صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 210111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 45 إلى 48 من 51

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    تجهيز علي عليه السلام عائشة رضي الله عنها من البصرة

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وجهّز علي عائشة بكلّ شئ ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع، وأخرج معها كلّ من نجا ممّن خرج معها إلّا من أحبّ المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهّز يا محمّد، فبلّغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم، وقالت: يا بني، تعتّب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدّنّ أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك؛ إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلّا ما يكون بين المرأة وأحمائها؛ وإنه عندي على معتبّي من الأخيار. وقال علي: يا أيها الناس، صدقت والله وبرّت، ما كان بيني وبينها إلّا ذلك، وإنها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة.
    وخرجت يوم السبت لغرّة رجب سنة ست وثلاثين، وشيّعها علي أميالا، وسرّح بنيه معها يومًا.
    ما روي من كثرة القتلى يوم الجمل

    حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا محمد ابن الفضل بن عطيّة الخراساني، عن سعيد القطعي، قال: كّنا نتحدث أنّ قتلى الجمل يزيدون على ستّة آلاف.
    حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سليمان بن صالح، قال: حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، قال: حدثني الزبير بن الخرّيت، عن أبي لبيد لمازة بن زياد، قال: قلت له: لم تسبّ عليًّا؟ قال: ألا أسبّ رجلًا قتل منا ألفين وخمسمائة، والشمس ها هنا! قال جرير بن حازم: وسمعت ابن أبي يعقوب يقول: قتل علي بن أبي طالب يوم الجمل ألفين وخمسمائة؛ ألف وثلثمائة وخمسون من الأزد وثمانمائة من بني ضبّة، وثلثمائة وخمسون من سائر الناس.
    وحدثني أبي، عن سليمان، عن عبد الله، عن جرير، قال: قتل المعرّض بن علاط يوم الجمل، فقال أخوه الحجّاج:
    لم أر يومًا كان أكثر ساعيًا ** بكفّ شمال فارقتها يمينها
    قال معاذ: وحدثني عبد الله، قال: قال جرير: قتل المعرّض بن علاط يوم الجمل، فقال أخوه الحجّاج:
    لم أر يومًا كان أكثر ساعيًا ** بكفّ شمال فارقتها يمينها
    ما قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ من الجمل

    حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، عن سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، قال: سمعت أبا يزيد المديني يقول: قال عمّار بن ياسر لعائشة - رضي الله عنها - حين فرغ القوم: يا أمّ المؤمنين، ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك! قالت: أبو اليقظان! قال: نعم، قالت: والله إنّك - ما علمت - قوّال بالحق؛ قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك.
    آخر حديث الجمل - بعثة علي بن أبي طالب قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر

    وفي هذه السنة - أعني سنة ستّ وثلاثين - قتل محمد بن أبي حذيفة، وكان سبب قتله أنه لما خرج المصريّون إلى عثمان مع محمد بن أبي بكر، أقام بمصر، وأخرج عنها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وضبطها، فلم يزل بها مقيمًا حتى قتل عثمان رضي الله عنه، وبويع لعلي، وأظهر معاوية الخلاف، وبايعه على ذلك عمرو بن العاص، فسار معاوية وعمرو إلى محمد بن أبي حذيفة قبل قدوم قيس بن سعد مصر، فعالجا دخول مصر، فلم يقدرا على ذلك، فلم يزالا يخدعان محمد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر في ألف رجل، فتحصّن بها، وجاءه عمرو فنصب المنجنيق عليه حتى نزل في ثلاثين من أصحابه وأخذوا وقتلوا رحمهم الله.
    وأما هشام بن محمد فإنه ذكر أن أبا مخنف لوط بن يحيى بن سعيد ابن مخنف بن سليم، حدثه عن محمد بن يوسف الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج، عن عبّاس بن سهل الساعدي أنّ محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف هو الذي كان سرّب المصريّين إلى عثمان بن عفان، وإنهم لما ساروا إلى عثمان فحصروه وثب هو بمصر على عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي القرشي، وهو عامل عثمان يومئذ على مصر، فطرده منها، وصلّى بالناس، فخرج عبد الله ابن سعد من مصر فنزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين، فانتظر ما يكون من أمر عثمان، فطلع راكب فقال: يا عبد الله، ما وراءك؟ خبّرنا بخبر الناس خلفك؛ قال: أفعل، قتل المسلمون عثمان رضي الله عنه، فقال عبد الله بن سعد: " إنّا لله وإنّا إليه راجهون! "، يا عبد الله، ثم صنعوا ماذا؟ قال: ثم بايعوا ابن عم رسول الله علي بن أبي طالب، قال عبد الله بن سعد: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون "، قال له الرجل: كأنّ ولاية علي بن أبي طالب عدلت عندك قتل عثمان! قال: أجل. قال: فنظر إليه الرجل، فتأملّه فعرفه وقال: كأنّك عبد الله بن أبي سرح أمير مصر! قال: أجل؛ قال له الرجل: فإن كان لك في نفسك حاجة فالنّجاء النجاء، فإنّ رأى أمير المؤمنين فيك وفي أصحابك سيّئ، إن ظفر بكم قتلكم أو نفاكم عن بلاد المسلمين، وهذا بعدي أمير يقدم عليك. قال له عبد الله: ومن هذا الأمير؟ قال: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري؛ قال عبد الله بن سعد: أبعد الله محمد بن أبي حذيفة! فإنه بغى على ابن عمّه، وسعى عليه، وقد كان كفله ورّباه وأحسن إليه، فأساء جواره، ووثب على عمّاله، وجهز الرجال إليه حتى قتل، ثم ولى عليه من هو أبعد منه ومن عثمان، لم يمتّعه بسلطان بلاده حولا ولا شهرًا، ولم يره لذلك أهلًا، فقال له الرجل: انج بنفسك، لا تقتل. فخرج عبد الله بن سعد هاربًا حتى قدم على معاوية ابن أبي سفيان دمشق.
    قال أبو جعفر: فخبر هشام هذا يدلّ على أن قيس بن سعد ولى مصر ومحمد بن أبي حذيفة حي.
    وفي هذه السنة بعث علي بن أبي طالب على مصر قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، فكان من أمره ما ذكر هشام بن محمد الكلبي، قال: حدثني أبو مخنف، عن محمد بن يوسف بن ثابت، عن سهل بن سعد، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه وولى علي بن أبي طالب الأمر، دعا قيس ابن سعد الأنصاري فقال له: سر إلى مصر فقد ولّيتكها، واخرج إلى رحلك، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتيها ومعك جند، فإن ذلك أرعب لعدوّك وأعزّ لولّيك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن، واشتدّ على المريب، وارفق بالعامة والخاصّة، فإنّ الرفق يمن.
    فقال له قيس بن سعد: رحمك الله يا أمير المؤمنين! فقد فهمت ما قلت، أمّا قولك: اخرج إليها بجند، فوالله لئن لم أدخلها إلّا بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبدًا، فأنا أدع ذلك الجند لك، فإن أنت احتجت كانوا عدّة لك، وأنا أصير إليها بنفسي وأهل بيتي. وأمّا ما أوصيتني به من المرفق والإحسان، فإنّ الله عز وجل هو المستعان على ذلك.
    قال: فخرج قيس بن سعد في سبعة نفر من أصحابه حتى دخل مصر، فصعد المنبر، فجلس عليه، وأمر بكتاب معه من أمير المؤمنين فقرئ على أهل مصر:
    بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد، فإنّ الله عز وجل بحسن صنعه وتقديره وتدبيره، اختار الإسلام دينًا لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرسل عليهم السلام إلى عباده، وخصّ به من انتخب من خلقه، فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمّة، وخصّهم به من الفضيلة أن بعث إليهم محمدًا ، فعلّمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنّة، لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرّقوا، وزكّاهم لكيما يتطّهروا، ورفّههم لكيما لا يجوروا، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله عز وجل صلوات الله عليه ورحمته وبركاته. ثم إنّ المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين، عملا بالكتاب والسنّة، وأحسنا السيرة، ولم يعدوا السنّة، ثم توفّاهما الله عز وجل، رضي الله عنهما. ثم ولى بعدهما وال فأحدث أحداثًا، فوجدت الأمة عليه مقالًا فقالوا، ثم نقموا عليه فغيّروا، ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدي الله عز وجل بالهدى، وأستعينه على التقوى. ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنّة رسوله ، والقيام عليكم بحقه والتنفيذ لسنّته، والنّصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة أميرًا، فوازروه وكانفوه، وأعينوه على الحقّ، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدّة على مريبكم، والرّفق بعوامّكم وخواصّكم، وهو ممّن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصيحته. أسأل الله عز وجل لنا ولكم عملًا زاكيًا، وثوابًا جزيلًا، ورحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وكتب عبيد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين.
    قال: ثمّ إنّ قيس بن سعد قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد ، وقال: الحمد لله الذي جاء بالحقّ، وأمات الباطل، وكبت الظالمين. أيّها الناس، إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا ، فقوموا أيّها الناس فبايعوا على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.
    فقام الناس فبايعوا، واستقامت له مصر، وبعث عليها عمّاله، إلّا أن قرية منها يقال لها: خربتا فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبها رجل من كنانة ثم من بنى مدلج يقال له يزيد بن الحارث من بني الحارث بن مدلج. فبعث هؤلاء إلى قيس بن سعد: إنّا لا نقاتلك فابعث عمّالك، فالأرض أرضك، ولكن أقرّنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس.
    قال: ووثب مسلمة بن مخلّد الأنصاري، ثمّ من ساعده من رهط قيس ابن سعد، فنعى عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودعا إلى الطلب بدمه، فأرسل إليه قيس بن سعد: ويحك، علي تثب! فوالله ما أحبّ أنّ لي ملك الشأم إلى مصر وأني قتلتك. فبعث إليه مسلمة: إني كافّ عنك ما دمت أنت والي مصر.
    قال: وكان قيس بن سعد له حزم ورأي، فبعث إلى الذين بخربتا: إنّي لا أكرهكم على البيعة، وأنا أدعكم وأكفّ عنكم. فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلّد، وجبى الخراج، ليس أحد من الناس ينازعه.
    قال: وخرج أمير المؤمنين إلى أهل الجمل وهو على مصر، ورجع إلى الكوفة من البصرة وهو بمكانه، فكان أثقل خلق الله على معاوية بن أبي سفيان لقربه من الشأم، مخافة أن يقبل إليه علي في أهل العراق، ويقبل إليه قيس بن سعد في أهل مصر، فيقع معاوية بينهما.
    وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد - وعلي بن أبي طالب يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفّين:
    من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد. سلام عليك، أمّا بعد، فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه في أثرة رأيتموها، أو ضربة سوط ضربها، أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في استعماله الفتي، فإنكم قد علمتم - إن كنتم تعلمون - أنّ دمه لم يكن يحلّ لكم، فقد ركبتم عظيمًا من الأمر، وجئتم شيئًا إدًّا، فتب إلى الله عز وجل يا قيس ابن سعد. فإنك كنت في المجلبين على عثمان بن عفان - إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئًا - فأمّا صاحبك فإنا استيقنّا أنّه الذي أغرى به الناس، وحملهم على قتله حتى قتلوه، وأنه لم يسلم دمه عظم قومك، فإن استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطلب بدم عثمان فافعل. تابعنا على أمرنا، ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا مما تحبّ، فإنّك لا تسألني شيئًا إلا أوتيته، واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك. والسلام.
    فلما جاءه كتاب معاوية أحبّ أن يدافعه ولا يبدي له أمره، ولا يتعجّل له حربه، فكتب إليه: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان، وذلك أمر لم أقارفه، ولم أطف به. وذكرت أنّ صاحبي هو أغرى الناس بعثمان، ودسّهم إليه حتى قتلوه، وهذا ما لم أطّلع عليه، وذكرت أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان، فأوّل الناس كان فيه قيامًا عشيرتي. وأمّا ما سألتني من متابعتك، وعرضت علي من الجزاء به، فقد فهمته، وهذا أمر لي فيه نظر وفكرة، وليس هذا مما يسرع إليه، وأنا كافّ عنك، ولن يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى ترى ونرى إن شاء الله، والمستجار الله عز وجل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
    قال: فلما قرأ معاوية كتابه، لم يره إلّا مقاربًا مباعدًا، ولم يأمن أن يكون له في ذلك مباعدًا مكايدًا، فكتب إليه معاوية أيضًا: أمّا بعد، فقد قرأت كتابك، فلم أرك تدنو فأعدّك سلمًا، ولم أرك تباعد فأعدّك حربًا، أنت فيما هاهنا كحنك الجزور، وليس مثلي يصانع المخادع، ولا ينتزع للمكايد، ومعه عدد الرجال، وبيده أعنّة الخيل؛ والسلام عليك.
    فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية، ورأى أنه لا يقبل معه المدافعة والمماطلة، أظهر له ذات نفسه، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. من قيس بن سعد، إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد، فإنّ العجب من اغترارك بي، وطمعك في، واستسقاطك رأيي. أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلًا، وأقربهم من رسول الله وسيلة، وتأمرني بالدّخول في طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم للزّور، وأضلّهم سبيلًا، وأبعدهم من الله عز وجل ورسوله وسيلة، ولد ضالّين مضلّين، طاغوت من طواغيت إبليس! وأمّا قولك إني مالئ عليك مصر خيلًا ورجلًا فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهمّ إليك؛ لذو جدّ، والسلام. فلما بلغ معاوية كتاب قيس أيس منه، وثقل عليه مكانه.
    حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: كانت مصر من حين علي، عليها قيس بن سعد بن عبادة وكان صاحب راية الأنصار مع رسول الله ، وكان من ذوي الرأي والبأس، وكان معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص جاهدين على أن يخرجاه من مصر ليلغبا عليها، فكان قد امتنع فيها بالدّهاء والمكايدة، فلم يقدرا عليه، ولا على أن يفتتحا مصر؛ حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي، وكان معاوية يحدث رجالًا من ذوي الرأي من قريش يقول: ما ابتدعت مكايدة قطّ كانت أعجب عندي من مكايدة كدت بها قيسًا من قبل علي وهو بالعراق حين امتنع منّي قيس. قلت لأهل الشأم: لا تسبّوا قيس بن سعد، ولا تدعوا إلى عزوه، فإنه لنا شيعة، يأتينا كيّس نصيحته سرًّا. ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، ويؤمّن سربهم؛ ويحسن إلى كلّ راكب قدم عليه منكم، لا يستنكرونه في شئ!.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال معاوية: وهممت أن أكتب بذلك إلى شيعتي من أهل العراق، فيسمع بذلك جواسيس علي عندي وبالعراق. فبلغ ذلك عليًّا، ونماه إليه محمد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب. فلما بلغ ذلك عليًّا اتهم قيسًا، وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا - وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف - فأبى قيس بن سعد أن يقاتلهم، وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم، وأهل الحفاظ منهم، وقد رضوا منّي أن أؤمّن سربهم، وأجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، وقد علمت أنّ هواهم مع معاوية، فلست مكايدهم بأمر أهون علي وعليك من الذي أفعل بهم، ولو أني غزوتهم كانوا لي قرنًا، وهو أسود العرب، ومنهم بسر بن أبي أرطأة، ومسلمة بن مخلّد، ومعاوية بن حديح، فذرني فأنا أعلم بما أداري منهم. فأبى علي إلّا قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم.
    فكتب قيس إلى علي: إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك، وابعث إليه غيري. فبعث علي الأشتر أميرًا إلى مصر، حتى إذا صار بالقلزم شرب شربة عسل كان فيها حتفه. فبلغ حديثهم معاوية وعمرا، فقال عمرو: إن لله جندًا من عسل.
    فلما بلغ عليًّا وفاة الأشتر بالقلزم بعث محمد بن أبي بكر أميرًا على مصر. فالزّهري يذكر أنّ عليًّا بعث محمد بن أبي بكر أميرًا على مصر بعد مهلك الأشتر بقلزم، وأما هشام بن محمد، فإنه ذكر في خبره أنّ عليًّا بعث بالأشتر أميرًا على مصر بعد مهلك محمد بن أبي بكر.
    رجع الحديث إلى حديث هشام بن أبي مخنف: ولما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره، شقّ عليه ذلك، لما يعرف من حزمه وبأسه، وأظهر للناس قبله؛ أنّ قيس بن سعد قد تابعكم، فادعوا الله له، وقرأ عليهم كتابه الذي لان له فيه وقاربه. قال: واختلق معاوية كتابًا من قيس بن سعد، فقرأه على أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد، سلام عليك، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّي لمّا نظرت رأيت أنه لا يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلمًا محرّمًا برًّا تقيًّا، فنستغفر الله عز وجل لذنوبنا، ونسأله العصمة لديننا. ألا وأنّي قد ألقيت إليكم بالسّلم، وإني أجبتك إلى قتال قتلة عثمان، إمام الهدى المظلوم، فعوّل علي فيما أحببت من الأموال والرجال أعجّل عليك، والسلام.
    فشاع في أهل الشام أنّ قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي سفيان، فسرّحت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك؛ فلما أتاه ذلك أعظمه وأكبره، وتعجّب له، ودعا بنيه، ودعا عبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال: ما رأيكم؟ فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اعزل قيسًا عن مصر. قال لهم علي: إني والله ما أصدّق بهذا على قيس؛ فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، اعزله، فوالله لئن كان هذا حقًّا لا يعتزل لك إن عزلته.
    فإنهم كذلك إذ جاء كتاب من قيس بن سعد فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ قبلي رجالًا معتزلين قد سألوني أن أكفّ عنهم، وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس، فنرى ويروا رأيهم، فقد رأيت أن أكفّ عنهم، وألّا أتعجّل حربهم، وأن أتألّفهم فيما بين ذلك لعلّ الله عز وجل أن يقبل بقلوبهم، ويفرّقهم عن ضلالتهم، إن شاء الله.
    فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ما أخوفني أن يكون هذا ممالأة لهم منه، فمره يا أمير المؤمنين بقتالهم، فكتب إليه علي: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فسر إلى القوم الّذين ذكرت، فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلّا فناجزهم إن شاء الله.
    فلما أتى قيس بن سعد الكتاب فقرأه، لم يتمالك أن كتب إلى أمير المؤمنين: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد عجبت لأمرك، أتأمرني بقتال قوم كافّين عنك، مفرّغيك لقتال عدوّك! وإنّك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوّك، فأطعني يا أمير المؤمنين، واكفف عنهم، فإنّ الرأي تركهم، والسلام.
    فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ابعث محمد بن أبي بكر على مصر يكفك أمرها، واعزل قيسًا، والله لقد بلغني أن قيسًا يقول: والله إنّ سلطانًا لا يتمّ إلّا بقتل مسلمة بن مخلّد لسلطان سوء؛ والله ما أحبّ أنّ لي ملك الشأم إلى مصر وأني قتلت ابن المخلّد. قال: وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمّه، فبعث علي محمد بن أبي بكر على مصر، وعزل عنها قيسًا.
    ولاية محمد بن أبي بكر مصر

    قال هشام، عن ابن مخنف: فحدثني الحارث بن كعب الوالبي - من والبة الأزد - عن أبيه، أنّ عليًّا كتب معه إلى أهل مصر كتابًا، فلما قدم به على قيس قال له قيس: ما بال أمير المؤمنين! ما غيّره؟ أدخل أحد بيني وبينه؟ قال له: لا، وهذا السلطان سلطانك؟! قال: لا، والله لا أقيم معك ساعة واحدة. وغضب حين عزله، فخرج منها مقبلًا إلى المدينة، فقدمها، فجاءه حسان بن ثابت شامتًا به - وكان حسان عثمانيًّا - فقال له: نزعك علي بن أبي طالب، وقد قتلت عثمان فبقى عليك الإثم، ولم يحسن لك الشكر! فقال له قيس بن سعد: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربًا لضربت عنقك؛ اخرج عنّي.
    ثم إن قيسًا خرج هو وسهل بن حنيف حتى قدما على علي، فخبّره قيس؛ فصدّقه علي. ثم إن قيسًا وسهلًا شهدا مع علي صفّين.
    وأما الزهري، فإنه قال فيما حدثني به عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال، حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، أنّ محمد بن أبي بكر قدم مصر وخرج قيس فلحق بالمدينة، فأخافه مروان والأسود بن أبي البخترّي، حتى إذا خاف أن يؤخذ أو يقتل، ركب راحلته، فظهر إلى علي. فبعث معاوية إلى مروان والأسود يتغيّظ عليهما، ويقول: أمددتما عليًّا بقيس بن سعد ورأيه ومكانه، فوالله لو أنّكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد إلى علي. فقدم قيس بن سعد على علي، فلما باثّه الحديث وجاءهم قتل محمد ابن أبي بكر، عرف أنّ قيس بن سعد كان يقاسي أمورًا عظامًا من المكايدة، وأنّ من كان يهزه على عزل قيس بن سعد لم ينصح له، فأطاع علي قيس ابن سعد في الأمر كلّه.
    قال هشام: عن أبي مخنف، قال: حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن أبيه، قال: كنت مع محمد بن أبي بكر حين قدم مصر، فلمّا قدم قرأ عليهم عهده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى محمد بن أبي بكر حين ولّاه مصر، وأمره بتقوى الله والطاعة في السرّ والعلانية، وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد، وباللين على المسلمين، وبالغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمّة، وبإنصاف المظلوم، وبالشدّة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذّب المجرمين. وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإنّ لهم في ذلك من العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره، ولا يعرفون كنهه، وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل، لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه، ثمّ يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل، وأن يلين لهم جناحه، وأن يواسي بينهم في مجلسه ووجهه، وليكن القريب والبعيد في الحقّ سواء. وأمره أن يحكم بين الناس بالحقّ، وأن يقوم بالقسط، ولا يتّبع الهوى، ولا يخف في الله عز وجل لومة لائم، فإنّ الله جلّ ثناؤه مع من اتقى وآثر طاعته وأمره على ما سواه.
    وكتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله لغرّة شهر رمضان.
    قال: ثمّ إن محمد بن أبي بكر قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الذي هدانا وإيّاكم لما اختلف فيه من الحقّ، وبصّرنا وإيّاكم كثيرًا مما عمي عنه الجاهلون. ألا إنّ أمير المؤمنين ولّاني أموركم، وعهد إلي ما قد سمعتم، وأوصاني بكثير منه مشافهة، ولن آلوكم خيرًا ما استطعت، " وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب "؛ فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى؛ فاحمدوا الله عز وجل على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي، وإن رأيتم عاملًا عمل غير الحقّ زائغًا، فارفعوه إلي، وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعد، وأنتم بذلك جديرون. وفّقنا الله وإيّاكم لصالح الأعمال برحمته، ثمّ نزل.
    وذكر هشام، عن أبي مخنف، قال: وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني، أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لمّا ولّيَ؛ فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه ممّا لا يحتمل سماعها العامّة. قال: ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهرًا كاملًا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم. فقال: يا هؤلاء، إمّا أن تدخلوا في طاعتنا، وإمّا أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا، ولا تعجل بحربنا. فأبى عليهم، فامتنعوا منه، وأخذوا حذرهم، فكانت وقعة صفّين، وهم لمحمّد هائبون، فلما أتاهم صبر معاوية وأهل الشأم لعلي، وأنّ عليًّا وأهل العراق قد رجعوا عن معاوية وأهل الشأم، وصار أمرهم إلى الحكومة، اجترءوا على محمد بن أبي بكر، وأظهروا له المبارزة، فلما رأى ذلك محمد بعث الحارث بن جمهان الجعفي إلى أهل خربتا، وفيها زيد بن الحارث من بني كنانة، فقاتلهم، فقتلوه. ثم بعث إليهم رجلًا من كلب يدعى ابن مضاهم، فقتلوه.
    قال أبو جعفر: وفي هذه السنة فيما قيل: قدم ماهويه مرزبان مرو مقرًّا بالصلح الذي كان جرى بينه وبين ابن عامر على علي.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر من قال ذلك
    قال علي بن محمد المدائني، عن أبي زكرياء العجلاني، عن ابن إسحاق، عن أشياخه، قال: قدم ماهويه أبراز مرزبان مرو على علي بن أبي طالب بعد الجمل مقرًّا بالصلح، فكتب له علي كتابًا إلى دهاقين مرو والأساورة والجند سلارين ومن كان في مرو: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن ما هويه أبراز مرزبان مرو جاءني، وإنّي رضيت عنه وكتب سنة ست وثلاثين. ثم إنهم كفروا وأغلقوا أبرشهر.
    توجيه علي خليد بن طريف إلى خراسان

    قال علي بن محمد المدائني: أخبرنا أبو مخنف، عن حنظلة بن الأعلم، عن ماهان الحنفي، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي، قال: بعث علي خليد بن قرّة اليربوعي - ويقال خليد بن طريف - إلى خراسان.
    ذكر خبر عمرو بن العاص ومبايعته معاوية

    وفي هذه السنة - أعني سنة ستّ وثلاثين - بايع عمرو بن العاص معاوية، ووافقه على محاربة علي، وكان السبب في ذلك ما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: لما أحيط بعثمان - رضي الله عنه - خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجّهًا نحو الشأم، وقال: والله يا أهل المدينة، ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلّا ضربه الله عز وجل بذلّ؛ من لم يستطع نصره فليهرب. فسار وسار معه ابناه عبد الله ومحمد، وخرج بعده حسّان بن ثابت، وتتابع علي ذلك ما شاء الله.
    قال سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: بينا عمرو بن العاص جالس بعجلان ومعه ابناه، إذ مرّ بهم راكب فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة، فقال عمرو: ما اسمك؟ قال: حصيرة. قال عمرو: حصر الرجل، قال: فما الخبر؟ قال: تركت الرجل محصورًا؛ قال عمرو: يقتل. ثم مكثوا أيامًا، فمرّ بهم راكب، فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة؛ قال عمرو: ما اسمك؟ قال: قتّال؛ قال عمرو: قتل الرجل، فما الخبر؟ قال: قتل الرجل. قال: ثم لم يكن إلّا ذلك إلى أن خرجت، ثم مكثوا أيّامًا، فمرّ بهم راكب، فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة؛ قال عمرو: ما اسمك؟ قال: حرب، قال عمرو: يكون حرب؛ فما الخبر؟ قال: قتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وبويع لعلي بن أبي طالب، قال عمرو: أنا أبو عبد الله؛ تكن حرب من حكّ فيها قرحة نكأها، رحم الله عثمان ورضي الله عنه، وغفر له! فقال سلامة بن زنباع الجذامي: يا معشر قريش، إنه والله قد كان بينكم وبين العرب باب، فاتخذوا بابًا إذ كسر الباب. فقال عمرو: وذاك الّذي نريد. ولا يصلح الباب إلا أشاف تخرج الحقّ من حافرة البأس، ويكون الناس في العدل سواء، ثم تمثّل عمرو في بعض ذلك:
    يا لهف نفسي على مالك ** وهل يصرف اللهف حفظ القدر!
    أنزع من الحرّ أودي بهم ** فأعذرهم أم بقومي سكر!
    ثم ارتحل راجلًا يبكي كما تبكي المرأة، ويقول: واعثماناه! أنعي الحياء والدين! حتى قدم دمشق، وقد كان سقط إليه من الذي يكون علم، فعمل عليه.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عثمان، قال: كان النبي قد بعث عمرًا إلى عمان، فسمع هنالك من حبر شيئًا، فلما رأى مصداقه وهو هناك أرسل إلى ذلك الحبر، فقال: حدثني بوفاة رسول الله ، وأخبرني من يكون بعده؟ قال: الذي كتب إليك يكون بعده، ومدّته قصيرة، قال: ثمّ من؟ قال: رجل من قومه مثله في المنزلة؛ قال: فما مدّته؟ قال: طويلة؛ ثم يقتل. قال: غيلة أم عن ملإ؟ قال: غيلة؛ قال: فمن يلي بعده؟ قال: رجل من قومه مثله في المنزلة، قال: فما مدّته؟ قال: طويلة، ثم يقتل، قال: أغيلة أم عن ملإ؟ قال: عن ملإ. قال: ذلك أشدّ؛ فمن يلي بعده؟ قال: رجل من قومه ينتشر عليه الناس، وتكون على رأسه حرب شديدة بين الناس، ثمّ يقتل قبل أن يجتمعوا عليه، قال: أغيلة أم عن ملإ؟ قال: غيلة، ثم لا يرون مثله. قال: فمن يلي بعده؟ قال: أمير الأرض المقدّسة، فيطول ملكه، فيجتمع أهل تلك الفرقة وذلك الانتشار عليه، ثم يموت.
    وأما الواقدي، فإنه فيما حدثني موسى بن يعقوب، عن عمّه، قال: لما بلغ عمرًا قتل عثمان رضي الله عنه، قال: أنا عبد الله، قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده! إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبًا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلّا سيستنظف الحقّ، وهو أكره من يليه إلي. قال: فبلغه أنّ عليًّا قد بويع له، فاشتدّ عليه، وتربّص أيامًا ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة وقال: أستأني وأنظر ما يصنعون، فأتاه الخبر أنّ طلحة والزبير قد قتلا، فأرتج عليه أمره، فقال له قائل: إن معاوية بالشأم لا يريد أن يبايع لعلي، فلو قاربت معاوية! فكان معاوية أحبّ إليه من علي بن أبي طالب. وقيل له: إنّ معاوية يعظم شأن قتل عثمان بن عفان، ويحرّض على الطلب بدمه؛ فقال عمرو: ادعوا لي محمدًا وعبد الله، فدعيا له، فقال: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان رضي الله عنه، وبيعة الناس لعلي، وما يرصد معاوية من مخالفة علي، وقال: ما تريان؟ أمّا علي فلا خير عنده، وهو رجل يدلّ بسابقته، وهو غير مشركي في شئ من أمره. فقال عبد الله بن عمرو: توفّي النبي وهو عنك راض، أرى أن تكفّ يدك، وتجلس في بيتك، حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه. وقال محمد بن عمرو: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك في صوت ولا ذكر. قال عمرو: أمّا أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي، وأسلم في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالّذي أنبه لي في دنياي، وشرّ لي في آخرتي. ثم خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشأم يحضّون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو بن العاص: أنتم على الحقّ، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم - ومعاوية لا يلتفت إلى قول عمرو - فقال ابنا عمرو لعمرو: ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك! انصرف إلى غيره. فدخل عمرو على معاوية فقال: والله لعجب لك! إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني! أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إنّ في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته؛ ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا. فصالحه معاوية وعطف عليه.
    توجيه علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى الدخول في طاعته

    وفي هذه السنة وجّه علي عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة وفراغه من الجمل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، وكان جرير حين خرج علي إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملًا عليها، كان عثمان استعمله عليها، وكان الأشعث بن قيس على أذر بيجان عاملًا عليها، كان عثمان استعمله عليها، فلما قدم علي الكوفة منصرفًا إليها من البصرة، كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على من قبلهما من الناس، والانصراف إليه. ففعلا ذلك، وانصرفا إليه.
    فلما أراد علي توجيه الرسول إلى معاوية، قال جرير بن عبد الله - فيما حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عوانة: ابعثني إليه، فإنه لي ودّ حتى آتيه فأدعوه إلى الدخول في طاعتك، فقال الأشتر لعلي: لا تبعثه، فوالله إنّي لأظنّ هواه معه؛ فقال علي: دعه حتى ننظر ما الذي يرجع به إلينا؛ فبعثه إليه، وكتب معه كتابًا يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير، وما كان من حربه إياهما، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرين والأنصار من طاعته، فشخص إليه جرير، فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره، ودعا عمرًا فاستشاره فيما كتب به إليه، فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشأم، ويلزم عليًّا دم عثمان، ويقاتله بهم، ففعل ذلك معاوية، وكان أهل الشأم - فيما كتب إلي السري يذكر أن شعيبًا حدثه عن سيف، عن محمد وطلحة - لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان رضي الله عنه - الذي قتل فيه مخضّبًا بدمه وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم؛ إصبعان منها وشئ من الكفّ، وإصبعان مقطوعتان من أصولهما ونصف الإبهام - وضع معاوية القميص على المنبر، وكتب بالخبر إلى الأجناد، وثاب إليه الناس، وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع معلّقة فيه، وآلي الرجال من أهل الشأم ألّا يأتوا النساء، ولا يمسّهم الماء للغسل إلّا من احتلام، ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان، ومن عرض دونهم بشيء أو تفنى أرواحهم. فمكثوا حول القميص سنة، والقميص يوضع كلّ يوم على المنبر ويجلّله أحيانًا فيلبسه. وعلّق في أردانه أصابع نائلة رضي الله عنها.
    فلما قدم جرير بن عبد الله على علي - فيما حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عوانة - فأخبره خبر معاوية واجتماع أهل الشأم معه على قتاله، وأنّهم يبكون على عثمان، ويقولون: إنّ عليًّا قتله، وآوى قتلته، وإنّهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم أو يقتلوه. فقال الأشتر لعلي: قد كنت نهيتك أن تبعث جريرًا، وأخبرتك بعداوته وغشّه، ولو كنت بعثتني كان خيرًا من هذا الذي أقام عنده حتى لم يدع بابًا يرجو فتحه إلّا فتحته، ولا بابًا يخاف منه إلّا أغلقته. فقال جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك؛ لقد ذكروا أنّك من قتلة عثمان رضي الله عنه، فقال الأشتر: لو أتيتهم والله يا جرير لم يعيني جوابهم، ولحملت معاوية على خطّة أعجله فيها عن الفكر، ولو أطاعني فيك أمير المؤمنين لحبسك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستقيم هذه الأمور.
    فخرج جرير بن عبد الله إلى قرقيسياء، وكتب إلى معاوية، فكتب إليه بأمره بالقدوم عليه. وخرج أمير المؤمنين فعسكر بالنّخيلة، وقدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة.
    خروج علي بن أبي طالب إلى صفين

    حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي، عن سليمان، عن عبد الله، عن معاوية بن عبد الرحمن، عن أبي بكر الهذلي، أن عليًّا لما استخلف عبد الله بن عبّاس على البصرة سار منها إلى الكوفة، فتهيّأ فها إلى صفّين، فاستشار الناس في ذلك، فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم؛ وأشار آخرون بالمسير. فأبى إلّا المباشرة؛ فجهّز الناس. فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص فاستشاره. فقال: أمّا إذ بلغك أنه يسير فسر بنفسك، ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك. قال: أمّا إذًا يا أبا عبد الله فجهّز الناس. فجاء عمرو فحضّض الناس، وضعّف عليًّا وأصحابه، وقال: إنّ أهل العراق قد فرّقوا جمعهم، وأوهنوا شوكتهم، وفلّوا حدّهم. ثم إنّ أهل البصرة مخالفون لعلي، قد وترهم وقتلهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة، ومنهم من قد قتل خليفتكم؛ فالله الله في حقّكم أن تضّيعوه، وفي دمكم أن تبطلوه! وكتب في أجناد أهل الشأم، وعقد لواءه لعمرو، فعقد لوردان غلامه فيمن عقد، ولابنيه عبد الله ومحمد، وعقد علي لغلامه قنبر، ثم قال عمرو:
    هل يغنين وردان عنّي قنبرا ** وتغني السكون عنّي حميرا
    إذا الكماة لبسوا السنوّرا
    فبلغ ذلك عليًّا فقال:
    لأصبحنّ العاصي ابن العاصي ** سبعين ألفًا عاقدي النواصي
    مجنّبين الخيل بالقلاص ** مستحقبين حلق الدلاص
    فلما سمع ذلك معاوية قال: ما أرى ابن أبي طالب إلّا قد وفى لك؛ فجاء معاوية يتأنى في مسيره. وكتب إلى كلّ من كان يرى أنه يخاف عليًّا أو طعن عليه ومن أعظم دم عثمان واستعواهم إليه. فلما رأى ذلك الوليد بعث إليه يقول:


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ألا أبلغ معاوية بن حرب ** فإنّك من أخي ثقة مليم
    قطعت الدهر كالدّم المعنّى ** تهدّر في دمشق فما تريم
    وإنّك والكتاب إلى علي ** كدابغة وقد حلم الأديم
    يمينك الإمارة كلّ ركب ** لأنقاض العراق بها رسيم
    وليس أخو الترات بمن توانى ** ولكن طالب الترة الغشوم
    ولو كنت القتيل وكان حيًّا ** لجرّد؛ لا ألفّ ولا سئوم
    ولا نكل عن الأوتار حتّى ** يبئ بها، ولا برم جثوم
    وقومك بالمدينة قد أبيروا ** فهم صرعى كأنهم الهشيم
    وقال غير أبي بكر: فدعا معاوية شدّاد بن قيس كاتبه وقال: ابغني طومارًا، فأتاه بطومار، فأخذ القلم فكتب، فقال: لا تعجل، اكتب:
    ومستعجب مما يرى من أناتنا ** ولو زبنته الحرب لم يترمرم
    ثم قال: اطو الطومار، فأرسل به إلى الوليد، فلما فتحته لم يجد فيه غير هذا البيت.
    قال أبو بكر الهذلي: وكتب رجل من أهل العراق حيث سار علي بن أبي طالب إلى معاوية بيتين:
    أبلغ أمير المؤمني ** ن أخا العراق إذا أتيتا
    أنّ العراق وأهلها ** عنق إليك فعيت هيتا
    عاد الحديث إلى حديث عوانة. فبعث علي زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف، وبعث معه شريح بن هانئ في أربعة آلاف، وخرج علي من النخيلة بمن معه، فلمّا دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة، وولّى على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عمّ المختار بن أبي عبيد، ووجّه علي من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل حتى يوافيه.
    ما أمر به علي بن أبي طالب من عمل الجسر على الفرات

    فلما انتهى علي إلى الرقة قال: فيما حدثت عن هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثني الحجّاج بن علي، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي - لأهل الرقة: اجسروا لي جسرًا حتى أعبر من هذا المكان إلى الشأم، فأبوا. وقد كانوا ضمّوا إليهم السفن، فنهض من عندهم ليعبر من جسر منبج، وخلّف عليهم الأشتر، وذهب ليمضي بالناس كيما يعبر بهم على جسر منبج، فناداهم الأشتر، فقال: يا أهل هذا الحصن، ألا أني أقسم لكم بالله عز وجل؛ لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسّروا له عند مدينتكم جسرًا حتى يعبر لأجردنّ فيكم السيف، ثم لأقتلنّ الرجال ولأخرّبنّ الأرض، ولآخذّن الأموال. قال: فلقي بعضهم بعضًا، فقالوا: أليس الأشتر يفي بما حلف عليه، أو يأتي بشرّ منه؟ قالوا: نعم، فبعثوا إليه: إنّا ناصبون لكم جسرًا، فأقبلوا. وجاء علي فنصبوا له الجسر، فعبر عليه بالأثقال والرجال. ثم أمر علي الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس، حتى لم يبق من الناس أحد إلّا عبر، ثم إنه عبر آخر الناس رجلًا.
    قال أبو مخنف: وحدثني الحجّاج بن علي، عن عبد الله بن عمّار بن عبد يغوث، أنّ الخيل حين عبرت زحم بعضها بعضًا، فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين الأزدي، فنزل فأخذها ثم ركب، وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجّاج الأزدي، فنزل فأخذها، ثم ركب، وقال لصاحبه:
    فإن يك ظنّ الزاجري الطير صادقًا ** كما زعموا أقتل وشيكًا وتقتل
    فقال له عبد الله بن أبي الحصين: ما شئ أوتاه أحبّ إلي مما ذكرت؛ فقتلا جميعًا يوم صفّين.
    قال أبو مخنف: فحدثني خالد بن قطن الحارثي، أنّ عليًّا لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر، وشريح بن هانئ، فسرّحهما أمامه نحو معاوية على حالهما التي كانا خرجا عليها من الكوفة. قال: وقد كانا حيث سرّحهما من الكوفة أخذا على شاطئ الفرات من قبل البرّ مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات، فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة، وبلغهما أنّ معاوية قد أقبل من دمشق في جنود أهل الشأم لاستقبال علي، فقالا: لا والله ما هذا لنا برأي؛ أن نسير وبيننا وبين المسلمين وأمير المؤمنين هذا البحر! وما لا خير في أن نلقى جنود أهل الشأم بقلّة من معنا منقطعين من العدد والمدد. فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهل عانات، وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت، ثم لحقوا عليًّا بقرية دون قرقيسياء؛ وقد أرادوا أهل عانات، فتحصّنوا وفرّوا، ولما لحقت المقدّمة عليًّا قال: مقدّمتي تأتيني من ورائي. فتقدّم إليه زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هانئ؛ فأخبراه بالذي رأيا حين بلغهما من الأمر ما بلغهما، فقال: سددتما. ثم مضى علي، فلما عبر الفرات قدّمهما أمامه نحو معاوية، فلما انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل الشأم؛ فأرسلا إلى علي: إنّا قد لقينا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشأم، وقد دعوناهم فلم يجبنا منهم أحد، فمرنا بأمرك. فأرسل علي إلى الأشتر؛ فقال: يا مالك، إنّ زيادًا وشريحًا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جمع من أهل الشأم، وأنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين، فالنّجاء إلى أصحابك النجاء، فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم. وإيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلّا أن يبدءوك حتى تلقاهم فتدعوهم وتسمع، ولا يجرمنّك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم، والاعذار إليهم مرة بعد مرّة، واجعل على ميمنتك زيادًا، وعلى ميسرتك شريحًا، وقف من أصحابك وسطًا، ولا تدن منهم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد منهم بعد من يهاب البأس حتى أقدم عليك، فإنّي حثيث السير في أثرك إن شاء الله. قال: وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي، فكتب علي إلى زياد وشريح: أمّا بعد، فإني قد أمّرت عليكما مالكًا، فاسمعا له وأطيعا، فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا الإسراع إلى ما الإبطاء عنه أمثل، وقد أمرته بمثل كنت أمرتكما به ألّا يبدأ القوم حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم.
    وخرج الأشتر حتى قدم على القوم، فاتّبع ما أمره علي وكفّ عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي، فثبتوا له، واضطربوا ساعة. ثم إنّ أهل الشأم انصرفوا، ثم خرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري في خيل ورجال حسن عددها وعدّتها، وخرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال، وصبر القوم بعضهم لبعض، ثم انصرفوا، وحمل عليهم الأشتر، فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي، قتله يومئذ ظبيان بن عمّار التميمي، وما هو إلّا فتى حدث، وإن كان التنوخي لفارس أهل الشأم، وأخذ الأشتر يقول: ويحكم! أروني أبا الأعور.
    ثم إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه، فوقف من وراء المكان الذي كان فيه أوّل مرّة، وجاء الأشتر حتى صفّ أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي: انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة، فقال: إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال له الأشتر: لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال: نعم، والله لو أمرتني أن أعترض صفّهم بسيفي ما رجعت أبدًا حتى أضرب بسيفي في صفّهم، قال له الأشتر: يا بن أخي، أطال الله بقاءك! قد والله ازددت رغبة فيك، لا أمرتك بمبارزته، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي؛ أنه لا يبرز إن كان ذلك من شأنه إلّا لذوي الأسنان والكفاءة والشرف، وأنت - لربّك الحمد - من أهل الكفاءة والشرف، غير أنّك فتى حدث السنّ، فليس بمبارز الأحداث، ولكن ادعه إلى مبارزتي. فأتاه فنادى: آمنوني فإنّي رسول. فأومن، فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور. قال أبو مخنف: فحدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسي، قال: حدثني سنان، قال: فدنوت منه فقلت: إنّ الأشتر يدعوك إلى مبارزته. قال: فسكت عني طويلًا ثم قال: إنّ خفّة الأشتر وسوء رأيه هو حمله على إجلاء عمّال ابن عفان رضي الله عنه من العراق، وانتزاؤه عليه يقبّح محاسنه، ومن خفّة الأشتر وسوء رأيه أن سار إلى ابن عفان رضي الله عنه في داره وقراره حتى قتله فيمن قتله، فأصبح متبعًا بدمه؛ ألا لا حاجة لي في مبارزته. قال: قلت: إنك قد تكلمت، فاسمع حتى أجيبك، فقال: لا، لا حاجة في الاستماع منك ولا في جوابك، اذهب عني. فصاح بي أصحابه فانصرفت عنه، ولو سمع إلي لأخبرته بعذر صاحبي وحجّته. فرجعت إلى الأشتر، فأخبرته أنه قد أبى المبارزة، فقال: لنفسه نظر، فواقفناهم حتى حجز الليل بيننا وبينهم، وبتنا متحارسين، فلما أصبحنا نظرنا فإذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم، ويصبّحنا علي بن أبي طالب غدوة. فقدم الأشتر فيمن كان معه في تلك المقدّمة حتى انتهى إلى معاوية، فواقفه، وجاء علي في أثره فلحق بالأشتر سريعًا، فوقف وتواقفوا طويلًا.
    ثمّ إنّ عليًّا طلب موضعًا لعسكره، فلما وجده أمر الناس فوضعوا الأثقال، فلما فعلوا ذهب شباب الناس وغلمتهم يستقون، فمنعهم أهل الشأم. فاقتتل الناس على الماء، وقد كان الأشتر قال له قبل ذلك: إنّ القوم قد سبقوا إلى الشريعة وإلى سهولة الأرض وسعة المنزل، فإن رأيت سرنا نجوزهم إلى القرية التي خرجوا منها، فإنهم يشخصون في أثرنا، فإذا هم لحقونا نزلنا فكنّا نحن وهم على السواء، فكره ذلك علي، وقال: ليس كلّ الناس يقوى على المسير، فنزل بهم.
    القتال على الماء

    قال أبو مخنف: وحدثني تميم بن الحارث الأزدي، عن جندب بن عبد الله، قال: إنّا لما انتهينا إلى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل أفيح قد اختاره قبل قدومنا إلى جانب شريعة الفرات، ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها، وجعلها في حيّزه، وبعث عليها أبا الأعور يمنعها ويحميها، فارتفعنا على الفرات رجاء أن نجد شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها، فأتينا عليًّا فأخبرناه بعطش الناس، وأنا لا نجد غير شريعة القوم. قال: فقاتلوهم عليها. فجاءه الأشعث بن قيس الكندي فقال: أنا أسير إليهم، فقال له علي: فسر إليهم. فسار وسرنا معه، حتى إذا دنونا من الماء ثاروا في وجوهنا ينضحوننا بالنّبل، ورشقناهم والله بالنّبل ساعة، ثم اطّعنّا والله بالرماح طويلًا، ثم صرنا آخر ذلك نحن والقوم إلى السيوف، فاجتلدنا بها ساعة. ثم إنّ القوم أتاهم يزيد بن أسد البجلي ممدًّا في الخيل والرجال، فأقبلوا نحونا، فقلت في نفسي: فأمير المؤمنين لا يبعث إلينا بمن يغني عنا هؤلاء، فذهب فالتفتّ فإذا عدّة القوم أو أكثر، قد سرّحهم إلينا ليغنوا عنّا يزيد بن أسد وأصحابه، عليهم شبث بن ربعي الرياحي، فوالله ما ازداد القتال إلّا شدّة. وخرج إلينا عمرو بن العاص من عسكر معاوية في جند كثير، فأخذ يمدّ أبا الأعور ويزيد بن أسد، وخرج الأشتر من قبل علي في جمع عظيم. فلمّا رأى الأشتر عمرو بن العاص يمدّ أبا الأعور ويزيد بن أسد، أمّد الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي، فاشتدّ قتالنا وقتالهم، فما أنسى قول عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي:
    خلّوا لنا ماء الفرات الجاري ** أو اثيتوا لجحفل جرّار
    لكلّ قرم مستميت شاري ** مطاعن برمحه كرّار
    ضرّاب هامات العدا مغوار
    قال أبو مخنف: وحدثني رجل من آل خارجة بن التميمي أن ظبيان ابن عمارة جعل يومئذ يقاتل وهو يقول:
    هل لك يا ظبيان من بقاء ** في ساكن الأرض بغير ماء
    لا وإله الأرض والسّماء ** فاضرب وجوه الغدر الأعداء
    بالسّيف عن حمس الوغاء ** حتّى يجيبوك إلى السواء
    قال ظبيان: فضربناهم والله حتى خلّونا وإيّاه.

  • صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 210111213 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    2. ألف ليلة وليلة/الجزء الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 08-01-2010, 09:09 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1