قال زياد بن عبد الله، عن عوانة؛ وذكر نحو حديث المسروقي، عن عثمان بن عبد الرحمن هذا، وزاد فيه: وكتب الحسن إلى معاوية في الصلح، وطلب الأمان، وقال الحسن للحسين ولعبد الله بن جعفر: إني قد كتبت إلى معاوية في الصلح وطلب الأمان؛ فقال له الحسين: نشدتك الله أن تصدق أحدوثة معاوية، وتكذب أحوثة علي! فقال له الحسن: اسكت، فأنا أعلم بالأمر منك. فلما انتهى كتاب الحسن بن علي رضي الله عنه إلى معاوية، أرسل معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما المدائن، وأعطيا الحسن ما أراد، فكتب الحسن إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثني عشر ألفًا يأمره بالدخول في طاعة معاوية، فقام قيس بن سعد في الناس فقال: يأيها الناس، اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة، أو القتال مع غير إمام؛ قالوا: لا، بل نختار أن ندخل في طاعة إمام ضلالة. فبايعوا لمعاوية، وانصرف عنهم قيس بن سعد، وقد كان صالح الحسن معاوية على أن جعل له ما في بيت ماله وخراج دارابجرد عل ألا يشتم عليٌّ وهو يسمع. فأخذ ما في بيت ماله بالكوفة، وكان فيه خمسة آلاف ألف.
وحج بالناس في هذه السنة المغيرة بن شعبة. حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا إسماعيل بن راشد قال: لما حضر الموسم - يعني في العام الذي قتل فيه علي رضي الله عنه - كتب المغيرة بن شعبة كتابًا افتعله على لسان معاوية، فأقام للناس الحج سنة أربعين، ويقال: إنه عرف يوم التروية، ونحر يوم عرفة، خوفًا أن يفطن بمكانه. وقد قيل: إنه إنما فعل ذلك المغيرة لأنه بلغه أن عتبة بن أبي سفيان مصبحه واليًا على الموسم، فعجل الحج من أجل ذلك.
وفي هذه السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء؛ حدثني بذلك موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا إسماعيل ابن راشد - وكان قبل يدعى بالشأم أميرًا - وحدثت عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: كان علي رضي الله عنه يدعى بالعراق أمير المؤمنين، وكان معاوية يدعى بالشأم: الأمير، فلما قتل علي رضي الله عنه دعي معاوية: أمير المؤمنين.
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمما كان فيها من ذلك تسليم الحسن بن علي رضي الله عنه الأمر إلى معاوية ودخول معاوية الكوفة، وبيعة أهل الكوفة معاوية بالخلافة.
ذكر الخبر بذلك
حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة، فطفق يشترط عليهم الحسن: إنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت، فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط، وقالوا: ما هذا لكم بصاحب، وما يريد هذا القتال؛ فلم يلبث الحسن رضي الله عنه بعد ما بايعوه إلا قليلًا حتى طعن طعنةً أشوته، فازداد لهم بغضًا، وازداد منهم ذعرًا، فكاتب معاوية، وأرسل إليه بشروط، قال: إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع، وعليك أن تفي لي به. وقعت صحيفة الحسن في يد معاوية، وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاوية صحيفة الحسن رضي الله عنه التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاوية والحسن رضي الله عنه، سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله، فأبى معاوية أن يعطيه ذلك، فقال: لك ما كنت كتبت إلي أو لا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك. قال الحسن رضي الله عنه: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه. فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن رضي الله عنه من الشروط شيئًا، وكان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة قد كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن أن يقوم ويخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: ما تريد إلى أن يخطب الناس! فقال عمرو: لكني أريد أن يبدو وعيه للناس؛ فلم يزل عمرو بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس، ثم أمر رجلًا فنادى الحسن بن عليٍّ رضي الله عنه؛ فقال: قم يا حسن فكلم الناس، فتشهد في بديهة أمرٍ لم يرو فيه، ثم قال: أما بعد، يأيها الناس، فإن الله قد هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه : " وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين "؛ فلما قالها قال معاوية: اجلس، فلم يزل ضرمًا على عمرو، وقال: هذا من رأيك. ولحق الحسن رضي الله عنه بالمدينة.
حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: سلم الحسن بن علي رضي الله عنه إلى معاوية الكوفة، ودخلها معاوية لخمس بقين من ربيع الأول، ويقال من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين.
ذكر خبر الصلح بين معاوية وقيس بن سعد

وفي هذه السنة جرى الصلح بين معاوية وقيس بن سعد بعد امتناع قيس من بيعته.
ذكر الخبر بذلك
حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان ابن الفضل، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: لما كتب عبيد الله بن عباس حين علم ما يريد الحسن من معاوية من طلب الأمان لنفسه إلى معاوية يسأله الأمان، ويشترط لنفسه على الأموال التي قد أصاب، فشرط ذلك له معاوية، بعث إليه معاوية ابن عامر في خيلٍ عظيمة، فخرج إليهم عبيد الله ليلًا حتى لحق بهم، ونزل وترك جنده الذي هو عليه لا أمير لهم، فيهم قيس بن سعد، واشترط الحسن رضي الله عنه لنفسه، ثم بايع معاوية، وأمرت شرطة الخميس قيس بن سعد على أنفسهم، وتعاهدوا هو وهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي رضي الله عنه ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم. وما أصابوا في الفتنة؛ فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله ابن عباس والحسن رضي الله عنه إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكايدةً، ومعه أربعون ألفًا، وقد نزل معاوية بهم وعمرو وأهل الشأم، وأرسل معاوية إلى قيس بن سعد يذكره الله ويقول: على طاعة من تقاتل، وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك؟ فأبى قيس أن يلين له، حتى أرسل إليه معاوية بسجلٍّ قد ختم عليه في أسفله، فقال: اكتب في هذا السجل ما شئت، فهو لك. قال عمرو لمعاوية: لا تعطه هذا، وقاتله، فقال معاوية: على رسلك! فإنا لا نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشأم، فما خير العيش بعد ذلك! وإني والله لا أقاتله أبدًا حتى لا أجد من قتاله بدًا. فلما بعث إيه معاوية بذلك السجل اشترط قيس فيه له ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يسأل معاوية في سجله ذلك مالًا، وأعطاه معاوية ما سأل، فدخل قيس ومن معه في طاعته، وكانوا يعدون دهاة الناس حين ثارت الفتنة خمسة رهط، فقالوا: ذوو رأي العرب ومكيدتهم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقيس بن سعد؛ ومن المهاجرين عبد الله بن بديل الخزاعي؛ وكان قيس وابن بديل مع علي رضي الله عنه، وكان المغيرة بن شعبة وعمرو مع معاوية، إلا أن المغيرة كان معتزلًا بالطائف حتى حكم الحكمان، فاجتمعوا بأذرح.
وقيل: إن الصلح تم بين الحسن رضي الله عنه ومعاوية في هذه السنة في شهر ربيع الآخر، ودخل معاوية الكوفة في غرة جمادى الأولى من هذه السنة، وقيل: دخلها في شهر ربيع الآخر، وهذا قول الواقدي.
دخول الحسن والحسين المدينة منصرفين من الكوفة

وفي هذه السنة دخل الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنه منصرفين من الكوفة إلى المدينة.
ذكر الخبر بذلك
ولما وقع الصلح بين الحسن رضي الله عنه وبين معاوية بمسكن، قام - فيما حدثت عن زياد البكائي، عن عوانة - خطيبًا في الناس فقال: يا أهل العراق، إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي. قال: ثم إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حتى أتوا الوفة، فلما قدمها الحسن وبرأ من جراحته، خرج إلى مسجد الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم، وفي أهل بيت نبيكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا. فجعل الناس يبكون، ثم تحملوا إلى المدينة. قال: وحال أهل البصرة بينه وبين خراج دارابجرد؛ وقالوا: فيئنا، فلما خرج إلى المدينة تلقاه ناسٌ بالقادسية فقالوا: يا مذل العرب!
ذكر خروج الخوارج على معاوية

وفيها خرجت الخوارج التي اعتزلت أيام علي رضي الله عنه بشهرزور على معاوية.