فرجع الغلام فأخبره أنّه دخل على أمير المؤمنين. فمكث ساعة ثم دفع إلى ايتاخ وكان سائله أمير المؤمنين عن الكلام الذي قاله الغلام قرابته فأنكر وقال:
« هذا الغلام كان سكران ولم يفهم وما قلت شيئا ممّا ذكر. » وسار المعتصم حتى صار إلى باب مضايق البذندون فأقام أشناس هناك ثلاثة أيّام ينتظر أن تتخلّص عساكر أمير المؤمنين، لأنّه كان على الساقة.
فكتب أحمد بن الخليل رقعة إلى أشناس يعلمه أنّ لأمير المؤمنين عنده نصيحة. فبعث إليه أشناس بأحمد بن الخصيب وأبي سعيد محمد بن يوسف يسألانه عن النصيحة فذكر أنّه لا يخبر بها إلّا أمير المؤمنين. فرجعا فأخبرا أشناس بذلك فقال:
« ارجعا فاحلفا له أنّى حلفت بحياة أمير المؤمنين إن هو لم يخبرني بهذه النصيحة أن أضربه بالسياط حتى يموت. » فرجعا فأخبراه بذلك فأخرج جميع من كان يحفظه وبقي أحمد بن الخصيب وأبو سعيد فأخبرهما بما ألقى إليه عمر الفرغاني من أمر العباس وشرح لهما جميع ما كان عنده من خبر الحارث السمرقندي. فانصرفا إلى أشناس وأخبراه بذلك فبعث أشناس في طلب الحدادين فجاءوا بهم فدفع إليهم حديدا وقال:
« اعملوا لي قيدا مثل قيد أحمد بن الخليل وعجّلوه لي الساعة. » ففعلوا ذلك. فلمّا كان وقت العتمة ذهب حاجب أشناس إلى خيمة الحارث السمرقندي فأخرجه منها وجاء به إلى أشناس فقيّده وأمر الحاجب أن يحمله إلى أمير المؤمنين فحمله إليه. واتفق رحيل أشناس صلاة الغداة فجاء أشناس إلى موضع معسكره فتلقّاه الحارث ومعه رجل من قبل المعتصم وعليه خلع، فقال له أشناس:
« مه؟ » قال: « القيد الذي كان في رجلي [ صار ] في رجل العباس. » وكان المعتصم سأل الحارث عن أمره فأخذ عهده إن صدقه ونصحه أطلقه، ثم أقرّ له بجميع أمره وجميع من بايع العباس من القوّاد، فأطلق المعتصم الحارث وخلع عليه ولم يصدّق على أولئك القوّاد لكثرتهم وكثرة من سمّى منهم. وتحيّر المعتصم فدعا به حين خرج من الدرب فأطلقه ومنّاه وأوهمه أنّه قد صفح عنه وتغدّى معه وصرفه إلى مضربه، ثم دعاه بالليل فنادمه [ على ] الشراب وسقاه حتى أسكره واستحلفه أن لا يكتمه من أمره شيئا. فشرح له قصّته وسمّى له جميع من كان دبّ في أمره فكتبه المعتصم وحفظه، ثم دعا الحارث السمرقندي بعد ذلك فسأله عن الأسباب، فقصّ عليه مثل ما قصّ العباس.
ثم أمر بعد ذلك بتقييد العباس.
ثم قال للحارث:
« قد رضتك على أن تكذب فأجد السبيل إلى سفك دمك فلم تفعل. » ثم دفع العباس إلى الأفشين وتتبّع المعتصم أولئك القوّاد فأخذوا جميعا.
فأمّا أحمد بن الخليل فأمر أن يحمل على بغل بأكاف بلا وطاء ويطرح في الشمس إذا نزل ويطعم في كلّ يوم رغيفا واحدا.
وأمّا عجيف بن عنبسة فدفع مع جماعة من القوّاد إلى ايتاخ ودفع أحمد بن الخليل إلى أشناس وأخذ الشاه بن سهل فأحضره المعتصم والعباس بين يديه، فقال له:
« يا ابن الزانية، أحسنت إليك فلم تشكر. » فقال الشاه:
« ابن الزانية هذا الذي بين يديك - يعنى العباس - لو تركني هذا كنت أنت يا هذا لا تقدر أن تقعد في هذا المجلس وتقول ما تقول. » فأمر به المعتصم فضربت عنقه ودفع عجيف إلى ايتاخ فعلّق عليه حديدا كثيرا وحمله على بغل في محمل بلا وطاء.
وأمّا العباس فكان في يد الأفشين، فلمّا نزل المعتصم منبج وكان العباس جائعا فسأل عن الطعام فقدّم إليه طعام كثير فأكل فلمّا طلب الماء منع وأدرج في مسح فمات.
وأمّا عمر الفرغاني فإنّه لمّا نزل المعتصم بنصيبين في بستان دعا صاحب البستان فقال له:
« احفر بئرا في موضع أومأ إليه. » ثم دعا بعمر وقد تناول أقداحا. فلمّا مثل بين يديه جرّد وضرب بالسياط. فلمّا انتهى حفّار البئر ممّا أمره به أمر المعتصم أن يضرب وجه عمر بالخشب. فلم يزل يضرب حتى سقط أنفه وأسنانه ثم قال:
« جرّوه إلى البئر فاطرحوه فيها. » فلم يتكلّم عمر ولم ينطق بحرف حتى طرح في البئر وطمّت عليه.
وأمّا عجيف فإنّه مات في المحمل بباعيناثا فطرح عند صاحب المسلحة فدفن هناك. وذكر أن عجيفا كان في يد محمد بن إبراهيم بن مصعب فسأله المعتصم عنه فقال:
« يا محمد لم يمت عجيف يا با صالح؟ » قال: « يا سيدي اليوم يموت. » فمات ذلك اليوم. وأمّا التركيّ الذي ضمن للعباس قتل أشناس فإنّه كان كريما على أشناس ينادمه ولا يحجب عنه، فأمر أشناس بحبسه قبله في بيت مظلم وسدّ عليه الباب وكان يلقى إليه كلّ يوم رغيف وكوز ماء. فأتاه ابنه في بعض أيّامه، فكلّمه من وراء الحائط فقال له:
« يا بنيّ لو كنت تقدر على سكّين كنت أقدر أن أتخلّص من موضعي هذا. » فلم يزل ابنه يتلطّف للموكّلين حتى فتح له بمقدار دون الدرهم ضوء فطرح إليه من هناك سكّينا فقتل بها نفسه.
وأمّا أحمد بن الخليل فانّه دفعه أشناس إلى محمد بن سعيد فحفر له بئرا وأطبق عليه وفتح فيها كوّة ليرمى إليه منها الخبز والماء فقال له المعتصم:
« ما حال أحمد بن الخليل؟ » فأخبره بحاله. فقال المعتصم:
« أحسبه قد سمن على هذه الحال. » فنقل إلى غيره فسمّه حتى مات.
وقتل باقى القوّاد إلّا هرثمة بن النصر الختّلى فانّه كان يحمل في الحديد من المراغة لأنّه كان هناك. فتكلّم فيه الأفشين واستوهبه من المعتصم فوهبه له وولّاه البلد الذي يصل إليه الكتاب فيه، فوصل إلى الدينور عند العشاء مقيّدا مغلولا فطرح في خان فوافاه الكتاب في بعض الليل وأصبح هو والى الدينور. وقتل من الأتراك والفراغنة وغيرهم ممّن لم يحفظ اسمه خلق كثير وورد المعتصم سرّ من رأى سالما بأحسن حال.
ودخلت سنة أربع وعشرين ومائتين
وفيها أظهر مازيار بن قارن الخلاف على المعتصم بطبرستان
ذكر السبب في ذلك
كان مازيار منافرا لآل طاهر لا يحمل الخراج إليهم وكان المعتصم يكتب إليه يأمره بحمله إليهم فلا يحمل ويقول:
« أحمله إلى أمير المؤمنين. » فكان المعتصم يأمر بالمال إذا بلغ همذان أن يستوفيه عامله، ثم يسلّمه إلى صاحب عبد الله بن طاهر ليردّه إلى خراسان. ولمّا ظفر الأفشين ببابك ونزل من المعتصم المنزلة التي لا يتقدّمه فيها أحد وبلغه منافرة مازيار آل طاهر طمع في ولاية خراسان ورجا أن يكون ذلك سببا لعزل عبد الله بن طاهر.
فدسّ الكتب إلى مازيار يعلمه ميله إليه بالدهقنة ويظهر مودّته ويقول أنّه قد وعد بولاية خراسان.
فدعا ذلك مازيار إلى الاستمرار في عداوة آل طاهر وترك حمل الخراج إليه، وما شكّ الأفشين، إن كاشف وخالف، سيطاول عبد الله بن طاهر حتى يحتاج المعتصم أن يوجّهه وغيره إليه ولم يزل يكاتب مازيار ويبعثه على محاربة عبد الله بن طاهر ويهوّن أمره عنده حتى خالف وأخذ رهائن أكابر أهل ناحيته وأمر الأكرة بانتهاب أموال أرباب الضياع وغلّاتهم والأفشين في كلّ ذلك يكاتبه ويعرض عليه النصرة.
وأخذ مازيار الناس بالخراج فجبى جميع الخراج في شهرين وكان يجبى كلّ سنة الثلث في أربعة أشهر. وهرب رجل ممّن أخذت رهينته.
فجمع أبو صالح سرخاستان خليفة المازيار الناس بسارية وقال:
« كيف يثق بكم الملك وهذا فلان ممّن حلف وأعطى الرهينة ثم نكث وخرج فأنتم لا تفون ولا تكرهون الحنث فكيف يرجع لكم الملك إلى ما تحبّون؟ »
فقال بعضهم:
« نقتل الرهينة حتى لا يعود غيره إلى الهرب. » فقال: « أو تفعلون؟ » قالوا: « نعم. » فكتب أبو صالح إلى صاحب الرهائن يأمره أن يوجّه بابن الهارب. فلمّا حمل إلى سارية ندم الناس على ما قالوا وجعلوا يرجعون على من أشار بذلك باللوم، فجمعهم أبو صالح وقال:
« قد ضمنتم لي قتل الرهينة وها هو قد حضر فاقتلوه. » فقال بعضهم:
« أصلح الله الأمير، إنّك أجّلت من خرج عن البلد شهرين وهذا الرهينة قبلك فنسألك أن تؤجّله شهرين فإن رجع أبوه وإلّا أمضيت فيه رأيك. » فغضب ودعا بصاحب حرسه فأمر بصلب الغلام. فسأله الغلام أن يأذن له حتى يصلّى ركعتين. فأذن له فطوّل في صلاته وهو يرعد وقد مدّ له جذع، فجذبوا الغلام من صلاته ومدّوه حتى اختنق ومات.
ثم أمر أهل سارية أن يخرجوا إلى آمل وتقدّم إلى أصحاب المسالح في إحضار أهل الخنادق من الأبناء والعرب فأحضروا ومضى معهم إلى آمل وقال لهم:
« إني أريد أن أشهدكم على أهل آمل وأشهد أهل آمل عليكم وأردّ ضياعكم وأموالكم، فإن لزمتم الطاعة والمناصحة زدناكم من عندنا ضعف ما أخذناه منكم. » فلمّا وافوا آمل ميّز أهل سارية ناحية ناحية ووكّل بهم وكتب أسماء جميع أهل آمل حتى لم يخف عليه منهم أحد، ثم عرضهم على الأسماء حتى اجتمعوا، وتقدّم إلى أصحاب السلاح حتى أخدقوا بهم ووكّل بكلّ رجل رجلين وساقهم مكتّفين حتى وافى بهم جبلا يعرف بهرمزديار وكبّلهم بالحديد وبلغت عدّتهم عشرين ألفا فحبسهم هناك، وفعل مثل ذلك بوجوه العرب والأبناء وكبّلهم وحبسهم ووكّل بهم.
فلمّا تمكّن مازيار واستوى أمره وحبس كلّ من يخشى غائلته وأمن جميع أصحابه وأمر سرخاستان بتخريب سور مدينة آمل فخرّبه بالطبول والمزامير ثم سار إلى ساريه ففعل بها مثل ذلك ثم فعل بطميش - وهي على حدّ جرجان من عمل طبرستان - مثل ذلك وعمل سورا من طميش إلى البحر مقدار ثلاثة أميال. وكانت الأكاسرة بنته بينها وبين الترك لأنّ الترك كانت تغير على أهل طبرستان في أيّامها.
ونزل سرخاستان معسكرا بطميش وصيّر حولها خندقا وثيقا وأبراجا للحرس وصيّر عليها بابا وثيقا ووكّل به الثقات. ففزع أهل جرجان فهرب منهم قوم إلى نيسابور. وانتهى الخبر إلى عبد الله بن طاهر عامل المعتصم على خراسان، فوجّه إليه عمّه الحسن بن الحسين بن مصعب مع جيش كثيف لحفظ جرجان وأمره أن يعسكر على الخندق. فنزل الحسن بن الحسين على الخندق معسكرا وصار بينه وبين سرخاستان عرض الخندق، ثم بعث إليه عبد الله بن طاهر حيّان بن جبلة في أربعة آلاف فارس إلى قومس فعسكر على حدّ جبال شروين.
ووجّه المعتصم من قبله محمد بن إبراهيم بن مصعب أخا إسحاق بن إبراهيم في جمع كثيف وضمّ إليه الحسن بن قارن الطبري العابد ومن كان بالباب من الطبرية، ووجّه منصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الريّ ليدخل طبرستان من ناحية الريّ ووجّه أبا الساج إلى اللّار ودنباوند فأحدقت الخيل بمازيار من كلّ جانب فبعث مازيار إلى أهل المدن المحبّسين عنده:
« إنّ الخيل قد زحفت إليّ من كلّ جانب وإنّما حبستكم ليبعث أميركم فيسأل فيكم - يعنى المعتصم - فلم يكترث بكم وأنتم عشرون ألفا ولست أتقدّم إلى حربه وأنتم ورائي، فأدّوا إليّ خراج سنتين وأخلّى سبيلكم، ومن كان منكم شابّا قويّا قدّمته للقتال. فمن وفي رددت عليه ماله ومن لم يف أكون قد أخذت ديته، ومن كان شيخا ضعيفا صيّرته من الحفظة والحرّاس والبوّابين.
ثم إنّ سرخاستان جمع من أبناء القوّاد وغيرهم من أهل آمل ممّن فيه قوّة وشجاعة مائتين وستين فتى ممّن يخاف ناحيته وأظهر أنّه يريد مناظرتهم وبعث إلى الأكرة الدهاقين. قال لهم:
« إنّ هؤلاء هواهم مع العرب ولست آمن غدرهم وهم أهل الظنّة قد جمعتم فاقتلوهم لتأمنوا ولا يكون في عسكركم من يخالفكم. » ثم كتّفهم ودفعهم إلى الأكرة الدهاقين. فصاروا بهم إلى قناة هناك قد خربت فقتلوهم ورموا بهم في آبار القناة. ثم عطف سرخاستان إلى المحبّسين من أهل المدن فطالبهم بمال المواقفة فقالوا:
« إنّ صاحبك لم يبق لنا مالا ولا ذخيرة ولو علم أنّ وراءنا درهما واحدا لاستخرجه ولكنّا نعطى ضياعنا وأملاكنا بقيمة ما تطلب. » فقال لهم:
« الضياع للملك ولا حقّ لكم فيها فاحتالوا للملك. » فلم يجد عندهم شيئا. فقال لأولئك الأكرة الذين قتلوا من قتلوا:
« إني قد أبحتكم منازل أرباب الضياع وحرمهم إلّا ما كان من جارية جميلة من بناتهم فإنّها تصير للملك. » وقال لهم:
« صيروا إلى الحبس فاقتلوا أرباب الضياع أوّلا ثم حوزوا ما وهبت لكم من منازلهم وحرمهم. » فجبن القوم ولم يقدموا على عشرين ألفا، فلم يقبلوا منه.
وكان الموكّلون بالسور من أصحاب سرخاستان يتحدّثون ليلا مع حرس الحسن بن الحسين بن مصعب حتى استأنس بعضهم ببعض وتآمروا على تسليم السور فسلّموه، ورحل أصحاب الحسن بن الحسين من موضعهم إلى
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
عسكر سرخاستان على غفلة من غير أن يعلم بذلك صاحبهم. فنظر الناس بعضهم إلى بعض فثاروا يدخلون من الحائط. وبلغ الحسن بن الحسين ذلك فأشفق أن تكون حيلة فجعل يصيح ويمنع من الدخول وهم لا يقبلون حتى نصبوا أعلامهم على السور في معسكر سرخاستان.
وانتهى الخبر إلى سرخاستان وهو في الحمّام وسمع الضجيج فلم تكن له همّة إلّا الهرب فخرج هاربا في غلالة ودخل الناس من غير مانع حتى استولوا على جميع ما في العسكر ومضى قوم في الطلب.
فتحدّث زرارة بن يوسف قال: بينا أنا في الطريق إذ صرت في موضع يسرة الطريق فوجلت منه ثم اقتحمته بالرمح ولم أر أحدا ولكنى صحت:
« من أنت ويلك. » فإذا رجل يصيح:
« زينهار. » يعنى: الأمان. فأخرجته وإذا هو شيخ جسيم فقلت:
« من أنت؟ » فقال: « أنا شهريار. » وإذا به أخو سرخاستان صاحب العسكر.
فحملته إلى الحسن بن الحسين فضرب عنقه.
وأمّا سرخاستان فإنّه مضى على وجهه وكان عليلا فلمّا جهده العطش نزل عند غيضة واستلقى وصاح بعض أصحابه ممّن تبعه:
« يا فلان اسقني ماء فقد جهدنى العطش. » فقال: « ليس معي ما أغرف به من هذا الموضع. » فقال له سرخاستان:
« خذ رأس جعبتى فاسقني به. » فنظر الرجل إلى أصحابه وقال لهم:
« هذا الشيطان قد أهلكنا. فلم لا نتقرّب به إلى السلطان ونأخذ لأنفسنا أمانا؟ » فأجابوه إلى ذلك ووثبوا عليه وشدّوه كتافا فقال لهم:
« خذوا منى مائة ألف واتركوني فإنّ العرب لا تعطيكم شيئا. » قالوا: « أحضرها. »
قال: « هاتوا ميزانا. » فقالوا: « من أين لنا ها هنا ميزان؟ » قال: « فمن أين لي هاهنا ما أعطيكم. ولكن صيروا معي إلى المنزل وأعطيكم العهود والمواثيق أنّى أفي لكم بذلك. » فصاروا به إلى الحسن بن الحسين واستقبلهم خيل الحسن بن الحسين.
فضربوا رؤوسهم وأخذوا سرخاستان منهم فهمّتهم أنفسهم، ومضى به أصحاب الحسن إلى الحسن فدعا بوجوه أصحابه وسألهم:
« هل هذا سرخاستان؟ » قالوا:
« نعم هو هو. » فأمر به فضربت عنقه.
وكاتب حيّان بن جبلة من ناحية طميش قارن بن شهريار ورغّبه في الطاعة وضمن له أن يملّكه على جبال أبيه وجدّه وكان قارن هذا ابن أخي مازيار وقد قوّده مع أخيه عبد الله بن قارن وضمّ إليه عدّة من ثقات قوّاده وقراباته، فلمّا استماله حيّان اطمأنّ إليه وضمن له قارن أن يسلّم إليه الجبال أو مدينة ساريه إلى حدّ جرجان على أن يملّكه على مملكة أبيه وجدّه إذا وفي له بالضمان، وكتب بذلك حيّان إلى عبد الله بن طاهر فسجّل له عبد الله بن طاهر بكلّ ما سأل، وكتب إلى حيّان يأمره بالتوقّف ولا يدخل الجبل ولا يوغل حتى يكون من قارن ما يستدلّ به على الوفاء لئلّا يكون منه مكر، وكتب حيّان إلى قارن بذلك.
فدعا قارن بعمّه عبد الله بن قارن أخي مازيار ودعا جميع قوّاده إلى طعامه. فلمّا أكلوا ووضعوا سلاحهم واطمأنّوا أحدق بهم أصحابه في السلاح، وكتفهم ووجّه بهم إلى حيّان بن جبلة. فلمّا صاروا إليه استوثق منهم وركب حيّان في جمعه حتى دخل جبال قارن وبلغ مازيار الخبر، فاغتمّ وقلق وقال له أخوه كوهيار:
« في حبسك عشرون ألفا من المسلمين ما بين إسكاف وخيّاط وقد شغلت نفسك بهم، وإنّما أتيت من مأمنك وأهل بيتك وقراباتك. فما تصنع بهؤلاء المحبّسين عندك. » فأمر بأن يخلّى جميع من في محبسه. ثم دعا بكتّابه وخلفاءه وصاحب خراجه وصاحب شرطه وقال لهم:
« إنّ حرمكم ومنازلكم وضياعكم بالسهل وقد دخلت العرب إليه، وأكره أن أسومكم فاذهبوا إلى منازلكم وخذوا الأمان لأنفسكم. » وواصلهم وأذن لهم في الانصراف.
ولمّا بلغ قوهيار أخا مازيار دخول حيّان ساريه، أطلق محمد بن موسى عامل طبرستان من حبسه وحمله على بغل ومركب ووجّهه إلى حيّان ليأخذ له الأمان ويجعل له جبال أبيه وجدّه، على أن يسلّم إليه مازيار ويوثق له بذلك. وضمّ إليه أحمد بن الصقير وهو من مشايخ الناحية ووجوهها. فلمّا سار محمد بن موسى إلى حيّان وأخبره وسأله قوهيار قال له حيّان:
« من هذا؟ » - يعنى أحمد.
قال: « هذا شيخ هذه البلاد يعرفه الخلفاء ويعرفه الأمير عبد الله بن طاهر. »
ورأى حيّان تحت أحمد برذونا ضخما نبيلا، فبعث إليه يسأله أن يقوده إليه ليراه، فبعث به، فلمّا تأمّله وجده مشطّب اليدين فزهد فيه وقال لرسول أحمد:
« هذا لمازيار ومال مازيار لأمير المؤمنين. » فرجع الرسول فأخبر أحمد، فغضب من فعل حيّان به ذلك، وكتب إلى قوهيار:
« ويحك لم تغلط في أمرك وتترك مثل الحسن بن الحسين عمّ الأمير عبد الله بن طاهر وتدخل في أمان هذا العبد الحائك وتدفع إليه أخاك وتضع من قدرك ويحقد عليك الحسن بن الحسين بتركك إيّاه وميلك إلى عبد من عبيده. » فكتب إليه قوهيار:
« قد غلطت في أوّل الأمر وواعدت الرجل أن أصير إليه بعد غد ولا آمن إن خالفته أن يناهضنى ويحاربني ويستبيح منازلي وأموالى وإن قاتلته وقتلت من أصحابه وجرت الدماء بيننا وقعت الشحناء ويبطل ما نحن فيه. » فكتب إليه أحمد:
« إذا كان يوم الميعاد فابعث إليه رجلا من أهل بيتك، واكتب إليه أنّه عرضت لك علّة منعتك من الحركة وأنّك تتعالج ثلاثة أيّام فإن عوفيت وإلّا صرت في محمل وسنحمله نحن على قبول ذلك منك. » ثم إنّ أحمد بن الصقير ومحمد بن موسى كتبا إلى الحسن بن الحسين وهو في معسكره بطميش ينتظر أمر عبد الله بن طاهر وجواب كتابه بقتل سرخاستان وفتح طميش فكتب إليه أن:
« اركب إلينا لندفع إليك قارن والجبل وإلّا فاتك فلا تقيم. » فلمّا وصل الكتاب إلى الحسن ركب من ساعته وسار مسير ثلاث ليال في ليلة حتى انتهى إلى ساريه. ولمّا أصبح سار إلى خرّماباذ وهو يوم موعد قوهيار، وسمع حيّان وقع طبول الحسن فركب وتلقّاه على رأس فرسخ. فقال له الحسن:
« ما تصنع ها هنا ولم توجّه إلى هذا الموضع وقد فتحت جبال شروين وتركتها وراءك فما يؤمنك أن يغدر بك القوم جميع ما عملت عليك، ارجع إلى الجبل وأشرف على القوم إشرافا لا يمكنهم الغدر إن همّوا به. » فقال له حيّان:
« أنا على الرجوع وأريد أن أحمل أثقالى وأتقدّم إلى رجالي بالرحيل. » فقال له الحسن:
« امض أنت فإني باعث بأثقالك ورجالك خلفك وبت الليلة بساريه حتى يوافوك ثم بكّر من غد. » فخرج حيّان من فوره ولم يقدر على مخالفة الحسن. ثم ورد عليه كتاب عبد الله بن طاهر وهو بلبون من جبال ونداهرمزد من أحصن جباله وكان أكثر مال مازيار بها، وأمره عبد الله ألّا يمنع قارن ممّا يريد من تلك الجبال والأموال. فاحتمل قارن ما كان لمازيار هناك من المال من ذخائر مازيار وسرخاستان وباستاندرة وبقدح السليان واحتوى على ذلك كلّه فانتفض على حيّان جميع ما كان سنح له بسبب ذلك البرذون.
ثم أمر محمد بن موسى وأحمد بن الصقير الحسن وناظراه سرّا فجزاهما خيرا، وكتب إلى قوهيار فوافاه وبرّه وأكرمه وأجابه إلى كلّ ما سأل واتّعد إلى يوم ثم صرفه. وصار قوهيار إلى مازيار فأعلمه أنّه قد أخذله الأمان وتوثّق له ثم ورد عليه المازيار وقوهيار.
وتقدّم المازيار فسلّم عليه بالإمرة فلم يردد عليه الحسن وتقدّم إلى طاهر بن إبراهيم وأوس البلخي فقال:
« خذاه إليكما. »
كتاب بتسليم مازيار وإخوته وأهل بيته إلى المعتصم
ثم ورد كتاب عبد الله بن طاهر بتسليم مازيار واخوته وأهل بيته إلى محمد بن إبراهيم ليحملهم إلى المعتصم، ولم يعرض عبد الله لأموالهم، وأمر أن يستقصى جميع ما للمازيار، فبعث الحسن إلى المازيار وأحضره وسأله عن أمواله. فسمّى قوما ذكر أنّ أمواله عندهم، فأحضر قوهيار وكتب عليه كتابا وضمّنه المال الذي ذكر مازيار أنّه عند ثقاته وخزّانه وأصحاب كنوزه وأشهد على نفسه. ثم إنّ الحسن أمر الشهود الذين أحضرهم أن يصيروا إلى المازيار ليشهدوا عليه، فذكر عن بعضهم أنّه قال: لمّا دخلنا على المازيار لنشهد عليه قال المازيار:
« إنّ جميع ما حملت من أموالى وصحبني ستّة وتسعون ألف دينار، وسبع عشرة قطعة زمرّد، وستّ عشرة قطعة ياقوتا أحمر، وثمانية أوقار سلالا مجلّدة فيها ألوان الثياب وتاج وسيف محلّى بذهب وجوهر، وحقّ كبير مملوء جوهرا. »
وقد وضعه بين أيدينا وقد سلمت ذلك إلى محمد بن الصباح وهو جار عبد الله بن طاهر وصاحب خبره على العسكر وإلى قوهيار. » قال: فخرجنا إلى الحسن بن الحسين فقال:
« أشهدتم على الرجل؟ » قال: « نعم. » فقال: « هذا شيء أخبرت به فأحببت أن تعلموا قلّته. » وذكر عليّ بن ربّن كاتب مازيار أنّ ذلك الحقّ كان شراء جوهره وحسبه على المازيار وشروين وشهريار ثمانية عشر ألف ألف درهم، وكان مازيار حمل جميع ذلك إلى الحسن بن الحسين على أن يظهر أنّه خرج إليه في الأمان وأنّه قد آمنه على نفسه وماله وولده وجعل له جبال أبيه فامتنع الحسن بن الحسين من ذلك وعفّ عنه وكان أعفّ الناس عن أخذ درهم أو دينار. فلمّا أصبح أنفذ مازيار مع طاهر بن إبراهيم وعليّ بن إبراهيم الحربي وورد كتاب عبد الله بن طاهر في إنفاذه مع يعقوب بن منصور، وقد ساروا بمازيار مراحل فبعث الحسن فردّه وأنفذه مع يعقوب بن منصور.
قتل قوهيار ذكر ترك حزم بالدالة عاد بهلاك
ثم أمر الحسن القوهيار أخا مازيار بحمل الأموال التي ضمنها ودفع إليه بغالا من العسكر وأمر بإنفاذ جيش معه وامتنع القوهيار وقال: إنه لا حاجة لي فيهم. وخرج وأخرج الأموال ليحملها، فوثب عليه مماليك المازيار من الديالمة وكانوا ألفا ومائتين فقالوا:
« غدرت بصاحبنا وأسلمته إلى العرب وجئت لتحمل أمواله. » فأخذوه وكبّلوه بالحديد، فلمّا جنّه الليل قتلوه وانتهبوا تلك الأموال والبغال.
فانتهى الخبر إلى الحسن فوجّه جيشا إلى الذين قتلوا القوهيار، ووجّه قارن جيشا آخر من قبله في أخذهم، فأخذ منهم صاحب قارن عدّة فيهم ابن عمّ للمازيار يقال له شهريار بن المصمغان وكان رأس العبيد ومحرّضهم، فوجّه به قارن إلى عبد الله بن طاهر فمات في الطريق، وكان جماعة أولئك الديالمة أخذوا على السفح والغيضة يريدون الديلم فنذر بهم محمد بن إبراهيم بن مصعب، فوجّه من قبله الطبرية وغيرهم حتى عارضوهم وأخذوا عليهم الطريق، فأخذوا على طريق الروذبار إلى الرويان.
سبب فساد أمر مازيار
وكان سبب فساد أمر مازيار أنّ جبال طبرستان ثلاثة يتوارثها ثلاثة أولاد لكسرى جبل ونداذ هرمز وجبل أخيه ونداذ سخنان بن الأنداد بن قارن وجبل شروين بن سرخاب بن باب.
فلمّا قوى أمر المازيار بعث إلى ابن عمّه فألزمه بابه وإلى أخيه قوهيار وأنفذ إلى هناك واليا من قبله، فلمّا احتاج مازيار إلى رجال لمحاربة عبد الله بن طاهر دعا ابن عمّه وأخاه وقال:
« أنتما أعلم بجبلكما من غيركما. » وقال: « صيرا في ناحية الجبل. »
وكتب إلى الدرنيّ وضمّ إليه العساكر وولّاه السهل ليحارب عبد الله بن طاهر وظنّ أنّه قد توثّق من الجبل بابن عمّه وأخيه القوهيار، وذلك أنّ الجبل لم يكن يظنّ أنّه يؤتى منه لأنّه ليس فيه للعساكر والمحاربة طريق لكثرة المضايق والشجر الذي فيه، وتوثّق من الموضع الذي يتخوّفه بالدّرنى.
فلمّا وجّه عبد الله بن طاهر عمّه الحسن بن الحسين بن مصعب في عسكر عظيم من خراسان ووجّه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب ووجّه معه صاحب خبر يقال له: يعقوب بن إبراهيم مولى الهادي، ويعرف بقوصرة وزحفت العسكر وأحدقت بمازيار دعا ابن عمّ مازيار نار الحقد الذي كان في قلبه على مازيار وتنحيته له عن جبله، إلى أن كاتب الحسن وأعلمه جميع ما يتطلّعه من الأخبار وأخبر خبر الأفشين، وكذلك فعل قوهيار أخوه.
وكانت هذه الأخبار ترد على عبد الله بن طاهر وعبد الله يكاتب بها المعتصم.
فشرط عبد الله بن طاهر لابن عمّ مازيار إن هو وثب بالمازيار أن يردّ عليه جبله وما ورثه عن آباءه فلا يعرض له فيه ولا يحارب. فرضي بذلك وكتب له بذلك كتابا وتوثّق له فيه فلم يشعر المازيار حتى سلّمت الجبال التي كان يأمنها وأتى من مأمنه وأنزل على حكم المعتصم والعسكر الذي مع الدرنيّ بالسهل غارّون في حربهم فأتاهم الحرب من وراءهم وقد أسر مازيار وهلك، فأعطوا حينئذ بأيديهم حتى هلكوا بأسرهم.
وكان عبد الله بن طاهر لمّا أسر مازيار وحصل في يده منّاه ووعده إن هو أظهره على كتب الأفشين، أن يسأل أمير المؤمنين الصفح عنه، وأعلمه عبد الله أنّه قد علم أنّ الكتب عنده، فأمر المازيار بذلك فطلبت الكتب ووجّه بها مع المازيار إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وأمره أن لا يخرج الكتب من يده والمازيار إلّا الى يد المعتصم لئلا يحتال المازيار في الكتب، ففعل إسحاق ذلك فأوصلها من يده إلى يد المعتصم فسأل المعتصم مازيار عن الكتب فلم يقرّ بها فأمر بضربه حتى مات فصلب إلى جانب بابك.
نهاية الدرني
فأمّا الدرنيّ فإنّه كان في نفسه شجاعا بطلا والتقى مع محمد بن إبراهيم بن مصعب، وكان جمع أموالا ورجالا يريد أن يدخل بها بلاد الديلم فلمّا عارضه محمد بن إبراهيم بين الجبل والغيضة والبحر - والغيضة متصلة بالجبل والديلم - حمل الدرنيّ على أصحاب محمد فكشفهم، ثم سار معارضة من غير هزيمة ليدخل الغيضة ولم يزل يحمل ويكشف الناس ويقرب من الغيضة حتى حمل عليه رجل من أصحاب محمد يقال له فند بن حاجيل فأخذه أسيرا واتبع الجند أصحابه وأخذ جميع ما صحبه من المال والأثاث والدوابّ والسلاح وأمر محمد بقتل أخيه برزجشنس ودعا الدرنيّ فقطعت يده من مرفقه ومدّت رجله فقطعت من الركبة وكذلك اليد الأخرى والرجل الأخرى فقعد الدرنيّ على استه ولم يتكلّم ولا تغيّر، فأمر بضرب عنقه، فأمّا أصحابه فحملوا مكبّلين.
خلاف منكجور الأسروشني بآذربيجان
وفي هذه السنة خالف منكجور الأسروشنى قرابة الأفشين بأذربيجان.
ذكر السبب في ذلك
كان سبب ذلك أنّ الأفشين لمّا فرغ من بابك ولّى أذربيجان منكجور هذا، فأصاب في قرية بابك في بعض منازله مالا عظيما فاحتجنه ولم يعلم به الأفشين ولا المعتصم، وكان على البريد بأذربيجان رجل من الشيعة يقال له عبد الله بن عبد الرحمن، فكتب إلى المعتصم بخبر، المال فكوتب منكجور فيه فأنكره وهمّ منكجور بقتل عبد الله بن عبد الرحمن، وذلك أنّه وقعت بينهما فيه مناظرة فهرب عبد الله وامتنع بأهل أردبيل فمنعوه وقاتلوا، وبلغ ذلك المعتصم فوجّه إليه عسكرا عظيما وبلغ منكجور فخلع وجمع إليه الصعاليك وخرج من أردبيل، وقصده القائد مع العسكر الذي خرج من جهة المعتصم وواقفه فانهزم منكجور وصار إلى حصن لبابك في جبل منيع فبناه وأصلحه وتحصّن فيه ووثب به أصحابه بعد شهر وأسلموه إلى القائد الذي يحاربه، فقدم به سرّ من رأى.
ودخلت سنة خمس وعشرين ومائتين
وفيها أجلس المعتصم أشناس على كرسيّ وتوجّه ووشّحه.
وفيها أحرق غنّام المرتد.
وفيها قدم بمازيار سرّ من رأى وحمل على الفيل.
وكنا ذكرنا أنّ محمد بن عبد الملك قال بيتين في بابك لمّا حمل وهو بهذا أشبه أعنى بمازيار وهما:
قد خضب الفيل كعاداته ** لحمل شيطان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤه ** إلّا لذي شأن من الشان
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)