فقال يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيبانى:
« اختاروا إمّا أن تهلكوا أنتم قبل مضر أو تهلك مضر قبلكم. » قالوا:
« وكيف ذلك؟ » قال:
« إنّ هذا الرجل إنّما ظهر منذ شهر وقد صار في عسكره مثل عسكركم. » قالوا: « فما الرأي؟ » قال:
« صالحوا نصرا فإنّكم إن صالحتموه قاتلوا نصرا وتركوكم، لأنّ الأمر في مضر، وإن لم تصالحوا نصرا صالحوه وقاتلوكم ثم عادوا عليكم. » قالوا: « فما الرأي؟ » قال:
« قدّموهم قبلكم ولو بساعة. فتقرّ أعينكم بقتلهم. » فأرسل شيبان إلى نصر يدعوه إلى الموادعة فأجابه. وأرسل إليه سلم بن أحوز، فكتب بينهم كتابا وأتى به شيبان وعن يمينه ابن الكرمانيّ وعن يساره يحيى بن نعيم. فقال سلم لابن الكرمانيّ:
« يا أعور، ما أخلقك أن تكون الأعور الذي بلغنا أن هلاك مضر يكون على يده. » ثم توادعوا سنة، وكتبوا بينهم كتابا، فبلغ أبا مسلم، فأرسل إلى شيبان:
« إنّا نوادعك أشهرا. » فتوادعا ثلاثة أشهر. فقال ابن الكرماني:
« فانّى والله ما صالحت نصرا وإنّما صالحه شيبان وأنا لذلك كاره وأنا موتور ولا أدع قتاله. » فعاوده القتال وأبي شيبان أن يعينه وقال:
« لا يحلّ الغدر. » فأرسل ابن الكرماني إلى أبي مسلم يستنصره على نصر بن سيّار، فأقبل أبو مسلم حتى نزل الماخوان. فأرسل إلى ابن الكرماني شبل بن طهمان يعرّفه أنّى قد أقبلت وأنّى معك على نصر. فقال ابن الكرماني لشبل:
« إني أحبّ أن يلقاني أبو مسلم. » فأبلغه ذلك شبل، فأقام أبو مسلم أربعة عشر يوما، ثم سار إلى ابن الكرماني وخلّف عسكره بالماخوان، فتلقّاه عثمان الكرماني في خيل وسار معه حتى دخل العسكر وأتى حجرة عليّ، فوقف حتى أذن له. فدخل وسلّم على عليّ بالإمرة وقد اتّخذ عليّ له منزلا في قصر لمخلد بن الحسن الأزدي فأقام يومين ثم انصرف إلى عسكره بالماخوان وكان احتفر بها خندقا وجعل له بابين ووكلّ بكل باب ثقة واستعمل على الشّرط أبا نصر مالك بن الهيثم، وعلى الحرس أبا إسحاق خالد بن عثمان، وعلى ديوان الجند كامل بن مظفّر ويكنى أبا صالح، وعلى الرسائل أسلم بن صبيح، وعلى القضاء القاسم بن مجاشع النقيب.
فكان القاسم بن مجاشع يصلّى بأبي مسلم في الخندق الصلوات ويقصّ القصص بعد العصر. فيذكر فضل بنى هاشم ومعايب بني أمية. ولم يزل أبو مسلم كرجل من الشيعة في الهيئة حتى أتاه عبد الله بن بسّام بالأروقة والفساطيط وبآلة المطابخ والمعالف للدوابّ وحياض الأدم للماء.
فاستعمل أبو مسلم داود بن كرّاز على العبيد وأفردهم عن عسكره واحتفر لهم خندقا ثم أمر أبو مسلم كامل بن مظفّر أن يعرض الجند في الخندق بأسمائهم وأسماء آباءهم وحلاهم وأن ينسبهم إلى القرى ويجعل ذلك في دفتر. ففعل، وبلغت عدّتهم سبعة آلاف رجل. فأعطى كل رجل ثلاثة دراهم. ثم أعطاهم بعد ذلك أربعة أربعة على يدي أبي صالح كامل
القبائل يضعون الحروب ويتفقون على محاربة أبي مسلم
ثم إنّ القبائل من مضر وربيعة وقحطان تواعدوا على وضع الحروب وعلى أن تجتمع كلمتهم على محاربة أبي مسلم. فإذا نفوه عن مرو نظروا في أمر أنفسهم وعلى ما يجتمعون عليه وكتبوا على أنفسهم بذلك كتابا وثيقا. وبلغ أبا مسلم الخبر فأفظعه ذلك وأعظمه. فنظر أبو مسلم في أمره، فإذا ماخوان سافلة الماء. فتخرّف أن يقطع نصر بن سيّار عنه الماء. فتحوّل إلى آلين قرية أبي منصور طلحة بن زريق النقيب، وخندق بآلين خندقا وجعل شربه وشرب أهل آلين من نهر يدعى الخرقان لا يمكن قطعه عنهم.
وخرج نصر بن سيّار إليه فعسكر على نهر عياض وفرّق قوادّه حول أبي مسلم ليواقعه. فكان أحد قوادّه أبو الذيّال فأنزل جنده بطوسان وكان عامّة أهلها مع أبي مسلم في الخندق فآذوا أهل طوسان وعسفوهم وذبحوا بقرهم ودجاجهم وحمامهم، وكلّفوهم الطعام والعلف. فشكت الشيعة ذلك إلى أبي مسلم، فوجّه معهم خيلا، فلقوا أبا الذيّال فهزموه وأصحابه وأسروا منهم جماعة، فكساهم أبو مسلم وداوى جرحاهم وخلّى سبيلهم.
في هذه السنة قتل جديع بن عليّ الكرماني وصلب.
ذكر مقتل جديع الكرماني وصلبه
قد ذكرنا مقتل الحارث بن سريج وأنّ الكرماني هو الذي قتله. ولمّا قتله خلصت له مرو وتنحّى نصر بن سيّار عنها إلى أبر شهر وقوى أمر الكرماني فوجّه نصر إليه سلم بن أحوز، فسار في رابطة نصر وفرسانه حتى لقي الكرماني، فوجد يحيى بن نعيم واقفا في ألف رجل من ربيعة ومحمّد بين المثنّى في سبعمائة من فرسان الأزد وجماعة أخرى في ألف من فتيانهم والصغرى في ألف من أبناء اليمن. فلمّا تواقفوا قال سلم بن أحوز لمحمّد بن المثنّى:
« يا محمّد، مر هذا الملّاح بالخروج إلينا. » فقال محمد لسلم:
« يا بن الفاعلة، لأبي عليّ تقول هذا؟ » ودلف القوم بعضهم إلى بعض، فاجتلدوا بالسيوف، وانهزم سلم بن أحوز، وقتل من أصحابه خلق وقدم أصحاب نصر عليه فلو لا. فقال له عقيل:
« يا نصر، شأمت العرب. فأمّا إذ صنعت ما صنعت فشمّر عن ساق وجدّ. » فوجّه عصمة بن عبد الله فوقف سلم بن أحوز فنادى:
« يا محمّد، لتعلمنّ أنّ السمك لا يغلب اللخم. » فقال محمد:
« لتعلمن، فقف لنا إذا. » وأمر محمّد الصغرى فخرج إليه في أهل اليمن. فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم عصمة حتى أتى نصرا وقد قتل من أصحابه أربعمائة. ثم أرسل نصر مالك بن عمرو التميم فأقبل في أصحابه فنادى:
« يا ابن المثنّى، ابرز لي إن كنت رجلا. »
فبرز له فضربه التميمي على حبل عاتقه فلم يصنع شيئا وضربه محمّد بن المثنّى بعمود فشدخ رأسه. والتحم القتال فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم أصحاب نصر وقد قتل منهم سبعمائة رجل، وقد قتل من أصحاب الكرمانيّ ثلاثمائة رجل. فلم يزل الشرّ بينهم حتى خرجوا جميعا إلى الخندقين فاقتتلوا قتالا شديدا.
حيلة لأبي مسلم تمت له
فلمّا علم أبو مسلم أنّ كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وأنّه لا مدد لهم جعل يكتب الكتاب إلى شيبان، ثم يقول للرسول:
« انطلق، فاجعل طريقك على المضريّة، فانّهم سيعرضون لك ويأخذون كتبك. » فكانوا يأخذونها فيجدون فيها: إني رأيت أهل اليمن لا وفاء لهم ولا خير فيهم فلا تثقنّ بهم ولا تطمئنّ إليهم فإني أرجوا أن يريك الله في اليمانية ما تحبّ، ولئن بقيت لا أدع لهم شعرا ولا ظفرا. » ويرسل رسولا آخر في طريق آخر فيه ذكر المضريّة بمثل ذلك حتى صار هوى الفريقين جميعا معه. وجعل يكتب إلى نصر بن سيّار وإلى الكرماني:
« إنّ الإمام قد وصّانى بكم، ولست أعدوا رأيه فيكم. » وكتب إلى الكور بإظهار الأمر، فكان أوّل من سوّد أسيد بن عبد الله الخزاعي بنسّا ونادى:
« يا محمد، يا منصور. » وسوّد معه مقاتل بن الحكم وغيره، وسوّد أهل أبيورد وأهل مرو الرود.
وأقبل أبو مسلم حتى نزل بين خندق نصر بن سيّار وخندق جديع الكرماني وهابه الفريقان وكثر أصحابه. وكتب نصر بن سيّار إلى مروان يعلمه حال أبي مسلم، وكثرة من معه، وإظهاره أمره، وأنّه يدعو إلى إبراهيم بن محمّد.
وكتب بأبيات شعر:
أرى خلل الرماد وميض جمر ** ويوشك أن يكون له ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكى ** وإنّ الحرب أوّلها الكلام
فقلت من التعجّب ليت شعري ** أأيقاظ أميّة أم نيام
فإن يك قومنا أمسوا رقودا ** فقل هبّوا، فقد حان القيام
وكتب إليه مروان:
« الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فأحسم الثؤلول قبلك. » فقال نصر:
« أمّا صاحبكم فقد أعلمكم أن لا نصر عنده. » فكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يستمدّه وكتب إليه:
أبلغ يزيد وخير القول أصدقه ** وقد تبيّنت أن لا خير في الكذب
إنّ خراسان أرض قد أصبت بها ** بيضا لو أفرخ قد حدّثت بالعجب
فراخ عامين إلّا أنّها كثرت ** لمّا يطرن وقد سربلن بالزّغب
وإن يطرن ولم يحتل لهنّ بها ** يلهبن نيران حرب أيّما لهب
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
قال يزيد: « لا غلبة إلّا بكثرة، فليس عندي رجل. » ولمّا كتب نصر إلى مروان بخبره وخبر أبي مسلم وظهوره وقوّته، وأنّه يدعو إلى إبراهيم بن محمّد، ألقى ورود كتاب نصر على مروان وقدوم رسول لأبي مسلم كان أرسله إلى إبراهيم بن محمّد ومعه جواب إبراهيم عن كتاب لأبي مسلم إليه يلومه ألّا يكون واثب نصرا والكرمانيّ إذ أمكناه، ويأمره ألّا يدع بخراسان متكلّما بالعربية إلّا قتله.
فدفع الرسول الكتاب إلى مروان فكتب مروان إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك، وهو على دمشق، أن يكتب إلى عامل البلقاء، فيسير إلى كراد والحميمة، فليأخذ إبراهيم بن محمّد، فيشدّه وثاقا ويبعث به في حبل. فوجّه الوليد إلى عامل البلقاء فأتى إبراهيم وهو في مسجد القرية فأخذه وكتفه وحمله إلى الوليد، محمله الوليد إلى مروان فحبسه في السجن.
رجع الحديث إلى قصة نصر والكرماني وما كان من قتل نصر الكرماني وصلبه إياه
وأظهر أبو مسلم، لمّا تفاقم الأمر بين الكرماني وبين نصر، أنّه مع الكرمانيّ، فقبل ذلك الكرماني، وانضمّ إليه أبو مسلم. فاشتدّ ذلك على نصر وأرسل إلى الكرمانيّ: « ويلك لا تغترّ، فو الله إني لخائف عليك وعلى أصحابك منه، ولكن هلمّ إلى الموادعة فندخل مرو ونكتب بيننا كتابا بالصلح. » وهو يريد أن يفرّق بينه وبين أبي مسلم.
فدخل الكرماني منزله وأقام أبو مسلم في العسكر وخرج الكرمانيّ حتى وقف في الرحبة في مائة فارس وعليه قرطق خشكشويه ثم أرسل إلى نصر:
« أخرج لنكتب بيننا ذلك الكتاب. » فأبصر نصر منه غرّة، فوجّه إليه ابن الحارث بن سريج في نحو ثلاثمائة فارس، فالتقوا في الرحبة فاقتتلوا بها طويلا. ثم إنّ الكرمانيّ طعن في خاصرته فخرّ عن دابّته وحماه أصحابه حتى جاءهم ما لا قبل لهم به، فقتل نصر الكرمانيّ وصلبه وصلب معه سمكة. فأقبل ابنه عليّ وقد كان صار إلى أبي مسلم، فقاتله حتى أخرجه من دار الإمارة، فمال إلى بعض دور مرو، فأقبل أبو مسلم حتى دخل مرو، وأتاه عليّ بن جديع فسلّم عليه بالإمرة وأعلمه أنّه معه على ما يريد من مساعدته وقال:
« مرني بأمرك. » قال:
« أقم على ما أنت عليه حتى آمرك بأمري. »
وفي هذه السنة غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب على فارس.
ذكر السبب في ذلك.
لمّا هزم عبد الله بن معاوية بالكوفة، شخص إلى المدائن فبايعه أهلها وقصده قوم من الكوفة، فخرج إلى الجبال فغلب عليها وعلى حلوان وقومس والريّ وإصبهان.
وكان محارب بن موسى مولى يشكر عظيم القدر بفارس قد تمكّنت له منزلة ورئاسة جليلة. فجاء يمشى في نعلين إلى دار الإمارة بإصطخر، فطرد العامل الذي كان بها من جهة ابن عمر، وقال لبعض الرؤساء يقال له عمارة:
« بايع الناس. » فقال أهل إصطخر:
« على ما تبايع؟ » قال:
« على ما أحببتم وكرهتم. » فبايعوه لابن معاوية. وخرج محارب إلى كرمان فأغار عليهم وأصاب في غارته إبلا لثعلبة بن حسّان المازني فاستاقها ورجع. فخرج ثعلبة في طلب إبله ومع ثعلبة مولى له. فقال له مولاه:
« هل لك أن تفتك بمحارب فإن شئت ضربته وكفيتني الناس. وإن شئت ضربته وكفيتك الناس. » قال: « ويحك، أردت أن نقتل وتذهب الإبل؟ » ولم يلق الرجل. ثم دخل على محارب، فرحّب به وقال:
« حاجك » قال: « أبلى. » قال: « نعم، لقد أخذت وما أعرفها وقد عزلتها فدونك إبلك. » فأخذها وقال لمولاه:
« هذا خير أم ما أردت؟ » قال: « هذا خير، وذاك كان أشقى. » فقال: « بمثل رأيك تزول النعم وتزول النفوس. » ثم إنّ عبد الله بن معاوية قوى بفارس وأتاه الناس، بنو هاشم وغيرهم، وجبى المال. وكان معه منصور بن جمهور، وسليمان بن هشام بن عبد الملك، وشيبان بن عبد العزيز الخارجي. وذلك قبل أن يصير إلى خراسان.
ولم يزل عبد الله بن معاوية بإصطخر حتى أتاه ابن ضبارة وقد حكينا أمره وما كان من هزيمة ابن معاوية وهرب شيبان ومنصور بن جمهور وغيرهما.
موافاة أبي حمزة الخارجي
وفي هذه السنة وافى الموسم أبو حمزة الخارجي من قبل عبد الله بن يحيى طالب الحقّ محكّما مظهرا الخلاف على مروان بن محمّد.
ذكر الخبر عن ذلك
لمّا كان تمام سنة تسع وعشرين ومائة لم يكن عند الناس خبر بعرفة حتى طلعت أعلام وعمائم سود في رؤوس الرماح وهم سبعمائة ففزع الناس منهم وقالوا لهم:
« ما لكم، ما حالكم؟ » فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان والتبرّؤ منهم. فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ على مكّة والمدينة، في الهدنة. فقالوا:
« نحن أضنّ بحجّنا. » وصالحهم على أنّهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الآخر ويصبحوا من الغد.
فوقفوا على حدة بعرفة، ودفع بالناس عبد الواحد. فلمّا كانوا بمنى ندّموا عبد الواحد وقالوا له:
« أخطأت لو حملت الحاجّ عليهم ما كانوا إلّا أكلة رأس. » ولمّا كان في النفر الأوّل نفر عبد الواحد وخلّى مكّة لأبي حمزة فدخلها بغير قتال وهجا الشعراء عبد الواحد ومضى إلى المدينة فضرب على الناس البعث وزادهم في العطاء عشرة عشرة.
ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة
وفيها دخل أبو مسلم حائط مرو ونزل دار الإمارة
ذكر السبب في ذلك
كان السبب في ذلك مصير عليّ بن جديع الكرماني إليه وسبب مصير عليّ معه أنّ سليمان بن كثير كان يقول لعليّ بن الكرماني:
« يقول لك أبو مسلم، أما تأنف من مصالحة نصر بن سيّار وقد قتل أباك بالأمس وصلبه، وما كانت أحسبك تصلّى مع نصر في مسجد واحد؟ » فأدرك عليّا الحفيظة، فرجع عن رأيه، وانتقض صلح العرب.
فبعث نصر بن سيّار إلى أبي مسلم يلتمس منه أن يدخل مع مضر، وبعث ربيعة وقحطان إليه بمثل ذلك. فتراسلوا أيامّا. فأمرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما. ففعلوا وأمر أبو مسلم الشيعة أن تختار ربيعة وقحطان، فإنّ السلطان في مضر وهم عمّال مروان وهم قتلة يحيى بن زيد، فقدم الوفدان.
فكان في وفد مضر عقيل بن معقل، وعبيد الله بن عبد ربّه، في رجال منهم.
وكان في وفد قحطان عثمان بن الكرمانيّ ومحمّد بن المثنّى في رجال منهم.
فلمّا دخلوا إلى أبي مسلم كان معه في البيت سبعون رجلا من الشيعة وكان أبو مسلم كتب كتابا يقرأ على الشيعة ليختاروا أحد الفريقين. فلمّا فرغ من قراءة الكتاب، قام سليمان بن كثير فتكلّم وكان خطيبا مفوّها فاختار عليّ بن الكرماني وأصحابه ثم قام رجل بعد رجل من وجوه الشيعة فتكلّموا نحو كلام سليمان. ثم قام مزيد بن شقيق فقال:
« مضر قتلة آل النبي وأعوان بني أمية وشيعة مروان، ودماؤنا في أعناقهم، وأموالنا في أيديهم، ونصر بن سيّار عامل مروان على خراسان ينفذ أموره ويدعو له على منبره، ويسمّيه أمير المؤمنين، ونحن من ذلك براء، وقد اخترنا عليّ بن الكرمانيّ وأصحابه من قحطان وربيعة. » فضجّ من كان في البيت بأنّ:
« القول ما قال مزيد بن شقيق. » فنهض وفد مضر عليهم الكآبة والذلّة. ووجّه معهم أبو مسلم القاسم بن مجاشع في خيل حتى بلغوا مأمنهم، ورجع وفد عليّ بن الكرمانيّ مسرورين منصورين.
وقال أبو مسلم للشيعة:
« استعدّوا للشتاء. فقد أعفاكم الله من اجتماع كلمة العرب وصيّرهم إلى افتراق، وكان ذلك من الله قدرا مقدورا.
ذكر السبب في دخوله حائط مرو
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
كان حائط مرو في يد نصر، لأنّه عامل خراسان. فأرسل عليّ بن الكرمانيّ إلى أبي مسلم أن:
« ادخل الحائط من قبلك وأنّا أدخل مع عشيرتي من قبلي فتغلب على الحائط. » فأرسل إليه أبو مسلم:
« إني لست آمن أن تجتمع يدك ويد نصر على محاربتى ولكن ادخل أنت فأنشب الحرب بينك وبين أصحاب نصر بن سيّار. » فدخل عليّ بن الكرماني فأنشب الحرب. وبعث أبو مسلم. أبا عليّ شبل بن طهمان النقيب في خيل، فدخلوا الحائط، وبعثوا إلى أبي مسلم. أن:
ادخل، فدخل أبو مسلم من خندق الماخوان وعلى مقدّمته أسيد بن عبد الله، وعلى ميمنته مالك بن الهيثم، وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع. حتى دخل الحائط والفريقان يقتتلان. فأمرهما بالكفّ وهو يتلو من كتاب الله تعالى: « وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ من أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا من شِيعَتِهِ وَهذا من عَدُوِّهِ » ومضى أبو مسلم حتى نزل قصر الإمارة الذي ينزله عمّال خراسان، وهرب نصر بن سيّار وصفت مرو لأبي مسلم. فأمر أبا منصور طلحة بن زريق أن يأخذ البيعة على الناس من الهاشميّه خاصّة. وأبو منصور هذا أحد النقباء الاثني عشر الذين اختارهم محمّد بن عليّ من السبعين الذين استجابوا له سنة ثلاث ومائة.
وكان مفوّها، نبيلا، فصيحا، عالما بحجج الهاشميّة وكان أبوه حيّا، يكنّى أبا زينب، وكان شهد حرب عبد الرحمن بن الأشعث وصحب المهلّب بن أبي صفرة، فكان أبو مسلم يشاوره في الأمور، ويدعوه بالكنية:
« يا با طلحة ما تقول، وما رأيك؟ » وكانت بيعته:
« أبايعكم على كتاب الله وسنّة نبيه ، والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله ، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه والطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله عز وجل وعلى ألّا تسألوا رزقا ولا طعما حتى يبدأكم به ولاتكم وإن كان عدوّ أحدكم تحت قدمه ألّا يهيّجوه إلّا بأمر ولاتكم. » ولمّا حبس أبو مسلم سلم بن أحوز، ويونس بن عبد ربّه، وعقيل بن معقل، وأصحابهم، وشاور أبا طلحة فيهم، فقال له:
« اجعل سوطك السيف وسجنك القبور. » فأقدم عليهم أبو مسلم فقتلهم. وكانت عدّتهم أربعة وعشرين رجلا صناديد.
ويقال: إنّ أبا مسلم لمّا دخل دار الإمارة بمرو، أرسل إلى نصر مع لاهز بن قريظ، وقريش بن شقيق، وعبد الله بن البختري، يدعوه إلى كتاب الله والطاعة للرضا من آل محمّد. فلمّا رأى نصر ما جاءه من اليمانية والربعيّة والعجم، وأنّه لا طاقة له بهم، أظهر قبول ما بعث به إليه على أن يأتيه فيبايعه.
فجعل يريّثهم لما همّ به من الغدر والهرب، إلى أن أمسى، فأمر أصحابه أن يخرجوا من ليلتهم فلم يتيسّر لهم الخروج في تلك الليلة. وقال له سلم بن أحوز « إنّه لا يتيسّر لنا الخروج الليلة ولكن [ نخرج ] القابلة. » فلمّا كان صبح تلك الليلة، عبّأ أبو مسلم كتائبه، فلم يزل في تعبئتها إلى بعد الظهر. وأرسل إلى نصر لاهز بن قريظ، وقريش بن شقيق، وعبد الله بن البختري، وعدّة من أعاجم الشيعة فدخلوا على نصر فقال لهم:
« ما أسرع ما عدتم؟ » فقال له لاهز بن قريظ: « لا بدّ من ذلك. » فقال نصر: « أمّا إذا كان لا بدّ منه، فإنى أتوضّأ وأخرج إليه، وأرسل إلى أبي مسلم، فإن كان هذا رأيه أتيته ونعمى عين وكرامة وأنا أتهيّأ إلى أن يجيء رسولي. » فقام نصر كأنّه يتوضّأ. فلمّا قام، قرأ لاهز هذه الآية: « يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ من النَّاصِحِينَ. » فدخل نصر حجرته ومعه تميم ابنه والحكم بن نميلة وحاجبه فخرج من خلف حجرته عند دخول وقت الصلاة حين أظلم الوقت وانطلقوا هرّابا. فلمّا استبطأه لاهز وأصحابه دخلوا منزله، فوجدوه قد هرب. فلمّا بلغ ذلك أبا مسلم سار إلى معسكر نصر فأخذ ثقات أصحابه وصنادير مضر الذين كانوا في عسكر نصر فكتفهم، وكان فيمن أخذ سلم بن أحوز وغيره، واستوثق منهم بالحديد ووكّل بهم حتى قتلهم كما حكينا قبيل.
ومضى نصر حتى نزل سرخس فيمن اتّبعه، وكانوا ثلاثة آلاف. ومضى أبو مسلم وعليّ بن جديع في طلبه. فركضا ليلتهما حتى أصبحا في قرية تدعى:
نصرانيّة، فوجدا نصرا قد خلّف امرأته المرزبانة فيها ونجا بنفسه. فرجع أبو مسلم وعليّ بن جديع إلى مرو، فقال أبو مسلم للقوم الذين كان وجّههم إلى نصر:
« ما الذي ارتاب به منكم؟ » قالوا: « لا ندري. » قال: « فهل تكلّم أحد منكم؟ » قالوا: « لا ندري. » قال بعضهم:
« تلا لاهز: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج. » قال: « هذا الذي دعاه إلى الهرب. » ثم قال:
« يا لاهز، أتدغل في الدين؟ » ثم قدّمه فضرب عنقه.
وفي هذه السنة قتل شيبان الحروريّ
ذكر الخبر عن مقتله وسببه
كان عليّ بن جديع وشيبان مجتمعين على قتال نصر بن سيّار، لمخالفة شيبان نصرا. لأنّ شيبان خارجى وعليّ بن جديع يخالف نصرا، لأنّه يمان ونصر مضريّ، ولأنّ نصرا قتل أباه وصلبه. فلمّا صالح عليّ بن الكرماني أبا مسلم وفارق شيبان تنّحى شيبان عن مرو لأنّه علم أن لا طاقة له بأبي مسلم وعليّ بن جديع مع تآلفهما واجتماعهما على خلافه، وقد هرب نصر من مرو. فأرسل إليه أبو مسلم يدعوه إلى بيعته، فأرسل إليه شيبان:
« بل أنا أدعوك إلى بيعتي. » فأرسل إليه أبو مسلم:
« إن لم تدخل في أمرنا، فارتحل عن منزلك. » فأرسل شيبان إلى ابن الكرماني يستنصره فأبى. فسار شيبان إلى سرخس، واجتمع إليه جمع من بكر بن وائل. فبعث إليه أبو مسلم تسعة من الأزد فيهم المنتجع بن الزبير، يدعوه إلى المسالمة. فأرسل شيبان إلى رسل أبي مسلم فحبسهم. فكتب أبو مسلم إلى بسّام بن إبراهيم مولى بنى ليث ببيورد يأمره أن يسير إلى شيبان فيقاتله، ففعل، فهزمه بسّام واتّبعه حتى دخل المدينة، فقتل شيبان وعدّة من بكر بن وائل. فقيل لأبي مسلم:
« إنّ بسّام ثائر بأبيه وهو يقتل البريء والسقيم. » فكتب إليه أبو مسلم، فقدم واستخلف على عسكره.
ولمّا قتل شيبان مرّ رجل من بكر بن وائل يقال له: خفاف، برسل أبي مسلم الذين كان حبسهم شيبان، فأخرجهم وقتلهم.
أبو مسلم يقتل ابني جديع الكرماني
وفي هذه السنة قتل أبو مسلم عليّا وعثمان ابني جديع الكرماني.
ذكر السبب في قتله إيّاهما
كان السبب في ذلك أنّ أبا مسلم وجّه أبا داود إلى بلخ وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري فلمّا بلغه قصد أبي داود بلخ، خرج في أهل بلخ وغيرها من كور طخارستان إلى الجوزجان، فلمّا دنا أبو داود منهم انصرفوا منهزمين إلى التّرمذ.
ودخل أبو داود مدينة بلخ بمن معه، فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجّه مكانه يحيى بن نعيم. فخرج أبو داود وكاتب زياد بن عبد الرحمن يحيى بن نعيم بما دهم العرب من أبي مسلم وسأله أن تصير أيديهم واحدة فأجابه.
فرجع زياد بن عبد الرحمن القشيري، ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم الباهلي، وأهل بلخ والتّرمذ، وملوك طخارستان وما خلف النهر ودونه. فنزل زياد وأصحابه على فرسخ من مدينة بلخ، وخرج إليه يحيى بن نعيم ومن معه حتى اجتمعوا، فصارت كلمتهم واحدة مضريّهم يمانيّهم وربعيّهم ومن معهم من العجم على قتال المسوّدة، وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل بن حيّان النبطي كراهة أن تكون لواحد من الفرق الثلاث.
وكتب أبو مسلم إلى أبي داود يأمره بالانصراف. فانصرف أبو داود بمن كان معه حتى اجتمعوا على نهر السّرخيان.
وكان زياد بن عبد الرحمن وأصحابه قد وجّهوا أبا سعيد القرشيّ مسلحة فيما بين الفود وبين قرية يقال لها: بامديان، لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
ذكر اتفاق عجيب وقع على أصحاب زياد حتى انهزموا وقتلهم أبو داود
لمّا اجتمع أبو داود وزياد وأصحابهما واصطفّوا للقتال أمن أبو سعيد القرشي أن يؤتى زياد وأصحابه من خلفهم، فرجع وكانت أعلام أبي سعيد وراياته سودا. فلمّا خرج عليهم من سك الفود من وراءهم نظروا إلى الرايات السود، فظنّوها كمينا لأبي داود، وكان القتال قد نشب بين الفريقين، فانهزم زياد وأصحابه واتبعهم أبو داود، فوقع عامّه أصحاب زياد في نهر السّرخيان، وقتل عامّة رجالهم المتخلّفين، ونزل أبو داود عسكرهم، وحوى ما فيه ولم يتبعهم.
وأقام أبو داود يومه ذلك ومن الغد، ولم يدخل بلخ واستصفى أموال من قتل بالسّرختان ومن هرب من العرب وغيرهم واستقامت بلخ لأبي داود.
ثم كتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجّه النضر بن صبيح المرّيّ على بلخ، وقدم أبو داود، فاجتمع رأى أبي داود ورأى أبي مسلم على أن يفرّق بين عليّ وعثمان ابني الكرماني. فبعث أبو مسلم عثمان عاملا على بلخ فلمّا توجّه إليها استخلف الفرافصة بن ظهير على مدينة بلخ. وأقبلت المضريّة من الترمذ عليهم مسلم بن عبد الرحمن الباهلي. فالتقوا مع أصحاب عثمان بن جديع، فهزموا أصحاب عثمان وغلب على بلخ المضريّة، وأخرجوا الفرافصة، وبلغ الخبر عثمان بن جديع والنضر بن صبيح وهما بمرو الرود فأقبلا نحوهم. وبلغ أصحاب زياد بن عبد الرحمن فهربوا من تحت ليلتهم، فقصّر النضر في طلبهم رجاء أن يفوتوا، وجدّ أصحاب عثمان حتى لقوهم.
فاقتتلوا قتالا شديدا، وانهزم أصحاب عثمان وأكثر فيهم القتل ومضت المضريّة إلى أصحابهم، ورجع أبو داود من مرو إلى بلخ، وسار أبو مسلم ومعه عليّ بن جديع إلى نيسابور، واتّفق رأى أبي مسلم ورأى أبي داود على أن يقتل أبو مسلم عليّا ويقتل أبو داود عثمان في يوم واحد. فلمّا قدم أبو داود بلخ، بعث عثمان إلى الختّل فيمن معه من أهل مرو ويمانية أهل بلخ وربعيّهم. فلمّا خرج من بلخ خرج أبو داود فاتبع الأثر فلحقه على شاطئ نهر بوخش من أرض الختّل فوثب أبو داود على عثمان وأصحابه، فحبسهم، ثم ضرب أعناقهم جميعا.
وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم عليّ بن جديع، وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمّى له خاصّته ليولّيهم ويأمر لهم بجوائز، فسمّاهم له فقتلهم جميعا.
قدوم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم
وفي هذه السنة قدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم خراسان منصرفا من عند إبراهيم بن محمّد، ومعه لواء عقده له إبراهيم. فوجّهه أبو مسلم على مقدّمته، وضمّ إليه الجيوش، وجعل إليه العزل والولاية، وكتب إلى الجنود بالسمع له والطاعة.
فتوجّه قحطبة إلى نيسابور للقاء نصر. وكان أصحاب شيبان الحروريّ بعد قتله لحقوا بنصر وهو بنيسابور، وتوجّه قحطبة في قوّاده، فأخذ جهور بن مرّار وهو أحد القوّاد على ناحية بيورد، وأخذ القاسم بن مجاشع وهو أحد القوّاد على ناحية سرخس، وتوجّه قحطبة نحو طوس ومعه وجوه القوّاد كأبي عون وخالد بن برمك وخازم بن خزيمة وعثمان بن نهيك وأمثالهم. فلقى من بطوس، فانهزموا، ودفعوا إلى مضيق، فكان من مات منهم في الزحام أكثر ممّن قتل وبلغ عدّة القتلى يومئذ بضعة عشر ألفا.
وتوجّه قحطبة إلى السودقان وهو معسكر تميم بن نصر والنابى. وكان قحطبة قد وجّه على مقدّمته أسيد بن عبد الله الخزاعي في ثلاثة آلاف رجل فسار إليه وتعبّأ تميم والنابى لقتاله. وكتب أسيد إلى قحطبة يعلمه ما أجمعوا عليه من قتاله وأنّه إن لم يعجل القدوم عليه حاكمهم إلى الله، وأعلمه أنّهما في ثلاثين ألفا من صناديد أهل خراسان وفرسانهم. فوجّه قحطبة مقاتل بن حكيم العكيّ في ألف وخالد بن برمك في ألف. فقدما عليه وقوى أسيد بهما، وبلغ ذلك تميما النابى فكسرهما.
ثم قدم عليهم قحطبة بمن معه وعبّأ ميمنته وميسرته ثم زحف إليهم ودعاهم إلى كتاب الله تعالى وسنّة نبيه وإلى الرضا من آل محمّد ، فلم يجيبوه. فأمر الميمنة والميسرة أن يحملوا. فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل تميم بن نصر في المعركة، وقتل منهم مقتلة عظيمة، واستبيح عسكرهم وانهزم النابى فتحصّن في المدينة وأحاطت به الجنود، فنقبوا المدينة ودخلوها، فقتلوا النابى ومن كان معه، وهرب عاصم بن عمير وسالم بن راوية إلى نصر بن سيّار بنيسابور، فأخبراه بقتل تميم والنابى ومن كان معهما.
فصيّر قحطبة قبض ما في العسكر المهزوم إلى خالد بن برمك. وارتحل نصر هاربا في أهل أبرشهر حتى نزل قومس وتفرّق عنه أصحابه فسار إلى جرجان، وبها نباتة بن حنظلة من قبل يزيد بن عمر بن هبيرة.
ذكر مقتل نباتة بن حنظلة
كان يزيد بن عمر بن هبيرة بعث نباتة بن حنظلة الكلابي إلى نصر مددا له في خيل وعدّة وعتاد. فسار إلى إصبهان، ثم سار إلى الريّ، ومضى إلى جرجان، ولم ينضمّ إلى نصر. وخندق نباتة، وكان إذا وقع الخندق في دار قوم رشوه فأخّره حتى صار خندقه نحوا من فرسخ.
وأقبل قحطبة إلى جرجان في سنة ثلاثين ومائة وذلك في ذي القعدة منها. وقد تعبّأ وجعل على مقدّمته الحسن بن قحطبة. وقال قحطبة:
« يا أهل خراسان، استبصروا فإنّكم تسيرون إلى بقية قوم حرّقوا بيت الله. » وأقبل الحسن بن قحطبة حتى نزل على تخوم خراسان، وأنفذ قوما إلى مسلحة نباتة وعليها رجل يقال له: ذويب، فبيّتوهم وقتلوا ذويبا وسبعين من أصحابه. ثم رجعوا إلى عسكر الحسن. وقدم قحطبة فنزل بإزاء نباتة، وكان أهل الشام في عدّة لم ير الناس مثلها. فلمّا رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلّموا بذلك، وبلغ ذلك قحطبة فقام خطيبا.
خطبة لقحطبة قوت قلوب أصحابه
قام فقال:
« يا أهل خراسان، إنّ هذه البلاد كانت لآباءكم الأوّلين، وكانوا ينصرون على أعداءهم، لعدلهم وحسن سيرتهم. فلمّا بدّلوا وظلموا سخط الله عليهم، فانتزع سلطانهم وسلّط عليهم أذلّ أمّة كانت في الأرض عندهم، فغلبوهم على بلادهم واستنكحوا نساءهم، واسترقّوا أولادهم، وقتلوا آباءهم. فكانوا على ذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد وينصرون المظلوم. ثم بدّلوا وغيّروا وجاروا في الحكم وأخافوا أهل البرّ والدين من عترة رسول الله . فسلّطكم الله عليهم لينتقم منهم بكم ليكونوا أشدّ عقوبة لأنّكم طلبتموهم بالثأر. وقد عهد إليّ الإمام أنّكم تلقونهم في مثل هذه العدّة فينصركم الله عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم. » وكان قرئ على قحطبة كتاب من أبي مسلم:
« أمّا بعد فناهض عدوّك بجدّ، فإنّ الله ناصرك. فإذا ظهرت عليهم فأثخن في القتل. » فالتقوا في متسهل ذي الحجّة واقتتلوا وصبر بعضهم لبعض. فقتل نباتة وانهزم أهل الشام فقتل منهم أكثر من عشرة آلاف وبعث إلى أبي مسلم برأس نباتة وابنه حيّة.
وكان من عجيب ما شوهد في تلك الحرب أمر سالم بن راوية التميمي، وكان ممّن هرب من أبي مسلم وخرج مع نصر، ثم صار مع نباتة فقاتل قحطبة بجرجان في هذه الوقعة، فلمّا انهزم الناس بقي فثبت وقاتل وحده، فحمل عليه عبد الله الطائيّ وهو من الفرسان، فضربه سالم بن راوية على وجهه فأندر عينه. ثم قاتلهم حتى اضطرّ إلى مسجد، فدخله ودخلوا عليه، فكان لا يشدّ في ناحية إلّا كشفهم. فعطش فجعل ينادى « شربة، فو الله لأنقعنّ لهم شرا يومي هذا. » فلم يقدر عليه أحد، حتى حرقوا عليه سقف المسجد، ورموه بالحجارة، حتى قتلوه، وجاءوا برأسه إلى قحطبة، وليس في وجهه ولا رأسه مصحّ.
فقال قحطبة والناس:
« ما رأينا مثل هذا قطّ. »
وقعة قديد
وفي هذه السنة كانت الوقعة بقديد بين أبي حمزة الخارجي وأهل المدينة.
ذكر الخبر عن ذلك
كنّا حكينا أنّ عبد الواحد بن سليمان رجع إلى المدينة، وضرب على البعوث، واستعمل عبد العزيز بن عمرو بن عثمان على الناس، فخرجوا حتى نزلوا قديد وكانت الحياض هناك وهم قوم مغترّون ليسوا بأصحاب حرب فلم يرعهم إلّا القوم قد خرجوا عليهم فقتلوهم، وكانت المقتلة على قريش، كانوا أكثر الناس، وبهم كانت الشوكة.
ودخل أبو حمزة مدينة رسول الله ، وهرب عبد الواحد إلى الشام، فأحسن السيرة وخطب فذكر جور بنى مروان وآل أميّة، واستمال الناس حتى سمعوه يقول في خطبته:
« يا أهل المدينة، من زنا فهو كافر ومن سرق فهو كافر. » ثم إنّ مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف واستعمل عليهم ابن عطيّة وأمره بالجدّ في المسير وأعطى كلّ رجل منهم مائة دينار، وفرسا عربيّا وبغلا لثقله، وأمرهم أن يقاتلهم فإذا ظفر مضى حتى يبلغ اليمن، ويقاتل عبد الله بن يحيى، ومن تبعه. فخرج حتى نزل بالمعلّى. ثم سار إلى وادي القرى فلقيهم حمزة فقال حمزة:
« لا تقاتلوهم حتى تختبروهم. » قال: فصاحوا بهم:
« ما تقولون في القرآن والعمل به؟ » فصاح ابن عطيّة:
« وما عليك يا فاجر؟ » قالوا: « نحن مسلمون ولا نقاتلكم إلّا ببيان، فأخبرونا عن القرآن وفرائضه. » فصاحوا: « نضعه في بيوتنا ثم نقاتلكم. » ثم سألوهم عن أشياء أجابوهم عنها بقبائح، إلى أن قالوا:
« فما تقولون في مال اليتيم؟ » فصاح صائح:
« نأكل ماله ونفجر بأمّه. » فحينئذ قاتلوهم حتى أمسوا. ثم صاحوا:
« ويحك يا ابن عطيّة، إنّ الله جعل الليل سكنا فاسكن نسكن. » فأبى. وقال لأصحابه:
« هذا وهن منهم فجدّوا. »
ففعلوا حتى قتلهم، وانهزم من انهزم منهم. فلمّا رجعوا إلى المدينة منهزمين تلقّاهم أهلها فقتلوهم.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)