الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز - خرج منها فلم يولِّ عليها عثمان أحدًا - وعلى الكوفة سعيد بن العاص - أخرج منها فلم يترك يدخلها - وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح - قدم على عثمان، وغلب محمد بنأبي حذيفة عليها. وكان عبد الله بن سعد استخلف على مصر السائب ابن هشام بن عمرو العامري، فأخرجه محمد بن أبي حذيفة - وعلى الشأم معاوية ابن أبي سفيان. وفيما كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الشأم معاوية، وعامل معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى قنَّسرين حبيب بن مسلمة، وعلى الأردنّ أبو الأعور بن سفيان، وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني، وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري. وعلى القضاء أبو الدرداء.
وتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عطيّة، قال: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الكوفة رضي الله عنه وعلى الكوفة، على صلاتها أبو موسى، وعلى خراج السَّواد جابر بن عمرو المزني - وهو صاحب المسنَاة إلى جانب الكوفة - وسماك الأنصاري.
وعلى حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله، وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس، وعلى حلوان عتيبة بن النَّهَاس، وعلى ماه مالك بن حبيب، وعلى همذان النُّسير، وعلى الري سعيد بن قيس، وعلى إصبهان السائب بن الأقرع، وعلى ما سبذان حبيش، وعلى بيت المال عقبة ابن عمرو. وكان على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت.
ذكر بعض خطب عثمان رضي الله عنه

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن محمد، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: خطب عثمان الناس بعدما بويع، فقال:
أمَّا مبعد؛ فإني قد حمِّلت وقد قبلت؛ ألا وإني متّبع ولست بمتبتدع؛ ألا وإنّ لكم علي بعد كتاب الله عز وجل وسنَّة نبيه ثلاثًا: اتّباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم، وسنُّ سنة أهل الخير فيما لم تسنُّوا عن ملإ، والكفّ عنكم إلّا فيما استوجبتم. ألا وإن الدنيا خضرة قد شهّيت إلى الناس، ومال إليها كثير منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها؛ إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تبطرنَّكم الفانية، ولا تشغلنَّكم عن الباقية، فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإنّ الدنيا منقطعة؛ وإنّ المصير إلى الله. اتّقوا الله جلّ وعزّ؛ فإن تقواه جنّة من بأسه، ووسيلة عنده؛ واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا، " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا ".
إلى آخر القصّة.
ذكر الخبر عمن كان يصلي بالناس في مسجد رسول الله حين حصر عثمان

قال محمد بن عمر: حدثني ربيعة بن عثمان: جاء المؤذن، سعد القرظ إلى علي بن أبي طالب في ذلك اليوم، فقال: من يصلّي بالناس؟ فقال علي: ناد خالد بن زيد، فنادى خالد بن زيد، فصلّى بالناس - فإنه لأوّل يوم عرف أن أبا أيُّوب خالد بن زيد - فكان يصلّي بهم أيامًا، ثم صلى علي بعد ذلك بالناس.
قال محمد: وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: جاء المؤذّن إلى عثمان فآذنه بالصّلاة، فقال: لا أنزل أصلّي؛ اذهب إلى من يصلي. فجاء المؤذن إلى علي، فأمر سهل بن حنيف، فصلّى اليوم الذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر؛ وهو ليلة رثى هلال ذي الحجّة، فصلى بهم؛ حتى إذا كان يوم العيد صلى علي العيد، ثم صلى بهم حتى قتل رضي الله عنه.
قال: وحدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لما حصر عثمان صلى بالناس أبو أيُّوب أيامًا، ثم صلى بهم علي الجمعة والعيد، حتى قتل رضي الله عنه.
ذكر ما رثي به من الأشعار

وتقاول الشعراء بعد مقتله فيه؛ فمن مادح وهاج، فمن مادح وهاج، ومن نائح باك، ومن سار فرح؛ فكان ممّن يمدحه حسّان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريّان وتميم بن أبي بن مقبل في آخرين غيرهم. مما مدحه به وبكاه حسان وهجا به قاتله:
أتركتم غزو الدُّروب وراءكم ** وغزوتمونا عند قبر محمَّد!
فلبئس هدى المسلمين هديتم ** ولبئس أمر الفاجر المتعمِّد!
إن تقدموا نجعل قرى سرواتكم ** حول المدينة كلَّ لين مذود
أو تدبروا فلبئس مما سافرتم ** ولمثل أمر أميركم لم يرشد
وكأن أصحاب النبِّي عشيَّة ** بدن تذبَّح عند باب المسجد
أبكى أبا عمرو لحسن بلائه ** أمسى مقيمًا في بقيع الغرقد
وقال أيضًا:
إن تمس دار ابن أروى منه خاوية ** باب صريع وباب محرق خرب
فقد يصادف باغي الخير حاجته ** فيها ويهوى إليها الذِّكر والحسب
يأيُّها الناس أبدوا ذات أنفسكم ** لا يستوي الصدق عند الله والكذب
قوموا بحقِّ مليك الناس تعترفوا ** بغارة عصب من خلفها عصب
فيهم حبيب شهاب الموت يقدمهم ** مستلئمًا قال بدا في وجهه الغضب
وله فيه أشعار كثيرة. وقال كعب بن مالك الأنصاري:
يا للرِّجال للبِّك المخطوف ** ولدمعك المترقرق المنزوف
ويح لأمر قد أتاني رائع ** هدَّ الجبال فانقضت برجوف
قتل الخليفة كان أمرًا مفظعًا ** قامت لذاك بليَّة التخويف
قتل الإمام له النجوم خواضع ** والشمس بازغة له بكسوف
يا لهف نفسي إذ تولَّوا غدوة ** بالنعش فوق عواتق وكتوف!
ولَّوا ودلَّوا في الضَّريح أخاهم ** ماذا أجنَّ ضريحه المسقوف!
من نائل أو سودد وحمالة ** سبقت له في الناس أو معروف
كم من يتيم كان جبر عظمه ** أمسى بمنزله الضَّياع يطوف
مازال يقبلهم ويرأب ظلمهم ** حتى سمعت برنَّة التَّلهيف
أمسى مقيمًا بالبقيع وأصبحوا ** متفرِّقين قد أجمعوا بخفوف
النار موعدهم بقتل إمامهم ** عثمان ظهرا في البلاد عفيف
النار موعدهم بقتل إمامهم ** عثمان ظهرًا في البلاد، عفيف
جمع الحمالة بعد حلم راجح ** والخير فيه مبيَّن معروف
يا كعب لا تنفك تبكي مالكًا ** ما دمت حيًّا في البلاد تطوف
فأبكى أبا عمرو عتيقًا واصلًا ** ولواءهم إذ كان غير سخيف
وليبكه عند الحفاظ لمعظم ** والخيل بين مقانب وصفوف
قتلوك يا عثمان غير مدنَّس ** قتلًا لعمرك واقفًا بسقيف
وقال حسَّان:
من سرَّه الموت صرفًا لا مزاج له ** فليأت مأسدة في دار عثمانا
مستشعري حلق الماذي قد شفعت ** قبل المخاطيم بيض زان أبدانا
صبرًا فدىً لكم أمي وما ولدت ** قد ينفع الصَّبر في المكروه أحيانًا
فقد رضينا أهل الشأم نافرة ** وبالأمير وبالإخوان إخوانا
إنِّي لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا ** ما دمت حيًّا وما مّيت حسَّانا
لتسمعنَّ وشيكًا في ديارهم ** الله أكبر يا ثارات عثمانا
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ** ما كان شأن علي وابن عفانا!
وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحرّض عمارة بن عقبة:
ألا إنَّ خير الناس بعد ثلاثة ** قتيل التُّجيبي الذي جاء من مصر
فإن يك ظنِّي بابن أمِّي صادقًا ** عمارة لا يطلب بذحل ولا وتر
يبيت وأوتار ابن عفان عنده ** مخيمة بين الخورنق والقصر