صفحة 14 من 28 الأولىالأولى ... 4121314151624 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 53 إلى 56 من 110

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء التاسع)


  1. #53
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر خبر هزيمة الأتراك ببغداد

    وفي يوم الاثنين لأيام خلت من ذي العقدة من هذه السنة كانت وقعة عظيمة لأهل بغداد، هزموا فيها الأتراك، وانتهبوا عسكرهم؛ وكان سبب ذلك أن الأبوابكلّها من الجانبين فتحت ونصبت المجانيق والعرّادات في الأبواب كلها والشيّرات في دجلة، وخرج منها الجند كلّهم، وخرج ابن طاهر وبغا ووصيف حين تزاحف الفريقان، واشتدّت الحرب إلى باب لبقطيعة، ثم عبروا إلى باب الشماسيّة، وقعد ابن طاهر في قبّة ضربت له، وأقبلت الرماة من بغداد بالناوكيّة في الزواريق؛ ربما انتظم السهم الواحد عدّة منهم فقتلهم، فهزمت الأتراك، وتبعهم أهل بغداد حتى صاروا إلى عسكرهم، وانتهبوا سوقهم هنالك، وضربوا زورقًا لهم كان يقال له الحديدي، كان آفةً على أهل بغداد بالنار، وغرق من فيه، وأخذوا لهم شبّارتين؛ وهرب الأتراك على وجوههم لا يلوون على شيء، وجعل وصيف وبغا يقولان كلما جيء برأس: ذهب والله الموالي. واتّبعهم أهل بغداد إلى الروذبار، ووقف أبو أحمد بن المتكل يردّ الموالي، ويخبرهم أنهم إن لم يكرّوا لم يبق لهم بقيّة؛ وأن القوم يتبعونهم إلى سامرّا. فتراجعوا، وثاب بعضهم، وأقبلت العامة تحزّ رءوس من قتل؛ وجعل محمد بن عبد الله يطوّق كلّ من جاء برأس ويصله، حتى كثر ذلك، وبدت الكراهة في وجوه من مع بغا ووصيف من الأتراك والموالي؛ ثم ارتفعت غبرة من ريح جنوب، وارتفع الدخان مما احترق، وأقبلت أعلام الحسن بن الأفشين مع أعلام الأتراك يقدمها علمٌ أحمر، قد استلبه غلام لشاهك، فنسى أن ينكّسه؛ فلما رأى الناس العلم الأحمر ومن خلفه "، توهموا أن الأتراك قد رجعوا عليهم وانهزموا؛ وأراد بعض منوقف أن يقتل غلام شاهك، ففهمه، فنكس العلم، والناس قد ازدحموا منهزمين؛ وتراجع الأتراك إلى معسكرهم ولم يعلموا بهزيمة أهل بغداد، فتحمّلوا عليهم؛ فانصرف الفريقان بعضهم عن بعض.
    خبر وقعة أبي السلاسل مع المغاربة

    وفيها كانت وقعة لأبي السلاسل وكيل وصيف بناحية الجبل مع المغاربة، وكان سب ذلك - فيما ذكر - أنّ رجلا من المغاربة يقال له نصر سلهب، صار بجماعة من المغاربة إلى عمل بعض ما إلى أبي الساج من الأرض، وانتهب هو وأصحابه ما هنالك من القوى؛ فكتب أبو السلاسل إلى أبي الساج يعلمه ذلك، فوجّه أبو الساج إليه - فيما ذكر - بنحو من مائة نفس بين فارس وراجل؛ فلمّا صاروا إليه كبس أولئك المغاربة، فقتل منهم ى تسعة، وأسر عشرين. وأفلت نصر سهلب ساريًا.
    ذكر خبر وقوع الصلح بين الموالي وابن طاهر

    ووضعت الحرب أوزارها بعد هذه الوقعة بين الموالي وابن طاهر؛ فلم يعودوا لها، وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أنّ ابن طاهر قد كان كاتب المعتزّ قبل ذلك في الصلح؛ فلما كانت هذه الوقعة أنكرت عليه؛ فكتب إليه؛ فذكر أنه لا يعود بعدها لشيء يكرهه؛ ثم أغلقت بعد ذلك على أهل بغداد أبوابها؛ فاشتّد عليهم الحصار، فصاحوا في أوّل ذي العقدة من هذه السنة في يوم الجمعة: الجوع! ومضوا إلى الجزيرة التي هي تلقاء دار ابن طاهر؛ فأرسل إليهم ابن طاهر: وجّهوا إلي منكم خمسة مشايخ، فوجّهوا بهم، فأدخلوا عليه؛ فقال لهم: إنّ من الأمور أمورًا لا يعلم بها العامّة؛ وأنا عليل، ولعلي أعطي الجند أرزاقهم ثم أخرج بهم إلى عدوّكم. فطابت أنفسهم، وخرجوا عن غير شيء، وعادت العامة والتّجار بعد إلى الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر؛ فصاحوا وشكوا ما هم فيه من غلاء السعر، فبعث إليهم فسكّنهم؛ ووعدهم ومنّاهم. وأرسل ابن طاهر إلى المعتزّ في الصلح. واضطرب أمر أهل بغداد، فوافى بغداد للنصف من ذي العقدة من هذه السنة حماد بن إسحاق ابن حماد بن زيد، ووجّه مكانه أبو سعيد الأنصاري إلى عسكر أبي أحمد رهينة، فلقي حماد بن إسحاق ابن طاهر، فخلا به فلم يذكر ما جرى بينهما. ثم انصرف حماد ألى عسكر أبي أحمد، ورجع أبو سعيد الأنصاري، ثم رجع حماد إلى ابن طاهر، فجرت بين ابن طاهر وبين أبي أحمد رسائل مع حمّاد.
    ولتسع بقين من ذي العقدة خرج أحمد بن إسرائيل إلى عسكر أبي أحمد مع حماد وأحمد بن إسحاق وكيل عبيد الله بن يحيى بإذن ابن طاهر لمناظرة أبي أحمد في الصلح.
    ولسبع بقين من ذي العقدة أمر ابن طاهر بإطلاق جميع من في الحبوس ممن كان حبس بسبب ما كان بينه وبين أبي أحمد من الحروب ومعاونته إياه عليه فأطلقه. ومن غد هذا اليوم اجتمع قوم من رجالة الجند وكثير من العامة، فطلب الجند أرزاقهم، وشكت العامة سوء الحال التي هم بها من الضيق وغلاء السعر وشدة الحصار، وقالوا: إما خرجت فقاتلت؛ وإما تركتنا؛ فوعدهم أيضًا الخروج أو فتح الباب للصلح، ومناهم. فانصرفوا.
    فلما كان بعد ذلك، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة شحن السجون والجسر وباب داره والجزيرة بالجند والرجال، فحضر الجزيرة بشر كثير، فطردوا من كان ابن طاهر صيرهم فيها، ثم صاروا إلى الجسر من الجانب الشرقي، ففتحوا سجن النساء، وأخرجوا من فيه، ومنعهم علي بن جهشيار ومن معه من الطبرية من سجن الرجال، ومانعهم أبو مالك الموكل بالجسر الشرقي، فشجوه وجرحوا دابتين لأصحابه؛ فدخل داره وخلاهم، فانتهبوا ما في مجلسه، وشد عليهم الطبرية فنحوهم حتى أخرجوهم من الأبواب، وأغلقوها دونهم، وخرج منهم جماعة، ثم عبر إليهم محمد بن أبي عون، فضمن للجند رزق أربعة أشهر؛ فانصرفوا على ذلك، وأمر ابن طاهر بإعطاء أصحاب ابن جهشيار أرزاقهم لشهرين من يومهم فأعطوا.
    ذكر بدء عزم ابن طاهر على خلع المستعين والبيعة للمعتز

    ووجه أبو أحمد خمس سفائن من دقيق وحنطة وشعير وقت وتبن إلى ابن طاهر في هذه الأيام، فوصلت إليه. ولما كان يوم الخميس لأربع خلون من ذي الحجة علم الناس ما عليه ابن طاهر من خلعه المستعين وبيعته للمعتز، ووجه ابن طاهر قواده إلى ابن أبي أحمد حتى بايعوه للمعتز، فخلع على كل واحد منهم أربع خلع، وظنت العامة أن الصلح جرى بإذن الخليفة المستعين، وأن المعتز ولى عهده.
    خروج العامة ونصرة المستعين على ابن طاهر

    ولما كان يوم الأربعاء خرج رشيد بن كاوس - وكان موكلًا بباب السلامة - مع قائد يقال له نهشل بن صخر بن خزيمة بن خازم وعبد الله بن محمود، ووجه إلى الأتراك بإنه على المصير إليهم ليكون معهم، فوافاه من الأتراك زهاء ألف فارس؛ فخرج إليهم على سبيل التسليم عليهم؛ على أن الصلح قد وقع، فسلم عليهم، وعانق من عرف منهم، وأخذوا بلجام دابته، ومضوا به وبابنه في أثره؛ فلما كان يوم الاثنين صار رشيد إلى باب الشماسية فكلم الناس، وقال: إن أمير المؤمنين وأبا جعفر يقرئان عليكم السلام، ويقولان لكم: من دخل في طاعتنا قربناه ووصلناه، ومن آثر غير ذلك فهو أعلم؛ فشتمه العامة. ثم طاف على جميع أبواب الشرقية بمثل ذلك، وهو يشتم في كل باب، ويشتم المعتز. فلما فعل رشيد ذلك علمت العامة ما عليه ابن طاهر، فمضت إلى الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر؛ فصاحوا به وشتموه أقبح شتم؛ ثم صاروا إلى بابه، ففعلوا مثل ذلك؛ فخرج إليهم راغب الخادم، فحضهم على ما فعلوا، وسألهم الزيادة فيما هم فيه من نصرة المستعين، ثم مضى إلى الحظيرة التي فيها الجيش، فمضى بهم وجماعة أخر غيرهم وهم زهاء ثلثمائة في السلاح، فصاروا إلى باب ابن طاهر، فكشفوامن عليه وردهم، فلم يبرحوا يقاتلونهم، حتى صاروا إلى دهليز الدار، وأرادوا إحراق الباب الداخل فلم يجدوا نارًا، وقد كانوا باتوا بالجزيرة الليل كله يشتمونه ويتناولونه بالقبيح.
    وذكر عن ابن شجاع البلخي أنه قال: كنت عند الأمير وهو يحدثني ويسمع ما يقذف به من كل إنسان؛ حتى ذكروا اسم أمه، فضحك وقال: يا أبا عبد الله، ما أدري كيف عرفوا اسم أمي! ولقد كان كثير من جواري أبي العباس عبد الله بن طاهر لا يعرفون اسمها، فقلت له: أيها الأمير، ما رأيت أوسع من حلمك، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما رأيت أوفق من الصبر عليهم؛ ولا بد من ذلك. فلما أصبحوا وافوا الباب، فصاحوا؛ فصار ابن طاهر إلى المستعين يسأله أن يطلع إليهم ويسكنهم ويعلمهم ما هو عليه لهم! فأشرف عليهم من أعلى الباب وعليه البردة والطويلة، وابن طاهر إلى جانبه؛ فحلف لهم بالله ما أتهمه؛ وإني لفي عافية ما على منه بأس وإنه لم يخلع، ووعدهم أنه يخرج في غد يوم الجمعة ليصلي بهم، ويظهر لهم فانصرف عامتهم بعد قتلى وقعت.
    ولما كان يوم الجمعة بكر الناس بالصياح يطلبون المستعين، وانتهبوا دوابعلى بن جهشيار - وكانت في الخراب، على باب الجسر الشرقي - وانتهب جميع ما كان في منزله وهرب؛ وما زال الناس وقوفًا على ما هم عليه إلى ارتفاع النهار، فوافى وصيف وبغا وأولادهما ومواليهما وقوادهما وأخوال المستعين؛ فصار الناس جميعًا إلى الباب، فدخل وصيف وبغا في خاصتهما، ودخل أخوال المستعين معهم إلى الدهليز، ووقفوا على دوابهم، وأعلم ابن طاهر بمكان الأخوال؛ فأذن لهم بالنزول فأبوا، وقالوا: ليس هذا يوم نزولنا عن ظهور دوابنا حتى نعلم نحن والعامة ما نحن عليه؛ ولم تزل الرسل تختلف إليهم، وهم يأبون، فخرج إليهم محمد بن عبد الله نفسه، فسألهم النزول والدخول إلى المستعين، فأعلموه أن العامة قد ضجت مما بلغها وصح عندها ما أنت عليه من خلع المستعين والبيعة للمعتز، وتوجيهك القواد بعد القواد للبيعة للمعتز، وإرادتك التهويل ليصير الأمر إليه وإدخاله الأتراك والمغاربة بغداد. فيحكموا فيهم بحكمهم فيمن ظهروا عليه من أهل المدائن والقرى، واستراب بك من أهل بغداد، واتهموك على خليفتهم وأموالهم وأولادهم وأنفسهم؛ وسألوا إخراج الخليفة إليهم ليروه ويكذبوا ما بلغهم عنه، فلما تبين محمد بن عبد الله صحة قولهم، ونظر إلى كثرة اجتماع الناس وضجيجهم سأل المستعين الخروج إليهم: فخرج إلى دار العامة التي كان يدخلها جميع الناس، فنصب له فيها كرسي، وأدخل إليه جماعة من الناس فنظروا إليه، ثم خرجوا إلى من وراءهم؛ فأعلموهم صحة أمره، فلم يقنعوا بذلك، فلما تبين له أنهم لا يسكنون دون أن يخرج إليهم - وقد كان عرف كثرة الناس - أمر بإغلاق الباب الحديد الخارج فأغلق، وصار المستعين وأخواله ومحمد بن موسى المنجم ومحمد بن عبد الله إلى الدرجة التي تفضى إلى سطوح دار العامة وخزائن السلاح، ثم نصب لهم سلاليم على سطح المجلس الذي يجلس فيه محمد بن عبد الله والفتح بن سهل، فأشرف المستعين على الناس وعليه سواد، وفوق السواد بردة النبي صلى الله، ومعه القضيب؛ فكلم الناس وناشدهم، وسألهم بحق صاحب البردة إلا انصرفوا؛ فإنه في أمن وسلامة، وإنه لا بأس عليه من محمد بن عبد الله، فسألوه الركوب معهم والخروج من دار محمد بن عبد الله لأنهم لا يأمنونه عليه، فأعلمهم أنه على النقلة منها إلى دار عمته أم حبيب ابنة الرشيد؛ بعد أن يصلح له ما ينبغي أن يسكن فيه، وبعد أن يحول أمواله وخزائنه وسلاحه وفرشه وجميع ما له في دار محمد بن عبد الله؛ فانصرف أكثر الناس. وسكن أهل بغداد ولما فعل أهل بغداد ما فعلوا من اجتماعهم على ابن طاهر مرة بعد مرة وإسماعهم إياه المكروه، تقدم إلى أصحاب المعاون ببغداد بتسخير ما قدروا عليه من الإبل والبغال والحمير لينتقل عنها، وذكروا أنه أراد أن يقصد المدائن، واجتمع على بابه جماعة من مشايخ الحربية والأرباض جميعًا؛ يعتذرون إليه ويسألونه الصفح عما كان منهم؛ ويذكرون أن الذي فعل ذلك الغوغاء والسفهاء لسوء الحال التي كانوا بها والفاقة التي نالتهم، فرد عليهم - فيما ذكر - مردًا جميلًا، وقال لهم قولًا حسنًا وأثنى عليهم وصفح عما كان منهم، وتقدم إليهم بالتقدم إلى شبابهم وسفهائهم في الأخذ على أيديهم، وأجابهم إلى ترك النقلة، وكتب إلى أصحاب المعاون بترك السخرة.


  • #54
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر خبر انتقال المستعين إلى دار رزق الخادم بالرصافة

    ولأيام خلون من ذي الحجة انتقل المستعين من دار محمد بن عبد الله وركب منها، فصار إلى دار رزق الخادم في الرصافة، ومن بدار علي بن المعتصم، فخرج إليه علي، فسأله النزول عنده؛ فأمر بالركوب، فلما صار إلى دار رزق الخادم نزلها، فوصل إليها - فيما ذكر - مساء، فأمر للفرسان من الجند حين صار إليها بعشرة دنانير لكل فارس منهم، وبخمسة دنانير لكل راجل. وركب بركوب المستعين ابن طاهر، وبيده الحربة يسير بها بين يديه، والقواد خلفه، وأقام - فيما ذكر - مع المستعين ليلة انتقل إلى ديار رزق محمد بن عبد الله إلى ثلث الليل ثم انصرف وبات عنده وصيف وببغا حتى السحر ثم انصرفا إلى منازلهما.
    ولما كانت صبيحة اللليلة التي انتقل المستعين فيها من دلر ابن طاهر اجتمع الناس في الرصافة وأمر القوادّ وبنوها هاشم بالمصير إلى ابن طاهر والسلام عليه وأن يسيروا معه إذا ركب إلى الرصافة فصاروا إليه فلما كان الضحى الأكبر من ذلم اليوم، ركب ابن طاهر وجميع قواده في تعبئة وحوله ناشبة رجالة؛ فلما خرج من داره وقف للناس، فعاتبهم وحلف أنه ما أضمر لأمير المؤمنين - أعزه الله - ولا لولى ولأحد من الناس سوءًا، وأنه لما يريد إلا إصلاح أحوالهم، وما تدوم به النعمة عليهم، وأنهم قد توهموا عليه ما لا يعرفه، حتى أبكى الناس، فدعا له من حضر، وعبر الجسر، وصار إلى المستعين، وبعث فأحضر جيرانه ووجوه أهل الأرباض من الجانب الغربي، فخاطبهم بكلام عاتبهم فيه، واعتذر إليهم مما بلغهم، ووجه وصيف وبغا من طاف على أبواب بغداد، ووكلا صالح بن وصيف بباب الشماسية. وذكر أن المستعين كان كارهًا لنقله عن دار محمد؛ ولكنه انتقل عنها من أجل الناس ركبوا الزواريق بالنفاطين ليضربوا روشن ابن طاهر بالنار لمّا صعد بابه فتح بابه يوم الجمعة.
    وذكر أنّ قومًا منهم كنجور، وقفوا بباب الشماسيّة من قبل أبي أحمد، فطلبوا ابن طاهر ليكلموه، فكتب إلى وصيف يعلمه خبر القوم، ويسأله أن يعلم المستعين ذلك ليأمر فيه بما يرى؛ فردّ المستعين الأمر في ذلك إليه؛ وأنّ التدبير في جميع ذلك مردود إليه، فيتقدّم في ذلك بما رأى.
    وذكر أنّ علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم كلّم محمد بن عبد الله في ذلك الكلام غليظ، فوثب عليه محمد بن أبي عون فأسمعه وتناوله.
    وذكر عن سعيد بن حميد أنّ أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وعبيد الله بن يحيى خلوا بابن طاهر؛ فما زالوا يفتلونه في الذرّوة والغارب، ويشيرون عليه بالصلح، وأنه ربما كان عنده قوم فأجروا الكلام في خلاف الصلح، فيكشر في وجوههم، ويعرض عنهم؛ فإذا حضر هؤلاء الثلاثة أقبل عليهم وحادثهم وشاورهم.
    وذكر عن بعضهم أنه قال: قلت لسعيد بن حميد يومًا: ما ينبغي إلّا أن يكون قد كان انطوى على المداهنة في أوّل أمره؛ قال: وددت أنه كان كذلك؛ لا والله ما هو إلّا أن هزم أصحابه من المدائن والأنبار حتى كاتب القوم، وأجابهم بعد أن كان قد جادّهم.
    وحدثني أحمد بن يحيى النحوي - وكان يؤّدب ولد ابن طاهر - أنّ محمد بن عبد الله لم يزل جادًّا في نصرة المستعين حتى أحفظه عبيد الله بن يحيى ابن خاقان، فقال له: أطال الله بقائك! إنّ هذا الذي تنصره وتجدّ في أمره من أشدّ الناس نفاقًا، وأخبثهم دينًا؛ والله لقد أمر وصيفًا وبغا بقتلك، فاستعظما ذلك ولم يفعلاه، وإن كنت شاكًّا فيما وصفت من أمره، فسل تخبره؛ وإن من ظاهر نفاقه أنه كان وهو بسامرّا لا يجهر في صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم؛ فلما صار إلى ما قبلك، جهر بها مراءاةً لك؛ وتترك نصرة وليك وصهرك وتربيتك؛ ونحو ذلك من كلام كلّمه به؛ فقال محمد بن عبد الله: أخزى الله هذا، لا يصلح لدين ولا دنيا، قال: وكان أوّل من تقدّم على صرف محمد بن عبد الله عن الحدّ في أمر المستعين عبيد الله بن يحيى في هذا المجلس، ثم ظاهر عبيد الله بن يحيى على ذلك أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد؛ فلم يزالوا به حتى صرفوه عمّا كان عليه من الرأي في نصرة المستعين.
    وفي يوم الأضحى من هذه السنة صلّى بالناس صلاة الأضحى في الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر، وركب وبين يديه عبيد الله بن عبد الله، معه الحربة التي لسليمان، وبيد الحسين بن إسماعيل حربة السلطان، وبغا ووصيف يكنفانه؛ ولم يركب محمد بن عبد الله بنطاهر، وصلى عبد الله ابن إسحاق في الرصافة.
    ذكر بدء المفاوضة في أمر خلع المستعين

    وفي يوم الخميس ركب محمد بن عبد الله إلى المستعين، وحضره عدّة من الفقهاء والقضاة، فذكر أنه قال للمستعين: قد كنت فارقتني على أن تنفذ في كل ما أعزم عليه؛ ولك عندي بخطك رقعة بذلك، فقال للمستعين: أحضر الرقعة. فأحضرها؛ فإذا فيها ذكر الصلح؛ وليس فيها ذكر الخلع، فقال: نعم، أنفذ الصلح، فقام الخلنجي فقال: ياأمير المؤمنين؛ إنه يسألك أن تخلع قميصًا قمصك به الله، وتكلم علي بن يحيى المنجم فأغلظ لمحمد ابن عبد الله.
    ثم ركب بعد ذلك محمد بن عبد الله - وذلك للنصف من ذي الحجة - إلى المستعين بالرصافة، ثم انصرف ومعه وصيف وبغا، فمضوا جميعًا حتى صاروا إلى باب الشماسية، فوقف محمد بن عبد الله على دابته، ومضى وصيف وبغا إلى دار الحسن بن الأفشين، وانحدرت المبيضة والغوغاء من السور، ولم يطلق لأحد فتح الأبواب، وقد كان خرج قبل ذلك جماعة كثيرة إلى عسكر أبي أحمد، فاشتروا ما أرادوا؛ فلما خرج من ذكرنا إلى باب الشماسية نودي في أصحاب أبي أحمد ألا يباع من أحد من أهل بغداد شئ؛ فمنعوا من الشراء، وكان قد ضرب لمحمد بن عبد الله الشماسية مضرب كبير أحمر؛ وكان مع ابن طاهر بندار الطبري وأبو السنا ونحو من مائتي فارس ومائتي راجل، وجاء أبو أحمد في زلال حتى قرب من المضرب، ثم خرج ودخل المضرب مع محمد بن عبد الله، ووقف الذين مع كل واحد منهما من الجند ناحية، فتناظر ابن طاهر وأبو أحمد طويلًا، ثم خرجا من المضرب، وانصرف ابن طاهر من مضربه إلى داره في زلال؛ فلما صار إليها خرج من الزلال، فركب ومضى إلى المستعين ليخبره بما دار بينه وبين أبي أحمد، وأقام عنده إلى العصر، ثم انصرف؛ فذكر أنه فارقه على أن يعطى خمسين ألف دينار ويقطع غلة ثلاثين ألف دينار في السنة، وأن يكون مقامه بغداد حتى يجتمع لهم مال يعطون الجند؛ وعلى أن يولى بغا مكة والمدينة والحجاز، ووصيف الجبل وما ولاه، ويكون ثلث ما يجئ من المال لمحمد بن عبد الله، وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك.
    وذكر أن أحمد بن إسرائيل لما صار إلى المعتز ولاه ديوان البريد، وفارقه على أن يكون هو الوزير وعيسى بن فرخانشاه على ديوان الخراج وأبو نوح على الخاتم والتوقيع؛ فاقتسموا الأعمال، فوردت خريطة الموسم إلى بغداد بالسلامة، فبعث بها إلى أبي أحمد، ثم ركب ابن طاهر - فيما قيل - لأربع عشرة بقيت من ذي الحجة من هذه السنة إلى المستعين، لمناظرته في الخلع، فناظره فامتنع عليه المستعين، وظن المستعين أن بغا ووصيفًا معه، فكاشفاه فقال المستعين: هذا عنقي والسيف والنطع؛ فلما رأى امتناعه انصرف عنه؛ فبعث المستعين إلى ابن طاهر بعلي بن يحيى المنجم وقوم من ثقاته، وقال: قولوا له: اتق الله؛ فإنما جئتك لتدفع عني؛ فإن لن تدفع عني فكف عني. فرد عليه، أما أنا فأقعد في بيتي؛ ولكن لا بد لك من خلعها طائعًا أو مكرهًا وذكر عن علي بن يحيى أنه قال له: قل له: إن خلعتها فلا بأس؛ فوالله لقد تمزقت تمزقًا لا يرقع؛ وما تركت فيها فضلًا. فلما رأى المستعين ضعف أمره وخذلان ناصريه أجاب إلى الخلع فلما كان يوم الخميس لاثني عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، وجه ابن طاهر ابن الكردية وهو محمد بن إبراهيم بن جعفر الأصغر بن المنصور والخلنجي وموسى بن صالح بن شيخ وأبا سعيد الأنصاري وأحمد بن اسرائيل ومحمد بن موسى المنجم إلى عسكر أبي أحمد ليواصلوا كتاب محمد إليه بأشياء سألها المستعين من حين ندب إلى أن يخلع نفسه. فأوصلوا الكتاب، فأجاب إلى ما سأل، وكتب الجواب بأن يقطع وينزل مدينة الرسول ، وأن يكون مضطر به من مكة إلى المدينة، ومن المدينة إلى مكة. فأجابه إلى ذلك؛ فلم يقنع المستعين إلا بخروج ابن الكردية بما سأل إلى المعتز، حتى يكتب بإجابته بذلك بخطه بعد مشافهة ابن الكردية المعتز بذلك، فتوجه ابن الكردية بها، وكان سبب إجابة المستعين إلى الخلع - فيما ذكر - أن وصيفًا وبغا وابن طاهر ناظروه في ذلك وأشاروا عليه؛ فأغلظ لهم، فقال له وصيف: أنت أمرتنا بقتل باغر، فصرنا إلى ما نحن فيه؛ وأنت عرضتنا لقتل أوتامش، وقلت: إن محمدًا ليس بناصح؛ وما زالوا بفزعونه ويحتاجون له، فقال محمد ابن عبد الله: وقد قلت لي إن أمرنا لا يصطلح إلا باستراحتنا من هذين؛ فلما اجتمعت كلمتهم أذعن لهم بالخلع، وكتب بما اشترط لنفسه عليهم؛ وذلك لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة.
    ولما كان يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة، ركب محمد بن عبد الله إلى الرصافة وجميع القضاة والفقهاء، وأدخلهم على المستعين فوجًا فوجًا، وأشهدهم عليه أنه قد صير أمره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر؛ ثم أدخل عليه البوابين والخدم، وأخذ منه جوهر الخلافة، وأقام عنده حتى مضى هوى من الليل، وأصبح الناس يرجفون بألوان الأراجيف، وبعث ابن طاهر إلى قواده في موافاته؛ مع كل قائد منهم عشرة نفر من وجوه أصحابه، فوافوه، فأدخلهم ومناهم، وقال لهم: إنما أردت بما فعلت صلاحكم وسلامتكم وحقن الدماء. وأعد للخروج إلى المعتز في الشروط التي اشترطها للمستعين ولنفسه ولقواده قومًا ليوقع المعتز في ذلك بخطه. ثم أخرجهم إلى المعتز، فمضوا إليه حتى وقع في ذلك بخطه إمضاء كل ما سأل المستعين وابن طاهر لأنفسهما من الشروط، وشهدوا عليه بإقراره بذلك كله، وخلع المعتز على الرسل، وقلدهم سيوفًا، وانصرفوا بعد جائزة ولا نظر في حاجة لهم، ووجه معهم لأخذ البيعة له على المستعين جماعة من عنده، ولم يأمر للجند بشئ، وحمل إلى المستعين أمه وابنته وعياله بعد ما فتش عياله، وأخذ منهم بعض ما كان معهم مع سعيد بن صالح؛ فكان دخول الرسل بغداد منصرفهم من عند المعتز يوم الخميس لثلاث خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.


  • #55
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وذكر أن رسل المعتز لما صاروا بالشماسية، قال ابن سجادة: أنا أخاف من أهل بغداد؛ فإما أن يحمل المستعين إلى الشماسية أو ألى دار محمد بن عبد الله ليبايع المعتز، ويخلع نفسه ويؤخذ منه القضيب والبردة.
    وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة كان ظهور المعروف بالكوكبي بقزوين وزنجان وغلبته عليها وطرده عنها آل طاهر؛ واسم الكوكبي الحسين بن أحمد ابن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأرقط بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
    وفيها قطعت بنو عقيل طريق جدة، فحاربهم جعفر بشاشات، فقتل من أهل مكة نحو من ثلثمائة رجل، وبعض بني عقيل القائل:
    عليك ثوبان وأمي عارية ** فألق لي ثوبك يا بن الزانية
    فلما فعل بنو عقيل ما فعلوا غلت بمكة الأسعار، وأغارت الأعراب على القرى.
    ذكر خبر خروج إسماعيل بن يوسف بمكة

    وفيها ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب بمكة، فهرب جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى العامل على مكة، فانتهب إسماعيل بن يوسف منزل جعفر ومنزل أصحاب السلطان، وقتل الجند وجماعة من أهل مكة، وأخذ ما كان حمل لإصلاح العين من المال وما كان في الكعبة من الذهب، وما في خزائنها من الذهب والفضة والطيب وكسوة الكعبة، وأخذ من الناس نحوًا من مائتي ألف دينار، وأنهب مكة، وأحرق بعضها في شهر ربيع الأول منها، ثم أخرج منها بعد خمسين يومًا، ثم صار إلى المدينة، فتوارى علي بن الحسين بن إسماعيل العامل عليها، ثم رجع إسماعيل إلى مكة في رجب، فحصرهم حتى تماوت أهلها جوعًا وعطشًا؛ وبلغ الخبز ثلاث أواق بدرهم، واللحم رطل بأربعة دراهم، وشربة ماء ثلاثة دراهم؛ ولقى أهل مكة منه كل بلاء ثم رحل بعد مقام سبعة وخمسين يومًا إلى جدة، فحبس عن الناس الطعام، وأخذ أموال التجار وأصحاب المراكب، فحمل إلى مكة الحنظة والذرة من اليمن، ثم وافت المراكب من القلزم، ثم وافى إسماعيل بن يوسف الموقف؛ وذلك يوم عرفة، وبه محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الملقب كعب البقر، وعيسى بن محمد المخزومي صاحب جيش مكة - وكان المعتز وجهها إليها - فقاتلهم، فقتل نحو من ألف ومائة من الحاج، وسلب الناس، وهربوا إلى مكة، ولم يقفوا بعرفة ليلًا ولا نهارًا، ووقف إسماعيل وأصحابه، ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها.
    ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائتين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر خبر خلع المستعين وبيعة المعتز

    فمن ذلك ما كان من خلع المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم نفسه الخلافة، وبيعة للمعتز محمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم، والدعاء للمعتز على منبري بغداد ومسجدي جانبيها الشرقي منها والغربي، يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم من هذه السنة، وأخذ البيعة له بها على كل من كان يومئذ بها من الجند.
    وذكر أن ابن طاهر دخل على المستعين ومعه سعيد بن حميد حين كتب له بشروط الأمان، فقال له: يا أمير المؤمنين؛ قد كتب سعيد كتب الشروط وأكد غاية التأكيد، فنقرؤه عليك فتسمعه؟ فقال له المستعين: لا عليك! ألا تركها يا أبا العباس، فما القوم بأعلم بالله منك؛ قد أكدت على نفسك قبلهم فكان ما قد علمت؛ فما رد عليه محمد شيئًا.
    ولما بايع المستعين المعتز، وأخذ عليه البيعة ببغداد، وأشهد عليه الشهود من بني هاشم والقضاة والفقهاء والقواد نقل من الموضع الذي كان به من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل بالمحرم هو وعياله وولده وجواريه، فأنزلوهم فيه جميعًا، ووكل بهم سعيد بن رجاء الحضاري في أصحابه وأخذ المستعين البردة والقضيب والخاتم، ووجّ مع عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وكتب معه: أما بعد: فالحمد لله متممّ النعم برحمته، والهادي إلى شكره بفضله وصلّى الله على محمد عبده ورسوله؛ الذي جمع له ما قرّق من الفضل في الرسل قبله، وجعل تراثه راجعًا إلى من خصّه بخلافته، وسلّم تسليمًا. كتابي إلى أمير المؤمنين وقد تممّ الله له أمره، وتسلّمت تراث رسول الله ممن كان عنده، وأنفذته إلى أمير المؤمنين مع عبيد الله بن عبد الله مولى أمير المؤمنين وعبده.
    ومنع المستعين الخروج إلى مكة، واختار أن ينزل البصرة. فذكر عن سعيد ابن حميد أن محمد بن موسى بن شاكر قال: البصرة وبيّة، فكيف اخترت أن تنزلها! فقال المستعين: هي أوبى، أو ترك الخلافة! وذكر أنّ قرب جارية قبيحة جاءت برسالة إلى المستعين من المعتزّ يسأله أن ينزل عن ثلاث جوارٍ كان المستعين تزوجهّن من جواري المتوكل، فنزل عنهنّ، وجعل أمرهنّ إليهنّ؛ وكان احتبس عنده من الجوهر خاتمين يقال لأحدهما البرج وللآخر الجبل، فوجّه إليه محمد بن عبد الله بقرب خاصيّة المعتزّ وجماعة، فدفعهما إليهم، وانصرفوا بذلك إلى محمد بن عبد الله، فوجّه به إلى المعتزّ.
    ولست خلون من المحرّم دخل - فيما قيل - بغداد أكثر من مائتي سفينة، فيها من صنوف التجارات وغنم كثير، وأشخص المستعين مع محمد بن مظفّر ابن سيسل وابن أبي حفصة إلى واسط في نحو من أربعمائة فرسان ورجّالة. وقدم بعد ذلك على ابن طاهر عيسى بن فرّخانشاه وقرب، فأخبراه أن ياقوتة من جوهر الخلافة قد حبسها أحمد بن محمد عنده؛ فوجّه ابن طاهر الحسين ابن إسماعيل فأخرجها، فإذا ياقوتة بهيّة، أربع أصابع طولًا في عرض مثل ذلك، وإذا هو قد كتب عليها اسمه، فدفعت إلى قرب، فبعثت بها إلى المعتزّ.
    واستوزر المعتزّ أحمد بن إسرائيل، وخلع عليه، ووضع تاجًا على رأسه، وشخص أبو أحمد إلى سامرّا يوم السبت لاثنتي عشرة خلت من المحرّم منها، وشيّعه محمد بن عبد الله والحسن بن مخلد، فخلع على محمد بن عبد الله خمس خلع وسيفًا، ورجع من الروذباز.
    وقال بعض الشعراء في خلع المستعين:
    خلع الخلافة أحمد بن محمدٍ ** وسيقتل التالي له أو يخلع
    ويزول ملك بني أبيه ولا يرى ** أحدٌ تملك منهم يستمتع
    إيهًا بني العباس إنّ سبيلكم ** في قتل أعبدكم طريقٌ مهيع
    رقعتم دنياكم فتمزّقت ** بكم الحياة تمزّقا لا يرقع
    وقال بعض البغداديين:
    إني أراك من الفراق جزوعًا ** أضحى الإمام مسيرًا مخلوعا
    كانت به الآفاق تضحك بهجةً ** وهو الربيع لمن أراد ربيعا
    لا تنكري حدث الزمان وريبه إن الزمان يفرق المجموعا
    لبس الخلافة واستجد محبةً ** يقضي أمور المسلمين جمعيا
    فجنت عليه يد الزمان بصرفه ** حربًا وكان عن الحروب شسوعا
    وتجانف الأتراك عنه تمردًا ** أضحى وكان ولا يراع مروعا
    فنز بهم فنزوا به وتعاورت ** أيدي الكماة من الرءوس نجيعا
    فأزاله المقدار عن رتب العلا ** فثوى بواسط لا يحس رجوعا
    غدروا به، مكروا به، خانوا به ** لزم الفراش، وحالف التضجيعا
    وتكنفوا بغداد من أقطارها ** قد ذللوا ما كان قبل منيعا
    ولو أنه سعر الحروب بنفسه ** متلببًا للقائهن دروعا
    حتى يصادم بالكماة كماته ** فيكون من قصد الحروب صريعا
    لغدا على ريب الزمان محرمًا ** ولكان إذ غدر اللئام منيعا
    لكن عصى رأى الشفيق وعذله ** وغدا لأمر الناكثين مطيعا
    والملك ليس بمالك سلطانه ** من كان للرأي السديد مضيعا
    ما زال يخدع نفسه عن نفسه ** حتى غدا عن ملكه مخدوعا
    باع ابن طاهر دينه عن بيعةٍ ** أمسى بها ملك الإمام منيعا
    خلع الخلافة والرعية فاغتدى ** من دين رب محمد مخلوعا
    فليجرعن بذاك كأسًا مرةً ** وليلفين لتابعيه تبيعا
    وقال محمد بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان حين خلع المستعين، وصار إلى واسط:
    إن الأمور إلى المعتز قد رجعت ** والمستعان إلى حالاته رجعا
    وكان يعلم أن الملك ليس له ** وأنه لك لكن نفسه خدعا
    ومالك الملك مؤتيه ونازعه ** آتاك ملكًا ومنه الملك قد نزعا
    إن الخلافة كانت لا تلائمه ** كانت كذات حليل زوجت متعا
    ما كان أقبح عند الناس بيعته ** وكان أحسن قول الناس قد خلعا
    ليت السفين إلى قافٍ دفعن به ** نفسي الفداء لملاحٍ به دفعا
    كم ساس قبلك أمر الناس من ملك ** لو كان حمل ما حملته ظلعا
    أمسى بك الناس بعد الضيق في سعة ** والله يجعل بعد الضيق متسعا
    والله يدفع عنك السوء من ملك ** فإنه بك عنا السوء قد دفعا
    ما ضاع مدحي ولا ضاع اصطناعك لي ** وقد وجدت بحمد الله مصطنعًا
    فاردد علي بنجدٍ ضيعة قبضت ** فإن مثلك مثلي يقطع الضيعا
    فإن رددت إمام العدل غلتها ** فالله آنف حسادي به جدعا
    وقال يمدح المعتز بعد خلع المستعين:
    قد عادت الدنيا إلى حالها ** وسرنا الله بإقبالها
    دنيا بك الله كفى أهلها ** ما كان من شدة أهوالها
    وكان قد ملكها جاهل ** لا تصلح الدنيا لجهالها
    قد كانت الدنيا به قفلت ** فكنت مفتاحًا لأقفالها
    إن التي فزت بها دونه ** عادت إلى أحسن أحوالها
    خلافةٌ كنت حقيقيًا بها ** فضلك الله بسربالها
    فرده الله إلى حاله ** وردها الله إلى حالها
    ولم تكن أول عاريةٍ ** ردت على رغم إلى آلها
    والله لو كان على قريةٍ ** ما كان يجزى بعض أعمالها
    أدخل في الملك يدًا رعدةً ** أخرجها من بعد إدخالها
    بدلنا الله به سيدًا ** أسكن دنيا بعد زلزالها
    بدلت الأمة هذا بذا ** كأنها في وقت دجالها
    وقام بالملك وأثقاله ** وقام بالحرب وأثقالها
    أبطل ما كان العدا أملوا ** رميك بالخيل وأبطالها
    تعمل خيلًا طالما نجحت ** ما عملت خيلٌ كأعمالها
    وقال الوليد بن عبيد البحتري في خلع المستعين ومدح المعتز:
    ألا هل أتاها أن مظلمة الدجى ** تجلت وأن العيش سهل جانبه
    وأنا رددنا المستعار مذممًا ** على أهله واستأنف الحق صاحبه
    عجبت لهذا الدهر أعيت صروفه ** وما الدهر إلا صرفه وعجائبه
    متى أمل الدياك أن يصطفى له ** عرى التاج أو يثنى عليه عصائبه
    وكيف ادعى حقّ الخلافة غاصبٌ ** حوى دونه إرث النبي أقاربه
    بكى المنبر الشرقي إذ خار فوقه ** على الناس ثور قد تدلت غباغبه
    ثقيل على جنب الثريد مراقبٌ ** لشخص الخوان يبتدي فيواثبه


  • #56
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    إذا ما احتشى من حاضر الزاد لم يبل ** أضاء شهاب الملك أم كلّ ثاقبه
    إذا بكر الفراش ينثو حديثه ** تضاءل مطريه وأطنب عائبه
    تخطى إلى الأمر الذي ليس أهله ** فطورًا يناغيه وطورًا يشاغبه
    فكيف رأيت الحق قر قراره ** وكيف رأيت الظلم زالت عواقبه
    ولم يكن المغتر بالله إذ سرى ** ليعجز والمعتزّ بالله طالبه
    رمى بالقضيب عنوةً وهو صاغرٌ ** وعرى من برد النبي مناكبه
    وقد سرني أن قيل وجه مسرعًا ** إلى الشرق تحدى سفنه وركائبه
    إلى كسكرٍ خلف الدجاج ولم يكن ** لتنشب إلا في الدجاج مخالبه
    وما لحية القصار حيث تنفشت ** بجالبة خيرًا على من يناسبه
    يحوز ابن خلادٍ على الشعر عنده ** ويضحى شجاعٌ وهو للجهل كاتبه
    فأقسمت بالوادي الحرام وما حوت ** أباطحه من محرمٍ وأخاشبه
    لقد حمل المعتز أمة أحمدٍ ** على سننٍ يسرى إلى الحق لا حبه
    تدارك دين الله من بعد ما عفت ** معالمه فينا وغارت كواكبه
    وضمّ شعاع الملك حتى تجمعت ** مشارقه موفورةً ومغاربه
    وانصرف أبو الساج ديوداد بن ديودست إلى بغداد لسبع بقين من المحرم من هذه السنة، فقلده محمد بن عبد الله معاون ما سقى الفرات من السواد، فوجه أبو الساج خليفةً له يقال له كربه إلى الأنبار، ووجه قومًا من أصحابه إلى قصر ابن هبيرة مع خليفة له، ووجه الحارث بن أسد في خمسمائة فارس وراجل، يستقرىء أعماله، ويطرد الأتراك والمغاربة عنها، وقد كانوا عاثوا في النواحي وتلصصوا. ففرق أصحابه في طساسيج الفرات، ونزل قصر ابن هبيرة؛ ثم صار إلى الكوفة، ووافى أبو أحمد سامرا منصرفًا من معسكره إليها لإحدى عشرة بقيت من المحرم، فخلع المعتز عليه ستة أثواب وسيفًا، وتوج تاج ذهب بقلنسوة مجوهرة، ووشح وشاحي ذهب بجوهر، ولد سيفًا آخر مرصعًا بالجوهر، وأجلس على كرسي، وخلع على الوجوه من القواد.
    ذكرخبر قتل شريح الحبشي

    وفيها قتل شريح الحبشي، وكان سبب ذلك أنه حين وقع الصلح، هرب في عدة من الحبشة، فقطع الطريق فيما بين واسط وناحية الجبل والأهواز، ونزل قريةً من قرى أم المتوكل يقال لها ديري، فنزل في خانها في خمسة عشر رجلًا، فشربوا وسكروا، فوثب عليهم أهل القرية فكتفوهم، وحملوهم إلى واسط، إلى منصور بن نصر، فحملهم منصور إلى بغداد، فأنقذهم محمد ابن عبد الله إلى العسكر، فلما وصلوا قام بايكباك إلى شريح فوسطه بالسيف وصلب على خشبة بابك، وضرب أصحابه بالسياط ما بين الخمسمائة إلى الألف.
    وفي شهر ربيع الآخر منها توفي عبيد الله بن يحيى بن خاقان في مدينة أبي جعفر.
    ذكر حال بغا ووصيف

    وفيها كتب المعتز إلى محمد بن عبد الله في إسقاط اسم بغا ووصيف ومن كان في رسمها من الدواوين.
    وذكر أن محمد بن أبي عون أحد قواد محمد بن عبد الله ناظره لما صار أبو أحمد إلى سامرا في قتل بغا ووصيف، فوعده أن يقتلهما، فبعث المعتز إلى محمد ابن عبد الله بلواء، وعقد لمحمد بن أبي عون لواء على البصرة واليمامة والبحرين، فكتب قوم من أصحاب بغا ووصيف إليهما بذلك، وحذروهما محمد بن عبد الله؛ فركب وصيف وبغا إليه يوم الثلاثاء لخمس بقين من ربيع الأول، فقال له بغا، بلغنا أيها الأمير ما ضمنه ابن أبي عون من قتلنا؛ والقوم قد غدروا وخالفونا ما فارقونا عليه؛ والله لو أرادوا أن يقتلونا ما قدروا عليه، فحلف لهما أنه ما علم بشئ من ذلك؛ وتكلم بغا بكلام شديد، ووصيف يكفه، وقال وصيف: أيها الأمير، قد غدر القوم ونحن نمسك ونقعد في منازلنا حتى يجئ من يقتلنا! وكانا دخلا مع جماعة، ثم رجعا إلى منازلهما، فجمعا جندهما ومواليهما، وأخذا في الاستعداد وشرى السلاح وتفريق الأموال في جيرانهما إلى سلخ ربيع. وكان وصيف وبغا قدوم قرب، وجه إليهما محمد ابن عبد الله كاتبه محمد بن عيسى، فأقبلا معه حتى صارا عند دار محمد بن عبد الله بقرب الجسر، فلقيهما جعفر الكردي وابن خالد البرمكي؛ فتعلق كل واحد منهما بلجام واحد منهما، وقال لهما: إنما دعيتما لتحملا إلى العسكر؛ وقد أعد لكما لذلك قومٌ أو لتقتلا، فرجعا وجمعا جمعًا، وأجريا على كل رجل كل يوم درهمين؛ فأقاما في منازلهما.
    وكان وصيف وجه أخته سعاد إلى المؤيد، وكان المؤيد في حجرها، فأخرجت من قصر وصيف ألف ألف دينار كانت مدفونة فيه؛ فدفعتها إلى المؤيد؛ فكلم المؤيد المعتز في الرضا عن وصيف؛ فكتب إليه بالرضا عنه؛ فضرب مضاربه بباب الشماسية على أن يخرج، وتكلم أبو أحمد ابن المتوكل في الرضا عن بغا، فكتب إليه بالرضا. واضطرب أمرهما وهما مقيمان ببغداد.
    ثم اجتمع على المعتز الأتراك فسألوه الأمر بإحضارهما، وقالوا: هما كبيرانا ورئيسانا؛ فكتب إليهما بذلك، فجاء بالكتاب بايكباك في نحو من ثلثمائة رجل؛ فأقام بالبردان، ووجه إليهما الكتاب لسبع بقين من شهر رمضان من هذه السنة؛ فكتب إلى محمد بن عبد الله بمنعهما؛ فوجها بكاتبيهما أحمد ابن صالح ودليل بن يعقوب إلى محمد بن عبد الله ليستأذناه؛ فأتاهما جيش من الأتراك، فنزلوا بالمصلى، وخرج وصيف وبغا وأولادهما وفرسانهما في نحو من أربعمائة إنسان، وخلفا في دورهما الثقل والعيال، ودعا أهل بغداد لهما ودعوا لهم.
    وقد كان ابن طاهر وجه محمد بن يحيى الواثقي وبندار الطبري إلى باب الشماسية وباب البردان ليمنعوهما، ومضيا من باب خراسان، ونفذا ولم يعلم كاتباهما حتى قال محمد بن عبد الله لأحمد ودليل: ما صنع صاحباكما؟ فقال أحمد ابن صالح: خلفت وصيفًا في منزله. قال: فإنه قد شخص الساعة، قال: ما علمت؛ فلما صار إلى سامرا بكر أحمد بن إسرائيل يوم الأحد لتسع بقين من شوال من هذه السنة في السحر إلى وصيف، وأقام عنده مليًا، ثم انصرف إلى بغا، فأقام عنده مليًا، ثم صار إلى الدار، فاجتمع الموالي وسألوا ردهما إلى مراتبهما، فأجيبوا إلى ذلك، وبعث إليهما، فحضرا ورتبا في مرتبتهما التي كانت قبل مصيرهما إلى بغداد، وأمر برد ضياعهما، وخلع عليهما خلع المرتبة. ثم ركب المعتز إلى دار العامة، وعقد لبغا ووصيف على أعمالهما ورد ديوان البريد كما كان قبل إلى موسى بن بغا الكبير، فقبل موسى ذلك.
    ذكر الفتنة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر

    وفي شهر رمضان من هذه السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر، ورئيس الجند يومئذ ابن الخليل. وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أن المعتز كتب إلى محمد بن عبد الله في بيع غلة طساسيج ضياع بادوريا وقطربل ومسكين وغيرها، كل كرين بالمعدل بخمسة وثلاثين دينارًا من غلة سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكان المعتز ولى بريد بغداد رجلًا يقال له صالح بن الهيثم، وكان أخوه منقطعًا إلى أتامش أيام المتوكل، فارتفع أمر صالح هذا أيام المستعين؛ وكان ممن أقام بسامرا؛ وهو من أهل المخرم، وكان أبوه حائكًا ثم صار يبيع الغزل؛ ثم انتقل أخوه إليه لما ارتفع. فلما أقام ببغداد كتب إليه يؤمر أن يقرأ الكتاب على قواد أهل بغداد كعتاب بن عتاب ومحمد بن يحيى الواثقي ومحمد بن هرثمة ومحمد بن رجاء وشعيب ابن عجيف ونظرائهم، فقرأه عليهم، فصاروا إلى محمد بن عبد الله، فأخبروه؛ فأمر محمد بن عبد الله فأحضر صالح بن الهيثم، وقال: ما حملك على هذا بغير علمي! وتهدده وأسمعه. وقال للقواد: انتظروا حتى أرى رأي، وآمركم بما أعزم عليه، فانصرفوا من عنده على ذلك، وشخص بعد ذلك، واجتمع الفروض والشاكرية والنائبة إلى باب محمد بن عبد الله يطلبون أرزاقهم لعشر خلون من شهر رمضان؛ فأخبرهم أن كتاب الخليفة ورد عليه، جواب كتاب له كان كتب بمسألة أرزاق جند بغداد، إن كنت فرضت الفروض لنفسك فأعطهم أرزاقهم؛ وإن كنت فرضت لنا فلا حاجة لنا فيهم. فلما ورد الكتاب عليه أخرج لهم بعد شغبهم بيوم ألفي دينار، فوضعت لهم ثم سكنوا ثم اجتمعوا لإحدى عشرة خلت من شهر رمضان؛ ومعهم الأعلام والطبول، وضربوا المضارب والخيم على باب حرب وباب الشماسية وغيرهما، وبنوا بيوتًا من بواري وقصب، وباتوا ليلتهم. فلما أصبحوا كثر جمعهم، وبيت ابن طاهر قومًا من خاصته في داره، وأعطاهم درهمًا درهمًا؛ فلما أصبحوا مضوا من داره إلى المشغبة، فصاروا معهم فجمع ابن طاهر جنده القادمين معه من خراسان، وأعطاهم لشهرين، وأعطى جند بغداد القدماء؛ الفارس دينارين والراجل دينارًا، وشحن داره بالرجال، فلما كان يوم الجمعة اجتمع من المشغبة خلق كثير بباب حرب بالسلاح والأعلام والطبول، ورئيسهم رجل يقال له عبدان بن الموفق، ويكنى أبا القاسم؛ وكان من أثبات عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان ديوان عبدان في ديوان وصيف، فقدم بغداد فباع دارًا له بمائة ألف دينار، فشخص إلى سامرا، فلما وثبت الشاكرية بباب العامة كان معهم، فضربه سعيد الحاجب خمسمائة سوط، وحبسه حبسًا طويلًا، ثم أطلق. فلما كان فتنة المستعين صار إلى بغداد، وانضم إليه هؤلاء المشغبة فحضهم على الطلب بأرزاقهم وفائتهم، وضمن لهم أن يكون لهم رأسًا يدبر أمرهم. فأجابوه إلى ذلك؛ فأنفق عليهم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة نحوًا من ثلاثين دينارًا فيما أقام لهم من الطعام، ومن كانت لهم كفاية لم يحتج إلى نفقته؛ فكان ينصرف إلى منزله، فلما كان يوم الجمعة اجتمعت منهم جماعة كثيرة، وعزموا على المصير إلى المدينة ليمضوا إلى الأمام فيمنعوه من الصلاة والدعاء للمعتز، فساروا على تعبية في شارع باب حرب؛ حتى انتهوا إلى باب المدينة في شارع باب الشأم، وجعل أبو القاسم هذا على كل درب يمر به قومًا من المشغبة، من بين رامح وصاحب سيف ليحفظوا الدروب؛ كيلا يخرج منها أحد لقتالهم.

  • صفحة 14 من 28 الأولىالأولى ... 4121314151624 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 6 (0 من الأعضاء و 6 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 40
      آخر مشاركة: 09-01-2010, 05:38 AM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1