صفحة 12 من 19 الأولىالأولى ... 21011121314 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 45 إلى 48 من 73

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)

العرض المتطور

عاشق الوطنية تاريخ الرسل والملوك(الجزء... 08-14-2010, 10:05 PM
عاشق الوطنية ارجعا إلى ابن مطيع، فأعلماه... 08-14-2010, 10:05 PM
عاشق الوطنية قال أبو مخنف: فحدثني يحيى بن... 08-14-2010, 10:06 PM
عاشق الوطنية أنفسهم، ودخل أصحاب ابن مطيع... 08-14-2010, 10:06 PM
عاشق الوطنية وعشية، فيقضى بين الخصمين، ثم... 08-14-2010, 10:07 PM
عاشق الوطنية وقد غضبت لي من هوازن عصبة **... 08-14-2010, 10:08 PM
عاشق الوطنية قال هشام: فحدثني سليمان بن... 08-14-2010, 10:09 PM
عاشق الوطنية امنن علي اليوم يا خير معد **... 08-14-2010, 10:09 PM
عاشق الوطنية عجبت دختنوس لما رأتني ** قد... 08-14-2010, 10:11 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن حصار بني تميم... 08-14-2010, 10:11 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن صفة مقتله ذكر... 08-14-2010, 10:12 PM
عاشق الوطنية ذكر خبر قتل مصعب المختار بن... 08-14-2010, 10:12 PM
عاشق الوطنية وإحدى لياليك راجعتها ** أرقت... 08-14-2010, 10:13 PM
عاشق الوطنية فقال عبد الرحمن بن محمد بن... 08-14-2010, 10:14 PM
عاشق الوطنية قتلتم ستة الآلاف صبرا ** مع... 08-14-2010, 10:14 PM
عاشق الوطنية فأشخصوه من ذلك المكان، فكلما... 08-14-2010, 10:15 PM
عاشق الوطنية قال: وكان يأتي الدائن فيمر... 08-14-2010, 10:16 PM
عاشق الوطنية فهلّا بجعفي طَلبتَ ذُحُولَها... 08-14-2010, 10:16 PM
عاشق الوطنية دانيته مني ليسكن روعه **... 08-14-2010, 10:17 PM
عاشق الوطنية قال: ولما تدانى العسكران بدير... 08-14-2010, 10:18 PM
عاشق الوطنية ذكر خبر ولاية خالد بن عبد... 08-14-2010, 10:18 PM
عاشق الوطنية هلّا صبرت مع الشهيد مقاتلا **... 08-14-2010, 10:19 PM
عاشق الوطنية وكان يكتب لعمر بن عبد العزيز... 08-14-2010, 10:19 PM
عاشق الوطنية قال: ثم أصبحوا، فجاءت صاعقة... 08-14-2010, 10:20 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن أمره وأمرهم فيها... 08-14-2010, 10:21 PM
عاشق الوطنية والشنان، جمع شنة: القرية... 08-14-2010, 10:23 PM
عاشق الوطنية إن يقتلوك أبا حكيم غدوة **... 08-14-2010, 10:24 PM
عاشق الوطنية قال أبو مخنف: فحدثني المحلمي،... 08-14-2010, 10:27 PM
عاشق الوطنية فرجع سورة إلى عسكره وقد هزم... 08-14-2010, 10:28 PM
عاشق الوطنية وكأن حافرها بكل خميلة ** كيل... 08-14-2010, 10:28 PM
عاشق الوطنية لأضربن بالحسام الباتر ** ضرب... 08-14-2010, 10:30 PM
عاشق الوطنية الأمير أفضل؛ قال: فإني قد... 08-14-2010, 10:30 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن دخول شبيب الكوفة... 08-14-2010, 10:31 PM
عاشق الوطنية ومضى القوم على حاميتهم، ورجع... 08-14-2010, 10:31 PM
عاشق الوطنية فرجع، ودعا مطرف رجالًا من أهل... 08-14-2010, 10:32 PM
عاشق الوطنية قال: ثم إن الحجاج بن جارية... 08-14-2010, 10:32 PM
عاشق الوطنية لم يغن عنهم غداة التل كيدهم... 08-14-2010, 10:33 PM
عاشق الوطنية ألا أبلغ أمية أن سيجزي **... 08-14-2010, 10:35 PM
عاشق الوطنية ذكر خبر غزو المهلب ما وراء... 08-14-2010, 10:35 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن خلاف ابن الأشعث... 08-14-2010, 10:36 PM
عاشق الوطنية قال: منيتنا أمرًا كان في علم... 08-14-2010, 10:37 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن وفاة المغيرة بن... 08-14-2010, 10:38 PM
عاشق الوطنية قال هشام: فحدثني بهذا الحديث... 08-14-2010, 10:38 PM
عاشق الوطنية ثم إن ابن محمد مضى حتى خرج من... 08-14-2010, 10:39 PM
عاشق الوطنية فقال أهل الشام: أحسنوا، أصلح... 08-14-2010, 10:39 PM
عاشق الوطنية ذكر ما فيها من الأحداث ... 08-14-2010, 10:40 PM
عاشق الوطنية خبر مقتل موسى بن عبد الله بن... 08-14-2010, 10:43 PM
عاشق الوطنية فألقاه في النهر حي فغرق، فقال... 08-14-2010, 10:47 PM
عاشق الوطنية بيعة عبد الملك لابنيه الوليد... 08-14-2010, 10:48 PM
عاشق الوطنية ذكر ما كان من أمر قتيبة... 08-14-2010, 10:48 PM
عاشق الوطنية خبر فتح حصن طوانة من بلاد... 08-14-2010, 10:49 PM
عاشق الوطنية خبر صلح قتيبة مع السغد ... 08-14-2010, 10:50 PM
عاشق الوطنية عبد الملك فأقام عنده يعلمه... 08-14-2010, 10:50 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن ذلك قال علي:... 08-14-2010, 10:51 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان... 08-14-2010, 10:54 PM
عاشق الوطنية أدركت بثأرك. قال: وقال محمد... 08-14-2010, 10:54 PM
عاشق الوطنية ثم دخلت سنة أربع وتسعين ... 08-14-2010, 10:55 PM
عاشق الوطنية وذكر أبو بكر الباهلي، قال:... 08-14-2010, 10:55 PM
عاشق الوطنية فتح قتيبة كاشغر وغزو الصين ... 08-14-2010, 10:56 PM
عاشق الوطنية فبايعه على خلع سليمان الحجاج... 08-14-2010, 10:56 PM
عاشق الوطنية أعلمه الرماية كل يوم ** فلما... 08-14-2010, 10:57 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن سبب ولايته... 08-14-2010, 10:58 PM
عاشق الوطنية قال: وخرج الناس فاقتتلوا... 08-14-2010, 10:58 PM
عاشق الوطنية وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان... 08-14-2010, 10:59 PM
عاشق الوطنية خلافة عمر بن عبد العزيز ... 08-14-2010, 10:59 PM
عاشق الوطنية عزل جراح بن عبد الله عن... 08-14-2010, 11:00 PM
عاشق الوطنية قال: وكتب إلى عقبة بن زرعة... 08-14-2010, 11:00 PM
عاشق الوطنية ذو القطيفة هو محمد بن عمرو،... 08-14-2010, 11:01 PM
عاشق الوطنية وجاء عبد الملك بن المهلب حتى... 08-14-2010, 11:02 PM
عاشق الوطنية وكان العريان يقول: والله ما... 08-14-2010, 11:02 PM
عاشق الوطنية إنكم تقدمون على حلبة الترك،... 08-14-2010, 11:04 PM
عاشق الوطنية ذكر الخبر عن سبب قتله وكان... 08-14-2010, 11:05 PM
عاشق الوطنية ثم إن المختار بعث عبد الله بن... 08-14-2010, 10:10 PM

  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 485
    Array

    فقال أهل الشام: أحسنوا، أصلح الله الأمير! فقال الحجاج: لا، لم يحسن، إنكم لا تدرون ما أراد بها، ثم قال: يا عدو الله إنا لسنا نحمدك على هذا القول إنما قلت: تأسف ألا يكون ظهر وظفر، وتحريضًا لأصحابك علينا، وليس عن هذا سألناك، أنفذ لنا قولك: بين الأشج وبين قيس باذخ فأنفذها، فلما قال: بخ بخ لوالده وللمولود قال: الحجاج: لا والله لا تبخبخ بعدها لأحد أبدًا، فقدمه فضرب عنقه. وقد ذكر من أمر هؤلاء الأسرى الذين أسرهم يزيد بن المهلب ووجههم إلى الحجاج ومن فلول ابن الأشعث الذين انهزموا يوم مسك أمر غير ما ذكره أبو مخنف عن أصحابه. والذي ذكر عنهم من ذلك أنه لما انهزم ابن الأشعث مضى هؤلاء مع سائر الفل إلى الري، وقد غلب عليهم عمر بن أبي الصلت بن كنارة مولى بني نصر بن معاوية، وكان من أفرس الناس، فانضموا إليه، فأقبل قتيبة بن مسلم إلى الري من قبل الحجاج وقد ولاه عليها.
    فقال النفر الذين ذكرت أن يزيد بن المهلب وجههم إلى الحجاج مقيدين وسائر فل ابن الأشعث الذين صاروا إلى الري لعمر بن أبي الصلت: نوليك أمرنا وتحارب بنا قتيبتة؛ فشاور عمر أباه أبا الصلت، فقال له أبوه: والله يا بني ما كنت أبالي إذا سار هؤلاء تحت لوائك أن تقتل من غد. فعقد لواءه، وسار فهزم وهزم أصحابه، وانكشفوا إلى سجستان، واجتمعت بها الفلول، وكتبوا إلى عبد الرحمن بن محمد وهو عند رتبيل، ثم كان من أمرهم وأمر يزيد ين المهلب ما قد ذكرت. وذكر أبو عبيدة أن يزيد لما أراد أن يوجه الأسرى إلى الحجاج قال له أخوه حبيب: بأي وجه تنظر إلى اليمانية وقد بعثت ابن طلحة! فقال يزيد: هو الحجاج، ولا يتعرض له! وقال: وطن نفسك على العزل، ولا ترسل به، فإن له عندنا بلاء، قال: وما بلاءه؟ قال لزم المهلب في مسجد الجماعة بمائة ألف، فأداها طلحة عنه. فأطلقه، وأرسل بالباقين، فقال الفرزدق:
    وجد ابن طلحة يوم لاقى قومه ** فحطان يوم هراة خير المعشر
    وقال: إن الحجاج لما أتى بهؤلاء الأسرى من عند يزيد بن المهلب قال الجاجبة: إذا دعوتك بسيدهم فآتني بفيروز، فأبرز سريره - وهوحينئذ بواسط الصب قبل أن تبنى مدينة واسط - ثم قال لحاجبه: جئني بسيدهم؛ فقال لفيروز: قم؛ فقال له الحجاج: أبا عثمان، ما أخرجك مع هؤلاء، فوالله ما لحمك من لحومهم، ولا دمك من دمائهم! قال: فتنة عمت الناس، فكنا فيها، قال: أكتب لي أموالك، قال: ثم ماذا، قال: أكتبها أول؛ قال: ثم أنا آمن على دمي، قال: اكتبها، ثم أنظر؛ قال: اكتب يا غلام ألف ألف ألفي ألف، فذكر مالًا كثيرًا، فقال: الحجاج: أين هذه الأموال؟ قال: عندي، قال: فأدها؛ قال: وأنا آمن على دمي، قال: والله لتؤدينها ثم لأقتلنك؛ قال: والله لاتجمع مالي ودمي، فقال الحجاج للحاجب: نحه، فنحاه. ثم قال: أتني بمحمد بن سعد بن أبي وقاص، فدعاه، فقال له الحجاج: إيهن يا ظل الشيطان أعظم الناس تيهًا وكبرًا، تأبى بيعة يزيد بن معاوية، وتشبه بحسين وابن عمر، ثم صرت مؤذنًا لابن كنارة عبد بني نصر - يعني عمر بن أبي الصلت - مجعل يضرب بعود في يده رأسه حتى أدماه؛ فقال له محمد: أيها الرجل، ملكت فأسجح! فكف يده، فقال: إن رأيت أن تكتب إلى أمير المؤمنين فإن جاءك عفو كنت شريكًا في ذلك محمودًا، وإن جاءك غير ذلك كنت قد أعذرت فأطرق مليًا ثم قال: اضرب عنقه، فضربت عنقه. ثم دعا بعمر بن موسى فقال: يا عبد المرأة، أتقوم بالعمود على رأس ابن الحائك، وتشرب معه الشراب في حمام فارس، وتقول المقالة التي قلت! أين الفرزدق؟ قم فأنشده ما قلت فيه، فأنشده:
    وخضبت أيرك للزناء ولم تكن ** يوم الهياج لتخضب الأبطالا
    فقال: أما والله لقد رفعته عن عقائل نسائك، ثم أمر بضرب عنقه. ثم دعا ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، فإذا غلام حدث، فقال: أصلح الله الأمير! ما لي ذنب إنما كنت غلامًا صغيرًا مع أبي وأمي لا أمر لي ولا نهي، وكنت معهما حيث كانا، فقال: وكانت أمك مع أبيك في هذه الفتن كلها؟ قال: نعم، قال: على أبيك لعنة الله. ثم دعا بالهلقام بن نعيم فقال: جعل ابن الأشعث طلب ما طلب، ما الذي أملت أنت معه؟ قال: أمنت أن يملك فيوليني العراق كما ولاك عبد الملك. قال: قم يا حوشب فاضرب عنقه، فقام إليه، فقال له الهلقام: يا بني لقيطة، أتنكأ القرح! فضرب عنقه. ثم أوتي بعبد الله بن عامر، فلما قام بين يديه قال: لا رأت عيناك يا حجاج الجنة إن أقلت ابن المهلب بما صنع. قال: وما صنع؟ قال:
    لآنه كاس في إطلاق أسرته ** وقاد نحوك في أغلالها مضرا
    وقى بقومك ورد الموت أسرته ** وكان قومك أدنى عنده خطرا
    فأطرق الحجاج مليًا ووقرت في قلبه، وقال: وما أنت وذاك! اضرب عنقه. فضربت عنقه. ولم تزل في نفس الحجاج حتى عزل يزيد عن خراسان وحبسه. ثم أمر بفيروز فعذب، فكان فيما عذب به أن كان يشد عليه القصب الفارسي المشقوق، قم يجر عليه حتى يخرق جسده، ثم ينضح عليه الخل والملح، فلما أحس بالموت قال لصاحب العذاب: إن الناس لايشكون أني قد قتلت، ولي ودائع وأموال عند الناس، لا تؤدى إليكم أبدًا، فأطهروني للناس ليعلموا أني حي فيؤدوا المال. فأعلم الحجاج، فقال: أظهروه، فأخرج إلى باب المدينة، فصاح في الناس: من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا فيروز حصين؛ إن لي عند أقوام مالًا، فمن كان لي عنده شيء فهو له، وهو منه في حل، فلا يؤدين منه أحد درهمًا، ليبلغ الشاهد الغائب. فأمر به الحجاج فقتل. وكان ذلك مما روى الوليد بن هشام بن قحذم، عن أبي بكر الهذلى. وذكر ضمرة بن ربيعة، عن أبي شوذب، أن عمال الحجاج كتبوا إليه: إن الخراج قد انكسر، وإن أهل الذمة قد ألموا ولحقوا بالأمصار، فكتب إلى البصرة وغيرها أن من كان له أصل في قرية فليخرج إليها. وجعلوا لا يدرون أين يذهبون! فجعل قراء أهل البصرة يخرجون إليهم مقنعين فيبكون لما يسمعون منهم ويرون. قال: فقدم ابن الأشعث على تفيئة ذلك، واستبصر قراء أهل البصرة في قتال الحجاج مع عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث. وذكر عن ضمرة بن ربيعة عن الشيباني، فقال: قتل الحجاج يوم الزاوية أحد عشر ألفًا، ما استحيا منهم إلا واحدًا، كان ابنه في كتاب الحجاج، فقال له: أتحب أن نعفو لك عن أبيك؟ قال: نعم، فتركه لابنه؛ وإنما خدعهم بالأمان، أمر مناديًا فنادى عند الهزيمة: ألا لا أمان لفلان ولا فلان، فسمى رجالًا من أولئك الأشراف، ولم يقل: الناس آمنون، فقالت العامة: قد آمن الناس كلهم إلا هؤلاء النفر، فأقبلوا إلى حجرته فلما اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم، ثم قال: لآمرن بكم اليوم رجلًا ليس بينكم وبينه قرابة، فأمر بهم عمارة بن تميم اللخمي فقربهم فقتلهم. وروي عن النضر بن شمير، عن هشام بن حسان، أنه قال: بلغ ما قتل الحجاج صبرًا مائة وعشرين، أو مائة وثلاثين ألفًا.
    وقد ذكر في هزيمة ابن الأشعث بمسكن قول غير الذي ذكره أبو مخنف والذي ذكر من ذلك أن ابن الأشعث والحجاج اجتمعا بمسكن من أرض أبزقباذ، فكان عسكر ابن الأشعث على نهر يدعى خداج مؤخر النهر، نهر تيري، ونزل الحجاج على نهر أفريذ والعسكران جميعًا بين دجلة والسيب والكرخ، فاقتتلوا شهرًا - وقيل: دون ذلك - ولم يكن الحجاج يعرف إليهم طريقًا إلا الطريق الذي يلتقون فيه، فأتى بشيخ كان راعيًا يدعى زورقًا فدله على طريق من وراء الكرخ طوله ستة فراسخ، في أجمة وضحضاح من الماء، فانتخب أربعة آلاف من جلة أهل الشام، وقال لقائدهم: ليمن هذا العلج أمامك، وهذه أربعة آلاف درهم معك، فإن أقامك على عسكرهم فادفع المال إليه، وإن كان كذبًا فاضرب عنقه، فإن رأيتهم فاحمل عليهم فيمن معك، وليكن شعاركم: يا حجاج يا حجاج. فانطلق القائد صلاة العصر، وذلك مع صلاة العصر، فاقتتلوا إلى الليل، فانكشف الحجاج حتى عبر السيب - وكان قد عقده - ودخل ابن الأشعث عسكره فانتهب ما فيه. فقيل له: لو اتبعته؟ فقال: قد تعبنا ونصبنا، فرجع إلى عسكره فألقى أصحابه السلاح، وباتوا آمنين في أنفسهم لهم الظفر. وهم القوم عليهم نصف الليل يصيحون بشعارهم، فجعل الرجل من أصحاب ابن الأشعث لا يدري أين يتوجه! دجيل عن يساره ودجلة أمامه، ولها جرف منكر، فكان من غرق أكثر ممن قتل. وسمع الحجاج الصوت فعبر السيب إلى عسكره، ثم وجه خيله إلى القوم فالتقى العسكران على عسكر ابن الأشعث، وانحز في ثلثمائة، فمضى على شاطئ دجلة حتى أتى دجيلًا فعبره في السفن، وعقروا دوابهم، وانحدروا في السغن إلى البصرة، ودخل الحجاج عسكرهم فانتهب ما فيه، وجعل يقتل من وجد حتى قتل أربعة آلاف؛ فيقال: إن فيمن قتل عبد الله ابن شداد بن الهاد؛ وقتل بسطام بن مصقلة بن هبيرة، وعمر ابن ضبيعة الرقاشي، وبشر بن المنذر بن الجارود والحكم بن مخرمة العبديين، وبكير بن ربيعة بن ثروان الضبي؛ فأتى الحجاج برؤوسهم على ترس، فجعل ينظر إلى رأس بسطام ويتمثل:
    إذا مررت بوادي حية ذكر ** فاذهب ودعني أقاسي حية الوادي
    ثم نظر إلى رأس بكير، فقال: ما ألقى هذا الشقي مع هؤلاء. خذ بإذنه يل غلام فألقه عنهم. ثم قال: ضع هذا الترس بين يدي مسمع بن مالك ابن مسمع، فوضع بين يديه، فبكى، فقال له الحجاج: ما أبكاك؟ أحزنًا عليهم؟ قال: بل جزعًا لهم من النار.
    ذكر خبر بناء مدينة واسط

    وفي هذه السنة بنى الحجاج واسطًا، وكان سبب بنائه ذلك - فيما ذكر - أن الحجاج ضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان، فعسكروا بحمام عمر. وكان فتى من أهل الكوفة من بني أسد حديث عهد بعرس بابنه عم له، انصرف من العسكر إلى ابنة عمه ليلًا، فطرق الباب طارق ودق دقًا شديدًا، فإذا سكران من أهل الشام، فقالت للرجل ابنة عمه: لقد لقينا من هذا الشامي شرًا، يفعل بنا كل ليلة ما ترى، يريد المكروه، وقد شكوته إلى مشيخة أصحابه وعرفوا ذلك فقال: إذنوا له، ففعلوا فأغلق الباب وقد كانت المرأة نجدت منزلها وطيبته، فقال الشامي: قد آن لكم، فاستقنأه الأسدي فأندر رأسه، فلما أذن بالفجر خرج الرجل إلى العسكر وقال لامرأته إذا صليت الفجر فابعثي إلى الشاميين أن أخرجوا صاحبكم، فسيأتون بك الحجاج، فاصدقيه الخبر على وجهه؛ ففعلت، ورفع القتيل إلى الحجاج، وأدخلت المرأة عليه وعنده عنبسة ابن سعيد على سريره، فقال لها: ما خطبك؟ فأخبرته، فقال: صدقتني. ثم قال لولاية الشامي إدفنوا صاحبكم فإنه قتيل الله إلى النار، لا قود له ولا عقل، ثم نادى مناديه: لا ينزلن أحد على أحد، واخرجوا فعسكروا. وبعث روادًا يرتادون له منزلًا، وأمعن حتى نزل أطراف كسكر، فبينا هو في موضع واسط إذا راهب قد أقبل على حمار له وعبر دجلة، فلما كان في موضع واسط تفاجت الآتان فبالت، فنزل الراهب، فاحتفر ذلك البول، ثم احتمله فرمى به في دجلة، وذلك بعين الحجاج، فقال: علي به، فأتى به، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الوضع مسجد يعبد الله فيه ما دام في الأرض أحد يوحده. فاختط الحجاج مدينة واسط، وبنى المسجد في ذلك الموضع. وفي هذه السنة عزل عبد الملك - فيما قال الواقدي - عن المدينة أبان بن عثمان، واستعمل عليها هشام بن إسماعيل المخزومي.
    وحج بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل، حدثني بذلك أحمد ابن ثابت، عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر وكان العمال في هذه السنة على الأمصار سوى المدينة هم العمال الذين كانوا عليها في السنة التي قبلها؛ وأما المدينة فقد ذكرنا من كان عليها فيها
    ثم دخلت سنة أربع وثمانين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث

    ففيها كانت غزوة عبد الله بن عبد الملك بن مروان الروم، ففتح فيها المصيصة، كذلك ذكر الواقدي.
    خبر قتل الحجاج أيوب بن القرية

    وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية، وكان ممن كان مع ابن الأشعث. وكتان سبب قتله إياه - فيما ذكر - أنه كان يدخل على حوشب بن يزيد بعد انصرافه من دير الجماجم - وحوشب على الكوفة عامل للحجاج - فيقول حوشب: انظروا إلى هذا الواقف معي، وغدًا أو بعد غد يأتي كتاب من الأمير لا أستطيع إلا نفاذه، فبينا هو ذات يوم واقف إذ آتاه كتاب من الحجاج: اما بعد، فإنك قد صرت كهفًا لمنافقي أهل العراق ومأوى، فإذا نظرت في كتابي هذا فابعث إلي بابن القرية مشدودة يده إلى عنقه، مع ثقة من قبلك. فلما قرأ حوشب الكتاب رمى به إليه، فقرأه فقال: سمعًا وطاعة؛ فبعث به إلى الحجاج موثقًا، فلما دخل الحجاج قال له: يا بن القرية، ما أعددت لهذا الموقف؟ قال: أصلح الله الأمير! ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف، دنيا، وآخرة، ومعروف. قال: إخرج مما قلت، قال: أفعل، أما الدنيا فمال الحاضر، يأكل منه البر والفاجر، وأما الآخرة فميزان عادل ومشهد ليس فيه باطل، وأما المعروف فإن كان علي اعترفت، وإن كان لي إغترفت. قال: إما لا فاعترف بالسيف إذا وقع بك. قال: أصلح الله الأمير! أقلني عشرتي، وأسغني رقيقي؛ فإنه ليس جواد إلا له كبوة، ولا شجاع إلا هبوة. قال الحجاج: كلا والله لأرينك جهنم، قال: فأرحني فإني أجد جرها، قال: قدمه يا حرسي فاضرب عنقه، فلما نظر إليه الحجاج يتشحط في دمه قال: لو كنا تركنا ابن القرية حتى نسمع من كلامه! ثم أمر به فاخرج فرمى به. قال هشام: قال عوانة: حين منع الحجاج من الكلام ابن قرية، قال له ابن القرية: أما والله لو كنت أنا وأنت على السواء لسكنا جميعًا، أو لألفيت منيعًا.
    فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس

    وفي هذه السنة فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس. ذكر سبب فتحه إياها: ذكر علي بن محمد، عن المضل بن محمد، قال: كان نيزك ينزل بقلعة باذغيس، فتحين يزيد عزوه، ووضع عليه العيون، فبلغه خروجه، فخالفه يزيد إليها، وبلغ نيزك فرجع، فصالحه على أن يدفع إليه ما في القلعة من الخزائن، ويرتحل عنها بعياله، فقال كعب بن معدان الأشقري:
    وباذغيس التي من حل ذروتها ** عز الملوك فإن شا جار أو ظلما
    منعة لم يكدها قبله ملك ** إلا إذا واجهت جيشًا له وجما
    تخال نيرانها من بعد منظرها ** بعض النجوم إذا ما ليلها عتما
    لما أطاف بها ضاقت صدورهم ** حتى أقروا له بالحكم فاحتكما
    فذل ساكنها من بعد عزته ** يعطي الجزية عارفًا بالذل مهتضما
    وبعد ذلك أيامًا نعددها ** وقبلها ما كشفت الكرب والظلما
    أعطاك ذاك ولى الرزق يقسمه ** بين الخلائق والمحروم من حرما
    يداك إحداهما تسقي العدو بها ** سمًا وأخرى نداها لم يزل ديما
    فهل كسيب يزيد أو كنائله ** إلا الفرات وإلا النيل حين طما
    ليسا بأجود منه حين مدهما ** إذ يعلوان حداب الأرض والأكما
    وقال:
    ثنائي على حي العتيك بأنها ** كرام مقارها، كرام نصابها
    إذا عقدوا للجار حل بنجوة ** عزيز مراقيها، منيع هضابها
    نفى نيزكًا عن باذغيس ونيزك ** بمنزلة أعيا الملوك أغتصابها
    محلقة دون السماء كأنها ** غمامة صيف زل عنها سحابها
    ولا يبلغ الأروى شماريخها العلا ** ولا الطير إلا نسرها وعقابها
    وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ** ولا نبحت إلا النجوم كلابها
    تمنيت أن ألقي العتيك ذوي النهى ** مصلة تحمى بملك ركابها
    كما يتمنى صاحب الحرث أعطشت ** مزارعه غيثًا غزيرًا ربابها
    فأسقى بعد اليأس حتى تحيرت ** جداولها ريًا وعب عبابها
    لقد جمع الله النوى وتشعبت ** شعوب من الآفاق شتى مآبها
    قال: وكان نيزك يعظم القلعة إذا رآها سجد لها. وكتب يزيد بن المهلب إلى الحجاج بالفتح، وكانت كتب يزيد إلى الحجاج يكتبها يحيى بن يعمر العدواني، وكان حليفًا لهذيل، فكتب: إن لقينا العدو فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة، وأسرنا طائفة، ولحقت طائفة برؤوس الجبال وعراعر الأودية، وأهضام الغيطان وأثناء الأنهار؛ فقال الحجاج: من يكتب ليزيد؟ فقيل: يحيى بن يعمر، فكتب إلى يزيد فحمله على البريد، فقدم عليه أفصح الناس، حفظت كلام أبي وكان فصيحًا. قال: من هناك فأخبرني هل يلحن عنبس ين سعيد؟ قال: نعم كثيرًا، قال: ففلان؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عنى أألحن؟ قال: نعم تلحن لحنا خفيًا؛ تزيد حرفًا وتنقص حرفًا، وتجعل أن في موضع إن، وإن في موضع أن. قال: قد أجلتك ثلاثًا، فإن أجدك بعد ثلاث بأرض العراق قتلتك. فرجع إلى خراسان. وحج بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل المخزومي، كذلك حدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها الذين سميت قبل في سنة ثلاث وثمانين.
    ثم دخلت سنة خمس وثمانين

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 485
    Array

    ذكر ما فيها من الأحداث

    خبر هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث

    ففيها كان هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ذكر السبب الذي به هلك، وكيف كان: ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: لما انصرف ابن الأشعث من هراة راجعًا إلى رتبيل كان معه رجل من أود يقال له علقمة بن عمرو، فقال له: ما أريد أن أدخل معك؛ فقال له عبد الرحمن: لم؟ قال: لأني أتخوف عليك وعلى من معك، والله لكأني بكتاب الحجاج قد جاء، فوقع إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلمًا أو قتلكم. ولكن هنا خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينة فنتحصن فيها، ونقاتل حتى نعطى أمانًا أو نموت كرامًا. فقال له عبد الرحمن: أما لو دخلت معي لآسيتك وأكرمتك، فأبى عليه علقمة، ودخل عبد الرحمن بن محمد إلى رتبيل. وخرج هؤلاء الخمسمائة فبعثوا عليهم مودودًا النضري، وأقاموا حتى قدم عليهم عمارة بن تميم اللخمي فحاصرهم، فقاتلوه وامتنعوا منه حتى آمنهم، فخرجوا إليه فوفى لهم. قال: وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في عبد الرحمن بن محمد أن ابعث به إلي، وإلا فوالذي لا إله إلا هو لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل. وكان عند رتبيل رجل من بني تميم ثم من بني يربوع يقال له عبيد بن أبي سبيع، فقال لرتبيل: أنا آخذ لك من الحجاج عهدًا ليكفن الخراج عن أرضك سبع سنين على أن تدفع إليه عبد الرحمن بن محمد، قال رتبيل لعبيد: فإن فعلت فإن لك عندي ما سألت. فكتب إلى الحجاج يخبره أن رتبيل لا يعصيه، وأنه لن يدع رتبيل حتى بعث إليه بعبد الرحمن بن محمد، فأعطاه الحجاج على ذلك مالًا وأخذ من رتبيل عليه مالًا، وبعث رتبيل برأس عبد الرحمن بن محمد إلى الحجاج، وترك له الصلح الذي كان يأخذه منه سبع سنين. وكان الحجاج يقول: بعث إلى رتبيل بعدو الله. فألقى نفسه من فوق إجار فمات. قال أبو مخنف: وحدثني سليمان بن أبي راشد. أنه سمع مليكة ابنة يزيد تقول: والله لما مات عبد الرحمن وإن رأسه لعلى فخذي، كان السل قد أصابه. فلما مات وأرادوا دفنه بعث إليه رتبيل فحز رأسه، فبعث به إلى الحجاج، وأخذ ثمانية رجلًا من آل الأشعث فحبسهم عنده، وترك جميع من كان معه من أصحابه. وكتب إليه الحجاج بأخذه الثمانية عشر رجلًا من أهل بيت عبد الرحمن، فكتب إليه: أن اضرب رقابهم، وابعث إلي برؤوسهم، وكره أن يؤتى بهم إليه أحياء فيطلب فيهم إلى عبد الملك، فيترك منهم أحدًا. وقد قيل في أمر بن أبي سبيع وابن الأشعث غير ما ذكرت عن أبي مخنف، وذلك ما ذكر عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه كان يقول: زعم أن عمارة بن تميم خرج من كرمان فأتى سجستان وعليها رجل من بني العنبر يدعى مودودًا، فحصره ثم آمنه، ثم استولى على سجستان، وأرسل إلى رتبيل. وكتب إليه الحجاج: أما بعد، فإني قد بعثت إليك عمارة بن تميم في ثلاثين ألفًا من أهل الشام لم يخلفوا طاعة، ولم يخلعوا خليفة، ولم يتبعوا إمام ضلالة، يجري على كل رجل منهم في كل شهر مائة درهم، يستطعمون الحرب استطعامًا، يطلبون ابن الأشعث. فأبى رتبيل أن يسلمه. وكان مع ابن الأشعث عبيد بن أبي سبيع التميمي قد خص به، وكان رسوله إلى رتبيل، فخص بريتبيل أيضاُ، وخف عليه. فقال القاسم ابن محمد بن الأشعث لأخيه عبد الرحمن: إني لا آمن غدر التميمي، فأقتله، فهم به، وبلغ ابن أبي سبيع، فخافه فوشى به إلى رتبيل، وخوفه الحجاج، ودعاه إلى الغدر بابن الأشعث فأجابه، فخرج سرًا إلى عمارة بن تميم، فاستعجل في ابن الأشعث، فجعل له ألف ألف، فأقام عنده، وكتب بذلك عمارة إلى الحجاج، فكتب إليه أن أعط عبيدًا ورتبيل ما سألاك واشترط، فاشترط رتبيل ألا تغزي بلاده عشر سنين، وأن يؤدي بعد العشر سنين قي كل سنة تسعمائة ألف، فأعطى رتبيل وعبيدًا ما سألا، وأرسل رتبيل إلى ابن الأشعث فأحضره وثلاثين من أهل بيته، وقد أعد لهم الجوامع والقيود، فألقى في عنقه جامعة، وفي عنق القاسم جامعة، وأرسل بهم إلى أدنى مسالح عمارة منه، وقل لجماعة من كان مع ابن الأشعث من الناس: تفرقوا إلى حيث شئتم، ولما قرب ابن الأشعث من عمارة ألقى نفسه من فوق قصر فمات، فاحتز رأسه، فأتى به وبالأسرى عمارة، فضرب أعناقهم، وأرسل برأس ابن الأشعث وبرؤوس أهله وبامرأته إلى الحجاج، فقال في ذلك بعض الشعراء:
    هيهات موضع جثة من رأسها ** رأس بمصر وجثة بالرخج
    وكان الحجاج أرسل به إلى عبد الملك، فأرسل به إلى عبد الملك إلى عبد العزيز وهو يومئذ على مصر. وذكر عمر بن شبة أن ابن عائشة حدثه قال: أخبرني سعد بن عبيد الله قال: لما أتاني عبد الملك برأس ابن الأشعث أرسل به مع خصي إلى امرأة منهم كانت تحت رجل من قريش، فلما وضع بين يديها قالت: مرحبًا بزائر لايتكلم؛ ملك من الملوك طلب ما هو أهله فأيت المقادير. فذهب الخصي يأخذ الرأس فاجتذبته من يده، قالت: لا والله حتى أبلغ حاجتي، ثم دعت بخطمي فغلته وغلفته ثم قالت: شأنك به الآن. فأخذه، ثم أخبر عبد الملك، فلما دخل عليه زوجها، قال: إن استطعت أن تصيب منها سخلة. وذكر أن ابن الأشعث نظر إلى رجل من أصحابه وهو هارب إلى بلاد رتبيل فتمثل:
    يطرده الخوف فهم تائه ** كذاك من يكره حر الجلاد
    منخرق الخفين يشكو الوجا ** تنكبه أطراف مرو حداد
    قد كان في الموت له راحة ** والموت حتم في رقاب العباد
    فالتفت إليه فقال: يالحية، هلا ثبت في موطن من المواطن فنموت بين يديك، فكان خيرًا مما صرت إليه! قال هشام: قال أبو مخنف: خرج الحجاج في أيامه تلك يسير ومعه حميد الأرقط وهو يقول:
    مازال يبني خندقًا ويهدمه ** عن عسكر يقوده فيسلمه
    حتى يصير في يديك مقسمه ** هيهات من مصفه منهزمه
    إن أخ الكظاظ من لا يسأمه
    فقال الحجاج: هذا أصدق من قول الفاسق أعشى همدان:
    نبئت أن بني يو ** سف خر من زلق فتبًا
    قد تبين له من زلق وتب ودحض فانكب، وخاف وخاب، وشك وارتاب؛ ورفع صوته فما أبقى أحد إلا فزع لغضبه، وسكت الأرقط، فقال له الحجاج: عد فيما كنت فيه، مالك يا أرقط! قال: إني جعلت فداك أيها الأمير وسلطان الله عزيز، ما هو إلا أن رأيتك غضب فأرعدت خصائلي، واجزألت مفاصلي، واظلم بصري، ودالات بي الأرض. قال له الحجاج: أجل، إن سلطان الله عزيز، عد فيما كنت فيه، ففعل. وقال الحجاج وهو ذات يموم يسير معه زياد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو أعور، فقال الحجاج للأريقط: كيف قلت لابن سمرة؟ قال: قلت:
    يا أعور العين فديت العورا ** كنت حبست الخندق المحفورا
    يرد عنك القدر المقدورا ** ودائرات السوء أن تدورا
    وقد قيل: أن مهلك عبد الرحمن بن محمد كان في سنة أربع وثمانين.
    عزل يزيد بن المهلب عن خراسان

    وفي هذه السنة عزل الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب عن خراسان وولاها المفضل بن المهلب أخا يزيد. ذكر السبب الذي من أجله عزله الحجاج عن خراسان واستعمل المفضل: ذكر علبي بن محمد، عن المفضل بن محمد، أن الحجاج وفد إلى عبد الملك، فمر في منصرفه بدير فنزله، فقيل له: إن في هذا الدير شيخًا من أهل الكتب عالمًا، فدعا به فقال: يا شيخ، هل تجدون في كتبكم ما أنتم فيه ونحن؟ قال: نعم، نجد ما مضى من أمركم وما أنتم فيه وما هو كائن؛ قال: أفمسمي كان أم موصوفًا؟ قال: كل ذلك؛ موصوف بغير اسم، واسم بغير صفة، قال: فما تجدون صفة أمير المؤمنين؟ قال: نجده في زماننا الذي نحن فيه؛ مللك أقرع، من يقم لسبيله يصرع، قال: ثم من؟ قال: اسم رجل يقال له الوليد، قال: ثم ماذا؟ قال: رجل اسمه اسم نبي يفتح على الناس، قال: أتعرفني؟ قال: قد أخبرت بك. قال: أفتعلم ما ألي؟ قال: نعم، قال: فمنيليه بعدي؟ قال: رجل يقال له يزيد، قال: في حياتي أم بعد موتي؟ قال: لا أدري، قال: أفتعرف صفته؟ قال: يغدر غدرة؛ لا أعرف غير هذا. قال: فوقع في نفسه يزيد بن المهلب، وارتحل فسار سبعًا وهو وجل من قول الشيخ؛ وقدم فكتب إلى عبد الملك يستعفيه من العراق، فكتب إليه: يا بن أم الحجاج، قد علمت الذي تغزو، وأنك تريد أن تعلم رأيي فيك، ولعمري إني لأرى مكان نافع بن علقمة، فاله عن هذا حتى يأتي الله بما هو آت؛ فقال الفرزدق تذكر مسيره:
    لو أن طيرًا كلفت مثل سيره ** إلى واسط من إيلياء لملت
    سرى بالمهاري من فلسطين بعدما ** دنا الليل من شمس النهار فولت
    فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها ** بميسان قد ملت سراها وكلت
    كأن قطاميًا على الرحل طاويًا ** إذا غمرة الظلماء عنه تجلت
    قال فبينا الحجاج يومًا خال إذ دعا عبيد بن موهب، فدخل وهو ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: ويحك يا عبيد! إن أهل الكتب يذكرون أن ما تحت يدي يليه رجل يقال له يزيد، وقد تذكرت يزيد بن أبي كبشة، ويزيد بن حصين بن نمير، ويزيد بن دينار، فليسوا هناك، وما هو إن كان إلا يزيد بن المهلب؛ فقال عبيد: لقد شرفتهم وأعظمت ولا يتهم، وإن لهم لعددًا وجلدًا، وطاعة وحظًا، فأخلق به، فأجمع على عزل يزيد فلم يجد له شيئًا حتى قدم الخيار بن أبي سبرة بن ذؤيب بن عرفجة بن محمد بن سفيان بن مجاشع - وكان من فرسان المهلب - وكان مع يزيد - فقال له الحجاج: أخبرني عن يزيد، قال: حسن الطاعة، لين السيرة، قال: كذبت، أصدقني عنه، قال: الله أجل وأعظم، قد أسرج ولم يلجم، قال: صدقت، واستعمل الخيار على عمان بعد ذلك قال: ثم كتب إلى عبد الملك يذم يزيد وآل المهلب بالزبيرية، فكتب إليه عبد الملك: إني لا أرى نقصًا بآل المهلب طاعتهم لآل الزبير، بل أراه وفاء منهم لهم، وإن وفاءهم يدعوهم إلى الوفاء لي، فكتب إليه الحجاج يخوفه غدرهم لما أخبره به الشيخ. فكتب إليه عبد الملك: قد أكثرت في يزيد وآل المهلب، فسم لي رجلًا يصلح لخراسان؛ فسمى له مجاعة بن سعر السعدي، فكتب إليه عبد الملك: إن رأيك الذي دعاك إلى استفساد آل المهلب هو الذي دعاك إلى مجاعة بن سعر، فانظر لي رجلًا صارمًا، ماضيًا لأمرك، فسمى قتيبة بن مسلم، فكتب إليه: وله وبلغ يزيد أن الحجاج عزله، فقال لأهل بيته: من ترون الحجاج يولى خراسان؟ قالوا: رجلا من ثقيف، قال: كلا، ولكنه يكتب إلى رجل منكم بعهده، فإذا قدمت عليه عزله وولى رجلًا من قيس، وأخلق بقتيبة! قال: فلما أذن عبد الملك للحجاج في عزل يزيد كره أن يكتب إليه بعزله، فكتب إليه أن استخلف المفضل وأقبل، فاستشار يزيد حضين بن المنذر، فقال له: أقمم واعتل، فإن أمير المؤمنين حسن الرأي فيك، وإنما أتيت من الحجاج، فإن أقمت ولم تعجل رجوت أن يكتب إليه أن يقر يزيد، قال: إنا أهل بيت بورك لنا في الطاعة، وأنا أكره المعصية والخلاف؛ فأخذ في الجهاز، وأبطأ ذلك على الحجاج، فكتب إلى المفضل: إني قد وليتك خراسان، فعجل المفضل يستحث يزيد، فقال له يزيد: إن الحجاج لا يقرك بعدي، وإنما دعاه إلى ما صنع مخافة أن أمتنع عليه، قال: بل حسدتني، قال يزيد: يا بن بهلة، أنا أحسدك! ستعلم. وخرج يزيد في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين. فعزل الحجاج المفضل، فقال الشاعر للمفضل وعبد الملك وهو أخوه لأمه:
    يا بني بهلة إنما أخزاكما ** ربي غداة غدا الهمام الأزهر
    أحفرتم لأخيكم فوقعتم ** في قعر مظلمة أخوها المعور
    جودوا بتوبة مخلصين فإنما ** يأبى ويأنف أن يتوب الأخسر
    وقال حضين ليزيد:
    أمرتك أمرًا حازمًا فعصيتني ** فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
    فما أنا بالباكي عليك صبابة ** وما أنا بالداعي لترجع سالما
    فلما قدم قتيبة خراسان قال لحضين: كيف قلت ليزيد؟ قال: قلت:
    أمرتك أمرًا حازمًا فعصيتني ** فنفسك أول اللوم إن كنت لائما
    فإن يبلغ الحجاج أن قد عصيته ** فإنك تلقى أمره متفاقما
    قال: فماذا أمرته به فعصاك؟ قال: أمرته ألا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير، فقال رجل لعياض بن حضين: أما أبوك فوجده قتيبة حين فره قارحًا بقوله: " أمرته ألا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير " قال علي: حدثنا كليب بن خلف، قال: كتب الحجاج إلى يزيد أن اغز خوارزم، فكتب إليه: أيها الأمير، إنها قليلة السلب، شديدة الكلب. فكتب إليه الحجاج: استخلف واقدم، فكتب إليه: إني أريد أن أغزو خوارزم فكتب إليه: لا تغزها فإنها كما وصفت؛ فغزا ولم يطعه، فصالحه أهل خوارزم، وأصاب سبيًا مما صالحوه، وقفل في الشتاء، فاشتد عليهم البرد، فأخذ الناس ثياب الأسرى فلبسوها، فمات ذلك السبي من البرد. قال: ونزل يزيد بلستانة، وأصاب أهل مرو الروذ طاعون ذلك العام، فكتب إليه الحجاج: أن اقدم، فقدم، فلم يمر ببلد إلا فرشوا له الرياحين. وكان يزيد ولي سنة اثنتين وثمانين، وعزل سنة خمس وثمانين، وخرج من خراسان في ربيع الآخر سنة خمس وثمانين، وولى قتيبة وأما هشام بن محمد، فإنه ذكر عن أبي مخنف في عزل الحجاج يزيد عن خراسان سببًا غير الذي ذكره علي بن محمد، والذي ذكر من ذلك عن أبي مخنف أن أبا المخارق الراسبي وغيره حدثوه أن الحجاج لم يكن له حين فرغ من عبد الرحمن بن محمد هم إلا يزيد ين المهلب وأهل بيته - وقد كان الحجاج أذل أهل العراق كلهم إلا يزيد وأهل بيته ومن معهم من أهل المصرين بخراسان، ولم يكن يتخوف بعد عبد الرحمن بن محمد بالعراق غير يزيد بن المهلب - فأخذ الحجاج في مواربة يزيد ليسبخرجه من خراسان، فكان يبعث إليه يلأتيه، فيعتل عليه بالعدو وحرب خراسان، فمكث بذلك حتى كان آخر سلطان عبد الملك، ثم إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يشير عليه بعزل يزيد بن المهلب، ويخبره بطاعة آل المهلب لا بن الزبير، وأنه لا وفاء لهم؛ فكتب إليه عبد الملك: إني لا أرى تقصيرًا بولد المهلب طاعتهم لآل الزبير ووفاءهم لهم، فإن طاعتهم ووفاءهم لهم، هو دعاهم إلى طاعتي والوفاء لي. ثم ذكر بقية الخبر نحو الذي ذكره علي بن محمد،
    غزو المفضل باذغيس وأخرون

    وفي هذه السنة غزا المفضل باذغيس ففتحها.
    ذكر الخبر عن ذلك
    ذكر علي بن محمد، عن المفضل بن محمد، قال: عزل الحجاج يزيد، وكتب إلى المفضل بولايته على خراسان سنة خمس وثمانين، فوليها تسعة أشهر، فغزا باذغيس ففتحها وأصاب مغنمًا، فقسمه بين الناس، فأصاب كل رجل منهم ثمانمائة درهم، ثم غزا خرون وشومان، فظفر وغنم، وقسم ما أصاب بين الناس. ولم يكن للمفضل بيت مال، كان يعطي الناس كلما جاءه شيء. وإن غنم شيئًا قسمه بينهم، فقال كعب الأشقري يمدح المفضل:
    ترى ذا الغنى والفقر من كل معشر ** عصائب شتى ينتوون المفضلا
    فمن زائر يرجو فواضل سيبه ** وآخر يقضى حاجة قد ترحلا
    إذا ما انتوينا غير أرضك لم نجد ** بها منتوى خيرًا ولا متعللا
    إذا ما عددنا الأكرمين ذوي النهى ** وقد قدموا من صالح كنت أولا
    لعمري لقد صال المفضل صولة ** أباحت بشومان المناهل والكلا
    ويوم ابن عباس تناولت مثلها ** فكانت لنا بين الفريقين فيضلا
    صفت لك أخلاق المهلب كلها ** وسربلت من مسعاته ما تسربلا
    أبوك الذي لم يسع ساع كسعيه ** فأورث مجدًا لم يكن متنحلا


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 485
    Array

    خبر مقتل موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ

    وفي هذه السنة قتل موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بالترمذ ذكر سبب قتله ومصيره إلى الترمذ حتى قتل بها: ذكر أن سبب مصيره إلى الترمذ كان أن أباه عبد الله بن خازم لما قتل من قتل من بني تميم بفرتنا - وقد مضى ذكري خبر قتله إياهم - تفرق عنه عظم من كان بقي معه منهم، فخرج إلى نيسابور وخاف بني تميم على ثقله بمرو، فقال لابنه موسى: حول ثقلي عن مرو، واقطع نهر بلخ حتى تلجأ إلى بعض الملوك أو إلى حصن تقيم فيه. فشخص موسى من مرو في عشرين ومائتي فارس، فأتى آمل وقد ضوى إليه قوم من الصعاليك، فصار في أربعمائة، وانضم إليه رجال من بني سليم، منهم زرعة بن علقمة فأتى زم فقاتلوه، فظفر بهم وأصاب مالا، وقطع النهر، فأتى بخارى فسأل صاحبها أن يلجأ إليه، فأبى وخافه، وقال: رجل فاتك، وأصحابه مثله أصحاب حرب وشر، فلا آمنه. وبعث إليه بصلة عين ودواب وكسوة، ونزل على عظيم من عظماء أهل بخارى في نوقان، فقال له: إنه لا خير في المقام في هذه البلاد، وقد هابك القوم وهم لا يأمنونك. فأقام عند دهقان نوقان أشهرًا، ثم خرج يلتمس ملكا يلجأ إليه أو حصنًا، فلم يأت بلدًا إلا كرهوا مقامه فيهم، وسألوه أن يخرج عنهم. قال علي بن محمد: فأتى سمرقند فأقام بها، وأكرمه طرخون ملكها، وأذن له في المقام، فأقام ما شاء الله، ولأهل الصغد مائدة يوضع عليها لحم ودك وخبز وإبريق شراب، وذلك في كل عام يومًا، يجعل ذلك لفارس الصغد فلا يقر به أحد غيره، هو طعامه في ذلك اليوم، فإن أكل منه أحد غيره بارزه فأيهما قتل صاحبه فالمائدة له، فقال رجل من أصحاب موسى: ما هذه المائدة؟ فأخبر عنها، فسكت، فقال صاحب موسى: لأكلن ما على هذه المائدة، ولأبارزن فارس الصغد، فإن قتلته كنت فارسهم فجلس فأكل ما عليها، وقيل لصاحب المائدة، فجاء معضبًا، فقال: يا عربي، بارزني، قال: نعم، وهل أريد إلا المبارزة! فبارزه فقتله صاحب موسى، فقال ملك الصغد: أنزلتكم وأكرمتكم فقتلتم فارس الصغد! لو لا أني أعطيتك وأصحابك الآمان لقتلتكم، اخرجوا عن بلدي، ووصله. فخرج موسى فأتى كس فكتب صاحب كس إلى طرخون يستنصره، فأتاه، فخرج إليه موسى في سبعمائة فقاتلهم حتى أمسوا، وتحاجزوا وبأصحاب موسى جراح كثيرة، فلما أصبحوا أمرهم موسى فحلقوا رءوسهم كما يصنع الخوارج، وقطعوا صفينات أخبيتهم كما يصنع العجم إذا استماتوا وقال موسى لزرعة بن علقمة: انطلق إلى طرخون فاحتل له. فأتاه، فقال له طرخون: لم صنع أصحابك ما صنعوا؟ قال: استقتلوا فما حاجتك إلى أن تقتل أيها الملك موسى وتقتل! فإنك لا تصل إليه حتى بقتل مثل عدتهم منكم، ولو قتلته وإياهم جميعًا ما نلت حظًا، لأن له قدرًا في العرب، فلا يلي أحد خراسان إلا طالبك بدمه، فإن سلمت من واحد لم تسلم من آخر؛ قال: ليس إلى ترك كس في يده سبيل؛ قال: فكف عنه حتى يرتحل، فكف وأتى موسى الترمذ وبها حصن يشرف على النهر إلى جانب منه، فنزل موسى على بعض دهاقين الترمذ خارجًا من الحصن والدهقان مجانب لتر مذشاه، فقال لموسى: إن صاحب الترمذ متكرم شديد الحياء، فإن ألطفته وأهديت إليه أدخلك حصنه، فإنه ضعيف، قال: كلا، ولكني أسأله أن يدخلني حصنه، فسأله فأبى، فما كره موسى وأهدى له وألطفه، حتى لطف الذي بينهما، وخرج فتصيد معه، وكثر إلطاف موسى له، فصنع صاحب الترمذ طعامًا وأرسل إليه: إني أحب أن أكرمك، فتغد عندي، وائتني في مائة من أصحابك، فانتخب موسى من أصحابه مائةً، فدخلوا على خيولهم، فلما صارت في المدينة تصاهلت، فتطير أهل الترمذ وقالوا لهم: انزلوا، فنزلوا، فأدخلوا بينًا، خمسين في خمسين، وغدوهم، فلما فرغوا من الغداء اضطجع موسى، فقالوا له: اخرج، قال: لا أصيب منزلا مثل هذا، فلست بخارج منه حتى يكون بيتي أو قبري، وقاتلوهم في المدينة، فقتل من أهل الترمذ عدة، وهرب الأخرون فدخلوا منازلهم، وغلب موسى على المدينة، وقال لترمذ شاه: اخرج فإني لست أعرض لك ولا لأحد من أصحابك. فخرج الملك وأهل المدينة فأتوا الترك يستنصرونهم، فقالوا: دخل إليكم مائة رجل أخرجوكم عن بلادكم، وقد قاتلناهم بكس، فنحن لا نقاتل هؤلاء. فأقام ابن خازم بالترمذ، ودخل إليه أصحابه، وكانوا سبعمائة، فأقام، فلما قتل أبوه انضم إليه من أصحاب أبيه أربعمائة فارس، فقوى، فكان يخرج فيغير على من حوله. قال: فأرسل الترك قومًا إلى أصحاب موسى ليعلموا علمه، فلما قدموا قال موسى لأصحابه: لا بد من مكيدة لهؤلاء - قال: وذلك في أشد الحر - فأمر بنار فأججت، وأمر أصحابه فلبسوا ثياب الشتاء، ولبسوا فوقها لبودًا، ومدوا أيديهم إلى النار كأنهم يصطلون. وأذن موسى للترك فدخلوا، ففزعوا مما رأوا، وقالوا: لم صنعتم هذا؟ قالوا: نجد البرد في هذا الوقت، ونجد الحر في الشتاء، فرجعوا وقالوا: جن لا نقاتلهم، قال: وأراد صاحب الترك أن يغزو موسى، فوجه إليه رسلا، وبعث بسم ونشاب في مسك، وإنما أراد بالسم أن حربهم شديدة، والنشاب الحرب، والمسك السلم، فاختر الحرب أو السلم، فأحرق السم، وكسر النشاب، ونثر المسك، فقال القوم: لم يريدوا الصلح، وأخبر أن حربهم مثل النار، وإنه يكسرنا، فلم يغزهم، قال: فولى بكير بن وشاح خراسان فلم يعرض له، ولم يوجه إليه أحدًا، ثم قدم أمية فسار بنفسه يريده، فخالفه بكير، وخلع، فرجع إلى مرو، فلما صالح أمية بكيرًا أقام عامة ذلك، فلما كان في قابل وجه إلى موسى رجلًا من خزاعة في جمع كثير، فعاد أهل الترمذ إلى الترك فاستنصروهم فأبوا، فقالوا لهم: قد غزاهم قوم منهم وحصروهم، فإن أعناهم عليهم ظفرنا بهم، فسارت الترك مع أهل الترمذ في جمع كثير، فأطاف بموسى الترك والخزاعي، فكان يقاتل الخزاعي أول النهار والترك آخر النهار، فقاتلهم شهرين أو ثلاثة، فقال موسى لعمرو بن خالد بن حصين الكلابي - وكان فارسًا: قد طال أمرنا وأمر هؤلاء، وقد أجمعت أن أبيت عسكر الخزاعي، فإنهم للبيات آمنون، فما ترى؟ قال: البيات نعما هو، وليكن ذلك بالعجم، فإن العرب أشد حذرًا، وأسرع فزعًا، وأجرًا على الليل من العجم، فبيتهم فإني أرجو أن ينصرنا الله عليهم، ثم ننفرد لقتال الخزاعي فنحن في حصن وهم بالعراء، وليسوا بأولى بالصبر، ولا أعلم بالحرب منا، قال: فاجمع موسى على بيات الترك، فلما ذهب من الليل ثلثه خرج في أربعامائة، وقال لعمرو بن خالد: أخرجوا بعدنا وكونوا منا قريبًا؛ فإذا سمعتم تكبيرنا فكبروا، أخذ على شاطئ النهر حتى ارتفع فوق العسكر، ثم أخذ من ناحية كفتان، فلما قرب من عسكرهم جعل أصحابه أرباعًا، ثم قال: أطيفوا بعسكرهم؛ فإذا سمعتم تكبيرنا فكبروا، وأقبل وقدم عمرًا بين يديه مشوا خلفه، فلما رأته أصحاب الأرصاد قالوا: من أنتم؟ قالوا: عابري سبيل. قال: فلما جازوا الرصد تفرقوا وأطافوا بالعسكر وكبروا، فلم يشعر الترك إلا بوقع السيوف، فثاروا يقتل بعضهم بعضًا وولوا، وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلًا، وحووا عسكرهم وأصابوا سلاحًا ومالًا، وأصبح الخزاعي وأصحابه قد كسرهم ذلك، وخافوا مثلها من البيات، فتحذروا فقال لموسى عمرو بن خالد: إنك لا تظفر إلا بمكيدة ولهم أمداد وهم يكثرون، فدعني آتهم لعلي أصيب من صاحبهم فرصة؛ إني إن خلوت به قتلته، فتناولني بضرب، قال: تتعجل الضرب وتتعرض للقتل! قال: أما التعرض للقتل فأنا كل يوم متعرض له، وأما الضرب فما أيسره في جنب ما أريد، فقناوله بضرب؛ ضربه خمسين سوطًا، فخرج من عسكر موسى فأتى عسكر الخزاعي مستأمنًا وقال: أنا رجل من أهل اليمن كنت مع عبد الله بن خازم، فلما قتل أتيت ابنه فلم أزل معه، وكنت أول من أتاه، فلما قدمت اتهمني، وتعصب على، وتنكر لي وقال لي: قد تعصبت لعدونا، فأنت عين له، فضربني، ولم آمن القتل، وقلت: ليس بعد الضرب إلا القتل، فهربت منه، فآمنه الخزاعي وأقام معه. قال: فدخل يومًا وهو خال ولم ير عنده سلاحًا، فقال كأنه ينصح له: أصلحك الله! إن مثلك في مثل حالك لا ينبغي أن يكون في حال من أحوال بغير سلاح، فقال: إن معي سلاحًا، فرفع صدر فراشه فإذا سيف منتضى، فتناوله عمرو فضربه فقتله، وخرج فركب فرسه، ونذروا به بعد ما أمعن، فطلبوه ففاتهم، فأتى موسى وتفرق ذلك الجيش، فقطع بعضهم النهر، وأتى بعضهم موسى مستأمنًا، فأمنه، فلم يوجه إليه أمية أحدًا قال: وعزل أمية، وقدم المهلب أميرًا، فلم يعرض لابن خازم، وقال لبنيه: إياكم وموسى، فإنكم لا تزالون ولاة ه هذا الثغر ما أقام هذا الثط بمكانه، فإن قتل كان أول طالع عليكم أميرًا على خراسان رجل من قيس، فمات المهلب ولم يوجه إليه أحدًا، ثم تولى يزيد بن المهلب فلم يعرض له، وكان المهلب ضرب حريث بن قطبة الخزاعي، فخرج هو وأخوه ثابت إلى موسى، فلما ولى يزيد بن المهلب أخذ أموالهما وحرمهما وقتل أخاهما لأمهما؛ الحارث بن منقذ، وقتل صهرًا لهما كانت عنده أم حفص ابنه ثابت، فبلغهما ما صنع يزيد. قال: فخرج ثابت إلى طرخون فشكل إليه ماصنع به - وكان ثابت محببًا في العجم، بعيد الصوت، يعظمونه ويثقون به، فكان الرجل منهم إذا أعطى عهدًا يريد الوفاء به حلف بحياة ثابت فلا يغدر - فعضب له طرخون وجمع له نيزك والسبل وأهل بخارى والصغانيان، فقدموا مع ثابت إلى موسى بن عبد الله، وقد سقط إلى موسى فل عبد الرحمن بن العباس من هراة، وفل ابن الأشعث من العراق ومن ناحية كابل، وقوم من بني تميم ممن كان يقاتل ابن خازم في الفتنة من أهل خراسان، فاجتمع إلى موسى ثمانية آلاف من تميم وقيس وربيعة واليمن، فقال له ثابت وحريث: سر تعطع النهر فتخرج يزيد ين المهلب عن خراسان؛ ونوليك، فإن طرخون ونيزك والسبل وأهل بخارى معك، فهم أن يفعل، فقال له أصحابه: إن ثابتًا وأخاه خائفان ليزيد، وإن أخرجت يزيد عن خراسان وأمنا توليا الأمر وغلباك على خراسان، فأقم مكانك. فقبل رأيهم، وأقام بالترمذ.
    وقال لثابت: إن أخرجنا يزيد قدم عامل لعبد الملك، ولكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر مما يلينا، وتكون هذه الناحية لنا نأكلها. فرضي ثابت بذلك، وأخرج من كان من عمال يزيد من وراء النهر، وحملت إليهم الأموال، وقوى أمرهم وأمر موسى، وانصرف طرخون ونيزك وأهل بخارى والسبل إلى بلادهم، وتدبير الأمر لحريث وثابت، والأمير موسى ليس له غير الاسم، فقال لموسى أصحابه: لسنا نرى من الأمر في يديك شيئًا أكثر من اسم الإمارة، فأما التدبير فلحريث وثابت، فاقتلهما وتول الأمر، فأبى وقال: ما كنت لأغدر بهما وقد قويا أمري، فحسدوهما وألحوا على موسى في أمرهما حتى أفسدوا قلبه، وخوفوه غدرهما، وهم بمتابعتهم على الوثوب بثابت وحريث. واضطرب أمرهم؛ فإنهم لفي ذلك إذ خرجت عليهم الهياطلة والتبت والترك، فأقبلوا في سبعين ألفًا لا يعدون الحاسر ولا صاحب بيضة جماء، ولا يعدون إلا صاحب بيضة ذات قونس، قال: فخرج ابن خازم إلى ربض المدينة في ثلثمائة راجل وثلاثين مجففًا، وألقي له كرسي فقعد عليه. قال: فأمر طرخون أن يثلم حائط الربض، فقال موسى: دعوهم، فهدموا ودخل أوائلهم، فقال: دعوهم يكثرون، وجعل يقلب طبرزينًا بيده، فلما كثروا قال: الآن امنعوهم، فركب وحمل عليهم فقاتلهم حتى أخرجهم عن الثلمة ثم رجع فجلس على الكرسي وذمر الملك أصحابه ليعودوا، فأبوا، فقال لفرسانه: هذا الشيطان، من سره أن ينظر إلى رسم فلينظر إلى صاحب الكرسي، فمن أبي فليقدم عليه. ثم تحولت الأعاجم إلى رستاق كفتان. قال: فأغاروا على سرح موسى، فاغنم ولم يطعم، وجعل يعبث بلحيته، فسار ليلا على نهر في حافتيه نبات لم يكن فيه ماء، وهو يفضي إلى خندقهم، في سبعمائة، فأصبحوا عند عسكرهم، وخرج السرح فأغار عليه فاستاقه، وأتبعه قوم منهم، فعطف عليه سوار، مولى لموسى، فطعن رجلًا منهم فصرعه، فرجعوا عنهم وسليم موسى بالسرح. قال: وغاداهم العجم القتال، فوقف ملكهم على تل في عشرة آلاف في أكمل عدة، فقال موسى: إن أزلتم هؤلاء فليس الباقون بشيء. فقصد لهم حريث بن قطبة فقاتلهم صدر النهار، وألح عليهم حتى أزالوهم عن التل، ورمى يومئذ حريث بنشابه في جبهته، فتحاجزوا، فبيتهم موسى، وحمل أخوه خازم بن عبد الله بن خازم حتى وصل إلى شمعة ملكهم، فوجأ رجلًا منهم بقبيعة سيفه، فطعن فرسه، فاحتمله فألقاه في نهر بلخ فغرق، وعليه درعان، فقتل العجم قتلًا ذريعًا، ونجا منهم من نجا بشر، ومات حريث بن قطبة بعد يومين، فدفن في قبته. قال: وارتحل موسى، وحملوا الرءوس إلى الترمذ، فبنوا من تلك الرءوس جوسفين، وجعلوا الرءوس يقابل بعضها بعضًا. وبلغ الحجاج خبر الواقعة، فقال: الحمد لله الذي نصر المنافقين على الكافرين، فقال أصحاب موسى: قد كفينا أمر حريث، فأرحنا من ثابت، فأبى وقال: لا. وبلغ ثابتًا بعض ما يخوضون فيه، فدس محمد بن عبد الله بن مرثد الخزاعي، عم نصر بن عبد الحميد عامل أبي مسلم على الري - وكان في خدمة موسى بن عبد الله - وقال له: إياك أن تتكلم بالعربية، وإن سألوك من أين أنت! فقل: من سبى الباميان، فكان يخدم موسى وينقل إلى ثابت خبرهم، فقال له: تحفظ ما يقولون. وحذر ثابت فكان لا ينام حتى يرجع الغلام، وأمر قومًا من شاكريته يحرسونه ويبيتون عنده في داره، ومعهم قوم من العرب، وألح القوم على موسى فأضجروه، فقال لهم ليلة: قد أكثرتم علي، وفيم تريدون هلاككم، وقد أبرمتموني! فعلى أي وجه تفتكون به، وأنا لا أغدر به! فقال نوح بن عبد الله أخو موسى: خلناه وإياه، فإذا غدا إليك غدوة عدلنا به إلى بعض الدور، فضربنا عنقه فيها قبل أن يصل إليك، قال: أما والله إنه لهلاككم، وأنتم أعلم - والغلام يسمع - فأتى ثابتًا فأخره، فخرج من ليلته في عشرين فارسًا، فمضى، وأصبحوا وقد ذهب يدروا من أين أوتوا وفقدوا الغلام، فعلموا انه كان عينًا له عليهم، ولحق ثابت بحشورا فنزل المدينة، وخرج إليه قوم كثير من العرب والعجم، فقال موسى لأصحابه: قد فتحتم على أنفسكم بابًا فسدوه. وسار إليه موسى، فخرج إليه ثابت في جمع كثير فقاتلهم، فأمر موسى بإحراق السور، وقاتلهم حتى ألجثوا ثابتًا وأصحابه إلى المدينة، وقاتلوهم عن المدينة. فأقبل رقبة بن الحر العنبري حتى اقتحم النار؛ فانتهى إلى باب المدينة ورجل من أصحاب ثابت واقف يحمي أصحابه، فقتله، ثم رجع فخاض النار وهي تلتهب، وقد أخذت بجوانب نمط عليه، فرمى به عنه ووقف، وتحصن ثابت في المدينة، وأقام موسى في الربض، وكان ثابت حين شخص إلى حشورا أرسل إلى طرخون، فأقبل طرخون معينًا له، وبلغ موسى مجيء طرخون، فرجع إلى الترمذ، وأعانه أهل كس ونسف وبخاري، فصار ثابت في ثمانين ألفًا، فحصروا موسى وقطعوا عنه المادة حتى جهدوا. قال: وكان أصحاب ثابت يعبرون نهرًا إلى موسى بالنهار - ثم يرجعون بالليل إلى عسكرهم، فخرج يومًا رقبة - وكان صديقًا لثابت، وقد كان ينهى أصحاب موسى عما صنعوا - فنادى ثابتًا، فبرز له - وعلى رقبة قباء خز - فقال له: كيف حالك يارقبة؟ فقال: ما تسأل عن رجل عليه جبة خز في حمارة القيظ! وشكى إليه حالهم، فقال: أنتم صنعتم هذا بأنفسكم، فقال: أما والله دخلت في أمرهم، ولقد كرهت ما أرادوا، فقال ثابت: أين تكون حتى يأتيك ما قدر لك؟ قال: أنا عند المحل الطفاوي - رجل من قيس من يعصر - وكان المحل شيخًا صاحب شراب - فنزل رقبة عنده. قال: فبعث ثابت إلى رقبة في خمسائة درهم مع علي بن المهاجر الخزاعي، وقال: إن لنا تجار قد خرجوا من بلخ، فإذا بلغ أنهم قد قدموا فأرسل إلي تأتك حاجتك. فأتى على باب المحل، فدخل فإذا رقبة والمحل جالسان بينهما جفنة فيها شراب، وخوان عليه دجاج وأرغفة، ورقبة شعث الرأس، متوشح بملحفة حمراء، فدفع إليه الكيس، وابلغه الرسالة وما كلمه، وتناول الكيس وقال له بيده، اخرج، ولم يكلمه. قال: وكان رقبة جسيمًا كبيرًا غائر العينين، ناتئ الوجنتين، مفلج، بين كل سنين له موضع سن، كان وجهه ترس. قال: فلما أضاق أصحاب موسى واشتد عليهم الحصار قال يزيد بن هزيل: إن مقام هؤلاء مع ثابت والقتل أحسن من الموت جوعًا، والله لأفتكن بثابت أو لأموتن. فخرج إلى ثابت فاستأمنه، فقال له ظهير: أنا أعرف بهذا منك، إن هذا لم يأتك رغبة فيك ولا جزعًا لك، ولقد جاءك بغدرة، فاحذره وخلني إياه، فقال: ما كنت لأقدم على رجل أتاني لا أدري أكذلك هو أم لا. قال: فدعني أرتهن منه رهنًا، فأرسل ثابت إلى يزيد فقال: أما أنا فلم أكن أظن رجلا يغدر بعد ما يسأل الأمان، وابن عمك أعلم بك مني، فانظر ما يعاملك عليه، فقال يزيد لظهير: أبيت يا أبا سعيد إلا حسدًا! قال: أما يكفيك ما ترى من الذل! تشردت عن العراق وعن أهلي، وصرت بخراسان فيما ترى، فما تعطفك الرحم! فقال له ظهير: أما والله لو تركت ورأيي فيك لما كان هذا، ولكن أرهنا ابنيك قدامة والضحاك. فدفعهما إليهم، فكانا في يدي ظهير. قال: وأقام يزيد يلتمس غرة ثابت، لا يقدر منه على مايريد، حتى مات ابن لزياد القصير الخزاعي، أتى أباه نعيه من مرو، فخرج متفضلا إلى زياد ليعزيه، ومعه ظهير ورهط من أصحابه وفيهم يزيد بن هزيل، وقد غابت الشمس، فلما صار على نهر الصغانيان تأخر يزيد بن هزيل ورجلان معه، وقد تقدم ظهير وأصحابه، فدنا يزيد بن ثابت فضربه فعض السيف برأسه، فوصل إلى الدماغ. قال: ورمى يزيد وصاحباه بأنفسهم في نهر الصغانيان، فرموهم، فنجا يزيد سباحة وقتل صاحباه، وحمل ثابت إلى منزله فلما أصبح طرخون أرسل إلى ظهير: أتني بابني يزيد، فأتاه بهما، فقدم ظهير الضحاك بن يزيد فقتلهم، ورمى به وبرأسه في النهر، وقدم قدامة ليقتله، فالتفت فوقع السيف في صدره ولم يبن.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 485
    Array

    فألقاه في النهر حي فغرق، فقال طرخون: أبوهما قتلهما وغدره. فقال يزيد بن هزيل: لأقتلن يا بني كل خزاعي بالمدينة، فقال له عبد الله بن بديل بن عبد الله بن بديل بن ورقاء - وكان ممن أتى موسى من فل ابن الأشعث: لو رمت ذاك من خزاعة لا تصعب عليك. وعاش ثابت سبعة أيام ثم مات. وكان يزيد بن هزيل سخيًا شجاعًا شاعرًا، ولى أيام ابن زياد جزيرة ابن كاوان، فقال:
    قد كنت أدعو الله في السر مخلصًا ** ليمكنني من جزية ورجال
    فاترك فيها ذكرطلحة خاملًا ** ويحمد فيها نائلي وفعالي
    قال: فقام بأمر العجل بعد موت ثابت طرخون، وقام ظهير بأمر أصحاب ثابت، فقاما قيامًا ضعيفًا، وانتشر أمرهم، فأجمع موسى على بياتهم، فجاء رجل فأخبر طرخون، فضحك وقال: موسى يعجز أن يدخل متوضأه، فكيف يبيتنا! لقد طار قلبك، لا يحرسن الليلة أحد العسكر.
    فلما ذهب من الليل ثلثه خرج موسى في ثمانمائة قد عباهم من النهار، وصيرهم أرباعًا. قال: فصير على ربع رقبة بن الحرب وعلى ربع أخاه نوح بن عبد الله بن خازم، وعلى ربع يزيد بن هزيل، وصار هو في ربع، وقال لهم: إذا دخلتم عسكرهم فتفرقوا، ولا يمرن أحد منكم بشيء إلا ضربه، فدخلوا عسكره من أربع نواح لا يمرون بدابة ولا رجل ولا خباء ولا جوالق إلا ضربوه وسمع الوجبة نيزك فلبس سلاحه، ووقف في ليلة مظلمة، وقال لعلي بن المهاجر الخزاعي: انطلق إلى طرخون فأعلمه موقفي، وقال له: ما ترى أعمل به، فأتى طرخون، فإذا هو في فازة قاعد على كرسيه وشاكريته قد أوقدوا النيران بين يديه، فأبلغه رسالة نيزك، فقال: اجلس، وهو طامح ببصره نحو العسكر والصوت. إذا أقبل محمية السلمى وهو يقول: " حم لا ينصرون "، فتفرق في الشاكرية، ودخل محمية الفازة. وقام إليه طرخون فبدره فضربه، فلم يغني شيئًا، قال: وطعنه طرخون بذباب السيف في صدره وصرعه، ورجع إلى الكرسي فجلس عليه، وخرج محمية يعدو. قال: ورجعت الشاكرية، فقال لهم طرخون: فررتم من رجل! أرأيتم لو كان نارًا هل كانت تحرق منكم أكثر من واحد! فما فرغ من كلامه حتى دخل جواريه الفازة، وخرج الشاكرية هرابًا، فقال للجواري: اجلسن، وقال لعلي بن المهاجر: قم، قال: فخرجا فإذا نوح بن عبد الله ابن خازم في السرادق، فتجاولا ساعة، واختلفا ضربتين، فلم يصنعا شيئًا، وولى نوح وأتباعه طرخون، فطعن فرس نوح في خاصرته فشب فسقط نوح والفرس في نهر الصغانيان ورجع طرخون وسيفه يقطر دمًا، حتى دخل السرادق وعلي بن المهاجر معه، ثم دخلا الفازة. وقال طرخون للجواري: ارجعن، فرجعن إلى السرادق؛ وأرسل طرخون إلى موسى: كف أصحابك؟ فإذا نرتحل إذا أصبحنا، فرجع موسى إلى عسكره، فلما أصبحوا ارتحل طرخون والعجم جميعًا، فأتى كل قوم بلادهم، قال: وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى ابن عبد الله بن خازم، ولا سمعنا به، قاتل مع أبيه سنتين، ثم خرج يسير في بلاد خراسان حتى أتى ملكًا فغلبه على مدينته وأخرجه منها، ثم سارت إليه الجنود من العرب والترك فكان يقاتل العرب أول النهار والعجم آخر النهار، وأقام في حصنه خمس عشرة سنة، وصار ما وراء النهر لموسى، لا يعازه فيه أحد قال: وكان بقومس رجل يقال له عبد الله، يجتمع إليه فتيان يتنادمون عنده في مؤونته ونفقته، فلزمه دين، فأتى موسى بن عبد الله، فأعطاه أربعة آلاف، فأتى بها أصحابه، فقال الشاعر يعاتب رجلا يقال له موسى:
    فما أنت موسى إذ يناجى إلهه ** ولا واهب القينات موسى بن خازم
    قال: فلما عزل يزيد وولى المفضل خراسان أراد أن يحظى عند الحجاج بقتال موسى بن عبد الله، فأخرج عثمان بن مسعود - وكان يزيد حبسه - فقال: إني أريد أن أوجهك إلى موسى بن عبد الله، فقال: والله لقد وترني، وإني لثائر بابن عمتي ثابت وبالخزاعي، وما يد أبيك وأخيك عندي وعند أهل بيتي بالحسنة، لقد حبستموني وشردتم بني عمتي، واصطفيتم أموالهم، فقال له المفضل: دع هذا عنك، وسر فأدرك بثأرك فوجهه في ثلاثة آلاف، وقال له: مر مناديًا فليناد: من لحق بنا فله ديوان، فنادى بذلك في السوق، فسارع إليه الناس، وكتب المفضل إلى مدرك وهو ببلخ أن يسير معه، فخرج، فلما كان ببلخ خرج ليلة يطوف في العسكر، فسمع رجلا يقول: قتلته والله، فرجع إلى أصحابه، فقال: قتلت موسى ورب الكعبة! قال: فأصبح فسار من بلخ وخرج مدرك معه متثاقلًا، فقطع النهر فنزل جزيرة بالترمذ يقال لها اليوم جزيرة عثمان - لنزول عثمان بها في خمسة عشر ألفًا - وكتب إلى السبل وإلى طرخون فقدموا عليه، فحصروا موسى، فضيقوا عليه وعلى أصحابه، فخرج موسى ليلًا فأتى كفتان، فامتار منها، ثم رجع فمكث شهرين في ضيق، وقد خندق عثمان وحذر البيات، فلم يقدر موسى منه على غرة، فقال لأصحابه: حتى متى! اخرجوا بنا فاجعلوا يومكم؛ إما ظفرتم وإما قتلتم. وقال لهم: اقصدوا للصغد والترك، فخرج وخلف النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم في المدينة، وقال له: إن قتلت فلا تدفعن المدينة إلى عثمان، وادفعها إلى مدرك بن المهلب وخرج فصير ثلث أصحابه بإزاء عثمان وقال: لا تهايجوه إلا أن يقاتلكم، وقصد لطرخون وأصحابه، فصدقوهم، فانهزم طرخون والترك، وأخذوا عسكرهم فجعلوا ينقلونه، ونظر معاوية بن خالد بن أبي برزة إلى عثمان وهو على برذون لخالد بن أبي برزة الأسلمي، فقال: انزل أيها الأمير، فقال خالد: لا تنزل فإن معاوية مشئوم. وكرت الصغد والترك راجعة، فحالوا بين موسى وبين الحصن، فقاتلهم، فعقر به فسقط، فقال لمولى له: احملني، فقال: الموت كريه، ولكن ارتدف، فإن نجونا نجونا جميعًا، وإن هلكنا هلكنا جميعًا. قال: فارتدف، فنظر إليه عثمان حين وثب فقال: وثبة موسى ورب الكعبة! وعليه مغفر له موشى بخز أحمر في أعلاه ياقوتة اسما نجونية، فخرج من الخندق فكشفوا أصحاب موسى فقصد لموسى، وعثرت دابة موسى فسقط هو ومولاه، فابتدروه فانطووا عليه فقتلوه، ونادى منادي عثمان: لا تقتلوا أحدًا، من لقيتموه فخذوه أسيرًا. قال: فتفرق أصحاب موسى، وأسر منهم قوم، فعرضوا على عثمان، فكان إذا أتى بأسير من العرب قال: دماؤنا لكم حلال، ودماؤكم علينا حرام! يأمر بقتله، وإذا أتى بأسير من الموالي شتمه، وقال: هذه العرب تقاتلني، فهلا غضبت لي! فيأمر به فيشدخ، وكان فظًا غليظًا، فلم يسلم عليه يومئذ أسير إلا عبد الله بن بديل بن عبد الله بن بديل بن ورقاء؛ فإنه كان مولاه، فلما نظر إليه أعرض عنه وأشار بيده أن خلوا عنه، ورقبة بن الحر لما أتى به نظر إليه وقال: ما كان من هذا إلينا كبير ذنب وكان صديقًا لثابت، وكان مع قوم فرفى لهم، والعجب كيف أسرتموه! قالوا: طعن فرسه فسقط عنه في وهدة فأسر؛ فأطلقه وحمله، وقال لخالد بن أبي برزة: ليكن عندك. قال: وكان الذي أجهز على موسى ابن عبد الله واصل بن قيصلة العنبري.
    ونظر يومئذ عثمان إلى زرعة بن علقمة السلمة والحجاج بن مروان وسنان الأعرابي ناحية فقال: لكم الأمان، فظن الناس أنه لم يؤمنهم حتى كاتبوه. قال: وبقيت المدينة في يدي النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم، فقال: لا أدفعها إلى عثمان، ولكني أدفعها إلى مدرك، فدفعها إليه وآمنه، فدفعها مدرك إلى عثمان. وكتب المفضل بالفتح إلى الحجاج، فقال الحجاج: العجب من ابن بهلة! أمره بقتل ابن سمرة فيكتب إلي أنه لمأبه ويكتب إلي إنه قتل موسى بن عبد الله بن خازم؛ قال: وقتل موسى سنة خمس وثمانين، فذكر البحتري أن مغراء بن المغيرة بن أبي صفرة قتل موسى فقال:
    وقد عركت بالترمذ الخيل خازمًا ** ونوحًا وموسى عركةً بالكلاكل
    قال: فضرب رجل من الجند ساق موسى، فلما ولى قتيبة أخبر عنه فقال: ما دعاك إلى ماصنعت بفتى العرب بعد موته! قال: كان قتل أخي، فأمر به قتيبة فقتل بين يديه.
    عزم عبد الملك بن مروان على خلع أخيه عبد العزيز

    وفي هذه السنة أراد عبد الملك بن مروان خلع أخيه عبد العزيز بن مروان.
    ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمرهما فيه
    ذكر الواقدي أن عبد الملك هم بذلك، فنهاه عنه قبيصة بن ذؤيب، وقال: لا تفعل هذا، فإنك باعث على نفسك صوت نعار، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه! فكف عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه إلى أن يخلعه. ودخل عليه روح بن زنباع الجذامي - وكان أجل الناس عند عبد الملك - فقال: يا أمير المؤمنين لو خلعته ما انتطح فيه عنزان، فقال: ترى ذلك يا أبا زرعة؟ قال: أي والله، وأنا من أول من يجيبك إلى ذلك؛ فقال: نصيح إن شاء الله. قال: فبينى هو على ذلك وقد نام عبد الملك وروح ابن زنباع إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقًا، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابة فقال: لا يحجب عني قبيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار، إذا كنت خاليًا أو عندي رجل واحد، وإن كنت عندي النساء أدخل المجلس وأعلمت بمكانه فدخل، وكان الخاتم إليه، وكان السكة إليه، تأتيه الأخبار قبل عبد الملك، ويقرأ الكتب قبله، ويأتي بالكتاب إلى عبد الملك منشورًا فيقرؤه، إعظامًا لقبيصة - فدخل عليه فسلم عليه وقال: أجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك عبد العزيز! قال: وهل توفي؟ قال: نعم، فاسترجع عبد الملك، ثم أقبل على روح فقال: كفانا الله أبازرعة ما كنا نريد وما أجمعنا عليه وكان ذلك مخالفًا لك يا أبا إسحاق، فقال: قبيصة: ماهو؟ فأخبره بما كان؛ فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين، إن الرأي كله في الأناة والعجلة فيها ما فيها، فقال عبد الملك: ربما كان في العجلة خير كثير، رأيت أمر عمر بن سعيد، ألم تكن العجلة فيه خيرًا من التأني!
    خبر موت عبد العزيز بن مروان

    وفي هذه السنة توفي عبد العزيز بن مروان بمصر في جمادى الأولى، فضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك، وولاه مصر. وأما المدائني فإنه قال في ذلك ما حدثنا به أبو زيد عنه، أن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد، وأفد وفدًا في ذلك عليهم عمران ابن عصام العنزي، فقام عمران خطيبًا، فتكلم وتكلم الوفد وحثوا عبد الملك وسألوه ذلك فقال عمران بن عصام:
    أمير المؤمنين إليك نهدي ** على نأي التحية والسلاما
    أجبني في بنيك يكن جوابي ** لهم عادية ولنا قواما
    فلو أن الوليد أطاع فيه ** جعلت له الخلافة والذماما
    شبيهك حول قبته قريش ** به يستمطر الناس الغماما
    ومثلك في التقى لم يصب يومًا ** لدن خلع القلائد والتماما
    فإن تأثر أخاك بها فإن ** وجدك لا نطيق لها إتهاما
    ولكنا نحاذر من بنيه ** بني العلات مأثرة سماما
    ونخشى إن جعلت الملك فيهم ** سحابًا أن تعود لهم جهاما
    فلا يك ما حلبت غدًا لقوم ** وبعد غد بنوك هم العياما
    فأقسم لو تخطاني عصام ** بذلك ما عذرت به عصاما
    ولو أني حبوت أخًا بفضل ** أريد به المقالة والمقاما
    لعقب في بني على بنيه ** كذلك أو لرمت مراما
    فمن يك في أقاربه صدوع ** فصدع الملك أبطؤه التئاما
    فقال عبد الملك: يا عمران، إنه عبد العزيز، قال: احتل له يا أمير المؤمنين. قال علي: أراد عبد الملك بيعة الوليد قبل أمر الأشعث، لأن الحجاج بعث في ذلك عمران بن عصام، فلما أبى عبد العزيز أعرض عبد الملك عما أراد حتى مات عبد العزيز، ولما أراد أن يخلع أخاه عبد العزيز ويبايع لابنه الوليد كتب إلى أخيه: إن رأيت أن تصير هذا الأمر لابن أخيك! فأبى، فكتب إليه: فاجعلها له من بعدك، فإنه أعز الخلق على أمير المؤمنين. فكتب إليه عبد العزيز: إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز ما ترى في الوليد، فقال عبد الملك: اللهم إن عبد العزيز قطعني فاقطعه. فكتب إليه عبد الملك: احمل خراج مصر. فكتب إليه عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، إني وإياك قد بلغنا سنًا لم يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلًا، وإني لا أدري ولا تدري أينا يأتيه الموت أولًا! فإن رأيت ألا تفنث على بقية عمري فافعل. فرق له عبد الملك وقال: لعمري لا أغثث عليه بقية عمره، وقال لابنيه: إن يرد الله أن يعطيكموها لا يقدر أحد من العباد على رد ذلك. وقال لابنيه: الوليد وسليمان: هل قارفتما حرامًا قط؟ قالا: لا والله قال: الله أكبر، نلتماها ورب الكعبة! قال: فلما أبى عبد العزيز أن يجيب عبد الملك إلى ما أراد، قال عبد الملك: اللهم قد قطعني فاقطعه، فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره، فدعا عليه، فاستجيب له. قال: وكتب الحجاج إلى عبد الملك يشير عليه أن يستكتب محمد بن يزيد الأنصاري، وكتب إليه: إن أردت رجلًا مأمونًا فاضلًا عاقلًا وديعًا مسلمًا كتومًا تتخذه لنفسك، وتضع عنده سرك، وما لا تحب أن يظهر، فاتخذ محمد بن يزيد. فكتب إليه عبد الملك: احمله إلي. فحمله، فاتخذه عبد الملك كاتبًا. قال محمد: فلم يكن يأتيه كتاب إلا دفعه إلي، ولا يستر شيئًا إلا أخبرني به وكتمه الناس، ولا يكتب إلى عامل من عماله إلا أعلمنيه، فإني لجالس يومًا نصف النهار إذا ببرد قد قدم من مصر، فقال: الأذن على أمير المؤمنين. قلت: ليست هذه ساعة إذن، فأعلمني ما قد قدمت له، قال: لا. قلت: فإن كان معك كتاب فادفعه إلي. قال: لا، قال: فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين، فخرج فقال: ما هذا؟ قلت: رسول قدم من مصر، قال: فخذ الكتاب، قلت: زعم أنه ليس معه كتاب، قال: فسله عما قدم له، قلت: قد سألته فلم يخبرني، قال أدخله، فأدخلته، فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز! فاسترجع وبكى ووجم ساعة ثم قال: يرحم الله عبد العزيز! مضى والله عبد العزيز لشأنه، وتركنا وما نحن فيه، ثم بكى النساء وأهل الدار، ثم دعاني من غد، فقال: إن عبد العزيز رحمه الله قد مضى لسبيله، ولا بد للناس من علم وقائم يقوم بالأمر من بعدي، فمن ترى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سيد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك، قال: صدقت وفقك الله! فمن ترى أن يكون بعده؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أين تعدلها عن سليمان فتى العرب! قال: وفقت، أما إنا لو تركنا الوليد وإياها لجعلها لبنيه، اكتب عهدًا للوليد وسليمان من بعده، فكتب بيعة الوليد ثم سليمان من بعده. فغضب علي الوليد فلم يولني شيئًا حين أشرت بسليمان من بعده. قال علي، عن أبي جعدية: كتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل المخزومي أن يدعو الناس لبيعة الوليد وسليمان، فبايعوا غير سعيد بن المسيب، فإنه أبى، وقال: لا أبايع وعبد الملك حي؛ فضربه هشام ضربًا مبرحًا وألبسه المسوح، وسرحه إلى ذباب - ثنية بالمدينة كانوا يقتلون عندها ويصلبون فظن أنهم يريدون قتله، فلما انتهوا به إلى ذلك الموضع ردوه، فقال: لو ظننت أنهم لا يصلبوني ما لبست سراويل مسوح، ولكن قلت: يصلبوني فيسترني، وبلغ عبد الملك الخبر، فقال: قبح الله هشامًا! إنما كان ينبغي أن يدعوه إلى البيعة، فإن أبى يضرب عنقه، أو يكف عنه.

  • صفحة 12 من 19 الأولىالأولى ... 21011121314 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1