وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن عمرو بن شعيب، قال: أوّل من منع الحمام الطيّارة والجلاهقات عثمان؛ ظهرت بالمدينة فأمرّ عليها رجلًا، فمنعهم منها.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، عن أبيه نحوًا منه؛ وزاد: وحدث بين الناس النشو. قال: فأرسل عثمان طائفًا يطوف عليهم بالعصا، فمنعهم من ذلك، ثم اشتدّ ذلك فأفشى الحدود، ونبّأ ذلك عثمان، وشكاه إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في النبيذ، فأخذ نفر منهم فجلدوا.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين، وليدنوا من العرب؛ فمنهم من أتى البصرة، ومنهم من أتى الكوفة، ومنهم من أتى الشام، فهجموا جميعًا من أبناء المهاجرين بالأمصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة إلّا ما كان من أبناء الشام، فرجعوا جميعًا إلى المدينة إلّا من كان بالشام، فأخبروا عثمان بخبرهم؛ فقام عثمان في الناس خطيبًا، فقال: يا أهل المدينة؛ أنتم أصل الإسلام؛ وإنّما يفسد الناس بفسادكم، ويصلحون بصلاحكم؛ والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلّا سيّرته؛ ألا فلا أعرفنّ أحدًا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب، فإنّ من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا يأخذ أحدًا منهم على شرّ أو شهر سلاح: عصًا فما فوقها إلّا سيّره؛ فضجّ آباؤهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون: ما أحدث التسيير إلّا أنّ رسول الله سيّر الحكم بن أبي العاص، فقال: إنّ الحكم كان مكيًّا، فسيّره رسول الله منها إلى الطائف، ثم ردّه إلى بلده؛ فرسول الله سيّره بذنبه، ورسول الله ردّه بعفوه. وقد سيّر الخليفة من بعده؛ وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة، وايمُ الله لآخذنّ العفو من أخلاقكم، ولأبذلنّه لكم من خلقي؛ وقد دنت أمور، ولا أحبّ أن تحلّ بنا وبكم؛ وأنا على وجلٍ وحذر، فاحذروا واعتبروا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحيى بن سعيد، قالا: سأل سائل سعيد بن المسيّب عن محمد بن أبي حذيفة: ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ فقال: كان يتيمًا في حجر عثمان، فكان عثمان والي أيتام أهل بيته؛ ومحتمل كلّهم؛ فسأل عثمان العمل حين وُلّيَ، فقال: يا بني، لو كنت رضًا ثم سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك! قال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني، قال: اذهب حيث شئت؛ وجهّزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغيّر عليه أن منعه الولاية. قيل: فعمّار بن ياسر؟ قال: كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان، فأورث ذاك بين آل عمّار وآل عتبة شرًا حتى اليوم، وكنى عمّا ضربا عليه وفيه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت، قال: فسألت ابن سليمان بن أبي حثمة، فأخبرني أنه تقاذف.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، قال: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر: ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغرّه أقوام فطمع. وكانت له دالّة فلزمه حقّ، فأخذه عثمان من ظهره، ولم يدهن؛ فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمّما بعد أن كان محمّدا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولّيَ عثمان لان لهم، فانتزع الحقوق انتزاعًا، ولم يعطّل حقًّا، فأحبّوه على لينه، فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عز وجل.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل، عن القاسم، قال: كان مما أحدث عثمان فرضي به منه أنه ضرب رجلًا في منازعة استخفّ فيها بالعباس بن عبد المطلب، فقيل له، فقال: نعم، أيفخّم رسول الله عمّه، وأرخّص في الاستخفاف به! لقد خالف رسول الله من فعل ذلك، ومن رضي به منه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن رزيق بن عبد الله الرازي، عن علقمة بن مرثد، عن حمران بن أبان؛ قال: أرسلني عثمان إلى العباس بعد ما بويع، فدعوته إليه، فقال: مالك تعبّدتني! قال: لم أكن قطّ أحوج إليك مني اليوم، قال: الزم خمسًا؛ لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها، قال: وما هنّ؟ قال: الصبر عن القتل، والتحبّب، والصفح، والمداراة، وكتمان السرّ.
وذكر محمد بن عمر، قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أميّة الضمري، قال: إن قريشًا كان من أسنّ منهم مولعًا بأكل الخزيرة؛ وإني كنت أتعشّى مع عثمان خزيرًا من طبخ من أجود ما رأيت قطّ، فيها بطون الغنم، وأدمها اللبن والسمن، فقال عثمان: كيف ترى هذا الطعام؟ فقلت: هذا أطيب ما أكلت قطّ، فقال: يرحم الله ابن الخطّاب! أكلت معه هذه الخزيرة قطّ؟ قلت: نعم؛ فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوي بها إلى فمي؛ وليس فيها لحم؛ وكان أدمها السمن ولا لبن فيها. فقال عثمان: صدقت، إنّ عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره؛ وإنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظلفًا. أما والله ما آكله من مال المسلمين؛ ولكني آكله من مالي؛ أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالًا، وأجدّهم في التجارة؛ ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه؛ وقد بلغت سنًّا فأحبّ الطعام إلي ألينه؛ ولا أعلم لأحد علي في ذلك تبعةً.
قال محمد: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، قال: كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان؛ فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر، قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيّد وصغار الضأن كلّ ليلة؛ وما رأيت عمر قطّ أكل من الدقيق منخولا، ولا أكل من الغنم إلّا مسانّها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمر! ومن يطيق ما كان عمر يطيق! قال محمد: وحدثني عبد الملك بن يزيد بن السائب، عن عبد الله بن السائب، قال: أخبرني أبي، قال: أوّل فسطاط رأيته بمنىً فسطاط لعثمان، وآخر لعبد الله بن عامر بن كريز، وأوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان، وأوّل من نخل له الدقيق من الولاة عثمان رضي الله عنه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بلغ عثمان أنّ ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيرنجًا - قال محمد بن سلمة: إنما هو نيرج - فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك؛ فإن أقرّ به فأوجعه، فدعا به فسأله، فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه؛ فأمر به فعزّر، وأخبر الناس خبره، وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جدّ بكم، فعليكم بالجدّ؛ وإياكم والهزّال؛ فكان الناس عليه؛ وتعجّبوا من وقوف عثمان على مثل خبره، فغضب، فنفر في الذين نفروا، فضرب معهم، فكتب إلى عثمان فيه، فلما سيّر إلى الشأم من سيّر، سيّر كعب بن ذي الحبكة ومالك ابن عبد الله - وكان دينه كدينه - إلى دنباوند؛ لأنها أرض سحرة، فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد:
لعرمي لئن طردتني ما إلى التي ** طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يا بن أروى ورجعتي ** إلى الحقّ دهرًا غال ذلك غول
وإنّ اغترابي في البلاد وجفوتي ** وشتمي في ذات الإله قليل
وإنّ دعائي كلّ يوم وليلة ** عليك بدنباوندكم لطويل
فلما ولي سعيد أقله، وأحسن إليه واستصلحه، فكفره، فلم يزدد إلا فسادًا. واستعار ضابىء بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبًا يدعى قرحان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه، فانتزعوه منه وردّوه على الأنصار، فهجاهم وقال في ذلك:
تحشّم دوني وفد قرحان خطةً ** تضلّ لها الوجناء وهي حسير
فباتوا شباعًا ناعمين كأنما ** حباهم ببيت المرزبان أمير
فكلبكم لا تتركوا فهو أمّكم ** فإنّ عقوق الأمّهات كبير
فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه، فعزّره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه. وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ** فعلت وولّيت البكاء حلائله
وقائلة قد مات في السجن ضابىء ** ألا من لخصم لم يجد من يجادله!
وقائلة لا يبعد الله ضابئًا ** فنعم الفتى تخلو به وتحاوله
فلذلك صار عمير بن ضابىء سبئيًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير، عن أخيه، قال: والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان رضي الله عنه، ولا ركب إليه إلّا قتل؛ لقد اجتمع بالكوفة نفر، فيهم الأشتر وزيد بن صوحان وكعب ابن ذي الحبكة وأبو زينب وأبو مورّع وكميل بن زياد وعمير بن ضابىء، فقالوا: لا والله لا يرفع رأس مادام عثمان على الناس؛ فقال عمير بن ضابىء وكميل بن زياد: نحن نقتله. فركبا إلى المدينة؛ فأما عمير فإنه نكل عنه، وأما كميل بن زياد فإنه جسر وثاوره؛ وكان جالسًا يرصده حتى أتى عليه عثمان، فوجأ عثمان وجهه، فوقع على استه، وقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين! قال: أولست بفاتك! قال: لا والله الذي لا إله إلّا هو؛ فحلف وقد اجتمع عليه الناس، فقالوا: نفتّشه يا أمير المؤمنين، فقال: لا، قد زرق الله العافية، ولا أشتهي أن أطّلع منه على غير ما قال. وقال: إن كان كما قلت يا كميل فاقتدْ منّي - وجثا - فوالله ما حسبتك إلّا تريدني، وقال: إن كنت صادقًا فأجزل الله، وإن كنت كاذبًا فأذلّ الله. وقعد له على قدميه وقال: دونك! قال: قد تركت. فبقيا حتى أكثر الناس في نجائهما، فلمّا قدم الحجّاج قال: من كان من بعث المهلّب فليواف مكتبه؛ ولا يجعل على نفسه سبيلا. فقام إليه عمير، وقال: إني شيخ ضعيف، ولي ابنان قويّان؛ فأخرج أحدهما مكاني أو كليهما، فقال: من أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابىء، فقال: والله لقد عصيت الله عز وجل منذ أربعين سنة؛ ووالله لأنكلّنّ بك المسلمين، غضبت لسارق الكلب ظالمًا، إنّ اباك إذ غل لهمّ؛ وإنّك هممت ونكلت، وإني أهمّ ثم لا أنكل. فضربت عنقه.