كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن لامجالد، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة، قال: قلت لعلي: إنّ هذا الرجل مقتول؛ وإنّه إن قتل وأنت بالمدينة اتّخذوا فيك، فاخرج فكن بمكان كذا وكذا؛ فإنك إن فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس؛ فأبى وحصر عثمان اثنين وعشرين يومًا؛ ثم أحرقوا الباب؛ وفي الدار أناس كثير؛ فيهم عبد الله بن الزبير ومروان، فقالوا: ائذن لنا؛ فقال: إنّ رسول الله عهد إلي عهدًا، فأنا صابر عليه؛ وإنّ القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه؛ فأحرّج على رجل يستقتل ويقاتل؛ وخرج الناس كلهم؛ ودعا بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده، فقال: إنّ أباك الآن لفي أمر عظيم، فأقسمت عليك لما خرجت! وأمر عثمان أبا كرب - رجلًا من همدان - وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال؛ وليس فيه إلا غرارتان من ورق؛ فلما أطفئت النار بعد ما ناوشهم ابن الزبير ومروان، وتوعّد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان؛ فلما دخل على عثمان هربا. ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان؛ فأخذ بلحيته، فقال: أرسل لحيتي؛ فلم يكن أبوك ليتناولها. فأرسلها؛ ودخلوا عليه؛ فمنهم من يجؤه بنعل سيفه، وآخر يلكزه؛ وجاءه رجل بمشاقص معه، فوجأه في ترقوته، فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله؛ وكان كبيرًا؛ وغشي عليه. ودخل آخرون فلما رأوه مغشيًّا عليه جرّوا برجله؛ فصاحت نائلة وبناته؛ وجءا التجيبي مخترطًا سيفه ليضعه في بطنه، فوقته نائلة، فقطع يدها، واتّكأ بالسيف عليه في صدره. وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس، ونادى مناد: ما يحلّ دمه ويحرج ماله؛ فانتهبوا كلّ شيء، ثم تبادروا بيت المال، فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا، وقالوا: الهرب الهرب! هذا ما طلب القوم.
وذكر محمد بن عمر، أنّ عبد الرحمن بن عبد العزيز حدثه عن عبد الرحمن ابن محمد، أنّ محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتّاب، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق؛ فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة، فتقدّمهم محمد بن أبي بكر؛ فأخذ بلحية عثمان، فقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال عثمان: لست بنعثل؛ ولكني عبد الله وأمير المؤمنين. قال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا بن أخي، دع عنك لحيتي؛ فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه. فقال محمد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك؛ وما أريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك؛ قال عثمان: أستنصر الله عليك وأستعين به. ثم طعن جبينه بمشقص في يده. ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده، فوجأ بها في أصل أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثمّ علاه بالسيف حتى قتله؛ فقال عبد الرحمن: سمعت أبا عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديد، فخرّ لجبينه، فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خرّ لجبينه فقتله.
قال محمد بن عمر: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزنّاد، عن عبد الرحمن ابن الحراث، قال: الذي قتله كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي. وكانت امرأة منظور بن سيار الفزاري تقول: خرجنا إلى الحجّ؛ وما علمنا لعثمان بقتل؛ حتى إذا كنّا بالعرج سمعنا رجلًا يتغنّى تحت الليل:
ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة ** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
قال: وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات. قال عمرو: فأما ثلاث منهنّ فإني طعنتهنّ إيّاه لله؛ وأما ستّ فإني طعنتهن إيّاه لما كان في صدري عليه.
قال محمد: وحدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، قال: رأيت عروة بن شيَيْم ضرب مروان يوم الدار بالسيف على رقبته، فقطع إحدى علباويه، فعاش مروان أوقص؛ ومروان الذي يقول:
ما قلت يوم الدار للقوم حاجزوا ** رويدًا ولا استبقوا الحياة على القتل
ولكنّي قد قلت للقوم ماصعوا ** بأسيافكم كيما يصلن إلى الكهل
قال محمد الواقدي: وحدثني يوسف بن يعقوب، عن عثمان بن محمد الأخنسي، قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر، فقدم أهل مصر يوم الجمعة، وقتلوه في الجمعة الأخرى.
وحدثني عبد الله بن أحمد المروزوي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن حرملة بن عمران، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، قال: وليَ قتلَ عثمان نهران الأصبحي، وكان قاتل عبد الله بن بسرة؛ وهو رجل من بني عبد الدار.
قال محمد بن عمر: وحدثني الحكم بن القاسم، عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة، قال: مازال المصرّيون كافّين عن دمه وعن القتال؛ حتى قدمت أمداد العراق من البصرة ومن الكوفة ومن الشأم؛ فلما جاءوا شجعوا القوم؛ وبلغهم أنّ البعوث قد فصلت من العراق ومن مصر من عند ابن سعد؛ ولم يكن ابن سعد بمصر قبل ذلك؛ كان هاربًا قد خرج إلى الشأم، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد.
قال محمد: وحدثني الزبير بن عبد الله، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: أشرف عثمان عليهم وهو محصور؛ وقد أحاطوا بالدّار من كلّ ناحية، فقال: أنشدكم بالله جلّ وعزّ؛ هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخير لكم، وأن يجمعكم على خيركم! فما ظنّكم بالله! أتقولونه: لم يستجب لكم، وهنتم على الله سبحانه، وأنتم يومئذ أهل حقّه من خلقه، وجميع أموركم لم تتفرق! أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبال من ولّاه، والدّين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرّق أهله؛ فتوكّلوا أو تخذلوا، وتعاقبوا! أم تقولون: لم يدر الله ما عاقبة أمري؛ فكنت في بعض أمري محسنًا، ولأهل الدين رضًا، فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله، وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته! وأنشدكم بالله، هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير قدّمه الله لي، وأشهدنيه من حقه! وجهاد عدوّه حقّ على كلّ من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها. فمهلًا، لا تقتلوني؛ فإنه لا يحلّ إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إسلامه، أو تقل نفسًا بغير نفس فيقتل بها؛ فإنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم؛ ثم لم يرفعه الله عز وجل عنكم إلى يوم القيامة. ولا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني لم تصلّوا من بعدي جميعًا أبدًا، ولم تقتسموا بعدي فيئًا جميعًا أبدًا، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا.
قالوا له: أمّا ما ذكرت من استخارةِ الله عز وجل الناس بعد عمر رضي الله عنه فيمن يولّون عليهم، ثم ولّوك بعد استخارة الله؛ فإنّ كلّ ما صنع الله الخيرة؛ ولكن الله سبحانه جعل أمرك بليّةً ابتلى بها عباده. وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله ، فإنك قد كنت ذا قدمٍ وسلفٍ، وكنت أهلًا للولاية؛ ولكن بدّلت بعد ذلك، وأحدثت ما قد علمت. وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء؛ فإنه لا ينبغي ترك إقامة الحقّ عليك مخافة الفتنة عامًا قابلًا. وأما قولك: إنه لا يحلّ إلّا قتل ثلاثة؛ فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سمّيت؛ قتل من سعى في الأرض فسادًا، وقتل من بغى ثم قاتل لعى بغيه، وقتل من حال دون شيء من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه؛ وقد بغيت، ومنعت الحقّ، وحلت دونه؛ وكابرت عليه؛ تأبى أن تقيد من نفسك من ظلمت عمدًا، وتمسّكت بالإمارة علينا وقد جرت في حكمك وقسمك! فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه، وأنّ الذين قاموا دونك ومنعوك منّا إنما يقاتلون بغير أمرك؛ فإنما يقاتلون لتمسّكك بالإمارة؛ فلو أنّك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك.
ذكر بعض سير عثمان بن عفان رضي الله عنه
حدثني زياد بن أيّوب، قال: حدثنا هشيم، قال: زعم أبو المقدام، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: دخلت المسجد؛ فإذا أنا بعثمان بن عفان متّكئًا على ردائه، فأتاه سقّاءان يختصمان، فقضى بينهما.
وفيما كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمارة بن القعقاع، عن الحسن البصري، قال: كان عمر بن الخطاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلّا بإذن وأجلٍ، فشكوه فبلغه، فقام فقال: ألا إنّي قد سننت الإسلام سنّ البعير؛ يبدأ فيكون جذعًا، ثم ثنيًّا، ثم رباعيًّا، ثم سديسًا، ثم بازلا، ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان! ألا فإنّ الإسلام قد بزل. ألا وإنّ قريشًا يريدون أن يتّخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حي فلا؛ إني قائم دون شعب الحرّة، آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر، فانساحوا في البلاد، فلما رأوها ورأوا الدنيا، ورآهم الناس، انقطع إليهم من لم يكن له طول ولا مزيّة في الإسلام؛ فكان مغمومًا في الناس، وصاروا أوزاعًا إليهم وأمّلوهم، وقتدّموا في ذلك فقالوا: يملكون فنكون قد عرفناهم، وتقدّمنا في التقرّب والانقطاع إليهم، فكان ذلك أوّل وهنٍ دخل على الإسلام؛ وأوّل فتنة كانت في العامّة، ليس إلا ذلك.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملّته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة، فامتنع عليهم، وقال: إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد؛ فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو - وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين؛ ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان في غزوك مع رسول الله ما يبلّغك؛ وخير لك من الغزو اليوم ألّا ترى الدنيا ولا تراك، فلما ولي عثمان خلّى عنهم، فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، فكان أحبّ إليهم من عمر.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولي عثمان حجّ سنواته كلها إلا آخر حجّة، وحجّ بأزواج رسول الله كما كان يصنع عمر؛ فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه؛ وجعل في موضع نفسه سعيد بن زيد؛ هذا في مؤخّر القطار، وهذا في مقدّمه، وأمن الناس؛ وكتب في الأمصار أن يوافيه العمّال في كلّ موسم ومن يشكونهم. وكتب إلى الناس إلى الأمصار؛ أن ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، ولا يذلّ المؤمن نفسه، فإني مع الضعيف على القوي ما دام مظلومًا إن شاء الله. فكان الناس بذلك، فجرى ذلك إلى أن اتّخذه أقوامٌ وسيلةً إلى تفريق الأمة.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لم تمض سنة من إمارة عثمان حتى اتّخذ رجال من قريش أموالًا في الأمصار، وانقطع إليهم الناس، وثبتوا سبع سنين، كلّ قوم يحبّون أن يليَ صاحبهم. ثم إنّ ابن السوداء أسلم، وتكلّم وقد فاضت الدنيا، وطلعت الأحداث على يديه، فاستطالوا عمر عثمان رضي الله عنه.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عثمان بن حكيم ابن عبّاد بن حنيف، عن أبيه، قال: أوّل منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا، وانتهى وسع الناس طيران الحمام والرّمي على الجلاهقات، فاستعمل عليها عثمان رجلًا من بني ليث سنة ثمان، فقصّها وكسر الجلاهقات.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن عمرو بن شعيب، قال: أوّل من منع الحمام الطيّارة والجلاهقات عثمان؛ ظهرت بالمدينة فأمرّ عليها رجلًا، فمنعهم منها.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، عن أبيه نحوًا منه؛ وزاد: وحدث بين الناس النشو. قال: فأرسل عثمان طائفًا يطوف عليهم بالعصا، فمنعهم من ذلك، ثم اشتدّ ذلك فأفشى الحدود، ونبّأ ذلك عثمان، وشكاه إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في النبيذ، فأخذ نفر منهم فجلدوا.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين، وليدنوا من العرب؛ فمنهم من أتى البصرة، ومنهم من أتى الكوفة، ومنهم من أتى الشام، فهجموا جميعًا من أبناء المهاجرين بالأمصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة إلّا ما كان من أبناء الشام، فرجعوا جميعًا إلى المدينة إلّا من كان بالشام، فأخبروا عثمان بخبرهم؛ فقام عثمان في الناس خطيبًا، فقال: يا أهل المدينة؛ أنتم أصل الإسلام؛ وإنّما يفسد الناس بفسادكم، ويصلحون بصلاحكم؛ والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلّا سيّرته؛ ألا فلا أعرفنّ أحدًا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب، فإنّ من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا يأخذ أحدًا منهم على شرّ أو شهر سلاح: عصًا فما فوقها إلّا سيّره؛ فضجّ آباؤهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون: ما أحدث التسيير إلّا أنّ رسول الله سيّر الحكم بن أبي العاص، فقال: إنّ الحكم كان مكيًّا، فسيّره رسول الله منها إلى الطائف، ثم ردّه إلى بلده؛ فرسول الله سيّره بذنبه، ورسول الله ردّه بعفوه. وقد سيّر الخليفة من بعده؛ وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة، وايمُ الله لآخذنّ العفو من أخلاقكم، ولأبذلنّه لكم من خلقي؛ وقد دنت أمور، ولا أحبّ أن تحلّ بنا وبكم؛ وأنا على وجلٍ وحذر، فاحذروا واعتبروا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحيى بن سعيد، قالا: سأل سائل سعيد بن المسيّب عن محمد بن أبي حذيفة: ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ فقال: كان يتيمًا في حجر عثمان، فكان عثمان والي أيتام أهل بيته؛ ومحتمل كلّهم؛ فسأل عثمان العمل حين وُلّيَ، فقال: يا بني، لو كنت رضًا ثم سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك! قال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني، قال: اذهب حيث شئت؛ وجهّزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغيّر عليه أن منعه الولاية. قيل: فعمّار بن ياسر؟ قال: كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان، فأورث ذاك بين آل عمّار وآل عتبة شرًا حتى اليوم، وكنى عمّا ضربا عليه وفيه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت، قال: فسألت ابن سليمان بن أبي حثمة، فأخبرني أنه تقاذف.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، قال: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر: ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغرّه أقوام فطمع. وكانت له دالّة فلزمه حقّ، فأخذه عثمان من ظهره، ولم يدهن؛ فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمّما بعد أن كان محمّدا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولّيَ عثمان لان لهم، فانتزع الحقوق انتزاعًا، ولم يعطّل حقًّا، فأحبّوه على لينه، فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عز وجل.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل، عن القاسم، قال: كان مما أحدث عثمان فرضي به منه أنه ضرب رجلًا في منازعة استخفّ فيها بالعباس بن عبد المطلب، فقيل له، فقال: نعم، أيفخّم رسول الله عمّه، وأرخّص في الاستخفاف به! لقد خالف رسول الله من فعل ذلك، ومن رضي به منه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن رزيق بن عبد الله الرازي، عن علقمة بن مرثد، عن حمران بن أبان؛ قال: أرسلني عثمان إلى العباس بعد ما بويع، فدعوته إليه، فقال: مالك تعبّدتني! قال: لم أكن قطّ أحوج إليك مني اليوم، قال: الزم خمسًا؛ لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها، قال: وما هنّ؟ قال: الصبر عن القتل، والتحبّب، والصفح، والمداراة، وكتمان السرّ.
وذكر محمد بن عمر، قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أميّة الضمري، قال: إن قريشًا كان من أسنّ منهم مولعًا بأكل الخزيرة؛ وإني كنت أتعشّى مع عثمان خزيرًا من طبخ من أجود ما رأيت قطّ، فيها بطون الغنم، وأدمها اللبن والسمن، فقال عثمان: كيف ترى هذا الطعام؟ فقلت: هذا أطيب ما أكلت قطّ، فقال: يرحم الله ابن الخطّاب! أكلت معه هذه الخزيرة قطّ؟ قلت: نعم؛ فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوي بها إلى فمي؛ وليس فيها لحم؛ وكان أدمها السمن ولا لبن فيها. فقال عثمان: صدقت، إنّ عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره؛ وإنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظلفًا. أما والله ما آكله من مال المسلمين؛ ولكني آكله من مالي؛ أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالًا، وأجدّهم في التجارة؛ ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه؛ وقد بلغت سنًّا فأحبّ الطعام إلي ألينه؛ ولا أعلم لأحد علي في ذلك تبعةً.
قال محمد: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، قال: كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان؛ فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر، قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيّد وصغار الضأن كلّ ليلة؛ وما رأيت عمر قطّ أكل من الدقيق منخولا، ولا أكل من الغنم إلّا مسانّها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمر! ومن يطيق ما كان عمر يطيق! قال محمد: وحدثني عبد الملك بن يزيد بن السائب، عن عبد الله بن السائب، قال: أخبرني أبي، قال: أوّل فسطاط رأيته بمنىً فسطاط لعثمان، وآخر لعبد الله بن عامر بن كريز، وأوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان، وأوّل من نخل له الدقيق من الولاة عثمان رضي الله عنه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بلغ عثمان أنّ ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيرنجًا - قال محمد بن سلمة: إنما هو نيرج - فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك؛ فإن أقرّ به فأوجعه، فدعا به فسأله، فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه؛ فأمر به فعزّر، وأخبر الناس خبره، وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جدّ بكم، فعليكم بالجدّ؛ وإياكم والهزّال؛ فكان الناس عليه؛ وتعجّبوا من وقوف عثمان على مثل خبره، فغضب، فنفر في الذين نفروا، فضرب معهم، فكتب إلى عثمان فيه، فلما سيّر إلى الشأم من سيّر، سيّر كعب بن ذي الحبكة ومالك ابن عبد الله - وكان دينه كدينه - إلى دنباوند؛ لأنها أرض سحرة، فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد:
لعرمي لئن طردتني ما إلى التي ** طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يا بن أروى ورجعتي ** إلى الحقّ دهرًا غال ذلك غول
وإنّ اغترابي في البلاد وجفوتي ** وشتمي في ذات الإله قليل
وإنّ دعائي كلّ يوم وليلة ** عليك بدنباوندكم لطويل
فلما ولي سعيد أقله، وأحسن إليه واستصلحه، فكفره، فلم يزدد إلا فسادًا. واستعار ضابىء بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبًا يدعى قرحان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه، فانتزعوه منه وردّوه على الأنصار، فهجاهم وقال في ذلك:
تحشّم دوني وفد قرحان خطةً ** تضلّ لها الوجناء وهي حسير
فباتوا شباعًا ناعمين كأنما ** حباهم ببيت المرزبان أمير
فكلبكم لا تتركوا فهو أمّكم ** فإنّ عقوق الأمّهات كبير
فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه، فعزّره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه. وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ** فعلت وولّيت البكاء حلائله
وقائلة قد مات في السجن ضابىء ** ألا من لخصم لم يجد من يجادله!
وقائلة لا يبعد الله ضابئًا ** فنعم الفتى تخلو به وتحاوله
فلذلك صار عمير بن ضابىء سبئيًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير، عن أخيه، قال: والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان رضي الله عنه، ولا ركب إليه إلّا قتل؛ لقد اجتمع بالكوفة نفر، فيهم الأشتر وزيد بن صوحان وكعب ابن ذي الحبكة وأبو زينب وأبو مورّع وكميل بن زياد وعمير بن ضابىء، فقالوا: لا والله لا يرفع رأس مادام عثمان على الناس؛ فقال عمير بن ضابىء وكميل بن زياد: نحن نقتله. فركبا إلى المدينة؛ فأما عمير فإنه نكل عنه، وأما كميل بن زياد فإنه جسر وثاوره؛ وكان جالسًا يرصده حتى أتى عليه عثمان، فوجأ عثمان وجهه، فوقع على استه، وقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين! قال: أولست بفاتك! قال: لا والله الذي لا إله إلّا هو؛ فحلف وقد اجتمع عليه الناس، فقالوا: نفتّشه يا أمير المؤمنين، فقال: لا، قد زرق الله العافية، ولا أشتهي أن أطّلع منه على غير ما قال. وقال: إن كان كما قلت يا كميل فاقتدْ منّي - وجثا - فوالله ما حسبتك إلّا تريدني، وقال: إن كنت صادقًا فأجزل الله، وإن كنت كاذبًا فأذلّ الله. وقعد له على قدميه وقال: دونك! قال: قد تركت. فبقيا حتى أكثر الناس في نجائهما، فلمّا قدم الحجّاج قال: من كان من بعث المهلّب فليواف مكتبه؛ ولا يجعل على نفسه سبيلا. فقام إليه عمير، وقال: إني شيخ ضعيف، ولي ابنان قويّان؛ فأخرج أحدهما مكاني أو كليهما، فقال: من أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابىء، فقال: والله لقد عصيت الله عز وجل منذ أربعين سنة؛ ووالله لأنكلّنّ بك المسلمين، غضبت لسارق الكلب ظالمًا، إنّ اباك إذ غل لهمّ؛ وإنّك هممت ونكلت، وإني أهمّ ثم لا أنكل. فضربت عنقه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، قال: حدثنا رجل من بني أسد، قال: كان من حديثه أنه كان قد غزا عثمان رضي الله عنه فيمن غزاه؛ فلما قدم الحجّاج ونادى بما نادى به، عرض رجل عليه ما عوض نفسه، فقبل منه، فلما ولّى قال أسماء بن خارجة: لقد كان شأن عمير مما يهمّني، قال: ومن عمير؟ قال: هذا الشيخ، قال:
ذكّرتني الطعن وكنت ناسيًا
أليس فيمن خرج إلى عثمان؟ قال: بلى، قال: فهل بالكوفة أحد غيره؟ قال: نعم، كميل، قال: علي بعمير، فضرب عنقه، ودعا بكميل فهرب؛ فأخذ النخع به، فقال له الأسود بن الهيثم: ما تريد من شيخ قد كفاكه الكبر! فقال: أما والله لتحبسنّ عني لسانك أو لأحسّنّ رأسك بالسيف. قال: أفعل. فلما رأى كميل ما لقي قومه من الخوف وهما ألفا مقاتل، قال: الموت خير من الخوف إذا أخيف ألفان من سبي وحرموا. فخرج حتى أتى الحجّاج، فقال له الحجّاج: أنت الذي أردت ثم لم يكشفك أمير المؤمنين، ولم ترض حتى أقعدته للقصاص إذ دفعك عن نفسه؟ فقال: على أي ذلك تقتلني! تقتلني على عفوه أو على عافيتي؟ قال: يا أدهم بن المحرز، اقتله؛ قال: والأجر بيني وبينك؟ قال: نعم، قال أدهم: بل الأجر لك؛ وما كان من إثم فعلي. وقال مالك بن عبد الله - وكان من المسيّرين:
مضت لابن أروى في كميل ظلامة ** عفاها له والمستقيد يلام
وقال له لا أقبح اليوم مثلةً ** عليك أبا عمرو وأنت إمام
رويدك رأسي والذي نسكت له ** قريش بنا على الكبير حرام
وللعفو أمن يعرف الناس فضله ** وليس علينا في القصاص أثام
ولو علم الفاروق ما أنت صانع ** نهى عنك نهيًا ليس فيه كلام
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا علي بن محمد، عن سحيم بن حفص، قال: كان ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شريك عثمان في الجاهليّة، فقال العباس بن ربيعة لعثمان: اكتب لي إلى ابن عامر يسلفني مائة ألف؛ فكتب، فأعطاه مائة ألف وصله بها، وأقطعه داره؛ دار العباس ابن ربيعة اليوم.
وحدثني عمر، قال: حدثنا علي، عن إسحاق بن يحيى، عن موسى ابن طلحة، قال: كان لعثمان على طلحة خمسون ألفًا فخرج عثمان يومًا إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيّأ مالك فاقبضه، قال: هو لك يا أبا محمد معونةً لك على مروءتك..
وحدثني عمر، قال: حدثنا علي، عن عبد ربّه، عن نافع، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: قال علي لطلحة: أنشدك الله إلّا رددت الناس عن عثمان! قال: لا والله حتى تعطي بنو أمية الحقّ من أنفسها.
وحدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو بكر البكري، عن هشام بن حسان، عن الحسن؛ أنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضًا له من عثمان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فقال طلحة: إنّ رجلا تتّسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عز وجل لغرير بالله سبحانه! فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح، فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم - أو قال: الصفراء والبيضاء.
وحجّ بالناس في هذه السنة - أعني سنة خمس وثلاثين - عبد الله بن عباس بأمر عثمان إياه بذلك؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي، عمّن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان ابن عباس أن يحج بالناس في هذه السنة
ذكر محمد بن عمر الواقدي أنّ أسامة بن زيد حدثه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما حصر عثمان الحصر الآخر قال عكرمة: فقلت لابن عبّاس: أوكانا حصرين؟ فقال ابن عباس: نعم، الحصر الأوّل، حصر اثنتي عشرة - وقدم المصريون فلقيهم علي بذي خشب؛ فردّهم عنه؛ وقد كان والله علي له صاحب صدق، حتى أوغر نفس علي عليه؛ جعل مروان وسعيد وذووهما يحملونه على علي فيتحمّل؛ ويقولون: لو شاء ما كلّمك أحد؛ وذلك أن عليًّا كان يكلمه وينصحه ويغلظ عليه في المنطق في مروان وذويه، فيقولون لعثمان: هكذا يستقبلك وأنت إمامه وسلفه وابن عمّه وابن عمته؛ فما ظنّك بما غاب عنك منه! فلم يزالوا بعلي حتى أجمع ألّا يقوم دونه؛ فدخلت عليه اليوم الذي خرجت فيه إلى مكة، فذكرت له أنّ عثمان دعاني إلى الخروج فقال لي: ما يريد عثمان أن ينصحه أحدٌ؛ اتّخذ بطانة أهل غشّ ليس منهم أحد إلّا قد تسبّب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذلّ أهلها؛ فقلت له: إنّ له رحمًا وحقًّا؛ فإن رأيت أن تقوم دونه فعلت؛ فإنك لا تعذر إلا بذلك.
قال ابن عباس: فالله يعلم أنّي رأيت فيه الانكسار والرّقة لعثمان؛ ثم إني لأراه يؤتى إليه عظيم. ثم قال عكرمة: وسمعت ابن عباس يقول: قال لي عثمان: يا بن عباس، اذهب إلى خالد بن العاص وهو بمكة، فقل له: يقرأ عليك أمير المؤمنين السلام، ويقول لك: إني محصور منذك كذا وكذا يومًا، لا أشرب إلّا من الأجاج من داري، وقد منعت بئرًا اشتريتها من صلب مالي، رومة؛ فإنما يشربها الناس ولا اشرب منها شيئًا، ولا آكل إلّا مما في بيتي، منعت أن آكل مما في السوق شيئًا وأنا محصور كما ترى؛ فأمره وقل له: فليحجّ بالناس؛ وليس بفاعل؛ فإن أبي فاحجج أنت بالناس.
فقدمت الحجّ في العشر، فجئت خالد بن العاص، فقلت له ما قال لي عثمان، فقال لي: هل طاقة بعداوة من ترى؟ فأبى أن يحجّ وقال: فحجّ أنت بالناس: فأنت ابن عمّ الرجل؛ وهذا الأمر لا يفضي إلّا إليه - يعني عليًّا - وأنت أحقّ أن تحمل له ذلك، فحججت بالناس، ثم قفلت في آخر الشهر، فقدمت المدينة وإذا عثمان قد قتل؛ وإذا الناس يتواثبون على رقبة علي بن أبي طالب. فلما رآني علي ترك الناس، وأقبل علي فانتجاني، فقال: ما ترى فيما وقع؟ فإنه قد وقع أمر عظيم كما ترى لا طاقة لأحد به؛ فقلت: أرى أنه لا بدّ للناس منك اليوم؛ فأرى أنه لا يبايع اليوم أحدٌ إلّا اتّهم بدم هذا الرجل، فأبى إلّا أن يبايع فاتّهم بدمه.
قال محمد: فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: قال لي عثمان رضي الله عنه: إني قد استعملت خالد بن العاص بن هشام على مكة؛ وقد بلغ أهل مكة ما صنع الناس؛ فأنا خائف أن يمنعوه الموقف فيأبى، فيقاتلهم في حرم الله جلّ وعزّ وأمنه. وإن قومًا جاءوا من كلّ فجّعميق، ليشهدوا منافع لهم؛ فرأيت أن أولّيك أمر الموسم. وكتب معه إلى أهل الموسم بكتاب يسألهم أن يأخذوا له بالحقّ ممن حصره. فخرج ابن عباس، فمرّ بعائشة في الصلصل؛ فقالت: يا بن عباس؛ أنشدك الله - فإنك قد أعطيت لسانًا إزعيلا - أن تخذّل عن هذا الرجل، وأن تشكّك فيه الناس؛ فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورفعت لهم المنار، وتحلّبوا من البلدان لأمر قد حمّ؛ وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتّخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر، قال: قلت يا أمّه لو حدث بالرّجل حدث ما فزع الناس إلّا إلى صاحبنا. فقالت: إيهًا عنك! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.
قال ابن أبي سبرة: فأخبرني عبد المجيد بن سهيل؛ أنه انتسخ رسالة عثمان التي كتب بها من عكرمة، فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى المؤمنين والمسلمين؛ سلام عليكم، فإنّي أذكّركم بالله جلّ وعزّ الذي أنعم عليكم وعلّمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، وأراكم البيّنات، وأوسع عليكم من الرزق، ونصركم على العدوّ، وأسبغ عليكم نعمتع؛ فإنّ الله عز وجل يقول وقوله الحق: " وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفَّار ".
وقال عز وجل: " يأيُّها الَّذين آمنوا اتَّقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون واعتصمموا بحبل الله جميعًا " إلى قوله: " لهم عذاب عظيم ". وقال وقوله الحقّ: " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الَّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ". وقال وقوله الحقّ: " يأيُّها الَّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ " إلى قوله: " فضلًا من الله ونعمة والله عليم حكيم ". وقوله عز وجل: " إنَّ الَّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا " إلى " ولهم عذاب أليم ". وقال وقوله الحق: " فاتٌّقوا الله ما استطعم " إلى " فأولئك هم المفلحون ". وقال وقوله الحق ": " ولاتنقضوا الإيمان بعد توكيدها " إلى قوله: " ولنجزينَّ الَّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ". وقال وقوله الحق: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم " إلى " وأحسن تأويلًا ". وقال وقوله الحق: م " وعد الله الَّذين آمنوا منكم وعملوا الصَّالحات " إلى قوله: " ومن مكفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ". وقال وقوله الحق: " إنَّ الَّذين يبايعونك إنَّما يبايعون الله " إلى " فسيؤتيه أجرًا عظيمًا ".
أما بعد، فإنّ الله عز وجل رضي لكم السمع والطاعة والجماعة، وحذّركم المعصية والفرقة والاختلاف، ونبّأكم ما قد فعله الذين من قبلكم، وتقدّم إليكم فيه ليكون له الحجّة عليكم إن عصيتموه، فاقبلوا نصيحة الله عز وجل واحذروا عذابه؛ فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلّا من بعد أن تختلف؛ إلا أن يكون لها رأس يجمعها، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعًا، وسلِّط عليكم عدوّكم، ويستحلّ بعضكم حرم بعض؛ ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين، وتكونوا مشيعًا، وقد قال الله جلّ وعزّ لرسوله : " إنَّ الَّذين فرَّقوا دينهم وكانوا شعيًا لست منهم في شيء إنَّما أمرهم إلى الله ثمَّ ينبِّئهم بما كانوا يفعلون ". وإني أوصيكم بما أوصاكم الله، وأحذّركم عذابه؛ فإن شعيبًا قال لقومه: " ويا قوم لا يجر منَّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح " إلى قوله: " رحيم ودود ".
أما بعد؛ فإنّ أقوامًا ممن كان يقول في هذا الحديث، أظهروا للناس أنَّما يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحقّ، ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها؛ فلما عرض عليهم الحقّ إذا الناس في ذلك شتى؛ منهم آخذ للحقّ، ونازع عنه حين يعطاه؛ ومنهم تارك للحقّ ونازل عنه في الأمر، يريد أن يبتزّه بغير الحقّ؛ طال عليهم عمري، وراث عليهم. أملهم الإمرة؛ فاستعجلوا القدر؛ وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم؛ ولا أعلم أني تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئًا؛ كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود، فقلت: أقيموها على من علمتم تعدّاها في أحد، أقيموها على من ظلمكم من قريب أو بعيد. قالوا: كتاب الله يتلى، فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب. وقالوا: المحروم يرزق، والمال يوفَّى ليستنّ فيه السنّة الحسنة، ولا يعتدي في الخمس ولا في الصدقة، ويؤمَّر ذو القوّة والأمانة، وتردُّ مظالم مالناس إلى أهلها؛ فرضيت بذلك واصطبرت له؛ وجئت نسوة مالنبي محتى كلّمتهنّ، فقلت: ما تأمرنني؟ فقلن: تؤمِّر عمرو بن العاص وعبد الله بن قيس وتدع معاوية؛ فإنما أمّره أمير قبلك؛ فإنه مصلح لأرضه، راض به جنده؛ واردد عمرًا؛ فإنّ جنده راضون به، وامّره فليصلح أرضه؛ فكلّ ذلك فعلت. وإنه اعتدى علي بعد ذلك، وعدي على الحقّ.
كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر؛ استعجلوا القدر، ومنعوا مني الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، وابتزُّوا ما قدروا عليه بالمدينة.
كتبت إليكم كتابي هذا؛ موهم يخيّرونني إحدى ثلاث: إما يقيدونني بكلّ رجل أصبتهه خطأ أو صوابًا، غير متروك منه شيء؛ وإمّا أعتزل الأمر فيؤمِّرون آخر غيري، وإمّا يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرّءون من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة. فقلت لهم: إمّا إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطيء وتصيب؛ فلم يستقد من أحد منهم؛ وقد علمت أنما يريدون نفسي؛ وأمّا أن أتبرأ من الإمارة فأن يكلبوني أحبّ إلي من أن أتبرّأ من عمل الله عز وجل وخلافته. وأما قولكم: يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرءون من طاعتي؛ فلست عليكم بوكيل؛ ولم أكن استكرهتهم من مقبل على السمع والطاعة؛ ولكن أتوها طائعين، يبتغون مرضاة الله عز وجل وإصلاح ذات البين؛ ومن يكن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة وصلاح الأمة وابتغاء مرضات الله عز وجل والسنّة الحسنة التي استنّ بها رسول الله والخليفتان من بعده رضي الله عنهما؛ فإنما يجزي بذلكم الله؛ وليس بدي جزاؤكم؛ ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثم لدينكم، ولم يغن معنكم شيئًا، فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده؛ فمن يرض بالنَّكث منكم فإني لا أرضاه له، ولا يرضي الله سبحانه أن تنكثوا عهده. وأما الذي يخيّرونني فإنما كله النزع والتأمير. فملكت نفسي ومن معي؛ ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه، وكرهت سنَّة السوء وشقاق الأمّة وسفك الدماء؛ فإني أنشدكم بالله والإسلام ألّا تأخذوا إلّا الحق وتعطوه مني وترك البغي على أهله، وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز وجل، فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والموازرة في أمر الله؛ فإنّ الله سبحانه قال وقوله الحق: " وأفووا بالعهد إنَّ العهد كان مسئولًا "، فإنّ هذه معذرة إلى الله ولعلكم تذكّرون.
أما بعد، فإني لا أبرىء نفسي، " إنّ النَّفس لأمَّارة بالسُّوء إلَّا ما رحم ربِّ إنَّ ربِّي غفور رحيم "، وإن عاقبت أقوامًا فما ابتغي بذلك إلّا الخير، وإني أتوب إلى الله عز وجل من كلّ عمل عملته، وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلّا هو، إنّ رحمة ربي وسعت كلّ شيء، إنه لا يقنط من رحمة الله إلّا القوم الضَّالون، وإنه يقبل التَّوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. أنا أسأل الله عز وجل أن يغفر لي ولكم، وأن يؤلّف قلوب هذه الأمة على الخير، ويكرّه إليها الفسق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها المؤمنون والمسلمون.
قال ابن عباس: فقرأت هذا الكتاب عليهم قبل التَّروية بمكة بيوم.
قال: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن معبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: دعاني عثمان، فاستعملني على الحجّ. قال: فخرجت إلى مكة، فأقمت للنّاس الحجّ، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم؛ ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي.
ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه عثمان رضي الله عنه ومن صلي عليه وولى أمره بعد ما قتل إلى فرغ من أمره ودفنه
حدثني جعفر بن عبد الله المحمّدي، قال: حدثنا عمرو بن حمّاد وعلي ابن حسين، قالا: حدثنا حسين بن عيسى، عن أبيه، عن أبي ميمونة، عن أبي بشير العابدي، قال: نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزّي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كلّما عليًّا في دفنه، وطلبًا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل، وأذن لهم علي، فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله؛ وهم يريدون به حائطًا بالمدينة، ياقل له: حشّ كوكب. كانت اليهود تدفن فيه موتاهم؛ فلما خرج به على الناس رجموا سريره، وهمّوا بطرحه، فبلغ ذلك عييًّا، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفّنّ عنه، ففعلوا، فانطلق حتى دفن رضي الله عنه في حشّ كوكب؛ فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع؛ فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتّصل ذلك بماقبرالمسلمين.
وحدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن المجالد بن سعيد الهمداني، عن يسار بن أبي كرب، عن أبيه.
وكان أبو كرب عاملًا على بيت مال عثمان، قال: دفن عثمان رضي الله عنه بين المغرب والعتمة؛ ولم يشهد جنازته إلّا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة، فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه، وأخذ الناس الحجارة وقالوا: نعثل نعثل! وكادت ترجم؛ فقالوا: الحائط الحائط؛ فدفن في حائط خارجًا.
وأما الواقدي فإنه ذكر أنّ سعد بن راشد حدثه عن صالح بن كيسان، أنه قال: لم قتل عثمان رضي الله عنه قال رجل: يدفن بدير سلع مقبرة اليهود، فقال حيكم بن حزام: والله لا يكون هذا أبدًا وأحد من ولد قصي حيُّ؛ حتى كاد الشرّ يلتحم، فقال ابن عديس البلوي: أيّها الشيخ، وما يضرّك أين يدفن! فقال حكيم بن حزام: لا يدفن إلا ببقيع الغرقد حيث دفن سلفه وفرطه؛ فخرج به حكيم بن حزام في أثني عشر رجلًا، وفيهم الزبير، فصلّى عليه حكيم بن حزام. قال الواقدي: الثبت عندنا أنه صلّى عليه جبير بن مطعم.
قال محمد بن عمر: وحدثني الضحّاك بن عثمان، عن مخرمة عن سليمان الوالبي، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة، فلميقدروا على دفنه، وأرسلت نائلة ابنة الفارفصة إلى حويطب بن عبد العزَّي وجبير بن مطعم وأبي جهم بن حذيفة وحكيم بن حزام ونيار الأسلمي، فقالوا: إنّا لا نقدر أن نخرج به نهارًا، وهؤلاء المصريّون على الباب، فأمهلوا محتى كان بين المغرب والعشاء، فدخل القوم، فحيل بينهم وبينه، فقال أبو جهم: والله لا يحول بيني وبينه أحد إلامتّ دونه؛ احملوه، فحمل إلى البقيع؛ قال: وتبعتهم نائلة بسراج الستسرجته بالبقيع وغلام لعثمان، حتى انتهوا إلى نخلات عليها حائط؛ فدقّوا الجدار، ثم قبروه في تلك النَّخلات، وصلّى عليه جبير ابن مطعم، فذهبت نائلة تريد أن تتكلم، فزبرها القوم، وقالو: إنا نخاف عليه من هؤلاء الغوغاء أن ينبشوه، فرجعت نائلة إلى منزلها.
قال محمد: وحدثني معبد الله بن يزيد الهذلي، عن عبد الله بن ساعدة، قال: لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه، ثم حمله أربعة: حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، ونيار بن مكرم، وأبو جهم بن حذيفة؛ فلما وضع ليصلَّي عيه، جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه، فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، وأبو حيّة المازني، في عدّة؛ ومنعوهم أن يدفن بالبقيع؛ فقال أبو جهم: ادفنوه، فقد صلى الله عليه وملائكته، فقالوا لا والله، لا يدفن في مقابر المسلمين أبدًا، فدفنوه في حشّ كوكب. فلما ملكت بنو أميّة أدخلوا ذلك الحشّ في البقيع؛ فهو اليوم مقبرة بني أميّة.
قال محمد: وحدثني عبد الله بن موسى المخزومي، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه أرادوا حزَّ رأسه، فوقعت عليه نائلة وأمّ النين، فمنعنهم، وصحن وضربن الوجوه، وخرقن ثيابهنّ، فقال ابن عديس: اتركوه؛ فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع، وأرادوا أن يصلّوا عليه في موضع الجنائز؛ فأبت الأنصار، وأقبل عمير بن ضابيء وعثمان موضوع على باب، فنزا عليه، فكسر ضلعًا من أضلاعه، وقال: سجنت ضابئًا حتى مات في السجن.
وحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا أبو بكر ابن عبد الله بن أبي أويس، قال: حدثني عمّ جدّي الربيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، قال: كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل: حملناه على باب، وإن رأسهع لتقرع الباب لإسراعنا به؛ وإنّ بنا من الخوف لأمرًا عظيمًا حتى واريناه في قبره في حشّ كوكب.
وأما سيف، فإنه روى فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عنه، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة؛ أنّ عثمان لما قتل أرسلت نائلة إلى عبد الرحمن ابن عديس، فقالت له: إنك أمسّ القوم رحمًا، وأولاهم بأن تقوم بأمري؛ أغرب عنِّي هؤلاء الأموات. قال فشتمها وزجرها؛ حتى إذا كان في جوف الليل خرج مروان حتى أتي دار عثمان، فأتاه زيد بن ثابت وطلحة بن عبيد الله وعلي والحسن وكعب بن مالك وعامّة من ثمَّ من صحابه، فتوا في إلى موضع الجنائز صبيان ونساء؛ فأخرجوا عثمان فصلّى عليه مروان، ثمّ خرجوا به حتى انتهوا إلى البقيع، فدفنوه فيه مما يلي حشّ كوكب؛ حتى إذا أصبحوا أتوا أعبد عثمان الذين قتلوا معه فأخرجوهم فرأوهم فمنعوهم من أن يدفنوا، فأدخلوهم حشّ كوكب؛ فلما أمسوا خرجوا بعبدين منهم فدفنوهما إلى جنب عثمان، ومع كلّ واحد منهما خمسة نفر وامرأة؛ فاطمة أم إبراهيم بن عدي. ثم رجعوا فأتوا كنانة بن بشر، فقالوا: إنك أمسّ القوم بنا رحمًا، فأمر بهاتين الحيفيتين اللتين في الدار أن تخرجا، فكلّمهم في ذلك، فأبوا، فقال: أنا جار لآل عثمان من أهل مصر ومن لفّ لفهم، فأخرجوهما فارموا بهما؛ فجرّا بأرجلهما فرمى بهما على البلاط، فأكلتهما الكلاب؛ وكان لاعبدان اللذان قتلا يوم الدار يقال لهما نجيع وصبيح؛ فكان أسماهما الغالب على الرقيق لفضلهما وبلائهما؛ ولم يحفظ الناس اسم الثالث، ولم يغسل عثمان، وكفِّن في ثيابه ودمائه ولا غسل غلاماه.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي قال: دفن عثمان رضي الله عنه من الليل، وصلّى عليه مروان بن الحكم، وخرجت ابنته تبكي في أثره، ونائلة ابنة الفرافصة، رحمهم الله.
ذكر الخبر عن الوقت الذي قتل فيه عثمان رضي الله عنه
اختلف في ذلك بعد إجماع جميعهم على أنه قتل في ذي الحجّة، فقال بعضهم: قتل لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين من الهجرة، فقال الجمهور منهم: قتل لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.
ذكر الرواية بذلك عن بعض من قال إنه قتل في سنة ست وثلاثين: حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن عثمان بن محمد الأخنسي، قال الحارث: وحدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد، عن أبيه، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يومًا؛ وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
وقال أبو بكر: أخبرنا مصعب بن عبد الله، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر.
وقال آخرون: قتل في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين لثماني عشرة ليلة خلت منه.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)