صفحة 10 من 25 الأولىالأولى ... 8910111220 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 37 إلى 40 من 100

الموضوع: تجارب أمم المجلد الرابع


  1. #37
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « اللهم وأصلح الأمير أخا أمير المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبا إسحاق ابن الرشيد أمير المؤمنين. » وفي سنة ثماني عشرة ومائتين توفّى المأمون بالبذندون.
    وفات المأمون ذكر سبب وفاته

    حكى سعيد العلّاف القارئ قال: أرسل إليّ المأمون وهو ببلاد الروم وكان دخلها من طرسوس، فحملت إليه وهو بالبذندون، وكان يستقرينى فدعاني يوما فجئته فوجدته جالسا على شاطئ البذندون وأبو إسحاق المعتصم جالس عن يمينه. فأمرنى فجلست نجوة منه فإذا هو وأبو إسحاق مدلّيان أرجلهما في البذندون. فقال:
    « يا سعيد دلّ رجلك في الماء وذقه، هل رأيت قطّ ماء أشدّ بردا ولا أعذب وأصفى صفاء منه؟ » ففعلت وقلت:
    « يا أمير المؤمنين ما رأيت مثل هذا قطّ. » قال: « أيّ شيء يطيب أن يؤكل ويشرب هذا الماء عليه؟ » فقلت: « أمير المؤمنين أعلم. » فقال: « رطب الآزاذ. » فبينا هو يقول هذا إذ سمع وقع لجم البريد، فالتفت فإذا بغال البريد على أعجازها حقائب فيها الألطاف، فقال لخادم له:
    « اذهب فانظر هل في هذه الألطاف رطب، فإن كان فيها الرطب فانظر فإن كان آزاذا فأت به. » فجاء يسعى بسلّتين فيهما رطب آزاذ كأنّما جنى من النخل تلك الساعة، فأظهر شكر الله عز وجل، وكثر تعجبنا منه، فقال:
    « ادن فكل. » فأكل هو وأبو إسحاق وأكلت معهما وشربنا جميعا من ذلك الماء، فما قام منّا أحد إلّا وهو محموم فكانت منيّة المأمون من تلك العلّة ولم يزل المعتصم عليلا حتى دخل العراق ولم أزل عليلا حتى كان قريبا.
    ولمّا اشتدّت بالمأمون علّته بعث إلى ابنه العبّاس وهو يظنّ أن لن يأتيه لشدّة مرضه، فأتاه وأقام عند أبيه وقد أوصى قبل ذلك إلى أخيه أبي إسحاق، ثم أعاد الوصيّة بحضرة العبّاس والقضاة والفقهاء والقوّاد.
    ولمّا توفّى حمله ابنه العبّاس وأخوه أبو إسحاق إلى طرسوس، فدفناه في دار خاقان خادم الرشيد وصلّى عليه أخوه أبو إسحاق.
    فكانت خلافته عشرين سنة وستّة أشهر سوى سنتين، كان دعى له فيهما بمكّة وأخوه الأمين محمد ابن الرشيد محصور ببغداد.
    وكان ولد للنصف من شهر ربيع الأوّل سنة سبعين ومائة. وكان ربعة، أبيض، جميلا.
    وقيل: كان أسمر تعلوه صفرة، أقنى، أعين، طويل اللحية رقيقها، أشيب بخدّه خال أسود.
    من سيرة المأمون

    فأمّا سيرته فمشهورة لا تخفى على أحد جوده وعطاؤه وسماحة أخلاقه وحلمه ولكنّا نحكى بعض ذلك:
    حكى عن العيشى صاحب إسحاق بن إبراهيم أنّه قال:
    كنت مع المأمون بدمشق، وكان قد قلّ المال عنده حتى أضاق وشكا ذلك إلى أبي إسحاق المعتصم، فقال:
    « يا أمير المؤمنين كأنّك بالمال قد وافاك بعد جمعة. » قال: وكان حمل إليه ثلاثون ألف ألف من خراج ما كان يتولّاه أبو إسحاق. قال: فلمّا ورد عليه ذلك المال قال المأمون ليحيى بن أكثم:
    « اخرج بنا ننظر إلى هذا المال. » قال: فخرجا ووقفا ينظرانه وقد كان هيّئ بأحسن هيأة وحلّيت أباعره وألبست الأحلاس التي وشّيت والجلال المصبّغة وقلّدت العهن وعلّيت البدر بالحرير الصيني الأحمر والأخضر والأصفر، وأبديت رؤوسها. قال:
    فنظر المأمون إلى شيء حسن واستكثره وعظم في عينه واستشرفه الناس ينظرون إليه ويعجبون منه فقال المأمون ليحيى:
    « يا أبا محمد، ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم الساعة خائبين إلى منازلهم وننصرف نحن بهذه الأموال قد ملكناها دونهم؟ إنّا إذا للئام. » ثم دعا محمد بن يزداذ. فقال:
    « وقّع لآل فلان بألف ألف ولآل فلان بمثلها ولآل فلان بمثلثها خمسمائة ألف. » قال: « فو الله إن زال كذلك، حتى فرّق أربعة وعشرين ألف ألف، ورجله في الركاب. » ثم قال:
    « ادفع الباقي إلى المعلي بن أيّوب يعط جندنا. » قال العيشى: فجئت حتى قمت نصب عينه وحدّقت نحوه فلم أردّ طرفي عن عينه لا يلحظنى إلّا رآني بتلك الحال فقال:
    « يا محمد، وقّع لهذا بخمسين ألف من الستّة الآلاف الألف لا يختلس ناظري. » فلم يأت عليّ ليلتان حتى أخذت المال.
    وللمأمون شعر كثير فمن مشهور شعره.
    بعثتك مرتادا ففزت بنظرة ** وأغفلتنى حتى أسات بك الظّنّا
    فناجيت من أهوى وكنت مباعدا ** فيا ليت شعري عن دنوّك ما أغنى
    أرى أثرا منه بعينك بيّنا ** لقد سرقت عيناك من عينه حسنا
    فيا ليتنى كنت الرّسول وكنتنى ** فكنت الّذى تقصى وكنت الّذى أدنى
    خلافة أبي إسحاق المعتصم

    وفي هذه السنة بويع لأبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بالخلافة لاثنتى عشرة ليلة خلت أو بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين. وفيها شغب الناس على المعتصم، وطلبوا العبّاس، ونادوه باسم الخلافة فأرسل أبو إسحاق المعتصم إلى العبّاس فأحضره وبايعه ثم خرج إلى الجند وقال:
    « ما هذا الخبّ البارد؟ قد بايعت عمّى وسلّمت الخلافة إليكم. » فسكن الجند.
    وفيها أمر المعتصم بهدم ما كان المأمون أمر ببنائه بطوانة وحمل ما كان بها من السلاح والآلة وغير ذلك ممّا قدر على حمله، وإحراق ما لم يقدر على حمله، وأمر بصرف من كان المأمون أسكن ذلك الموضع من الناس إلى بلادهم.
    وفيها انصرف المعتصم إلى بغداد ومعه العبّاس بن المأمون، فقدمها يوم السبت مستهلّ شهر رمضان.
    توجيه المعتصم عساكر لقتال الخرمية

    وفيها دخل جماعة من أهل الجبال كثيرة من همذان وإصبهان وماسبذان ومهرجانفذق وغيرها في دين الخرّمية. ثم تراسلوا وتجمّعوا في أعمال همذان. فوجّه المعتصم إليهم عساكر، فكان آخر عسكر وجّهه مع إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وعقد له على الجبال. فشخص إليهم فقاتلوه وهزمهم وقتل هناك ستين ألفا منهم وهرب باقيهم إلى بلاد الروم وكتب بالفتح إلى المعتصم.
    ودخلت سنة تسع عشرة ومائتين
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #38
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ظهور محمد بن القاسم بالطالقان من خراسان

    وفيها ظهر محمد بن القاسم بن عمر بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام بالطالقان من خراسان يدعو إلى الرضا من آل محمد (ص) فاجتمع إليه بها ناس كثير، وكانت بينه وبين قوّاد لعبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها كان آخرها عليه، فانهزم هو وأصحابه ومضى هاربا يريد بعض كور خراسان كان أهلها كاتبوه، فلمّا صار بنسإ كان بها والد لبعض من معه فمضى الرجل الذي كان له والد هناك ليسلّم على والده، فلمّا تلاقوا سأله عن الخبر. فأخبره أنّهم يقصدون كورة كذا. فمضى أبو ذلك الرجل إلى عامل نسا فأخبره بأمر محمد بن القاسم. فبذل له العامل على دلالته عليه مالا وجاء العامل إلى محمد بن القاسم، فأخذه واستوثق منه وبعث به إلى عبد الله بن طاهر، فبعث به عبد الله إلى المعتصم فحبس بسرّ من رأى ووكّل به قوم يحفظونه.
    فلمّا كان ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد والتهنئة له هرب من الحبس وافتقد، فجعل لمن يدلّ عليه مائة ألف درهم، ونادى المنادى، فما عرف له خبر إلى اليوم.
    توجيه عجيف لحرب الزط

    وفيها وجّه المعتصم عجيف بن عنبسة لحرب الزط الذين كانوا عاثوا في طريق البصرة، وكانوا تغلّبوا على تلك الناحية. فقطعوا الطرق واحتملوا غلّات البيادر بكسكر وما يليها من البصرة وأكثروا الفساد.
    فرتّب المعتصم الخيل في سكك البصرة وبغداد من البرد تركض إليه بالأخبار فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصير إلى المعتصم من يومه، وولّى النفقة على عجيف من قبل إبراهيم البختري كاتبا.
    فصار عجيف في خمسة آلاف رجل إلى الصافية وهي قرية أسفل واسط فسدّ نهرا بها يحمل من دجلة ثم صار إلى بردودا فسدّ أنهارا أخر وحصرهم من كلّ وجه، ثم قصدهم فأسر منهم جماعة وقتل جماعة. فضرب أعناق الأسرى وبعث برؤوسهم ورؤوس القتلى إلى المعتصم.
    ثم أقام عجيف بإزاء الزطّ خمسة عشر يوما وظفر بخلق كثير منهم فأنفذهم ثم جاهده الباقون فمكث يقاتلهم بعد ذلك تسعة أشهر.
    ودخلت سنة عشرين ومائتين

    وفيها دخل عجيف بالزطّ بغداد بعد أن قهرهم حتى طلبوا منه الأمان، فآمنهم على دماءهم وأموالهم، فكانت عدّتهم سبعة وعشرين ألفا بين رجل وامرأة وصبيّ فجعلهم في السفن وأقبل بهم حتى نزل الزعفرانية وأعطى أصحابه دينارين دينارين جائزة، ثم عبّأهم في زواريقهم على هيأتهم في الحرب معهم البوقات حتى دخل بغداد بهم والمعتصم ببغداد في سفينة يقال لها: الزوّ، حتى مرّ به الزطّ على تعبئتهم ينفخون في البوقات. فكان أوّلهم بالقفص وآخرهم بحذاء الشماسية، وأقيموا في سفنهم ثلاثة أيّام. ثم دفعوا إلى بشر بن السميدع فذهب بهم إلى خانقين، ثم نقلوا إلى الثغر إلى عين زربة، فأغارت عليهم الروم فاجتاحوهم فلم يفلت منهم أحد.
    عقد المعتصم للأفشين حرب بابك

    وفي هذه السنة عقد المعتصم للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال وحرب بابك. وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة. فعسكر بمصلّى بغداد، ثم صار إلى برزند
    ذكر بابك ومخرجه

    كان ظهور بابك في سنة إحدى ومائتين وكان من قرية يقال لها: البذّ، وهزم جيوش السلطان وقتل من قوّاده جماعة.
    فلمّا أفضى الأمر إلى المعتصم وجّه المعتصم أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل وأمره أن يبنى الحصون التي خرّبها بابك فيما بين زنجان وأردبيل، ويقيم مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إلى أردبيل. فتوجّه أبو سعيد لذلك وبنى الحصون التي خرّبها بابك.
    ثم وجّه بابك سريّة إلى بعض غاراته وعليها أمير من قبله يقال له:
    معاوية، فعرض له أبو سعيد فاستنقذ ما كان حواه وقتل من أصحابه جماعة وأسر جماعة، فهذه أوّل هزيمة كانت على أصحاب بابك.
    ووجّه أبو سعيد الرؤوس والأسرى إلى المعتصم بالله، ولمّا صار الأفشين إلى برزند عسكر بها ورمّ الحصون فيما بين برزند وأردبيل وأنزل محمد بن يوسف بموضع يقال له خشّ، فاحتفر فيه خندقا وأنزل الهيثم الغنوي القائد في ربستاق يقال له: أرشق، فرمّ حصنه واحتفر حوله خندقا وأنزل علّويه الأعور من قوّاد الأبناء في حصن ممّا يلي أردبيل يسمّى: حصن النهر، فكانت السابلة والقوافل تخرج فتسلّمها بذرقة من واحد من هؤلاء إلى آخر حتى يتأدّوا إلى مأمنهم وكان كلّما ظفر واحد من هؤلاء القوّاد بجاسوس وجّهوا به إلى الأفشين. فكان الأفشين لا يقتلهم ولا يضربهم ولكن يهب لهم، ويصلهم ويسألهم ما كان بابك يعطيهم فيضعفه لهم ويقول للجاسوس:
    « كن جاسوسا لنا. »
    بابك وأفشين وما كان من أمرهما بأرشق

    وفيها كانت الوقعة بين بابك والأفشين بأرشق، قتل فيها من أصحاب بابك خلق كثير وهرب بابك إلى موقان ثم شخص منها إلى مدينته التي تدعى البذّ.
    ذكر السبب في ذلك

    كان المعتصم وجّه مع بغا الكبير بمال إلى الأفشين عطاء لجنده وللنفقات، فقدم بغا بذلك المال أردبيل، فلمّا نزلها بلغ بابك خبره فتهيّأ ليقطع عليه قبل وصوله إلى الأفشين. فقدم جاسوس على الأفشين فأخبره أنّ بغا الكبير قد قدم بمال وأنّ بابك وأصحابه قد تهيّئوا ليقطعوه قبل وصوله إليك.
    وكان هذا الجاسوس ورد على أبي سعيد أوّلا فوجّه به أبو سعيد إلى الأفشين وهيّأ بابك كمينا في مواضع للمال فكتب الأفشين إلى أبي سعيد يأمره أن يحتال لمعرفة صحّة خبر بابك. فمضى أبو سعيد متنكرا مع جماعة حتى نظروا إلى النيران في المواضع التي وصفها الجاسوس.
    فكتب الأفشين إلى بغا أن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه، وكتب أبو سعيد إلى الأفشين بصحّة خبر الجاسوس. فكتب الأفشين إلى بغا يظهر أنّه يريد الرحيل ويشدّ المال على الإبل ويقطّرها ويسير متوجّها من أردبيل كأنّه يريد برزند، فإذا صار إلى مسلحة النهر أو سار شبيها بفرسخين احتبس القطار حتى يجوز من صحب المال من قافلة وغيرها إلى برزند، فإذا جاوزت القافلة رجع بالمال إلى أردبيل.


  • #39
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ففعل ذلك بغا وسارت القافلة حتى نزلت النهر وانصرف جواسيس بابك إليه يعلمونه أنّ المال قد حمل وعاينوه محمولا. ورجع بغا بالمال إلى أردبيل وركب الأفشين في اليوم الذي وعد فيه بغا من برزند، فوافى خشّ مع غروب الشمس، فنزل معسكرا خارج خندق أبي سعيد. فلمّا أصبح ركب في سرّ لم يضرب طبلا ولا نشر علما، وأمر أن تلفّ الأعلام وأمر الناس بالسكوت. وجدّ في السير ورحلت القافلة التي كانت توجّهت في ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم الغنوي.
    ورحل الأفشين من خشّ يريد ناحية الهيثم ليصادفه في الطريق، ولم يعلم الهيثم فرحل بمن كان معه من القافلة يريد بها النهر وتعبّأ بابك في خيله ورجاله وعساكره، وصار على طريق النهر وهو يظنّ أنّ المال موافيه، وخرج صاحب النهر يبذرق من عنده وهو علّوية الذي قلنا إنّه كان هناك، فأخذ يسير نحو الهيثم على رسمه.
    فخرجت عليه خيل بابك وهم لا يشكّون أنّ المال معه فقاتلهم صاحب النهر علّوية وأصحابه فقتلوه وقتلوا من كان معه من الجند والسابلة وأخذوا جميع ما كان معهم من المتاع وعلموا أنّ المال قد فاتهم، فأخذوا علمه ولباس أهل النهر ودراريعهم وخفاتينهم ولبسوها وتنكّروا ليأخذوا أيضا الهيثم ومن معه ولا يعلمون بخروج الأفشين، وجاءوا كأنّهم أصحاب النهر. فلمّا جاءوا ولم يعرفوا الموضع الذي كان يقف فيه علم صاحب النهر وقفوا في غير موضعه، وجاء الهيثم فوقف في موقفه فأنكر ما رأى فوجّه ابن عمّ له وقال:
    « اذهب إلى هذا البغيض، فقل له: أيّ شيء وقوفك؟ »
    فجاء ابن عمّ هيثم. فلمّا رأى القوم ودنا منهم أنكرهم، فرجع إلى الهيثم.
    فقال له:
    « إنّ هؤلاء القوم لست أعرفهم. » فقال له الهيثم:
    « أخزاك الله ما أجبنك. » ووجّه خمسة من الفرسان، فلمّا قربوا من القوم خرج من الخرّمية رجلان فتلقّوهم فأنكروهما وأعلموهما أنّهم قد عرفوهما، ورجعوا إلى الهيثم ركضا فقالوا:
    « إنّ الكافر قد قتل علّوية وأصحابه وأخذوا أعلامهم ولباسهم. » فانصرف الهيثم وأتى القافلة التي كانت معه، فأمرهم أن يركضوا ويرجعوا لئلّا يؤخذوا، ووقف هو في أصحابه يسير بهم قليلا قليلا ويقف قليلا ليشتغل الخرّمية عن القافلة وصار شبيها بالحامية لهم، حتى وصلت القافلة إلى حصنه الذي كان فيه يكون الهيثم وهو أرشق، وقال لأصحابه:
    « من يذهب منكم إلى الأمير وإلى أبي سعيد فيعلمهما وله عشرة آلاف درهم وفرس بدل فرسه إن نفق؟ » فتوجّه رجلان من أصحابه على فرسين فارهين يركضان، ودخل الهيثم الحصن وخرج بابك فيمن معه ونزل بالحصن، ووضع له كرسيّ وجلس على شرف بحيال الحصن وأرسل إلى الهيثم من يحاربه. وكان مع الهيثم في الحصن ستمائة راجل وأربعمائة فارس وله خندق حصين. فقاتله وقعد بابك فيمن معه ووضع بين يديه الخمر مع أصحاب له يسربونها والحرب مشتبكة.
    ولقي الفارسان الأفشين على أقلّ من فرسخ من أرشق، فساعة نظر إليهما من بعيد قال لصاحب مقدّمته:
    « اضربوا بالطبل وانشروا الأعلام واركضوا نحو هذين الفارسين اللذين يركضان إلينا وصيحوا بهما: لبّيك، لبّيك. » فلم يزل الناس في طلق واحد متراكضين يكسّر بعضهم بعضا حتى لحقوا بابك وهو جالس. فلم يتدارك أن يتحرّك ويركب حتى وافته الخيل والناس واشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجّالة بابك أحد، وأفلت هو في نفر يسير ودخل موقان وقد تقطّع عنه أصحابه. وأقام الأفشين في ذلك الموضع وبات ليلته ثم رجع إلى معسكره ببرزند.
    وأقام بابك بموقان [ أيّاما ] ثم بعث إلى البذّ، فجاءه في الليل عسكر فيهم رجّالة فرحل من موقان حتى دخل البذّ، فلمّا كانت بعد أيّام مرّت قافلة من خشّ إلى برزند من قبل أبي سعيد ومعها صاحب لهم ومعهم ميرة ومتاع يحمل إلى معسكر الأفشين، فخرج عليهم إصبهبذ بابك فأخذ القافلة وقتل من كان فيها من أهل القافلة وانتهب جميع ما فيها فقحط عسكر الأفشين.
    فكتب الأفشين إلى صاحب المراغة يأمره بحمل الميرة وتعجيلها عليه فإنّ الناس قد قحطوا وأضاقوا. فوجّه إليه صاحب المراغة بقافلة فيها قريب من ألف ثور سوى الحمير والدوابّ تحمل الميرة ومعها جند يبذرقونها. فخرجت عليهم أيضا سريّة لبابك فاستباحوها عن آخرها بجميع ما فيها وأصاب الناس ضيق شديد فكتب الأفشين إلى صاحب الشيروار أن يحمل إليه طعاما، فحمل إليه طعاما كثيرا وأغاث الناس في تلك السنة وقدم بغا على الأفشين بمال ورجال.
    خروج المعتصم إلى القاطول وابتداؤه ببناء سر من رأى

    وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى القاطول وابتدأ ببناء سرّ من رأى وذلك في ذي القعدة منها.
    ذكر السبب في ذلك

    كان سبب خروجه إلى القاطول أنّ غلمانه الأتراك كانوا عجما قد اصطنعهم ورأى فيهم نجابة، وكان لا يزال يجد الواحد بعد الواحد قتيلا في الأرباض. وذلك أنهم كانوا يركبون الدوابّ فيتراكضون في طرق بغداد وشوارعها فيصدمون الرجل والمرأة ويطأون الصبيّ، فيأخذهم الأبناء فينكّسونهم عن دوابّهم ويجرحون بعضهم فربّما هلك. فتأذّى الأتراك بهم وتأذّت العامّة بالأتراك حتى شكت الأتراك إلى المعتصم.
    فحكى أنّ المعتصم كان ركب يوم عيد إلى المصلّى، فلمّا انصرف وصار في مربعة الحرشي، قام إليه شيخ فقال:
    « يا با إسحاق. » فابتدره الجند ليضربوه، فأشار إليهم المعتصم بالكفّ عنه فقال الشيخ:


  • #40
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « مالك لا جزاك الله عن الجوار خيرا، جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج فأسكنتهم بين أظهرنا فأيتمت بهم صبياننا وأرملت بهم نساءنا وقتلت بهم رجالنا. » والمعتصم يسمع ذلك كلّه، ثم دخل داره.
    فلم ير راكبا إلى السنة القابلة في مثل ذلك اليوم.
    فلمّا كان العام المقبل في مثل ذلك اليوم خرج فصلّى بالناس العيد، ثم لم يرجع إلى داره ببغداد. ولكنّه صرف وجه دابّته إلى القاطول.
    وحكى أنّه قام أيضا إلى المعتصم يوما رجل من العامّة فقال:
    « يا با إسحاق، اخرج عن مدينتنا وإلّا حاربناك بما لا تقوم له. » فتقدّم بأخذ الرجل وحمله إليه. فلمّا صار بين يديه قال:
    « ويلك بمن تحاربنى وما هذا الذي لا أقوم له؟ » قال: « نحاربك بأصابعنا إذا هدأت الأصوات بالليل» - يعنى الدعاء.
    فسكت عن الرجل ولم يعرض له.
    ثم خرج فبنى سرّ من رأى.
    وفي هذه السنة غضب المعتصم على الفضل بن مروان وحبسه.
    ذكر الخبر عن غضبه عليه وحبسه له وسبب اتصاله به ونفاقه عليه

    كان الفضل هذا رجلا من أهل البردان حسن الحظّ، فاتصل بكاتب للمعتصم يقال له يحيى الجرمقانى. فمات يحيى وصار الفضل في موضعه وذلك قبل خلافة المعتصم، ثم خرج معه إلى عسكر المأمون وصار معه إلى مصر، فاحتوى على أموال مصر وكثرت ذخائره وكنوزه. ثم قدم الفضل قبل المأمون بغداد ينفذ أمور المعتصم ويكتب عنه وعلى لسانه ما أحبّ، حتى قدم المعتصم خليفة، فصار الفضل صاحب الخلافة والدواوين كلّها تحت يديه فتضاعفت كنوزه.
    فكان المعتصم يأمر بإطلاق الشيء لندمائه ومغنّيه، فلا ينفذ الفضل، وربّما رادّه في الشيء إدلالا عليه وأنسا به، وكان قد نزل منه وحلّ من قلبه المحلّ الذي لا يحدّث أحد نفسه بملاحظته فضلا عن منازعته ولا في الاعتراض عليه إذا أراد شيئا أو حلم به، فكانت هذه المنزلة تحمله على الدالّة حتى كان يخالفه ويمنعه بعض أمره وبعض المال الذي يصرفه في مهمّه.
    فحكى عن أحمد بن أبي دؤاد أنّه قال: كنت أحضر مجلس المعتصم فكثيرا ما كنت أسمعه يقول للفضل بن مروان:
    « احمل إليّ كذا من الدراهم. » فيقول: « ما عندي. » فيقول: « فاحتلها من وجه، فليس منها بدّ. » فيقول: « ومن أين أحتالها ومن أين وجهها ومن يعطيني هذا القدر؟ » فكان ذلك يسوءه وأعرفه في وجهه فلمّا كثر هذا من فعله ركبت يوما إليه فقلت له مستخليا به:
    « يا أبا العبّاس إني أعرف أخلاقك، وعلى ذاك ما أدع نصيحتك وأداء ما يجب عليّ من حقّك. وقد أراك كثيرا ما تردّ على أمير المؤمنين أجوبة غليظة ترمضه وتقدح في قلبه والسلطان لا يحتمل هذا لابنه، لا سيّما إذا كثر ذلك وغلظ. » قال: « وما ذاك يا با عبد الله؟ » قلت: « أسمعه كثيرا، كثيرا ما يقول لك: نحتاج إلى كذا من المال لنصرفه في وجه كذا، فتقول من يعطيني هذا وهذا ما لا تحتمله الملوك. » قال: « فما أصنع إذا طلب مني ما ليس عندي؟ » قلت: « تصنع أن تقول: أحتال يا أمير المؤمنين في ذلك فتدفع عنك أيّاما ثم تحمل إليه بعض ما يطلب وتسوّفه الباقي. » قال: « نعم أفعل وأصير إلى ما أشرت به. » قال: فو الله لكأنّى كنت أغريه بالمنع. فكان إذا عاود مثل ذلك القول عاد إلى مثل ما يكره من الجواب.
    وكان مع المعتصم رجل مضحك يستخفّ روحه وكان قديم الصحبة له يقال له: إبراهيم الهفتيّ، فأمر له بمال وتقدّم إلى الفضل بن مروان في إعطائه فلم يعطه الفضل شيئا. فبينا الهفتيّ يوما يتمشّى مع المعتصم في بستان داره التي بنيت له ببغداد، وقد نقل إليه أنواع من الرياحين والغروس، وكان الهفتيّ يصحب المعتصم قبل أن تفضى إليه الخلافة، فيقول له فيما يداعبه:

  • صفحة 10 من 25 الأولىالأولى ... 8910111220 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    2. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    3. أربع اخطاء في تذويب الطعام المجمد
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى ملتقى المطبخ والمأكولات والحلويات السورية Syrian food and sweets
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 06-10-2010, 03:26 AM
    4. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM
    5. العشى الليلي Night blindness
      بواسطة Dr.Ahmad في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 01:57 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1