قال الواقدي: قاتل رسول الله ص في إحدى عشرة، ذكر من ذلك التسع التي ذكرتها عن ابن إسحاق؛ وعد معها غزوة وادي القرى، وأنه قاتل فيها فقتل غلامه مدعم، رمى بسهم. قال: وقاتل يوم الغابة، فقتل من المشركين، وقتل محرز بن نضلة يؤمئذ.
ذكر جملة السرايا والبعوث
واختلف في عدد سراياه ص، حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: كانت سرايا رسول الله ص وبعوثه - فيما بين أن قدم المدينة وبين أن قبضه الله - خمسًا وثلاثين بعثًا وسرية: سرية عبيدة بن الحارث إلى أحياء من ثنية المرة، وهو ماء بالحجاز، ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب إلى ساحل البحر من ناحية العيص - وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة - وغزوة سعد بن أبي وقاص إلى الخرار من أرض الحجاز، وغزوة عبد الله بن جحش إلى نخلة، وغزوة زيد ابن حارثة القردة؛ ماء من مياه نجد، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة من طريق العراق، وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن، وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي - كلب ليث - الكديد، وأصاب بلملوح، وغزوة علي بن أبي طالب إلى بني عبد الله بن سعد من أهل فدك، وغزوة ابن أبي العوجاء السلمى أرض بني سليم؛ أصيب بها هو وأصحابه جميعًا، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة، وغزوة أبي سلمة بن عبد الأسد قطنًا؛ ماء من مياه بني أسد من ناحية نجد قتل فيها مسعود بن عروة، وغزوة محمد بن مسلمة؛ أخي بني الحارث إلى القرطاء من هوازن، وغزوة بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك، وغزوة بشير بن سعد أيضًا إلى يمن وجناب؛ بلد من أرض خيبر - وقيل يمن وجبار؛ أرض من أرض خيبر، وغزوة زيد بن حارثة الجموم؛ من أرض بني سليم، وغزوة زيد بن حارثة أيضًا جذام من أرض حسمي - وقد مضى ذكر خبرها قبل - وغزوة زيد بن حارثة أيضًا وادي القرى، لقي بني فزارة.
وغزوة عبد الله بن رواحة خيبر مرتين: إحداهما التي أصاب الله فيها يسير بن رزام - وكان من حديث يسير بن رزام اليهودي أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله ، فبعث إليه رسول الله عبد الله بن رواحة في نفر من أصحابه؛ منهم عبد الله بن أنيس حليف بني سلمة، فلما قدموا عليه كلموه وواعدوه وقربوا له، وقالوا له: إنك إن قدمت على رسول الله استعملك وأكرمك؛ فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود؛ فحمله عبد الله بن أنيس على بعيره وردفه حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر على ستة أميال ندم يسير بن رزام على سيره إلى رسول الله، ففطن له عبد الله ابن أنيس وهو يريد السيف؛ فاقتحم به؛ ثم ضربه بالسيف فقطع رجله وضربه يسير بمخرش في يده من شوحط، فأمه في رأسه، وقتل الله يسيرا؛ ومال كل رجل من أصحاب رسول الله ص على صاحبه من يهود فقتله إلا رجلًا واحدًا أفلت على راحلته؛ فلما قدم عبد الله ابن أنيس على رسول الله ص تفل على شجته فلم تقح ولم تؤذه.
وغزوة عبد الله بن عتيك إلى خيبر؛ فأصاب بها أبا رافع؛ وقد كان رسول الله ص بعث محمد بن مسلمة وأصحابه - فيما بين بدر وأحد - إلى كعب بن الأشرف فقتلوه، وبعث رسول الله ص عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي - وهو بنخلة أو بعرنة - يجمع لرسول الله ليغزوة، فقتله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن أنيس، قال: دعاني رسول الله ص، فقال: إنه بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني - وهو بنخلة أو بعرنة - فأته فاقتله، قال: قلت: يا رسول الله؛ انعته لي حتى أعرفه، قال: إذا رأيته أذكرك الشيطان! إنه آية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة. قال: فخرجت متوشحًا سيفي حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلًا حيث كان وقت العصر؛ فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله ص من القشعريرة، فأقبلت نحوه، وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه، أومي برأسي إيماء؛ فلما انتهيت إليه قال: من الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل؛ فجاءك لذلك، قال: أجل، أنا في ذلك؛ فمشيت معه شيئًا حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته؛ ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه. فلما قدمت على رسول الله وسلمت عليه ورآني، قال: أفلح الوجه! قال: قلت: قد قتلته. قال: صدقت! ثم قام رسول الله فدخل بيته، فأعطاني عصا، فقال: أمسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس. قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟ قلت: أعطانيها رسول الله، وأمرني أن أمسكها عندي، قالوا: أفلا ترجع إلى رسول الله فتسأله لم ذلك؟ فرجعت إلى رسول الله، فقلت: يا رسول الله، لم أعطيتني هذه العصا؟ قال: آية ما بيني وبينك يوم القيامة؛ إن أقل الناس المتخصرون يومئذ؛ فقرنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها فضمت معه في كفنه، ثم دفنا جميعًا.
ثم رجع الحديث إلى حديث عبد الله بن أبي بكر. قال: وغزوة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام، وغزوة كعب بن عمير الغفاري بذات أطلاح من أرض الشأم، فأصيب بها هو وأصحابه، وغزوة عيينة بن حصن بني العنبر من بني تميم؛ وكان من حديثهم أن رسول الله ص بعثه إليهم؛ فأغار عليهم؛ فأصاب منهم ناسًا، وسبى منهم سبيًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن عائشة قالت لرسول الله ص: يا رسول الله؛ إن علي رقبة من بني إسماعيل، قال: هذا سبى بني العنبر يقدم الآن فنعطيك إنسانًا فتعتقينه. قال ابن إسحاق: فلما قدم سبيهم على رسول الله ص ركب فيهم وفد من بني تميم، حتى قدموا على رسول الله ص؛ منهم ربيعة بن رفيع، وسبرة بن عمرو، والقعقاع بن معبد، ووردان بن محرز، وقيس بن عاصم، ومالك بن عمرو، والأقرع بن حابس، وحنظلة بن درام، وفراس بن حابس. وكان ممن سبى من نسائهم يومئذ أسماء بنت مالك، وكأس بنت أرى، ونجوة بنت نهد وجميعة بنت قيس، وعمرة بنت مطر.
ثم رجع إلى حديث عبد الله بن أبي بكر. قال: وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة؛ فأصاب بها مرداس بن نهيك؛ حليفًا لهم من الحرقة من جهينة، قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار، وهو الذي قال فيه النبي لأسامة: من لك بلا إله إلا الله! وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل، وغزوة ابن أبي حدرد وأصحابه إلى بطن إضم، وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمى إلى الغابة، وغزوة عبد الرحمن ابن عوف.
وبعث سرية إلى سيف البحر، وعليهم أبو عبيدة بن الجراح؛ وهي غزوة الخبط.
حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد، قال: قال محمد ابن عمر: كانت سرايا رسول الله ص ثمانيًا وأربعين سرية.
قال الواقدي: في هذه السنة قدم جرير بن عبد الله البجلي على رسول الله ص مسلمًا في رمضان، فبعثه رسول الله إلى ذي الخلصة فهدمها.
قال: وفيها قدم وبر بن يحنس على الأنباء باليمن، يدعوهم إلى الإسلام فنزل على بنات النعمان بن بزرج فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم، وإلى مركبود وعطاء ابنه، ووهب بن منبه، وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه.
قال: وفيها أسلم باذان، وبعث إلى النبي ص بإسلامه.
قال أبو جعفر: وقد خالف في ذلك عبد الله بن أبي بكر من قال: كانت مغازي رسول الله ص ستًا وعشرين غزوة، من أنا ذاكره: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا زهير؛ عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: سمعت منه أن رسول الله غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعد ما هاجر حجة، لم يحج غير حجة الوداع. وذكر ابن إسحاق حجة بمكة.
قال أبو إسحاق: فسألت زيد بن أرقم: كم غزوت مع رسول الله؟ قال: سبع عشرة.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق؛ أن عبد الله بن يزيد الأنصاري خرج يستسقي بالناس، قال: فصلى ركعتين ثم استسقى. قال: فلقيت يومئذ زيد بن أرقم، قال: ليس بيني وبينه غير رجل - أو بيني وبينه رجل - قال: فقلت: كم غزا رسول الله ص؟ قال: تسع عشرة غزوة، فقلت: كم غزوت معه؟ قال: سبع عشرة غزوة، فقلت: فما أول غزوة غزا؟ قال: ذات العسير - أو العشير.
وزعم الواقدي أن هذا عندهم خطأ؛ حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: قلت لزيد بن أرقم: كم غزوت مع رسول الله ص؟ قال: سبع عشرة غزوة، قلت: كم غزا رسول الله ص؟ قال: تسع عشرة غزوة. قال الحارث: قال ابن سعد: قال الواقدي: فحدثت بهذا الحديث عبد الله بن جعفر، فقال: هذا إسناد أهل العراق؛ يقولون هكذا؛ وأول غزوة غزاها زيد بن الأرقم المريسيع؛ وهو غلام صغير، وشهد مؤتة رديف عبد الله بن رواحة؛ وما غزا مع النبي ص إلا ثلاث غزوات أو أربعا.
وروى عن مكحول في ذلك ما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا ابن عمر، قال: حدجثني سويد بن عبد العزيز، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول، قال: غزا رسول الله ص ثماني عشرة غزوة؛ قاتل من ذلك في ثمان غزوات أولهن بدر وأحد والأحزاب وقريظة.
قال الواقدي: فهذان الحديثان: حديث زيد بن الأرقم وحديث مكحول جميعًا غلط.
ذكر الخبر عن حج رسول الله صص
حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: حدثنا زيد بن الحارث، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن النبي ص حج ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر، معها عمرة.
حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: اعتمر رسول الله ص عمرتين قبل أن يحج، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: اعتمر رسول الله أربع عمر؛ قد علم ذلك عبد الله بن عمر، منهن عمرة مع حجته.
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، قال: حدثنا أبو حمزة، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عمر يقول: اعتمر رسول الله ص ثلاث عمر. فبلغ عائشة، فقالت: لقد علم ابن عمر أنه اعتمر أربع عمر، منها عمرته التي قرن معها الحجة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد؛ فإذا ابن عمر جالس عند حجرة عائشة، فقلنا: كم اعتمر النبي ص؟ فقال: أربعًا؛ إحداهن في رجب، فكرهنا أن نكذبه ونرد عليه، فسمعنا استنان عائشة في الحجرة، فقال عروة بن الزبير: يا أمه، يا أم المؤمنين، أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن! فقالت: وما يقول؟ قال: يقول: إن النبي ص اعتمر أربع عمر: إحداهن في رجب، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن! ما اعتمر النبي عمرة إلا وهو شاهد، وما اعتمر في رجب.
ذكر الخبر عن أزواج رسول الله
ومن منهن عاش بعده ومن منهن فارقه في حياته والسبب الذي فارقه من أجله ومن منهن مات قبله
فحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي أن رسول الله ص تزوج خمس عشرة امرأة؛ دخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، وتوفي عن تسع.
تزوج في الجاهلية؛ وهو ابن بضع وعشرين سنة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي؛ وهي أول من تزوج، وكانت قبله عند عتيق بن عابد ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم؛ وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن معيص بن لؤي. فولدت لعتيق جارية، ثم توفي عنها وخلف عليها أبو هالة بن زرارة بن نباش بن زرارة بن حبيب بن سلامة بن غذي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم؛ وهو في بني عبد الدار بن قصى. فولدت لأبي هالة هند بن أبي هالة؛ ثم توفي عنها فخلف عليها رسول الله، وعندها ابن أبي هالة هند، فولدت لرسول الله ثمانية: القاسم، والطيب، والطاهر، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قال أبو جعفر: ولم يتزوج رسول الله ص في حياتها على خديجة حتى مضت لسبيلها؛ فلما توفيت خديجة تزوج رسول الله بعدها؛ فاختلف فيمن بدأ بنكاحها منهن بعد خديجة، فقال بعضهم: كانت التي بدأ بنكاحها بعد خديجة قبل غيرها عائشة بنت أبي بكر الصديق. وقال بعضهم: بل كانت سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر. فأما عائشة فكانت يوم تزوجها صغيرة لا تصلح للجماع؛ وأما سودة فإنها كانت امرأة ثيبًا، قد كان لها قبل النبي ص زوج؛ وكان زوجها قبل النبي السكران بن عمرو بن عبد شمس، وكان السكران من مهاجرة الحبشة فتنصر ومات بها؛ فخلف عليها رسول الله ص وهو بمكة.
قال أبو جعفر: ولا خلاف بين جميع أهل العلم بسيرة رسول الله أن رسول الله بنى بسودة قبل عائشة.
ذكر السبب الذي كان في خطبة رسول الله عائشة وسودة والرواية الواردة بأولاهما كان عقد عليها رسول الله عقدة النكاح
حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة، قالت: لما توفيت خديجة، قالت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص، امرأة عثمان بن مظعون وذلك بمكة: أي رسول الله، ألا تزوج؟ فقال: ومن؟ فقالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا، قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة بن قيس، قد آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه. قال: فاذهبي فاذكريهما على. فجاءت فدخلت بيت أبي بكر، فوجدت أم رومان؛ أم عائشة، فقالت: أى أم رومان؟ ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة، قالت: وددت! انتظري أبا بكر، فإنه آت، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر، ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة! أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي ابنة أخيه! فرجعت إلى رسول الله ، فقالت له ذلك، فقال: ارجعي إليه، فقولي له: أنت أخي في الإسلام، وأنا أخوك، وابنتك تصلح لي؟ فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: انتظريني حتى أرجع، فقالت أم رومان: إن المطعم بن عدي كان ذكرها على ابنه، ولا والله ما وعد شيئًا قط فأخلف. فدخل أبو بكر على مطعم، وعنده امرأته أم ابنه الذي كان ذكرها عليه، فقالت العجوز: يا بن أبي قحافة، لعلنا إن زوجنا ابننا ابنتك أن تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه! فأقبل على زوجها المطعم، فقال: ما تقول هذه؟ فقال: إنها تقول ذاك. قال: فخرج أبو بكر، وقد أذهب الله العدة التي كانت في نفسه من عدته التي وعدها إياه، وقال لخولة: ادعي لي رسول الله، فدعته فجاء فأنكحه؛ وهي يومئذ ابنة ست سنين. قالت: ثم خرجت فدخلت على سودة فقلت: أي سودة، ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله يخطبك عليه، قالت: فقالت: وددت! ادخلي علي أبي فاذكري له ذلك، قالت: وهو شيخ كبير قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه، فحييته بتحية أهل الجاهلية، ثم قلت: إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسلني أخطب عليه سودة، قال: كفء كريم؛ فماذا تقول صاحبته؟ قالت: تحب ذلك، قال: ادعيها إلى، فدعيت له، فقال: أي سودة، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوجكه؟ قالت: نعم، قال: فادعيه لي، فدعته، فجاء فزوجه، فجاء أخوها من الحج؛ عبد بن زمعة، فجعل يحثى في رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثى في رأسي التراب أن تزوج رسول الله سودة بنت زمعة؟ قال: قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فنزل أبو بكر السنح في بني الحارث بن الخزرج، قالت: فجاء رسول الله فدخل بيتنا، فاجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء، فجاءتني أمي وأنا في أرجوحة بين عذقين يرجح بي، فأنزلتني ثم وفت جميمة كانت لي، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني، حتى إذا كنت عند الباب وقفت بي حتى ذهب بعض نفسي، ثم أدخلت ورسول الله جالس على سرير في بيتنا. قالت: فأجلستني في حجره، فقالت: هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك؟ ووثب القوم والنساء، فخرجوا، فبنى بي رسول الله في بيتي، ما نحرت جزور ولا ذبحت على شاة، وأنا يومئذ ابنة تسع سنين، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله .
حدثنا علي بن نصر، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث - وحدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثني أبي - قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنه كتب إلى عبد الملك ابن مروان: إنك كتبت إلى في خديجة بنت خويلد تسألني: متى توفيت؟ وإنها توفيت قبل مخرج رسول الله من مكة بثلاث سنين أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة متوفي خديجة، كان رسول الله رأى عائشة مرتين، يقال له: هذه امرأتك، وعائشة يومئذ ابنة ست سنين.
ثم إن رسول الله بنى بعائشة بعد ما قدم المدينة وهي يوم بني بها ابنة تسع سنين.
رجع الخبر إلى خبر هشام بن محمد. ثم تزوج رسول الله عائشة بنت أبي بكر - واسمه عتيق بن أبي قحافة، وهو عثمان - ويقال عبد الرخمن بن عثمان - بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي ابنة سبع سنين؛ وجمع إليها بعد أن هاجر إلى المدينة وهي ابنة تسع سنين في شوال؛ فتوفي عنها وهي ابنة ثمان عشرة، ولم يتزوج رسول الله بكرًا غيرها، ثم تزوج رسول الله حروف حفصة بنت عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزي بن رياح بن عبد الله بن قرط بن كعب - وكانت قبله عند خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي ابن سعد بن سهم. وكان بدريًا، شهد بدرًا مع رسول الله - فلم تلد له شيئًا، ولم يشهد من بني سهم بدرًا غيره.
ثم تزوج رسول الله أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم؛ وكانت قبله عند أبي سلمة ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم؛ وشهد بدرًا مع رسول الله ص، وكان فارس القوم، فأصابته جراحة يوم أحد فمات منها؛ وكان ابن عمة رسول الله ورضيعه، وأمه برة بنت عبد المطلب ولدت له عمر، وسلمة، وزينب، ودرة؛ فلما مات كبر رسول الله ص على أبي سلمة تسع تكبيرات، فلما قيل: يا رسول الله، أسهوت أم نسيت؟ قال: لم أسه ولم أنس؛ ولو كبرت على أبي سلمة ألفًا كان أهلًا لذلك؛ ودعا النبي ص لأبي سلمة بخلفه في أهله. فتزوجها رسول الله ص قبل الأحزاب سنة ثلاث، وزوج سلمة بن أبي سلمة ابنة حمزة بن عبد المطلب.
ثم تزوج رسول الله ص عام المريسيع جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار بن حبيب بن مالك بن جذيمة - وهو المصطلق بن سعد بن عمرو - سنة خمس، وكانت قبله عند مالك بن صفوان ذي الشفر بن أبي سرح بن مالك بن المصطلق؛ لم تلد له شيئًا؛ فكانت صفية رسول الله ص يوم المريسيع، فأعتقها وتزوجها، وسألت رسول الله ص عتق ما في يده من قومها، فأعتقهم لها.
ثم تزوج رسول الله ص أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب؛ وكانت عند عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد - وكانت من مهاجرات الحبشة هي وزوجها، فتنصر زوجها وحاولها أن تتابعه فأبت وصبرت على دينها، ومات زوجها على النصرانية، فبعث رسول الله إلى النجاشي فيها، فقال النجاشي لأصحابه: من أولاكم بها؟ قالوا: خالد بن سعيد بن العاص، قال: فزوجها من نبيكم، ففعل وأمهرها أربعمائة دينار. ويقال: بل خطبها رسول الله ص إلى عثمان بن عفان، فلما زوجه إياها بعث إلى النجاشي فيها، فساق عنه النجاشي، وبعث بها إلى رسول الله ص.
ثم تزوج رسول الله زينب بنت جحش بن رئاب ابن يعمر بن صبرة؛ وكانت قبله عند زيد بن حارثة بن شراحيل مولى رسول الله ص، فلم تلد له شيئًا، وفيها أنزل الله عز وجل: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك " إلى آخر الآية فزوجها الله عز وجل إياه، وبعث في ذلك جبريل؛ وكانت تفخر على نساء النبي ص، وتقول: أنا أكرمكن وليًا، وأكرمكن سفيرًا.
ثم تزوج رسول الله صفية بنت حيى بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير؛ وكانت قبله تحت سلام بن مشكم بن الحكم بن حارثة بن الخزرج بن كعب بن الخزرج؛ وتوفي عنها وخلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقتله محمد بن مسلمة بأمر النبي ص، ضرب عنقه صبرًا، فلما تصفح النبي ص السبي يوم خيبر، ألقى رداءه على صفية، فكانت صفيه يوم خيبر؛ ثم عرض عليها الإسلام فأسلمت فأعتقها؛ وذلك سنة ست.
ثم تزوج رسول الله ميمونة بنت الحارث بن حزن ابن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال؛ وكانت قبله عند عمير ابن عمرو، من بني عقدة بن غيرة بن عوف بن قسى - وهو ثقيف - لم تلد له شيئًا، وهي أخت أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب، فتزوجها رسول الله ص بسرف في عمرة القضاء؛ زوجها إياه العباس ابن عبد المطلب؛ فتزوجها رسول الله.
وكل هؤلاء اللواتي ذكرنا أن رسول الله ص تزوجهن إلى هذا الموضع، توفي رسول الله وهن أحياء، غير خديجة بنت خويلد.
ثم تزوج رسول الله ص امرأة من بني كلاب بن ربيعة؛ يقال لها النشاة بنت رفاعة، وكانوا حلفاء لبني رفاعة من قريظة. وقد اختلف فيها، وكان بعضهم يسمى هذه سنا وينسبها، فيقول: سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية. وقال بعضهم: هي سبا بنت أسماء بن الصلت من بني حرام من بني سليم. وقالوا: توفيت قبل أن يدخل بها رسول الله ص، ونسبها بعضهم فقال: هي سنا بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سمال بن عوف السلمي.
ثم تزوج رسول الله صص الشنباء بنت عمرو الغفارية. وكانوا أيضًا حلفاء لبني قريظة، وبعضهم يزعم أنها قرظية، وقد جهل نسبها لهلاك بني قريظة، وقيل أيضًا إنها كنانية، فعركت حين دخلت عليه؛ ومات إبراهيم قبل أن تطهر، فقالت: لو كان نبيًا ما مات أحب الناس إليه؛ فسرحها رسول الله ص.
ثم تزوج رسول الله ص غزية بنت جابر من بني أبي بكر بن كلاب، بلغ رسول الله عنها جمال وبسطة، فبعث أبا أسيد الأنصاري، ثم الساعدي، فخطبها عليه، فلما قدمت على النبي ص - وكانت حديثة عهد بالكفر - فقالت: إني لم أستأمر في نفسي، إني أعوذ بالله منك؟! فقال النبي ص: امتنع عائذ الله. وردها إلى أهلها؛ ويقال: إنها من كندة.
ثم تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان بن الأسود ابن شراحيل بن الجون بن حجر بن معاوية الكندي، فلما دخل بها وجد بها بياضًا فمتعها وجهزها وردها إلى أهلها؛ ويقال: بل كان النعمان بعث بها إلى رسول الله فسرحته، فلما دخلت عليه استعاذت منه أيضًا، فبعث إلى أبيها، فقال له: أليست ابنتك؟ قال: بلى، قال لها: ألست ابنته؟ قالت: بلى، قال النعمان: عليكها يا رسول الله، فإنها وإنها.. وأطنب في الثناء فقال: إنها لم تيجع قط، ففعل بها ما فعل بالعامرية، فلا يدري: ألقو لها أم لقول أبيها: " إنها لم تيجع قط ".
وأفاء الله عز وجل على رسوله ريحانة بنت زيد، من بنت قريظة.
وأهدى لرسول الله ص مارية القبطية، أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية، فولدت له إبراهيم بن رسول الله.
فهؤلاء أزواج رسول الله ص، منهن ست قرشيات.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)