قال: ثم قال: إني هاز لوائي ثلاث مرات، فأما الهزة الأولى فقضى رجل حاجته وتوضأ، وأما الثانية فنظر رجل في سلاحه وفي شِسعه فأصلحه، وأما الثالئة فاحملوا، ولا يلوين أحد على أحد، وإن قتل النعمان فلا يلو عليه أحد، فإني أدعو الله عز وحل بدعوة، فعزمت على كل امرئ منكم لما أمّن عليها! اللهم أعط اليوم النعمان الشهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم؛ وهز لواءه أول مرة، ثم هز الثانية، ثم هزه الثالثة، ثم شَلّ درعه، ثم حمل فكان أول صريع، فقال معقل: فأتيت عليه، فذكرت عزمته فجعلت عليه علما، ثم ذهبت -وكنا إذا قتلنا رجلا شُغل عنا أصحابه- ووقع ذو الحاجبين عن بغلته فانشق بطنه، فهزمهم الله، ثم جئت إلى النعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التراب، ففال: من أنت؟ قلت: معقل بن يسار، قال: ما فعل الناس؟ فقك: فتح الله عليهم، قال: الحمد لله، اكتبوا بذلك إل عمر، وفاضت نفسه.
واجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس، وفيهم ابن عمر وابن الزبير وعمرو بن معديكرب وحذيفة، فبعثوا إلى أم ولده، فقالوا: أما عهد إليك عهدا؟ فقالت: ها هنا سَفَط فيه كتاب، فأخذوه، فكان فيه: إن قتل النعمان ففلان، وإن قتل فلان ففلان.
أخبار متفرقة
وقال الواقدي: في هذه السنة -يعني سنة إحدى وعشرين- مات خالد بن الوليد بحمص، وأوصى إلى عمر بن الخطاب.
قال: وفيها غزا عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمرو وأبو سروعة، فقدموا مصر، فشرب عبد الرحمن وأبو سروعة الخمر، وكان من أمرهما ما كان.
فال: وفيها سار عمرو بن العاص إل أنطابُلُس -وهي برقة- فافتتحها وصالح أهل برقة على ثلاثة عشر ألف دينار، وأن يبيعوا من أبنائهم ما أحبوا في جزيتهم.
قال: وفيها ولى عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الكوفة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض، فشكا أهل الكوفة عمارا، فاستعفى عمار عمر بن الخطاب، فأصاب جبير بن مطعم خاليا فولاه الكوفة، فقال: لا تذكره لأحد، فبلغ المغيرة بن شعبة أن عمر خلا بجبير بن مطعم، فرجع إل امرأته، فقال: اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم، فاعرضي عليها طعام السفر، فأتتها فعرضت عليها، فاستعجمت عليها، ثم قالت: نعم، فجيئني به، فلما استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر، فقال: بارك الله لك فيمن وليت! قال: فمن وليت؟ فأخبره أنه ولى جبير بن مطعم، فقال عمر: لا أدري ما أصنع! وولى المغيرة بن شعبة الكوفة؛ فلم يزل عليها حتى مات عمر.
قال: وفيها بعث عمرو بن العاص عقبة بن نافع الفهري، فافتتح زَويلة بصلح وما بين برقة وزويلة سِلم للمسلمين.
وحدثا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان بالشأم في سنة إحدى وعشرين غزوة الأمير معاوية بن أبي سفيان، وعمير بن سعد الأنصاري على دمشق والبثنية وحوران وحِمص وقنَّسرين والجزيرة، ومعاوية على البلقاء والأردنّ وفلسطين والسواحل وأنطاكيَة ومَعَرّة مَصْرين وقِلِقيّة. وعند ذلك صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على قلقية وأنطاكية ومعرة مصرين.
وقيل: وفيها ولد الحسن البصري وعامر الشعبي.
قال الواقدي: وحج بأناس في هذه السنة عمر بن الخطاب، وخلف على المدينة زيد بن ثابت؛ وكان عامله على مكة والطائف واليمن واليمامة والبحرين والشام ومصر والبصرة من كان عليها في سنة عشرين، وأما الكوفة فإن عامله عليها كان عمار بن ياسر، وكان إليه الأحداث، وإلى عبد الله بن مسعود بيت المال، وإلى عثمان بن حنيف الخراج، وإلى شريح فيما قيل القضاء.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين

ذكر فتح همذان

قال أبو جعفر: ففيها فتحت أذربيجان، فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: كانت أذربيجان سنة اثنتين وعشرين، وأميرها المغيرة بن شعبة. وكذلك قال الواقدي.
وأما سيف بن عمر، فإنه قال فيما كتب إلي به السري عن شعيب عنه، قال: كان فتح أذربيجان سنة ثمان عشرة من الهجرة بعد فتح همذان والرّي وجرجان وبعد صلح إصبهبذ طبرستان المسلمين. قال: وكلّ ذلك كان في سنة ثمان عشرة.
قال: فكان سبب فتح همذان - فيما زعم - أنّ محمدًا والمهلب وطلحة وعمرًا وسعيدًا أخبروه أنّ النعمان لما صرف إلى الماهين لاجتماع الأعاجم إلى نهاوند، وصرف إليه أهل الكوفة وافوه مع حذيفة؛ ولما فصل أهل الكوفة من حلوان وأفضوا إلى ماه هجموا على قلعة في مرج فيها مسلحة، فاستزلوهم، وكان أوّل الفتح، وأنزلوا مكانهم خيلًا يمسكون بالقلعة، فسمّوا معسكرهم بالمرج؛ مرج القلعة؛ ثم ساروا من مرج القلعة نحو نهاوند؛ حتى إذا انتهوا إلى قلعة فيها قوم خلّفوا عليها النسير بن ثور في عجل وحنيفة؛ فنسبت إليه؛ وافتتحها بعد فتح نهاوند ولم يشهد نهاوند عجلي ولا حنفي - أقاموا مع النسير على القلعة، فلما جمعوا فيء نهاوند والقلاع أشركوا فيها جميعًا؛ لأنّ بعضهم قوّى بعضًا. ثم وصفوا ما استقروا فيما بين مرج القلعة وبين نهاوند مما مرّوا به قبل ذلك فيما استقرّوا من المرج إليها بصفاتها، وازدحمت الركاب في ثنيّة من ثنايا ماه، فسمّيت بالركاب، فقيل: ثنيّة الركاب. وأتوا على أخرى تدور طريقها بصخرة، فسمّوها ملويّة، فدرست أسماؤها الأولى، وسمّيت بصفاتها، ومرّوا بالجبل الطويل المشرف على الجبال، فقال قائل منهم: كأنه سنّ سميرة - وسميرة امرأة من المهاجرات من بني معاوية، ضبيّة لها سنّ مشرفة على أسنانها، فسمّي ذلك الجبل بسنّها - وقد كان حذيفة أتبع الفالّة - فالّة نهاوند - نعيم بن مقرّن والقعقاع بن عمرو؛ فبلغا همذان، فصالحهم خسروشنوم، فرجعا عنهم، ثم كفر بعد. فلمّا قدم عهده في العهود من عند عمر ودّع حذيفة وودّعه حذيفة؛ هذا يريد همذان، وهذا يريد الكوفة راجعًا. واستخلف على الماهين عمرو بن بلال بن الحارث.
وكان كتاب عمر إلى نعيم بن مقرّن: أن سر حتى تأتي همذان، وابعث على مقدّمتك سويد بن مقرّن، وعلى مجنّبتيك ربعي بن عامر ومهلهل ابن زيد؛ هذا طائي، وذاك تميمي. فخرج نعيم بن مقرّن في تعبيته حتى نزل ثنيّة العسل - وإنما سمّيت ثنيّة العسل بالعسل الذي أصابوا فيها غبّ وقعة نهاوند حيث أتبعوا الفالّة تعالى فانتهى الفيرزان إليها، وهي غاصّة بحوامل تحمل العسل وغير ذلك؛ فحبست الفيرزان حتى نزل؛ فتوقّل في الجبل وغار فرسه فأدرك فأصيب. ولما نزلوا كنكور سرقت دوابّ من دوابّ المسلمين، فسمّى قصر اللصوص.
ثم انحدر نعيم من الثنيّة حتى نزل على مدينة همذان، وقد تحصّنوا منهم، فحصرهم فيها، وأخذ ما بين ذلك وبين جرميذان، واستولوا على بلاد همذان كلها. فلما رأى ذلك أهل المدينة سألوا الصلح، على أن يجريهم ومن استجاب مجرىً واحدًا، ففعل، وقبل منهم الجزاء على المتعة، وفرّق دستبي بين نفر من أهل الكوفة، بين عصمة بن عبد الضبّيبّ ومهلهل بن زيد الطائي وسماك بن عبيد العيسي وسماك بن مخرمة الأسدي، وسماك بن خرشة الأنصاري؛ فكان هؤلاء أوّل من ولي مسالح دستبي وقاتل الديّلم.
وأما الواقدي فإنه قال: كان فتح همذان والرّي في سنة ثلاث وعشرين. قال: ويقال افتتح الري قرظة بن كعب.
وحدثني ربيعة بن عثمان أنّ فتح همذان كان في جمادى الأولى، على رأس ستة أشهر من مقتل عمر بن الخطاب؛ وكان أميرها المغيرة بن شعبة.
قال: ويقال: كان فتح الري قبل وفاة عمر بسنتين، ويقال: قتل عمر وجيوشه عليها.
رجع الحديث إلى حديث سيف. قال: فبينما نعيم في مدينة همذان في توطئتها في اثني عشر ألفًا من الجند تكاتب الديلم وأهل الري وأهل أذربيجان، ثم خرج موتًا في الديلم حتى ينزل بواج روذ؛ وأقبل الزيني أبو الفرّخان في أهل الري حتى انضمّ إليه، وتحصّن أمراء مسالح دستبي، وبعثوا إلى نعيم بالخبر، فاستخلف يزيد بن قيس، وخرج إليهم في الناس حتى نزل عليهم بواج الروذ، فاقتتلوا بها قتالًا شديدًا؛ وكانت وقعة عظيمة تعدل نهاوند؛ ولم تكن دونها، وقتل من القوم مقتلة عظيمة لا يحصون ولا تقصر ملحمتهم من الملاحم الكبار؛ وقد كانوا كتبوا إلى عمر باجتماعهم، ففزع منها عمر، واهتمّ بحربها، وتوقع ما يأتيه عنهم، فلم يفجأه إلّا البريد بالبشارة، فقال: أبشير! فقال: بل عروة؛ فلما ثنى عليه: أبشير؟ فطن، فقال: بشير؛ فقال عمر: رسول نعيم؟ قال: رسول نعيم، قال: الخبر؟ قال: البشرى بالفتح والنصر؛ وأخبره الخبر؛ فحمد الله، وأمر بالكتاب فقرىء على الناس؛ فحمدوا الله. ثم قدم سماك بن مخرمة وسماك بن عبيد وسماك بن خرشة في وفود من وفود أهل الكوفة بالأخماس على عمر، فنسبهم، فانتسب له سماك وسماك وسماك، فقال: بارك الله فيكم؛ اللهمّ اسمك بهم الإسلام وأيّدهم بالإسلام. فكانت دستبي من همذان ومسالحها إلى همذان، حتى رجع الرسول إلى نعيم بن مقرّن بجواب عمر بن الخطّاب: أما بعد، فاستخلف على همذان، وأمدّ بكير بن عبد الله بسماك بن خرشة، وسر حتى تقدم الري، فتلقى جمعهم، ثم أقم بها، فإنها أوسط تلك البلاد وأجمعها لما تريد. فأقرّ نعيم يزيد بن قيس الهمداني على همذان، وسار من واج الروذ بالناس إلى الري.
وقال نعيم في واج الروذ:
لمّا أتاني أن موتًا ورهطه ** بني باسل جرّوا جنود الأعاجم
نهضت إليهم بالجنود مساميًا ** لأمنع منهم ذمّتي بالقواصم