قال: وكان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البيّاضي إذا رأى عبيد الله بن عمر، قال:
ألا يا عبيد الله مالك مهرب ** ولا مجلجأ من ابن أروى ولا خفر
أصبت دمًا والله في غير حلّه ** حرامًا وقتل الهرمزان له خطر
على غير شيء غير أن قال قائل ** أتتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه والحوادث جمَّة نعم اتَّهمه قد أشار وقد أمر
وكان سلاح العبد في جوف بيته ** يقلبها والأمر بالأمر يعتبر
قال: فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره، فدعا عثمان زياد بن لبيد، فنهاه. قال: فأنشأ زياد يوقل في عثمان:
أبا عمرو عبيد الله رهن ** فلا تشكك بقتل الهرمزان
فإنك إن غفرت الجرم عنه ** وأسباب الخطا فرسا رهان
أتعفو إذ عفوت بغير حقّ ** فما لك بالذي تحي يدان!
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشدّ به.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن عمر: مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس؛ ومعه جفينة والهرمزان، وهم نجي، فلما رهقتهم ثاروا، وسقط منهم خنجر له رأسان، نصابه في سوطه؛ فانظروا بأي شيء قتل؛ وقد تخلل أهل المسجد، وخرج في طلبه رجل من بني تميم، فرجع إليهم التميمي، وقد كان ألظَّ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر، حتى أخذه فقتله؛ وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر، فسمع بذلك عبيد الله بن عمر؛ فأمسك حتى مات عمر؛ ثمّ اشتمل على السيف؛ فأتى الهرمزان فقتله؛ فلما عضّه السيف قال: لا إله إلا الله. ثمّ مضى حتى أتى جفينة - وكان نصرنيًّا من أهل الحيرة ظئرًا لسعد بن مالك، أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم، وليعلّم بالمدينة الكتابة - فلما علاه بالسيف صلب بين عينيه. وبلغ لك صهيبًا، فبعث إليه عمرو بن العاص، فلم يزل به وعنه، ويقول: السيف بأبي وأمي! حتى ناوله إياه، وثاروه سعيد فأخذ بشعره، وجاءوا إلى صهيب.
عمال عمر رضي الله عنه على الأمصار

وكان عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في السنة التي قتل فيها؛ وهي سنة ثلاث وعشرين - على مكّة نافع بن عبد الحارث الخزاعي، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثَّقفي، وعلى صنعاء يعلى بن منية؛ حليف بني نوفل ابن عبد مناف، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة؛ وعلى البصرة أبو موسى الأشعري، وعلى مصر عمرو بن العاص؛ وعلى حمص عمير بن سعد، وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان؛ وعلى البحرين وما والاهما عثمان بن أبي العاص الثقفي.
وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث وعشرين - توفي، فيما زعم الواقدي - قتادة ابن النعمان الظفري وصلى عليه عمر بن الخطّاب.
وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغعمّورية؛ ومعه من أصحاب رسول الله معبادة بن الصامت وأبو أيّوب خالد بن زيد وأبو ذرّ وشدّاد بن أوس.
وفيها فتح معاوية عسقلان على صلح.
وقيل: كان على قضاء الكوفة في السنة التي توفي فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه شريح، وعلى البصرة كعب بن سور؛ وأما مصعب بن عبد الله فإنه ذكر أنّ مالك بن أنس روى عن ابن شهاب؛ أن أبا بكر وعمر رضي الله عنه عنهما لم يكن لهما قاض.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين

ذكر ما كان فيها من الأحداث المشهورة

ففيها بويع لعثمان بن عفان بالخلافة، واختلف في الوقت الذي بويع له فيه؛ فقال بعضهم ما حدثني به الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قالك أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبي وقّاص، معن عثمان بن محمّد الأخنسي. قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد عن أبيه، قالا: بويع عثمان بن عفّان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، فاستقبل بخلافته المحرّم سنة أربع وعشرين.
وقال آخرون: ما حدثني به أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: بويع لعثمان عام الرُّعاف سنة أربع وعشرين، قيل: إنما قيل لهذه السنة عام الرعاف؛ لأنه كثر الرُّعاف فيها في الناس.
وقال آخرون - فيما كتب به إلي السَّري، عن شعيب، عن شعيب، عن خليد بن ذفرة مجالد؛ قالا: استخلف عثمان لثلاث مضين من المحرّم سنة أربع وعشرين، فخرج فصلى بالناس العصر، وزاد: ووفّد فاستنّ به.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمر، عن الشعبي، قال: اجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاث مضيْن من المحرّم، وقد دخل وقت العصر، وقد أذّن مؤذّن صهيب، واجتمعوا بين الأذان والإقامة، فخرج فصلى بالناس، وزاد الناس مائة، ووفّد أهل الأمصار، وهو أوّل من صنع ذلك.
وقال آخرون - فيما ذكر ابن سعد، عن الواقدي، عن ابن جريج عن ابن مليكة، قال: بويع لعثمان لعشر مضين من المحرّم، بعد مقتل عمر بثلاث ليال.
خطبة عثمان وقتل عبيد الله بن عمر الهرمزان

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: لما بايع أهل الشورى عثمان، خرج وهو أشدّهم كآبة، فأتى منبر رسول ، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي ، وقال: إنكم في دار قلعة، وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه؛ فلقد أتيتم، صبَّحتم أو مسِّيتم؛ ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرنَّكم بالله الغرور. اعتبروا بمن مضى، ثم جدُّوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدينا وإخوانها الذين آثاروها وعمروها، ومتعوا بها طويلاُ؛ ألم تلفظهم! أرموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة؛ فإنّ الله قد ضرب لها مثلاُ؛ وللّذي هو خير، فقال عز وجل " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء " - إلى قوله - " أملا "، وأقبل الناس يبايعونه.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي منصور، قال: سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه، قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي، ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه، وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال: آنس به؛ فرآه رجل، فلما أصيب عمر، قال: رأيت هذا مع الهرمزان، دفعه إلى فيروز. فأقبل عبيد الله فقتله؛ فلما ولي عثمان دعاني فأمكنني منه، ثم قال: يا بني، هذا قاتل أبيك؛ وأنت أولى به منا، فاذهب فاقتله؛ فخرجت به وما في الأرض أحد إلّا معي؛ إلّا أنهم يطلبون إلي فيه. فقلت لهم: ألي قتله؟ قالوا: نعم - وسبّوا عبيد الله - فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا، وسبّوه فتركته لله ولهم. فاحتملوني؛ فوالله ما بلغت المنزل إلّا على رؤوس الرجال وأكفّهم.
ولاية سعد بن أبي وقاص الكوفة

وفي هذه السنة عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة، وولّاها سعد بن أبي وقاص - فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي، قال: كان عمر قال: أوصي الخليفة من بعدي أن يستعمل سعد بن أبي وقّاص، فإنّي لم أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك. وكان أوّل عامل بعث به عثمان سعد بن أبي وقاص على الكوفة، وعزل المغيرة بن شعبة، والمغيرة يومئذ بالمدينة، فعمل عليها سعد سنة وبعض أخرى، وأقرّ أبا موسى سنوات.
وأمّا الواقدي فإنه ذكر أنّ أسامة بن زيد بن أسلم حدثه، عن أبيه؛ أن عمر أوصى أن يقرّ عمّاله سنة؛ فلما ولي عثمان أقرّ المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة، ثم عزله، واستعمل سعد بن أبي وقاص ثم عزله، واستعمل الوليد ابن عقبة. فإن كان صحيحًا ما رواه الواقدي من ذلك، فولاية سعد الكوفة من قبل عثمان كانت سنة خمس وعشرين.