قال: وحدثنا أبو السري الخراساني - وكان من أهل هراة - قال: قتل عبد الله بن خازم سليمان وعمرًا ابني مرثد المرثديين من بني قيس بن ثعلبة ثم رجع إلى مرو، وهرب من كان بمرو الروذ من بكر بن وائل إلى هراة، وانضم إليها من كان بكور خراسان من بكر بن وائل، فكان لهم بها جمعٌ كثير عليهم أوس بن ثعلبة؛ قال: فقالوا له: نبايعك على أن تسير إلى ابن خازم، وتخرج مضر من خراسان كلها؛ فقال لهم: هذا بغيٌ، وأهل البغي مخذولون، أقيموا مكانكم هذا، فإن ترككم ابن خازم - وما أراه يفعل - فارضوا بهذه الناحية، وخلوه وما هو فيه؛ فقال بنو صهيب - وهم موالي بني جحدر: لا والله لا نرضى أن نكون نحن ومضر في بلد، وقد قتلوا ابني مرثد، فإن أجبتنا إلى هذا وإلا أمرنا عليك غيرك؛ قال: إنما أنا رجلٌ منكم، فاصنعوا ما بدا لكم؛ فبايعوه، وسار إليهم ابن خازم، واستخلف ابنه موسى، وأقبل حتى نزل على واد بين عسكره وبين هراة؛ قال: فقال البكريون لأوس: اخرج فخندق خندقًا دون المدينة فقاتلهم فيه، وتكون المدينة من ورائنا، فقال لهم أوس: الزموا المدينة فإنها حصينة، وخلوا ابن خازم ومنزله الذي هو فيه؛ فإنه إن طال مقامه ضجر فأعطاكم ما ترضون به، فإن اضطررتم إلى القتال قاتلتم، فأبوا وخرجوا من المدينة فخندقوا خندقًا دونها، فقاتلهم ابن خازم نحوًا من سنة.
قال وزعم الأحنف بن الأشهب الضبي، وأخبرنا أبو الذيال زهير بن الهنيد؛ سار ابن خازم إلى هراة وفيها جمعٌ كثير لبكر بن وائل قد خندقوا عليهم، وتعاقدوا على إخراج مضر إن ظفروا بخراسان، فنزل بهم ابن خازم، فقال له هلال الضبي أحد بني ذهل، ثم أحد بني أوس: إنما تقاتل إخوتك من بني أبيك، والله إن نلت منهم فما تريد ما في العيش بعدهم من خير، وقد قتلت بمرو الروذ منهم من قتلت، فلو أعطيتهم شيئًا يرضون به، أو أصلحت هذا الأمر! قال: والله لو خرجت لهم عن خراسان ما رضوا به، ولو استطاعوا أن يخرجوكم من الدنيا لأخرجوكم؛ قال: لا، والله لا أرمي معك بسهم، ولا رجلٌ يطيعني من خندف حتى تعذر إليهم؛ قال: فأنت رسولي إليهم فأرضهم، فأتى هلال إلى أوس بن ثعلبة فناشده الله والقرابة، وقال: أذكرك الله في نزار أن تسفك دماءها، وتضرب بعضها ببعض! قال: لقيت بني صهيب؟ قال: لا والله؛ قال: فالقهم؛ فخرج فلقي أرقم بن مطرف الحنفي، وضمضم بن يزيد - أو عبد الله بن ضمضم بن يزيد - وعاصم بن الصلت بن الحريث الحنفيين، وجماعة من بكر بن وائل وكلمهم بمثل ما كلم به أوسًا، فقالوا: هل لقيت بني صهيب؟ فقال: لقد عظم الله أمر بني صهيب عندكم، لا لم ألقهم، قالوا: القهم، فأتى بني صهيب فكلمهم، فقالوا: لولا أنك رسولٌ لقتلناك؛ قال: أفما يرضيكم شيء؟ قالوا: واحدةٌ من اثنين، إما أن تخرجوا عن خراسان ولا يدعو فيها لمضر داعٍ، وإما أن تقيموا وتنزلوا لنا عن كل كراع وسلاح وذهب وفضة؛ قال: أفما شيء غير هاتين؟ قالوا: لا، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل! فرجع إلى ابن خازم، فقال: ما عندك؟ قال: وجدت إخوتنا قطعًا للرحم، قال: قد أخبرتك أن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث الله النبيمن مضر.
قال أبو جعفر: وأخبرنا سليمان بن مجالد الضبي، قال: أغارت الترك على قصر إسفاد وابن خازم بهراة، فحصروا أهله، وفيه ناس من الأزد هم أكثر من فيه، فهزمتهم، فبعثوا إلى من حولهم من الأزد فجاءوا لينصروهم فهزمتهم الترك، فأرسلوا إلى ابن خازم، فوجه إليهم زهير بن حيان في بني تميم وقال له: إياك ومشاولة الترك، إذا رأيتموهم فاحملوا عليهم، فأقبل فوافاهم في يوم بارد، قال: فلما التقوا شدوا عليهم فلم يثبتوا لهم، وانهزمت الترك واتبعوهم حتى مضى عامة الليل حتى انتهوا إلى قصر في المفازة، فأقامت الجماعة ومضى زهير في فوارس يتبعهم، وكان عالمًا بالطريق، ثم رجع في نصف من الليل، وقد يبست يده على رمحه من البرد، فدعا غلامه كعبًا، فخرج إليه، فأدخله، وجعل يسخن له الشحم فيضعه على يده، ودهنوه وأوقدوا له نارًا حتى لان ودفىء؛ ثم رجع إلى هراة، فقال في ذلك كعب بن معدان الأشقري:
أتاك أتاك الغوث في برق عارضٍ ** دروعٌ وبيضٌ حشوهن تميم
أبوا أن يضموا حشو ما تجمع القرى ** فضمهم يوم اللقاء صميم
وزرقهم من رائحاتٍ تزينها ** ضروع عريضات الخواصر كوم
وقال ثابت قطنة:
فدت نفسي فوارس من تميمٍ ** على ما كان من ضنك المقام
بق الباهلي وقد أراني ** أحامي حين قل به المحامي
بس عد كسر الرمح فيهم ** أذودهم بذي شطبٍ حسام
أكر عليهم اليحموم كرًا ** ككر الشرب آنية المدام
فلولا الله ليس له شريكٌ ** وضربي قونس الملك الهمام
إذًا فاظت نساء بني دثارٍ ** أمام الترك بادية الخدام
قال أبو جعفر: وحدثني أبو الحسن الخراساني، عن أبي حماد السلمي قال: أقام ابن خازم بهراة يقاتل أوس بن ثعلبة أكثر من سنة، فقال يومًا لأصحابه: قد طال مقامنا على هؤلاء، فنادوهم: يا معشر ربيعة، إنكم قد اعتصمتم بخندقكم، أفرضيتم من خراسان بهذا الخندق! فأحفظهم ذلك، فتنادى الناس للقتال، فقال لهم أوس بن ثعلبة: الزموا خندقكم وقاتلوهم كما كنتم تقاتلونهم، ولا تخرجوا إليهم بجماعتكم؛ قال: فعصوه وخرجوا إليهم، فالتقى الناس، فقال ابن خازم لأصحابه: اجعلوه يومكم فيكون الملك لمن غلب، فإن قتلت فأميركم شماس بن دثار العطاردي، فإن قتل فأميركم بكير بن وشاح الثقفي.
قال علي: وحدثنا أبو الذيال زهير بن هنيد، عن أبي نعامة العدوي عن عبيد بن نقيد، عن إياس بن زهير بن حيان: لما كان اليوم الذي هرب فيه أوس بن ثعلبة وظفر ابن خازم ببكر بن وائل، قال ابن خازم لأصحابه حين التقوا: إني قلع، فشدوني على السرج، واعلموا أن علي من السلاح ما لا أقتل قدر جزر جزورين، فإن قيل لكم: إني قد قتلت فلا تصدقوا. قال: وكانت راية بني عدي مع أبي وأنا على فرس مخرم، وقد قال لنا ابن خازم: إذا لقيتم الخيل فاطعنوها في مناخرها، فإنه لن يطعن فرسٌ في نخرته إلا أدبر أو رمى بصاحبه، فلما سمع فرسي قعقعة السلاح وثب بي واديًا كان بيني وبينهم؛ قال: فتلقاني رجل من بكر بن وائل فطعنت فرسه في نخرته، فصرعه، وحمل أبي ببني عدي، واتبعته بنو تميم من كل وجه، فاقتتلوا ساعةً، فانهزمت بكر بن وائل حتى انتهوا إلى خندقهم وأخذوا يمينًا وشمالًا، وسقط ناسٌ في الخندق فقتلوا قتلًا ذريعًا، وهرب أوس ابن ثعلبة وبه جراحات، وحلف ابن خازم لا يؤتى بأسيرٍ إلا قتله حتى تغيب الشمس، فكان آخر من أتى به رجلٌ من بني حنيفة يقال له محمية فقالوا لابن خازم: قد غابت الشمس، قال: وفوا به القتلى؛ فقتل.
قال: فأخبرني شيخٌ من بني سعد بن زيد مناة أن أوس بن ثعلبة هرب وبه جراحاتٌ إلى سجستان، فلما صار بها أو قريبًا منها مات.
وفي مقتل ابن مرثد وأمر أوس بن ثعلبة يقول المغيرة بن حبناء، أحد بني ربيعة بن حنظلة:
وفي الحرب كنتم في خراسان كلها ** قتيلًا ومسجونًا بها ومسيرا
ويوم احتواكم في الحفير ابن خازمٍ ** فلم تجدوا إلا الخنادق مقبرا
ويوم تركتم في الغبار ابن مرثدٍ ** وأوسًا تركتم حيث سار وعسكرا
قال: وأخبرني أبو الذيال زهير بن هنيد، عن جده أبي أمه، قال: قتل من بكر بن وائل يومئذ ثمانية آلاف.
قال: وحدثنا التميمي، رجل من أهل خراسان، عن مولىً لابن خازم، قال: قاتل ابن خازم أوس بن ثعلبة وبكر بن وائل، فظفر بهراة، وهرب أوس وغلبه ابن خازم على هراة، واستعمل عليها ابنه محمدًا، وضم إليه شماس بن دثار العطاردي، وجعل بكير بن وشاح على شرطته، وقال لهما: ربياه فإنه ابن أختكما، فكانت أمه من بني سعد يقال لها صفية، وقال له: لا تخالفهما، ورجع ابن خازم إلى مرو.
ذكر الخبر عن تحرك الشيعة للطلب بدم الحسين
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة، واتعدوا الاجتماع بالنخيلة في سنة خمس وستين للمسير إلى أهل الشأم للطلب بدم الحسين بن علي، وتكاتبوا في ذلك.
ذكر الخبر عن مبدإ أمرهم في ذلك
قال هشام بن محمد: حدثنا أبو مخنف، قال: حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي، قال: لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة، فدخل الكوفة، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرًا بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته، ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله، أو القتل فيه، ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رءوس الشيعة إلى سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبي، وإلى المسيب بن نجبة الفزاري، وكان من أصحاب علي وخيارهم، وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال التيمي، وإلى رفاعة بن شداد البجلي.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)