ورضيت والله يا أمير المؤمنين بأن أكون له سائساً ، ثم مضى إلى قبة فأخرج منهاجارية لم تر عيناي أحسن منها حسناً وجمالاً ، فحملها على ناقة

ثم قال: ياعمرو ، فقلت : لبيك ! قال : إما أن تحميني وأقود الناقة أو أحميك وتقودها أنت؟

قلت: لا بل أقودها وتحميني أنت ، فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا حتىأصبحنا

قال: يا عمرو قلت: ما تشاء ؟ قال: التفت فانظر هل ترى أحداً؟

فالتفت فرأيت رجالاً فقلت: اغذذ السير

ثم قال: يا عمرو انظر إنكانوا قليلاً فالجلد والقوة وهو الموت الأحمر ، وإن كانوا كثيراً فليسوابشيء

فالتفت وقلت: وهم أربعة أو خمسة قال: اغذذ السير ففعلت ، ووقف وسمع وقعحوافر الخيل عن قرب

فقال: يا عمرو ، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجه دوابناإلى الطريق ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف عن يسارها ودنا القوم منا وإذا همثلاثة أنفار شابان وشيخ كبير ، وهو أبو الجارية والشابان أخواها ، فسلموا فرددناالسلام

فقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي

فقال: ما كنت لأخليهاولا لهذا أخذتها

فقال لأحد ابنيه: اخرج إليه ، فخرج وهو يجر رمحه فحمل عليهالحرث

وهو يقول

من دون ما ترجوه خضـب

الذابل من فارس ملثممقاتـل

ينمي إلى شيبان خير وائـل

ما كان يسري نحوهابباطل



ثم شد على ابن الشيخ بطعنة قد منها صلبه ، فسقط ميتاً ، فقالالشيخ لابنه الآخر اخرج إليه فلا خير في الحياة على الذل

فأقبل الحارث وهويقول

لقد رأيت كيف كانت طعنتي

والطعن للقرم الشديدهمتـي

والموت خير من فراق خلتي

فقتلتـي اليـوم ولامذلتـي



ثم شد على ابن الشيخ بطعنة سقط منها ميتاً ، فقال له الشيخ : خل عن الظعينة يا ابن أخي ، فإني لست كمن رأيت

فقال : ما كنت لأخليها ، ولالهذا قصدت

فقال الشيخ : يا ابن أخي اختر لنفسك فإن شئت نازلتك وإن شئتطاردتك، فاغتنمها الفتى ونزل

فنزل الشيخ وهو يقول

ما أرتجي عند فناءعمـري

سأجعل التسعين مثـل شهـر

تخافني الشجعان طول دهري

إناستباح البيض قصم الظهر



فأقبل الحارث وهو ينشد ويقول

بعدارتحالي ومطال سفري

وقد ظفرت وشفيت صدري

فالموت خير من لباسالغدر

والعار أهديـه لحـي بكـر



ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابنأخي إن شئت ضربتك ، فإن أبقيت فيك بقية فيَّ فاضربني وإن شئت فاضربني . فإن أبقيتبقية ضربتك

فاغتنمها الفتى وقال: أنا أبدأ

فقال الشيخ: هات

فرفع الحارث يده بالسيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرببطنه بطعنة قد منها أمعاءه ووقعت ضربة الفتى على رأس الشيخ فسقطا ميتين

فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف

ثم أقبلت إلىالناقة فقالت الجارية: يا عمرو: إلى أين ولست بصاحبتك ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت

فقلت : اسكتي

قالت : إن كنت لي صاحباً فأعطني سيفاً أو رمحاً فإنغلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك

فقلت: ما أنا بمعط ذلك ، وقد عرفت أهلكوجراءة قومك وشجاعتهم فرمت نفسها عن البعير ثم أقبلت تقول

أبعد شيخي ثم بعدأخوتـي

يطيب عيشي بعدهم ولذتي

وأصحبن من لم يكن ذا همةٍ

هلاتكون قبـل ذا منيتـي



ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنزعه من يدي ، فلمارأيت ذلك منها خفت إن ظفرت بي قتلتني ، فقتلتها

فهذا يا أمير المؤمنين أشجعمن رأيت