أموالكم لِعِلْمِنا بحالنا وحالكم ويكون أبْغضَها إلينا وأحبَّها إليكم أنْ نُعْفِيكم. فقال ابنُ عباس: لو وَلينا أحْسنّا المُواساة وما ابتُلينا بالأَثرة ثمِ لم نَغشم الحيّ ولم نَشْتُم الميت ولستُم بأجود منّا أكُفّا ولا أكرَمَ أَنْفُسا ولا أصْون لأعراض المروءة ونحن والله أعطَى الآخرًة منكم للدُنيا وأعطَى في الحق منكم في الباطل وأعْطَى على التقوى منكم على الهوى والقَسْمُ بالسوية والعَدْلُ في الرعية يأتيان على المُنى والأمل. ما رِضَاكم مِنَّا بالكَفَاف! فلو رَضيتم به منَّا لم تَرْض أنفسنا به لكم والكَفَاف رِضَا مَن لا حقَّ له فلا تُبَخِّلونا حتى تَسْألونا ولا تَلْفِظونا حتى تَذُوقونا. أبو عثمان الحِزَاميّ قال: اجتمعت بنو هاشم عند مُعاوية فأقبل عليهم فقال: يا بني هاشم واللهّ إنّ خَيْري لكم لمَمنْوح وإنّ بابي لكم لمفتوح فلا يَقْطع خَيْري عنكمٍ عِلّةٌ ولا يُوصِد بابي دونكم مَسألة ولما نظرتُ في أمري وأمركم رأيتُ أمراً مُختلفا إنكم لَتَرَون أنكم أحقُّ بما في يدي منّي وإذا أعطيتُم عطيَّة فيها قضاءُ حقّكم قًلتم: أَعطانا دون حَقّنا وقَصرَّ بنا عن قَدْرنا فصِرْتُ كالمَسْلوب المَسْلوب لا حَمْدَ له وهذا مع إنصاف قائلكم وإسعاف سائلكم. قال: فأقبل عليه ابنُ عبَّاس فقال: واللهّ ما مَنَحْتنا شيئاً حتى سألناه ولا فَتحت لنا باباً حتى قَرَعْناه ولئن قطعتَ عنَّا خيرَكَ لله أوسع منك ولئن أَغلقت دوننا لنكُفّن أنسفَنا عنك. وأما هدا المالُ فليس لك منه إلا ما لِرَجُل من المًسلمين ولنا في كتاب الله حَقّان: حَق في الغنيمة وحقٌّ في الفَيء فالغنيمَةُ ما غَلبنا عليها والفَيء ما اجتنيناه. ولولا حقُنا في هذا المال لم يَاتك منَّا زائر يَحمله خُفّ ولا حافر أكفَاك أم أَزِيدك قال: كَفاني فإنك لا تُهَرّ ولا تنبح. وقال يوماً مُعاوية وعنده ابنُ عبّاس: إذا جاءت هاشمٌ بقَدِيمها وحَدِيثها وجاءت بنو أميَّة بأَحْلامها وسِياستها وبنو أسد بن عبد العُزّي بِرِفادتها ودِيَاتها وبنو عبد الدّار بحجابها ولوائها وبنو مَخزوم بأموالها وأَفعالها وبنو تَيْم بصدِّيقها وجَوادها وبنو عديّ بفاروقها ومُتفكرها وبنو سَهْم بأرائها ودَهائها وبنو جُمح بشَرفها وأنفتها وبنو عامر بن لؤيّ بفارسها وقَريعها فمن ذا يُجلي في مِضْمارها ويَجْري إلى غايتها ما تقول يا بنَ عبَّاس قال: أقول: ليس حَيٌّ يَفْخرون بأمرِ إلا وإلى جَنْبهم مَنْ يَشْركهم إلا قُريشاً فإنهم يَفْخرون بالنبوة التيِ لا يُشارَكون فيها ولا يُساوَوْن بها ولا يُدْفعون عنها وأشْهد أن الله لم يجعل محمداَ من قُريش إلا وقُرِيشٌ خَيْرُ البرية ولم يَجْعله في بني عبد المُطلب إلا وهم خَيْر بني هاشم ما نُريد أن نفخر عليكم إلا بما تَفْخرون به إن بنا فُتِح الأمر وبنا يُخْتم ولك مُلْك مُعجَّل ولنا مُؤجّل فإِن يكن ملْكُكم قبل مُلكنا فليس بعد مُلْكنا مُلْك لأنّا أهلُ العاقبة والعاقبةُ للمتقين أبو مِخْنف قال: حَجّ عمرو بنُ العاص فَمَرّ بعبد اللهّ بن عباس فَحَسَده مكانه وما رأى من هَيْبة النَّاس له ومَوْقِعَه من قُلوبهم فقال له: يا بن عبّاس مالك إذا رَأيتني وليَّتني القَصَرة وكانّ بين عينيك دَبْرة وإذا كنتَ في مَلأ من الناس كُنْتَ الهَوْهاة الهُمزَة! فقال ابنُ عبّاس: لأنك من اللئام الفجرة ولقريش الكرامٍ البَررة لا يَنْطِقون بِباطل جَهِلوه ولا يَكْتًمون حقّاً عَلِموه وهم أعظمُ الناس أحْلاما وأرفع الناس أَعْلاما. دخلتَ في قُريش ولستَ منها فأنت الساقطُ بين فِراشين لا في بني هاشم رَحْلُك ولا في بني عَبد شمس راحلتُك فأنت الأثيم الزنيم الضَّالّ المُضِلّ حَمَلَك مُعاوية على رِقاب الناس فأنت تَسْطو بحِلْمه وتَسْمو بكَرَمه. فقال عمرو: أما والله إني لَمَسْرور بك فهل يَنفعني عندك قال ابنُ عباس: حيث مال الحقُّ مِلْنا وحيثُ سَلَكَ قصَدْنا. المدائني قال: قام عمرو بن العاص في مَوْسم من مَواسم العرب فأطْرى مُعاوية بنَ أبي سفيان وبني أُمية وتناول بني هاشم وذكر مَشاهده بصِفِّين واجتمعت قُريش فأقبل عبدُ الله بن عبَّاس
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
على عَمْروِ فقال: يا عمرو إنك بِعْت دِينَك من مُعاوية وأعطيتَه ما بيَدك ومَنَّاك ما بيد غيْرك وكان الذي أخذ منك أكثرَ من الذي أعطاك والذي أخذتَ منه دون الذي أعطيتَه حتى لو كانت نفسُك في يدك ألقيتَها وكُلًّ راضٍ بما أخذ وأعطى فلما صارت مصرُ في يدك كَدَّرها عليك بالعَذْل والتنقُّص وذكرتَ مشاهدَك بصِفِّين فوالله ما ثَقُلتْ علينا يومئذ وَطْأَتك ولقد كًشِفت فيها عَوْرتُك وإنْ كنتَ فيها لطويلَ اللِّسان قصيرَ السِّنان آخرً الخَيْل إذا أقبلتْ وأولها إذا أدبرت لك يَدان: يَدٌ لا تَبْسُطها إلى خَير وأخري لا تَقبضها عن شَرّ ولسانٌ غادر ذو وَجْهين وجهان وَجْهٌ مُوحش وَوَجْه مُؤْنس ولعمري إنّ من باع دينَه بدُنْيا غيره لحريّ أن يطول عليها نَدمُه. لك بيانُ وفيك خطَل ولك رَأي وفيك نَكَد ولك قدر وفيك حَسد وأصغر عَيْب فيك أعظم عَيْب في غَيْرك. فأجابه عمرو بن العاص: والله ما في قُريش أثقلُ عليّ مسئلةً ولا أمرُّ جواباً منك ولو استطعتُ ألا أجيبك لفعلتُ غيرَ أني لم أَبع دِيني من مُعاوية ولكن بِعْتُ الله نفْسي ولم أنس نَصِيبي من الدُّنيا وأما ما أخذتُ من مُعاوية وأَعطيتُه فإنه لا تُعلَّم العَوان الخِمْرة وأمّا ما أتى إليّ معاويةُ في مِصْر فإنّ ذلك لم يُغيِّرني له وأمًا خِفّة وَطْأتي عليكم بصفِّين فلِم اسْتَثْقلتم حَياتي واستبطأتم وَفاتي وأما الجُبن فقد علمتْ قريش أنّي أولُ من يُبارز وأمرّ من يُنازل وأما طُول لساني فإني كما قال هِشام بن الوليد لعُثمان بن عفّان رضي الله عنه: لسانِي طويلٌ فاحْتَرس من شَذاته عليك وَسَيْفي مِن لسانيَ أَطْولُ وأما وَجْهاي ولسَاناي فإن ألْقى كلَّ ذِي قَدْر بِقَدْره وأرمي كَلّ نابح بحَجَره فمن عَرف قَدْرَه كَفاني نَفسه ومَن جَهِل قَدْرَه كَفيتُه نَفْسي. ولَعَمْري ما لأحدٍ من قُريش مثلُ قَدْرك ما خلا معاويةَ فما يَنفعني ذلك عندك وأَنشأ عمرو يقول: بَني هاشم مالِي أراكم كأنَّكم بِيَ اليومَ جُهّالٌ وليس بكم جَهْلُ ألم تَعلموا أنّي جَسورٌ على الوغَى سريع إلى الداعي إذا كثُر القَتْل وأوّل مَن يَدْعو نَزال طَبِيعةِّ جُبِلْتُ عليها والطباع هو الجَبْل وأني فَصَلتُ الأَمرَ بعد اشتباهه بدُومةَ إذ أعيا على الحَكَم الفَصْل وأنيِّ لا أَعْيا بأمْرٍ أريدُه وأنّي إذا عَجَّت بِكَارُكم فَحْل محمد بن سَعيد عن إبراهيم بن حُوَيْطب قال: قال عمرُو بن العاص لعبد الله ابن عبّاس بعد قَتْل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّ هذا الأمرَ الذي نَحن فيه وأنتم ليس بأوّل أمر قادَه البَلاءُ وقد بَلَغ الأمرُ بنا وبكم إلى ما تَرى وما أبْقت لنا هذه الحربُ حَياءً ولا صَبْراً ولسنا نقول!: ليتَ الحربَ عادتْ لكنّا نقول: ليتَها لم تَكُن كانت فانظُر فيما بَقِي بغير ما مَضى فإنك رأسُ هذا الأمر بعد عليّ فإنّك أميرٌ مًطاع ومأمور مطيع ومشاور مأمون وأنت هو. مجاوبة بني هاشم وبني عبد شمس لابن الزبير الشَّعبيّ قال: قال ابنُ الزّبير لعبد الله بن عبّاس: قاتلتَ أمّ المُؤمنين وحَواريَّ رسول الله وأَفتيتَ بزواج المُتعة. فقال: أمّا أُمّ المُؤمنين فأنت أخرجتَها وأبوك وخالًك وبنا سُمِّيت أُمَّ المؤمنين وكُنّاها خَيرَ بَنين فتجاوز الله عنها. وقاتلتَ أنت وأبوك عليًّا فإن كان عليّ مُؤْمناً فقد ضَلَلْتم بقتالكم المُؤمنين هان كان عليّ كافراً فقد بؤْتم بسُخْط مِن الله بفِراركم من الزَّحف وأما المُتعة فإنّ عليّا رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهّ رَخَّص فيها فأفتيتُ بها ثم سمعتُه يَنهي عنها فنهيتُ عنها وأولُ مجْمر سَطَع في المُتعة مِجْمر آل الزُّبير. دخل الحسنُ بن عليّ على مُعاوية وعنده ابنُ الزُّبير وأبو سَعيد بن عَقيل ابن أبي طالب فلما جَلس الحسنُ قال مُعاوية: يا أبا محمد أيهما كانَ أكبرَ: عليّ أم الزبير قال: ما أَقربَ ما بينهما! عليّ كَان أسنَّ من الزُّبير رحم الله عليًّا. فقال ابن الزبير: ورحم اللهّ الزبير. فتَبسّم الحسن. فقال أبو سَعيد بن عَقِيلِ بن أبي طالب: دَعْ عنك عليّا
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
والزُّبير إنّ عليّا دعا إلى أمر فاتّبع وكان فيه رأساَ ودعا الزبير إلى أمر كان فيه الرأسُ امرأةً فلما تراءت الفِئتان والتقى الجمعان نَكَص الزُبير على عَقِيبه وأدبر مُنهزماً قبل أن يَظهر الحقُّ فيأخذَه أو يَدْحض الباطلُ فيتركه فأدركه رجل لو قِيس ببعض أعضائه لكان أصغر فضرب عنقه وأخذ سَلَبه وجاء برأسه ومَضى علي قُدُما كعادته من ابن عمّه ونبيه فَرَحم الله علياً ولا رَحم الزُّبير. فقال ابنُ الزُّبير: أما والله لو أنّ غيرك تكلَم بهذا يا أبا سَعيد لَعَلِم قال: إن الذي تُعرّض به يَرْغب عنك. وأخبرت عائشةُ بمقالتهما فمرّ أبو سعيد بفنائها فنادتْه: يا أَحول يا خَبيث! أنت القائل لابن أختي كذا وكذا فالتفت أبو سَعيد فلم يَعر شيئاً فقال: إن الشيطان ليَرَاك من حيث لا تراه. فَضَحِكت عائشةُ وقالت: لله أبوك! ما أخبث لسانك! الشَّعبي قال: دخل الحُسين بن عليّ يوماً على مُعاوية ومعه مَوْلى له يقال له ذَكْوان وعند مُعاوية جماعةٌ من قُريش فيهم ابنُ الزُّبير فَرَحّب مُعاوية بالحُسين وأجلسه على سَريره وقال: ترى هذا القاعدَ - يعني ابنَ الزُّبير - فإنه ليدْركه الحسدُ لبني عبد مناف. فقال ابنُ الزُّبير لمعاوية: قد عَرفنا فضلَ الحسين وقَرابته من رسول الله لكنْ إن شِئتَ أن أعْلمك فضلَ الزُّبير على أبيك أبي سُفيان فَعلتُ. فتكلّم ذكوانُ مولى الحُسين ابن عليّ فقال: يا بن الزًّبير إنّ مولاي ما يمنعه من الكلام أن لا يكون طَلْق اللِّسان رابطَ الجَنان فإن نَطق نَطق بعِلْم وإن صَمَت صَمَت بحِلْم غيرَ أنه كَفَّ الكلام وسَبق إلى السِّنان فأقرَّت بفَضْله الكرام وأنا الذي أ قول: إنّ الذي يجْرِي لِيُدْرِك شَأْوَه يُنمَى بغير مُسوَّد ومُسدَّد بل كيف يُدْرَك نُورُ بدر ساطع خيرِ الأنام وفَرْع آل محمد فقال مُعاوية: صَدَق قولُك يا ذَكْوان أكْثر الله في موالي الكِرام مِثْلَك. فقال ابنُ الزُّبير: إنّ أبا عبد اللهّ سَكَت وتكلّم مولاه ولو تكلّم لأجَبْناه أو لكَفَفْنا عن جوابه إجلالاً له ولا جوابَ لهذا العبد. قال ذَكْوان: هذا العبدُ خيرٌ. منك قال رسولُ الله " مولَى القوم منهم ". فأنا مولَى رسول الله وأنت ابنُ الزبير بن العوام بن خُويلد فنحن أكرمُ ولاءً وأحسن فِعْلا. قال ابنُ الزًّبير: إني لستُ أجيب هذا فهاتِ ما عندك يا معاوية. فقال مُعاوية: قاتلك الله يا بنَ الزًّبير! ما أعياك وأبغاك! أتفخر بين يدي أَمير المُؤمنين وأبي عبد الله! إنّك أنت المُتعدّي لِطَوْرك الذي لا تَعرف قَدْرَك فَقِسْ شِبْرك بفِتْرك ثم تعرّف كيف تَقع بين عَرانِين بني عَبْد مَناف. أما والله لئن دُفِعْتَ في بُحور بني هاشم وبني عبد شمس لقطعَتْك باع مواجها ثم لترمين بك في لُججها. فما بقاؤك في البحور إذا غَمرتك وفي الأمواج إذا بَهَزَتْك هنالك تعرف نفسَك وتَنْدم على ما كان من جُرأتك وتَمنّى ما أصبحتَ فيه من أمان وقد حِيل بين العَيْر والنَّزَوان. فأطرق ابن الزُّبير مليًّا! ثم رَفع رأسَه فالتفت إلى مَن حوله ثم قال: أسألكم بالله أَتعلمون أنَّ أبي حواريُّ رسول الله وأن أباه أبا سُفيان حاربَ رسولَ الله وأن أمّي أَسماءُ بنت أبي بَكْر الصدَيق وأمه هِنْد الأَكباد وجَدّي الصّدّيق وجدَه المَشْدوخ ببدر ورَأسُ الكُفر وعَمَّتي خديجة ذات الخَطر والحَسب وعَمَّته أمّ جَميل حمالةُ الحَطَب وجدَّتِي صفيّة وجدَّته حَمامة وزَوْجَ عمتيِ خيرُ ولد آدم محمدٌ وزوج عَمّته شرُّ ولد آدم أبو لهب سَيصلى نارًا ذات لهب وخالتي عائشة أمّ المؤمنين. وخالَتَه أشقَى الأشقين وأنا عبدُ اللهّ وهو مُعاوية. قال له مُعاوية: ويحك يا بن الزُّبير! كيف تَصف نفسك بما وصفتَها والله مالَك في القَديم مِن رِياسة ولا في الحَديث من سياسة ولقد قُدْناك وسُدْناك قَديماً وحَديثاً لا تَستطيع لذلك إنكاراً ولا عنه فِراراً وإنّ هؤلاء الخُصوم ليعلمون أن قريشاً قد اجتمعت يوم الفِجار على رياسة حَرْب بن أًمية وأن أباك وأسرتك تحت رايته رَاضُون بإمارته غير مُنْكرين لِفَضْله ولا طامعين في عَزله إنْ أمَر أطاعوا وإنْ قال أنصتوا فلم تَزل فينا القيادةُ وعِزُّ الولاية حتى بَعث اللهّ عز وجلّ محمداً فأنتخبه من خير خلقه من أسرتي لا من أسرتك وبَني أبي لابني أبيك فجحدته قريش أشدَ الجُحود وأنكرته أشدَ الإنكار وجاهدتْه أشدَّ الجهاد إلّاَ مَن عَصم اللهّ من قُريش فما ساد قريشاَ وقادهم إلا أبو سفيان ابن حرب فكانت الفِئتان تَلتقي ورَئيس الهُدى منّا ورئَيس الضّلالة منّا فمَهديّكم تحت راية مَهديّنا وضالكم تحت راية ضالّنا فنحنُ الأربابُ وأنتم الأذناب حتى خلّص اللهّ أبا سفيان بن حَرب بفَضْله من عَظيم شركه وعَصمه بالإسلام من عبادة الأصنام فكان في الجاهليّة عظيماً شأنُه وفي الإسلام مَعروفا مكانُه ولقد أعْطِي يومَ الفَتح ما لم يُعْطَ أحدٌ من آبائك وإنّ مُنادِيَ رسول الله نادَى: مَن دخل المَسجد فهو آمِن ومن دخل دارَ أبي سُفيان فهو أمن وكانت دارُه حَرَمًا لا دارُك ولا دارُ أبيك وأما هِنْد فكانت امرأة من قريش في الجاهليّة عظيمة الخطرِ وفي الإسلام كريمة الخَبر وأما جَدُك الصدِّيق فَبِتَصديق عبد مناف سُمِّي صِدِّيقاَ لا بتَصْديق عبد العُزّي وأما ما ذَكرتَ من جدِّي المَشْدوخ ببدر فَلَعمري لقد دعا إلى البِراز هو وأخوه وابنُه فلو بَرزتَ إليه أنتَ وأبوك ما بارزوكم ولا رأوْكم لهم أكفاء كما قد طَلب ذلك غيركم فلم يَقْبلوهم حتى برز إليهم أكفاؤُهم من بني أبيهم فَقَضىَ الله مَناياهِم بأيديهم فنحن قَتلنا ونحن قُتلنا وما أنت وذاك وأما عَمِّتك أم المُؤمنين فبنا شرُفت وسُمِّيت أمَّ المؤمنين وخالتُك عائشة مِثْلُ ذلك وأما صَفِيّة فهي أدْنتك من الظلّ ولولاها لكُنتَ ضاحِياً وأمّا ما ذكرت من عمّك وخال أبيك سيّد الشُّهداء فكذلك كانوا رَحمهم الله وفخرُهم وإرثًهم لي دونك ولا فَخَر لك فيهم ولا إرثَ بينك وبينهم وأما قولُك أنا عبدُ الله وهو مُعاوية فقد علمتْ قُريش أينا أجودُ في الإزَم وأمضى في القُدُم وأمنع للحُرم لا والله ما أراك مُنْتهياً حتى تَرُوم من بني عبد مناف ما رَام أبوك فقد طالبهم بالذُّحول وقَدْم إليهم الخُيول وخَدَعتم أم المؤمنين ولم تراقبوا رسول الله إذ مَددْتم على نساءكم السُّجوف وأبرزتم زَوْجته للحُتوف ومُقارعة السُيوف فلما التقى الجمعان نكص أبوك هارباً فلم يُنْجه ذلك أن طَحَنه أبو الحُسَين بكَلْكَله طَحْن الحَصِيد بأيدي العبيد وأما أنت فأفلتَّ بعد أن خَمَشتْك بَراثنُه ونالتك مخالبّه. وايم اللهّ ليقومنك بنو عبد مَناف بثقافها أو لتصيحنّ منها صِيَاح أبيك بوادي السّباع وما كان أبوك المرهوبَ جانبُه ولكنه كما قال الشاعر: أكيلة سِرْحانٍ فَرِيسة ضَيْغم فَقَضقَضه بالكَفّ منه وحَطّمَا نازع مَرْوانُ بن الحَكَم يوماً ابنٍ الزُّبير عند معاوية فكان معاوية مع مروان فقال ابن الزبير: يا معاوية: إنّ لك حقا وطاعة وإنّ لك صِلَة وحُرْمة فأطِعْ الله نُطِعْك فإنّه لا طاعة لك علينا إنْ لم تُطِع اللهّ ولا تُطْرِق إطْراق الأفْعوان في أصول السَّخْبر. وقال مًعاويةُ يوماً وعنده ابنُ الزُّبير وذُكر له مروان فقال: إنْ يَطْلب هذا الأمرَ فقد يَطمع فيه مَن هو دُونه وانْ يتركه يتركه لمن هو فَوقه وما أراكم بمنتَهين حتى يَبْعَثَ اللهّ عليكم من لا تَعْطِفه قَرابة ولا تردّه مَودة يَسُومكم خَسْفا ويُوردكم تلفا. قال ابنُ الزبير: إذاً والله نُطلق عِقال الحَرْب بكتائب تمور كرِجْل الجَراد حافاتها الأسَل لها دوي كدويّ الرِّيح تَتْبع طرِيفا من قُريش لم تكن أمّه براعية ثَلَّة قال مُعاوية: أنا ابنً هِنْد أطلقتُ عِقَال الحرب وأكلت ذِرْوة السنام وشربتُ عُنفوان المَكْرع وليس للآكل بعدي إلا الفِلْذة ولا للشارب إلا الرنْق. مجاوبة الحسن بن علي لمعاوية وأصحابه وفد الحسنُ بن عليّ على مُعاوية فقال عمرو لمعاوية: يا أميرَ المؤمنين: إنّ الحسن لفَهٌّ فلو حَمَلْتَه على المِنْبر فتكلَّم وسَمِع الناسُ كلامَه عابُوه وسَقط منِ عُيونهم فَفَعل. فَصَعِد المِنبر وتكلَّم وأحسن ثم قال: أيها الناس لو طَلَبتم ابناً لنبيِّكم ما بين لابَتَيْها لم تجدوه غَيْري وغير أخي وإنْ أدْرِي لعلّه فِتنة لكم ومَتاع إلى حين. فساء ذلك عَمْراً وأراد أن يَقْطع كلامَه فقال له: أبا محمد أتَصِف الرُّطب فقال: أجل تُلحقه الشَّمال وتُخرجه الجَنوب. وتُنْضجه الشَّمس ويَصْبغه القَمر.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
قال: أبا محمد هل تَنْعت الخِراءة قال: نعم تُبعد المَشي في الأرض الصَّحْصح حتى تتَوارى من القَوم ولا تَسْتقبل القِبْلة ولا تَستدبرها ولا تَسْتنج بِالقُمامة والرِّمّة - يريد الرّوْث والعَظْم - ولا تَبُلْ في الماء الرّاكد. بينما مُعاوية بن أبي سُفيان جالسٌ في أصحابه إذ قيل له: الحسنُ بالباب فقال معاوية: إنْ دخل أَفْسد علينا ما نحن فيه فقال له مروان بن الحَكَم: ائذن لي فإني أسأله ما ليس عنده فيه جَواب قال مُعاوية: لا تَفعل فإنهم قَوْم قد. ألْهِموا الكلامَ وأذن له. فلما دَخل وجَلس قال له مَرْوان: أَسرْع الشيبُ إلى شاربك يا حسن ويُقال إن ذلك من الخُرْق فقال الحسن: ليس كما بلغك ولكنَّا - معشر بني هاشمٍ - أفواهُنا عَذْبةٌ شِفَاهُها فنساؤنا يُقْبِلن علينا بأنفاسهنّ وقًبَلِهِن وأنتم معشرَ بني أمية فيكم بَخَر شديد فنساؤكم يَصرفن أفواههنّ وأنفاسهن عنكم إلى أصْداغكم فإنما يَشِيب منكم موضعُ العِذَار من أجل ذلك. قال مَروان: إن فيكم يا بني هاشم خَصْلَةَ سَوء قال: وما هي قال: الغُلْمة قال: أجل نُزعت الغُلْمة مِن نسائنا ووُضعت في رجالنا ونُزِعت الغُلْمة من رجالكم ووُضعت في نِسَائكم فما قام لأموية إلاّ هاشميّ. فَغضِب مُعاوية وقال: قد كنتُ أَخبرتكم فأبيتم حتى سَمِعتم ما أَظلم عليكم بَيْتَكم وأفسد عليكم مَجْلِسكم. فَخَرج الحسنُ وهو يقول: ومارستُ هذا الدَهرَ خمسين حِجَّةً وحَمْساً أزَجِّي قائلا بعد قائل فلا أنا في الدُّنيا بلغتُ جَسِيمها ولا في الذي أهْوَى كدحتُ بطائل وقد شَرَعت دوني المَنايا أكُفَّها وأيقنتُ أنّي رَهْنَ مَوْتٍ مُعاجل قال الحسن بن عليّ لحبيب بن مَسْلمة الفِهْري: ربّ مَسير لك في غَير طاعة الله قال: أمّا مَسيري إلى أبيك فلا قال: بلى ولكنّك أطعتَ مُعاوية عن دُنيا قليلة فلئن كان قام بك في دُنياك لقد قَعد بك في آخرًتك ولو كنتَ إذ فعلتَ شرّاً قُلتَ خيراً كنتَ كما قال الله عزّ وجل: خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخرً سَيِّئاً ولكنّك كما قال الله: " بَلْ رانَ على قلُوبهم ما كانوا يَكْسِبُون ". قَدِم عبدُ الله بن جعفر على عبد الملك بن مَروان فقال له يحيى بنُ الحَكَم: ما فعلت خَبِيثة فقال: سُبحان الله! ُ يسمِّيها رسولُ الله طَيْبة وتُسمِّيها خُبيثة! لقد اختلفتما في الدُّنيا وستَخْتلفان في الآخرًة قال يحيى: لأن أموت بالشام أحبُّ إليّ مِن أن أموت بها قال: اخترت جِوار النَصارَى على جِوِار رسول الله قال يحيى: ما تَقول في عليّ وعُثمان قال: أقول ما قاله مَن هو خيْرٌ منّي فيمن هو شَرٌّ منهما: إنّ تُعذَبهم فإنّهم عِبادُك وإنْ تَغْفِرْ لهم فإِنّك أنْتَ العزيزُ الحَكِيم. مجاوبة بين معاوية وأصحابه قال مُعاوية يوماً وعنده الضَّحاك بن قَيس وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص: ما أعجبُ الأشياء قال الضحّاك بن قَيس: إكْداء العاقل وإجْداء الجاهل. وقالت سعيدُ بن العاص: أعجبُ الأشياء ما لم يُرَ مثلهُ. وقالت عمرو بن العاص: أعجب الأشياء غَلبة مَن لا حقَّ له ذا الحقِّ على حقِّه. فقال معاوية: أعجب مِن هذا أن تعْطِي مَن لاحقَّ له ما ليس له بحق من غير غَلبة. حضر قوم من قُريش مجلسَ مُعاويةَ فيهم عمرو بن العاص وعبدُ الله بن صفْوان ابن أمية وعبدُ الرحمن بن الحارث بن هشام. فقال عمرو: أحمد الله يا مَعْشرَ قُريش إذ جعل أمرَكم إلى من يُغْضي على القَذَى ويتصامُ عن العَوْراء ويجرّ ذيلَه على الخَدائع. قال عبدُ الله: لو لم يكن كذلك لَمَشينا إليه الضَرَاء ودَببنا إليه الخَمر وَرَجونا أن يقوم بأمرنا من لا يُطْعمك مالَ مصر. قال معاوية: يا معشرِ قريش حتى متى لا تُنْصفون من أنفسكم قال عبدُ الرحمن بن الحارث: إن عمراَ أفسدك علينا وأَفسدنا عليك ولو أغضبتك هذه. قال: إن عمراً لي ناصح قال عبدُ الرحمن: فأطْعمنا مثلَ ما أطعمته وخُذْنا بمثل نَصِيحته إنا رأيناك يا مُعاوية تَضْرب عوامَّ قُريش بأياديك في خَواصها كأنّك ترى أن بكرامها قُوّتك دون لئامها وإنك واللهّ لتُفْرغ في إناء فَعْم من إناء ضخم وكأَنك بالحرب قد حَلَّ عِقالَها عليك مَن لا ينْظُرك قال مُعاوية: يا بن أخي ما أحوج أهلَك إليك فلا تَفْجعهم بنفسك ثم أنشد: أغَرّ رجالاً من قُريش تَتايَعوا على سَفه منّي الحَيا والتَّكرُّمُ وقال مُعاوية لابن الزًّبير: تُنازعني هذا الأمرَ كأَنك أحقُّ به منّي! قال: لمَ لا أكون أحقَّ به منك يا مُعاوية وقد اتبع أبي رسول اللهّ على الإيمان واتبع الَناسً أباك على الكُفر قال له مُعاوية: غَلِطت يا بن الزُّبير بعث الله ابنَ عمّي نبيّا فدعا أباك فأجابه فما أنت إلا تابع لي ضالًّا كنتُ أو مَهديًّا. العُتبيّ قال: دعا مُعاويةُ مَروان بن الحكم فقال له: أشِر عليّ في الحُسين قال: تخرجه معك إلى الشام فَتَقطعه عن أهل العراق وتَقْطعهم
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)