قال أبو مخنف: وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق، أن عائشة رضي الله عنها بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه، فقدم عليه وقد قتلهم، فقال له عبد الرحمن: أين غاب عنك حلم أبي سفيان؟ قال: غاب عني حين غاب مثلك من حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت.
قال أبو مخنف: قال عبد الملك بن نوفل: كانت عائشة تقول: لولا أنا لم تغير شيئًا إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل حجر، أما والله إن كان ما علمت لمسلمًا حجاجًا معتمرًا.
قال أبو مخنف: وحدثني عبد الملك بن نوفل، عن سعيد المقبري، أن معاوية حين حج مر على عائشة - رضوان الله عليها - فاستأذن عليها، فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية، أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ قال: لست أنا قتلتهم، إنما قتلهم من شهد عليهم.
قال أبو مخنف: حدثني زكرياء بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، قال: أدركت الناس وهم يقولون: إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن عدي، ودعوة زياد.
قال أبو مخنف: وزعموا أن معاوية قال عند موته: يومٌ لي من ابن الأدبر طويلٌ! ثلاث مرات - يعني حجرًا.
قال أبو مخنف: عن الصقعب بن زهير، عن الحسن، قال: أربع خصال كن في معاوية؛ لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتراؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة؛ واستخلافه ابنه بعده سكيرًا خميرًا، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير؛ وادعاؤه زيادًا؛ وقد قال رسول الله : " الولد للفراش، وللعاهر الحجر "، وقتله حجرًا، ويلًا له من حجرٍ! مرتين.
وقالت هند ابنة زيد بن مخرمة الأنصارية، وكانت تشيع ترثي حجرًا:
ترفع أيها القمر المنير ** تبصرهل ترى حجرًا يسير
يسير إلى معاوية بن حربٍ ** ليقتله كما زعم الأمير
تجبرت الجبابر بعد حجرٍ ** وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد بها محولًا ** كأن لم يحيها مزنٌ مطير
ألا يا حجر حجر بني عديٍّ ** تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردي عديًا ** وشيخًا في دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حقًا ** له من شر أمته وزير
ألا يا ليت حجرًا مات موتًا ** ولم ينحر كما نحر البعير!
فإن تهلك فكل زعيم قومٍ ** من الدنيا إلى هلكٍ يصير
وقالت الكندية ترثي حجرًا - ويقال: بل قائلها هذه الأنصارية:
دموع عيني ديمةٌ تقطر ** تبكي على حجرٍ وما تفتر
لو كانت القوس على أسره ** ما حمل السيف له الأعور
وقال الشاعر يحرض بني هند من بني شيبان على قيس بن عباد حين سعى بصيفي بن فسيل:
دعا ابن فسيل يال مرة دعوةً ** ولاقى ذباب السيف كفًا ومعصما
فحرض بني هند إذا ما لقيتهم ** وقل لغياثٍ وابنه يتكلما
لتبك بني هندٍ قتيلة مثل ما ** بكت عرس صيفيٍّ وتبعث مأتما
غياث بن عمران بن مرة بن الحارث بن دب بن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان شريفًا، وقتيلة أخت قيس بن عباد، فعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه، فقال حوشب للحجاج بن يوسف: إن منا امرأ صاحب فتن ووثوب على السلطان، لم تكن فتنةٌ في العراق قط إلا وثب فيها، وهو ترابي، يلعن عثمان، وقد خرج مع ابن الأشعث فشهد معه في مواطنه كلها، يحرض الناس حتى إذا أهلكهم الله، جاء فجلس في بيته، فبعث إليه الحجاج فضرب عنقه، فقال بنو أبيه لآل حوشب: إنما سعيتم بنا سعيًا، فقالوا لهم: وأنتم إنما سعيتم بصاحبنا سعيًا.
فقال أبو مخنف: وقد كان عبد الله بن خليفة الطائي شهد مع حجر ابن عدي، فطلبه زياد فتوارى، فبعث إليه الشرط، وهم أهل الحمراء يومئذ، فأخذوه، فخرجت أخته النوار فقالت: يا معشر طيىء، أتسلمون سنانكم ولسانكم عبد الله بن خليفة! فشد الطائيون على الشرط فضربوهم وانتزعوا منهم عبد الله بن خليفة، فرجعوا إلى زياد، فأخبروه، فوثب على عدي ابن حاتم وهو في المسجد، فقال: ائتني بعبد الله بن خليفة؛ قال: وما له! فأخبره، قال: فهذا شيء كان في الحي لا علم لي به؛ قال: والله لتأتيني به؛ قال: لا، والله لا آتيك به أبدًا، أجيئك بابن عمي تقتله! والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه. قال: فأمر به إلى السجن؛ قال: فلم يبق بالكوفة يمانيٌّ ولا ربعيٌّ إلا أتاه وكلمه، وقالوا: تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول الله ؟! قال: فإني أخرجه على شرط، قالوا: ما هو؟ قال: يخرج ابن عمه عني فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان. فأتى عدي فأخبر بذلك، فقال: نعم، فبعث عدي إلى عبد الله ابن خليفة فقال: يابن أخي، إن هذا قد لج في أمرك، وقد أبى إلا إخراجك عن مصرك ما دام له سلطان، فالحق بالجبلين، فخرج؛ فجعل عبد الله ابن خليفة يكتب إلى عدي، وجعل عديٌّ يمينه، فكتب إليه:
تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا ** وذكر الصبا برحٌ على من تذكرا
وولى الشباب فافتقدت غصونه ** فيا لك من وجد به حين أدبرا!
فدع عنك تذكار الشباب وفقده ** وآثاره إذ بان منك فأقصرا
وبك على الخلان لما تخرموا ** ولم يجدوا عن منهل الموت مصدرا
دعتهم مناياهم ومن حان يومه ** من الناس فاعلم أنه لن يؤخرا
أولئك كانوا شيعةً لي وموئلًا ** إذا اليوم ألفى ذا احتدام مذكرا
وما كنت أهوى بعدهم متعللًا ** بشيءٍ من الدنيا ولا أن أعمرا
أقول ولا والله أنسى ادكارهم ** سجيس الليالي أو أموت فأقبرا
على أهل عذراء السلام مضاعفًا ** من الله وليسق الغمام الكنهورا
ولاقى بها حجرٌ من الله رحمةً ** فقد كان أرضى الله حجرٌ وأعذرا
ولا زال تهطال ملثٌّ وديمة ** على قبر حجرٍ أو ينادى فيحشرا
فيا حجر من للخيل تدمى نحورها ** وللملك المغزى إذا ما تغشمرا
ومن صادعٌ بالحق بعدك ناطق ** بتقوى ومن إن قيل بالجور غيرا
فنعم أخو الإسلام كنت وإنني ** لأطمع أن تؤتى الخلود وتحبرا
وقد كنت تعطي السيف في الحرب حقه ** وتعرف معروفًا وتنكر منكرا
فيا أخوينا من هميمٍ عصمتما ** ويسرتما للصالحات فأبشرا
ويا أخوي الخندقيين أبشرا ** فقد كنتما حييتما أن تبشرا
ويا إخوتا من حضرموت وغالبٍ ** وشيبان لقيتم حسابًا ميسرا
سعدتم فلم أسمع بأصوب منكم ** حجاجًا لدى لموت الجليل وأصبرا
سأبكيكم ما لاح نجم وغرد ال ** حمام ببطن الواديين وقرقرا
فقلت ولم أظلم أغوث بن طيىءٍ ** متى كنت أخشى بينكم أن أسيرا!
هبلتم ألا قاتلتم عن أخيكم ** وقد ذب حتى مال ثم تجورا
ففرجتم عني فغودرت مسلمًا ** كأني غريب في إيادٍ وأعصرا
فمن لكم مثلي لدى كل غارةٍ ** ومن لكم مثلي إذا البأس أصحرا
ومن لكم مثلي إذا الحرب قلصت ** وأوضع فيها المستميت وشمرا
فها أنا ذا داري بأجبال طيىءٍ ** طريدًا ولو شاء الإله لغيرا
نفاني عدوي ظالمًا عن مهاجري ** رضيت بما شاء الإله وقدرا
وأسلمني قومي لغير جنايةٍ ** كأن لم يكونوا لي قبيلًا ومعشرا
فإن ألف في دارٍ بأجبال طيىءٍ ** وكان معانًا من عصير ومحضرا
فما كنت أخشى أن أرى متغربا ** لحا الله من لاحى عليه وكثرا
لحا الله قتل الحضرميين وائلا ** ولاقى الفنا من السنان الموفرا
ولاقى الردى القوم الذين تحزبوا ** علينا وقالوا قول زورٍ ومنكرا
فلا يدعني قومٌ لغوث بن طيىءٍ ** لأن دهرهم أشقى بهم وتغيرا
فلم أغزهم في المعلمين ولم أثر ** عليهم عجاجًا بالكويفة أكدرا
فبلغ خليلي إن رحلت مشرقًا ** جديلة والحيين معنًا وبحترا
ونبهان والأفناء من جذم طيىءٍ ** ألم أك فيكم ذا الغناء العشنزرا!
ألم تذكروا يوم العذيب أليتي ** أمامكم ألا أرى الدهر مدبرا!
وكرى على مهران والجمع حاسر ** وقتلي الهمام المستميت المسورا
ويوم جلولاء الوقيعة لم ألم ** ويوم نهاوند الفتوح وتسترا
وتنسونني يوم الشريعة والقنا ** بصفين في أكتافهم قد تكسرا
جزى ربه عني عدي بن حاتمٍ ** برفضي وخذلاني جزاءً موفرا
أتنسى بلائي سادرًا يابن حاتمٍ ** عشية ما أغنت عديك حزمرا!
فدافعت عنك القوم حتى تخاذلوا ** وكنت أنا الخصم الألد العذورا
فولوا وما قاموا مقامي كأنما ** رأوني ليثًا بالأباءة مخدرا
نصرتكم إذخام القريب وأبعط ال ** بعيد وقد أفردت نصرًا مؤزرا
فكان جزائي أن أجرد بينكم ** سجينًا وأن أولي الهوان وأوسرا
وكم عدةٍ لي منك أنك راجعي ** فلم تغن بالميعاد عني حبترا
فأصبحت أرعى النيب طورًا وتارة ** أهرهر إن راعي الشويهات هرهرا
كأني لم أركب جوادًا لغارةٍ ** ولم أترك القرن الكمي مقطرا
ولم أعترض بالسيف خيلًا مغيرةً ** إذا النكس مشى القهقرى ثم جرجرا
ولم أستحث الركض في إثر عصبةٍ ** ميممةٍ عليا سجاسٍ وأبهرا
ولم أذعر الإبلام مني بغارةٍ ** كورد القطاثم انحدرت مظفرا
ولم أر في خيل تطاعن بالقنا ** بقزوين أو شروين أو أغز كندرا
فذلك دهرٌ زال عني حميده ** وأصبح لي معروفه قد تنكرا
فلا يبعدن قومي وإن كانت غائبًا ** وكنت المضاع فيهم والمكفرا
ولا خير في الدنيا ولا العيش بعدهم ** وإن كنت عنهم نائي الدار محصرا
فمات بالجبلين قبل موت زياد.
وقال عبيدة الكندي ثم البدي، وهو يعير محمد بن الأشعث بخذلانه حجرًا:
أسلمت عمك لم تقاتل دونه ** فرقًا ولولا أنت كان منيعا
وقتلت وافد آل بيت محمدٍ ** وسلبت أسيافًا له ودروعا
لو كنت من أسدٍ عرفت كرامتي ** ورأيت لي بيت الحباب شفيعا
ذكر استعمال الربيع بن زياد على خراسان
وفي هذه السنة وجه زيادٌ الربيع بن زياد الحارثي أميرًا على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الغفاري، وكان الحكم قد استخلف على عمله بعد موته أنس بن عمرو الغفاري، وكان الحكم قد استخلف على عمله بعد موته أنس بن أبي أناس، وأنس هو الذي صلى على الحكم حين مات فدفن في دار خالد بن عبد الله أخي خليد بن عبد الله الحنفي، وكتب بذلك الحكم إلى زياد، فعزل زيادٌ أنسًا، وولى مكانه خليد بن عبد الله الحنفي.
فحدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: لما عزل زيادٌ أنسًا وولى مكانه خليد بن عبد الله الحنفي قال أنسٌ:
ألا من مبلغٌ عني زيادًا ** مغلغلةً يخب بها البريد
أتعزلني وتطعمها خليدًا ** لقد لاقت حنيفة ما تريد
عليكم باليمامة فاحرثوها ** فأولكم وآخركم عبيد
فولى خليد شهرًا ثم عزله، وولى خراسان ربيع بن زياد الحارثي في أول سنة إحدى وخمسين، فنقل الناس عيالاتهم إلى خراسان، ووطنوا بها، ثم عزل الربيع.
فحدثني عمر، قال: حدثني علي، عن مسلمة بن محارب وعبد الرحمن ابن أبان القرشي، قالا: قدم الربيع خراسان ففتح بلخ صلحًا، وكانوا قد أغلقوها بعد ما صالحهم الأحنف بن قيس، وفتح قهستان عنوةً، وكانت بناحيتها أتراك، فقتلهم وهزمهم، وكان ممن بقي منهم نيزك طرخان، فقتله قتيبة بن مسلم في ولايته.
حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: غزا الربيع فقطع النهر ومعه غلامه فروخ وجاريته شريفة، فغنم وسلم، فأعتق فروخا، وكان قد قطع النهر قبله الحكم بن عمرو في ولايته ولم يفتح.
فحدثني عمر، عن علي بن محمد، قال: كان أول المسلمين شرب من النهر مولىً للحكم، اغترف بترسه فشرب، ثم ناول الحكم فشرب، وتوضأ وصلى من وراء النهر ركعتين، وكان أول الناس فعل ذلك، ثم قفل.
وحج بالناس في هذه السنة يزيد بن معاوية؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي.
وكان العامل في هذه السنة على المدينة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة والبصرة والمشرق كله زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة عميرة بن يثربي.
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين
فزعم الواقدي أن فيها كانت غزوة سفيان بن عوف الأزدي، ومشتاه بأرض الروم، وأنه توفي بها، واستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري.
وقال غيره: بل الذي شتا بأرض الروم في هذه السنة بالناس بسر بن أبي أرطاة، ومعه سفيان بن عوف الأزدي، وغزا الصائفة في هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي.
وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص في قول أبي معشر والواقدي وغيرهما.
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال عليها كانوا في سنة إحدى وخمسين.
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين
ذكر ما كان فيها من الأحداث
فمما كان فيها من ذلك مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم.
وفيها فتحت رودس، جزيرة في البحر، ففتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي، فنزلها المسلمون - فيما ذكر محمد بن عمر - وزرعوا واتخذوا بها أموالًا ومواشي يرعونها حولها، فإذا أمسوا أدخلوها الحصن، ولهم ناطورٌ يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد، فكانوا على حذرٍ منهم، وكانوا أشد شيء على الروم، فيعترضونهم في البحر فيقطعون سفنهم، وكان معاوية يدر لهم الأرزاق والعطاء، وكان العدو قد خافهم، فلما مات معاوية أقفلهم يزيد بن معاوية.
وفيها كانت وفاة زياد بن سمية؛ حدثني عمر، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن الزبير، عن فيل مولى زياد، قال: ملك زياد العراق خمس سنين، ثم مات سنة ثلاث وخمسين.
حدثني عمر، قال، حدثنا علي بن محمد، قال: لما نزل زياد على العراق بقي إلى سنة ثلاث وخمسين، ثم مات بالكوفة في شهر رمضان وخليفته على البصرة سمرة بن جندب.
ذكر سبب مهلك زياد بن سمية
حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثنا أبي، قال حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله بن المبارك، قال: أخبرني عبد الله بن شوذب، عن كثير بن زياد، أن زيادًا كتب إلى معاوية: إني ضبطت العراق بشمالي، ويميني فارغة. فضم إليه معاوية العروض - وهي اليمامة وما يليها - فدعا عليه ابن عمر، فطعن ومات. فقال ابن عمر حين بلغه الخبر: اذهب إليك ابن سمية، فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت.
حدثني عمر، قال: حدثني علي، قال: كتب زيادٌ إلى معاوية: قد ضبطت لك العراق بشمالي ويمين فارغة، فاشغلها بالحجاز، وبعث في ذلك الهيثم بن الأسود النخعي، وكتب له عهده مع الهيثم، فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أتى نفر منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، فذكروا ذلك له، فقال: ادعوا الله عليه يكفيكموه، فاستقبل القبلة واستقبلوها فدعوا ودعا، فخرجت طاعونةٌ على أصبعه، فأرسل إلى شريح - وكان قاضيه - فقال: حدث بي ما ترى، وقد أمرت بقطعها، فاشر علي؛ فقال له شريح: إني أخشى أن يكون الجراح على يدك، والألم على قلبك، وأن يكون الأجل قد دنا، فتلقى الله عز وجل أجذم، وقد قطعت يدك كراهيةً للقائه، أو أن يكون في الأجل تأخير وقد قطعت يدك فتعيش أجذم وتعر ولدك. فتركها؛ وخرج شريح فسألوه، فأخبرهم بما أشار به، فلاموه وقالوا: هلا أشرت عليه بقطعها! فقال: قال رسول الله : " المستشار مؤتمن ".
حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: قال عبد الله: سمعت بعض من يحدث أنه أرسل إلى شريح يستشيره في قطع يده، فقال: لا تفعل؛ إنك إن عشت صرت أجذم، وإن هلكت إياك جانيًا على نفسك، قال: أنام والطاعون في لحاف! فعزم أن يفعل، فلما نظر إلى النار والمكاوي جزع وترك ذلك.
حدثني عمر، قال: حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي، قال: حدثني ابن أبي زياد، قال: لما حضرت زيادًا الوفاة قال له ابنه: يا أبت، قد هيأت لك ستين ثوبًا أكفنك فيها؛ قال: يا بني، قد دنا من أبيك لباسٌ خيرٌ من لباسه هذا، أو سلبٌ سريع؛ فمات فدفن بالثوية إلى جانب الكوفة، وقد توجه يزيد إلى الحجاز واليًا عليها، فقال مسكين بن عامر بن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم:
رأيت زيادة الإسلام ولت ** جهارًا حين ودعنا زياد
وقال الفرزدق لمسكين - ولم يكن هجا زيادًا حتى مات:
أمسكين أبكى الله عينك إنما ** جرى في ضلالٍ دمعها فتحدرا
بكيت امرأً من آل ميسان كافرًا ** ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول له لما أتاني نعيه ** به لا بظبيٍ بالصريمة أعفرا
فأجابه مسكين، فقال:
ألا أيها المرء الذي لست ناطقًا ** ولا قاعدًا في القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعمٍّ مثل عمي أو أبٍ ** كمثل أبي أو خال صدقٍ كخاليا
كعمرو بن عمرٍو أو زرارة والدًا ** أو البشر من كلٍّ فرعت الروابيا
وما زال بي مثل القناة وسابحٍ ** وخطارةٍ غب السري من عياليا
فهذا لأيام الحفاظ وهذه ** لرحلي وهذا عدة لارتحاليا!
وقال الفرزدق:
أبلغ زيادًا إذا لاقيت مصرعه ** أن الحمامة قد طارت من الحرم
طارت فما زال ينميها قوادمها ** حتى استغاثت إلى الأنهار والأجم
حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، عن سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، عن جرير بن يزيد، قال: رأيت زيادًا فيه حمرةٌ، في عينه اليمنى انكسار، أبيض اللحية مخروطها، عليه قميص مرقوع، وهو على بغلة عليها لجامها قد أرسنها.
ذكر الخبر عن وفاة الربيع بن زياد الحارثي
وفي هذه السنة كانت وفاة الربيع بن زيا الحارثي، وهو عامل زياد على خراسان.
ذكر الخبر عن سبب وفاته
حدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: ولي الربيع بن زياد خراسان سنتين وأشهرًا، ومات في العام الذي مات فيه زياد، واستخلف ابنه عبد الله بن الربيع، فولي شهرين، ثم مات عبد الله. قال: فقدم عهده من قبل زياد على خراسان وهو يدفن، واستخلف عبد الله بن الربيع على خراسان خليد بن عبد الله الحنفي.
قال علي: وأخبرين محمد بن الفضل، عن أبيه، قال: بلغني أن الربيع ابن زياد ذكر يومًا بخراسان حجر بن عدي، فقال: لا تزال العرب تقتل صبرًا بعده، ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبرًا، ولكنها أقرت فذلت، فمكث بعد هذا الكلام جمعةًن ثم خرج في ثياب بياض في يوم جمعة، فقال: أيها الناس، إني قد مللت الحياة، وإني داعٍ بدعوة فأمنوا. ثم رفع يده بعد الصلاة، وقال: اللهم إن كان لي عندك خيرٌ فاقبضني إليك عاجلًا. وأمن الناس فخرج، فما توارت ثيابه حتى سقط فحمل إلى بيته، واستخلف ابنه عبد الله، ومات من يومه، ثم مات ابنه، فاستخلف خليد بن عبد الله الحنفي، فأقره زياد، فمات زياد وخليد على خراسان، وهلك زياد وقد استخلف على عمله على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى البصرة سمرة بن جندب الفزاري.
فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، قال: مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له، وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، فأقر سمرة على البصرة ثمانية عشر شهرًا.
قال عمر: وبلغني عن جعفر بن سليمان الضبعي، قال: أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر، ثم عزله، فقال سمرة: لعن الله معاوية! والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدًا.
حدثني عمر، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثني سليمان ابن مسلم العجلي، قال: سمعت أبي يقول: مررت بالمسجد، فجاء رجلٌ إلى سمرة فأدى زكاة ماله، ثم دخل فجعل يصلي في المسجد، فجاء رجل فضرب عنقه، فإذا رأسه في المسجد، وبدنه ناحيةً، فمر أبو بكرة، فقال: يوق الله سبحانه: " قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى "، قال أبي: فشهدت ذاك، فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير، فمات شر ميتة، قال: وشهدته وأتي بناسٍ كثير وأناس بين يديه فيقول للرجل: ما دينك؟ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله وأني بريءٌ من الحرورية، فيقدم فيضرب عنقه حتى مر بضعةٌ وعشرون.
وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص في قول أبي معشر الواقدي وغيرهما.
وكان العامل فيها على المدينة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة بعد موت زياد عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى البصرة بعد موت زياد سمرة بن جندب، وعلى خراسان خليد بن عبد الله الحنفي.
ثم دخلت سنة أربع وخمسين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ففيها كان مشتى محمد بن مالك أرض الروم، وصائفة معن بن يزيد السلمي.
وفيها - فيما زعم الواقدي - فتح جنادة بن أبي أمية جزيرةً في البحر قريبةً من قسطنطينية يقال لها أرواد.
وذكر محمد بن عمر أن المسلمين أقاموا بها دهرًا، فيما يقال سبع سنين، وكان فيها مجاهد بن جبر. قال: وقال تبيع ابن امرأة كعب: ترون هذه الدرجة؟ إذا انقلعت جاءت قفلتنا. قال: فهاجت ريحٌ شديدة فقلعت الدرجة، وجاء نعي معاوية وكتاب يزيد بالقفل فقفلنا، فلم تعمر بعد ذلك وخربت، وأمن الروم.
ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان
وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة، واستعمل عليها مروان بن الحكم.
ذكر سبب عزل معاوية سعيدا واستعمال مروان
حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، عن جويرة بن أسماء، عن أشياخه، أن معاوية كان يغري بين مروان وسعيد بن العاص، فكتب إلى سعيد بن العاص وهو على المدينة: اهدم دار مروان؛ فلم يهدمها، فأعاد عليه الكتاب بهدمها، فلم يفعل، فعزله وولى مروان.
وأما محمد بن عمر؛ فإنه ذكر أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص يأمره بقبض أموال مروان كلها فيجعلها صافيةً، ويقبض فدك منه - وكان وهبها له، فراجعه سعيد بن العاص في ذلك، وقال: قرابته قريبة. فكتب إليه ثانية يأمره باصطفاء أموال مروان، فأبى، وأخذ سعيد بن العاص الكتابين فوضعهما عند جارية، فلما عزل سعيد عن المدينة فوليها مروان، كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره بقبض أموال سعيد بن العاص بالحجاز، وارسل إليه بالكتاب مع ابنه عبد الملك، فخبره أنه لو كان شيئًا غير كتاب أمير المؤمنين لتجافيت، فدعا سعيد بن العاص بالكتابين اللذين كتب بهما معاوية إليه في أموال مروان يأمره فيهما بقبض أمواله، فذهب بهما إلى مروان، فقال: هو كان أوصل لنا منا له! وكف عن قبض أموال سعيد.
وكتب سعيد بن العاص إلى معاوية: العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا، أن يضغن بعضنا على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره من الأجنبين، وعفوه وإدخاله القطيعة بيننا والشحناء، وتوارث الأولاد ذلك، فوالله لو لم نكن بني أب واحد إلا بما جمعنا الله عليه من نصر الخليفة المظلوم، واجتماع كلمتنا، لكان حقًا علينا أن نرعى ذلك، والذي أدركنا به خير. فكتب إليه يتنصل من ذلك، وأنه عائدٌ إلى أحسن ما يعهده.
عاد الحديث إلى حديث عمر، عن علي بن محمد، قال: فلما ولى مروان كتب إليه: اهدم دار سعيد، فأرسل الفعلة، وركب ليهدمها، فقال له سعيد: يا أبا عبد الملك، أتهدم داري! قال: نعم، كتب إلي أمير المؤمنين، ولو كتب في هدم داري لفعلت؛ قال: ما كنت لأفعل؛ قال: بلى، والله لو كتب إليك لهدمتها، قال: كلا أبا عبد الملك. وقال لغلامه: انطلق فجئني بكتاب معاوية؛ فجاء بكتاب معاوية إلى سعيد بن العاص في هدم دار مروان بن الحكم، قال: مروان كتب إليك يا أبا عثمان في هدم داري، فلم تهدم ولم تعلمني. قال: ما كنت لأهدم دارك، ولا أمن، عليك؛ وإنما أراد معاوية أن يحرض بيننا، فقال مروان: فداك أبي وأمي! أنت والله أكثر منا ريشًا وعقبًا. ورجع مرون ولم يهدم دار سعيد.
حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو محمد بن ذكوان القرشي، قال: قدم سعيد بن العاص على معاوية، فقال له: يا أبا عثمان، كيف تركت أبا عبد الملك؟ قال: تركته ضابطًا لعملك، منفذًا لأمرك. قال: إنه كصاحب الخبزة كفى نضجها فأكلها، قال: كلا، والله يا أمير المؤمنين، إنه لمع قوم لا يحمل بهم السوط، ولا يحل لهم السيف، يتهادون كوقع النبل، سهمٌ لك وسهمٌ عليك؛ قال: ما باعد بينك وبينه؟ قال: خافني على شرفه، وخفته على شرفي، قال: فماذا له عندك؟ قال: أسره غائبًا، وأسره شاهدًا؛ قال: تركتنا يا أبا عثمان في هذه الهنات؛ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فتحملت الثقل، وكفيت الحزم، وكنت قريبًا لو دعوت أجبت، ولو ذهبت رفعت.
وفي هذه السنة كان عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة، واستعمل عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان. فحدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد قال: عزل معاوية سمرة وولي عبد الله بن عمرو بن غيلان، فأقره ستة أشهر، فولي عبد الله بن عمرو شرطته عبد الله بن حصن.
ذكر تولية معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان
وفي هذه السنة ولي معاوية عبيد الله بن زياد خراسان.
ذكر سبب ولاية ذلك
حدثني عمر؛ قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثنا مسلمة بن محارب ومحمد بن أبان القرشي، قالا: لما مات زيادٌ وفد عبيد الله إلى معاوية فقال له: من استخلف أخي على عمله بالكوفة؟ قال: عبد الله بن خالد ابن أسيد، قال: فمن استعمل على البصرة؟ قال: سمرة بن دندب الفزاري، فقال له معاوية: لو استعملك أبوك استعملتك، فقال له عبيد الله: أنشدك الله أن يقولها إلي أحدٌ بعدك: لو ولاك أبوك وعمك لوليتك! قالا: وكان معاوية إذا أراد أن يولي رجلًا من بني حرب ولاه الطائف، فإن رأى منه خيرًا وما يعجبه ولاه مكة معها، فإن أحسن الولاية وقام بما ولي قيامًا حسنًا جمع له معهما المدينة، فكان إذا ولى الطائف رجلًا قيل: هو في أبي جاد، فإذا ولاه مكة قيل: هو في القرآن، فإذا ولاه المدينة قيل: هو قد حذق.
قالا: فلما قال عبيد الله ما قال ولاه خراسان، ثم قال له حين ولاه: إني قد عهدت إليك مثل عهدي إلى عمالي، ثم أوصيك وصية القرابة لخاصتك عندي، لا تبيعن كثيرًا بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، واكتف فيما بينك وبين عدوك بالوفاء تخف عليك المؤونة وعلينا منك، وافتح بابك للناس تكن في العلم منهم أنت وهم سواء، وإذا عزمت على أمر فأخرجه إلى الناس، ولا يكن لأحد فيه مطمع، ولا يرجعن عليك وأنت تستطيع، وإذا لقيت عدوك فغلبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها، وإن احتاج أصحابك إلى أن تؤاسيهم بنفسك فآسهم.
حدثني عمر، قال: حدثني علي، قال: أخبرنا علي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، قال: استعمل معاوية عبيد الله بن زياد وقال:
استمسك الفسفاس إن لم يقطع
وقال له: اتق الله ولا تؤثرن على تقوى الله شيئًا، فإن في تقواه عوضًا، وق عرضك من أن تدنسه، وإذا أعطيت عهدًا فف به، ولا تبيعن كثيرًا بقليل، ولا تخرجن منك أمرًا حتى تبرمه، فإذا خرج فلا يردن عليك، وإذا لقيت عدوك فكن أكثر من معك، وقاسمهم على كتاب الله، ولا تطمعن أحدًا في غير حقه، ولا تؤيسن أحدًا من حق له. ثم ودعه.
حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا مسلمة، قال: سار عبيد الله إلى خراسان في آخر سنة ثلاث وخمسين وهو ابن خمس وعشرين سنة من الشأم وقدم إلى خراسان أسلم بن زرعة الكلابي، فخرج، فخرج معه من الشأم الجعد بن قيس النمري يرجز بين يديه بمرثية زياد يقول فيها: وحدثني عمر مرة أخرى في كتابه الذي سماه كتاب أخبار أهل البصرة، فقال: حدثني أبو الحسن المدائني قال: لما عقد معاوية لعبيد الله بن زياد على خراسان خرج وعليه عمامةٌ - وكان وضيئًا - والجعد بن قيس ينشده مرثية زياد:
أبق علي عاذلي من اللوم ** فيما أزيلت نعمتي قبل اليوم
قد ذهب الكريم والظل الدوم ** والنعم المؤثل الدثر الحوم
والماشيات مشيةً بعد النوم ** ليت الجياد كلها مع القوم
سقين سم ساعةٍ قبل اليوم ** لأربع مضين من شهر الصوم
ومنها:
يوم الثلاثاء الذي كان مضى ** يومٌ قضى فيه المليك ما قضى
وفاة برٍّ ماجدٍ جلد القوى ** حر به نوال جعدٍ والتظى
كان زيادٌ جبلًا صعب الذرى ** شهمًا إذا شئتم نقيصاتٍ أبى
لا يبعد الله زيادًا إذ ثوى
وبكى عبيد الله يومئذ حتى سقطت عمامته عن رأسه؛ قال: وقدم عبيد الله خراسان ثم قطع النهر إلى جبال بخارى على الإبل، فكان هو أول من قطع إليهم جبال بخارى في جند، ففتح راميثن ونصف بيكند - وهما من بخارى - فمن ثم أصاب البخارية.
قال علي: أخبرنا الحسن بن رشيد، عن عمه، قال: لقي عبيد الله بن زياد الترك ببخارى ومع ملكهم امرأته قبج خاتون، فلما هزمهم الله أعجلوها عن لبس خفيها، فلبست أحدهما وبقي الآخر، فأصابه المسلمون، فقوم الجورب بمائتي ألف درهم.
قال: وحدثني محمد بن حفص، عن عبيد الله بن زياد بن معمر، عن عبادة بن حصن، قال: ما رأيت أحدًا أشد بأسًا من عبيد الله بن زياد، لقينا زحفٌ من الترك بخراسان، فرأيته يقاتل فيحمل عليهم فيطعن فيهم ويغيب عنا، ثم يرفع رايته تقطر دمًا.
قال علي: وأخبرنا مسلمة أن البخارية الذين قدم بهم عبيد الله بن زياد البصرة ألفان، كلهم جيد الرمي بالنشاب.
قال مسلمة: كان زحف الترك ببخارى أيام عبيد الله بن زياد من زحوف خراسان التي تعد؛ قال: وأخبرنا الهذلي، قال: كانت زحوف خراسان خمسةً: أربعة لقيها الأحنف بن قيس؛ الذي لقيه بين قهستان وأبرشهر، والزحوف الثلاثة التي لقيها بالمرغاب، والزحف الخامس زحف قارن، فضه عبد الله بن خازم.
قال علي: قال مسلمة: أقام عبيد الله بن زياد بخراسان سنتين.
وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم، كذلك حدثني أحمد ابن ثابت، عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي وغيره.
وكان على المدينة في هذه السنة مروان بن الحكم، وعلى الكوفة عبد الله خالد بن أسيد؛ وقال بعضهم: كان عليها الضحاك بن قيس، وعلى البصرة عبد الله بن عمرو بن غيلان.
ثم دخلت سنة خمس وخمسين
ذكر الخبر عن الكائن فيها من الأحداث
فمما كان فيها من ذلك مشتى سفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم في قول الواقدي.
وقال بعضهم: بل الذي كان شتا بأرض الروم في هذه السنة عمرو ابن محرز.
وقال بعضهم: بل الذي شتا بها عبد الله بن قيس الفزاري.
وقال بعضهم: بل ذلك مالك بن عبد الله.
وفيها عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان عن البصرة وولاها عبيد الله بن زياد.
ذكر الخبر عن سبب عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان وتوليته عبيد الله البصرة
حدثني عمر، قال: حدثنا الوليد بن هشام وعلي بن محمد - قال: واختلفا في بعض الحديث - قالا: خطب عبد الله بن عمرو بن غيلان على منبر البصرة، فحصبه رجل من بني ضبة - قال عمر: قال أبو الحسن: يدعى جبير بن الضحاك أحد بني ضرار - فأمر به فقطعت يده، فقال:
السمع والطاعة والتسليم ** خيرٌ وأعفى لبني تميم
فأتته بنو ضبة، فقالوا: إن صاحبنا جنى ما جنى على نفسه، وقد بالغ الأمير في عقوبته، ونحن لا نأمن أن يبلغ خبره أمير المؤمنين، فيأتي من قبله عقوبة تخص أو تعم، فإن رأى الأمير أن يكتب لنا كتابًا يخرج به أحدنا إلى أمير المؤمنين يخبره أنه قطعه على شبهة وأمر لم يضح، فكتب لهم بعد ذلك إلى معاوية، فأمسكوا الكتاب حتى بلغ رأس السنة - وقال أبو الحسن: لم يزد على ستة أشهر - فوجه إلى معاوية، ووافاه الضبيون، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنه قطع صاحبنا ظلمًا، وهذا كتابه إليك، وقرأ الكتاب، فقال: أما القود من عمالي فلا يصح، ولا سبيل إليه، ولكن إن شئتم وديت صاحبكم؛ قالوا: فده؛ فواداه من بيت المال، وعزل عبد الله، وقال لهم: اختاروا من تحبون أن أولي بلدكم؛ قالوا: يتخير لنا أمير المؤمنين، وقد علم رأي أهل البصرة في ابن عامر؛ فقال: هل لكم في ابن عامر؟ فهو من قد عرفتم في شرفه وعفافه وطهارته، قالوا: أمير المؤمنين أعلم، فجعل يردد ذلك عليهم ليسبرهم، ثم قال: قد وليت عليكم ابن أخي عبيد الله بن زياد.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)