« يا فلان أنت على الميمنة، وأنت يا فلان على الميسرة. » وقال لمصاد:
« أنت على القلب. » وأمر الدهقان، ففتح الباب في وجوههم، فخرج إليهم وهو يحكّم. فجعل سعيد وأصحابه يرجعون القهقرى حتى صار بينهم وبين الدير ميل، وجعل سعيد يصيح:
« يا معشر همدان، أنا ابن ذي مرّان، إليّ إليّ. » ونزع سرابانة كانت عليه. فنظر شبيب إلى مصاد فقال له:
« استعرضهم استعراضا، فإنّهم قد تقطّعوا. فإني حامل على أميرهم، وأثكلنيك الله إن لم أثكل ولده. » ففعل مصاد ما أمره به وحمل هو على سعيد بن مجالد، فعلاه بالعمود، فسقط ميّتا وانهزم أصحابه، وما قتل منهم يومئذ إلّا قتيل واحد. وانكشف أصحاب سعيد بن مجالد حتى انتهوا إلى الجزل، فناداهم الجزل:
« أيها الناس، إليّ إليّ. » وناداهم عياض بن أبي لينة:
« أيها الناس، إن يكن أميركم هذا القادم هلك، فهذا أميركم الميمون النقيبة.
أقبلوا إليه. » فأقبلوا إليه. فمنهم من أقبل إليه، ومنهم من ركب رأسه منهزما. وقاتل الجزل قتالا شديدا حتى صرع، وقاتل عنه خالد بن نهيك وعياض بن أبي لينة حتى استنقذاه وهو مرتثّ. وأقبل الناس منهزمين حتى دخلوا الكوفة، وأتى بالجزل حتى دخل المدائن، وكتب إلى الحجّاج بن يوسف:
« أما بعد، فإني أخبر الأمير، أصلحه الله، أنّى خرجت من الجند الذي وجّهنى فيه إلى عدوّه، وقد كنت حفظت عهد الأمير إليّ فيهم ورأيه. فكنت أخرج إليهم إذا رأيت الفرصة، وأحبس الناس عنهم إذا خشيت الورطة، فلم أزل كذلك وقد أرادنى العدوّ بكلّ ريدة، فلم يصب مني غرّة حتى قدم عليّ سعيد بن مجالد رحمه الله، فأمرته بالتؤدة، ونهيته عن العجلة، وأمرته ألّا يقاتلهم إلّا في جماعة الناس عامّة فعصاني وتعجّل إليهم في الخيل، وكنت أشهدت الله عليه وأهل المصرين، أنّى بريء من رأيه الذي رأى، وأنّى لا أهوى ما صنع. فمضى، تجاوز الله عنه، ودفع الناس إليّ، فنزلت ودعوتهم إليّ، ورفعت لهم رايتي، وقاتلت حتى صرعت فحملني أصحابي من بين القتلى، فما أفقت إلّا وأنا في أيديهم على رأس ميل من المعركة، فأنا اليوم بالمدائن في جراحات قد يموت الإنسان من دونها، ويعانى من مثلها. فليسأل الأمير، أصلحه الله، عن نصيحتي له ولجنده، وعن مكايدتى عدوّه، وعن موقفي يوم البأس. فإنّه يستبين له عند ذلك أنّى قد صدقته ونصحت له. والسلام. » فكتب إليه الحجّاج:
« أما بعد، فقد أتانى كتابك وقرأته وفهمت كلّ ما ذكرته فيه من أمر سعيد وأمر نفسك وقد صدّقتك في نصيحتك لأميرك، وحيطتك على أهل مصرك، وشدّتك على عدوّك وقد رضيت عجلة سعيد وتؤدتك. فأما عجلته فانّها أفضت به إلى الجنة وأما تؤدتك فإنها ما لم تدع الفرصة إذا أمكنتك، حزم، وقد أحسنت وأصبت وأجرت، وأنت عندي من أهل السمع، والطاعة والنصيحة، وقد أشخصت إليك حيّان بن أعسر ليداويك ويعالج جراحتك، وبعثت إليك بألفي درهم، فأنفقها في حاجتك وما ينوبك. والسلام. » وبعث عبد الله بن أبي عصيفر إلى الجزل بألف درهم، وكان يعوده ويتعاهده باللّطف والهديّة.
وأقبل شبيب حتى قطع دجلة عند الكرخ، وبعث إلى سوق بغداد، وكان ذلك يوم سوقهم، فآمنهم، وكان بلغه أنهم يخافونه، وهو وأصحابه يريدون أن يشتروا من السوق دوابّ وثيابا وأشياء ليس لهم منها بدّ، ثم أخذ بهم نحو الكوفة، فساروا، وبلغ الحجّاج مكانه بحمّام [ أعين ] فبعث إلى سويد بن عبد الرحمن السعدي، فجهّزه في ألفى فارس نقاوة وقال له:
« اخرج إلى شبيب، فالقه واجعل ميمنة وميسرة، ثم انزل إليهم في الرجال، فإن استطرد لك فدعه ولا تتّبعه. » فخرج، فعسكر بالناس بالسبخة، وبلغه أنّ شبيبا قد أقبل. فسار نحوه وكأنما يساقون إلى الموت. وأمر الحجّاج عثمان بن قطن فعسكر بالناس في السبخة، ونادى:
« ألا، برئت الذمّة من رجل من هذا الجند بات الليلة بالكوفة ولم يخرج إلى عثمان بن قطن بالسبخة. » فبينا سويد بن عبد الرحمن يسير في الألفين الذين معه وهو يعبّئهم ويحرّضهم، إذ قيل له:
« قد غشيك شبيب. » فنزل، ونزل معه جلّ أصحابه، وقدّم رايته، فأخبر أنّ شبيبا لمّا أخبر بمكانك، تركك، ووجد مخاضة فعبر الفرات يريد الكوفة من غير الوجه الذي أنت به.
ثم قيل لهم:
« أما تراهم؟ » فنادى في أصحابه، فركبوا في آثارهم وإنّ شبيبا أتى دار الرزق، فنزلها، فقيل له:
« إنّ أهل الكوفة بأجمعهم معسكرون. » فلمّا بلغ مكان شبيب، ماج بعضهم في بعض، وجالوا وهمّوا بدخول الكوفة حتى قيل لهم:
« هذا سويد بن عبد الرحمن في آثارهم قد لحقهم وهو يقاتلهم في الخيل. » ومضى شبيب حتى أخذ على شاطئ الفرات، ثم أخذ على الأنبار، ثم دخل وقوقا، ثم ارتفع إلى أدانى آذربيجان. فتركه الحجّاج، وخرج إلى البصرة، واستخلف على الكوفة عروة بن شعبه. فما شعر الناس بشيء حتى جاء كتاب مادر واسب دهقان بابل مهروذ إلى عروة بن المغيرة بن شعبة أنّ تاجرا من تجّار أهل بلادي أتانى يذكر أنّ شبيبا يريد أن يدخل الكوفة في أول هذا الشهر المستقبل، وأحببت إعلامك لترى رأيك ثم لم ألبث أن جاءني جائيان من جيراني، فحدّثانى أنه قد نزل خانيار.
فأخذ عروة كتابه، فأدرجه وسرّح به إلى الحجّاج بالبصرة. فلما قرأه الحجّاج أقبل جادّا إلى الكوفة، وأقبل شبيب حتى انتهى إلى قرية يقال لها: حزى، على شاطئ دجلة، فعبر منها، وقال لأصحابه:
« يا هؤلاء، إنّ الحجّاج ليس بالكوفة وليس دون الكوفة شيء إن شاء الله، فسيروا بنا. » فخرج يبادر الحجّاج إلى الكوفة.
وكتب عروة إلى الحجّاج:
« إنّ شبيبا أقبل مسرعا يريد الكوفة، فالعجل العجل. » فطوى الحجّاج المنازل، واستبقا إلى الكوفة: فنزلها الحجّاج صلاة العصر، ونزل شبيب السبخة صلاة المغرب والعشاء الآخرة، ثم أصاب هو وأصحابه من الطعام شيئا يسيرا، ثم ركبوا خيولهم. فدخل الكوفة، وجاء شبيب حتى انتهى إلى السوق. ثم شدّ حتى ضرب باب القصر بعموده.
قال: فحدّثني جماعة أنهم رأوا ضربة شبيب باب القصر، ثم أقبل حتى وقف عند المصطبّة وقال:
وكأنّ حافرها بكلّ خميلة ** فرق يكيل به شحيح معدم
ثم اقتحم أصحابه المسجد، وكان لا يفارقه قوم يصلّون فيه، فقتل جماعة.
ومرّ بدار حوشب وهو على الشرط، فوقفوا على با به وقالوا:
« إنّ الأمير يدعو حوشبا. » فأخرج ميمون غلامه برذون حوشب فكأنّه أنكرهم وأراد أن يدخل إلى صاحبه، فقالوا له:
« كما أنت حتى يخرج صاحبك. » فسمع حوشب الكلام، فأنكر القوم، فلما رأى جماعتهم أنكرهم وذهب لينصرف فعجّلوا نحوه، ودخل وأغلق الباب وقتلوا غلامه ميمونا وأخذوا برذونه ومضوا. حتى مرّوا بالجحّاف بن بسيط الشيبانى من رهط حوشب. فقال له سويد:
« انزل إلينا. » فقال:
« ما تصنع بنزولى؟ » قال سويد:
« انزل أقضك ثمن البكرة التي كنت ابتعتها منك بالبادية. » فقال له الجحّاف:
« بئس ساعة القضاء هذه الساعة، وبئس المكان لقضاء الدين، أما ذكرت أداء أمانتك إلّا والليل مظلم وأنت على متن فرسك! قبّح الله دينا لا يصلح ولا يتمّ إلّا بقتل وسفك لدماء أهل القبلة. » ثم مرّوا بمسجد بنى ذهل، فلقوا ذهل بن الحارث، وكان يصلّى في مسجد قومه فيطيل الصلاة، فصادفوه منصرفا إلى منزله، فقتلوه. ثم خرجوا متوجّهين نحو الردمة، وأمر الحجّاج فنودي:
« يا خيل الله اركبي وأبشرى. » وهو فوق القصر وهناك مصباح مع غلام له قائم. فكان أول من جاء من الناس عثمان بن قطن ومعه مواليه وناس من أهله، فقال:
« أعلموا الأمير مكاني، أنا عثمان بن قطن، ليأمرنى بأمره. » فناداه ذلك الغلام:
« قف مكانك حتى يأتيك أمر الأمير. » وجاء الناس من كلّ جانب، وبات عثمان في من اجتمع إليه من الناس حتى أصبح.
وكان عبد الملك بن مروان قد بعث محمد بن موسى بن طلحة على سجستان، وكتب له عليها عهده، وكتب إلى الحجّاج:
« إذا قدم عليك محمد بن موسى بن طلحة فجهّز معه ألفى رجل، وعجّل سراحه إلى سجستان. » فلما قدم محمد بن موسى الكوفة جعل يتحبّس ويتجهّز. فقال له نصحاؤه:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
« تعجّل أيها الرجل إلى عملك، فإنّك لا تدرى ما يحدث. » فأقام على حاله وحدث من أمر شبيب ما حدث.
حيلة الحجاج على محمد بن موسى حتى حارب الخوارج وقتل
فقيل للحجّاج:
« إن سار هذا إلى سجستان مع نجدته وصهره لعبد الملك فلجأ إليه ممن تطلب أحد، منعك منه؟ » قال:
« فما الحيلة؟ » قالوا:
« تأتيه فتسلّم عليه وتذكر نجدته وبأسه وأنّ شبيبا في طريقه وقد أعياك، وأنّك ترجو أن يريح الله منه على يديه، فيكون له ذكر ذلك وشهرته. » فكتب إليه الحجّاج:
« إنّك عامل على كلّ بلد مررت به، وهذا شبيب في طريقك تجاهد ومن معه ولك ذكره وصيته، ثم تمضى إلى عملك. » فاستجاب له.
ثم إنّ الحجّاج بعث بشر بن غالب الأسديّ في ألفى رجل وزيادة بن قدامة في ألفين، وأبا الضريس مولى تميم في ألف من الموالي، وأعين صاحب حمّام أعين مولى بشر بن مروان في ألف، وجماعة غيرهم. واجتمع تلك الأمراء في أسفل الفرات، فترك شبيب الوجه الذي فيه جماعة أولئك القوّاد، وأخذ نحو القادسيّة. فوجّه الحجّاج زحر بن قيس في جريدة خيل نقاوة ألف وثمانمائة فارس، وقال له:
« اتّبع شبيبا حتى تواقعه حيث ما أدركته ما لم يعطف عليك وينزل فيقيم لك فلا تبرح حتى تواقعه. » فخرج زحر حتى انتهى إلى السيلحين، وبلغ شبيبا مسيره إليه، فأقبل نحوه فالتقيا، فجعل زحر على ميمنته عبد الله بن كناز اليهوديّ، وكان شجاعا وعلى ميسرته عديّ بن عميرة الكنديّ، وجمع شبيب خيله كلّها كبكبة واحدة، ثم اعترض بها الصفّ يوجف وجيفا حتى انتهى إلى زحر بن قيس. فنزل زحر فقاتل حتى صرع وانهزم أصحابه. فظنّ القوم أنّهم قتلوه. فلما كان في السحر وأصابه البرد قام يمشى حتى دخل قرية فبات فيها وحمل منها إلى الكوفة وبوجهه أربع عشرة ضربة، فمكث أياما ثم أتى الحجّاج وعلى وجهه القطن، فأجلسه معه على السرير.
وقال أصحاب شبيب لشبيب، وهم يظنّون أنّهم قتلوا زحرا:
« قد هزمنا لهم جندا، وقتلنا أميرا من أمرائهم عظيما. انصرف بنا الآن وافرين. » فقال لهم:
« إنّ قتلنا هذا الرجل وهزيمتنا هذا الجند قد أرعبت هذه الأمراء، فاقصدوا بنا قصدهم، فو الله لئن نحن قتلناهم، ما دون قتل الحجّاج وأخذ الكوفة شيء. » فقالوا:
« نحن طوع أمرك، فرأيك. » قال: فانقضّ بهم جوادا حتى أتى نجران الكوفة بناحية عين التمر، ثم استخبر عن القوم فعرّف اجتماعهم بروذآباد في أسفل الفرات على رأس أربعة وعشرين فرسخا من الكوفة، وبلغ الحجّاج مسير شبيب إليهم، فبعث إليهم يقول لهم:
« إن جمعكم قتال، فأميركم زايدة بن قدامة. » قال عبد الرحمن: فانتهى إلينا شبيب وفينا سبعة أمراء، على جماعتهم زايدة بن قدامة، وقد عبّى كلّ أمير أصحابه على حدة وهو واقف في أصحابه.
فأشرف على الناس شبيب وهو على فرس له كميت أغرّ، فنظر إلى تعبئتهم، ثم رجع إلى أصحابه، فأقبل في ثلاث كتائب يوجفون، حتى إذا دنا من الناس مضت كتيبة فيها سويد بن سليم، فيقف في ميمنتنا، وفيها زياد بن عمرو العتكيّ، ومضت كتيبة فيها مصاد أخو شبيب، فوقفت بإزاء ميسرتنا، وفيها بشر بن غالب الأسدى، وجاء شبيب في كتيبة حتى وقف مقابل القلب.
قال: فخرج زايدة بن قدامة يسير في الناس بين الميمنة والميسرة يحرّض الناس ويقول:
« عباد الله، إنكم الطيّبون الكثيرون، وقد نزل بكم الخبيثون القليلون. اصبروا، جعلت لكم الفداء لكرّتين أو ثلاث، ثم هو النصر، ليس دونه شيء إلّا ترونهم.
والله ما يكونون مائتي رجل، إنما هم أكلة رأس، وهم السرّاق المرّاق، إنّما جاءوكم ليهريقوا دماءكم ويأخذوا فيئكم، فلا يكونوا على أخذه أقوى منكم على منعه، وهم قليل وأنتم كثير، وهم أهل فرقة وأنتم أهل جماعة، وغضّوا الأبصار واستقبلوهم بالأسنّة، ولا تحملوا عليهم حتى آمركم. » ثم انصرف إلى موقفه. وحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو، فانكشف صفّهم، وثبت زياد في جماعة، ثم ارتفع عنهم سويد قليلا، ثم كرّ عليهم ثانية.
قال فروة بن لقيط: إطّعنّا ساعة وصبروا لنا حتى ظننت أنهم لن يزولوا. وقاتل زياد بن عمرو قتالا شديدا. فلقد رأيت سويد بن سليم يومئذ وإنّه لأشدّ العرب قتالا وأشجعهم وما يعرض لهم. قال: ثم ارتفعنا عنهم، فإذا هم يتقوّضون، فقال لنا أصحابنا:
« ألا تراهم يتقوّضون؟ احملوا عليهم. » فراسلنا شبيب:
« خلّوهم حتى يخفّوا. » فتركوهم قليلا، ثم حمل عليهم الثالثة، فانهزموا. فنظرت إلى زياد بن عمرو وإنّه ليضرب بالسيوف، وما من سيف يضرب به إلّا نبا عنه، ولقد اعتوره أكثر من عشرين سيفا وهو مجفّف، فما ضرّه شيء منها. ثم إنّه والله انهزم. ثم انتهينا إلى محمد بن موسى بن طلحة عند المغرب، فقاتلنا قتالا شديدا وصبرنا. ثم إنّ مصادا حمل على بشر بن غالب في الميسرة، فصبر وأبلى وكرم، ونزل معه رجال من أهل الصبر نحو خمسين، فضاربوا بأسيافهم حتى قتلوا. فلما قتلوا انهزم أصحابه.
قال: وشددنا على أبي الضريس فهزمناه حتى انتهى إلى موقف أعين. ثم شددنا عليه وعلى أعين فهزمناهم حتى انتهوا إلى زايدة بن قدامة. فلما انتهوا إليه، نزل ونادى:
« يا أهل الإسلام، الأرض الأرض، إليّ إليّ. لا يكونوا على كفرهم أصبر منكم على إيمانكم. » فقاتل عامة الليل إلى السحر.
ثم إنّ شبيبا شدّ عليه في جماعة من أصحابه، فقتله وربضة حوله من أهل الحفاظ.
وقال شبيب لأصحابه:
« ارفعوا السيف عن الناس وادعوهم إلى البيعة. » فدعوهم عند الفجر إلى البيعة. قال عبد الرحمن بن جندب: فكنت ممن قدّم فبايعته وهو واقف على فرس وخيله واقفة دونه. فكلّ من جاء ليبايعه نزع سيفه عن عاتقه وأخذ سلاحه، ثم يدنى من شبيب فيسلّم عليه بأمير المؤمنين، ثم يبايع.
فإنّا لكذلك، إذا أضاء الفجر، ومحمد بن موسى بن طلحة في أقصى العسكر مع أصحابه قد صبروا. وأمر مؤذنه فأذّن، فلما سمع الأذان قال:
« ما هذا؟ » قالوا:
« هذا محمد بن موسى بن طلحة، لم يبرح. » قال:
« ظننت أنّ حمقه وخيلاءه سيحمله على هذا. نحّوا هؤلاء عنّا، وانزلوا بنا فلنصلّ. »
فنزل، وأذّن هو، ثم استقدم، فصلّى بأصحابه، فقرأ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ، و: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. ثم سلّم وركبوا.
فأرسل شبيب إلى محمد:
« إنك امرؤ مخدوع، قد اتقى بك الحجّاج وأنت جار لي، ولك حقّ. فانطلق لما أمرت به ولك الله ألّا أريبك. » فأبى إلّا محاربته. فأعاد إليه الرسول، فأبى إلّا قتاله. فقال له شبيب:
« كأنّى بأصحابك لو التقت حلقتا البطان، لأسلموك، فصرعت مصرع أصحابك فأطعنى وانطلق لشأنك، فإني أنفس بك عن القتل. » فأبى ودعا إلى البراز، فبرز له البطين، ثم قعنب، ثم سويد، فأبى إلّا شبيبا.
فقالوا لشبيب:
« قد رغب عنّا إليك. » قال:
« فما ظنّكم؟ هم الأشراف. » فبرز له شبيب، وقال:
« أنشدك الله في دمك، فإنّ لك جوارا. » فأبى. فحمل عليه بعموده الحديد، وكان فيه اثنى عشر رطلا. فهشم بيضة عليه ورأسه، ثم نزل إليه فكفنه ودفنه. وابتاع ما غنموا له من عسكره، فبعث به إلى أهله واعتذر إلى أصحابه. قال:
« هو جاري بالكوفة، ولى أن أهب ما غنمت لأهل الردّة. » فقال له أصحابه:
« مادون الكوفة أحد يمنعها. » فنظر، فإذا أصحابه قد جرحوا. فقال لهم:
« ما عليكم أكثر مما فعلتم. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وخرج بهم إلى نفّر، ثم خرج بهم إلى بغداد نحو خانيجار، فأقام بها. ولما بلغ الحجّاج أنّ شبيبا قد أخذ نحو نفّر، ظنّ أنّه يريد المدائن وهي باب الكوفة، ومن أخذ المدائن كان ما في يديه من أرض الكوفة أكثر. فهال ذلك الحجّاج، وبعث إلى عثمان بن قطن، وسرّحه إلى المدائن وولّاه منبرها والصلاة ومعونة جوخى كلها وخراج الأستان. فخرج مسرعا حتى نزل المدائن، وعزل الحجّاج ابن أبي عصيفر، وكان بها الجزل مقيما يداوى جراحاته، وكان ابن أبي عصيفر يعوده ويكرمه ويلطفه. فلما قدم عثمان بن قطن لم يكن يتعاهده ولا يلطفه بشيء.
فكان الجزل يقول:
« اللهمّ زد ابن أبي عصيفر جودا، وزد عثمان بن قطن ضيقا وبخلا. » ثم إنّ الحجّاج دعا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقال له:
« انتخب الناس. » وأخرج من قومه ستمائة من كندة، ومن سائر الناس ستة آلاف، واستحثّه الحجّاج، فعسكر بدير عبد الرحمن. فلما أراد الحجّاج إشخاصهم كتب إليهم كتابا قرئ عليهم. « أما بعد، فقد اعتدتم عادة الأذلّاء وولّيتم الدبر يوم الزحف دأب الكافرين. وإني قد صفحت عنكم مرّة بعد مرّة، وتارة بعد أخرى. وإني أقسم لكم باللَّه قسما صادقا، لئن عدتم لذلك لأوقعنّ بكم إيقاعا أكون به أشدّ عليكم من هذا العدوّ الذي تهربون منه في بطون الأودية والشعاب، وتسترون منه بأفناء الأنهار وألواذ الجبال. فخاف من كان له معقول على نفسه، ولم يجعل عليها سبيلا، وقد أعذر من أنذر، والسلام. » وارتحل عبد الرحمن في الناس حتى مرّ بالمدائن، فنزل بها يوما حتى تشرّى به أصحابه حوائجهم، ثم نادى في الناس بالرحيل، فارتحلوا. ثم أقبل حتى دخل على عثمان بن قطن، ثم أتى الجزل، فسأله عن جراحته. وحدّثه ساعة. فقال له الجزل:
« يا ابن عمّ، إنّك تسير إلى فرسان العرب، وأبناء الحرب، وأحلاس الخيل والله لكأنّما خلقوا من ضلوعها، ثم بنوا على ظهورها، ثم هم أسد الأجم الفارس منهم أشدّ من مائة، إن لم يبدأ به بدأ، وإن هجهج أقدم. وإني قد قاتلتهم وبلوتهم، فإذا أصحرت لهم انتصفوا مني وكان لهم الفضل عليّ وإذا خندقت عليّ أو قاتلتهم في مضيق نلت منهم ما أحبّ، وكان لي عليهم، فلا تلقهم وأنت تستطيع، إلّا في تعبئة أو خندق. » ثم ودّعه، وقال له الجزل:
« هذه فرسي الفسيفساء، خذها فإنّها لا تجارى. » فأخذها. ثم خرج بالناس نحو شبيب، فلما دنا منه ارتفع عنه شبيب إلى دقوقا وشهرزور. فخرج عبد الرحمن في طلبه حتى إذا كان على التخوم، أقام، وقال:
« إنما هو في أرض الموصل، فليقاتلوا عن بلادهم أو ليدعوا. » فكتب إليه الحجّاج:
« أما بعد، فاطلب شبيبا واسلك في أثره أين سلك، حتى تدركه فتقتله، أو تنفيه. فإنّما السلطان سلطان أمير المؤمنين، والجند جنده. والسلام. »
فخرج عبد الرحمن حتى قرأ الكتاب في طلب شبيب. فكان شبيب يدعه حتى إذا دنا منه يبيّته فيجده قد خندق، وحذر، فيمضى ويدعه، فيتبعه عبد الرحمن. فإذا بلغه أنه قد تحمّل، وأنه يسير، أقبل في الخيل. فإذا انتهى إليه، وجده قد صفّ الخيل والرجّالة المرامية، فلا تصيب له غرّة ولا غفلة، فيمضى ويدعه. ولما رأى شبيب أنه لا يصيب غرّته، ولا يصل إليه، جعل يخرج، كلّما دنا منه عبد الرحمن حتى ينزل على مسيرة عشرين فرسخا منه، ثم يقيم في أرض غليظة خشنة، فيجيء عبد الرحمن في خيله وثقله، حتى إذا دنا من شبيب ارتحل عنه شبيب، فسار خمسة عشر فرسخا أو عشرين فرسخا، فنزل منزلا غليظا خشنا. ثم يقيم حتى يدنو عبد الرحمن. فكان شبيب قد عذّب ذلك العسكر، وشقّ عليهم، وأحفى دوابّهم، ولقوا منه كلّ بلاء. فلم يزل عبد الرحمن يتبعه حتى مرّ به على خانقين، ثم جلولاء، ثم تامرّا، ثم أقبل إلى البتّ ونزل بها، وعلى تخوم الموصل، ليس بينها وبين سواد الكوفة إلّا نهر حولايا. وجاء عبد الرحمن حتى نزل شرقيّ حولايا وهو في راذان الأعلى من أرض جوخى، ونزل في عواقير من النهر، ونزلها عبد الرحمن حيث نزلها وهي تعجبه، يرى أنها مثل الخندق والحصن، وأرسل إلى عبد الرحمن:
« هذه الأيام أيّام عيد لنا ولكم، فإن رأيتم أن توادعونا حتى تمضى هذه الأيام فعلتم. » فأجابه عبد الرحمن إلى ذلك ولم يكن شيء أحبّ إلى عبد الرحمن من المطاولة والموادعة.
فكتب عثمان بن قطن إلى الحجّاج:
« أما بعد، فإني أخبر الأمير، أصلحه الله، أنّ عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قد حفر جوخى كلّها خندقا واحدا، وخلّى شبيبا، وكسر خراجها، فهو يأكل أهلها. والسلام. » وكتب إليه الحجّاج:
« قد فهمت ما ذكرت، وقد - لعمري - فعل عبد الرحمن غير مرضيّ، فسر إلى الناس، فأنت أميرهم، وعاجل المارقة حتى تلقاهم. » وبعث الحجّاج إلى المدائن مطرّف بن المغيرة بن شعبة، وخرج عثمان حتى قدم على عبد الرحمن ومن معه وهم معسكرون على نهر حولايا قريبا من البتّ وذلك يوم التروية عشاء. فنادى الناس وهو على بغله:
« أيها الناس، أخرجوا إلى عدوّكم. » فوثب إليه الناس فقالوا:
« ننشدك الله، هذا المساء قد غشينا، والناس لم يوطّنوا أنفسهم على القتال.
فبت الليلة، ثم اخرج على تعبئة. » فجعل يقول:
« لأناجزنّهم، فلتكوننّ الفرصة لي أولهم. » فأتاه عبد الرحمن، فأخذ بعنان بغلته وناشده الله لما نزل، وقال له عقيل بن شدّاد السلولي:
« إنّ الذي تريد من مناجزتهم الساعة، أنت فاعله غدا وهو خير لك وللناس.
إنّ هذه ساعة ريح وغبرة وقد أمسيت، فانزل، ثم ابكر بنا غدوة. » فنزل، فسفت عليه الريح، وشقّ عليه الغبار، ودعا صاحب الخراج العلوج، فبنوا له قبّة وبات فيه. ثم أصبح وخرج بالناس، فاستقبلهم ريح شديدة وغبرة.
فصاح الناس إليهم وقالوا:
« ننشدك الله أن تخرج بنا في هذا اليوم، فإنّ الريح علينا. » فأقام ذلك اليوم، وكان شبيب يخرج إليهم. فلما رءاهم لم يخرجوا إليه أقام.
فلما كان من الغد خرج عثمان يعبّئ الناس على أرباعهم، وسألهم:
« من كان على ميمنتكم وميسرتكم؟ » قالوا:
« كان خالد بن نهيك بن قيس الكندي على ميسرتنا، وعقيل بن شدّاد السلولي كان على ميمنتنا. » فقال لهما:
« قفا مواقفكما التي كنتما بها، فقد ولّيتكما المجنّبتين، فاثبتا ولا تفرّا، فو الله لا أزول حتى تزول نخيل راذان عن أصولها. » فقالا:
« فنحن والله الذي لا إله إلّا هو، لا نفرّ حتى نظفر أو نقتل. » فقال لهما:
« جزاكما الله خيرا. » ثم أقام حتى صلّى بالناس الغداة، ثم خرج بالخيل، ونزل يمشى في الرجال.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
وخرج شبيب وهو يومئذ في مائة وأحد وثمانين رجلا. فقطع إليهم النهر، وكان هو في ميمنة أصحابه، وجعل على ميسرته سويد بن سليم، وجعل في القلب مصادا أخاه، وزحفوا. وكان عثمان بن قطن يقول فيكثر:
« لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمتّعون إلّا قليلا. » ثم قال شبيب لأصحابه:
« إني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر، فإذا هزمتها فليحمل صاحب ميسرتى على ميمنتهم، ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه أمري. »
وحمل في ميمنة أصحابه مما يلي النهر على ميسرة عثمان بن قطن، فانهزموا، ونزل عقيل بن شدّاد مع طائفة من أهل الحفاظ، فقاتل حتى قتل، وقتلوا معه. ودخل شبيب عسكرهم، وحمل سويد بن سليم في ميسرة شبيب على ميمنة عثمان بن قطن، فهزمها وعليها خالد بن نهيك الكندي. فنزل خالد فقاتل قتالا شديدا، وحمل عليه شبيب من ورائه، فلم ينثن حتى علاه بالسيف فقتله.
ومشى عثمان بن قطن، وقد نزلت معه العرفاء وأشراف الناس والفرسان نحو القلب، وفيه أخو شبيب في نحو من ستين رجلا. فلما دنا منهم عثمان بن قطن شدّ عليهم في الأشراف وأهل الصبر، فضربوهم حتى فرّقوا بينهم. وحمل شبيب من ورائهم بالخيل، فما شعروا إلّا والرماح في أكتافهم يكبّهم لوجوههم.
وعطف عليهم سويد بن سليم أيضا في خيله، ورجع مصاد وأصحابه، وقاتل عثمان بن قطن، فأحسن القتال. ثم إنهم شدّوا عليه، فأحاطوا به، وحمل عليه مصاد أخو شبيب، فضربه ضربة بالسيف استدار لها، وقال:
« وكان أمر الله قدرا مقدورا. » ثم إنّهم قتلوه، وقتل معه العرفاء ووجوه الناس، فقتل من كندة يومئذ مائة وعشرون رجلا، وقتل من سائر الناس نحو من ألف، ووقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فعرفه ابن أبي سبرة، فنزل وناوله الرمح وقال له: اركب، فركب وارتدف ابن أبي سبرة وقال له عبد الرحمن:
« ناد في الناس: الحقوا بدير ابن أبي مريم. » فنادى. ثم انطلقا ذاهبين، وأمر شبيب أصحابه، فرفعوا عن الناس السيف ودعاهم إلى البيعة، فأتاه من بقي من الرجال، فبايعوه. وبات عبد الرحمن بدير النعار، فأتاه فارسان. فخلا أحدهما بعبد الرحمن طويلا يناجيه، وقام الآخر قريبا منهما، ثم مضى مع صاحبه، فكان الناس يتحدّثون أنّ ذاك كان شبيبا وأنه كان كاتبه. ثم خرج عبد الرحمن آخر الليل، فسار حتى أتى دير ابن أبي مريم، فإذا هو بأصحاب الخيل قد وضع لهم ابن أبي سبرة صبر الشعير والقتّ كأنّها القصور ونحر لهم من الجزر ما شاءوا، واجتمع الناس إلى عبد الرحمن فقالوا له:
« إن علم شبيب بمكانك أتاك وكنت له غنيمة، قد تفرّق عنك الناس وقتل خيارهم، فالحق أيها الرجل بالكوفة. » فخرج، وخرج معه الناس، وجاء حتى اختبأ من الحجّاج، إلى أن أخذ له الأمان بعد ذلك.
ثم إنّ شبيبا اشتدّ عليه الحرّ وعلى أصحابه، فأتى ماه بهراذان، فتصيّف بها ثلاثة أشهر. وأتاه ناس ممن كان يطلب الدنيا كثير، ولحق به ناس ممن كان يطلبهم الحجّاج بمال وتباعات. فمنهم رجل يقال له: الحرّ بن عبد الله بن عوف، كان قتل دهقانين من أهل درقيط كانا ضيفين عليه، ولحق بشبيب حتى شهد معه مواطنه، حتى قتل شبيب، وله مقام عند الحجّاج وكلام سلم به من القتل يجب أن نثبته. وهو أنّ الحجّاج، لمّا آمن بعد قتل شبيب كلّ من خرج إليه من أصحاب المال، خرج إليه الحرّ في من خرج. فجاء أهل الدهقانين يستعدون عليه الحجّاج. فأتى به.
كلام للحر لما أتى به ليقتل سلم به
فقال له الحجّاج:
« يا عدوّ الله قتلت رجلين من أهل الخراج؟ » فقال له:
« قد كان - أصلحك الله - مني ما هو أعظم من هذا. » قال:
« وما هو؟ » قال:
« خروجي من الطاعة وفراقي الجماعة. ثم إنّك آمنت كلّ من خرج إليك وهذا أمانى وكتابك لي. » فقال له الحجّاج:
« قد لعمري فعلت أولى لك. » وخلّى سبيله.
رجعنا إلى حديث شبيب. ثم إنّه لمّا انفسخ الحرّ عن شبيب خرج من ماه في نحو من ثمانمائة رجل. فأقبل نحو المدائن وعليها مطرف بن المغيرة بن شعبة.
فجاء حتى نزل قناطر حذيفة بن اليمان. فكتب ماذرواسب، وهو عظيم بابل مهروذ، إلى الحجّاج يخبره خبر شبيب. فقام الحجّاج في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
« أيها الناس، لتقاتلنّ عن بلادكم وعن فيئكم أو لأبعثنّ إلى قوم هم أطوع وأسمع وأصبر على البلاء منكم، فيقاتلون عدوّكم ويأكلون فيئكم. » فقام إليه الناس من كلّ جانب يقولون:
« نحن نقاتلهم ونعتب الأمير، فليندبنا إليهم، فإنّا حيث سرّه. »
وقام إليه زهرة بن حويّة. وهو يومئذ شيخ كبير، لا يستتمّ قائما حتى يؤخذ بيده، فقال:
« أصلح الله الأمير. إنّك إنما تبعث الناس متقطّعين، فاستنفر الناس إليهم كافّة، وابعث عليهم رجلا متينا شجاعا، محربا مجرّبا ممن يرى الفرار هضما وعارا، والصبر مجدا وكرما. فقال له الحجّاج:
« فأنت ذاك. فاخرج! » فقال له:
« أصلح الله الأمير. إنما يصلح الناس في هذا رجل يحمل الرمح والدرع، ويهزّ السيف ويثبت على متن الفرس، وأنا لا أطيق من هذا شيئا. قد ضعفت وضعف بصرى، ولكن أجرى في الناس مع أمير، فإني أثبت على الرحالة، فأكون مع الأمير في عسكره وأشير عليه برأى. » فقال له الحجّاج:
« جزاك الله عن الإسلام والطاعة في أوّل الإسلام وآخره خيرا. فقد نصحت وصدقت. أنا مخرج الناس كافّة، ألا، فسيروا أيها الناس. » فانصرف الناس وجعلوا يتيسّرون ولا يدرون من أميرهم.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)