنّه سَمع المأمون يقول لأبي الطّاهر الذي كان على البَحْرين: من أيّ قُرَيش أنت قال: من بَني سامَة بن لُؤَيّ فقال المأمون: ما سَمِعنا بسامةَ بن لُؤَي نَسَباً في بُطوننا العَشرة لو عَلِمنا به على بعْدِه لكُنَّا به بَررَة. ===فضل بني هاشم وبني أمية === قيل لعليّ بن أبي طالب: أَخبرْنا عنكم وعن بني أمية فقال: بنو أمية أَنْكَر وأمْكَر وأَفْجَر ونحنُ أصْبَح وأنصح وأَسْمح. وسأل رجلٌ الشَّعْبي عن بني هاشم وبني أمية فقال: إن شِئْت أخبَرْتُك ما قال عليّ بن أبى طالب فيهم قال: أما بنو هاشم فأطْعَمها للطَّعام وأضْرَبُها للهَام وأما بنو أمية فأسدّها حِجْراً وأَطْلبها للأمر الذي لا يُنال فَيَنالونه. قيل لمُعاوية: أخْبرْنا عنكم وعن بني هاشم قال: بنو هاشم أشْرَف واحداً ونحن أشرف عدداً فما كان إلا كَلا وَبَلى حتى جاءوا بواحدةٍ بَذَّت الأوَّلين والآخرين يريد النبي . وبقوله " أشْرَف واحداً ": عبدَ المطلب بن هاشم. الرِّياشي عن الأصمعي قال: تَصَدّى رجلٌ من بني أمية لهارون الرّشيد فأنشده: يا أمينَ الله إني قائلٌ قَول ذِي فَهْم وعِلْمٍ وأَدَبْ عَبْدُ شَمْس كان يَتْلُو هاشماً وهُما بعدُ لأُمٍّ ولأبْ فاحْفظِ الأرحام فينا إنما عبدُ شَمْسٍ جَدُّ عَبْد المُطَّلِب لكُم الفَضْلِ علينا ولنا بكُمُ الفَضْلُ علَى كلِّ العَرَبْ فأَحسن جائزنه وَوَصلَه. سُفْيان الثَّوْريّ يرفَعه إلى النبي قال: إنّ الله خَلق الخَلْقَ فجَعَلنِي في خَيْر خَلْقه وجَعلهم أفْراقاً فَجَعلني في خيْر فِرْقة وجَعلهم قبائل فَجَعلني في خيْر قَبِيلة وجَعَلهمِ بيُوتاً فَجَعلني في خَيْر بَيْت فأَنَا خَيْرُكم بَيتاً وخَيْرُكم نَسَباً. وقال : كلُّ سَبب ونسَب مُنْقَطع يومَ القيامة
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
إلا سَبَبي ونسبي. جماعة بني هاشم بن عبد مناف وجماعة قريش - عبدُ المُطّلب بن هاشم ولدُه عَشرْ بَنين وهم: عبد الله أبو محمّد وأبو طالب والزُّبير أُمهم فاطمة بنت عمر المَخْزومية والعبّاس وضِرَار أمهما نُتَيلة النَّمريّة وحَمزَة والمُقَوَّم أمّهما هالةُ بنت وَهْب وأبو لَهَب أُمّه لُبْنى خُزَاعيَّة والحارث أمه صَفِيّة من بني عامر بن صَعْصعة والغَيْداق أمه خُزَاعية. ===جماعة بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف === - وهو أمية الأكبر: حَرْب بن أمية وأبو حَرْب وسُفْيان وأبو سُفيان وعَمْرو وأبو عَمْرو وهؤلاء يقال لهم العَنابس لعاصي وأبو العاصي والعِيص وأبو العيص وهؤلاء يقال لهم الأعْياص ومِنهم مُعاوية بن أبي سُفيان وعثمان بن عَفَّان بن أبي العاص بن أمية وسعيد بن العاص بن أميَّة ومَروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية. ===جماعة بني نوفل=== - الحارث بن عامر صاحب الرِّفادة ومُطعم بنِ نَوْفل ومنهم عَدِيّ بن الخِيَار بن نوْفل ومنهم نافع بن ظُريب بن عمرو بن نوْفل وهو كاتب المصاحف لعمر بن الخطّاب ومُسلم بن قَرَظَة قُتِلَ يوم الجَمَل. جماعة بني عبد الدار - عثمان بن طَلْحَة صاحب الحِجابة وشَيْبة بن أبي طَلْحَة والحارث بن عَلْقمَة بن كَلَدَة كان رَهِينة قريش عند أبي يَكْسوم والنَّضْر بن الحارث بن عَلْقمة بن كَلَدة بن عبد مَناف بن عبد الدار. قَتَله النبي صَبْراً أمر عليّ بن أبي طالب فَقَتله يوم الأثَيل. جماعة بني أسد بن عبد العزى - منهم: الزُّبير بن العَوَّام بن خوَيْلد بن أسَد وأمّه صَفية بنت عبدُ المطلب ويزيد بن زَمْعَة بن الأسود صاحب المَشُورة وأبو البَخْتري واسمه العاصي بن هِشام بن الحارث بن أسَد وَوَرقَة ابن نوفل بن أسد وهو الذي أدرك الإيمان بعقله وبَشر خديجة بالنبي . جماهير بني تيم بن مرة - منهم: أبو بكر الصِّديق وطَلْحَة بن عُبيد اللهّ وعمر بن عبيد اللهّ بن مَعْمر وعبد الله بن جُدْعان وعليّ بن يَزيد ابن عبد الله بن أبي مُلَيكة والمُهاجر بن قنْفُذ بن عُمير بن جُدْعان ومحمد بن المنكدر بن عبد اللهّ بن الهَدير. جماهير مخزوم بن مرة - منهم: المغيرة بن عبد اللهّ بن عُمَر بن مخزوم وخالدُ بن الوليد بن المُغيرة وعبد الرَّحمن بن الحارث وعَمرو بن حُرَيث وأبو جَهْل بن هِشام بن المُغيرة وعياش بن أبي رَبيعة الشاعر وعبدُ اللهّ بن المهاجر وعُمارة بن الوليد بن المُغيرة وإسماعيلِ بن هِشام بن المُغيرة ولي ابنه هشامُ ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة المدينة وضرَب سَعيد بن المُسَيِّب بن أبي وَهْب الفَقيه. ===جماهير عدي بن كعب === - منهم: عمر بن الخطَّاب وسعيدُ بن زَيْد ابن عَمْرُو بن نُفَيْل وهو من أصحاب حِرَاء وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زَيْد بن الخطّاب وَلي الكوفة لِعمر بن عبد العزيز وسُرَاقة بن المُعْتمر والنحام بن عبد الله بن أسِيد والنُّعمان بن عَدِيّ بن نَضْلة. استعمله عُمَر على مَيْسان وعبد اللهّ بن مُطيع وأبو جَهْم بن حُذَيفة وخارجةُ بن حُذافة وكان قاضياً لِعَمرو بن العاصي بمصر فقَتَله الخارجي وهو يظُنّه عمرو بن العاصي وقال فيه: أردتُ عَمْراً وأراد الله خارجة. جماهير جمح - منهم: صَفْوان بن أًمية من المُؤَلَّفة قلوبهُم وأمية بن خَلَف قُتِل يومَ بَدْر وأبيّ بن خلَف ومحمد بن حاطب وجَميل بن مَعْمر بن حُذافة وأبو عَزَّة وهو عَمرو بن عبد الله وأبو مَحْذُورة مؤَذّن النبي . جماهير بني سهم - منهم: الحارث بن قَيْس صاحبُ حكومة قرَيش وعَمرو بن العاصي وقَيْس بن عَدِيّ وخُنَيْس بن حُذَافة ومُنَبِّه ونُبَيه ابنا الحَجّاج ومنهم العاصي بن مُنَبِّه قُتِل مع أبيه قَتله عليّ يوم بَدْر وأخذ سَيفَه ذا الفقَار فصار إلى النبي عليه الصلاة والسلام. جماهير عامر بن لؤى - ومنهم: سُهيل بن عَمْرو من المُؤلَّفة قلوبهُم ومنهم ابن أبي ذِئْب الفَقِيه واسمُه محمد بن عبد الرَّحمن وحُوَيطب بن عبد العُزَّى من المُؤلفة قلوبهُم وعبدُ اللهّ بن مَخْرَمة بَدْرِي ونَوْفل بن مُسَاحق وأبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة الفَقيه. وعبد الله بن أبي سَرْح بدريّ. ومنهم: ابن أمِّ مَكتوم مُؤذِّن النبي عليه الصلاة والسلام. جماهير بني محارب بن فهد بن مالك - منهم: الضحّاك بن قَيْس الفِهْري وحَبيب بن مَسْلمة. جماهير بني الحارث بن فهد بن مالك - منهم: أبو عُبيدة بن الجَرَّاح أمن هذ الأمة. وسُهيل وصفْوان ابنا وَهْب وعِياض بنُ غَنْم بن زُهَير وأبو جَهْم بن خالد. وبنو الحارث هؤلاء من المُطَيَّبن الذي تحالفوا وغَمَسوا أيديَهم في جَفْنة فيها طيب. قريش الظواهر وغيرها من بطون قريش - بنو
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الحارث وبنو مُحارب ابنا فِهْر بن مالك وهم قُرَيش الظواهر لأنهم نزلوا حول مكة وما والاها. فمن بنى الحارث بن فِهْر: أبو عُبيدة بن الجَرَّاح واسمه عامر بن عبد الله بن الجَرّاح من المُهاجرين الأوّلين. ومن بني مًحَارب بن فِهْر: الضَّحَّاك بن قَيْس الفِهْريّ صاحِب مَرْج راهِط. وما سوى هؤلاء من بُطون قُرَيش يقال لهم قُرَيش البِطَاح لأنهم سَكَنُوا بَطْحَاء مكة وهم البُطون العشرًة التي ذَكَرناها قبل هذا الباب. ومن بطون قريش: بنو زُهْرة بن كِلاب بن كَعْب بن لُؤَيّ. منهم: عبد الرَّحمن بن عوف خال النبي عليه الصلاة والسلام ومنهمِ بنو حَبيب ابن عبد شَمْس. ومنهم عبدُ الله بن عامر بن كُرَيز بن حَبِيب بن عبد شمْس صاحِب العِرَاق ومنهم بنو أمية الاصغر بنِ عبد شمْس بن عبد مَناف وأمه عَبْلة فيقال لهم العَبَلات. وبنو عبد العُزَّى بن عَبْد شَمْس منهم أبو العاصي بن الرَّبيع صهْر رسول الله تَزَوَّج ابنته التي قال النبي فيه: ولكنَّ أبا العاصي لم يَذْمُم صِهْره. ومنهم: بنو المُطّلب بن عبد مَناف ومنهم محمد بن إدريس الشافعيّ. ومن بني نَوْفل بن عبد مناف: المُطعِم بن عَدِيّ. ولعبد شَمْس بن عبد مَناف ونَوْفَل بن عبد مناف يقول أبو طالب: فيا أَخَوَيْنَا عبد شَمْسٍ ونَوْفَلا أًعِيذُ كما أن تَبْعثا بيننا حَرْبَا وَوَلَد أُميةُ الأكبْر العاصيَ وأبا العاصي والعيص وأبا العيص فهؤلاء يقال لهم الأعياص وحرباً وأبا حَرْب. وهذه البُطون التي ذَكرْناها كلّها من قرَيش ليست من البطون العَشَرَة التي ذكَرْناها أولا وذَكَرْنا جماهيرها. ===فضل قريش=== قال النبي عليه الصلاة والسلام: الأئمة من قُريش. وقال: وقَدِّموا قُريشاً ولا تَقْدًموها. ولما قتل النضر بن الحارث بن كَلَدة بن عَبْد مناف قال: لا يُقْتَل قُرَشيٌّ صَبْرًا بعد اليوم. يُرِيد أنه لا يُكَفّرُ قرَشي فَيُقْتَل صبْراً بعد هذا اليوم. الأصمعيّ قال: قال مُعاوية: أي الناس أفْصَح فقال رجل من السِّماط: يا أمير المؤمِنين قوم ارتفعوا عن رُتَة العِرَاق وتياسرُوا عن كَشكَشَة بَكْرِ وتيامنوا عن شَنشَنة تغلب ليست فيهم غَمْغَمَة قُضَاعَة ولا طمطمانِيّة حِمْير قال: مَنْ هُم قال: قَوْمُك يا أمير المُؤمنين قال: صدَقْتَ قال: فمِمّن أنت قال: من جَرْم. قال الأصمعيّ: وجَرْم فُصْحى العَرَب. قدم محمد بن عُمَير بن عُطارد في نَيِّف وسَبعين راكباً فاستزارهم عَمْرو بن عُتْبَة. قال: فسمعتُه يقول: يا أبا سُفْيَان ما بالُ العَرب تُطِيل كلامَها وأنتُمْ تَقْصرُونه مَعاشرَ قُريش فقال عمرٍ و بن عُتْبة: بالجَنْدَل يُرْمى الجَنْدَل إن كلامَنَا كلام يَقِلّ لَفْظُهُ وَيَكثر مَعْناه ويُكتَفي بأولاه ويُسْتَشْفي بأخْراه يَتَحَحِّر تَحَدُر الزُلال على الكَبِد الحَرَّى ولقد نَقَصُوا وأطال غيرُهم فما أخلُوا ولله أقوامٌ أدرَكْتُهم كأنّما خُلِقوا لتَحْسين ما قَبحت الدنيا سهُلَت ألفاظُهم كما سهُلت عليهم أنفاسُهم فآبتذلوا أموالَهم وصانوا أعراضَهم حتى ما يجد الطاعنُ فيهم مَطعنا ولا المادحُ مَزِيدا ولقد كان آل أبي سُفْيان معِ قلّتهم كثيراً منه نِصِيبُهم وللّه درُّ مَوْلاهم حيث يقول: وَضعَ الدهرُفيهمُ شَفْرتيه فَمَضى سالماً وأمْسَوْا شًعُوِبَا شَفْرتَان والله أفْنَتا أبدانَهم وأبقتا أخبارَهم فَتَركتَاهم حديثاً حسناً في الدنيا ثوابُه في الآخرة احسنُ وحديثاً سيّئاً في الدُّنيا عقابُه في الآخرة أسوأ فيَا مَوعوظاً بمَنْ قَبْلَه مَوْعُوظاً به من بعده ارْبَحْ نَفْسَك إذا خَسرَها غيرُك. قال: فظننتُ أنه أَرَاد أن يُعْلمه أنّ قُريشاً إذا شاءت أن تتكلّم تكلّمَت. العُتبيّ قال: شَهِدْتُ مجلس عمرو بن عُتْبَة وفيه ناسٌ من القُرَشييّن فتشاحُّوا في مَواريث وتجاحدوا فلما قاموا من عنده أقبل علينا فقال: إن لِقُرَيش دَرَجاً تَزْلَقُ عنها أقدامُ الرجال وأفعالاً تَخْضَع لها رقاب الأقوال وغاياتٍ تَقْصرٌ عنها الجِيَاد المَنْسوبة وألسنةً تَكِلُّ عنها الشَفار المَشْحُوذة ولو آحتفلت الدنيا ما تَزَيَّنَت إلا بهم ولو كانت لهم ضاقت عن سَعة أحلامهم. ثم إنّ قوماً منهم تَخَلَّقُوا بأخلاق العَوَام فصار لهم رٍفق باللْؤم وخُرْق في الحِرْص ولو أمكنهم لقاسَمُوا الطيرَ أرزاقها وإن خافُوا مَكْرُوهاَ
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 11 (0 من الأعضاء و 11 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)