صفحة 11 من 13 الأولىالأولى ... 910111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 44 من 50

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال: وكان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البيّاضي إذا رأى عبيد الله بن عمر، قال:
    ألا يا عبيد الله مالك مهرب ** ولا مجلجأ من ابن أروى ولا خفر
    أصبت دمًا والله في غير حلّه ** حرامًا وقتل الهرمزان له خطر
    على غير شيء غير أن قال قائل ** أتتهمون الهرمزان على عمر
    فقال سفيه والحوادث جمَّة نعم اتَّهمه قد أشار وقد أمر
    وكان سلاح العبد في جوف بيته ** يقلبها والأمر بالأمر يعتبر
    قال: فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره، فدعا عثمان زياد بن لبيد، فنهاه. قال: فأنشأ زياد يوقل في عثمان:
    أبا عمرو عبيد الله رهن ** فلا تشكك بقتل الهرمزان
    فإنك إن غفرت الجرم عنه ** وأسباب الخطا فرسا رهان
    أتعفو إذ عفوت بغير حقّ ** فما لك بالذي تحي يدان!
    فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشدّ به.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن عمر: مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس؛ ومعه جفينة والهرمزان، وهم نجي، فلما رهقتهم ثاروا، وسقط منهم خنجر له رأسان، نصابه في سوطه؛ فانظروا بأي شيء قتل؛ وقد تخلل أهل المسجد، وخرج في طلبه رجل من بني تميم، فرجع إليهم التميمي، وقد كان ألظَّ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر، حتى أخذه فقتله؛ وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر، فسمع بذلك عبيد الله بن عمر؛ فأمسك حتى مات عمر؛ ثمّ اشتمل على السيف؛ فأتى الهرمزان فقتله؛ فلما عضّه السيف قال: لا إله إلا الله. ثمّ مضى حتى أتى جفينة - وكان نصرنيًّا من أهل الحيرة ظئرًا لسعد بن مالك، أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم، وليعلّم بالمدينة الكتابة - فلما علاه بالسيف صلب بين عينيه. وبلغ لك صهيبًا، فبعث إليه عمرو بن العاص، فلم يزل به وعنه، ويقول: السيف بأبي وأمي! حتى ناوله إياه، وثاروه سعيد فأخذ بشعره، وجاءوا إلى صهيب.
    عمال عمر رضي الله عنه على الأمصار

    وكان عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في السنة التي قتل فيها؛ وهي سنة ثلاث وعشرين - على مكّة نافع بن عبد الحارث الخزاعي، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثَّقفي، وعلى صنعاء يعلى بن منية؛ حليف بني نوفل ابن عبد مناف، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة؛ وعلى البصرة أبو موسى الأشعري، وعلى مصر عمرو بن العاص؛ وعلى حمص عمير بن سعد، وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان؛ وعلى البحرين وما والاهما عثمان بن أبي العاص الثقفي.
    وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث وعشرين - توفي، فيما زعم الواقدي - قتادة ابن النعمان الظفري وصلى عليه عمر بن الخطّاب.
    وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغعمّورية؛ ومعه من أصحاب رسول الله معبادة بن الصامت وأبو أيّوب خالد بن زيد وأبو ذرّ وشدّاد بن أوس.
    وفيها فتح معاوية عسقلان على صلح.
    وقيل: كان على قضاء الكوفة في السنة التي توفي فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه شريح، وعلى البصرة كعب بن سور؛ وأما مصعب بن عبد الله فإنه ذكر أنّ مالك بن أنس روى عن ابن شهاب؛ أن أبا بكر وعمر رضي الله عنه عنهما لم يكن لهما قاض.
    ثم دخلت سنة أربع وعشرين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث المشهورة

    ففيها بويع لعثمان بن عفان بالخلافة، واختلف في الوقت الذي بويع له فيه؛ فقال بعضهم ما حدثني به الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قالك أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبي وقّاص، معن عثمان بن محمّد الأخنسي. قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد عن أبيه، قالا: بويع عثمان بن عفّان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، فاستقبل بخلافته المحرّم سنة أربع وعشرين.
    وقال آخرون: ما حدثني به أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: بويع لعثمان عام الرُّعاف سنة أربع وعشرين، قيل: إنما قيل لهذه السنة عام الرعاف؛ لأنه كثر الرُّعاف فيها في الناس.
    وقال آخرون - فيما كتب به إلي السَّري، عن شعيب، عن شعيب، عن خليد بن ذفرة مجالد؛ قالا: استخلف عثمان لثلاث مضين من المحرّم سنة أربع وعشرين، فخرج فصلى بالناس العصر، وزاد: ووفّد فاستنّ به.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمر، عن الشعبي، قال: اجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاث مضيْن من المحرّم، وقد دخل وقت العصر، وقد أذّن مؤذّن صهيب، واجتمعوا بين الأذان والإقامة، فخرج فصلى بالناس، وزاد الناس مائة، ووفّد أهل الأمصار، وهو أوّل من صنع ذلك.
    وقال آخرون - فيما ذكر ابن سعد، عن الواقدي، عن ابن جريج عن ابن مليكة، قال: بويع لعثمان لعشر مضين من المحرّم، بعد مقتل عمر بثلاث ليال.
    خطبة عثمان وقتل عبيد الله بن عمر الهرمزان

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: لما بايع أهل الشورى عثمان، خرج وهو أشدّهم كآبة، فأتى منبر رسول ، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي ، وقال: إنكم في دار قلعة، وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه؛ فلقد أتيتم، صبَّحتم أو مسِّيتم؛ ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرنَّكم بالله الغرور. اعتبروا بمن مضى، ثم جدُّوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدينا وإخوانها الذين آثاروها وعمروها، ومتعوا بها طويلاُ؛ ألم تلفظهم! أرموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة؛ فإنّ الله قد ضرب لها مثلاُ؛ وللّذي هو خير، فقال عز وجل " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء " - إلى قوله - " أملا "، وأقبل الناس يبايعونه.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي منصور، قال: سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه، قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي، ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه، وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال: آنس به؛ فرآه رجل، فلما أصيب عمر، قال: رأيت هذا مع الهرمزان، دفعه إلى فيروز. فأقبل عبيد الله فقتله؛ فلما ولي عثمان دعاني فأمكنني منه، ثم قال: يا بني، هذا قاتل أبيك؛ وأنت أولى به منا، فاذهب فاقتله؛ فخرجت به وما في الأرض أحد إلّا معي؛ إلّا أنهم يطلبون إلي فيه. فقلت لهم: ألي قتله؟ قالوا: نعم - وسبّوا عبيد الله - فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا، وسبّوه فتركته لله ولهم. فاحتملوني؛ فوالله ما بلغت المنزل إلّا على رؤوس الرجال وأكفّهم.
    ولاية سعد بن أبي وقاص الكوفة

    وفي هذه السنة عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة، وولّاها سعد بن أبي وقاص - فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي، قال: كان عمر قال: أوصي الخليفة من بعدي أن يستعمل سعد بن أبي وقّاص، فإنّي لم أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك. وكان أوّل عامل بعث به عثمان سعد بن أبي وقاص على الكوفة، وعزل المغيرة بن شعبة، والمغيرة يومئذ بالمدينة، فعمل عليها سعد سنة وبعض أخرى، وأقرّ أبا موسى سنوات.
    وأمّا الواقدي فإنه ذكر أنّ أسامة بن زيد بن أسلم حدثه، عن أبيه؛ أن عمر أوصى أن يقرّ عمّاله سنة؛ فلما ولي عثمان أقرّ المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة، ثم عزله، واستعمل سعد بن أبي وقاص ثم عزله، واستعمل الوليد ابن عقبة. فإن كان صحيحًا ما رواه الواقدي من ذلك، فولاية سعد الكوفة من قبل عثمان كانت سنة خمس وعشرين.


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    كتب عثمان إلى عماله وولاته والعامة

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة بإسنادهما، قالا: لما وليَ عثمان بعث عبد الله بن عامر إلى كابل - وهي عمالة سجستان - فبلغ كابل حتى استفرغها، فكانت عمالة سجستان أعظم من خراسان؛ حتى مات معاوية، وامتنع أهل كابل.
    قالوا: وكان أوّل كتاب كتبه عثمان إلى عمّاله: أمّا بعد؛ فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدّم إليهم أن يكونوا جباةً؛ وإنّ صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، لم يخلقوا جباة، وليوشكنّ أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة؛ فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء. ألا وإنّ أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم؛ ثم تثنّوا بالذمّة، فتعطوهم الذي لهم، وتأخذوهم بالذي عليهم. ثم العدوّ الذي تنتابون؛ فاستفتحوا عليهم بالوفاء.
    قالوا: وكان أوّل كتاب كتبه عثمان إلى عمّاله: أمّا بعد؛ فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدّم إليهم أن يكونوا جباة؛ وإنّ صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، لم يخلقوا جباة، وليوشكنّ أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة؛ فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء. ألا وإنّ أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم؛ ثم تثنّوا بالذمّة، فتعطوهم الذي لهم، وتأخذوهم بالذي عليهم. ثم العدوّ الذي تنتابون؛ فاستفتحوا عليهم بالوفاء.
    قالوا: وكان أوّل كتاب كتبه إلى أمراء الأجناد في الفروج: أمّا بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم؛ وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنّا، بل كان عن ملإ منّا، ولا يبلغنّي عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغيّر الله ما بكم ويستبدل بكم غيركم؛ فانظروا كيف تكونون، فإني أنظر فيما الزمني الله النظر فيه، والقيام عليه.
    قالوا: وكان أوّل كتاب كتبه إلى عمّال الخراج: أمّا بعد، فإن الله خلق الخلق بالحقّ؛ فلا يقبل إلا الحقّ، خذوا الحقّ وأعطوا الحقّ به. والأمانة الأمانة؛ قوموا عليها، ولا تكونوا أوّل من يسلبها، فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم والوفاء الوفاء؛ لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد؛ فإن الله خصم لمن ظلمهم.
    قالوا: وكان كتابه إلى العامّة: أمّا بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتّباع؛ فلا تلفتنّكم الدنيا عن أمركم؛ فإنّ أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن؛ فإنّ رسول الله قال: الكفر في العجمة؛ فإذا استعجم عليهم أمر تكلّفوا وابتدعوا.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عاصم بن سليمان، عن عامر الشعبي، قال: أوّل خليفة زاد الناس في أعطياتهم مائة عثمان؛ فجرت وكان عمر يجعل لكلّ نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهمًا في كلّ يوم، وفرض لأزواج رسول الله درهمين درهمين؛ فقيل له: لو صنعت لهم طعامًا فجمعتهم عليه! فقال: أشبع الناس في بيوتهم. فأقرّ عثمان الذي كان صنع عمر؛ وزاد فوضع طعام رمضان، فقال: للمعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترّين بالناس في رمضان.
    غزوة أذربيجان وأرمينية

    وفي هذه السنة - أعني سنة أربع وعشرين - غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية، لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه أهل الإسلام أيّام عمر في رواية أبي مخنف؛ وأمّا في رواية غيره فإن ذلك كان في سنة ستّ وعشرين.
    ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمر المسلمين وأمرهم في هذه الغزوة
    ذكر هشام بن محمد، أنّ أبا مخنف حدثه عن فروة بن لقيط الأزدي، ثمّ الغامدي؛ أنّ مغازي أهل الكوفة كانت الري وأذربيجان، وكان بالثغرين عشرة آلاف مقاتل من أهل الكوفة؛ ستة آلاف بأذربيجان وأربعة آلاف بالرّي، وكان بالكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل؛ وكان يغزو هذين الثغرين منهم عشرة آلاف في كلّ سنة؛ فكان الرجل يصيبه في كلّ أربع سنين غزوة؛ فغزا الوليد بن عقبة في إمارته على الكوفة في سلطان عثمان أذربيجان وأرمينية، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي فبعثه أمامه مقدّمة له، وخرج الوليد في جماعة الناس؛ وهو يريد أن يمعن في أرض أرمينية، فمضى في الناس حتى دخل أذربيجان، فبعث عبد الله بن شبيل بن عوف الأحمسي في أربعة آلاف، فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان؛ فأصاب من أموالهم وغنم، وتحرّز القوم منه، وسبى منهم سبيًا يسيرًا، فأقبل إلى الوليد بن عقبة.
    ثم إن الوليد صالح أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم؛ وذلك هو الصلح الذي كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان سنة اثنتين وعشرين بعد وقعة نهاوند بسنة. ثم إنهم حبسوها عند وفاة عمر، فلما ولي عثمان وولي الوليد ابن عقبة الكوفة، سار حتى وطئهم بالجيش؛ فلما رأوا ذلك انقادوا له، وطلبوا إليه أن يتمّ لهم على ذلك الصلح، ففعل؛ فقبض منهم المال، وبثّ فيمن حولهم من أعداء المسلمين الغازات؛ فلما رجع إليه عبد الله بن شبيل الأحمسي من غارته تلك - وقد سلم وغنم - بعث سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أرمينية في اثني عشر ألفًا، سنة أربع وعشرين. فسار في أرض أرمينية فقتل وسبى وغنم. ثم إنه انصرف وقد ملأ يديه حتى أتى الوليد. فانصرف الوليد وقد ظفر وأصاب حاجته.
    إجلاب الروم على المسلمين واستمداد المسلمين من بالكوفة

    وفي هذه السنة - في رواية أبي مخنف - جاشت الروم، حتّى استمدّ من بالشأم من جيوش اللمسلمين من عثمان مددًا.
    ذكر الخبر عن ذلك
    قال هشام: حدثني أبو مخنف، قال: حدثني فروة بن لقيط الأزدي، قال: لما أصاب الوليد حاجته من أرمينية في الغزوة التي ذكرتها في سنة أربع وعشرين من تاريخه، ودخل الموصل فنزل الحديثة، أتاه كتاب من عثمان رضي الله عنه:
    أمّا بعد؛ فإنّ معاوية بن أبي سفيان كتب إلي يخبرني أنّ الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدّهم إخوانهم من أهل الكوفة؛ فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلًا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي؛ والسلام.
    فقام الوليد في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد أيّها الناس؛ فإنّ الله قد أبلى المسلمين في هذا الوجه بلاء حسنًا؛ ردّ عليهم بلادهم التي كفرت، وفتح بلادًا لم تكن افتتحت، وردّهم سالمين غانمين مأجورين، فالحمد لله رب العالمين. وقد كتب إلي أمير المؤمنين يأمرني أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف، تمدّون إخوانكم من أهل الشأم، فإنهم قد جاشت عليهم الروم؛ وفي ذلك الأجر العظيم، والفضل المبين، فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة الباهلي. قال: فانتدب الناس، فلم يمض ثالثة حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشأم إلى أرض الروم؛ وعلى جند أهل الشأم حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي؛ فشنّوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ما شاءوا من سبي، وملئوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونًا كثيرة.
    وزعم الواقدي أنّ الذي أمدّ حبيب بن مسلمة بسلمان بن ربيعة كان سعيد بن العاص، وقال: كان سبب ذلك أنّ عثمان كتب إلى معاوية يأمره أن يغزي حبيب بن مسلمة في أهل الشأم أرمينية، فوجّهه إليها، فبلغ حبيبًا أن الموريان الرومي قد توجّه نحوه في ثمانين ألفًا من الروم والتّرك، فكتب بذلك حبيب إلى معاوية، فكتب معاوية به إلى عثمان، فكتب عثمان إلى سعيد ابن العاص يأمره بإمداد حبيب بن مسلمة، فأمدّه بسلمان بن ربيعة في ستة آلاف، وكان حبيب صاحب كيد، فأجمع على أن يبيّت الموريان، فسمعته امرأته أمّ عبد الله بنت يزيد الكلبيّية يذكر ذلك، فقالت له: فأين موعدك؟ قال: سرادق الموريان أو الجنّة، ثم بيّتهم، فقتل من أشرف له، وأتى السرادق فوجد امرأته قد سبقت؛ وكانت أوّل امرأة من العرب ضرب عليها سرادق، ومات عنها حبيب، فخلف عليها الضحّاك بن قيس الفهري، فهي أمّ ولده.
    واختلف فيمن حجّ بالناس في هذه السنة، فقال بعضهم: حجّ بالناس في هذه السنة عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان؛ كذلك قال أبو معشر والواقدي.
    وقال آخرون: بل حجّ في هذه السنة عثمان بن عفان.
    وأما الاختلاف في الفتوح التي نسبها بعض الناس إلى أنها كانت في عهد عمر، وبعضهم إلى أنها كانت في إمارة عثمان، فقد ذكرت قبل فيما مضى من كتابنا هذا ذكر اختلاف المختلفين في تاريخ كلّ فتح كان من ذلك.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم دخلت سنة خمس وعشرين

    ذكر الأحداث المشهورة التي كانت فيها

    فقال أبو معشر، فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازيّن قال: حدثني محدث، عن إسحاق بن عيسى عنه: كان فتح الإسكندريّة سنة خمس وعشرين.
    وقال الواقدي: وفي هذه السنة نقضت الإسكندرية عهدها، فعزاهم عمرو بن العاص فقتلهم؛ وقد ذكرنا خبرها قبل فيما مضى، ومن خالف أبا معشر والواقدي في تأريخ ذلك.
    وفيها كان أيضًا - في قول الواقدي - توجيه عبد الله بن سعد بن أبي سرح الخيل إلى المغرب.
    قال: وكان عمرو بن العاص قد بعث بعثًا قبل ذلك إلى المغرب، فأصابوا غنائم، فكتب عبد الله يستأذنه في الغزو إلى إفريقية، فأذن له.
    قال: وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان، واستخلف على المدينة.
    قال: وفيها فتح الحصون وأميرهم معاوية بن أبي سفيان.
    قال: وفيها ولد يزيد بن معاوية.
    قال: وفيها كانت سابور الأولى فتحت.
    ثم دخلت سنة ست وعشرين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث المشهورة

    فكان فيها - في قول أبي معشر والواقدي - فتح سابور؛ وقد مضى
    ذكر الخبر عنها في قول من خالفهما في ذلك
    وقال الواقدي: فيها أمر عثمان بتجديد أنصاب الحرم.
    وقال: فيها زاد عثمان في المسجد الحرام، ووسّعه وابتاع من قوم وأبى آخرون؛ فهدم عليهم؛ ووضع الأثمان في بيت المال؛ فصيّحوا بعثمان، فأمر بهم بالحبس، وقال: أتدرون ما جرّأكم علي! ما جرّأكم علي إلا حلمي، قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيّحوا به. ثم كلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد، فأخرجوا.
    قال: وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان.
    وفي هذه السنة عزل عثمان سعدًا عن الكوفة، وولّاها الوليد بن عقبة في قول الواقدي؛ وأمّا في قول سيف فإنه عزله عنها في سنة خمس وعشرين.
    وفيها ولي الوليد عليها، وذلك أنه زعم أنه عزل المغيرة بن شعبة عن الكوفة حين مات عمر، ووجّه سعدًا إليها عاملًا، فعمل له عليها سنة وأشهرًا.
    ذكر سبب عزل عثمان عن الكوفة سعدا واستعماله عليها الوليد

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: كان أوّل ما نزع به بين أهل اعلكوفة - وهو أوّل مصر نزغ الشيطان بينهم في الإسلام - أنّ سعد بن أبي وقاص استقرض من عبد الله بن مسعود من بيت المال مالًا، فأقرضه، فلمّا تقاضاه لم يتيسّر عليه، فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد الله بأناس من الناس على استخراج المال، واستعان سعد بأناس من الناس على استنظاره، فافترقوا وبعضهم يلوم بعضًا، يلوم هؤلاء سعدًا ويلوم هؤلاء عبد الله.
    كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: كنت جالسًا عند سعد، وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة، فأتى ابن مسعود سعدًا، فقال له: أدّ المال الذي قبلك، فقال له سعد: ما أراك إلا ستلقى شرًّا! هل أنت إلا ابن مسعود، عبد من هذيل! فقال: أجل؛ والله إني لابن مسعود، وإنك لابن حمينة، فقال هاشم: أجل والله إنّكما لصاحبا رسول الله ، ينظر إليكما. فطرح سعد عودًا كان في يده - وكان رجلًا فيه جدّة - ورفع يديه، وقال: اللهمّ ربّ السموات والأرض.. فقال عبد الله: ويلك! قل خيرًا، ولا تلعن، فقال سعد عند ذلك: أما والله لولا اتّقاء الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. فولى عبد الله سريعًا حتى خرج.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن الوليد، عن المسيّب بن عبد خير، عن عبد الله بن عكيم، قال: لما وقع بين ابن مسعود وسعد الكلام في قرض أقرضه عبد الله إياه؛ فلم يتيسر على سعد قضاؤه؛ غضب عليهما عثمان، وانتزعها من سعد، وعزله وغضب على عبد الله وأقرّه، واستعمل الوليد بن عقبة - وكان عاملًا لعمر على ربيعة بالجزيرة - فقدم الكوفة فلم يتّخذ لداره بابًا حتى خرج من الكوفة.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما بلغ عثمان الذي كان بين عبد الله وسعد فيما كان، غضب عليهما وهمّ بهما، ثم ترك ذلك، وعزل سعدًا، وأخذ ما عليه، وأقرّ عبد الله، وتقدّم إليه، وأمّر مكان سعد الوليد بن عقبة - وكان على عرب الجزيرة عاملًا لعمر بن الخطاب - فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان، وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى، فقدم الكوفة، وكان أحبّ الناس في الناس وأرفقهم بهم؛ فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب.
    ثم دخلت سنة سبع وعشرين

    ذكر الأحداث المشهورة التي كانت فيها

    فتح إفريقية

    فمما كان فيها من ذلك فتح إفريقية على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كذلك حدثني أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثنا محدث، عن إسحاق ابن عيسى، عن أبي معشر؛ وهو قول الواقدي أيضًا.
    ذكر الخبر عن فتحها وعن سبب ولاية عبد الله بن سعد ابن أبي سرح مصر وعزل عثمان عمرو بن العاص عنها

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: مات عمر وعلى مصر عمرو بن العاص، وعلى قضائها خارجة بن حذافة السهمي، فولى عثمان، فأقرهما سنتين من إمارته ثم عزل عمرًا، واستعمل عبد الله ابن سعد بن أبي سرح.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان؛ قالا: لما ولي عثمان أقرّ عمرو بن العاص على عمله، وكان لا يعزل أحدًا إلّا عن شكاة أو استعفاء من غير شكاة؛ وكان عبد الله بن سعد من جند مصر، فأمّر عبد الله بن سعد على جنده، ورماه بالرّجال، وسرّحه إلى إفريقية وسرحّ معه عبد الله بن نافع بن عبد القيس وعبد الله بن نافع بن الحصين الفهريّين، وقال لعبد الله بن سعد: إنْ فتح الله عزّ وجل عليك غدًا إفريقية، فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا. وأمّر العبدين على الجند، ورماهما بالرجال، وسرّحهما إلى الأندلس؛ وأمرهما وعبد الله بن سعد بالاجتماع على الأجلّ، ثم يقيم عبد الله بن سعد في عمله ويسيران إلى عملهما.
    فخرجوا حتى قطعوا مصر، فلمّا وغلوا في أرض إفريقية فأمعنوا انتهوا إلى الأجلّ، ومعه الأفناء، فاقتتلوا، فقتل الأجلّ، قتله عبد الله بن سعد وفتح إفريقية سهلها وجبلها. ثم اجتمعوا على الإسلام، وحسنت طاعتهم، وقسم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند؛ وأخذ خمس الخمس، وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان مع ابن وثيمة النصري، وضرب فسطاطًا في موضع القيروان، ووفّد وفدًا، فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال لهم: أنا نفّلته - وكذلك كان يصنع - وقد أمرت له بذلك، وذاك إليكم الآن؛ فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو ردّ. قالوا: فإنا نسخطه، قال: فهو ردّ، وكتب إلى عبد الله بردّ ذلك واستصلاحهم، قالوا: فاعزله عنّا، فإنا لا نريد أن يتأمّر علينا، وقد وقع ما وقع؛ فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلًا ممن ترضى ويرضون واقسم الخمس الذي كنت نفّلتك في سبيل الله؛ فإنهم قد سخطوا النفل. ففعل، ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح إفريقية، وقتل الأجلّ. فما زالوا من أسمع أهل البلدان وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك؛ أحسن أمة سلامًا وطاعةً؛ حتى دبّ إليهم أهل العراق، فلما دبّ إليهم دعاة اهل العراق واستثاروهم، شقّوا عصاهم، وفرّقوا بينهم إلى اليوم. وكان من سبب تفريقهم أنهم ردّوا على أهل الأهواء، فقالوا لهم: إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك، فقالوا لهم: لا نقبل ذلك حتى نبورهم؛ فخرج ميسرة في بضعة عشر إنسانًا حتى يقدم على هشام، فطلبوا الإذن، فصعب عليهم، فأتوا الأبرش، فقالوا: أبلغ أمير المؤمنين أنّ أميرنا يغزو بنا وبجنده، فإذا أصاب نفّلهم دوننا وقال: هم أحقّ به؛ فقلنا: هو أخلص لجهادنا، لأنا لا نأخذ منه شيئًا، إن كان لنا فهم منه في حلّ؛ وإن لم يكن لنا لم نرده. وقالوا: إذا حاصرنا مدينة قال: تقدّموا وأخّر جنده، فقلنا: تقدّموا، فإنه ازدياد في الجهاد، ومثلكم كفى إخوانه، فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم. ثمّ إنهم عمدوا إلى ماشيتنا، فجعلوا يبقرونها على السخال يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين، فيقتلون ألف شاة في جلد، فقلنا: ما أيسر هذا لأمير المؤمنين! فاحتملنا ذلك، وخلّيناهم وذلك. ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كلّ جميلة من بناتنا فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنّة، ونحن مسلمون؛ فأحببنا أن نعلم: أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا؟ قال: نفعل؛ فلما طال عليهم ونفدت نفقاتهم، كتبوا أسماءهم في رقاع، ورفعوها إلى الوزراء، وقالوا: هذه أسماؤنا وأنسابنا؛ فإن سألكم أمير المؤمنين عنّا فأخبروه، ثم كان وجههم إلى إفريقية؛ فخرجوا على عامل هشام فقتلوه، واستولوا على إفريقية؛ وبلغ هشامًا الخبر، وسأل عن النفر، فرفعت إليه أسماؤهم، فإذا هم الذين جاء الخبر أنهم صنعوا ما صنعوا.
    وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: فخرجوا ومعهم البربر؛ فأتوها من برّها؛ ففتحها الله على المسلمين وإفرنجة؛ وازدادوا في سلطان المسلمين مثل إفريقية؛ فلما عزل عثمان عبد الله ابن سعد بن أبي سرح صرف إلى عمله عبد الله بن نافع بن عبد القيس؛ وكان عليها، ورجع عبد الله بن سعد إلى مصر؛ ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية حتى كان زمان هشام، فمنع البربر أرضهم؛ وبقي من في الأندلس على حاله.
    وأما الواقدي فإنه ذكر أنّ ابن أبي سبرة حدثه عن محمد بن أبي حرملة، عن كريب، قال: لما نزع عثمان عمرو بن العاص عن مصر غضب عمرو غضبًا شديدًا، وحقد على عثمان، فوجّه عبد الله بن سعد، وأمره أن يمضي إلى إفريقية؛ وندب عثمان الناس إلى إفريقية؛ فخرج إليها عشرة آلاف من قريش والأنصار والمهاجرين.
    قال الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد الليثي، عن ابن كعب، قال: لما وجّه عثمان عبد الله بن سعد إلى إفريقية، كان الذي صالحهم عليه بطريق إفريقية جرجير ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، فبعث ملك الروم رسولًا، وأمره أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار؛ كما أخذ منهم عبد الله بن سعد؛ فجمع رؤساء إفريقية، فقال: إن الملك قد أمرني أن آخذ منكم ثلثمائة قنطار ذهب مثل ما أخذ منكم عبد الله بن سعد؛ فقالوا: ما عندنا مال نعطيه؛ فأمّا ما كان بأيدينا فقد افتدينا به أنفسنا، وأمّا الملك فإنه سيّدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كلّ سنة. فلمّا رأى ذلك أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم، فقدموا عليه، فكسروا السجن فخرجوا، وكان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب؛ فأمر بها عثمان لآل الحكم. قلت: أو لمروان؟ قال: لا أدري.
    قال ابن عمر: وحدثني أسامة بن زيد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: نزع عثمان عمرو بن العاص عن خراج مصر، واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج، فتباغيا، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: إنّ عمرًا كسر الخراج. وكتب عمرو: إنّ عبد الله كسر علي حيلة الحرب، فكتب عثمان إلى عمرو: انصرف؛ وولّى عبد الله بن سعد الخراج والجند، فقدم عمرو مغضبًا، فدخل على عثمان وعليه جبّة يمانية محشوّة قطنًا، فقال له عثمان: ما حشو جبّتك؟ قال: عمرو، قال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو ولم أرد هذا، إنما سألت: أقطن هو أم غيره؟ قال الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: بعث عبد الله بن سعد إلى عثمان بمال من مصر، قد حشد فيه، فدخل عمرو على عثمان؛ فقال عثمان: يا عمرو، هل تعلم أنّ تلك اللقاح درّت بعدك! فقال عمرو: إنّ فصالها هلكت.
    وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رضي الله عنه.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم دخلت سنة تسع وعشرين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث المشهورة

    ففيها عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وكان عامله عليها ستّ سنين، وولّاها عبد الله بن عامر بن كريز، وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة، فقدمها. وقد قيل: إنّ أبا موسى إنما عمل لعثمان على البصرة ثلاث سنين.
    وذكر علي بن محمد أن محاربًا أخبره، عن عوف الأعرابي، قال: خرج غيلان بن خرشة الضبي إلى عثمان بن عفان، فقال: أما لكم صغير فتستشبّوه فتولّوه البصرة! حتى متى بلى هذا الشيخ البصرة! يعني أبا موسى؛ وكان وليها بعد موت عمر ستّ سنين.
    قال: فعزله عثمان عنها، وبعث عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة ابن حبيب بن عبد شمس، وأمه دجَّاجة ابنة أسماء السُّلمي؛ وهو ابن خال عثمان بن عفان. قال مسلمة: فقدم البصرة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، سنة تسع وعشرين.
    ذكر الخبر عن سبب عزل عثمان أبا موسى عن البصرة

    كتب إلي السري، يذكر أنّ شعيبًا حدثه، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما ولي عثمان أقرّ أبا موسى على البصرة ثلاث سنين، وعزله في الرابعة، وأمّر على خراسان عمير بن عثمان بن سعد، وعلى سجستان عبد الله بن عمير الليثي - وهو من كنانة - فأثخن فيها إلى كابل، وأثخن عمير في خراسان حتى بلغ فرغانة، فلم يدع دونها كورة إلا أصحها؛ وبعث إلى مكران عبيد الله بن معمر التيمي، فأثخن فيها حتى بلغ النهر.
    وبعث علي كرمان عبد الرحمن بن غبيس؛ وبعث إلى فارس والأهواز نفرًا، وضمّ سواد البصرة إلى الحصين بن أبي الحرَ، ثم عزل عبد الله بن عمير، واستعمل عبد الله بن عامر فأقرّه عليها سنة ثم عزله، واستعمل عاصم بن عمرو، وعزل عبد الرحمن بن غبيس، وأعاد عدي بن سهيل بن عدي.
    ولما كان في السنة الثالثة كفر أهل إيذج والأكراد، فنادى أبو موسى في الناس، وحضّهم وندبهم؛ وذكر من فضل الجهاد في الرجلة؛ حتى حمل نفر على دوابّهم، وأجمعوا على أن يخرجوا رجَالًا. وقال آخرون: لا والله لا نعجل بشيء حتى ننظر ما صنيعه؟ فإن أشبه قوله فعله فعلنا كما فعل أصحابنا.
    فلمّا كان يوم خرج أخرج ثقله من قصره على أربعين بغلًا، فتعلقوا بعنانه، وقالوا: احملنا على بعض هذه الفضول، وارغب من الرجلة فيما رغبتنا فيه، فقنّع القوم حتى تركوا دابتّه ومضى، فأتوا عثمان، فاستعفوه منه، وقالوا: ما كلّ ما نعلم نحبّ أن نقوله، فأبد لنا به، فقال: من تحبّون؟ فقال غيلان بن خرشة: في كلِّ أحد عوض من هذا العبد الذي قد أكل أرضنا، وأحيا أمر الجاهلية فينا، فلا ننفك من أشعري كان يعظّم ملكه عن الأشعرين؛ ويستصغر ملك البصرة، وإذا أمرّت علينا صغيرًا كان فيه عوض منه، أو مهترًا كان فيه عوض منه؛ ومن بين ذلك من جميع الناس خير منه.
    فدعا عبد الله بن عامر وأمّره على البصرة، وصرف عبيد الله بن معمر إلى فارس، واستعمل على عمله عمير بن عثمان بن سعد. فاستعمل على خراسان في سنة أربع أمين بن أحمج اليشكري، واستعمل على سجستان في سنة أربع عمران بن الفصيل الرجمي، وعلى كرمان عاصم بن عمرو، فما تعالى بها.
    فجاشت فارس، وانتقضت بعبيد الله بن معمر، فاجتمعوا له بإصطخر، فالتقوا على باب إصطخر، فقتل عبيد الله وهزم جنده؛ وبلغ الخبر عبد الله ابن عامر، فاستنفر أهل البصرة؛ وخرج معه الناس، وعلى مقدّمته عثمان ابن أبي العاص، فالتقوا هم وهم بإصطخر، وقتل منهم مقتلة عظيمة لم يزالوا منها في ذلّ؛ وكتب بذلك إلى عثمان؛ فكتب إليه بإمرة هرم بن حسان اليشكري، وهرم بن حيان العبدي من عبد القيس، والحرّيت بن راشد من بني سامة، والمنجاب بن راشد، والتّرجمان الهجيمي، على كور فاس، وفرّق خراسان بين نفر ستة: الأحنف على المروين، وحبيب بن قرّة اليربوعي على بلخ - وكانت مما افتتح أهل الكوفة - وخالد بن عبد الله بن زهير على هراة، وأمين بن أحمد اليشكري على طوس، وقيس بن الهيثم السملي على نيسابور - وهو أول من خرج - وعبد الله بن خازم، وهو ابن عمه. ثم إن عثمان جمعها له قبل موته؛ فمات وقيس على خراسان، واستعمل أمين بن أحمر على سجستان، ثم جعل عليها عبد الرحمن بن سمرة - وهو من آل حبيب ابن عبد شمس؛ فمات عثمان وهو عليها؛ ومات وعمران على كرمان - وعمير ابن عثمان مبن سعد على فارس، وابن كندير القشيري على مكران.
    وقال علي بن محمد: أخبرنا علي بن مجاهد، عن أشياخه، قال: قال غيلان بن خرشة لعثمان بن عفان: أما منكم خسيس فترفعوه! أما منكم فقير فتجيروه! يا معشر قريش، حتى متى يأكل هذا الشيخ الأشعري هذه البلاد! فانتبه لها الشيخ؛ فولَاها عبد الله بن عامر.
    قال علي بن محمد: أخبرنا أبو بكر الهذلي؛ قال: ولي عثمان ابن عامر البصرة؛ فقال الحسن: قال أبو موسى: يأتيكم غلام خرّاج ولّاج كريم الجدّات والخالات والعمات؛ يجمع له الجندان. قال: قال الحسن: فقدم ابن عامر، فجمع له جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص الثقفي؛ وكان عثمان بن أبي العاص فيمن عبر من عمان والبحرين.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وفد قيس بن هثيم عبد الله بن خازم إلى عبد الله بن عامر في زمان عثمان؛ وكان عبد الله بن خازم على عبد الله بن عامر كريمًا، فقال له: اكتب لي على خراسان عهدًا إن خرج منها قيس بن الهيثم. ففعل، فرجع إلى خراسان؛ فلما قتل عثمان وبلغ الناس الخبر، وجاش العدوّ لذلك، قال قيس: ما ترى يا عبد الله؟ قال: أرى أن تخلفني ولا تخلّف عن المضي حتى تنظر فيما تنظر. ففعل واستخلفه، فأخرج عبد الله عهد خلافته، وثبت على خراسان إلى أن قام علي رضي الله تعالى عنه، وكانت أمّ عبد الله عجلي، فقال قيس: أنا كنت أحقّ أنأكون ابن عجلي من عبد الله؛ وغضب مما صنع به الآخر.
    أخبار متفرقة
    وفي هذه السنة افتتح عبد الله بن عامر فارس في قول الواقدي وفي قول أبي معشر؛ حدثني بقول أبي معشر أحمد بن ثابت، عمّن حدثه، عن إسحاق ابن عيسى، عنه. وأما قول سيف فقد ذكرناه قبل.
    وفي هذه السنة - أعني سنة تسع وعشرين - زاد عثمان في مسجد رسول الله ووسّعه، وابتدأ في بنائه في شهر ربيع الأول؛ وكانت القصّة تحمل إلى عثمان من بطن نخل؛ وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حدجارة فيها رصاص، وسقفه ساجًا، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه مائة وخمسين ذراعًا، وجعل أبوابه على ما كانت عليه على عهد عمر، ستّة أبواب.
    وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان، فضرب بمنى فسطاطًا، فكان أوّل فسطاط ضربه عثمان بمنّى، وأتمّ الصلاة بها وبعرفة.
    فذكر الواقدي، عن عمر بن صالح بن نافع، عن صالح مولى التوءمة، قال: سمعت ابن عباس يقول: إن أوّل ما تكلم الناس في عثمان ظاهرًا أنه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين؛ حتى إذا كانت السنة السادسة أتمّها، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبي ؛ وتكلم في ذلك من يريد أن يكثِّرعليه؛ حتى جاءه علي فيمن جاءه، فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد؛ ولقد عهدت نبيّك يصلّي ركعتين. ثمّ أبا بكر، ثمّ عمر، وأنت صدرًا من ولايتك، فما أدري ما ترجع إليه! فقال: رأي رأيته.
    قال الواقدي: وحدثني داود بن خالد، عن عبد الملك بن عمرو بن أبي سفيان الثقفي، عن عمّه، قال: صلّى عثمان بالناس بمنى أربعًا، فأتى آت عبد الرحمن بن عوف، فقال: هل لك في أخيك؟ قد صلّى بالناس أربعًا! فصلىّ عبد الرحمن بن عوف بأصحابه ركعتين؛ ثم خرج حتى دخل على عثمان، فقال له: ألم تصلّ في هذا المكان مع رسول الله ركعتين؟ قال: بلى، قال: أفلم تصلّ مع أبي بكر ركعتين؟ قال: بلى، قال: ألم تصلّ مع عمر ركعتين؟ قال: بلى، قال: ألم تصلّ صدرًا من خلافتك ركعتين؟ قال: بلى، قال: فاسمع منّي يا أبا محمد؛ إني أخبرت أنّ بعض من حجّ من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي: إنّ الصلاة للمقيم ركعتان، هذا إمامكم عثمان يصلّي ركعتين، وقد اتّخذت بمكة أهلًا، فرأيت أن أصلّي أربعًا لخوف ما أخاف على الناس؛ وأخرى قد اتّخذت بها زوجة، ولي بالطائف مال؛ فربمااطّلعته فأقمت فيه بعد الصَّدر. فقال عبد الرحمن ابن عوف: ما من هذا شيء لك فيه عذر؛ أما قولك: اتخذت أهلًا، فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت وتقدم بها إذا شئت؛ إنما تسكن بسكناك.
    وأما قولك: ولي مال بالطائف؛ فإن بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال وأنت لست من أهل الطائف. وأمّا قولك: يرجع من حجّ من أهل اليمن وغيرهم فيقولون: هذا إمامكم عثمان يصلّى ركعتين وهومقيم؛ فقد كان رسول الله ينزل عليه الوحي والناس يومئذ الإسلام فيهم قليل؛ ثم أبو بكر مثل ذلك، ثم عمر، فضرب الإسلام بجرانه، فصلّى بهم عمر حتى مات ركعتين، فقال عثمان: مهذا رأي رأيته.
    قال: فخرج عبد الرحمن فلقى ابن مسعود، فقال: أبا محمّد، غير ما يعلم؟ قال: لا، قال: فما أصنع؟ قال: اعمل أنت بما تعلم؛ فقال ابن مسعود: الخلاف شرّ؛ قد بلغني أنه صلّى أربعًا فصلّيت بأصحابي أربعًا، فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني أنه صلى أربعًا فصليّت بأصحابي أربعًا، فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني أنه صلّى أربعًا، فصليّت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول - يعني نصلي معه أربعًا.

  • صفحة 11 من 13 الأولىالأولى ... 910111213 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. ألف ليلة وليلة/الجزء الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 08-01-2010, 09:09 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM
    4. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM
    5. نون المنديل الوردي الجزء الرابع
      بواسطة ابوشادي في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 24
      آخر مشاركة: 07-22-2010, 04:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1