ذكر فتح ماسبذان

وفي هذه السنة - أعني سنة ست عشرة - كان فتح ماسبذان أيضا.
ذكر الخبر عن فتحها
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة ومحمد والملهب وعمرو وسعيد قالوا: ولما رجع هاشم بن عتبة من جلولاء إلى المدائن، بلغ سعدا أن آذين بن الهرمزان قد جمع جمعا، فخرج بهم إلى السهل، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: ابعث إليهم ضرار بن الخطاب في جند واجعل على مقدّمته ابن الهذيل الأسدىّ، وعلى مجنّبتيه عبد الله بن وهب الراسبي حليف بجيلة، والمضارب بن فلان العجلىّ؛ فخرج ضرار بن الخطاب، وهو أحد بنى محارب بن فهر في الجند، وقدّم ابن الهذيل حتى انتهى إلى سهل ماسبذان، فالتقوا بمكان يدعى بهندف، فاقتتلوا بها، فأسرع المسلمون في المشركين، وأخذ ضرار آذين سلما، فأسره فانهزم عنه جيشه فقدّمه فضرب عنقه. ثم خرج في الطلب حتى انتهى إلى السيروان فأخذ ماسبذان عنوة فتطاير أهلها في الجبال، فدعاهم فاستجابوا له، وأقام بها حتى تحول سعد من المدائن فأرسل إليه، فنزل الكوفة استخلف ابن الهذيل على ماسبذان فكانت إحدى فروج الكوفة.
ذكر وقعة قرقيسياء

وفيها كانت وقعة قرقيسياء في رجب.
ذكر الخبر عن الوقعة بها
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة ومحمد والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: ولما رجع هاشم بن عتبة عن جلولاء إلى المدائن وقد اجتمعت جموع أهل الجزيرة، فأمدّوا هرقل على أهل حمص، وبعثوا جندا إلى أهل هيت، وكتب بذلك سعد إلى عمر، فكتب إليه عمر أن ابعث إليهم عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف في جند، وابعث على مقدّمته الحارث بن يزيد العامري، وعلى مجنّبتيه ربعىّ بن عامر ومالك ابن حبيب، فخرج عمر بن مالك في جنده سائرا نحو هيت، وقدّم الحارث ابن يزيد حتى نزل على من بهيت، وقد خندقوا عليهم. فلما رأى عمر ابن مالك امتناع القوم بخندقهم واعتصامهم به، استطال ذلك، فترك الأخبية على حالها وخلّف عليهم الحارث بن يزيد محاصرهم، وخرج في نصف الناس يعارض الطريق حتى يجئ قرقيسياء في عرّة، فأخذها عنوة، فأجابوا إلى الجزاء، وكتب إلى الحارث بن يزيد إن هم استجابوا فخلّ عنهم فليخرجوا، وإلّا فخندق على خندقهم خندقا أبوابه ممّا يليك حتى أرى من رأي. فسمحوا بالاستجابة، وانضمّ الجند إلى عمر والأعاجم إلى أهل بلادهم.
أخبار متفرقة
وقال الواقدي: وفي هذه السنة غرّب عمر أبا محجن الثقفي إلى باضع.
قال: وفيها تزوّج ابن عمر صفيّة بنت أبي عبيدة.
قال: وفيها ماتت مارية أمّ ولد رسول الله ، أمّ إبراهيم، وصلّى عليها عمر، وقبرها بالبقيع، في المحرّم.
قال: وفيها كتب التأريخ في شهر ربيع الأول.
قال: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، عن ابن المسيّب، قال: أوّل من كتب التأريخ عمر، لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لستّ عشرة من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب.
حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا نعيم ابن حمّاد، قال: حدثنا الدراوردي، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: جمع عمر بن الخطاب الناس، فسألهم من أي يوم نكتب؟ فقال علىّ: من يوم هاجر رسول الله ، وترك أرض الشرك. ففعله عمر.
وحدثني عبد الرحمن، قال: حدثني يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد، قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كان التأريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله المدينة. وفيها ولد عبد الله بن الزبير.
وحجّ بالناس في هذه السنة عمر بن الخطّاب، واستخلف على المدينة فيما زعم الواقدي - زيد بن ثابت. وكان عامل عمر في هذه السنة على مكة عتّاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى ابن أميّة، وعلى اليمامة والبحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان حذيفة بن محصن، وعلى الشأم كلها أبو عبيدة بن الجرّاح، وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص، وعلى قضائها أبو قرّة، وعلى البصرة وأرضها المغيرة بن شعبة، وعلى حرب الموصل ربعىّ بن الأفكل، وعلى الخراج بها عرفجة بن هرثمة في قول بعضهم، وفي قول آخرين عتبة بن فرقد على الحرب والخراج - وقبل ذلك كلّه كان إلى عبد الله بن المعتمّ - وعلى الجزيرة عياض بن عمرو الأشعري.
ثم دخلت سنة سبع عشرة

ففيها اختطّت الكوفة، وتحولّ سعد بالناس من المدائن إليها في قول سيف بن عمر وروايته.
ذكر سبب تحول من تحول من المسلمين من المدائن إلى الكوفة وسبب اختطاطهم الكوفة في رواية سيف

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: لما جاء فتح جلولاء وحلوان ونزول القعقاع بن عمرو بحلوان فيمن معه، وجاء فتح تكريت والحصنين، ونزول عبد الله بن المعتمّ وابن الأفكل الحصنين فيمن معه؛ وقدمت الوفود بذلك على عمر، فلمّا رآهم عمر قال: والله ما هيئتكم بالهيئة التي أبدأتم بها؛ ولقد قدمت وفودالقادسيّة والمدائن وإنهم لكما أبدءوا، ولقد انتكيّم فما غيّركم؟ قالوا: وخومة البلاد. فنظر في حوائجهم، وعجل سراحهم؛ وكان في وفود عبد الله بن المعتمّ عتبة بن الوعل، وذو القرط، وابن ذي السنينة، وابن الحجير وبشر، فعاقدوا عمر على بنى تغلب، فعقد لهم؛ على أنّ من أسلم منهم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ومن أبى فعليه الجزاء؛ وإنما الإجبار من العرب على من كان في جزيرة العرب. فقالوا: إذا يهربون وينقطعون فيصيرون عجما؛ فأمر أجمل الصدقة؛ فقال: ليس إلّا الجزاء، فقالوا: تجعل جزيتهم مثل صدقة المسلم، فهو مجهودهم، ففعل على ألّا ينصّروا وليدا ممن أسلم آباؤهم، فقالوا: لك ذلك، فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن أطاعهم من النمريّين والأدياديّين إلى سعد بالمدائن وخطّوا معه بعد بالكوفة، وأقام من أقام في بلاده على ما أخذوا لهم على عمر مسلمهم وذميّهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن ابن شبرمة، عن الشعبي، قال: كتب حذيفة إلى عمر: إنّ العرب قد أترفت بطونها، وخفّت أعضادها، وتغيّرت ألوانها. وحذيفة يومئذ مع سعد.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأصحابهما، قالوا: كتب عمر إلى سعد: أنبئني ما الذي غيّر ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه: إنّ العرب خدّدهم وكفى ألوانهم وخومة المدائن ودجلة؛ فكتب إليه: إن العرب لا يوافقها إلّا ما وافق إبلها من البلدان، فابعث سلمان رائدا وحذيفة - وكانا رائدي الجيش - فليرتادا منزلا برّيّا بحريّا، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، ولم يكن بقى من أمر الجيش شئ إلا وقد أسنده إلى رجل، فبعث سعد حذيفة وسلمان، فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار، فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئا، حتى أتى الكوفة. وخرج حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة، والكوفة على حصباء - وكلّ رملة حمراء يقال لها سلهة، وكلّ حصباء ورمل هكذا مختلطين فهو كوفة - فأتيا عليها، وفيها ديرات ثلاثة: دير حرقة، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وخصاص خلال ذلك، فأعجبتهما البقعة، فنزلا فصليّا، وقال كلّ واحد منهما: اللهمّ ربّ السماء وما أظلّت، وربّ الأرض وما أقلت، والريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت، والشياطين وما أضلّت، والخصائص وما أجنّت؛ بارك لنا في هذه الكوفة، واجعله منزل ثبات. وكتب إلى سعد بالخبر.
حدثني محمد بن عبد الله بن صفوان، قال: حدثنا أميّة بن خالد، قال: حدثنا أو عوانة، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: لما هم الناس يوم جلولاء، رجع سعد بالناس، فلمّا قدم عمار خرج بالناس إلى المدائن فاجتووها؛ قال عمّار: هل تصلح بها الإبل؟ قالوا: لا؛ إنّ بها البعوض، قال: قال عمر: إنّ العرب لا تصلح بأرض لا تصلح بها الإبل. قال: فخرج عمار بالناس حتى نزل الكوفة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مخلد بن قيس، عن أبيه، عن النسير بن ثور، قال: ولما اجتوى المسلمون المدائن بعد ما نزلناها وآذاهم الغبار والذّباب، وكتب إلى سعد في بعثه روّادا يرتادون منزلا بريّا بحريّا، فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح البعير والشاة؛ سأل من قبله عن هذه الصفة فيما بينهم، فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللّسان - وظهر الكوفة يقال له اللسان، وهو فيما بين النهرين إلى العين، عين بنى الحذاء، كانت العرب تقول: أدلع البرّ لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط، وما كان يلي الطين منه فهو النجاف - فكتب إلى سعد يأمره به:
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: ولما قدم سلمان وحذيفة على سعد، وأخبراه عن الكوفة، وقدم كتاب عمر بالذي ذكرا له، كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو: أن خلّف على الناس بجلولاء قباذ فيمن تبعكم إلى من كان معه من الحمراء. ففعل وجاء حتى قدم على سعد في جنده، وكتب سعد إلى عبد الله بن المعتمّ: أن خلّف على الموصل مسلم بن عبد الله الذي كان أسر أيام القادسيّة فيمن استجاب لكم من الأساورة، ومن كان معكم منهم. ففعل، وجاء حتى قدم على سعد في جنده، فارتحل سعد بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة في المحرّم سنة سبع عشرة. وكان بين وقعة المدائن ونزول الكوفة سنة وشهران، وكان بين قيام عمر واختطاط الكوفة ثلاث سنين وثمانية أشهر؛ اختطّت سنة أربع من إمارة عمر في المحرّم سنة سبع عشرة من التأريخ، وأعطوا العطايا بالمدائن في المحرّم من هذه السنة قبل أن يرتحلوا. وفي بهرسير، في المحرّم سنة ستّ عشرة، واستقرّ بأهل البصرة منزلهم اليوم بعد ثلاث نزلات قبلها، كلها ارتحلوا عنها في المحرّم سنة سبع عشرة، واستقرّ باقي قرارهما اليوم في شهر واحد.
وقال الواقدي: سمعت القاسم بن معن يقول: نزل الناس الكوفة في آخر سنة سبع عشرة.
قال: وحدثني ابن أبي الرقاد، عن أبيه، قال: نزلوها حين دخلت سنة ثماني عشرة، في أوّل السنة.