صفحة 111 من 120 الأولىالأولى ... 1161101109110111112113 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 441 إلى 444 من 477

الموضوع: رغـد : أنـت لــي (كتـير حلـوة)

العرض المتطور


  1. #1

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array

    الجزء الخمسون

    الفرار


    طلبت من رغد أن تأوي على الفراش باكرا... لأننا سنرحل باكرا بُعيد صلاة الفجر مباشرة. كانت رغد مصرة على البقاء ساهرة على جانبي في غرفة المعيشة... مترقبة معي أي جديد... لكنني ألححت عليها بالذهاب على غرفتها ونيل حصتها من النوم... فما ينتظرنا في الصباح شاق وطويل...

    كنت أشعر بالأسى لحال الصغيرة... فهي وجدت نفسها فجأة مضطرة للسفر ومعرضّة للخطر والإرباك... وهي مجرد فتاة صغيرة لا ذنب لها فيما يحصل ولا طاقة لها بتحمله...
    للحظة استسغت فكرة أبي حسام في أن يصطحبها معه إلى الشمال... حيت تجد الاستقرار والأمان في بيت خالتها ومع أقاربها... لكنني خشيت أن يحصل معي ومع سامر أي شيء... يمنع عودتي إليها ويقطع اتصالي بها... كنت بين ألسنة النيران تحيط بي من كل جانب... ولم يكن لدي متسع من الوقت لإعادة التفكير وتغيير مجرى الخطة...المهم الآن أن أضمن سلامة سامر, وبعده... سأعيد النظر في كل شيء...
    كنت جالسا على أحد المقاعد في غرفة المعيشة... أعيد إلى محفظتي القصاصات التي بعثرتها صباح اليوم... قصاصات صورة رغد... وأرتب النقود وخلافها في حقيبة اليد الصغيرة وأنا شارد التفكير... فيما أنا كذلك, قُرع جرس المنزل...
    هببت واقفا فجأة... متوجسا خيفة...
    قُرع الجرس مجددا... قرعا فوضويا... قرع قلبي معه... أسرعت إلى الهاتف الداخلي وسألت عن الطارق.
    "المباحث. لدينا أمر بتفتيش المنزل. افتح الباب"
    تلاحقت أنفاسي هلعا... الشرطة من جديد؟؟
    لم أكن أريد أن أفتح الباب... لكن... كان لابد لي من ذلك... فتحت القفل الآلي للبوابة الخارجية وسرت نحو الباب الداخلي وما كدت أفتحه إلا وفوجئت بحشد كبير من العساكر يندفعون بقوة نحو الداخل... مصوبين فوهات أسلحتهم نحوي وفي كل اتجاه...
    كانوا يرتدون زيا مختلفا عما رأيت مسبقا... مما حدا بي إلى الاستنتاج أنهم ليسوا عساكر مدنيين...
    أخذني الفزع ولم أجسر على أي تصرف... وإذا بقائدهم يحدق بي ثم يشير إلى العساكر آمرا:
    "ليس الهدف, انتشروا"
    أخذ الجنود يتدفقون إلى الداخل... فهتفت وأنا أراهم ينفذون الأمر دون اعتبار لي:
    "انتظروا... أنتم... كيف تقتحمون علينا المنزل... ما هذا؟؟"
    والحشد يستمر بالتوغل غير آبه بكلامي.
    التفتُ إلى القائد فإذا به يقول:
    "لا تعترضنا. لدينا أوامر رسمية بتفتيش المنزل واعتقال المشبوهين"
    فالتفت إلى العساكر ورأيت بعضهم يندفعون عبر الردهة إلى الممر الأيمن...فلحقت بهم بسرعة وركضت أسبقهم نحو غرفة رغد ووقفت عند بابها...
    توزع العساكر فرقا في كل الاتجاهات... إلى اليمين في اتجاه المطبخ وغرفة المائدة... إلى الشمال في اتجاه المجلس وغرف الضيوف... إلى الدرج... إلى الطابق العلوي... انتشروا انتشار الجراد على الحقول... يدوسون بأحذيتهم العسكرية على أرضية وسجاد المنزل النظيف مخلفين آثارا قذرة كقذارة تصرفاتهم...
    اقتربت فرقة منهم مني يريدون اقتحام الغرفة خلفي...
    صرخت بهم:
    "ما هذه الهمجية؟؟ ألا تراعون أن للبيوت حرمات؟؟"
    رد أحدهم بوقاحة:
    "لا تكثر الكلام. دعنا ننجز مهمتنا"
    فقلت بغضب:
    "هل تقبل بأن يقتحم أحد عليك بيتك بهذا الشكل؟؟"
    حينها أقبل قائدهم ووقف أمامي واستخرج من جيبه ثلاث صور لثلاثة أشخاص... لمحت أخي من بينهم... وكانت الصورة قديمة له قبل إجراء عملية التجميل لعينه اليمنى..., ثم قال:
    "نحن نبحث عن هؤلاء... أتعرفهم؟؟"
    أجبت:
    "لا يوجد في هذا المنزل من تريدون... لقد فتشتم أرجاءه كاملة هذا الصباح فماذا تريدون بعد؟؟"
    وعوضا عن الشعور بالخجل من همجية عساكره, قال قائدهم:
    "فتشوا الغرفة"
    يقصد غرفة رغد التي أقف أنا عند بابها حائلا دون تقدمهم.
    صرخت وأنا أنشر ذراعيّ سادا المعبر:
    "إياكم والاقتراب... هذه غرفة فتاة ولا أسمح لكم بدخولها"
    فقال القائد مصرا:
    "فتشوها"
    اقترب أحد العساكر مني فدفعته بيدي وأنا أهتف:
    "قلت لكم لن تدخلوها... أليس لديكم أي اعتبار للحرمات؟؟ ابتعدوا"
    فجأة... إذا بجميع العساكر من حولي يشهرون أسلحتهم في وجهي... وإذا بقائدهم يأمرهم:
    "ابتعدوا"
    ولم أر إلا سواعد غليظة قاسية تنقض علي محاولة جري بعيدا عن الباب...
    حاولت أن أقاومهم... ضربت... ركلت... صرخت:
    "رغد"
    ثلاثة منهم أطبقوا على أطرافي وجروني إلى الأمام... وآخر تسلل من خلفي وأطبق على مقبض الباب وفتحه...
    صرخت بكل حنجرتي:
    "رغد... رغد"
    وحررت إحدى يدي وأطبقت على الجندي الذي فتح الباب وسحبته من قميصه إلى الوراء بقوة... نظرت إلى الداخل فرأيت رغد تهب جالسة على سريرها وتنظر نحو الباب وتنطلق صرخاتها المفزوعة فورا...
    هتفت:
    "رغد"
    ثم جررت بقية أطرافي بكل ما أوتيت من قوة من بين قبضات الثلاثة الآخرين وركضت مسرعا إليها...
    كانت رغد تطلق الصرخة تلو الصرخة من فرط الفزع... قدمت إليها بسرعة وأحطتها بلحافها وطوقتها بذراعي وجذبتها إلي وأنا أهتف:
    "أنا هنا يا رغد... هنا معك... أنا معك"
    وهي مستمرة في نوبة الصراخ المفزوعة لا تكاد من شدّة فزعها أن تسمعني...
    الغرفة كانت خافتة الأضواء... تستمد نورها من مصباح النوم المجاور للسرير...
    اقتحمها جنود الأمن... بل جنود الرعب والفزع... وأخذوا يجوبون في أرجائها ويفتشون الدواليب... والستائر...
    صرخت فيهم بأعلى صوتي:
    "أيها الأوغاد... أيها الحقيرون... أيها الهمجيون الأراذل"
    لكن صراخي لم يكن يهزّ في مشاعرهم المتبلدة أي شيء...
    اقترب أحدهم منا... قاصدا تفتيش أسفل السرير فانفلتت أعصابي أشدّها... ونظرت من حولي فرأيت الهاتف الثابت موضوعا على المنضدة المجاورة... أطبقت عليه ثم رفعته ورميت به بقوة باتجاه الجندي فأصبته...
    التفتت أعين بقية العساكر إليّ... ولم أر إلا حشدا غوغائيا متوحشا يهرع باتجاهي كي يهاجموني...
    تركت رغد من بين يدي وهببت نحوهم أحول دون تقدمهم وأنتقم لانتهاك حرمة منزلي...
    ضربت... ركلت... ولكمت... بثورة... بشراسة... بكل ما أوتيت من قوة... أو ما تبقى في جسدي من قوة بعد كل ما ألم به مؤخرا...
    عددهم كان عشرة أو أكثر... كانوا مسلحين... أجسادهم ضخمة وقوية... تدربت على القتال العنيف... الفتاك...
    أذاقوني فنونا لم أذقها أيام سجني... انقضوا علي انقضاض قطيع من الذئاب الجائعة على فريسة واحدة... قبل أن تنتهي الضربة تلقفني ضربة أخرى... وقبل أن أشعر بالألم في موضع, يصاب موضع آخر... وقبل أن أحرك أي جزء من جسمي, تجثوا علي أجسادهم الثقيلة فتشلني تماما...
    أظنهم كسروا جمجمتي... ربما سحقوا دماغي... لأنني لا أستطيع أن أتذكر ما حصل... لم أعد أستطيع التذكر... لم أعد أستطيع الرؤية... لم أعد أستطيع التنفس... ولم أعد أستطيع سماع... صراخ رغد...

    **********

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    المشرف العام على ملتقى المحترفين السوريين لتكنولوجيا والبرامج والالعاب
    الحالة : أحمد فرحات غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 533
    الدولة: سو ريا.اللاذقية .صليبة
    الإهتمامات: الانترنت
    السيرة الذاتية: ممتع حبيب بحب الحياة ظريف حلو كتير
    العمل: مساعد مهندس
    العمر: 34
    المشاركات: 7,274
    الحالة الإجتماعية: أعذب
    معدل تقييم المستوى : 956
    Array

    وحدي الله لساتني بالحلقة الاولى وصلتي على 50انتي ياويلي كل هادول


  • #3

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فرحات مشاهدة المشاركة
    وحدي الله لساتني بالحلقة الاولى وصلتي على 50انتي ياويلي كل هادول
    لا إله إلا الله .. انت اجيت متأخر وقف بآخر الدور هههههه .. نحن متابعين صرلنا فترة وبكرا نختما
    شد حيلك
    ...


  • #4

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array



    "سيحوّل إلى لجنة التحقيق"
    فزعت وشهقت رغما عني... نظر الاثنان إلي ثم إلى بعضهما البعض... وقال سامر:
    "تحقيق؟؟"
    فأجاب رجل الأمن:
    "نعم. فهو يحمل سلاحا ويعبر به الحدود دون ترخيص"
    قال سامر:
    "ماذا ستفعلون به؟؟"
    أجاب:
    "سيخضع للتحقيق... لا أعرف تحديدا. المهم... هلاّ رافقتماني الآن؟؟"
    سأل سامر:
    "نرافقك إلى أين؟؟"
    فأجاب:
    "للتفتيش الشخصي أولا, وبعد التفتيش, سننقلكما إلى أقرب نقطة بعد الحدود ومن هناك تابعا طريقكما إلى المدينة في سيارة أجرة إذ أننا سنحتجز سيارتكم عندنا لحين انتهاء التحقيق وإجراء اللازم"
    التفت سامر إلي... وكان وجهه مكفهرا محتقنا بالدماء... ولم يقل شيئا... أما أنا فقلت وأنا أحرك رأسي اعتراضا وتهديدا:
    "أنا لن أبرح مكاني حتى يعود وليد"
    فهم سامر قصدي, وخاطب رجل الأمن سائلا:
    "أين شقيقي الآن؟ أريد أن أراه"
    فأشار الرجل بيده إلى المبنى الذي اختفى وليد خلف جدرانه, فقال سامر:
    "خذني إليه من فضلك أولا..."
    فقال الرجل:
    "لا بأس, تفضل"
    عندها مددت يدي وأمسكت بمعطف سامر... أذكره بأنني هنا...
    التفت سامر إلي ثم إلى الرجل وسأله:
    "هل لديكم كرسي متحرك؟ الفتاة لا تستطيع المشي"
    فرد الرجل:
    "لا, للأسف"
    وعندما نظر سامر إلي أعدت أقول:
    "أنا لن أتحرك من مكاني قبل مجيء وليد"
    فقال:
    "دعيني أراه أولا وأعرف ما أفعل.."
    واستخرج هاتفه من جيبه واتصل بوليد...فسمعنا صوت رنين هاتف على مقربة وعندما التفتنا إلى الصوت رأينا وليد يظهر وبرفقته شرطي, يسيران متقدمين إلينا...
    وقفت من شدة هلعي على رجليّ... وكنت أرتدي خفا منزليا على قدمي اليمنى, بينما الأخرى مجبرة... وأحسست بحرارة الأرض تتخلل خفي وتلهب قدمي, حينما صار وليد أمامنا راح ينقل بصره بيننا ثم قال:
    "اذهبا مع رجال الأمن. سيوصلونكما إلى أطراف المدينة. وبعد ذلك استغلا أي سيارة أجرة واتجها إلى المطار. التذاكر وكل ما تحتاجانه في حقيبتي اليدوية"
    فقلنا معا:
    "وأنت؟؟"
    فقال بصوت خافت لا يتعدى بعدنا:
    "سأسوى المسألة هنا وألحق بكما"
    أنا قلت مندفعة:
    "لن نذهب لأي مكان من دونك"
    فأومأ لي وليد بنظرة من عينيه ثم قال:
    "لا وقت لنضيعه في الكلام. الطائرة ستقلع بعد ساعتين. يجب أن تدركاها وترحلا بسلام"
    ثم أخفت صوته وقال:
    "أي تأخير سيبقيه في دائرة الخطر... عجلا"
    هتفت:
    "ولكن"
    فقاطعني زاجرا:
    "بدون لكن... أتفهمين؟؟"
    وحدق بي لثوان... بنظرة زاجرة حادة...
    ثم التفت إلى سامر وقال:
    "انتبها لنفسيكما جيدا..."
    ونطق سامر بنبرة حزينة توشك على البكاء:
    "أخي..."
    فرفع وليد يديه وحط بهما على كتفي سامر... كأنه يستند عليه, لا يسانده... ثم تنهد تنهيدة ألم مريرة... ربما لأن ذراعه شبه مخلوعة جريحة... أو ربما لشدة صعوبة المأزق الذي كنا فيه... قطب حاجبيه ثم أرخاهما وقال:
    "اهتم برغد... إنها أمانتك أنت الآن..."
    ثم نقل بصره فيما بيننا وقال أخيرا:
    "في أمان الله"
    لا أذكر... تفاصيل ما حدث بعد ذلك... لا أذكر... إلا وأنا في سيارة... أنظر عبر زجاج النافذة... ووليد في الخارج... يقف بين رجال الأمن... يلوّح إليّ... والسيارة تبتعد... وتبتعد... وتبتعد... ويتلاشى وليد... كما يتلاشى السراب...
    فجأة... بين عشية وضحاها... بل بين لحظة واللحظة التي تليها... تحولت حياتي إلى شيء خال من وليد!
    يختفي من حياتي فيما أنا أراقبه... وهو يبتعد... دون أن أملك القدرة على فعل شيء...
    ابتعدت السيارة كثيرا... وعيني لا تزال تحدق عبر النافذة... تفتش عنه!...
    وصورته الأخيرة... هو يلوح لي بيده... مودعا... هي الصورة الأكثر إيلاما... التي اختزنتها محفورة في ذاكرتي... كأقسى لقطة وداع فرّقتني عن وليد قلبي... من بين كل لحظات الفراق الأخرى في حياتي... على الإطلاق...
    أصابتني حالة ذهول... فقدت القدرة على الكلام... القدرة على التفكير... القدرة على التصرف... وانقدت لما كان سامر يطلبه مني دون أن اعرف ما هو...
    لم أستفق من حالة التيه... إلا عندما وجدت نفسي أهبط من الطائرة إلى مطار الوصول... وأفتش عن وليد بين المسافرين...
    رأيت كل الناس... كل الأجناس... من كل العالم... كل البشر الذين خلقهم الله... كلهم من حولي... إلا وليد!
    لم أر منه إلا لقطة أخيرة... وهو يلوح لي مودعا... وعيناي تشيعانه... عبر زجاج النافذة...
    لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ في المطار كالمجنونة:
    "أعيدوني إلى وليد"

    ************


    اللقاء بدانة كان حميما وملتهبا جدا... امتزجت فيه دموع الشوق بدموع الذكريات الأليمة... بدموع القلق... لكن أكثر الدموع طغيانا كانت تلك التي فجرتها رغد حزنا وخوفا على وليد. سقتني كؤوس القلق والندم جرعة على مدى الفترة المفجعة التي تلت وصولنا إلى هذه البلد. فقدنا الاتصال بوليد... حتى أننا لم نطمئنه إلى أننا وصلنا بسلام... وما فتئنا نحاول الاتصال به بكل الأرقام وفي كل الأماكن الممكنة دون جدوى. لم نعرف إن كان لا يزال في البلدة المجاورة لبلدتنا أم أنهم قد رحّلوه إلى بلدنا... أم إلى مكان آخر...

    وإن كان في قبضة الشرطة أم أنهم قد أخلو سبيله... اتصلنا حتى بالمنزل والمزرعة والمصنع.. بلا جدوى.. وتولى عمي أبو حسام مهمة تقصي أخباره في البلد واستخدم كل الطرق, دون نتيجة حتى الآن.
    أخشى ما كنا نخشاه... هو أن تكون السلطات قد زجت به في السجن أو فعلت به شيئا... وأنا لن أسامح نفسي أبد على ما قد يكون شقيقي قد تعرض إليه بسببي.
    وليد قدّم من أجلي تضحية كبيرة... ضحى بنفسه من أجل إنقاذي وفضلني على نفسه... وتحمل وزري نيابة عني...
    أنا أيضا... مستعد الآن لأن أضحي بكل شيء... من أجل ظهوره وعودته إلينا سالما.
    أقمنا في منزل دانة وعائلتها. وهو منزل كبير مؤلف من عدة أجنحة, كان يسكنه أمير أو ما شابه قبل أن يشتريه نوّار... زوج دانة... لاعب الكرة الشهير... والمليونير...
    ولأنني عدمت خيارا آخر, فقد اضطررت للمبيت هنا مؤقتا لحين مجيء أخي أو إيجاد حل بديل.
    نوّار وعائلته رحبوا بنا وخصّصوا لنا غرفتي نوم في أحد الأجنحة وضيّفونا بسخاء. واعتمدت على النقود التي تركها وليد في حقيبته لشراء الضروريات.
    آه أجل...
    لا بد وأنكم تتساءلون عن رغد... وما حل بها بعد وليد...أول ليلة قضتها في هذا المكان كانت أفظع من الوصف. كانت في حالة ذعر متواصل واضطرت دانة للمبيت إلى جانبها في الغرفة. كانت تصف لنا كيف هاجم رجال المباحث وليد وأوشكوا على قتله... وكانت تعتقد بأنه الآن في قبضتهم وأنهم سيقتلونه... كانت ستموت بهذا الاعتقاد... واضطررت لاحقا لأن أتفق مع عمي أبي حسام على أن يخبرها بأن وليد بخير ولا يزال محبوسا تحت التحقيق وأنه سيلحق بنا فور خروجه. ارتابت في كلام أبي حسام أولا ولكنها صدقته في النهاية حتى ولو من باب التعلق ببصيص الأمل...
    صرنا لا نجرؤ على ذكر اسمه على مسمعها... خشية أن تفلت الحقيقة من ألسننا سهوا... وتعود للهستريا المرضية تلك... وبقينا نتظاهر بالاطمئنان والتفاؤل فيما أفئدتنا يمزقها القلق... والبحث ولاتصالات جارية... ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم...
    "انظر سامر... هل هكذا زاوية أنفه؟.. ألا تبدو أقل حدة؟؟"
    تسألني وهي واقفة أمام لوحة جديدة ترسمها لوليد... وهو يلوح بيده... وتقارنها بصورته...
    كانت الساعة التاسعة ليلا... هكذا قضت ساعات الأمس واليوم... تكرر رسم وجوه أمي وأبي ووليد... من الصور الفوتوغرافية التي كانت بحوزة دانة... الصور التي تم التقاطها لنا ليلة زواجها... وأخرى التقطت لوالدي الراحلين... عندما ذهب العريسان لزيارتهما قبل هجرتهما إلى هذه البلدة...
    أجبت:
    "ألم تتعبي من الوقوف؟ أريحي رجليك قليلا... لا تزالين في فترة النقاهة"
    وقد نُزعت جبيرة رجلها اليسرى مؤخرا, فقالت وهي محملقة في اللوحة:
    "رجلاي اعتادتا الكسل طيلة الشهور الماضية. آن الأوان لتنشيطها"
    وأخذت تتأمل اللوحة ثم قالت:
    "لا...! لم أتقن رسم الأنف..."
    وإذا بها تزيل اللوحة التي قضت ساعات في رسمها وتضعها جانبا... وتضع لوحة بيضاء جديدة استعداد للرسم من جديد...
    نزعتُ اللوحة من العمود ووضعتها جانبا... ونظرت إلى رغد بحزم... فنظرت إلي وهي تعبس بانزعاج...
    قلت لها:
    "يكفي يا رغد... إلى متى ستظلين ترسمين هكذا؟"
    فتبدلت تعبيرات وجهها ثم قالت:
    "إلى أن... تظهر الأصول... ولا أحتاج إلى الصور"
    ثم رمت بالفرشاة والألوان من يدها وسارت مسرعة إلى سريرها وأكبت على وجهها فوق الوسائد وأخذت تبكي...
    التفتُ إلى دانة... التي كانت تجلس على المقعد أمام المرآة... تتابعنا من خلالها... وهززت رأسي أسفا وحزنا على رغد.
    هممت بالاقتراب منها والتحدث إليها, غير أن دانة أشارت إلي بألا أفعل... فلذت بالصمت وبقيت أسمع صوت نحيبها المرير... وقامت دانة فاقتربت منها وحاولت تشجيعها ببعض الكلمات... فخرجتُ من الغرفة ووقفت قرب الباب بين رغبتين متعارضتين في البقاء إلى جوارها والابتعاد عنها.
    وبعد قليل رأيت دانة تخرج من غرفة رغد وتغلق الباب من بعدها... وتنظر إلي والحزن يطلي وجهها بلون رمادي معتم.
    فسألتها:
    "ماذا قالت؟؟"
    فأجابتني بحزن بليغ:
    "سألتني عن كنت أملك أيضا...صورة لوالديها الحقيقيين... عمي وزوجته... رحمهما الله!"

  • صفحة 111 من 120 الأولىالأولى ... 1161101109110111112113 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. لا تعـوّدني على [ قـربك ] كثـير
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 05:13 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1