المثنى بن الحارثة وشهربراز قائد الفرس
فأمّا المثنى بن حارثة، فكان من حديثه بعد خالد بن الوليد: أنّ الفرس اجتمعوا على شهربراز بن أردشير بن شهريار بن أبرويز، ووجدوه بميسان، فوجّه إلى المثنّى جندا عظيما عليهم هرمز المعروف بجاذويه في عشرة آلاف، ومعه فيل، فكتبت المسالح بإقباله، فخرج المثنى من الحيرة، وضمّ إليه المسالح.
وكتب شهربراز إلى المثنّى:
« إنّي قد بعثت إليك جندا من وحش أهل القرى، إنّما هم رعاة الدجاج والخنازير، ولست أقابلك إلّا بهم. » فأجابه المثنّى: « من المثنّى إلى شهربراز، إنّما أنت أحد الرجلين: إما باغ، فذلك شرّ لك وخير لنا، وإمّا كاذب، فأعظم الكاذبين فضيحة وعقوبة عند الله والناس الملوك، وأمّا الذي يدلّنا عليه الرأي، فانّكم إنّما اضطررتم إليه، فالحمد لله الذي ردّ كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير. » فلمّا وقف الفرس على كتابه جزعوا وقالوا: « إنّما أتى شهربراز من لؤم منشأته. » وقالوا له: « جرّأت علينا عدوّنا بما كتبت إليه، فإذا كاتبت أحدا فاستشر. » ثم التقوا ببابل، فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا قتالا شديدا.
ثم إنّ المثنى وناسا من المسلمين اعتوروا الفيل، وكان يفرّق بين الصفوف والكراديس، فأصابوا مقتله، فقتلوه، وهزموا أهل فارس واتّبعهم المسلمون يقتلونهم حتى جازوا بهم مسالحهم، وطلبوا الفلّ حتى بلغوا المدائن. ومات شهربراز منهزم هرمز جاذويه، واختلف أهل فارس بعده، وأبطأ خبر أبي بكر على المسلمين لمرضه.
فخرج المثنى نحو أبي بكر ليخبره خبر المسلمين ويستأذنه في الاستعانة بمن ظهرت توبته من أهل الردّة - وكان أمر أبو بكر ألّا يستعان بهم - وليخبره أنّه لم يخلّف أحدا أنشط لقتال فارس ومعونة المهاجرين منهم. فقدم المدينة واستخلف على عسكره بشير بن الخصاصيّة فوجد أبا بكر - رضي الله عنه - مريضا مرضه الذي مات فيه، فأخبره الخبر.
فدعا أبو بكر عمر - وكان قد عقد له - فقال:
« يا عمر، اسمع ما أقول لك، ثم اعمل عليه. إني أظنّ أن أموت من يومي هذا - وذلك يوم الاثنين - فإن أنا متّ، فلا تمسينّ حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلنّكم مصيبة - وإن عظمت - عن أمر دينكم، ووصية ربّكم، وقد رأيتنى متوفّى رسول الله وما صنعت، ولم يصب الخلق بمثله. وبالله لو أنّى أنى عن أمر الله لخذلنا ولاضطرمت المدينة نارا. وإن فتح الله على أمرائنا فاردد أصحاب خالد إلى العراق، فإنّهم أهله وولاة حدّه، وأهل الضراوة بهم، والجرأة عليهم. » ومات أبو بكر رضي الله عنه مع الليل، وندب عمر الناس مع المثنى. وقال عمر:
« كأنّ أبا بكر علم أنّه يسوءنى أن أؤمّر خالدا على العراق حين أمرنى بصرف أصحابه، وترك ذكره. » وتشاغل أهل فارس فيما بينهم عن إزالة المسلمين عن السواد فيما بين خلافة أبي بكر إلى قيام عمر، ورجوع المثنى مع أبي عبيد إلى العراق، وكان جمهور جند العراق بالحيرة بالسيب والغارات تنتهي بهم إلى شاطئ دجلة، ودجلة حجاز بين العرب والعجم.
أسماء كتاب أبي بكر رضي الله عنه
كتب لأبي بكر رضي الله عنه: عثمان بن عفّان، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن الأرقم، وحنظلة بن الربيع
.
مما حدث في خلافة عمر
عمر يقاسم خالدا ماله
فلمّا استخلف عمر كان أوّل ما تكلّم به عزل خالد بن الوليد. وكتب إلى أبي عبيدة بتأميره عليه، وقال له: « أدع خالدا، فإن أكذب نفسه في حديث تكلّم به خالد فهو أمير على ما هو عليه، وإن لم يكذب نفسه فأنت الأمير. ثم انزع عمامته عن رأسه، وقاسمه ماله نصفين. » فلما ذكر ذلك أبو عبيدة لخالد قال: « أنظرني أستشر في أمري. » ففعل أبو عبيدة. فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد، وكانت عند الحارث بن هشام، فذكر لها الحديث، فقالت: « والله لا يحبّك عمر أبدا، وما يريد إلّا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. » فقبّل رأسها وقال: « صدقت. » وتمّ على أمره وأبي أن يكذب نفسه.
فقام بلال مولى أبي بكر، فقال: « ما أمرت به في خالد؟ » قال: « أمرت أن أنزع عمامته وأقاسمه ماله. » ففعل، وقاسمه ماله حتى بقيت نعلاه. فقال أبو عبيدة: « إنّ هذا لا يصلح إلّا بهذا. » فقال خالد: « أجل، وما أنا بالذي أعصى أمير المؤمنين، فاصنع ما بدا لك. » فأخذ نعلا وأحذاه نعلا.
ثم قدم خالد المدينة على عمر. فكان كلّما مرّ بخالد، قال: « يا خالد أخرج مال المسلمين من تحت استك. » فيقول: « والله ما عندي مال لهم. » فلمّا أكثر عليه عمر قال له خالد: « يا أمير المؤمنين، قيمة ما أصبت في سلطانكم أربعون ألف درهم. » قال عمر: « قد أخذت ذلك منك. » قال: « هو لك ». قال: « وأخذته. » ولم يكن لخالد مال إلّا عدّة ورقيق. فحسب ذلك، فبلغت ثمانين ألف درهم، فناصفه عمر على ذلك وأعطاه أربعين ألف درهم وأخذ ماله. فقيل: « يا أمير المؤمنين، لو رددت على خالد ماله. » فقال: « إنّما أنا تاجر للمسلمين، والله لا أردّه عليه أبدا. » فكان عمر يرى أنّه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
من حديث خالد وفتح دمشق
وكان خالد قبل أن ينقضي حرب الروم، على مقدمة خيل أبي عبيدة، وهو الذي فتح دمشق بيت المملكة. وكان من حديثه أن عمر كاتب المسلمين عند ما هزموا الروم باليرموك: أن يقصدوا لدمشق، فانّها مقرّ عزّ الروم، وأن يشغلوا أهل فحل وفلسطين، وأهل حمص بخيل تكون بإزائهم. فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك، وإن تأخّر فتحها حتى تفتح دمشق، فلينصرف أبو عبيدة وخالد الى حمص، وعمرو إلى فلسطين. وكان أبو عبيدة بعث ذا الكلاع ليكون بين دمشق وحمص ردءا. ففعل أبو عبيدة كما أمره، وقدّم خالدا - وهرقل يومئذ بحمص - فحاصر أهل دمشق حصارا شديدا نحوا من سبعين ليلة، وقاتلوهم بالمجانيق وهم معتصمون بالمدينة، يرجون الغياث من هرقل. وجاءت خيول هرقل مغيثة لأهل دمشق، فأشجتها خيول ذي الكلاع وشغلتها عن الناس.
فلمّا أيقن أهل دمشق أنّ الأمداد لا تصل إليهم فشلوا، وطمع فيهم المسلمون، وكانوا يرون أنّها كالغارات قبل ذلك إذا هجم البرد قفل الناس، فسقط النّحم والقوم مقيمون. فعند ذلك انقطع رجاؤهم وندموا على دخول دمشق.
اتفاق جيد للمسلمين
وكان من الاتّفاق الجيّد للمسلمين: أن ولد للبطريق الذي على أهل دمشق مولود. فصنع طعاما، فأكل القوم وشربوا، وغفلوا عن مواقفهم، ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلّا ما كان من خالد، فإنّه كان لا ينام ولا ينيم، ولا يخفى عليه شيء من أمورهم، عيونه ذاكية، وجواسيسه مفرّقة، وهو معنيّ بما يليه. وكان كل جانب من المدينة إلى قوم. وكان قد اتّخذ خالد حبالا كهيئة السلاليم وأوهاقا.
فلمّا أمسى ذلك اليوم وعرف خبر القوم نهد هو ومن معه من جنده الذين قدم بهم، وتقدّمهم هو والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عديّ وأمثاله من أصحابه في أوّل نومه وقالوا:
« إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا للباب. » فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون، رموا بالحبال الشّرف وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خندقهم. فلما ثبت لهم وهقان تسلّق فيهما القعقاع ومذعور. ثم لم يدعا أحبولة إلّا أثبتاها والأوهاق بالشّرف، وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان بدمشق، أكثره ماء وأشدّه مدخلا. ولم يبق ممن خرج مع خالد تلك الليلة أحد إلّا رقى أو دنا من الباب، حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه وانحدر معهم، وخلّف من يحمى ذلك المكان لمن يرتقى، وأمرهم بالتكبير. فكبّر الذين على السور، فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير فوثبوا فيها. وانتهى خالد إلى أوّل من يليه، فأنامهم، وانحدر إلى الباب، فقتل البوّابين، وثار أهل المدينة، وفزع سائر الناس، فأخذوا مواقفهم ولا يدرون ما الشأن، وتشاغل كل ناحية بما يليهم، وقطع خالد بن الوليد ومن معه أغلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل، حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلّا أنيم.
ولما شدّ خالد على من يليه، وبلغ منهم ما أراد عنوة، وأرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلى غيره، دعوا المسلمين إلى الصلح. فأجابوهم وقبلوا منهم ولا يدرون بما كان من خالد. ففتحوا لهم الأبواب وقالوا: « ادخلوا، وامنعونا من أهل ذلك الباب. » فدخل أهل كلّ باب، بصلح من يليهم، ودخل خالد بما يليه عنوة. فالتقى خالد والقوّاد في وسطها، هذا استعراضا وانتهابا، وهذا صلحا وتسكينا. فأجروا ناحية خالد مجرى الصلح.
ولما فرغ المسلمون من فتح دمشق، ساروا إلى فحل وبيسان، ولاقوا حربا شديدا، وافتتحوها بعد شدائد وبأس كثير.
عمر وانتداب أبي عبيد للخروج إلى فارس
فأمّا خبر فارس، فإن عمر ندب الناس مع المثنى بن حارثة، وقد ذكرنا فيما تقدّم قدوم المثنى على أبي بكر ووصاة أبي بكر عمر به. فلم ينتدب أحد مع المثنى. وذاك أنّ هذا الوجه أعنى فارس كانت أكره الوجوه إلى الناس، لشدّة بأس الفرس وعظم شوكتهم، وقهرهم الأمم.
فكان المثنى يحرّض الناس ويقول: « أيها الناس، إنّا قد غلبناهم على نصف السواد، وقد ضرى من قبلنا، واجترأنا عليهم، ولنا من بعد ما ينتظره المسلم من الكافر. » وقام عمر في الناس، وخطبهم، وحضّهم وأذكرهم وعد الله في كتابه أن يورثهم الأرض، وقوله عز وجل: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. أين « عباد الله الصالحون؟ »
فكان أوّل من انتدب أبو عبيد ابن مسعود الثقفي، وقال: « أنا لها. » ثم سليط بن قيس.
فلما اجتمع ذلك البعث قيل لعمر: « أمّر عليهم رجلا من المهاجرين والأنصار. » قال: « لا والله لا أفعل. إنّما رفعكم الله بسبقكم إلى الجهاد، وسرعتكم إلى العدو. فإذا جبنتم وكرهتم اللقاء، واثّاقلتم إلى الأرض، فأولى بالرئاسة منكم من سبق إلى الدفع، وأجاب إلى الدعاء. لا والله، لا أؤمّر عليهم إلّا أوّلهم انتدابا. » ثم دعا أبا عبيد وقال له: « اسمع من أصحاب رسول الله ، وأشركهم في الأمر. ولا تسرعنّ حتى يتبيّن. فإنّها الحرب، والحرب لا يصلح لها إلّا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة. » وقال لأبي عبيد: « إنّه لم يمنعني أن أؤمّر سليطا إلّا سرعته إلى الحرب، وفي التسرّع إلى الحرب ضياع إلّا عن بيان. »
قدوم أبي عبيد مع المثنى بعد استخراج الفرس يزدجرد وتتويج بوران رستم
فقدم أبو عبيد ومعه المثنى بن حارثة، وقد استخرج الفرس يزدجرد. وكانت بوران عدلا في ما بينهم، لما افتتنت الفرس وقتل الفرّخزاذ بن البندوان. وكان سياوخش قدم، فقتل آزرمىدخت. وذلك في غيبة المثنى. وكان شغل الفرس طول غيبته في ما بينهم. وكانت بوران دعت رستم، وشكت إليه تضعضع فارس، ودعته إلى القيام بأمرهم، وتوّجته.
فقال رستم: « أنا عبد سامع مطيع. » فولّته أمر فارس وحربها، وأمرت فارس أن يسمعوا له ويطيعوا. فقتل رستم سياوخش، ودانت له الفرس، وذلك بعد قدوم أبي عبيد.
ثم إنّ عمر لما فصل المثنى وأبا عبيد، استعجلهما، وقال لهما: « النجا، النجا، بمن معكم، فإني ممدّكم بالناس. » ثم ندب أهل الردّة، وأذن لهم في الغزو، ورمى بهم العراق والشام.
فقدم المثنى قبل أبي عبيد بنصف شهر، ونزل خفّان لئلّا يؤتى من خلفه بشيء يكرهه. وكتب رستم إلى دهاقين السواد: أن يثوروا بالمسلمين. ودسّ في كل رستاق رجلا ليثور بأهله. وبلغ ذلك المثنى، وعجل جابان، وكان اجتمع إليه بشر كثير، بالنمارق، ولحق أبو عبيد، فأجمّ الناس، ثم تعبّى: فجعل المثنى على الخيل، وعبّى الميمنة والميسرة. فنزلوا على جابان بالنمارق، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم انهزم جابان، فأسر. فكان آمنه من أسره، فخلّى عند أبو عبيد. فأخبروه أنه ملك. فأشاروا بقتله. فأبى أبو عبيد، وقال: « إنّ المسلمين في التوادّ والتناصر كالجسد الواحد، ما لزم بعضهم فقد لزم كلّهم. » قالوا: « إنّه ملك. » قال: « وإن كان، لا أغدر. » فتركه، وقسم الغنائم، وكان فيها مال وعطر كثير، وبعث بالأخماس إلى عمر.
السقاطية بكسكر
وثار نرسى بكسكر، وكان رستم أمره بذلك. ونرسى هذا ابن خالة كسرى، وكانت كسكر قطيعة له، وكان النّرسيان له يحميه لا يأكله ولا يشربه ولا يغرسه غير آل كسرى إلّا من أكرموه بشيء منه.
فلما انهزمت الفرس يوم النمارق اجتمعت الفالّة إلى نرسى، وهو في عسكره، ونادى أبو عبيد بالرحيل، وقال للمجرّدة: « اتّبعوا الفالّة حتى تدخلوهم عسكر نرسى أو تبيدوهم. » ومضى أبو عبيد حين ارتحل من النمارق حتى ينزل على نرسى بكسكر - ونرسى يومئذ بأسفل كسكر، والمثنى معه في تعبئته التي قاتل فيها جابان، ونرسى على مجنّبتيه ابنا خاله وهما: ابنا خال كسرى بندويه وتيرويه ابنا بسطام، وأهل باروسما ونهر جوبر والزوابي معه إلى جنده.
وكان قد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان. فبعثوا الجالنوس، وبلغ ذلك نرسى ومن معه، فرجوا أن يلحق قبل الوقعة، وعاجلهم أبو عبيد، فالتقوا أسفل من كسكر في مكان يدعى السّقاطية، فاقتتلوا في صحارى ملس قتالا شديدا.
ثم انهزم نرسى، وقتل أصحابه، وغلب على عسكره وأرضه، وجمع أبو عبيد الغنائم. وهناك رأى المسلمون من الأطعمة ما لم يروا مثله، وأخذت خزائن نرسى. فلم يكونوا بشيء أفرح منهم بالنّرسيان. لأنّه كان حمى، فاقتسموه، وجعلوا يطعمونه الفلاحين، وبعثوا بخمسه إلى عمر، وكتبوا إليه: « إنّ الله أطعمنا مطاعم كان الأكاسرة يحمونها، وأحببنا أن تروها، وتشكروا إنعام الله وإفضاله. » وأقام أبو عبيد، وسرّح المثنى إلى باروسما، وعاصما إلى نهر جوبر. فأخربوا، وسبوا، وهرب ذلك الجند إلى الجالنوس. وسار أبو عبيد واستقبله الجالنوس، فنهد إليه أبو عبيد في المسلمين على تعبئته. فهزمهم المسلمون، وهرب الجالنوس، وأقام أبو عبيد قد غلب على تلاك البلاد.
ولما رجع الجالنوس إلى رستم ومن أفلت معه قال رستم: « أيّ العجم أشدّ على العرب؟ » قال: « بهمن جاذويه. » وهو ذو الحاجب. فوجّهه ومعه فيلة، وردّ معه الجالنوس، وقال له: « قدّم الجالنوس، فإن عاد لمثلها فاضرب عنقه. » فأقبل بهمن جاذويه ومعه « درفش كابيان ». وكانت من جلود النمر، عرض ثماني أذرع، وطول اثنى عشر ذراعا. وأقبل أبو عبيد، ونزل المروحة موضع البرج والعاقول.
فبعث إليه بهمن جاذويه: « إمّا أن تعبروا إلينا وندعكم والعبور، وإمّا أن تدعونا نعبر إليكم. » فقال الناس: « لا تعبر يا با عبيد! ينهاك عن العبور، قل لهم: فليعبروا! » وكان من أشدّ الناس عليه في ذلك سليط.
فلجّ أبو عبيد، وقال: « لا يكونون أجرأ على الموت منّا، بل نعبر إليهم. » فعبروا إليهم في منزل ضيّق المطّرد. فاقتتلوا يوما، حتى إذا كان آخر النهار، واستبطأ رجل من ثقيف الفتح، ألّف بين الناس، فتصافحوا بالسيوف في أهل فارس، وأصيب منهم ستة آلاف في المعركة ولم يبق إلّا الهزيمة. فحمل أبو عبيد على الفيل، وضربه، فخبط الفيل أبا عبيد، وقام عليه، وجال المسلمون جولة، ثم تمّوا عليها وركبهم أهل فارس.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
خطأ في الرأي
فكان من خطأ الرأي والعجلة فيه أن بادر رجل من ثقيف الجسر فقطعه.
فانتهى الناس إليه، والسيوف تأخذهم من خلفهم، فتهافتوا في الفرات. فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف بين غريق أو قتيل، وحمى الناس المثنى وعاصم ومذعور، وقد كان سليط - كما قدمنا الخبر عنه - يناشد أبا عبيد مع وجوه الناس، ويقولون: « إنّ العرب لم تلق مذ كانوا، مثل جنود فارس، وقد حفلوا لنا واستقبلونا من الزهاء والعدّة، بما لم يلقنا به [ أحد ] قبل، وقد نزلت منزلا لنا فيه مجال ومرجع من فرّة إلى كرّة. » فقال: لا أفعل، جبنت يا سليط.
فقال سليط: « أنا والله أجرأ منك، نفسا، وقد أشرنا عليك بالرأي، فستعلم. »
رؤيا رأتها امرأة أبي عبيد
وكانت امرأة أبي عبيد رأت رؤيا وهو في المروحة: أنّ رجلا نزل من السماء بإناء فيه شراب، فشرب أبو عبيد وابنه وجماعة من أهل بيته.
فأخبرت أبا عبيد، فقال: « هذه الشهادة. » وعهد أبو عبيد إلى الناس، فقال: « إن قتلت فعلى الناس فلان، فإن قتل فعليكم فلان. » إلى أن أمّر الذين شربوا من الإناء على الولاء.
ثم قال: « إن قتل أبو القاسم فعليكم المثنى. » ثم نهد بالناس وعبر، وعضّلت الأرض بأهلها، والتحمت الحرب. فلمّا نظرت الخيول إلى الفيلة عليها النخل، والخيل عليها التجافيف، والفرسان عليهم الشّعر، رأت شيئا منكرا لم تر مثله. فجعل المسلمون إذا حملوا لم تقدم خيلهم، وإذا حملوا على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرّقت بين كراديسهم لا تقوم لها الخيل إلّا على نفار. وخرقهم الفرس بالنشّاب، وعض المسلمين الألم، وترجّل أبو عبيد، وترجّل معه الناس، فصافحوهم بالسيوف، فصارت الفيلة إذا حملت دفعتهم.
فنادى أبو عبيد:
« احتوشوا الفيلة وقطّعوا بطنها، واقلبوا عنها أهلها. » وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلّق ببطانه فقطّعه، ووقع الذين عليه. وفعل القوم مثل ذلك: فما تركوا فيلا إلّا حطّوا رحله وقتلوا أصحابه. وأهوى الفيل لأبي عبيد، فنفح مشفره بالسيف، فاتقاه الفيل بيده ووقع، فخبطه الفيل. وأخذ اللواء، الذي كان أمّره بعده. فقاتل الفيل حتى تنحّى عنه، فاجترّه إلى المسلمين، وأحرزوا شلوه. ثم تجرثم الفيل فاتّقاه بيده، دأب أبي عبيد، وخبطه وقام عليه.
وتتابع سبعة من ثقيف كلّهم يأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت. ثم أخذ اللواء المثنى وهرب عنه الناس.
فلما رأى عبد الله بن مرثد الثقفيّ ما يصنع الناس، بادرهم الجسر، فقطعه. فلما توافاه الناس تهافتوا في الفرات، فغرق من لم يصبر، وقتل من صبر. وهذا الخبر تصديق لدريد حيث قال: « إنّ المنهزم لا يردّه شيء. » ونادى: « أيّها الناس! أنا دونكم، فاعبروا. » وعقد لهم الجسر وقال: « لا تدهشوا اعبروا على هينتكم، فإنّا لن ندع الموضع ولن نزايل حتى نراكم من ذاك الجانب. » وأتى بعبد الله بن مرثد، وكان يمنع الناس من العبور. فضربه المثنى وقال: « ما حملك على ما فعلت؟ » قال: « ليقاتلوا. » فلمّا ضمّت السفن، وعبر الناس كان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس. وعبر المثنى، وحمى جانبه، واضطرب عسكره، وارفضّ عنه أهل المدينة، حتى لحقوا بالمدينة، وتركها بعضهم فنزلوا البوادي، وبقي المثنى في قلّة.
ورامهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم لاعتراض الفرات، وقطع الجسر.
وهلك يومئذ من المسلمين أربعة آلاف من بين قتيل وغريق، وهرب ألفان، وبقي مع المثنى ثلاثة آلاف، فكأنّ الجميع كانوا تسعة آلاف. وجرح المثنى جراحة شديدة، وأثبت فيه حلق من درعه هتكهنّ الرمح.
ولما بلغ عمر ما صنعه أهل المدينة، وأخبر عمّن سار في البلاد استحياء من الهزيمة اشتدّ عليه، ورحمهم، وقال: « اللهم إنّ كلّ مسلم في حلّ مني، أنا فئة لكل مسلم، يرحم الله أبا عبيد، لو انحاز إليّ لكنت فئة له. » فبينا ذو الحاجب يروم أن يعبر إلى المسلمين أتاه الخبر باضطراب الفرس.
فرجع بعد أن ارفضّ عنه جنده، وأتاه الخبر أنّ الناس في المدائن ثاروا برستم، ونقضوا ما بينهم وبينه، وصاروا فرقتين: الفهلوج على رستم، وأهل فارس على الفيرزان. ثم إنّ جابان ومردانشاه خرجا حتى أخذا بالطريق وهم يرون أنّهم سيرفضّون ولا يشعرون بما جاء ذا الحاجب من فرقة أهل فارس.
وبلغ المثنى فعلة جابان ومردانشاه. فاستخلف على الناس عاصم بن عمرو، وخرج في جريدة خيل يريدهما وظنّا أنه هارب، فأخذهما أسيرين، وخرج أهل أليس على أصحابهما، فأتوه بهم أسرى، وعقد المثنى لهم بها ذمّة وقدّمهما وضرب أعناقهما وأعناق الأسرى، ثم رجع إلى عسكره. وكان جرير بن عبد الله البجلي يسأل قديما في بجيلة أن تلتقط من القبائل، وكان النبي وعده ذلك، فلمّا ولى عمر دعاه بالبيّنة، فأقامها. فكتب له إلى عمّاله في العرب كلّها ممن كان فيه أحد ينسب إلى بجيلة في الجاهلية، وثبت عليه في الإسلام بغير ذلك فأخرجوه إلى جرير. فلما أعطى جرير حاجته في استخراج بجيلة من الناس وجمعهم، أخرجوا إلى المثنى مددا له. وكتب عمر يستنفر الناس من أهل الردّة وغيرهم، فلم يرد عليه أحد إلّا رمى به المثنى.
يوم البويب ويسمى يوم الأعشار
وبعث المثنى بعد الجسر في من يليه من الممدّين، فتوافوا إليه في جمع عظيم.
وبلغ رستم والفيرزان ذلك، وأتتهم العيون به، وبما ينتظرون من الأمداد، فاجتمعا على أن يبعثا بمهران الهمذاني حتى يريا من رأيهما ويجتمع أمرهما. فخرج مهران في الخيول، وأمره بالحيرة. وبلغ المثنى الخبر وهو معسكر بين القادسية وخفّان في الذين أمدّوه من العرب. فاستبطن فرات بادقلى، وأرسل إلى جرير وعصمة، وإلى كلّ قائد أظلّه أنّه:
« جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجّلوا اللحاق بنا، وموعدكم البويب. » وسلك المثنى وسط السواد، وسلك جرير على الجوف ومن كان معه، حتى انتهوا إلى المثنى وهو على البويب، ومهران من وراء الفرات بإزائه، وكان عمر عهد إليهم ألّا يعبروا بحرا ولا جسرا إلّا بعد ظفر. فاجتمعوا بالبويب، واجتمع العسكر على شاطئ البويب الشرقيّ. وكان البويب مغيضا للفرات أيام المدود أزمان فارس يصبّ في الجوف.
وقدم على عمر غزاة بنى كنانة، والأزد، فأمّر على بنى كنانة غالب بن عبد الله، وعلى الأزد عرفجة بن هرثمة، وأمرهم بالعراق. فقدموا على المثنى، وقدم عليه هلال بن علّفة فيما اجتمع إليه من الرياب. فأمره عمر وسرّحه، فقدم على المثنّى، وكذلك فعل بغزاة كلّ قبيلة من جشم وخثعم وبنى حنظلة وبنى ضبّة وغيرهم. فاجتمعوا عند المثنى.
واجتمع رستم والفيرزان معا، واستأذنا بوران - وكذلك كانا يعملان إذا أرادا شيئا استأذنا من حجّابها فكلّماها به - فأخبراها بعدد الجيش وكثرة الذين ينفذون مع مهران، وكانت فارس لا تكثر البعوث.
فقالت بوران: « ما بال فارس لا يخرجون إلى العرب كما كانوا يخرجون قبل اليوم؟ » قالا: « إنّ الهيبة كانت قبل اليوم مع عدوّنا وإنّها اليوم فينا. » فعرفت رأيهم واستصوبته.
ولما نزل مهران في جنده وراء الفرات - والفرات بينهما - قال: « إمّا أن تعبروا إلينا، وإمّا أن نعبر إليكم. » فقال المسلمون: « اعبروا إلينا. » فعبروا، وأقبلوا إلى المسلمين في صفوف ثلاثة مع كلّ صفّ فيل، ورجلهم أمام فيلهم، وجاءوا لهم زجل. فقال المثنى للمسلمين: « إنّ هذا الزجل وجل! » قالوا: « أجل. » قال: « فالزموا الصمت وائتمروا همسا. » فدنوا من المسلمين وجاءوهم من قبل نهر بنى سليم اليوم. فلما دنوا زحفوا، وركب المثنى فرسه الشموس، وكان لا يركبه إلّا إذا قاتل. ودعى الشموس للين عريكته وطهارته. فوقف على الرايات يحضّهم ويذكر أحسن ما فيهم ويقول: « إني أرجو ألّا يؤتى العرب اليوم من قبلكم، والله ما يسرّنى اليوم لنفسي شيء إلّا وهو يسرّنى لعامّتكم. » فيجيبونه بمثل ذلك، وأنصفهم المثنى بالقول والفعل، وخلط الناس في المكروه والمحبوب، فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولا ولا عملا.
ثم قال: « إني مكبّر ثلاثا، فتهيّأوا، ثم احملوا مع الرابعة. » فلما كبّروا أوّل تكبيرة أعجلهم فارس، فعاجلوهم وخالطوهم مع أوّل تكبيرة.
وركدت الحرب مليّا. فرأى المثنى خللا في بعض صفوفه، فأرسل إليهم: « الأمير يقرأ السلام ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم. » فقالوا: « نعم. » واعتدلوا.
وكانوا يرونه قبل ذلك وهو يمدّ بلحيته لما يرى منهم! فلمّا أعتبوه رأوه يضحك فرحا.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
فلمّا طال القتال، نظر المثنى إلى نفر من الثعلبيّين نصارى وفيهم جلّاب خيل قدموا مع أنس بن هليل. فقال: « يا أنس، إنّك امرؤ عربيّ وإن لم تكن على ديننا، فإذا رأيتنى قد حملت على مهران، فاحمل معي. » وقال لابن [ مردى ] الفهر مثل ذلك. فأجابوه إليه. فحمل المثنى على مهران حتى أزاله، فدخل في ميمنته. ثم خالطوهم واجتمع القلبان، وثار الغبار والمجنّبات تقتتل، لا يفرغون لنصر أمرائهم، ولا يستطيعون ذلك، لا المشركون ولا المسلمون. وقتل غلام تغلبيّ نصراني مهران. ووقف المثنى عند ارتفاع الغبار حتى أسفر وقد فنى قلب المشركين. فأما المجنّبات فهي بحالها، فجعل المثنى يدعو لهم، ويرسل إليهم من يذمرهم ويقول: « المثنى [ يقول ]: عادتكم في أمثالهم! » حتى هزموهم. فسابقهم المثنّى إلى الجسر، فسبقهم وأخذ الأعاجم يفترقون بشاطئ الفرات مصعدين ومصوّبين، واعتورتهم خيول المسلمين فجعلهم جثاء.
فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رمّة منها، كانوا يحرزونها مائة ألف، وما عفى عليها إلّا ادّفان البيوت.
فيحكى أهل تلك الناحية: أنهم كانوا يأتون البويب، فيرون في ما بين موضع السكون اليوم وبنى سليم عظاما بيضا تلولا تلوح من هامهم وأوصالهم، يعتبر بها.
وسمّى يوم البويب يوم الأعشار: أحصى مائة رجل قتل كل واحد منهم عشرة يومئذ.
وندم المثنى على أخذه الجسر، وقال: « قد عجزت عجزة وقى الله شرّها بمسابقتى القوم إلى الجسر حتى أحرجتهم وإني غير عائد. فلا تعودوا ولا تعتدوا بي أيها الناس، فإنّها كانت زلّة، ولا ينبغي إحراج أحد إلّا من لا يقوى على امتناع. » وكان المثنى أصاب نزل مهران غنما، وبقرا، ودقيقا، فبعثوا إلى عيالات الناس، وكانوا خلّفوهنّ بالقوادس مع عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة. فلما رفعوا للنساء فرأين الخيل، تصايحن وحسبنها غارة. فقمن دون الصبيان بالحجارة والعمد. فقال عمرو: « هكذا ينبغي لنساء هذا الجيش أن يكنّ. » وبشّرهنّ بالفلح.
وعقد المثنى الجسر، وسرّح في طلب المنهزمين أصحاب الجسر، فأصابوا غنائم كثيرة وتبعوهم. وكتب القوّاد والرؤساء منهم إلى المثنى: « إنّ الله سلّم ووجّه لنا ما رأيت، وليس دون القوم شيء، أفتأذن لنا في الإقدام. » فأذن لهم. فأغاروا حتى بلغوا ساباط، وتحصّن منهم أهل ساباط، واستمكنوا من الغارة على من بينهم وبين دجلة، ومخروها لا يخافون كيدا، وانتقضت مسالح العجم، فرجعت إليهم، واعتصموا بساباط.
المثنى يغير على قرية بغداد غارة
ثم إنّ المثنى بلغه خبر قرية يأتيها تجّار مدائن كسرى والسواد، ويجتمعون بها في كل سنة مرّة ومعهم فيها من الأموال كبيت المال، وتلك أيّام سوقهم.
فاستدعى المثنى من وثق به من أهل الحيرة فاستشاره.
فقال له: « إن أنت قدرت أن تغير عليهم وهم لا يشعرون، أصبت فيها مالا فيه غنى المسلمين دهرهم وقووا على أعدائهم أبدا. » قال: « وكم بينها وبين مدائن كسرى؟ » قال: « بعض يوم أو عامّة يوم. » قال: « فكيف لي بها؟ » قالوا: نشير عليك أن تأخذ طريق البرّ حتى تنتهي إلى الخنافس، فإنّ أهل الأنبار يضربون إليها ويخبرونك فيأمنون، وتأخذ دهاقين الأنبار بالأدلّاء، وتسير سواد ليلتك حتى تأتيهم صبحا، فتصبّحهم غارة. » ففعل المثنى ذلك، فلما انتهى إلى الأنبار، تحصّن منه صاحبها وهو لا يدرى من هو، وذلك ليلا. فلمّا عرفه نزل إليه، فأطعمه المثنى واستكتمه وسأله الأدلّاء إلى بغداد حتى يعبر منها إلى المدائن.
قال: « أنا أجيء معك. » قال: لا أريدك معي، ابعث معي من هو أدلّ منك. » فزوّدهم الأطعمة والأعلاف، وبعث معهم الأدلّاء، فساروا.
فلما كانوا بالنصف، قال المثنى: « كم بيني وبين هذه القرية بغداد؟ » قال: « خمسة فراسخ. » فندب من أصحابه جماعة للحرس، وبعث طلائع فحسبوا الناس لئلّا يسبق الخبر وقال: « أيّها الناس، أطعموا وتوضّئوا وتهيّئوا. » ثم سرى آخر الليل فصبّحهم في أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فأخذوا ما شاءوا.
وقال المثنى: « لا تأخذوا إلّا الذهب والفضة والحرّ من كل شيء. » ثم انكفأ راجعا حتى نزل بنهر السّيلحين بالأنبار، فسمع همسا في ما بين الناس: « ما أسرع القوم في طلبنا. » فخطبهم وقال: « أيها الناس، احمدوا الله وتناجوا بالبرّ والتقوى، ولا تناجوا بالإثم والعدوان، انظروا في الأمور وقدّروها، ثم تكلّموا. ما بلغ النذير مدينتهم بعد، ولو بلغهم لحال الرعب بينهم وبين طلبكم إنّ للغارات روعات تنتشر عليها يوما إلى الليل. ولو طلبكم المحامير من رأى العين ما أدركوكم وأنتم على العراب، حتى تنتهوا إلى عسكركم وجماعتكم، ولو أدركوكم لقاتلتهم ورجوت النصر والأجر. فثقوا بالله، وأحسنوا به الظنّ، فقد نصركم الله عليهم في مواطن كثيرة وهم أعدّ منكم، وسأخبركم عني أنّ أبا بكر أوصانا أن نقلّل العرجة ونسرع الكرّة في الغارات ».
ثم أقبل بهم ومعهم الأدلّاء حتى انتهى بهم إلى الأنبار.
ثم إنّ المثنى أغار على حيّ من تغلب على دجلة، وعلى قوم كانوا بتكريت، وأصابوا ما شاءوا من النعم.
القادسية وأيامها
فقال أهل فارس لرستم والفيرزان: « إنّه لم يبرح منكما الاختلاف حتى أوهنتما أهل فارس، وأطمعتما فيهم عدوّهم، ولم يبلغ من خطركما أن نقرّكما على هذا الرأي وأن تعرّضا فارس للهلكة. ما بعد بغداد وساباط وتكريت إلّا المدائن، والله لتجتمعان أو لنبدأنّ بكما قبل أن يشمت شامت، ونشفينّ نفوسنا منكما. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)