صفحة 13 من 13 الأولىالأولى ... 3111213
النتائج 49 إلى 51 من 51

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    قال أبو مخنف: وحدثني أبي يحيى بن سعيد، عن عمّه محمد بن مخنف، قال: كنت مع أبي مخنف بن سليم يومئذ، وأنا ابن سبع عشرة سنة، ولست في عطاء، فلما منع الناس الماء قال لي أبي: لا تبرحنّ الرحل، فلما رأيت المسلمين يذهبون نحو الماء لم أصبر، فأخذت سيفي، وخرجت مع الناس فقاتلت، قال: وإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق ومعه قربة، فلما رأى أهل الشأم قد أفرجوا عن الشريعة اشتدّ حتى ملأ قربته، ثم أقبل، ويشدّ عليه رجل من أهل الشأم فيضربه فيصرعه، وسقطت القربة منه. قال: وأشدّ على الشامي فأضربه فأصرعه، واشتدّ أصحابه فاستنقذوه، فسمعتهم وهم يقولون: لا نأمن عليك. ورجعت إلى المملوك فاحتملته، فإذا هو يكّلمني وبه جرح رغيب، فما كان أسرع من أن جاءه مولاه، فذهب به، وأخذت قربته وهي مملوءة، وآتي بها أبي مخنفًا، فقال: من أين جئت بها؟ فقلت: اشتريتها - وكرهت أن أخبره الخبر، فيجد علي - فقال: اسق القوم، فسقيتهم، ثم شرب آخرهم، ونازعتني نفسي والله إلى القتال، فأنطلق فأتقدّم فيمن يقاتل، فقاتلناهم ساعة، ثم أشهد أنهم خلّوا لنا عن الماء، فما أمسينا حتى رأينا سقاتنا وسقاتهم يزدحمون على الشريعة، وما يؤذي إنسان إنسانًا، فأقبلت راجعًا، فإذا أنا بمولى صاحب القربة، فقلت: هذه قربتك عندنا، فأرسل من يأخذها، أو أعلمني مكانك حتى أبعث بها إليك، فقال: رحمك الله! عندنا ما نكتفي به؛ فانصرفت وذهب، فلما كان من الغد مرّ على أبي، فوقف فسلّم عليه، ورآني إلى جنبته، فقال: ما هذا الفتى منك؟ قال: ابني؛ قال: أراك الله فيه السرور، أنقذ الله عز وجل أمس غلامي به من القتل، حدثني شباب الحي أنه كان أمس أشجع الناس، فنظر إلي أبي نظرة عرفت منها في وجهه الغضب، فسكتّ حتى إذا مضى الرجل قال: هذا ما تقدّمت إليك فيه! فحلّفني ألّا أخرج إلى قتال إلّا بإذنه، فما شهدت من قتالهم إلّا ذلك اليوم حتى كان يوم من أيامهم.
    قال أبو مخنف: وحدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مهران مولى يزيد بن هانئ، قال: والله إنّ مولاي يزيد بن هانئ ليقاتل على الماء، وإنّ القربة لفي يده، فلما انكشف أهل الشأم انكشافة عن الماء، استدرت حتى أسقي، وإنّي فيما بين ذلك لأقاتل وأرامي.
    قال أبو مخنف: وحدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، قال: لما قدمنا على معاوية وأهل الشأم بصفّين، وجدناهم قد نزلوا منزلًا اختاروه مستويًا بساطًا واسعًا، أخذوا الشريعة، فهي في أيديهم، وقد صفّ أبو الأعور السلمي عليها الخيل والرجال، وقد قدّم المرامية أمام من معه، وصفّ صفًّا معهم من الرماح والدّرق، وعلى رءوسهم البيض، وقد أجمعوا على أن يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أمير المؤمنين، فخبّرناه بذلك، فدعا صعصعة ابن صوحان فقال له: ائت معاوية وقل له: إنّا سرنا مسيرنا هذا إليكم، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك، وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الكفّ عنك حتى ندعوك ونحتجّ عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها، قد حلّتم بين الناس وبين الماء، والناس غير منتهين أو يشربوا، فابعث إلى أصحابك فليخلّوا بين الناس وبين الماء، ويكفّوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم له، وإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له، ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب. فعلنا. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال الوليد ابن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفّان رضي الله عنه، حصروه أربعين صباحًا يمتعونه برد الماء، ولين الطعام، اقتلهم عطشًا، قتلهم الله عطشًا! فقال له عمرو بن العاص: خلّ بينهم وبين الماء، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت رّيان؛ ولكن بغير الماء، فانظر ما بينك وبينهم. فأعاد الوليد بن عقبة مقالته؛ وقال عبد الله بن أبي سرح: امنعهم الماء إلى الليل، فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا، ولو قد رجعوا كان رجوعهم فلًّا، امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة! فقال صعصعة: إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة الفسقة وشربة الخمر؛ ضربك وضرب هذا الفاسق - يعني الوليد بن عقبة - قال: فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه، فقال معاوية: كفوّا عن الرجل فإنه رسول.
    قال أبو مخنف: وحدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، أن صعصعة رجع إلينا فحدثنا عمّا قال لمعاوية، وما كان منه وما ردّ، فقلنا: فما ردّ عليك؟ فقال: لما أردت الانصراف من عنده قلت: ما ترد علي؟ قال معاوية: سيأتيكم رأيي، فوالله ما راعنا إلا تسريته الخيل إلى أبي الأعور ليكفّهم عن الماء. قال: فأبرزنا علي إليهم، فارتمينا ثم اطّعنّا، ثم اضطربنا بالسيوف، فنصرنا عليهم، فصار الماء حاجتكم، وارجعوا إلى عسكركم، وخلّوا عنهم؛ فإنّ الله عز وجل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.
    دعاء علي معاوية إلى الطاعة والجماعة

    قال أبو مخنف: حدثني عبد الملك بن أبي حرّة الحنفي، أنّ عليًّا قال: هذا يوم نصرتم فيه بالحميّة، وجاء الناس حتى أتوا عسكرهم، فمكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية أحدًا، ولا يرسل إليه معاوية. ثم إن عليًّا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري، وسعيد بن قيس الهمداني، وشبث بن ربعي التميمي، فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة، فقال له شبث بن ربعي: يا أمير المؤمنين، ألا تطمعه في سلطان توليّه إياه، ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال علي: ائتوه فالقوه واحتجّوا عليه، وانظروا ما رأيه - وهذا في أول ذي الحجّة - فأتوه، ودخلوا عليه، فحمد الله وأثنى عليه أبو عمرة بشير بن عمرو، وقال: يا معاوية، إنّ الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، وإنّ الله عز وجل محاسبك بعملك، وجازيك بما قدّمت يداك، وإني أنشدك الله عز وجل أن تفرّق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها! فقطع عليه الكلام، وقال: هلّا أوصيت بذلك صاحبك؟ فقال أبو عمرة: إنّ صاحبي ليس مثلك، صاحبي أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر في الفضل والدّين والسابقة في الإسلام، والقرابة من الرسول . قال: فيقول مادا؟ قال: يأمرك بتقوى الله عز وجل، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ، فإنّه أسلم لك في دنياك، وخير لك في عاقبة أمرك. قال معاوية: ونطلّ دم عثمان رضي الله عنه! لا والله لا أفعل ذلك أبدًا. فذهب سعيد بن قيس يتكلّم، فبادره شبث بن ربعي، فتكلّم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا معاوية، إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنه والله لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب؛ إنك لم تجد شيئًا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلّا قولك: قتل إمامكم مظلومًا، فنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب، وربّ متمنّي أمر وطالبه، الله عز وجل يحول دونه بقدرته، وربما أوتي المتمنّي أمنيته وفوق أمنيتّه، ووالله ما لك في واحدة منهما خير، لئن أخطأت ما ترجو إنك لشرّ العرب حالًا في ذلك، ولئن أصبت ما تمنّى لا تصيبه حتى تستحقّ من ربّك صلي النار، فاتّق الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله.
    فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن أوّل ما عرفت فيه سفهك وخفّة حلمك، قطعك على هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقه، ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به، فقد كذبت، ولؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كلّ ما ذكرت ووصفت. انصرفوا من عندي، فإنه ليس بيني وبينكم إلّا السيف. وغضب، وخرج القوم وشبث يقول: أفعلينا تهوّل بالسيف! أقسم بالله ليعجلن بها إليك. فأتوا عليًّا وأخبروه بالذي كان من قوله، وذلك في ذي الحجة، فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف، فيخرج معه جماعة، ويخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة، فيقتتلان في خيلهما ورجالهما ثم ينصرفان. وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشأم لما يتخوّفون أن يكون في ذلك من الاستئصال والهلاك، فكان علي يخرج مرّة الأشتر، ومرّة حجر بن عدي الكندي، ومرّة شبث بن ربعي، ومرّة خالد بن المعمّر، ومرّة زياد بن النضر الحارثي، ومرّة زياد بن خصفة التيمي، ومرّة سعيد بن قيس، ومرّة معقل بن قيس الرياحي، ومرّة قيس بن سعد. وكان أكثر القوم خروجًا إليهم الأشتر، وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومي، وأبا الأعور السلمي، ومرّة حبيب ابن مسلمة الفهري، ومرّة ابن ذي الكلاع الحميري، ومرة عبيد الله بن عمر ابن الخطّاب، ومرّة شرحبيل بن السمط الكندي، ومرّة حمزة بن مالك الهمداني، فاقتتلوا من ذي الحجة كلها، وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرّتين أوّله وآخره.
    قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي، قال: حدثني رجل من قومي أنّ الأشتر خرج يومًا يقاتل بصفيّن في رجال من القرّاء، ورجال من فرسان العرب، فاشتدّ قتالهم، فخرج علينا رجل والله لقلّما رأيت رجلًا قطّ هو أطول ولا أعظم منه، فدعا إلى المبارزة، فلم يخرج إليه أحد إلّا الأشتر، فاختلفا ضربتين، فضربه الأشتر، فقتله، وايم الله لقد كنا أشفقنا عليه، وسألناه ألّا يخرج إليه، فلما قتله الأشتر نادى مناد من أصحابه:
    يا سهم سهم ابن أبي العيرار ** يا خير من نعلمه من زار
    وزارة: حي من الأزد، وقال: أقسم بالله لأقتلنّ قاتلك أو ليقتلنّي، فخرج فحمل على الأشتر، وعطف عليه الأشتر فضربه، فإذا هو بين يدي فرسه، وحمل فيه أصحابه فاستنقذوه جريحًا، فقال أبو رفيقة الفهمي: هذا كان نارًا، فصادف إعصارًا، واقتتل الناس ذا الحجّة كلّه، فلما انقضى ذو الحجّة تداعى الناس إلى أن يكفّ بعضهم عن بعض المحرّم، لعلّ الله أن يجري صلحًا أو اجتماعًا، فكفّ بعضهم عن بعض.
    وحجّ بالناس في هذه السنة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بأمر علي إيّاه بذلك، كذلك حدثني أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق ابن عيسى، عن أبي معشر.
    وفي هذه السنة مات قدامة بن مظعون، فيما زعم الواقدي.


رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    وفيما ذكر نصر بن مزاحم العطار، عن عمر بن سعيد، عن أسد بن عبد الله، عمّن أدرك من أهل العلم: أن عبد خير الخيواني قام إلى أبي موسى فقال: يا أبا موسى، هل كان هذا الرجلان - يعني طلحة والزبير - ممن بايع عليّا؟ قال: نعم، قال: هل أحدث حدثًا يحلّ به نقض بيعته؟ قال: لا أدري، قال: لا دربت، فإنا تاركوك حتى تدري! يا أبا موسى هل تعلم أحدًا خارجًّا من هذه الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة؟ إنما بقي أربع فرق: علي بظهر الكوفة، وطلحة والزبير بالبصرة، ومعاوية بالشأم، وفرقة أخرى بالحجاز، لا يجبي بها فيء، ولا يقاتل بها عدوّ؛ فقال له أبو موسى: أولئك خير الناس، وهي فتنة؛ فقال له عبد خير: يا أبا موسى، غلب عليك غشّك.
    قال: وقد كان الأشتر قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلًا قبل هذين فلم أره أحكم شيئًا ولا قدر عليه، وهذان أخلق من بعثت أن ينشب بهم الأمر على ما تحبّ، ولست أدري ما يكون، فإن رأيت - أكرمك الله - يا أمير المؤمنين أن تبعثي في أثرهم، فإنّ أهل المصر أحسن شيء لي طاعة، وإن قدمت عليهم رجوت ألّا يخالفني منهم أحجد. فقال له علي: الحق بهم؛ فأقبل الأشتر حتى جخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمرّ بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلّا دعاهم ويقول: اتّبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبّطهم، يقول: أيّها الناس، إنّ هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من لاماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب؛ إنها فتنة باقرة كداء البطن، أتتكم من قبل مأمنكم، تدع الحليم فيها حيران كابن أمس. إنا معاشر أصحاب محمد أعلم بالفتنة، إنها إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت أسفرت. وعمّار يخاطبه والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أمّ لك! وتنحّ عن منبرنا. وقال له عمار: أنت سمعت هذا من رسول الله ؟ فقال أبو موسى: هذه يدي بما قلت، فقال له عمّار: إنما قال لك رسول الله هذا خاصة، فقال: أنت فيها قاعدًا خير منك قائمًا، ثمّ قال عمّار: غلب الله من غلالبه وجاحده.
    قال نصر بن مزاحم: حدثنا عمر بن سعيد، قال: حدثني رجل، عن نعيم، عن أبي مريم الثقفي، قال: والله إني لفي المسجد يومئذ وعمّار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول، إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدّون ينادون: يا أبا موسى، هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا؛ فنزل أبو موسى، فدخل القصر، فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا أمّ لكّ أخرج الله نفسك، فو الله إنك لمن المنافقين قديمًا، قال: أجّلني هذه العشيّة، فقال: هي لك، ولا تبينّ في القصر الليلة. ودخل الناس ينتهبون متاع مأبي موسى؛ فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر، وقال: إني قد أخرجته، فكفّ الناس عنه.
    نزول أمير المؤمنين ذا قار

    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لما التقوا بذي قار تلقّاهم علي في أناس، فيهم ابن عباس فرحّب بهم، وقال: يا أهل الكوفة، أنتم ولّيتم شوكة العجم وملوكهم، وفضضتم جموعهم؛ حتى صارت إليكم مواريثهم، فأغنيتم حوزتكم، وأعنتم الناس على عدوّهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة؛ فإن يرجعوا فذاك ما نيريد وإن يلجّوا داويناهم بالرفق، وباينّاهم حتى يبدءونا بظلم، ولن ندع أمرًا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله، ولا قوّة إلا بالله.
    فاجتمع بذي قار سبعة آلاف ومائتان، وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي وأهل البصرة ينتظرون مرور علي بهم، وهم آلاف - وفي الماء ألفان وأربعمائة.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة بإسنادها قالا: لما نزل علي ذا قار أرسل ابن عباس والأشتر بعد محمد بن أبي بكر ومحمد ابن جعفر، وأرسل الحسن بن علي وعمرًا بعد ابن عباس والأشتر، فخفّ في ذلك الأمر جميع من كان نفر فيه، ولم يقدم فيه الوجوه أتباعهم فكانوا خمسة آلاف أخذ نصفهم في البرّ ونصفهم في البحر، وخفّ من لم ينفر فيها ولم يعمل لها. وكان على طاعته ملازمًا للجماعة فكانوا أربعة آلاف، فكان رؤساء الجماعة: القعقاع بن عمرو وسعر بن مالك وهند بن عمرو والهيثم ابن شهاب؛ وكان رؤساء النفّار: زيد بن صوحان، والأشتر مالك بن الحارث، وعدي بن حاتم، والمسيّب بن نجبة، ويزيد بن قيس ومعهم أتباعهم وأمثال هلم لسوا دونهم إلّا أنهم لم يؤمّروا؛ منهم حجر بن عدي وابن محدوج البكري؛ وأشباه لهما لم يكن في أهل الكوفة أحد على ذلك الرأي غيرهم. فبادروا في الوقعة إلا قليلًا، فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له: الق هذيه الرجلين يا بن الحنظليّة - وكان القعقاع من أصحاب النبي - فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظّم عليهما الفرقة، وقال له: كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة منّي؟ فقال: نلقاهم بالّذي أمرت به، فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلّمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي. قال: أنت لها. فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة رضي الله عنه فسلّم عليها، وقال: أي أمّه؛ ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني، إصلاح بين الناس، قال: فابعثي إلى طلحة والزّبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما فجاءا، فقال: إني سألت أمّ المؤمنين: ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فو الله لئن عرفنا لنصلحنّ، ولئن أنكرناه لا نصلح. قالا: قتلة عثمان رضي الله عنه، فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن؛ وإن علم به كان إحياء للقرآن. فقال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة إلّا رجلًا، فغضب لهم ستة آلاف. واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم ذلك الّذي أفلت - يعني حرقوص بن زهير - فمنعه ستة آلاف وهم على رجل، فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولان؛ وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكن فالّذي حذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم ممّا أراكم تكروهون؛ وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد، فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير. فقالت أمّ المؤمنين: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل، وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلّا مكابرة هذا الأمر واعتسافه، كانت علامة شرّ، وذهاب هذا الثأر، وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون، ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرّضوا له فيصرعنا وإياكم. وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف إلّا يتمّ حتى يأخذ الله عز وجل حاجته من هذه الأمة مالت قلّ متاعها ونزل بها ما نزل، فإنّ هذا الأمر الّذي حدث أمر ليس يقدّر، وليس كالأمور، ولا كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل.
    فقالوا: نعم، إذًا قد أحسنت وأصبت المقالة؛ فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح؛ كثره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه.
    وأقبلت وفود البصرة نحو علي حين نزل بذي قار، فجاءت وفود تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لنظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة، وعلى أي حال نهضوا إليهم، وليعلموهم أنّ الذي عليه رأيهم الإصلاح، ولا يخطر لهم قتال على بال. فلمّا لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه عشائرهم من أهل البصرة وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم، وأدخلوهم على علي فأخبروه خبرهم؛ سأل علي بن شرس عن طلحة والزّبير، فأخبره عن دقيق أمرهما وجليله حتى تمثل له:
    ألا أبلغ بني بكر رسولا ** فليس إلي بني كعب سبيل
    سيرجع ظلمكم منكم عليكم ** طويل الساعدين له فضول
    وتمثل علي عندها:
    ألم تعلم أبا سمعنا أنّا ** نردّ الشيخ مثلك ذا الصداع!
    ويذهل عقله بالحرب حتى ** يقوم فيستجيب ليغير داع
    فدافع عن خزاعة جمع بكر ** وما بك يا سراقة من دفاع
    قال أبو جعفر: أخرج إلي زياد بن أيوب كتابًا فيه أحاديث عن شيوخ ذكر أنه سمعها منهم؛ قرأ علي بعضها ولم يقرأ علي بعضها، فممّا لم يقرأ علي من ذلك فكتبته منه؛ قال: حدثنا مصعب بن سلام التميمي، قال: حدثنا محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، قال: رأيت فيما يرى النائم في زمان عثمان بن عفان أنّ رجلًا يلي أمور الناس مريًا على فراشه وعند رأسه امرأة؛ والناس يريدونه ويبهشون إليه، فلو نهتهم المرأة لانتهوا؛ ولكنها لم تفعل، فأخذوه فقتلوه. فكنت أقصّ رؤياي على الناس في الحضر ولاسفر، فيعجبون ولا يدرون ما تأوليها! فلما قتل عثمان رضي الله عنه أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا؛ فقال أصحابنا: رؤياك يا كليب. فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلّا قليلًا حتى قيل: هذا طلحة والزّبير معهما أمّ المؤمنين؛ فراع ذلك الناس وتعجّبوا، فإذا هم يزعمون للناس أنهم إنما خرجوا غضبًا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه، وإنّ أمّ المؤمنين تقول: غضبنا لكم على عثمان في ثلاث: إمارة الفتي، وموقع الغمامة، وضربة السوط والعصا، فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه: حرمة الشهر، والبلد، والدم. فقال الناس: أفلم تبايعوا عليًّا وتدخلوا في أمره! فقالوا: دخلنا واللّجّ على أعناقنا. وقيل هبذا علي قد أظلّكم، فقال قومنا لي ولرجلين معي: انطلقوا حتى تأتوا عليًّا وأصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الّذي قد اختلط علينا؛ فخرجنا حتى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة، فقلت لصاحبي: أرأيتم المرأة التي كنت أحدثكم عنها أنها كانت عند رأس الوالي؟ فإنها أشبه الناس بهذا، ففطن أنّا نخوص فيه، فلما انتهى إليها قال: قفوا، ما الّذي قلتم حين رأيتموني؟ فأبينا عليه، فصاح بنا وقال: والله لا تبرحون حتى تخبروني، فدخلتنا منه هيبة، فأخبرناه فجاوزنا وهو يقول: والله لقد رأيت عجبًا، فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا: من هذا؟ فقال: محمّد بن أبي بكر، فعرفنا أن تلك المرأة عائشة رضي الله عنه، فازددنا لأمرها كراهية، وانتهينا إلى علي فسلمنا عليه، ثم سألناه عن هذا الأمر، فقال: عدا الناس على هذا الرجل وأنا معتزل فقتلوه، ثمّ ولّوني وأنا كاره ولولا خشية على الدين لم أجبهم، ثمّ طفق هذان في النكث فأخذت عليهما وأخذت عهودهما عند ذلك، وأذنت لهما في العمرة، فقدما على أمّها حليلة رسول الله فرضيا لها ما رغبا لنسائهما عنه، وعرّضاها لما لا يحلّ لهما ولا يصلح؛ فاتّبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقًا، ولا يخرقوا جماعة.
    ثم قال أصحابه: والله ما نريد قتالهم إلّا أن يقاتلوا وما خرجنا إلّا لإصلاح0. فصاح بنا أصحاب علي: بايعوا بايعوا، فبايع صاحبي، وأمّا أنا فأمسكت وقلبت: بعثني قومي لأمر، فلا أحدث شيئًا حتى أرجع إليهم. فقال علي: فإن لم يفعلوا؟ فقلت: لم أفعل، فقال: أرأيت لو أنهم بعثوك رائدًا فرجعت إليهم، فأخبرتهم عن الكلإ والماء فحالوا إلى المعاطش والجدوبة ما كنت صانعًا؟ قال: قلت: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلإ والماء، قال: فمدّ يدك، فو الله ما استطعت أن أمتنع، فبسطت يدي فبايعته. وكان يقول: علي من أدهى العرب. وقال: ما سمعت من طلحة والزّبير؟ فقلت: أما الزبير فإنه يقول: بايعنا كرهًا، وأمّا طلحة فمقبل على أن يتمثّل الأشعار، ويقول:
    ألا أبلغ بني بكر رسولًا ** فليس إلى بني كعب سبيل
    سيرجع ظلمكم منكم عليكم ** طويل الساعدين له فضول
    فقال: ليس كذلك، ولكن:
    ألم تعلم أبا سمعان أنّا ** نصمّ الشيخ مثلك ذا الصداع
    ويذهل عقله بالحرب حتى ** يقوم فيستجيب لغير داع
    ثم سار حتى نزل إلى جانب البصرة؛ وقد خندق طليحة والزّبير، فقال لنا أصحابنا من أهل البصرة: مما سمعتم إخواننا من أهل الكوفة يريدون ويقولون؟ فقلنا: يقولون خرجنا للصّلح وما نريد قتالًا؛ فبينا هم على ذلك لا يحدثون أنفسهم بغيره، إذ خرج صبيان العسكرين فتسابّوا ثم تراموا، ثم تتابع عبيد العسكرين، ثم ثلَّث السفهاء، ونشبت الحرب، وألجأتهم إلى الخندق، فاقتتلوا عليه حتى أجلوا إلى موضع القتال؛ فدخل منه أصحاب علي وخرج الآخرون.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر، عن الشعبي، قال: حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة، فاقتتلوا، ولاذ الناس بعائشة رضي الله عنها، أكثرهم ضبّة الأزد، وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر؛ ويقال: إلى أن زالت الشمس، ثم انهزموا، فنادى رجل من الأزد: كرّوا، فضربه محمد بن علي فقطع يده، فنادى: يا معشر الأزد فرّوا، واستحرّ القتل بالأزد، فنادوا: نحن على دين علي بن أبيس طالب؛ فقال رجل من بني ليث بعد ذلك:
    سائل بنا يوم لقينا الأزدا ** والخيل تعدو أشقرًا ووردا
    لمّا قطعنا كبدهم والزّندا ** سحقًا لهم في رأيهم وبعدا!
    حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، قال: حمل عمّار على الزبير يوم الجمل، فجعل بنحوزه بالرمح، فقال: أتريد أن تقتلني؟ قال: لا، انصرف؛ وقال عامر بن حفص: أقبل عمارٌ حتى حاز الزبير يوم الجمل بالرمح، فقال: أتقتلني يا أبا اليقظان! قال: لا يا أبا عبد الله.
    رجع الحنديث إلى حديث سيف، عن محمد وطلحة: قالا: ولما انهزم الناس في صدر النهار، نادى الزبير: أنا الزبير، هلمّوا إلي أيّها الناس، ومعه مولىً له ينادي: أعن حواري رسول الله تنهزمون! وانصرف الزبير نحو وادي السباع، واتّبعه فرسان، وتشاغل الناس عنه بالناس، فلما رأى الفرسان تتبعه عطف عليهم، ففرّق بينهم، فكرّوا عليه، فلمّا عرفوه قالوا: الزبير! فدعوه، فلما نفر فيهم علياء بن الهيثم؛ ومرّ القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول: إلي عباد الله، الصبر الصبر! قال له: يا أبا محمد؛ إنك لجريح، وإنك عمّا تريد لعليل؛ فادخل الأبيات، فقال: يا غلام، أدخلني وابغني مكانًا. فأدخل البصرة ومعه غلام ورجلان، فافتتل الناس بعده، فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة. فلمّا رأوا الجمل أطافت به مضر عادوا قلبًا كما كانوا حيث التفوا، وعادوا إلى أمر جديد، ووقفت ربيعة البصرة، منهم ميمنة ومنهم ميسرة، وقالت عائشة: خلّ يا كعب عن البعير؛ وتقدّم بكتاب الله عز وجل فادعهم إليه، ودفعت إليه مصحفًا. وأقبل القوم وأمامهم السبئيّة يخافون أن يجرى الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلّا إقدامًا، فلما دعاهم كعب رشقوه رشقًا واحدًا، فقتلوه، ورموا عائشة في هودجها، فجعلت تنادي: يا بني، البقيّة البقيّة - وبعلو صوتها كثرة - الله الله، اذكروا الله عز وجل والحساب، فيأبون إلّا إقدامًا، فكان أوّل شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: أيّها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، وأقبلت تدعو.
    وضجّ أهل البصرة بالدعاء، وسمع علي بن أبي طالب الدعاء فقال: ما هذه الضجّة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم. وأرسلت إلى عبد الرحمن ابن عتّاب وعبد الرحمن بن الحارث: اثبتا مكانكما، وذمرت الناس حين رأت أنّ القوم لا يريدون غيرها، ولا يكفّون عن الناس، فازدلفت مضر البصرة، فقصفت مضر الكوفة حتى زوحم علي، فنخس علي قفا محمد، وقال: أحمل، فنكل، فأخوى علي إلى الراية ليأخذها منه، فحمل، فترك الراية في يده، وحملت مضر الكوفة، فاجتلدوا قدّام الجمل حتى ضرسوا، والمجنّبات على حالها، لا تصنع شيئًا، ومع علي أقوام غير مضر، فمنهم زيد بن صوحان، فقال له رجل من قومه: تنحّإلى قومك، مالك ولهذا الموقف! ألست تعلم أن مضر بحيالك، وأنّ الجمل بين يديك، وأن الموت دونه! فقال: الموت خير من الحياة، الموت ما أريد؛ فأصيبوأخوه سيحان، وارتث صعصعة، واشتدّت الحرب. فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة: أن اجتمعوا على من يليكم، فقام رجل من عبد القيس فقال: ندعوكم إلى كتاب الله عز وجل؛ قالوا: وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لا يقيم حدود الله سبحانه، ومن قتل داعي الله كعب بن سور! فرمته ربيعة رشقًا واحدًا فقتلوه، وقام مسلم بن عبد الله العجلي مقامه، فرشقوه رشقًا واحدًا، فقتلوه، ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان القتال الأوّل يستحرّ إلى انتصاف النهار، وأصيب فيه طلحة رضي الله عنه، وذهب فيه الزبير، فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلّا القتال، ولم يريدوا إلّا عائشة، ذمرتهم عائشة، فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا، فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا، وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة، فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير، وفي وسطه مع عائشة، وتزاحف الناس، فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة، وربيعة البصرة ربيعة الكوفة، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة، وقال: إن الموت ليس منه فوت، يدرك الهارب، ولا يترك المقيم.
    حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو عبد الله القرشي، عن يونس بن أرقم، عن علي بن عمرو الكندي، عن زيد بن حساس، قال: سمعت محمد بن الحنفيّة يقول: دفع إلي أبى الراية يوم الجمل، وقال: تقدّم؛ فتقدّمت حتى لم أجد متقدّمًا إلّا على رمح؛ قال: تقدّم لا أمّ لك! فتكاكأت وقلت: لا أجد متقدّمًا إلّا على سنان رمح، فتناول الراية من يدي متناول لا أدري من هو! فنظرت فإذا أبى بين يدي وهو يقول:
    أنت الّتي غرّك منّي الحسنى ** يا عيش إنّ القوم قوم أعدا
    الخفض خير من قتال الأبنا
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: اقتتلت المجنّبتان حين تزاحفتا قتالًا شديدًا، يشبه ما فيه القلبان، واقتتل أهل اليمن، فقتل على راية أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة، كلما أخذها رجل قتل خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن، فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها، فثبتت في يده وهو يقول:
    قد عشت يا نفس وقد غنيت ** دهرًا فقطك اليوم ما بقيت
    أطلب طول العمر ما حييت
    وإنما تمثّلها وهو قول الشاعر قبله. وقال نمران بن أبي نمران الهمذاني:
    جرّدت سيفي في رجال الأزد ** أضرب في كهولهم والمزد
    كلّ طويل الساعدين نهد
    وأقبلت ربيعة، فقتل على راية الميسرة من أهل الكوفة زيد، وصرع صعصعة، ثم سيحان، ثم عبد الله بن رقبة بن المغيرة، ثم أبو عبيدة بن راشد بن سلمى وهو يقول: اللهمّ أنت هديتنا من الضلالة، واستنقذتنا من الجهالة، وابتليتنا بالفتنة، فكنّا في شبهة وعلى ريب؛ حتى قتل، ثمّ الحصين ابن معبد بن النعمان، فأعطاها ابنه معبدًا، وجعل يقول: يا معبد، قرّب لها بوّها تحدب، فثبتت في يده.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر تنادوا في عسكر عائشة وعسكر علي: يأيها الناس، طرّفوا إذا فرغ الصبر، ونزع النصر. فجعلوا يتوجّئون الأطراف: الأيدي والأرجل، فما رئيت وقعة قطّ قبلها ولا بعدها، ولا يسمع بها أكثر يدًا مقطوعة ورجلًا مقطوعة منها، لا يدري من صاحبها. وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتّاب يومئذ قبل قتله، وكان الرجل من هؤلاء وهؤلاء إذا أصيب شيء من أطرافه استقتل إلى أن يقتل.
    كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطيّة ابن بلال، عن أبيه، قال: اشتدّ الأمر حتى أرزت ميمنة الكوفة إلى القلب، حتى لزقت به، ولزقت ميسرة البصرة بقلبهم، ومنعوا ميمنة أهل الكوفة أن يختلطوا بقلبهم، وإن كانوا إلى جنبهم، وفعل مثل ذلك ميسرة الكوفة وميمنة البصرة، فقالت عائشة - رضي الله عنها - لمن عن يسارها: من القوم؟ قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد، قالت: يآل غسّان! حافظوا اليوم جلادكم الذي كنا نسمع به، وتمثّلت:
    وجالد من غسّان أهل حفاظها ** وهنب وأوس جالدت وشبيب
    وقالت لمن عن يمينها: من القوم؟ قالوا: بكر بن وائل؛ قالت: لكم يقول القائل:
    وجاءوا إلينا في الحديد كأنّهم ** من العزّة القعساء بكر بن وائل
    إنما بإزائكم عبد القيس. فاقتتلوا أشدّ القتال من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين يديها، فقالت: من القوم؟ قالوا: بنو ناجية، قالت: بخ بخ! سيوف أبطحيّة، وسيوف قرشيّة، فجالدوا جلادًا يتفادى منه. ثم أطافت بها بنو ضبّة، فقالت: ويهًا جمرة الجمرات! حتى إذا رقّوا خالطهم بنو عدي، وكثروا حولها، فقالت: من أنتم؟ قالوا: بنو عدّي، خالطنا إخواننا، فقالت: مازال رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبّة حولي، فأقاموا رأس الجمل، ثم ضربوا ضربًا ليس بالتعذير، ولا يعدّلون بالتطريف؛ حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعًا. راموا الجمل وقالوا: لا يزال القوم أو يصرع. وأرزت مجنّبتا علي فصارتا في القلب، وفعل ذلك أهل البصرة، وكره القوم بعضهم بعضًا. وتلاقوا جميعًا بقلبيهم، وأخذ ابن يثربي برأس الجمل وهو يرتجز، وادّعى قتل علباء ابن الهيثم وزيد بن صوحان وهند بن عمرو، فقال:
    أنا لمن ينكرني ابن يثربي ** قاتل علباء وهند الجملي
    وابن لصوحان علي دين علي
    فناداه عمّار: لقد لعمري لذت بحريز، وما إليك سبيل، فإن كنت صادقًا فاخرج من هذه الكتيبة إلي؛ فترك الزمام في يد رجل من بني عدي حتى كان بين أصحاب عائشة وأصحاب علي، فزحم الناس عمّارًا حتى أقبل إليه، فاتّقاه عمار بدرقته، فضربه انتشب سيفه فيها، فعالجه فلم يخرج، فخرج عمّار إليه لا يملك من نفسه شيئًا، فأسفّ عمار لرجليه فقطعهما، فوقع على استه، وحمله أصحابه، فارتثّ بعد، فأتى به علي، فأمر بضرب عنقه. ولما أصيب ابن يثربي ترك ذلك العدوي الزمام، ثم خرج فنادى: من يبارز؟ فخنّس عمّار، وبرز إليه ربيعة العقيلي - والعدوي يدعى عمرة بن بجرة، أشدّ الناس صوتًا، وهو يقول:
    يا أمّنا أعقّ أمّ نعلم ** والأمّ تغذو ولدًا وترحم
    ألا ترين كم شجاع يكلم ** وتخلي منه يد ومعصم
    ثم اضطربا، فأثخن كلّ واحد منهما صاحبه، فماتا.
    وقال عطيّة بن بلال: ولحق بنا من آخر النهار رجل يدعى الحارث، من بني ضبّة، فقام مقام العدوي، فما رأينا رجلًا قطّ أشدّ منه، وجعل يقول:
    نحن بني ضبّة أصحاب الجمل ** ننعى ابن عفان بأطرفاف الأسل
    الموت أحلى عندنا من العسل ** ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل
    حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن المفضّل بن محمد، عن عدي بن أبي عدي، عن أبي رجاء العطاردي، قال: إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل وهو يقلّب سيفًا بيده كأنه مخراق، وهو يقول:

  • صفحة 13 من 13 الأولىالأولى ... 3111213

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    2. ألف ليلة وليلة/الجزء الرابع
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 08-01-2010, 09:09 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 83
      آخر مشاركة: 07-24-2010, 03:55 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1