تركتهاتسبقني بخطوات. وبينما كانت تنتظر سيارة أجرة, كنت أقصد المترو عائداً إلى البيتخوفاً على جمال فرحة قد أنفضح بها.
الفرحة الأخرى كانت سفر فرانسواز صباح الغد. وجدتها تعد حقيبة سفرها.
كانت مجهدة بعد يومين من العمل في المعهد, لا ترغب سوىفي النوم كي تستطيع الاستيقاظ باكراً.
سعدت بأنها لم تتحرش بي. كان عقلي كله عندحياة, ولم أكن سعدت بأنها لم تتحرش بي. كان عقلي كله عند حياة, ولم أكن بي. كانعقلي كله عند حياة, ولم أكن أدرك أن عقلها أيضاً كان عند رجل آخر!
سهرت طويلاًتلك الليلة أمام التلفزيون. لم أستطع النوم. ثم فكرت أن أطلب ناصر لياقة للاطمئنانعن والدته.
بدا محتفياً بي كأنه افتقدني. وأصر على دعوتي يوم السبت للعشاء عندمراد لأن والدته ستحضر لتعد لهم أكلاً قسنطينياً!
سألته عن صحتها. قال بشيء منالأسى:
- إن العذاب النفسي الذي عرفته امّا على يد الفرنسيين أيام كان أبي أحدقادة الثورة الملاحقيين, لا يعادل ما تلاقيه في هذا العمر بسببي.. تصور أن تتحملعجوز في سنها مشقة السفر لترى ابنها, لأن وطنه مغلق في وجهه وعليها أن تختار أتريدهميتاً أم متشرداً.
لم أشأ أن أقص عليه ما بذريعة مواساته كان سيزيدهألماً.
ذكرني كلامه بما سمعته يوماً عن والدة أحمد بن بلة التي, رغم ما كانتعليه من ضعف بنية وقصر قامة, أذهلت الفرنسيين بشجاعتها. فعندما اعتقلوا ابنهاوساقوها إليه قصد إحباط معنوياته وتعذيبه برؤيتها, فاجأتهم بأن لم تقل له وهي تراهمكبلاً سوى " الطير الحر ما يتخبطش" وأدركوا أنها بذلك المثل الشعبي كانت تحثه علىأن يكون نسراً كاسراً لا عصفوراً ينتفض خوفاً في يد العدو.
لكن الحياة كانتتعد لها امتحاناً آخر. فبعد استقلال الجزائر خرج بن بلّة زعيماً من سجن العدو ليجدمعتقلات وطنه مشرعة في انتظاره سبع عشرة سنة أخرى. لم يسمح لتلك الأم العجوز برؤيتهسوى بعد سنتين من اعتقاله. يومها ولإهانة ابنها تم تعريتها وتفتيشها وتركت ترتجفبرداً على مرأى من كلاب حراسة الثورة. لم تصمد كهولتها أمام مجرى هواء التاريخ, ماتت بعد فترة وجيزة من جراء نزلة القهر برداً على مرمى العيون اللامبالية لوطنٍ لهالقدرة على مسخ النسور الكواسر إلى عصافير مذعورة.
كان عليه أن ينتظر خمس عشرةسنة لتفتح له الزنزانة على مضض, ويطير كعصفور مهيض الجناح ليحط باكياً علىقبرها.
لا أدري كيف وصلت إلى هذا الكم من الألم نهار كنت فيه الأكثر سعادة. كنتطلبت ناصر طمعاً في رائحة أخته, وإذا بي أبكي بسبب أمه. مسكونون نحن بأوجاعنا, فحتىعندما نحب لا نستطيع إلا تحويل الحب إلى حزن كبير.
في اليوم التالي استيقظتباكراً كي أتناول فطور الصباح مع فرانسواز, وأودعها بما يقتضيه الموقف من حرارة, وأتلقى تعليماتها الأخيرة حول إدارة شؤون البيت في غيابها. عندما عدت إلى البيتبعدما رافقتها لأحمل عنها حقيبتها حتى باب البناية انتابني شعور غريب ونظراتيتتقاطع مع نظرات البواب الفضولية التي لا تخلو من عدائية صامتة.
أحسست كما لوكنت لا أقيم في هذا البيت, بل أسترق إقامتي فيه, كالمهاجرين الذين لا أوراق لهم. أجرب المساكنة. أقيم علاقة غير شرعية مع مسكن عليّ أثناء مكوثي المختلس فيه, ألاألفت نظر الجيران أو أثير انتباههم . عليّ ألا أفتح الباب لأحد, لأنني لست هنا أحد, ولا أرد على الهاتف, خشية ألا يكون " هو" على الخط. فأنا موجود هنا في المكان الخطأفوق ألغام الذاكرة. وعندما سيدق ذلك الهاتف طويلاً بعد ذلك ولن أرد عليه, سأكتشفبعدها أنني كنت موجوداً في الوقت الخطأ أيضاً!
وحده ذلك المشروع الذي أهدتنيإياه المصادفات في تقاطعها الغريب كان يملأني حماسة. ذلك أنني قررت أن أستدرجها إلىهذا البيت لإرغامها على الاعتراف بأنها ذات يوم مرت من هنا, وأن ذلك الرجل وجدحقاً.
سبق لها أن قالت إن للذاكرة حيلٌ إحداها الكتابة, وكانت تعني أن للذاكرةأحابيل إحداها الكذب. وكانت يومها توهمك بذلك لتهرب تلك الحقيقة في كتاب, هي التيتحب توثيق جرائمها العشقية, كيف كان لها ألا تصف بيته بكل تفاصيله, بتمثال ( فينوس) في ركن من الصالون. بلوحات الجسور المعلقة على الجدران, بالشرفة المطلة على جسرميرابو, بالمرسم الذي تكدس على رفوفه الكثير من تعب العمر.
ذلك أنها ما توقعت أنيكون لقارئ يوماً, قدر الإقامة في الغرف السرية لكتابها.
كنت أعي ذلكالامتياز الذي أهدتني إياه الحياة. ولذا قررت أن أقضي نهاري في البيت متمتعاًباحتجازي في متاهات رواية, أُقحمت فيها كبطل من أبطالها.
في الواقع كان شيءٌ فيّينتظر صوتها. شيء لا يتوقف عن انتظار شيء منها. وكنت لا أعرف لي مكاناً يليق بتوتريغير ذلك البيت. كنت أنتظر صوتها كما اعتدت أن أنتظر صورة. فعندما تكون جالساً علىمقعد الوقت المهدور, غير منتظر لشيءٍ البتة, تجد الأشياء في انتظارك, وتهديك الحياةصورة لمشهد لن يتكرر.
أن تنتظر دون أن تنتظر. دون أن تعرف بأنك تنتظر. لحظتهاتأتي الصورة مثل حب, مثل امرأة.. مثل هاتف. تأتي عندما يكون المكان مليئاً بشيءمحتمل المجيء.
وكنت مليئاً بذلك البيت. أعيش بين غبار أشياء يلامسني في صمتهضجيجها. ويذكرني أنني عابر بينها. ولذا أحضرت آلة تصويري, ورحت بدوري أوثق زمنيالعابر في حضورها. ذلك أنني اعتدت أن أطلق سيلاً من الفلاشات على كل ما أشعر أنهمهدد بالزوال كأنني أقتله لأنقذه.
من جثة الوقت تعلمت اقتناص اللحظة الهاربة, وإيقاف انسياب الوقت في لقطة. فالصورة هي محاولة يائسة لتحنيط الزمن.
عندماامتلأ ذلك الفيلم بالصور, فاجأني إحساس بالأبوة. كأن آلة التصوير التي كانت رفيقةحياتي غدت أنثى تحمل في أحشائها أولادي.
فتلك اللحظة الغامضة الخاطفة التييتقاطع فيها الظل والضوء ليصنعا صورة, تعادل في معجزتها اصطياد هنيهة الإخصاب بينرجل وامرأة.
لا أدري من أين خطرت لي هذه الفكرة. ربما لأنني بسبب عقدة يتمي كنتمهووساً ببطون النساء وصدورهن, دائم البحث عن رحم أأتمنه على طفلي.
هي كانتكفينوس, لها غضاضة بطن لم ينجب. حزن نساء يدارين بحياء فاجعة الخواء. في كل تطابقمعها كنت أصلي لآلهة الإخصاب كي تحرر أنوثتها المغتصبة في أسرة العسكر. كانت ذاكرتيالمنتصبة دوماً تتمرد على فكرة أن يشيخ بطنها من غير انفضاح بي.
ذات مرة قلت لهامازحاً:" أنت لن تحبلي من سواي. فمنذ موت الفاشية ما عادت النساء تحبل قسراً, مستسلمات لسطوة طغاتهن, كتلك المرأة التي قرأت أنها قالت بفعل الجاذبية الخارقةللقوة " عندما رأيت موسيليني يمر في موكب شعرت أنني حبلت منه." اليوم, حتى البطونالموصدة للأميرات أذابت نيران العشق شموع أختامها الملكية. وما عاد اللقاح الأزرقيثير شهية الإخصاب لدى الأرحام المتوجة.
لفرط انشغالي بها كدت أنسى انتظاريلها.
كنت ما أزال أستعيدها عندما انتفض القلب ورن ذلك الشيء الذي كان ينتظرصوتها ليصبح هاتفاً.
█║S│█│Y║▌║R│║█
ركضت أبحث عن الهاتف الجوال, حيث تركته في غرفة النوم.
- أهلاً.. صباح الأشواق.. لماذا تأخرتَ في الرد. أمنهمك أنت في جمع الحطب؟
كيفبذلك القليل أيقظ رذاذ صوتها كل الأعاصير الجميلة داخلي!
يا إلهي بالشويّة.. أعزل أنا أمام سلطان صوت ببضع كلمات ونصف ضحكة, يشن عليك غارة عشقية.
أجبتهاسعيداً بصاعقة الفرحة, مستهلاً كغمزة للذاكرة لقباً كنت أناديها به:
- سيدتي " يا حمالة الكذب" لا يمكننا إنقاذ النار إلا بمزيد من الحطب.
ردت على طريقة أحمدشوقي في " قيس وليلى":
- ويلك.. أجئت تطلب ناراً.. أم تشعل البيت ناراً؟
- أيتها القطة الضالة تحت مطر باريس. لا موقد لك سواي.. تعالي كي يشتعل البيتناراً!
تمنيت لو حادثتها طويلاً. كان لصوتها جسد, وكان له رائحة وملمس, وكان كلما أحتاجه لأبقى على قيد الفرح.
لكنها قالت إن ذلك الهاتف كان مسروقاً من غفلةالآخرين, وإنها لن تتمكن من لقائي اليوم بسبب محاصرة ناصر ووالدتها لها. لكنها زفّتلي فجأة خبراً كصاعقة عشقية:
- سيكون من الصعب أن ألتقي بك في النهار فليس منالمعقول أن أترك ناصر وامّا وحدها. لكني عثرت على حيلة تمكنني من أن أقضي ليلة الغدمعك. تصور من الأسهل أن أراك ليلة كاملة على أن أراك نصف ساعة في النهار.
قلتغير مصدق فرحتي:
- كيف استطعت أن تتدبري معجزة كهذه؟
- إنها هدية المصادفة. لكني حسب نصيحتك وظفت لإنجازها مواهبي الروائية. واصلت ضاحكة.
- في مثل هذهالأكاذيب بذرت طاقتي الأدبية. لا يمكن لروائي يفشل في اختراع كذبة تنطلي على أقربالناس إليه, أن ينجح بعد ذلك في تسويق أكاذيبه في كتاب. الرواية تمرينيومي!
ضحكت . فكرت أنها حتماً لا تدري أنني أجيء بها إلى هذا البيت لأضعها أمامكذبة لم تنطلِ عليَّ.. هذا إذا افترضنا أنني أقرب الناس إليها!
سألتها بلهفةالفضول:
- وما الفكرة التي أسست عليها عملك الروائي؟
- إنها فكرة بسيطةومبنية على شيء من الحقيقة ككل الأكاذيب المتقنة. امّا ستذهب غداً حيث يقيم ناصرهناك لتعد له ولبعض أصدقائه عشاءً قسنطينياً. ومن الأرجح أن تنام هناك. ولا يمكننيوأنا امرأة متزوجة أن أرافقها إلى بيت رجل غريب وأنام عنده. كما لا يمكنني أن أبقىوحدي في الفندق. ولذا اقترحت أن أقضي الليلة عند بهية. إنها قريبة لم ألتق بها منذمدة. هي في الواقع ابنة عمي الذي كنت أقيم عنده أيام دراستي. تسكن باريس لكن زوجهادائم السفر بحكم أعماله, ولن يكون هنا طوال هذا الأسبوع, لقد هاتفتها ورتبنا معاًكذبة زيارتي لها. هي دوماً متواطئة معي مذ كنا نعيش معاً منذ عشر سنوات.
استنتجتأن الموضوع يتعلق بالعشاء الذي دعاني إليه ناصر في بيت مراد. لكنني طبعاً بقيت علىتظاهري بالتغابي.
أضافت بعد ذلك بنبرة جادة:
- أفضّل ألا نلتقي في فندقي بلفي مكان آخر اختره أنت, على ألا يكون فيه طبعاً جزائريين.
قلت ضاحكاً:
" وينتهرب ياللي وراك الموت".. إنهم في كل مكان في الفنادق الفاخرة كما في أرخص الفنادق. أقترح أن تحضري إلى البيت الذي أقيم فيه. هذا أأمن.
قالت كما لتطمئن على مستوىالحي:
- وأين يوجد هذا البيت؟
تحاشيت أن أدلها على عنوانه:
- لا تقلقي. إنه في مكان هادئٍ على الضفة اليسرى " للسين".
- أعطني العنوان وسآخذ تاكسيللمجيء.
- أفضل أن أنتظرك في مقهى عند مخرج المترو وأرافقك إليه.. في أية ساعةتتوقعين المجيء؟
- السابعة والنصف تقريباً.
- سأنتظرك ابتداءً من السابعة فيمقهى ميرابو عند مخرج محطة المترو.
صمتت برهة كما لو أن اسم المقهى أثار لديهارد فعل ما. لكنني قلت قاطعاً الطريق إلى شكوكها:
- لا تظلي هكذا مذعورة كسنجابة. نحن خارج خريطة الخوف العربية. لا تجبني عندما تهديك الحياة مصادفة على هذا القدرمن الجمال.
- ربما لجمالها تخيفني هذه المصادفة. اعتدنا أن تكون كل الأشياءالجميلة في حياتنا مرفقة بالإحساس بالخوف أو الإحساس بالذنب.
كان الحب معهاتمرين خطر. وكان عليه أن يبقى كذلك. فعلى بساطتها, ما كانت امرأة تملك حقالمجازفة.. ككل النساء.
عندما أغلقت جهازي النقّال, شعرت أن كل الفصول قدعبرت في مكالمة واحدة عبر ذبذبات صوتها, وأنني تائه بين إشراقة ضحكتها وغيم صمتهاورذاذ حزنها السري.
حرّك فيّ ذلك الهاتف أحاسيس متناقضة وليدة مشاعر عنيفةفي جموحها.
بعد انقطاع صوتها كان ينتابني حزن لا مبرر له. لفرط إسعادك كانتامرأة تحرض الحزن عليك.
عاودتني تلك الأمنية ذاتها: ليت صوتها يباع في الصيدلياتلأشتريه. إنني أحتاج صوتها لأعيش. أحتاج أن أتناوله ثلاث مرات في اليوم. مرة علىالريق, ومرة قبل النوم, ومرة عندما يهجم عليّ الحزن أو الفرح كما الآن.
أي علمهذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يضع أصوات من نحب في أقراص, أو في زجاجة دواءنتناولها سراً, عندما نصاب بوعكة عاطفية بدون أن يدري صاحبها كم نحننحتاجه.
الفصل السابع
على يمين الذكريات, قبالةالضفة اليسرى لنهر السين, كانت كراسٍ تنتظر لقاء المصادفات, وطاولات تحتسي الضجرالمسائي, وكان ثمة أنا, خلف واجهة زجاجية لمقهى في زاوية مهيأة لشخصين. أنتظرها علىمرمى بيت خارج من كتاب.
وهي ستأتي. لها هنا عاشق على أحر من موقد, ولي رغباتبشيء من الهيل, وقهوة من غير سكر, يأتي بها نادل الحزن المهندم.
كنت شارداً بهاخلف زجاج الترقب حين فاجأني برق طلّتها. وقفت أسلّم عليها واضعاً قبلتين على خديهادون تفكير. فباريس تجيز لك سرقة القبل.
سحبت كرسياً وجلست قبالتي. قالت وهيتستعيد أنفاسها:
- ضعت في متاهات المترو.. فقدت عادة التنقل في ذلك العالمالسفلي المزدحم بالبشر.. ما الذي أوصلك إلى هنا؟ ما سمعت بهذه المحطة منقبل!
طبعاً لم أصدقها. كنت أصدّق فيها بياض الكذب. وفهمت كم كان يلزمها من حقائبلتهريب كذبة واحدة.
- آسف.. ظننتك تحسنين التنقل بالميترو.
ردت وهي تضع حقيبةيدها على الكرسي المجاور:
- في لحظة ما, خفت أن تكون أخطأت في إرشادي إلىالعنوان.
█║S│█│Y║▌║R│║█
أجبت مبتسماً:
- طبعاً لم أخطئ.. وإن كنت أحب العودة معك إلى جادةالخطأ!
راحت تتأملني لبرهة, كما لتحاول فك إشارة كنت أبعثها إليها بين الكلمات, ثم قالت بعصبية أنثوية:
- ما زلت تتعمد أن تقول لي أشياء لا تفهم!
قلتضاحكاً:
- أبداً.. كنت أعني أنني عشت عمراً على خطأ.. صوابي الوحيد أنني تعثرتبك.
اكتفيت بأن أوصل إليها نصف ما أقصد. النصف الآخر ستكتشفه لاحقاً.
قالتمتوسلة:
- أرجوك.. لا ترهقني بجهد إضافي.. لا قوة لي على البحث بين الكلمات. يكفيني ما قمت به من جهد حتى لا تغير أمّا أو ناصر رأيهما ويصطحباني معهما إلى ذلكالعشاء.
عندما حضر النادل ليسألها ماذا تريد, اعتذرت وقالت إنها تفضّل أن تغادرالمقهى.
أكانت على عجل كي نختلي؟ أم كانت على قلق متوجّسة شيئاً قد أفاجئهابه؟
دفعت ثمن قهوتي وغادرنا المقهى.
بدت لي مندهشة, متباطئة الخطى وهيتراني أسلك طريقاً كنها تعرفه.
سألتها إن كان ثمة ما يزعجها:
- نسيت كيف أسيربأمان في شارع ليس إلاّ. اعتدت على مدن شكاكة, تنتظرك خارج بيتك بعيون فضولية, وأخرى متربصة, وأخرى عدائية. توقعك في قبضة الخوف.
كنا نسلك منعطف الشارع المؤديإلى البيت عندما فاجأنا المطر. سألتها إن كانت تحمل مظلة:
- لا.. نسيتها لفرطعجلتي.
- وأنا نسيتها لفرط فرحتي.. لكن لا يهم نحن لسنا بعيدين عنالبيت.
واصلت التحرش بها وأنا أراها تسبقني بخطوات:
- هل أنت على عجل؟
ردتبشيء من العصبية وهي تغطي شعرها بحقيبة يدها:
- أنا على بلل..
اكتفيت بإسراعالخطى نحو تلك البناية وأنا أفكر في فصاحتها المواربة.
وقفت جواري باندهاش صامتوهي تراني أضغط على الأرقام السرية التي تفتح باب البناية. وهذه المرة أيضاً لمأسألها ما الذي يدهشها, تغابيت وهي تسألني:
- أتسكن هنا؟
أجبت مازحاً:
- دوماً كنت أقيم في شوارع جانبية لجادة حبك.
أحسست أن المفاجأة سمرتها عند الباب. سحبتها من يدها قائلاً:
- تعالي.. لا تبقي هكذا على ناصية الأسئلة.
لكنهاسألتني بنبرة من كان يمشي نائماً.. ثم استفاق:
- إلى أين نحن ذاهبان؟
- تدرينما يقول مقطع من " بحيرة البجع", " تعال على رؤوس الأصابع, واضعاً يداً على فمك كيلا تبوح بسر المكان الذي أقودك إليه, كي تستأثر وحدك بالجواهر المرصعة علىاسمك".
ردت متذمرة:
- أهو وقت بحيرة البجع؟ أطرح عليك سؤالاً فتجيبنيشعراً!
أجبتها ونحن ندخل المصعد:
- حضورك يورطني دائماً في الأشياءالجميلة.
عندما انغلق المصعد علينا, لم تكن مشغولة بلحظة خلوتنا الأولى. كاننظرها يتسمر على لوحة الأزرار التي تحمل أرقام الطوابق.
ربما بدأت تتأكد لحظتهانحو أي طابق كنت آخذها. ولكنها واصلت النظر إلى اللوحة, كأنها تراهن على احتمالوجود خطإٍ في اللحظة الأخيرة.
قلت كما دون قصد, متمادياً في التغابي المزعج وأناأضغط على زر المفاجأة:
- الحب له دائماً حضور متعالٍ, إنه يقيم في الدورالسابع.
لم تعلق بكلمة, ولا أنا نظرت في عينيها بحثاً عن آثار صدمة ارتطامهابالحقيقة.
عندما فتحت الباب, شعرت وأنا أنير البيت أن نظرتها تتفقد المكانكما لتطمئن على سلامة الأشياء.
كانت اللعبة مشابهة للوحة يتنكر رسامها لملهمه, وعندما تكون انتبهت إلى تصديقه, تقودك خطى القدر يوماً إلى مكمن سره, ولا يمكنكآنذاك مقاومة الرغبة في وضعه أمام كذبته. وهذا البيت الخارج من كتابها, والمطابقلكل تفاصيل وصفها له, يليق بمواجهة كهذه. كنت أحب تلك اللحظة التي أفحم فيها امرأةبحجة لا تتوقعها, ثم أتفرج على عريها أمام الحقيقة.
قررت أن أمضي في لعبةالتغابي إلى أقصاها. ما دام لم يبد عليها أي رد فعل صارخ.
- هل أعجبكالبيت؟
ردت وهي تختار كلماتها بعناية:
- فيه دفء جميل.
أضفت وأنا أتنبهلثيابها المبللة:
- كان عليك أن تحملي مظلة.. أو أن ترتدي معطف فرو ليومكهذا.
- تعمدت ارتداء هذا الجاكيت خوف أن يتسبب لي معطف فاخر بمشاكل في الميترو. يقال إن الاعتداءات وعمليات النشل كثرت هذه الأيام.
قلت وأنا أضع أول قبلة علىشفتيها:
- ومن قال إنك هنا في مأمن؟ لا أكثر سطواً من عاشق انتظرسنتين!
بقبلة ابتلعت زينة شفتيها, تاركا؟ً لها ابتلاع أكاذيبها, وهي تقول:
- اشتقتك.. كم انتظرت هذا اليوم.
في الوقع, كانت لا تزال تحت وقع إرباك المكان, ولا تجرؤ على سؤالي كيف وصلت إلى هذا البيت, ولا ماذا أفعل هنا.
فرحت أتأململامحها بعد مباغتة القبلة الأولى التي يتغير بعدها وجه الآخر, لأنه لا يعود كماكان من قبل.
قلت متحاشياً إرباك الموقف:
- أنت تصغرين مع كل قبلة.. بعضقُبَلٍ أخرى وتصبحين على مشارف العشرين.
ردت وهي تتجه نحو الصالون:
- ومنأدراك أنني أحب ذلك العمر.. اليوم لي عمر شفتيك.
قلت بسخرية لا تخلو من تهكممر:
- وغداً؟
أجابت وقد باغتها السؤال:
- غداً؟ لا أدري.. ليست الآخرة منهواجسي.
قلت مازحاً:
- سأعطيك إذن من القبل ما يجعلك تبلغين سن الجحيمبسرعة.
كنت أتعمد ممازحتها تخفيفاً لحرج اللحظات الأولى. في الواقع ما كانتلي رغبة سوى تأملها.
جلست على الأريكة قبالة الموقد, أنظر إليها, وهي تتنقل فيالصالون متأملة تمثال فينوس واللوحات المعلقة على الجدران, دون أن تعلِّقبشيء.
لم أقاطع خلوتها الأولى بالذاكرة. كنت سعيدا بتأملها.
كانت مبللة كقطة. شيء منها كان يذكرني بـ " أولغا" جارتي البولونية, وهي تنشف شعرها في روب حمامهاالأبيض. خشيت عليها أن تمرض.
- بإمكانك أن تجففي شعرك في الحمام.
ابتسمتابتسامة غائبة:
وقبل أن تتوجه نحو الحمام تذكرت شيئاً فأردفت قائلاً:
- إنشئت أن تغيري ثيابك.. لدي فستان لك, بإمكانك ارتداؤه.
ردت بلؤم نسائي:
- أهوفستان لصاحبة البيت؟
قد تكون رأت صوراً لفرانسواز وأخرى لأمها على طاولة ركن فيالصالون.
أجبت متجاهلاً استفزازها:
- لا .. بل اشتريته لك.
تركتها واقفةوسط الصالون, وعدت بعد حين حاملاً ذلك الفستان الأسود في كيسه الفاخر. قلت وأناأناولها إياه:
- أتمنى أن يعجبك.. وأن يكون مقاسك.
قالت وهي تأخذهمندهشة:
- متى اشتريته؟
أجبت مازحاً:
- لن تصدقي لو قلت لك إنني اشتريتهمنذ أكثر من شهرين, حتى قبل أن أتوقع لقاءك.
راحت تفرده بإعجاب واضح:
- جميل .. جميل حقاً.. كيف فكرت أن تشتريه لي, لقد خربت حتماً ميزانيتك.
- لا تهتمي, إنه استثمار عاطفي جيد.
- لو لم أحضر إلى باريس ولا التقينا ماذا كنت ستفعل بهيا مهبول.. أكنت ستهديه لزوجتك؟
- قطعاً لا, اشتريته لأرشو به القدر إنه ثوبالحب.. وسعيد أن تكوني أنت من ترتديه لا أخرى.
ردت بغيرة نسائية واضحة:
- وهلثمة أخرى؟
- لا.. إنما أنت من علمتني أننا نفصِّل كل حب من قماش حب آخر.
لمتعلّق. ذهبت صوب المرآة ووضعته على جسدها لترى إن كان يناسبها.
طمأنتهاقائلاً:
█║S│█│Y║▌║R│║█
- الأسود يليق بك.
قالت وهي تهم بإعادته إلى الكيس:
- هو أجمل منأن أرتديه في البيت.. إنه فستان سهرة.
- ونحن في سهرة.. وفي باريس. أين سأراكفيه إن لم يكن هنا؟
بدت مقتنعة.
اقترحت عليها أن تذهب إلى الغرفة المجاورةوترتديه.
تأملت للحظة وجهي المنعكس أمامها في المرآة. ثم بدون أن تقول شيئاً, أخذته ومضت صوب الغرفة التي كان واضحاً أنها تعرف الطريق إليها!
أكنت أريد أنأختبر معرفتها بالبيت.. أم أختبر صبري عليها, وأقاصص نفسي بانتظارها وهي تتعرىلذاكرتها في تلك الغرفة.
كان بإمكاني عن لهفة, أن ألحق بها, أو أن أقترح عنعادةارتداءه أمامي في الصالون. لكنني لم أفعل, إنقاذاً لجمالية اللحظة.
رغم استعجالالجسد وجوعه, كنت أسعد بمتعة تأجيل متعتي, كفاكهة تدري أنها لك, ولكنك تؤجلقضمها.
حاولت أن أستعين على انتظارها بالبحث عن شريط يليق بالمناسبة. كانت تلكالأغنية ما زالت داخل جهاز الكاسيت.
اكتفيت بإعادتها إلى البداية.. والضغط علىالزر.
باسم الله نبدى كلامي.........قسمطينة هي غرامي
نتفكرك فيمنامي......... إنتي والوالدين الله
جلست رفقة قسنطينة أنتظرها, أو هكذاظننت, حتى أطلت كبجعة سوداء.. كأنها في كل ما ترتديه ما ارتدت سوى ملاءتها. وإذابها قسنطينة.
وقفت قبالتي, وكنت أتأمل غرابة فتنتها التي لا منطق لها.
لمتكن الأجمل. قطعاً ما كانت الأجمل, ولكنها كانت الأشهى. كانت الأبهى. وهذا أمر لاتفسير له, كغرابة صوتها الذي يحدث اضطراباً كونياً بكلمة.
سألتني بلهجةقسنطينية, وهي تدور في ذلك الثوب نصف استدارة على إيقاع الموسيقى:
- تشتيه؟
" هل أحبه"؟ يا للسؤال! أجبتها وقد استيقظ فيّ كل ذلك الشوق:
- نشتيكإنتي!
دوماً أحببت الطريقة التي تتحرك بها, طريقتها في الالتفات, في التوقف, فيالانحناء, في انسياب الشال على شعرها, في رفع طرف ثوبها بيد واحدة وكأنها تمسكبتلابيب سرها. طريقتها في الذهاب.. طريقتها في الإياب.
في ذلك الزمن الذيكانت تزورني فيه متنكرة في عباءة أمها, خوفاً من أعين الفضوليين ونوايا الإرهابيينالمتربصين بالنساء, أذكر قولي لها أنني أحبها في تلك العباية السوداء أجابت يومها: " عليك أن تحب الثوب الذي ترتديه ليحبك, وإلا سيبادلك اللامبالاة والنفور, فتبدوفيه قبيحاً. بعض الناس لا يقيمون علاقة حب مع ما يرتدون, ولذا هم يبدون غير جميلينحتى في أناقتهم, والبعض تراهم على بساطة زيهم متألقين, لأنهم يرتدون بذلة يحبونهاولا يملكون سواها".
أتراها أحبت هذا الثوب حتى لتبدو فاتنة فيه إلى هذاالحد؟
أم هي أحبت فتنة هذا الموقف وغرابة لقائنا معاً في بيت يعيدها عشر سنواتإلى متاهتها العاطفية الأولى.
كانت كلمات الأغنية امتداداً لخساراتنا, ممزوجة بحسرات الاشتياق إلى قسنطينة. وكانت الموسيقى بإيقاع دفوفها تبث في الجوذبذبات الخوف من رغبات تولّد مشاعر عنيفة, تبدو معها الرغبة في الرقص عبوراً إلىحزن آخر.
لأن وجودك في " محمية عاطفية" خارج خارطة الخوف العربي يمنحك كلالصلاحيات في اختبار جنونك.. قلت لها::
- حياة.. اشطحي لي.
فاجأها طلبي, وفاجأني حياؤها. ردت بخجل نساء قسنطينة في زمن مضى:
- ما نقدرش.. عمري ما شطحتقدام راجل.
أجبتها بما يضاهي حياء أنوثتها من رجولة:
- أنا مانيش راجل.. أناراجلك.. وهاذا الزين إذا موش ليَّ لِمنُو؟
تراني لفظت كلمة السر التي انتظرهاجسدها طويلاً. فلا أظن أحداً قبلي سألها " لمن جمالك.. إن لم يكن لي أنا"؟
بحشمةقسنطينة عندما ترقص لأول مرة في حضرة رجل, راح جسدها يتهادى. لم تكن تتلوَّى , لمتكن تتمايل, ولا كان في حركتها من غنج. كانت إثارتها في إغرائها الموارب, في تلكالأنوثة التي تحت صخب الموسلين ترقص وكأنها تبكي. على أغنية محملة بذلك الكم منالشجن.
كان في الجو براعم جنون لشهوات مؤجلة أزهرت أخيراً خارج بساتين الخوف, لكن في بيت متورط في حزننا أكثر من أن نفرح فيه.
بدا لي كأنما لاستحالةفرحنا, كنا نمارس الحب رقصاً, بنشوة الحزن المتعالي.
وقبلها لم أكن خبرت الرقصالذي يضرم الحزن. صامتاً كنت, جالساً قبالتها, طرباً لفرط حزني, حزيناً لفرط طربي, منتشياً بها لفرط جوعي إليها. دمائي تصهل تجاهها دوماً, لتنتهي كرماً يعتصر تحت وقعقدميها.
أحببت فصاحة قدميها المخضبتين بدم الرجال. في كل رغبة شيء من العنفالمستتر.
ألهذا خفت كعبها, أم لأنه لا يليق بقسنطينة الرقص بكعب عال؟
قلت: " اخلعي نعلك يا سيدتي.. في الرقص كما في العبادة لا نحتاج إلى حذاء". فقد تنبهت إلىوقوف فينوس منتصبة تواصل انتعال ابتسامتها الأبدية.
أن تكون آلهة لم يعفهامن الذهاب حافية إلى لويس الثامن عشر. فيوم جيء بها إليه, ليستقبلها رسمياً بمايليق بمقام آلهة للجمال, وجد من بين متملقيه من أوصله الاجتهاد إلى المطالبة بأنتتواضع وتأتيه حافية لتؤدي له طقوس الطاعة, كما في الأساطير القديمة.
ولأن قدمهااليسرى كانت مغطاة بقطعة قماش متدلية من وسط جسدها, يقال إن خبراء الترميم في متحفاللوفر قاموا بتبديل قدمها اليمنى بقدم بدون خف.
من يومها تزداد " فينوس" تهكماً. ما استطاعوا أن يجعلوا تمثالها ينحني ولا يديها المبتورتين تصفقان لحاكم أوملك.
وهي تود لو أنها رقصت الآن كأنثى على هذه الموسيقى. غير أن الرقص القسنطينيلا يرقص بفوطة تلف حول ردفين لجسد نصف عار, لهيبة نسائه في حضورهن الخرافي, يكادرقص القسنطينيات يضاهي طقوس العبادة.
إنه يا إلهة الجمال شيء أجمل من أن يتعرى. أروع من أن يوصف.
احزني قليلاً إذن يا سيدتي الحجرية, " نحن لا نستطيع الرقصمع إنسان سعيد" والبسي ثوباً من المخمل المطرز بخيوط الذهب, أثقل من أن ترتديهوحدك, أجمل من ألا يراك فيه أحد. ضعي حول خصرك حزاماً قضت أمك عمراً في جمع صكوكهالذهبية, كي تلبسيه ليلة عرسك. مرري في قدميك المخضبتين بالحناء خلخالاً تسمع رنتهحين تمشين, ولا يرى منه سوى واحد حين تجلسين, وتعالي على هودج الشهوات المتهاديلتتعلمي الرقص القسنطيني.
انحنت حياة تخلع حذاءها, وتواصل الرقص حافيةالشهوات, على إيقاع خلخال أوهامي.
لفرط انخطافي بها, لم أنتبه لحظتها لإمكانإزعاج الجيران. لكن عندما راح الهاتف يرن بعد ذلك بإلحاح في غرفة النوم, توقعت أنيكون أحدهم اتصل احتجاجاً على صوت الموسيقى.
عملاً بتعليمات فرانسواز, فضلت ألاأجيب, مكتفياً بالنظر إلى الساعة.
كانت التاسعة والربع بعد الشجن. أظننا تجاوزناالوقت الحضاري المباح لضجيج السهر.
كان الشريط على مشارف نهايته. توجهت نحوالمسجل أخفِّض صوت الموسيقى.
سألتني وهي تجلس قبالتي على الأريكة:
- ألا تردعلى الهاتف؟
- لا.
قالت بمكر الأنوثة:
- ربما أحد يصر على محادثتك.. الإلحاح الهاتفي صفة أنثوية.
قلت متجاهلاً تلميحها:
- المحب كالمتعبد.. لايقطع صلاته ليرد على الهاتف!
- ولا يقطع عبادته أيضاً لينظر إلى الساعة.. إلاإذا كان مثلاً ينتظر هاتفاً.
ضحكت لمنطق غيرتها. أجبتها وأنا أفك الساعة منمعصمي, وأضعها على طاولة قريبة:
- بل لا هاجس للمتعبد إلا الساعة, لأنه كالعاشقيخاف أن تفاجئه ساعته. هاجس الموت يواجهنا أمام كل حب, لأن الزمن هاجس عشقي, برغمأن العشاق, كما الموتى, لا يحتاجون إلى ساعة لكونهم بدخولهم إلى الحب يخرجون منالزمن المتعارف عليه!
واصلت مازحاً:
- خلعت ساعتي.. أتحداك ألا تنظري بعدالآن إلى ساعتك!
ردت ضاحكة:
- عليك اللعنة.. تهزمني دائماً بدونجهد.
صححتها وأنا أضمها إلي:
- بل بجهد غبائك العاطفي!
رحت أقبلها طويلاً. قبلة تأخرت كثيراً حتى لكأن عليها أن تغطي نفقات عامين من الانتظار. فوحدها اقبلبإمكانها أن تعيد إليك عمراً أفلت منك, برغم حملك أثناءه.. ساعة في معصمك!
شعرتبرغبة في أن أسألها: هل قبَّلها أحد قبلي على هذه الأريكة نفسها؟
غير أنني كنتأعرف الجواب, فاستبدلته بآخر أكثر إلحاحاً. قلت وأنا أعابث شعرها:
█║S│█│Y║▌║R│║█
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)