« أراد نصر الغدر بي. » فأرسل الحارث إلى نصر:
« إنّا لا نرضى بك إماما. » فأرسل إليه نصر:
« كيف يكون لك عقل وقد أفنيت عمرك في أرض الشرك، وغزوت المسلمين بالمشركين، أترانى أتضرّع إليك أكثر ممّا تضرّعت؟ » وأسر يومئذ جهم بن صفوان صاحب الجهمية فقال لسلم:
« إنّ لي عقدا من ابنك حارث. » قال:
« ما كان ينبغي له أن يفعل، ولو فعل ما آمنتك ولو ملأت لي هذه الملاءة كواكب والله لو كنت في بطني لشققت بطني حتى أقتلك لا والله لا تقوم علينا مع اليمانية أكثر ممّا قمت. » وأمر عبد ربّه بن سيسن فقتله.
ولمّا هزم نصر الحارث أتى الحارث فازة الكرماني حتى دخلها ومع الكرماني داود بن شعيب الحدانى، ومحمد بن المثنّى، فأقيمت الصلوة، فصلّى بهم الكرماني. فلمّا كان من الغد سار الكرماني إلى ناحية باب ميدان يزيد، فقاتل أصحاب نصر، فقتل جماعة، وأخذوا علم عثمانى الكرماني وتقاتلوا يوم الأربعاء، ثم تحاجزوا ولم يكن بينهم يوم الخميس قتال، والتقوا يوم الجمعة، فانهزمت الأزد حتى وصلوا إلى الكرمانيّ فأخذ اللواء بيده فقاتل به.
وحمل خضر بن تميم فرموه بالنشّاب وحمل عليه خنيس مولى نصر فطعنه في حلقه. فأخذ الخضر السنان بيده اليسرى فشبّ به فرسه وطعن خنيسا فأذراه عن برذونه وقتلته رجّالة الكرمانيّ بالعصيّ وانهزم أصحاب نصر وصرع تميم بن نصر وأخذوا له برذونين أخذ أحدهما السغدى والآخر الخضر.
ولحق الخضر سلم بن أحوز فتناول من ابن أخيه عمودا فضربه وصرعه.
فحمل عليه رجلان من تميم فهرب فرمى سلم بنفسه تحت القناطر وبه بضع عشرة ضربة على بيضته فسقط فحمله رجل إلى عسكر نصر وانصرفوا.
فلمّا كان في بعض الليل خرج نصر عن مرو، وقتل عصمة بن عبد الله الأسدى وكان يحمى أصحاب نصر. ولمّا هزمت اليمانية المضريّة أرسل الحارث إلى نصر:
« إنّ اليمانية يعيّروننى بانهزامكم وأنا كافّ، فاجعل حماة أصحابك بإزاء الكرمانيّ. » فبعث إليه نصر يزيد النحويّ أو خالدا يتوثّق منه أن يفي بما بذله من الكفّ. وإنّما كفّ الحارث عن قتال نصر لأنّ عمر بن الفضل الأزدي وأهل بيته وعبد الجبّار بن العدوى وخالد بن عبيد الله وعامّة أصحابه كانوا نقموا على الكرمانيّ ما فعله أهل التبوشكان. وذلك أنّ أسدا كان وجّه إليهم فنزلوا إليه على حكم أسد فبقر بطون جماعة وألقاهم في نهر بلخ وقطع أيدى ثلاثمائة منهم وأرجلهم وقتل ثلثا وصلب ثلثا وباع أثقالهم فيمن يزيد. فنقموا على الحارث معاونته الكرمانيّ وقتاله نصرا.
فأقام نصر بمرو أربعة أيّام ثم خرج إلى نيسابور ومعه سلم بن أحوز وسلم بن عبد الرحمن وقال نصر لنسائه:
« إنّ الحارث سيخلفنى فيكنّ ويحميكنّ. »
فلمّا قرب من نيسابور أرسل إليه أهلها:
« ما أقدمك، وقد أظهرت العصبية وكان أمرا قد أطفأه الله؟ » وكان عامل نصر على نيسابور ضرار بن عيسى العامريّ فأرسل إليهم نصر بن سيّار سنانا الأعرابيّ ومسلم بن عبد الرحمن وسلم بن أحوز فكلّموهم حتى خرجوا وتلقّوا نصرا بالمواكب والهدايا والجواري.
وقدم من مكّة على نصر عبد الحكم بن سعد وأبو جعفر عيس. فقال نصر لعبد الحكم:
« أما ترى ما صنع سفهاء قومك؟ » فقال عبد الحكم:
« بل سفهاء قومك، طالت ولايتك وصيّرت الولاية لقومك دون ربيعة واليمن فبطروا، وفي ربيعة واليمن حلماء وسفهاء فغلب سفهاؤهم حلماءهم. » فقال عبّاد:
« أتستقبل الأمير بهذا الكلام؟ » فقال:
« دعه فقد صدق. » فقال أبو جعفر عيسى لنصر:
« أيّها الأمير حسبك من الولاية، فإنّه قد أظلّ أمر عظيم سيقوم رجل مجهول النسب يظهر السواد ويدعوا إلى دولة لا محالة ستكون فيغلب على الأمر وأنتم تنظرون وتضطربون. » فقال نصر:
« ما أشبه أن يكون ما تقول لقلّة الوفاء وسوء ذات البين. وجّهت إلى الحارث وهو بأرض الترك فعرضت عليه الولاية والأموال فأبى إلّا الشغب ثم ظاهر عليّ. » فقال أبو جعفر عيسى:
« إنّ الحارث مقتول مصلوب، وما الكرمانيّ من ذلك ببعيد. » ولمّا خرج نصر من مرو وغلب الكرمانيّ عليها.
قال الحارث:
« إنّما أريد كتاب الله. » فقال مقاتل بن حيّان:
« في كتاب الله هدم الدور وإنهاب الأموال. » فبلغ الكرمانيّ فحبسه في خيمة في العسكر فكلّمه معمر بن مقاتل بن حيّان أو معمر بن حيّان أخوه فخلّاه. وأتى الكرمانيّ المسجد ووقف الحارث فخطب الكرمانيّ الناس وآمنهم.
وعسكر الكرمانيّ في مصلّى أسد. ومضى الحارث إلى باب دروازق سرخس فبعث إلى الحارث فأتاه فأنكر الحارث هدم الدور والإنهاب، فهمّ به الكرمانيّ ثم كفّ عنه.
وخرج بشر بن جرموز الضبي بخرقان فدعا إلى كتاب الله والسنّة وقال للحارث:
« إنّما قاتلت معك طلب العدل، فأمّا إذ كنت مع الكرمانيّ فقد علمت أنّك إنّما تقاتل ليقال: غلب الحارث. وهذه عصبيّة وليست مقاتلا معك. »
واعتزل في خمسة آلاف وقال:
« نحن الفئة العادلة ندعو إلى الحق ولا نقاتل إلّا من قاتلنا. » وأتى الحارث مسجد عياض فأرسل إلى الكرمانيّ يدعوه إلى أن يكون الأمر شورى. فأبى الكرمانيّ. وكتب أصحاب الحارث إلى الكرمانيّ وأصحابه:
« نوصيكم بتقوى الله وطاعته وتحريم ما حرّم الله عز وجل من دمائكم أمّا بعد، فإنّ اجتماعنا كان إلى الحارث ابتغاء الوسيلة إلى الله، ونصيحة لله في عباده، فعرّضنا أنفسنا للحرب، ودماءنا للسفك، وأموالنا للتلف، وصغر ذلك كلّه عندنا في جنب ما نرجو من ثواب الله ونحن وأنتم إخوان في الدين وأنصار على العدوّ، فاتّقوا الله وارجعوا إلى الحقّ فإنّا لا نريد سفك الدماء بغير حقّها. » وأقاموا أيّاما. فأتى الحارث بن سريج ثلمة في الحائط فوسّعها عند دور آل هشام بن أبي الهيثم فتفرّق عن الحارث أهل البصائر وقال: « غدرت. » وأقام معه نفر ودخل الكرمانيّ من باب سرخس فحاذى بالحارث ومرّ به المنخّل الأزدي فقتله السّميدع ونادى:
« يا لثارات لقيط. » واقتتلوا وعبّى الكرمانيّ ميمنته وميسرته واشتدّ الأمر بينهما فانهزم أصحاب الحارث وقتلوا ما بين الثلمة وعسكر الحارث وكان الحارث على بغل فنزل عنه وركب فرسا فحرن وانهزم. صحابه فبقى في مائة فقتل وقتل أخوه سوادة وجماعة معه نحو مائة.
وكفّ الكرمانيّ وكان قد قتل من أصحاب الكرمانيّ أيضا مائة. وصلب الحارث عند باب مدينة مرو بغير رأس وكان قتله بعد خروج نصر من مرو بثلاثين يوما. قتل يوم الأحد لستّ بقين من رجب.
وأصاب الكرمانيّ صفائح ذهب للحارث، فأخذها وأخذ أموال من خرج مع نصر، واصطفى متاع عاصم بن عمير، فقال إبراهيم:
« بأيّ شيء تستحلّ ماله؟ » فقال صالح من آل الوضّاح:
« اسقني دمه. » فحال بينه وبينه مقاتل بن سليمان وأتى به منزله.
وكان الحارث قبل مكاشفته الكرمانيّ ندم على اتباعه إيّاه. فلمّا همّ الكرمانيّ بقتال بشر بن جرموز، وكان عسكره خارجا عن المدينة، قال له الحارث:
« لا تعجل إلى قتالهم، فإني أردّهم إليك. » فخرج من العسكر في عشرة فوارس حتى أتى عسكر بشر وهو في خمسة آلاف. فأقام معهم وقال:
« ما كنت لأقاتلكم مع اليمانية. » وجعل المضريّون يتسلّلون من عسكر الكرمانيّ إلى الحارث حتى لم يبق مع الكرمانيّ مضريّ إلّا سلمة بن أبي عبد الله مولى بنى سليم فإنّه قال:
« لا أتبع الحارث أبدا فإني لم أره إلّا غادرا والمهلّب بن إياس. » وقال:
« لا أتبعه فإني لم أره قطّ إلّا في خيل تطرد. » فقاتلهم الكرمانيّ مرارا يقتتلون ثم يرجعون إلى خنادقهم فمرّة تكون لهولاء ومرّة لهولاء.
برذون الحارث
فالتقوا يوما وقد شرب مرثد بن عبد الله المجاشعي فخرج سكران على برذون للحارث فطعن فصرع وحماه فوارس تميم حتى تخلّص وعار البرذون.
فلمّا رجعوا لامه الحارث وقال:
« كدت تقتل نفسك. » فقال للحارث:
« إنّما تقول هذا لمكان برذونك، امرأته طالق إن لم آتك بأفره برذون في عسكرهم. » فالتقوا من غد فقال مرثد:
« أيّ برذون في عسكرهم أفره؟ » قال:
برذون عبد الله بن ديسم الغنوي. » وأشاروا له إلى موقفه فقاتل حتى وصل إليه فلمّا غشيه رمى ابن ديسم بنفسه عن برذونه وعلّق مرثد عنان البرذون في رمحه وقاده حتى أتى به الحارث وقال:
« هذا مكان برذونك. » فلقى مخلّد بن الحسن مرثدا فقال له يمازحه:
« ما أهيأ برذون بن ديسم تحتك! » فنزل عنه فقال:
« خذه. » قال:
« أردت أن تفضحني، أخذته منّا في الحرب وآخذه منك في السلم. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ويقال: إنّ الحارث لمّا أتى حائط مرو ليلا فنقب فيه بابا ودخله، وأصبح الكرمانيّ في أثره داخلا من الباب، قالت المضريّة للحارث:
« قد تركنا الخنادق فهو يومنا وقد فررت غير مرّة. » فترجّل، فقال:
« أنا فارسا خير لكم مني راجلا. » قالوا:
« لا نرضى إلّا أن تترجّل فترجّل، فقتل هو وأخوه بشر بن جرموز، وعدّة من فرسان تميم، وانهزم الباقون، وصلب الحارث وصفت مرو لليمن. فهدموا دور المضريّة. فقالت أمّ كثير الضبّيّة:
لا بارك الله في أنثى وعذّبها ** تزوّجت مضريّا آخر الدهر
أبلغ رجال تميم قول موجعة ** أحللتموها بدار الذّلّ والفقر
إن أنتم لم تكرّوا بعد جولتكم ** حتى تعيدوا رجال الأزد في الطمر
إني استحيت لكم من بذل طاعتكم ** هذا المزونيّ يحبيكم على قهر
توجيه أبي مسلم إلى خراسان
وفي هذه السنة وجّه إبراهيم بن محمّد أبا مسلم إلى خراسان. وكتب إلى أصحابه:
« إني قد أمرته بأمري، فاسمعوا منه واقبلوا قوله. فإني قد أمّرته على خراسان وما غلب عليه بعد ذلك. » فأتاهم فلم يقبلوا قوله ولا كتابه حتى خرجوا من قابل فالتقوا بمكّة عند إبراهيم، فأعلمه أبو مسلم أنّهم لم ينفذوا كتابه ولا أمره. فقال إبراهيم:
« إني عرضت هذا الأمر على غير واحد فأبوه عليّ فأجمعت رأيي على هذا. » وأشار عليه، وأمرهم بالسمع والطاعة له. وكان إبراهيم عرض ذلك على سليمان بن كثير فقال:
« لا إلى أمر اثنين أبدا. » ثم عرضه على إبراهيم بن سلمة فأبى. ثم قال إبراهيم لأبي مسلم:
« يا عبد الرحمن، إنّك رجل منّا أهل البيت، فاحفظ وصيتي: انظر هذا الحيّ من اليمن، فأكرمهم وحلّ بين أظهرهم فإنّ الله عز وجل لا يتمّم هذا الأمر إلّا بهم. وانظر هذا الحيّ من ربيعة، فاتهمهم في أمرهم. وانظر هذا الحيّ من ربيعة، فاتهمهم في أمرهم. وانظر هذا الحيّ من مضر، فإنّهم العدوّ القريب الدار، واقتل من شككت في أمره ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك منه شيء. وإن استطعت ألّا تدع بخراسان لسانا عربيّا فافعل. وأيّما غلام بلغ خمسة أشبار تتّهمه فاقتله. ولا تخالف هذا الشيخ يعنى سليمان بن كثير ولا تعصه، وإذا أشكل عليك أمر فاكتف به مني. »
أبو حمزة الخارجي يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمد
وفي هذه السنة لقي أبو حمزة الخارجي عبد الله بن يحيى طالب الحقّ فدعاه إلى مذهبه. وكان أبو حمزة واسمه المختار بن عوف الأزدي من أهل البصرة يوافى الموسم كلّ سنة يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمّد وآل مروان، حتى وافى عبد الله بن يحيى في آخر سنة. فقال لعبد الله بن يحيى:
« يا رجل، إني أسمع كلاما حسنا وأراك تدعو إلى حقّ، فانطلق معي فإني رجل مطاع في قومي. » فخرج به حتى ورد به حضرموت، فبايعه أبو حمزة على الخلافة ودعا إليه.
وكان أبو حمزة مرّ بمعدن سليم وكثير بن عبد الرحمن عامل على المعدن فسمع بعض كلامه فأمر به فجلد أربعين سوطا، ثم مضى إلى مكّة فلمّا قدم أبو حمزة المدينة وافتتحها تغيّب كثير حتى كان من أمرهم ما كان.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة
وفيها كان هلاك شيبان بن عبد العزيز
ذكر السبب في ذلك
كان السبب في ذلك أنّ الناس الخوارج لمّا قتل الضحّاك بن قيس الشيبانى رئيسهم ثم الخيبري بعده، ولّوا أمرهم شيبان وبايعوه. فكان مروان يقاتلهم.
فقال سليمان بن هشام بن عبد الملك للخوارج وهو يومئذ معهم في عسكرهم:
« إنّ الذي تفعلون ليس برأى فإن أخذتم، برأيي وإلّا انصرفت عنكم. » قالوا: « وما الرأي؟ » قال: « إنّ أحدكم يظفر ثم يستقتل فيقتل. فأرى أن تنصرف على حاميتك حتى تنزل الموصل وتخندق. » فقبل منه وارتحل واتّبعه مروان فكان إذا رحل عن منزل نزل موضعه حتى أتى الموصل فنزل شيبان بشرقيّ دجلة من الموصل وخندق ونزل مروان بإزائه من غربيّها وخندق. فأقام سنة يقاتلهم بكرة وعشية. فبرز يوما ابن أخي سليمان بن هشام، وكان مع عمّه سليمان في عسكر شيبان، فبارزه رجل من فرسان مروان، فأسره الرجل، وأتى به مروان فقال:
« أنشدك الله والرحم يا عمّ. » فقال: « ما بيني وبينك اليوم رحم. » فأمر به، وعمّه سليمان وأخوته ينظرون، فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه.
وكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بالمسير من قرقيسيا بجميع من معه إلى عبيدة بن سوّار خليفة الضحّاك بالعراق فلقى خيوله بعين التمر.
فقاتلهم فهزمهم وعليهم يومئذ المثنى بن عمران. ثم تجمّعوا له بالنخيلة من الكوفة فهزمهم، ثم تجمّعوا له بالصراة، ومعهم عبيدة فقتل عبيدة، وهزم أصحابه واستباح عسكرهم. فلم تكن لهم بقية بالعراق، واستولى ابن هبيرة عليها.
وكان منصور بن جمهور معهم فمضى حتى غلب على الماهين والجبل وسار سليمان بن هشام حتى لحق بابن معاوية الجعفري بفارس. وبقي ابن عمر بواسط حتى سار إليه ابن هبيرة فأخذه وحبسه. فكتب مروان إلى ابن هبيرة لمّا صفت له العراق أن: أمدّنى بعامر بن ضبارة في أهل الشام. فأمدّه به فسار في أهل الشام حتى انتهى إلى السنّ، فلقيه بها الجون بن كلاب الخارجي، فهزم ابن ضبارة حتى أدخله السن فتحصّن وجعل مروان يمدّه بالجنود من طريق البرّ حتى ينتهوا إلى السنّ، ثم يقطعوا دجلة إلى ابن ضبارة، حتى كثروا. فنهض إلى الجون فقتله.
وسار ابن ضبارة مصعدا إلى الموصل. فلمّا انتهى خبر الجون وقتله إلى شيبان ومسير عامر انخزل، وكان شيبان لمّا بلغه مسير ابن ضبارة خاف أن يأتيه من ورائه. فأرسل الجون مع عدّة وافرة ليشغله فحصره حتى كان من أمره ما كان.
ولحق أصحاب الجون بشيبان وابن ضبارة في آثارهم. فكان شيبان والخوارج يقاتلون من وجهين. نزل ابن ضباره من ورائهم ممّا يلي العراق ومروان أمامهم ممّا يلي الشام فقطع عنهم المادّة والميرة وغلت أسعارهم حتى بلغ الرغيف درهما. ثم ذهب الرغيف فلا شيء يشترى بغال ولا رخيص. فانتقل إلى شهرزور من أرض الموصل فعاب عليه ذلك أصحابه واختلفت كلمتهم وارتحل شيبان ومن معه وأخذوا على حلوان إلى الأهواز وفارس ووجّه مروان إلى ابن ضبارة ثلاثة من قواده في ثلاثة آلاف من رابطته.
أحدهم مصعب والآخر شقيق وعطيف.
وكتب إليه يأمرهم بأتّباعهم وألّا يقلع عنهم حتى يبيرهم ويستأصلهم، فلم يزل يتبعهم حتى وردوا فارس وخرجوا منها وهو في ذلك يستسقط من لحق من أخرياتهم حتى تفرّقوا، وأخذ شيبان في فرقة إلى البحرين فقتل بها.
وأقبل عامر بن ضبارة حتى نزل بإزاء ابن معاوية، وناهضه القتال، فانهزم ابن معاوية ولحق بهراة. وسار سليمان إلى جيرفت فركب السفن فيمن معه من مواليه وأهل بيته إلى السند، وانصرف مروان إلى منزله من حرّان وأقام بها إلى أن شخص منها إلى الزاب.
إبراهيم بن محمد يأمر أبا مسلم بإظهار الدعوة والتسويد بخراسان
وفي هذه السنة أمر إبراهيم بن محمد أبا مسلم وكان شخص من خراسان يريده حتى بلغ قومس، بالانصراف إلى شيعته بخراسان وأمره بإظهار الدعوة إليهم والتسويد.
ذكر الخبر عن ذلك وعن مبدأ أمرهم
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
لم يزل أبو مسلم يختلف إلى خراسان حتى وقعت العصبيّة بها. فلمّا اضطرب الحبل كتب سليمان بن كثير إلى أبي سلمة الخلّال يسأله أن يكتب إلى الإمام حتى يوجّه رجلا من أهل بيته فكتب أبو سلمة إلى إبراهيم. فبعث أبا مسلم، وقد كتبنا خبره فيما تقدّم، ثم كتب إبراهيم إلى أبي مسلم يأمره بالقدوم عليه، يسأله عن أخبار الناس. فخرج في النصف من جمادى الآخرة مع سبعين نفرا من النقباء بالدّندانقان من أرض خراسان. فعرض له كامل أو ابن كامل فقال: « أين تريدون؟ » قالوا: « الحجّ. » ثم خلا به أبو مسلم فدعاه فأجابه وكفّ عنه. ومضى أبو مسلم إلى بيرود فأقام بها. ثم سار إلى نسا وعليها سليمان بن قيس السلمى عاملا لنصر بن سيّار، وكان قد تعرّض قبل ورود أبي مسلم لقوم من الشيعة فأخذهم. وبلغ أبا مسلم فتنكّب الطريق وأخذ في أسفل القرى حتى أتى قومس وعليها بيهس بن بديل العجلى فأتاهم بيهس فقال: « أين تريدون؟ » قالوا: « نريد الحجّ. » قال: « معكم فضل برذون تبيعونه؟ » قال أبو مسلم: « أمّا بيعا فلا ولكن خذ أيّ دوابّ شئت. » قال: « أعرضوها عليّ. » فعرضوها عليه فأعجبه برذون منها سمند. فقال أبو مسلم: « هو لك. » قال: « لا أقبله إلّا بثمن. » قال: « احتكم. » قال: « سبعمائة. » قال: « هو لك. » فأتاه وهو بقومس كتاب من الإمام وكتاب إلى سليمان بن كثير. فكان في كتاب أبي مسلم: « إني قد بعثت إليك براية النصر، فارجع من حيث لقيك كتابي ووجّه قحطبة بما معك يوافنى به بالمواسم. »
فانصرف أبو مسلم إلى خراسان، ووجّه قحطبة إلى الإمام فلمّا كانوا بنسإ عرض لهم صاحب مسلحة في قرية من قرى نسا فقال لهم: « من أنتم؟ » قالوا: « أردنا الحجّ. فبلغنا عن الطريق شيء خفناه. »
فرفعهم إلى عاصم بن قيس الشامي، فسألهم عن خبرهم فأخبروه فقال:
« ارتحلوا. » وأمر المفضّل وكان على شرطته أن يزعجهم فخلا أبو مسلم بالمفضّل، فأجابه، وقال:
« ارتحلوا على مهل ولا تعجلوا. » وأقام عندهم حتى ارتحلوا. فقدم أبو مسلم مرو في أوّل يوم من شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائة. فدفع كتاب الإمام إلى سليمان بن كثير. وكان فيه أن:
« أظهر دعوتك ولا تربّص. » فنصبوا أبا مسلم وقالوا:
« رجل من أهل البيت. » ودعوا إلى طاعة بنى العبّاس، وأرسلوا إلى من قرب منهم ومن بعد ممّن أجابهم فأمروهم بإظهار أمرهم والدعاء. فنزل أبو مسلم قرية من قرى خزاعة يقال لها سيكيذنج وشيبان وابن الكرماني يقاتلان نصر بن سيّار.
فبثّ أبو مسلم دعاته في الناس وظهر أمره وقال الناس:
« قدم رجل من بنى هاشم. » فاتوه من كلّ وجه، وظهر يوم الفطر في قرية خالد بن إبراهيم. فصلّى بالناس يوم الفطر القاسم بن مجاشع المري ثم ارتحل فنزل باللين وهي قرية لخزاعة فوافاه في يوم واحد أهل ستين قرية.
فأقام اثنين وأربعين يوما. وكان أوّل فتح أتى أبا مسلم من قبل موسى بن كعب في بيرود وتشاغل بقتل عاصم بن قيس ثم جاء فتح من قبل مرو الرود.
وكان أبو مسلم وجّه أبا الجهم ابن عطيّة إلى العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في شهر رمضان لخمس تبقى من الشهر، فإن أعجلهم عدوّهم دون الوقت فعرضوا لهم بالأذى والمكروه، فقد حلّ لهم أن يدفعوا عن أنفسهم، وأن يظهروا السيوف ويجرّدوها من أغمادها ويجاهدوا أعداء الله، وإن شغلهم عدوّهم عن الوقت فلا حرج عليهم أن يظهروا بعد الوقت.
الظل والسحاب
فلمّا كان ليلة الخميس لخمس تبقى من شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائة اعتقد اللواء الذي بعث به الإمام الذي يدعى: الظلّ، على رمح طوله أربع عشرة ذراعا، وعقد الراية التي بعث بها الإمام التي تدعى: السحاب، على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعا وهو يتلو: « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. » ولبس السواد هو وسليمان بن كثير وأخوه سليم ومواليه ومن كان أجاب الدعوة من أهل إسفيدنج وأوقد النيران ليلته للشيعة وكانت العلامة، فتجمّعوا له حين أصبحوا معدّين. وتأويل هذين الاسمين: الظلّ والسحاب، أنّ السحاب يطبّق الأرض فكذلك دعوة ولد العبّاس تطبّق الأرض، وتأويل الظلّ أنّ الأرض لا تخلو من الظلّ أبدا، فكذلك لا تخلو الأرض من خليفة عبّاسيّ أبد الدهر.
وقدمت على أبي مسلم الدعاة من أهل مرو بمن أجاب الدعوة فكان أوّل من قدم عليه أهل التقاذم مع أبي الوضّاح في تسع مائة راجل وأربعة فرسان. وقدم أهل السقاذم مع أبي القاسم محرز بن إبراهيم في ألف وثلاثمائة راجل وستّة عشر فارسا، فجعل أهل التقاذم يكبّرون من ناحيتهم وأهل السقاذم يجيبونهم بالتكبير. فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا عسكر أبي مسلم بسيفيذنج وذلك يوم السبت من بعد ظهور أبي مسلم بيومين.
وأمر أبو مسلم أن يرمّ حصن سيفيذنج وتحصّن وتدرّب سيفيذنج بالدروب. فلمّا حضر العيد من يوم الفطر بسيفيذنج أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلّى به وبالشيعة، ونصب له منبرا في العسكر، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة. وكانت يومئذ تبدأ بالخطبة بأذان ثم الصلاة بإقامة على رسم صلاة يوم الجمعة، فيخطبون على المنابر جلوسا في الجمع والأعياد. وأمر أبو مسلم سليمان بن كثير في الركعة الأولى أن يكبّر ستّ تكبيرات تباعا. ثم يقرأ ويركع السادسة ويفتتح الخطبة بالتكبير ثم يختمها بالقرآن، وكانت بنو أميّة تكبّر في الركعة الأولى أربع تكبيرات يوم العيد، وفي الثانية ثلاث تكبيرات. فلمّا قضى سليمان بن كثير الخطبة والصلاة انصرف أبو مسلم والشيعة إلى طعام قد أعدّه لهم أبو مسلم فطعموا مستبشرين.
وكان أبو مسلم وهو في الخندق، إذا كتب إلى نصر بن سيّار، يكتب:
« للأمير نصر » فلمّا قوى بمن اجتمع إليه في خندقه من الشيعة بدأ بنفسه.
وكتب إلى نصر:
« أمّا بعد، فإنّ الله، تباركت أسماؤه وتعالى ذكره، عيّر قوما فقال:
« وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى من إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا، اسْتِكْبارًا في الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلًا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلًا. » فتعاظم نصر الكتاب، وأنّه بدأ بنفسه وكسر له إحدى عينيه وأطال الفكرة ثم قال:
« هذا كتاب له أخوات. » ولمّا استقرّ بأبي مسلم معسكره بالماخوان أمر محرز بن إبراهيم أن يخندق خندقا بجيرنج، ويجمع إليه أصحابه ومن نزع إليه من الشيعة فيقطع مادّة نصر بن سيّار من مرو الرود ومن بلخ من كور طخارستان. ففعل ذلك محرز واجتمع إليه في خندقه نحو من ألف رجل. فأمر أبو مسلم كامل بن مظفّر أن يوجّه رجلا إلى خندق محرز بن إبراهيم لعرض من فيه وإحصاءهم في دفتر بأسمائهم وأسماء آباءهم وقراهم. فوجّه كامل حميدا الأرزق الكاتب، فأحصى في خندق محرز ثمانمائة رجل وأربعة رجال وأسماء آباءهم وقراهم، فوجّه من أهل الكفّ، فكان يجلب له الغنم من هراة إلى مرو، ومن ربع خرفان ومن ربع السقاذم. ظم يزل محرز مقيما في خندقه حتى دخل أبو مسلم حائط مرو وعطّل الخندق بماخوان وإلى أن عسكر بباب سرخس يريد نيسابور فضمّ إليه محرزا وأصحابه.
نصر يوجه يزيد لمحاربة أبي مسلم أول حرب وقعت بين العباسية وبنى مروان
ثم إنّ نصر بن سيّار وجّه مولى له يقال له: يزيد، في خيل عظيمة لمحاربة أبي مسلم، وذلك بعد ثمانية عشر شهرا من ظهوره. فوجّه إليه أبو مسلم أبا نصر مالك بن الهيثم الخزاعي ومعه مصعب بن قيس. فالتقوا بقرية تدعى: آلين، فدعاهم مالك إلى الرضا من آل رسول الله ، فاستكبروا عن ذلك.
فصافّهم مالك وهو في نحو من مائتين من أوّل النهار إلى وقت العصر.
وقدم على أبي مسلم، صالح بن سليمان الضبي، وإبراهيم بن يزيد، وزياد بن عيسى، فوجّههم إلى مالك بن الهيثم، فقدموا عليه مع العصر، فقوى بهم.
فقال يزيد مولى نصر بن سيّار لأصحابه:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« إن تركنا هولاء الليلة، أتتهم الأمداد، فاحملوا على القوم. » ففعلوا، فترجّل أبو نصر، وحضّ أصحابه، فاجتلدوا جلادا صادقا، وصبر الفريقان فقتل من شيعة بنى مروان نفر وأسر جماعة. وحمل عبد الله الطائي على يزيد مولى نصر وهو عميد القوم، فأسره، وانهزم أصحابه. فوجّه أبو نصر بالأسير مع عبد الله الطائي وعدّة من أصحابه ومعهم الأسرى والرؤوس. وأقام أبو نصر في معسكره، فقدم الوفد على أبي مسلم في معسكره بسيفيذنج. فأمر أبو مسلم بالرؤوس فنصبت على باب الحائط الذي في معسكره، ودفع يزيد والأسرى إلى أبي إسحاق خالد بن عثمان، وأمره أن يعالج يزيد مولى نصر من جراحات كانت به ويحسن تعهّده.
وكتب إلى أبي نصر مالك بالقدوم عليه. فلمّا اندمل يزيد مولى نصر من جراحاته دعاه أبو مسلم فقال:
« إن شئت أن تقيم معنا وتدخل في دعوتنا، فقد أرشدك الله، وإن كرهت فارجع إلى مولاك سالما وأعطنا عهدك بالله ألّا تحاربنا أبدا، ولا تكذب علينا، وأن تقول فينا ما رأيت. » فاختار الرجوع إلى مولاه. فخلّى له الطريق وقال أبو مسلم لأصحابه:
« إنّ هذا سيردّ عنكم الورع والصلاح فإنّا عندهم على غير الإسلام. » وكذلك كانوا عندهم يرجفون عليهم بعبادة الأوثان واستحلال الدماء والأموال والفروج. فلمّا قدم يزيد على نصر قال له:
« لا مرحبا بك، والله ما استبقاك القوم إلّا ليتّخذوك حجّة علينا. » قال يزيد:
« فهو والله ما ظننت. وقد استحلفونى الّا أكذب عليهم. وأشهد: لقد رأيتهم يصلّون الصلاة الخمس لمواقيتها بأذان وإقامة، ويتلون القرآن ويذكرون الله كثيرا ويدعون إلى ولاية آل رسول الله ، وما أحسب أمرهم إلّا سيعلوا ويظهر. » فهذه أوّل حرب كانت بين الشيعة العبّاسية وشيعة بنى مروان.
وقد روى في مبدأ خبر أبي مسلم رواية أخرى، وهي أنّ أبا مسلم لمّا قدم خراسان كان حديث السنّ، فلم يقبله سليمان بن كثير وتخوّف ألّا يقوى على أمرهم وخاف على نفسه وأصحابه فردّه.
احتجاج أبي داود
وكان أبو داود خالد بن إبراهيم غائبا وراء نهر بلخ. فلمّا انصرف وقدم مرو أقرأوه كتاب الإمام فسأل عن الرجل الذي وجّهه فأخبروه أنّ سليمان بن كثير ردّه.
فأرسل إلى جميع النقباء فاجتمعوا في منزل عمران بن إسماعيل. فقال لهم أبو داود:
« أتاكم كتاب الإمام إبراهيم فيمن وجهّه إليكم فرددتموه، فما حجّتكم في ردّه؟ » فقال سليمان بن كثير:
« لحداثة سنّه، وتخوّفنا ألّا يقدر على القيام بهذا الأمر وأشفقنا على من دعونا إليه وعلى أنفسنا. » فقال أبو داود:
« هل فيكم من يشكّ أنّ الله، عز وجل، اختار محمدا ، وانتخبه واجتباه، وبعثه برسالته إلى جميع خلقه؟ » قالوا:
« لا. » قال:
« أفتشكّون أنّ الله أنزل عليه كتابه فأتاه به الروح الأمين، أحلّ فيه حلاله، وحرّم فيه حرامه وشرع [ فيه ] شرائعه وسنّ فيه سننه وأنبأه فيه بما كان قبله وما هو كان كائن بعده إلى يوم القيامة؟ » قالوا: « لا. » قال:
« أفتشكّون أنّ الله قبضه إليه بعد ما أدّى ما عليه من رسالة ربّه؟ » قالوا: « لا. » قال:
« أفتظنّون أنّ ذلك العلم الذي أنزله عليه ليقوّمنا به رفع مع أو خلّفه؟ » قالوا: « بل خلّفه. » قال:
« أفتظنّونه خلّفه عند غير عترته وأهل بيته الأقرب فالأقرب؟ » قالوا: « لا. » قال:
« فهل فيكم من إذا رأى من هذا الأمر إقبالا ورأى الناس مجيبين إليه، بدا له أن يصرف ذلك إلى نفسه؟ » قالوا: « اللهم لا، وكيف يكون ذلك؟ » قال:
« لست أقول إنّكم فعلتم، ولكن الشيطان ربّما نزغ النزغة فيما يكون وفيما لا يكون. » قال:
« فهل فيكم أحد بدا له أن يصرف هذا الأمر عن أهل البيت إلى غيرهم من عترة النبي ؟ » قالوا: « لا. » قال:
« أفتشكون في أنّهم معدن العلم وأصحاب ميراث رسول الله ؟ » قالوا:
« اللهم لا » قال:
« فأراكم قد شككّتم في أمركم، ورددتم عليهم علمهم، ولو لم يعلموا أنّ هذا الرجل هو الذي ينبغي له أن يقوم بأمرهم لم يبعثوه إليكم وهو لا يتّهم في موالاتهم ونصرتهم والقيام بحقّهم. »
رد أبي مسلم من قومس وتولية الأمر إياه
فبعثوا إلى أبي مسلم وردّوه من قومس بقول أبي داود، وولّوه أمرهم وسمعوا له وأطاعوا. فلم تزل تلك في نفس أبي مسلم على سليمان بن كثير ولم يزل يعرفها لأبي داود.
وأطاعت الشيعة من النقباء وغير هم أمر أبي مسلم. فبثّ الدعاة في أقطار خراسان ودخل الناس أفواجا. وكتب إليه إبراهيم في إظهار دعوته وأن يوجّه إليه بقحطبة بن شبيب ويحمل إليه ما اجتمع عنده من الأموال، فكان اجتمع عنده ثلاثمائة ألف وستون ألف درهم، فاشترى بها متاع التجار من القوهيّ والمرويّ والحرير والفرند، وجعلها بعضها سبائك ذهب وفضّة وجعلها في الأقبية المحشوّة وأشباهها. فبعث جميع ذلك مع قحطبة حين اجتمعت القوافل وأمن على ما أنفذه.
تحالف عامة قبائل العرب في خراسان على قتال أبي مسلم
وفي هذه السنة تحالفت عامّة من كان بخراسان من قبائل العرب على قتال أبي مسلم وذلك حين كثر أتباع أبي مسلم وقوى أمره.
ذكر السبب في ذلك
لمّا ظهر أبو مسلم، سارع إليه الناس، وجعل أهل مرو يأتونه لا يعرض لهم أحد، وكان الكرمانيّ وشيبان لا يكرهان أمر أبي مسلم لأنّه دعا إلى خلع بنى مروان وأبو مسلم في آلين في خباء ليس له حرس ولا حجّاب. فعظم أمره عند الناس وقالوا:
« ظهر رجل من بنى هاشم له حلم ووقار وعليه سكينة. » فانطلق عند ذلك فتية من أهل مرو نسّاك، كانوا يطلبون الفقه، فأتوا أبا مسلم في عسكره. فسألوه عن نسبه فقال:
« خبري خير لكم من نسبي. » وسألوه عن أشياء من الفقه فقال:
« إنّ أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر خير لكم من هذا ونحن في شغل فاعفونا لنتوفّر على ما أنتم أحوج ونحن إليه. » قالوا:
« والله ما نعرف لك نسبا ولا نظنّك تبقى إلّا قليلا حتى تقتل وما بينك وبين ذلك إلّا أن يتفرّغ لك أحد هذين الأميرين. » قال أبو مسلم:
« بل أنا أقتلهما إن شاء الله. » ورجع الفتية فأتوا نصرا فحدّثوه. فقال:
« جزاكم الله خيرا مثلكم تفقّد هذا وعرفه. » وأتوا شيبان فأعلموه. فقال:
« نحن قد أشجى بعضنا بعضا. » فأرسل إليه نصر:
« إن شئت فكفّ عني حتى أقاتله وإن شئت فجامعنى على حربه حتى أقتله أو أنفيه، ثم نعود لأمرنا. » فهمّ شيبان أن يفعل ذلك وظهر في العسكر، وأتت عيون أبي مسلم أبا مسلم فأخبروه. فقال سليمان لأبي مسلم:
« ما هذا الأمر الذي بلغهم تكلّمت عند أحد بشيء؟ » فأخبره بخبر الفتية فقال:
« هذا إذا لذاك. » فكتبوا إلى علي بن الكرمانيّ: إنّك موتور. قتل أبوك ونحن نعلم أنّك لست على رأى شيبان، وإنّما تقاتل لثأرك، فامنع شيبان من صلح نصر.
فدخل على شيبان فكلّمه وثناه عن رأيه. فأرسل نصر إلى شيبان:
« إنّك مغرور، وأيم الله إني أرى هذا الأمر يتفاقم حتى تستصغرنى في جنبه. » فبينا هم في أمرهم إذ بعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبي إلى هراة وعليها عيسى بن عقيل بن معقل الليثي، فطرده من هراة. فقدم عيسى بن عليّ على نصر منهزما، وغلب النضر على هراة، وغلب خازم بن خزيمة على مرو الروّد، وقتل عامل نصر بن سيّار، وكتب بالفتح إلى أبي مسلم مع ابنه خزيمة بن خازم.
فقال يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيبانى:
« اختاروا إمّا أن تهلكوا أنتم قبل مضر أو تهلك مضر قبلكم. » قالوا:
« وكيف ذلك؟ » قال:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)