صفحة 14 من 19 الأولىالأولى ... 41213141516 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 53 إلى 56 من 73

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)


  1. #53
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    خبر صلح قتيبة مع السغد

    وفي هذه السنة جدد قتيبة الصلح بينه وبين طرخون ملك السغد.
    ذكر الخبر عن ذلك
    قال علي: ذكر أبو السري عن الجهم الباهلي، قال: لما أوقع قتيبة بأهل بخارى ففض جمعهم هابه أهل السغد، فرجع طرخون ملك السغد ومعه فارسان حتى وقف قريبًا من عسكر قتيبة، وبينهما نهر بخارى، فسأل أن يبعث إليه رجلًا يكلمه، فأمر قتيبة رجلًا فدنا منه وأما الباهليون فيقولون: نادى طرخون حيان النبطي فأتاه، فسألهم الصلح على فدية يؤديها إليهم، فأجابه قتيبة إلى ما طلب، وصالحه، وأخذ منه رهنًا حتى يبعث إليه بما صالحه عليه، وانصرف طرخون إلى بلاده، ورجع قتيبة ومعه نيزك.
    غدر نيزك

    وفي هذه السنة غدر نيزك فنقض الصلح الذي كان بينه وبين المسلمين وامتنع بقلعته، وعاد حربًا، فغزاه قتيبة.
    ذكر الخبر عن سبب غدره وسبب الظفر به
    قال علي: ذكر أبو الذيال، عن المهلب بن إياس والمفضل الضبي عن أبيه، وعلى بن مجاهد وكليب بن خلف العمي؛ كل قد ذكر شيئًا فألفته؛ وذكر الباهليون شيئًا فألحقته في خبر هؤلاء وألفته؛ أن قتيبة فصل من بخارى ومعه نيزك وقد ذعوه ما قد رأى من الفتوح، وخاف قتيبة، فقال: لأصحابه وخاصته: متهم أنا مع هذا، ولست آمنه؛ وذلك أن العربي بمنزلة الكلب؛ إذا ضربته نبح، وإذا أطعمته بصبص واتبعك، وإذا غزوته ثم أعطيته شيئًا رضي، ونسي ما صنعت به، وقد قاتله طرخون مرارًا، فلما أعطاه فدية قبلهما ورضي، وهو شديد السطوة فاجر فلو استأذنت ورجعت كان الرأي، قالوا: استأذنه. فلما كان قتيبة بآمل استأذنهفي الرجوع إلى تخارستان، فأذن له، فلما فارق عسكره متوجهًا إلى بلخ قال لأصحابه: أغذوا السير؛ فساروا سيرًا شديدًا حتى أتوا النوبهار، فنزل يصلي فيه وتبرك به. وقال لأصحابه: إني لا أشك أن قتيبة قد ندم حين فارقنا عسكره على إذنه لي، وسيقدم الساعة رسوله على المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسي، فأقيموا ربيئة تنظر، فإذا رأيتم الرسول قد جاوز المدينة وخرج من الباب فإنه لا يبلغ البروقان حتى بلغ تخارستان، فيبعث المغيرة رجلًا فلا يدركنا حتى ندخل شعب خلم؛ ففعلوا. قال: وأقبل الرسول من قبل قتيبة إلى المغيرة يأمره بحبس نيزك. فلما مر الرسول إلى المغيرة وهو بالبروقان - ومدينة بلخ يومئذ خراب - ركب نيزك وأصحابه فمضوا، وقدم الرسول على المغيرة فركب بنفسه في طلبه، فوجده قد دخل شعب خلم، فانصرف المغيرة، وأظهر نيزك الخلع، وكتب إلى أصبهبذ بلخ وإلى باذام ملك مروروذ، وإلى سهرب ملك الطالقان، وإلى ترسل ملك الفارياب، وإلى الجوز جاني ملك الجوزجان يدعوهم إلى خلع قتيبة، فأجابوه، وواعدهم الربيع أن يجتمعوا ويغزوا قتيبة. وكتب إلى كابل شاه يستظهر به، وبعث إليه بثقله وماله، وسأله أن يأذن له إن اضطر إله أن يأتيه ويؤمنه في بلاده، فأجابه إلى ذلك وضم ثقله. قال: وكان جبغويه ملك تخارستان ضعيفًا، واسمه الشذ، فأخذه نيزك فقيده بقيد من ذهب مخافة أن يشغب عليه - وجبغويه ملك تخارستان ونيزك من عبيده - فلما استوثق منه وضع عليه الرقباء، وأخرج عامل قتيبة من بلاد جبغويه، وكان العامل محمد بن سليم الناصح، وبلغ قتيبة خلعه قبل الشتاء، وقد تفرق الجند فلم يبق مع قتيبة إلا أهل مرو، فبعث عبد الرحمن أخاه إلى بلخ في اثني عشر ألفًا إلى البروقان، وقال: أقم بها، ولا تحدث شيئًا، فإذا حسر الشتاء فعسكر وسر نحو تخارستان، واعلم أني قريب منك، فسار عبد الرحمن فنزل البروقان، وأمهل قتيبة حتى إذا كان آخر الشتاء كتب إلى أبرشهر وبيورد وسرخس وأهل هراة ليقدموا قبل أوانهم الذي كانوا يقدمون عليه فيه.
    خبر فتح الطالقان

    وفي هذه السنة، أوقع قتيبة بأهل الطالقان بخراسان - فيما قال بعض أهل الأخبار - فقتل من أهلها مقتلةً عظيمة، وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في نظام واحد.
    ذكر الخبر عن سبب ذلك
    وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أن نيزك طرخان لما غدر وخلع قتيبة وعزم على حربه، طابقه على حربه مللك الطالقان وواعده المصير إليه من استجاب للنهوض معه من الملوك لحرب قتيبة، فلما هرب نيزك من قتيبة ودخل شعب خلم الذي يأخذ إلى طخارستان علم أنه لا طاقة له بقتيبة، فهرب، وسار قتيبة إلى الطالقان فأوقع بأهلها، ففعل ما ذكرت فيما قبل وقد خولف قائل هذا القول فيما قال من ذلك، وأنا ذاكره في أحداث سنة إحدى وتسعين. وحج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز، كذلك حدثني أحمد ابن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. كذلك قال محمد بن عمر. وكان عمر بن عبد العزيز في هذه السنة عامل الوليد بن عبد الملك على مكة والمدينة والطائف. وعلى العراق والمشرق الحجاج بن يوسف، وعامل الحجاج على البصرة الجراح بن عبد الله. وعلى قضائها عبد الرحمن بن أذينة، وعلى الكوفة زياد بن جرير بن عبد الله. وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى وعلى خراسان قتيبة بن مسلم. وعلى مصر قرة بن قرة بن شريك.
    هرب يزيد بن المهلب وإخوته من سجن الحجاج

    وفي هذه السنة هرب يزيد بن المهلب وإخوته الذين كانوا معه من السجن مع آخرين غيرهم، فلحقوا بسليمان بن عبد الملك مستجيرين به من الحجاج ابن يوسف، والوليد بن عبد الملك.
    ذكر الخبر عن سبب تخلصهم من سجن الحجاج ومسيرهم إلى سليمان
    قال هشام: حدثني أبو مخنف، عن أبي المخارق الراسبي، قال: خرج الحجاج إلى رستقباذ للبعث، لأن الأكراد كانوا قد غلبوا على عامة أرض فارس، فخرج بيزيد وبإخوته المفضل وعبد الملك حتى قدم بهم رستقباد؛ فجعلهم في عسكره، وجعل عليهم كهيئة الخندق، وجعلهم في فسطاط قريبًا من حجرته، وجعل عليهم حرسًا من أهل الشام، وأغرمهم ستة آلاف ألف، وأخذ يعذبهم، وكان يزيد يصبر صبرًا حسنًا، وكان الحجاج يغيظه ذلك، فقيل له: إنه رمى بنشابة فثبت نصلها في ساقه، فهو لا يمسها شيء إلا صاح، فإن حركت أدنى شيء سمعت صوته، فأمر أن يعذب ويدهق ساقه، فلما فعل ذلك به صاح، وأخته هند بنت المهلب عند الحجاج، فلما سمعت صياح يزيد صاحت وناحت، فطلقها. ثم إنه كف عنهم، وأقبل يستأديهم، فأخذوا يؤدون وهو يعملون في التخلص من مكانهم، فبعثوا إلى مروان بن المهلب وهو بالبصرة يأمرونه أن يضمر لهم الخيل، ويرى الناس أنه إنما يريد بيعها ويعرضها على البيع، ويغلي بها لئلا تشترى فتكون لنا عدة أن نحن قدرنا على أن ننجو مما هاهنا. ففعل ذلك مروان، وحبيب بالبصرة يعذب أيضًا. وأمر يزيد بالحرس فصنع لهم طعامًا كثير فأكلوا؛ وأمر بشراب فسقوا، فكانوا متشاغلين به، ولبس يزيد ثياب طباخه، ووضع على لحيته لحية بيضاء، وخرج فرآه بعض الحرس فقال: كان هذه مشية يزيد! فجاء حتى استعرض وجهه ليلًا، فرأى بياض اللحية، فانصرف عنه، فقال: هذا شيخ. وخرج المفضل على أثره. ولم يفطن له، فجاؤوا إلى سفنهم وقد هيثوها في البطائح، وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخًا، فلما انتهوا إلى السفن أبطأ عليهم عبد الملك وشغل عنهم، فقال يزيد للمفضل: اركب بنا فإنه لاحق، فقال المفضل - وعبد الملك أخوه لأمه - وهي بهلة، هندية: لا والله، لا أبرح حتى يجيء ولو رجعت إلى السجن. فأقام يزيد حتى جاءهم عبد الملك، وركبوا عند ذلك السفن، فساروا ليلتهم حتى أصبحوا، ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم، فرفع ذلك إلى الحجاج، وقال الفرزدق في خروجهم:
    فلم أر كالرهط الذين تتابعوا ** على الجذع والحراس غير نيام
    مضوا وهم مستقنون أنهم ** على الجذع والحراس غير نيام
    وإن منهم إلا يكن جأشه ** بعضب صقيل صارم وحسام
    فلما التقوا لم يلتقوا بمنفه ** كبير ولا رخص العظام غلام
    بمثل أبيهم حين تمت لداتهم ** لخمسين قل في جرأة وتمام
    ففزع له الحجاج، وذهب معه وهمه أن ذهبوا قبل خراسان، وبعث البريد إلى قتيبة بن مسلم يحذره قدومهم، ويأمره أن يستعد لهم، وبعث إلى أمراء الثغور والكور أن يرصدوهم، ويستعدوا لهم، وكتب إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بهربهم، وأنه لا يراهم أرادوا إلا خراسان، ولم يزل الحجاج يظن ببريد ماصنع، كان يقول: إني لأظنه يحدث نفسه بمثل الذي صنع ابن الأشعث. ولما دنا يزيد من البطائح، من موقوع استقبله الخيل، قد هيئت له ولإخوته، فخرجوا عليها ومعهم دليل لهم من كلب يقال له: عبد الجبار بن يزيد بن الربعة، فاخذ بهم السماوة، وأتى الحجاج بعد يومين، فقيل له: إنما أخذ الرجل طريق الشام، وهذه الخيل حسرى في الطريق، وقد أتى من رآهم موجهين في البر، فبعث إلى الوليد يعلمه ذلك، ومضى يزيد حتى قدم فلسطين، فنزل على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي - وكان كريمًا على سليمان - وأنزل بعض ثقله وأهله على سفيان بن سليمان الأزدي، وجاء وهيب بن عبد الرحمن حتى دخل على سليمان، فقال: هذا يزيد بن المهلب، وإخوته في منزلي، وقد أتوك هرابًا من الحجاج متعوذين بك؛ قال: فأتني بهم فهم آمنون لا يوصل إليهم أبدًا وأنا حي. فجاء بهم حتى أدخلهم عليه، فكانوا في مكان آمن. وقال الكلبي دليلهم في مسيرهم:
    ألا جعل الله الأخلاء كلهم ** فداء على ما كان لابن المهلب
    لنعم الفتى يا معشر الأزد أسعفت ** ركابكم بالوهب شرقي منقب
    عدلن يمينًا عنهم رمل عالج ** وذات يمين القوم أعلام غرب
    فإلا تصبح بعد خمس ركابنا ** سليمان من أهل اللوى تنأوب
    تقر قرار الشمس مما وراءنا ** وتذهب في داج من الليل غيهب
    بقوم هم كانوا الملوك هديتهم ** بظلماء لم يبصر بها ضوء كوكب
    ولا قمر إلا ضئيلًا كأنه ** سوار حناه صائغ السور مذهب
    قال هشام: فأخبرني الحسن ين أبان العليمي، قال: بينا عبد الجبار ابن يزيد بن الربعة يسرى بهم فسقطت عمامة يزيد، ففقدها فقال: يا عبد الجبار، ارجع فاطلبها لنا، قال: إن مثلي لا يؤمر بهذا، فأعاد؛ فأبى، فتناوله بالسوط، فانتسب له، فاستحيا منه، فذلك قوله:
    ألا جعل الله الأخلاء كلهم ** فداء على ما كان لابن المهلب
    وكتب الحجاج: إن آل المهلب خانوا مال الله وهربوا مني ولحقوا بسليمان، وكان آل المهلب قدموا على سليمان، وقد أمر الناس أن يحصلوا ليسرحوا إلى خراسان، لا يرون إلا أن يزيد توجه إلى خراسان ليفتن من بها. فلما بلغ الوليد مكانه عند سليمان هون عليه بعض ما كان في نفسه، وطار غضبًا للمال الذي ذهب به. وكتب سلمان إلى الوليد: إن يزيد بن المهلب عندي وقد آمنته، وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف، كان الحجاج أغرمهم ستة آلاف ألف فأدوا ثلاثة آلاف ألف، وبقي ثلاثة آلاف ألف، فهي على فكتب إليه: لا والله لا أؤمنه حتى تبعث به إلى، فكتب إليه: لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن معه، فأنشدك الله أن تفضحني ولا أن تخفرني. فكتب إليه: والله لئن جئتني لا أؤمنه. فقال يزيد: إبعثني إليه، فوالله ما أحب أن أوقع بينك وبينهم عداوة وحربًا، ولا أن يتشاءم بي لكما الناس، أبعث إليه بي، وأرسل معي إبنك، واكتب إليه بألطف ما قدرت عليه. فأرسل ابنه أيوب معه. وكان الوليد أمره أن يبعث به إليه في وثاق، فبعث به إليه، وقال لابنه: إذا أردت أن تدخل عليه فادخل أنت ويزيد في سلسلة ثم ادخلا جميعًا على الوليد، ففعل ذلك به حين انتهيا إلى الوليد، فدخلا عليه، فلما رأى الوليد ابن أخيه في سلسلة، قال: والله لقد بلغنا من سليمان! ثم إن الغلام دفع كتاب أبيه إلى عمه وقال: يا أمير المؤمنين، نفسي فداؤك! لا تخفر ذمة أبي، وأنت أحق من منعها، ولا تقطع منا رجاء من رجا السلامة في جوارنا لمكاننا منك، ولا تذل من رجا العز في الانقطاع إلينا لعزنا بك. واقرأ الكتاب: لعبد الله الوليد أمير المؤمنين من سليمان بن عبد الملك. أما بعد يا أمير المؤمنين، فوالله إن كنت لا أظن لو استجار بي عدو قد نابذك وجاهدك فأنزلته أجرته أنك لا تذل جاري، ولا تخفر جواري، بله لم أجر إلا سامعًا مطيعًا حسن البلاء والأثر في الإسلام هو وأبوه وأهل بيته، وقد بعثت به إليك، فإن كنت إنما تغزو قطيعتي والإخفار لذمتي، والإبلاغ في مساءتي، فقد قدرت إن أنت فعلت. وأنا أعيذك بالله من احتراد قطيعتي، وانتهاك حرمتي وترك بري وصلتي، فوالله يا أمير المؤمنين ما تدري ما بقائي وبقاؤك، ولا متى يفرق الموت بيني وبينك! فإن استطاع أمير المؤمنين أدام الله سروره ألا يأتي علينا أجل الوفاة إلا وهو لي واصل، ولحقي مؤد، وعن مساءتي نازع، فليفعل. والله يا أمير المؤمنين ما أصبحت بشيء من أمر الدنيا بعد تقوى الله فيها بأسر مني برضاك وسرورك. وإن رضاك مما ألتمس به رضوان الله، فإن كنت يا أمير المؤمنين تريد يومًا من الدهر مسرتي وصلتي وكرامتي وإعظام حقي فتجاوز لي عن يزيد، وكل ما طلبته به فهو علي. فلما قرأ كتابه، قال: لقد شققنا على سليمان! ثم دعا ابن أخيه فأدناه منه. وتكلم يزيد فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: يا أمير المؤمنين إن بلاءكم عندنا أحسن البلاء، فمن ينسى ذلك فلسنا ناسيه، ومن يكفر فلسنا كافريه، وقد كان من بلائنا أهل البيت في طاعتكم والطعن في أعين أعدائكم في المواطن العظام في المشارق والمغارب ما إن المنة علينا فيها عظيمة. فقال: اجلس، فجلس فآمنه وكف عنه، ورجع إلى سليمان وسعى إخوته في المال الذي عليه، وكتب إلى الحجاج: إني لم أصل إلى يزيد، وأهل بيته مع سليمان، فاكفف عنهم، واله عن الكتاب فيهم. فلما رأى ذلك الحجاج كف عنهم. وكان أبو عيينة بن المهلب عند الحجاج عليه ألف ألف درهم، فتركها له، وكف عن حبيب بن المهلب. ورجع يزيد إلى سليمان بن
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #54
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    عبد الملك فأقام عنده يعلمه الهيئة، ويصنع له طيب الأطعمة، ويهدي له الهدايا العظام. وكان من أحسن الناس عنده منزلةً، وكان لا تأتي يزيد بن المهلب هدية إلا بعث بها إلى سليمان، ولا تأتي سليمان هدية ولا فائدة إلا بعث بنصفها إلى يزيد بن المهلب، وكان لا تعجبه جارية إلا بعث بها إلى يزيد إلا خطيئة الجارية. فبلغ ذلك الوليد بن عبد الملك، فدعا الحارث بن مالك بن ربيعة الأشعري، فقال: انطلق إلى سليمان فقل له: يا خالفة أهل بيته، إن أمير المؤمنين قد بلغه أنه لا تأتيك هدية ولا فائدة إلا بعثت إلى يزيد بنصفها، وإنك تأتي الجارية من جواريك فلا ينقضي طهرها حتى تبعث بها إلى يزيد، وقبح ذلك عليه، وعيره به، أتراك مبلغًا ما أمرتك به؟ قال: طاعتك طاعة، وإنما أنا رسول؛ قال: فآته فقل له ذلك، وأقم عنده، فإني باعث إليه بهدية فادفعها إليه، وخذ منه البراءة بما تدفع إليه. ثم أقبل فمضى حتى قدم عليه وبين يديه المصحف، وهو يقرأ، فدخل عليه فسلم، فلم يرد عليه السلام حتى فرغ من قراءته ثم رفع رأسه إليه فكلمه بكل شيء أمره به الوليد فتمعر وجهه، ثم قال: أما والله لئن قدرت عليك يومًا من الدهر لأقطعن منك طابقًا! فقال له: إنما كانت على الطاعة. ثم خرج من عنده. فلما أتى بذلك الذي بعث به الوليد إلى سليمان، دخل عليه الحارث بن ربيعة الأشعري وقال له: أعطني البراءة بهذا الذي دفعت إليك، فقال: كيف قلت لي؟ قال: لا أعيده عالمًا أبدًا، إنما كان على فيه الطاعة. فسكن، وعلم أن قد صدقه الرجل، ثم خرج وخرجوا معه، فقال: خذوا نصف هذه الأعدال وهذه الأسفاط وابعثوا بها إلى يزيد قال: فعلم الرجل أنه لا يطيع في يزيد أحدًا، ومكث يزيد بن المهلب عند سليمان تسعة أشهر. وتوفي الحجاج سنة خمس وتسعين في رمضان لتسع بقين منه في يوم الجمعة. ثم دخلت سنة إحدى وتسعين

    ذكر ما كان فيها من الأحداث

    ففيها غزا - فيما ذكر محمد بن عمر وغيره - الصائفة عبد العزيز بن الوليد، وكان على الجيش مسلمة بن عبد الملك. وفيها غزا أيضًا مسلمة الترك؛ حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان، ففتح على يديه مدائن وحصون. وفيها غزا موسى بن نصير الأندلس، ففتح على يديه أيضًا مدائن وحصون. وفي هذه السنة قتل قتيبة بن مسلم نيزك طرخان.
    تتمة خبر قتيبة مع نيزك

    رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد رقصة نيزك وظفر قتيبة به حتى قتله. ولما قدم من كان قتيبة كتب إليه يأمره بالقدوم عليه من أهل أبرشهر وبيورد وسرخس وهراة على قتيبة، سار بالناس إلى مروروذ واستخلف على الحرب حماد بن مسلم، وعلى الخراج عبد الله بن الأهتم. وبلغ مرزبان مروروذ إقباله إلى بلاده، فهرب إلى بلاد الفرس. وقدم قتيبة مروروذ فأخذ ابنين له فتلهما وصلبهما، ثم سار إلى الطالقان فقام صاحبها ولم يحاربه، فكف عنه، وفيها لصوص، فقتلهم قتيبة وصلبهم، واستعمل على الطالقان عمرو بن مسلم، ومضى إلى الفارياب، فخرج إليه ملك الفارياب مذعنًا مقرًا بطتاعته، فرضى عنه، ولم يقتل بها أحدًا، واستعمل عليها رجلا من باهلة. وبلغ صاحب الجوزجان خبرهم، فترك أرضه وخرج إلى الجبال هاربًا، وسار قتيبة إلى الجوزجان فلقيه أهلها سامعين مطيعين، فقبل منهم، فلم يقتل فيها أحدًا، واستعمل عليها عامر بن مالك الحماني، ثم أتى بلخ فلقيه الأصبهبذ في أهل بلخ، فدخلها فلم يقيم بها إلا يومًا واحدًا. ثم مضى يبتع عبد الرحمن حتى أتى شعب خلم، وقد مضى نيزك فعسكر ببغلان، وخلف مقاتلةً على فم الشعب ومضايقة يمنعونه، ووضع مقاتلةً في قلعة حصينة من وراءالشعب، فأقام قتيبة أيامًايقاتلهم على مضيق الشعب لا يقدر منهم على شيء، ولا يقدر على دخوله، وهو مضيق الوادي يجري وسطه، ولا يعرف طريقًا يفضي به إلى نيزك إلا الشعب أو مفازة لا تحتمل العساكر، فبقي متلددًا يلتمس الحيل. قال: فهو في ذلك إذ قدم عليه الروب خان ملك الروب وسمنجان، فاستأمنه على أن يدله على مدخل القلعة التي وراء هذا الشعب، فآمنه قتيبة، وأعطاه ما سأله، وبعث معه رجالا ليلًا، فانتهى بهم إلى القلعة التي من وراء شعب خلم، فطرقوهم وهم آمنون فقتلوهم، وهرب من بقي منهم ومن كان في الشعب، فدخل قتيبة والناس الشعب، فأتى القلعة ثم مضى إلى سمنجان ونيزك ببغلان بعين تدعى فنج جاه، وبين سمنجان وبغلان مفازة ليست بالشديدة قال: فأقام قتيبة بسمنجان أيامًا، ثم سار نيزك، وقدم أخاه عبد الرحمن، وبلغ نيزك فارتحل من منزله حتى قطع وادي فرغانة، ووجه ثقله وأمواله إلى كابل شاه، ومضى حتى نزل الكرز وعبد الرحمن بن مسلم يتبعه، فنزل عبد الرحمن وأخذ بمضايق الكرز، ونزل قتيبة أسكيمشت بينه وبين عبد الرحمن فرسخان. فتحرز نيزك في الكرز وليس إليه مسلك إلا من وجه واحد، وذلك الوجه صعب لا تطيقه الدواب، فحصره قتيبة شهرين حتى قل ما في يد نيزك من الطعام، وأصابهم الجدري وجدر جبغويه، وخاف قتيبة الشتاء، فدعا سليمًا الناصح، فقال: انطلق إلى نيزك واحتل لأن تأتيني به بغير أمان، فإن أعياك وأبى فآمنه، واعلم أني إن عاينتك وليس هو معك صلبتك؛ فاعمل لنفسك. قال: فاكتب لي إلى عبد الرحمن لا يخالفني؛ قال: نعم. فكتب له إلى عبد الرحمن فقدم عليه، فقال له: ابعث رجالًا فليكونوا على فم الشعب، فإذا خرجت أنا ونيزك فليعطفوا من ورائنا فيحولوا بيننا وبين الشعب. قال: فبعث عبد الرحمن خيلا فكانوا حيث أمرهم سليم، ومضى سليم وقد حمل معه من الأطعمة التي تبقى أيامًا والأخبصة أو قارًا، حتى أتى نيزك، فقال له نيزك: خذلتني يا سليم، قال: ما خذلتك، ولكنك عصيتني وأسأت بنفسك، خلعت وغدرت، قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تأتيه فقد أمحكته، وليس ببارح موضعه هذا، قد اعتزم على أن يشتو بمكانه؛ هلك أو سلم؛ قال: آتيه على غير أمان! قال: ما أظنه يؤمنك لما في قلبه عليك، فإنك قد ملأته غيظًا، ولكني أرى ألا يعلم بك حتى تضع يدك في يده، فإني أرجو إن فعلت ذاك أن يستحي ويعفو عنك، قال: أترى ذلك؟ قال: نعم؛ إن نفسي لتأبى هذا، وهو إن رآني قتلني، فقال له سليم: ما أتيتك إلا لأشير عليك بهذا، ولو فعلت لرجوت أن تسلم وأن تعود حالك عنده إلى ما كانت؛ فأما إذ أبيت فإني منصرف. قال: فنغديك إذًا، قال: إني لأظنكم في شغل عن تهيئة الطعام، ومعنا طعام كثير قال: ودعا سليم بالغداء فجاءوا بطعام كثير لا عهد لهم بمثله منذ حصروا، فانتهبه الأتراك، فغم ذلك نيزك، وقال سليم: يا أبا الهياج، أنا لك من الناصحين، أرى أصحابك قد جهدوا، وإن طال بهم الحصار وأقمت على حالك لم أمنهم أن يستأمنوا بك، فانطلق وأت قتيبة، قال: ما كنت لآمنه على نفسي، ولا آتيه على غير أمان؛ فإن ظني به أنه قاتلي وإن آمني، ولكن الأمان أعذر لي وأرجي، قال: فقد آمنك أفتتهمني! قال: لا، قال: فانطلق معي، قال له أصحابه: اقبل قول سليم، فلم يكن ليقول إلا حقًا، فدعا بدوابه وخرج مع سليم، فلما انتهى إلى الدرجة التي يهبط منها إلى قرار الأرض قال: ياسليم، من كان لا يعلم متى يموت فإني أعلم متى أموت، أموت إذا عاينت قتيبة؛ قال: كلا أيقتلك مع الأمان! فركب ومضى معه جبغويه - وقد برأ من الجدري - وصول وعثمان ابنا أخي نيزك - وصول طرخان خليفة جبغوية، وخنس طرخان صاحب شرطه - قال: فلما خرج من الشعب عطفت الخيل التي خلفها سليم على فوهة الشعب؛ فحالوا بين الأتراك وبين الخروج، فقال نيزك لسليم: هذا أول الشر؛ قال: لا تفعل، تخلف هؤلاء عنك خير لك. وأقبل سليم ونيزك ومن خرج معه حتى دخلوا على عبد الرحمن بن مسلم، فأرسل رسولًا إلى قتيبة يعلمه، فأرسل قتيبة عمرو بن أبي مهزم إلى عبد الرحمن: أن اقدم بهم على، فقدم بهم عبد الرحمن عليه، فحبس أصحاب نيزك، ودفع إلى ابن بسام الليثي، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك، فجعل ابن بسام نيزك في قبته، وحفر حول القبة خندقًا، ووضع عليه حرسًا. ووجه قتيبة معاوية بن عامر بن علقمة العليمي، فاستخرج ما كان في الكرز من متاع ومن كان فيه، وقدم به على قتيبة، فحبسهم ينتظر كتاب الحجاج فيما كتب إليه، فأتاه كتاب الحجاج بعد أربعين يومًا يأمره بقتل نيزك. قال: فدعا به فقال: هل لك عندي عقد أو عند عبد الرحمن أو عند سليم؟ قال: لي عند سليم؛ قال: كذبت، وقام فدخل ورد نيزك إلى حبسه، فمكث ثلاثة أيام لا يظهر للناس، قال: فقام المهلب ابن إياس العدوي، وتكلم في أمر نيزك، فقال بعضهم: ما يحل له أن يقتله، وقال بعضهم: ما يحل له تركه، وكثرت الأقاويل فيه. وخرج قتيبة اليوم الرابع فجلس وأذن للناس، فقال: ما ترون في قتل نيزك؟ فاختلفوا، فقال قائل: اقتله، وقال قائل: أعطيته عهدًا فلا تقتله؛ وقال قائل: ما نأمنه على المسلمين. ودخل ضرار بن حصين الضبي فقال: ما تقول يا ضرار؟ قال: أقول: إني سمعتك تقول: أعطيت الله عهدًا إن أمكنك منه أن تقتله، فإن لم تفعل لا ينصرنك الله عليه أبدًا. فأطرق قتيبة طويلا، ثم قال: والله لو لم يبق من أجلي إلا ثلاث كلمات لقلت: اقتلوه، اقتلوه، وأرسل إلى نيزك فأمر بقتله وأصحابه فقتل مع سبعمائة. وأما الباهليون فيقولون: لم يؤمنه ولم يؤمنه سليم، فلما أراد قتله دعا به ودعا بسيف حنفي فانتضاه وطول كمية ثم ضرب عنقه بيده، وأمر عبد الرحمن فضرب عنق صول، وأمر صالحًا فقتل عثمان - ويقال: شقران ابن أخي نيزك - وقال لبكر بن حبيب السهمي من باهلة: هل بك قوة؟ قال: نعم، وأريد - وكانت في بكر أعرابية - فقال: دونك هؤلاء الدهاقين. قال: وكان إذا أتى برجل ضرب عنقه وقال: أوردوا ولا تصدروا، فكان من قتل يومئذ اثنا عشر ألفًا في قول الباهليين، وصلب نيزك وابني أخيه في أصل عين تدعى وخش خاشانفي أسكيمشت، فقال المغيرة بن حبناء يذكر ذلك في كلمة له طويلة:
    لعمر لنعمت غزوة الجند غزوةً ** قضت نحبها من نيزك وتعلت
    قال علي: أخبرنا مصعب بن حيان، عن أبيه، قال: بعث قتيبة برأس نيزك مع محفن بن جزء الكلابي، وسوار بن زهدم الجرمي، فقال الحجاج: إن كان قتيبة لحقيقًا أن يبعث برأس نيزك مع ولد مسلم، فقال سوار:
    أقول لمحفن وجرى سنيح ** وآخر بارح من عن يميني
    وقد جعلت بواثق من أمور ** ترفع حوله وتكف دوني
    نشدتك هل يسرك أن سرجي ** وسرجك فوق أبغل باذيين
    قال: فقال محفن: نعم وبالصين. قال علي: أخبرنا حمزة بن إبراهيم وعلى بن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة؛ عن مرزبان قهستان وغيرهما، أن قتيبة دعا يومًا بنيزك وهو محبوس، فقال: ما رأيك في السبل والشذ؟ أتراهما يأتيان إن أرسلت إليهما؟ قال: لا؛ قال: فأرسل إليهما قتيبة فقد ما عليه، ودعا نيزك وجبغويه فدخلا، فإذا السبل والشذ بين يديه على كرسيين، فجلسا بإزائهما، فقال الشذ لقتيبة: إن جبغويه - وإن كان لي عدوًا - فهو أسن مني، وهو الملك وأنا كعبده، فأذن لي أدن منه، فأذن له، فدنا منه، فقبل يده وسجد له، قال: ثم استأذنه في السبل، فأذن له فدنا منه فقبل يده، فقال نيزك لقتيبة: ائذن لي أدن من الشذ، فإني عبده، فأذن له، فدنا منه فقبل يده، ثم أذن قتيبة للسبل والشذ فانصرفا إلى بلادهما، وضم إلى الشذ الحجاج القيني، وكان من وجوه أهل خراسان وقتل قتيبة نيزك، فأخذ الزبير مولى عابس الباهلي خفًا لنيزك فيه جوهر، وكان أكثر من في بلاده مالًا وعقارًا؛ من ذلك الجوهر الذي أصابه في خفه. فسوغه إياه قتيبة، فلم يزل موسرًا حتى هلك بكابل في ولاية أبي داود. قال: وأطلق قتيبة جبغوية ومن عليه، وبعث به إلى الوليد، فلم يزل بالشام حتى مات الوليد. ورجع قتيبة إلى مرو، واستعمل أخاه عبد الرحمن على بلخ، فكان الناس يقولون: غدر قتيبة بنيزك، فقال ثابت قطنة:
    لا تحسبن الغدر حزمًا فربما ** ترقت به الأقدام يومًا فزلت
    وقال: وكان الحجاج يقول: بعثت قتيبة فتى غرًا فما زدته ذراعًا إلا زادني باعًا. قال علي: أخبرنا حمزة بن إبراهيم، عن أشياخ من أهل خراسان، وعلى بن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة، عن مرزبان قهستان وغيرهما، أن قتيبة بن مسلم لما رجع إلى مرو وقتل نيزك طلب ملك الجوزجان - وكان قد هرب عن بلاده - فأرسل يطلب الأمان، فآمنه على أن يأتيه فيصالحه، فطلب رهنًا يكونون في يديه ويعطى رهائن، فأعطى قتيبة حبيب بن عبد الله بن عمرو بن حصين الباهلي، وأعطى ملك الجوزجان وهائن من أهل بيته، فخلف ملك الجوزجان حبيبًا بالجوزجان في بعض حصونه، وقدم على قتيبة فصالحه، ثم رجع فمات بالطالقان.
    فقال أهل الجوزجان: سموه، فقتلوا حبيبًا، وقتل قتيبة الرهن الذين كانوا عنده، فقال نهار بن توسعة لقتيبة:
    أراك الله في الأتراك حكمًا ** كحكم في قريظة والنضير
    قضاء من قتيبة غير جور ** به يشفى الغليل من الصدور
    فإن بر نيزك خزيًا وذلًا ** فكم في الحرب حمق من أمير!
    وقال المغيرة بن حبناء يمدح قتيبة ويذكر قتل نيزك ووصول ابن أخي نيزك وعثمان - أو شقران:
    لمن الديار عفت بسفح سنام ** إلا بقية أيصر وثمام
    عصف الرياح ذيولها فمحونها ** وجرين فوق عراصها بتمام
    دار لجارية كأن رضابها ** مسك يشاب مزاجه بمدام
    أبلغ أبا حفص قتيبة مدحتي ** واقرأ عليه تحيتي وسلامي
    يا سيف أبلغها فإن ثنائها ** حسن وإنك شاهد لمقامي
    يسمو فتتضع الرجال إذا سما ** لقتيبة الحامي حمى الإسلام
    لأغر منتجب لكل عظيمة ** نحر يباح به العدو لهام
    يمضي إذا هاب الجبان وأحمشت ** حرب تسعر نارها بضرام
    تروي القناة مع اللواء أمامه ** تحت اللوامع والنحور دوام
    والهام تفريه السيوف كأنه ** بالقاع حين تراه قيض نعام
    وترى الجياد مع الجياد ضوامرًا ** بفنائه لحوادث الأيام
    وبهن أنزل نيزكا من شاهق ** والكرز حيث يروم كل مرام
    وأخاه شقرانًا سقيت بكأسه ** وسقيت كأسهما أخا باذام
    وتركت صولا حين صال مجدلا ** يركبنه بدوابر وحوام
    خبر غزو قتيبة شومان وكس ونسف

    وفي هذه السنة - أعني سنة إحدى وتسعين - غزا قتيبة شومان وكس ونسف غزوته الثانية وصالح طوخان.


  • #55
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر الخبر عن ذلك
    قال علي: أخبرنا بشر بن عيسى عن أبي صفوان، وأبو السري وجبلة بن فروخ عن سليمان بن مجالد، والحسن بن رشيد عن طفيل بن مرداس العمي، وأبو السري المروزي عن عمه، وبشر بن عيسى وعلي ابن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة عن مرزبان قهستان، وعياش ابن عبد الله الغنوي، عن أشياخ من أهل خراسان، قال: وحدثني ظئري - كل قد ذكر شيئًا، فألفته، وأدخلت من حديث بعضهم في حديث بعض - أن فيلسنشب باذق - وقال بعضهم: فيسبشتان ملك شومان - طرد عامل قتيبة ومنع الفدية التي صالح عليها قتيبة، فبعث إليه قتيبة عياشًا الغنوي ومعه رجل من نساك أهل خراسان يدعوان ملك شومان إلى أن يؤدي الفدية على ما صالح عليه قتيبة، فقدما البلد، فخرجوا إليهما فرموهما، فانصرف الرجل وأقام عياش الغنوي فقال: أما هاهنا مسلم! فخرج إليه رجل من المدينة فقال: أنا مسلم، فما تريد؟ قال: تعينني على جهادهم، قال: نعم، فقال له عياش: كن خلفي لتمنع لي ظهري، فقام خلفه - وكان اسم الرجل المهلب - فقاتلهم عياش، فحمل عليهم، فتفرقوا عنه، وحمل المهلب على عياش من خلفه فقتله، فوجدوا به ستين جراحةً، فغمهم قتله، وقالوا: قتلنا رجلًا شجاعًا وبلغ قتيبة، فسار إليهم بنفسه، وأخذ طريق بلخ، فلما أتاها قدم أخاه عبد الرحمن، واستعمل على بلخ عمرو بن مسلم، وكان ملك شومان صديقًا لصالح بن مسلم، فأرسل إليه رجلًا يأمره بالطاعة، ويضمن له رضا قتيبة إن رجع إلى الصلح، فأبى وقال لرسول صالح: ما تخوفني به من قتيبة، وأنا أمنع الملوك حصنًا أرمي أعلاه، وأنا أشد الناس قوسًا وأشد الناس رميًا، فلا تبلغ نشابي نصف حصني، فما أخاف من قتيبة! فمضى قتيبة من بلخ فعبر النهر، ثم أتى شومان وقد تحصن ملكها فوضع عليه المجانيق، ورمى حصنه فهشمه، فلما خاف أن يظهر عليه، ورأى ما نزل به جمع ما كان له من مال وجوهر فرمى به في عين في وسط القلعة لا يدرك قعرها. قال: ثم فتح القلعة وخرج إليهم فقاتلهم فقتل، وأخذ قتيبة القلعة عنوة، فقتل المقاتلة وسبي الذرية، ثم رجع إلى باب الحديد فأجاز منه إلى كس ونسف، وكتب إليه الحجاج، أن كس بكس وانسف نسف، وإياك والتحويط. ففتح كس ونسف، وامتنع عليه فرياب فحرقها فسميت المحترقة. وسرح قتيبة من كس ونسف أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السغد، إلى طرخون، فسار حتى نزل بمرج قريبًا منهم، وذلك في وقت العصر، فانتبذ الناس وشربوا حتى عبثوا وعاثوا وأفسدوا، فأمر عبد الرحمن أبا مرضية - مولى لهم - أن يمنع الناس من شرب العصير، فكان يضربهم ويكسر آنيتهم ويصب نبيذهم، فسال في الوادي، فسمى مرج النبيذ، فقال بعض شعرائهم:
    أما النبيذ فلست أشربه ** أخشى أبا مرضية الكلب
    متعسفًا يسعى بشكته ** يتوثب الحيطان للشرب
    فقبض عبد الرحمن من طرخون شيئًا كان قد صالحه عليه قتيبة، ودفع إليه رهنًا كانوا معه، وانصرف عبد الرحمن إلى قتيبة وهو ببخارى، فرجعوا إلى مرو، فقالت السغد لطرخون: إنك قد رضيت بالذل واستطبت الجزية، وأنت شيخ كبير فلا حاجة لنا بك، قال: فولوا من أحببتم. قال: فولوا غوزك، وحبسوا طرخون؛ فقال طرخون: ليس بعد سلب الملك إلا القتل، فيكون ذلك بيدي أحب إلي من أن يليه مني غيري، فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره. قال: وإنما صنعوا بطرخون هذا حين خرج قتيبة إلى سجستان وولوا غوزك. وأما الباهليون فيقولون: حصر قتيبة ملك شومان، ووضع على قلعته المجانيق، ووضع منجنيقًا كان يسميها. الفحجاء، فرمى بأول حجر فأصاب الحائط ورمى بأخر فوقع في المدينة، ثم تتابعت الحجارة في المدينة فوقع حجر منها في مجلس الملك، فأصاب رجلًا فقتله، ففتح القلعة عنوةً، ثم رجع إلى كس ونسف، ثم مضى إلى بخارى فنزل قرية فيها بيت نار وبيت آلهه، وكان فيها طواويس، فسموه منزل الطواويس، ثم سار إلى طرخون بالسغد ليقبض منه ما كان صالحه عليه، فلما أشرف على وادي السغد فرأى حسنه تمثل:
    واد خصيب عشيب ظل يمنعه ** من الأنيس حذار اليوم ذا الرهج
    وردته بعنانيج مسومة ** يردين بالشعث سفاكين للمهج
    قال: فقبض من طرخون صلحه، ثم رجع إلى بخاري فملك بخاري خذاه غلامًا حدثًا، وقتل من خاف أن بضاده، ثم أخذ على آمل ثم أتى مرو. قال: وذكر الباهليون عن بشار بن عمرو، عن رجل من باهلة، قال: لم يفرغ الناس من ضرب أبنيتهم حتى افتتحت القلعة.
    ولاية خالد بن عبد الله القسري على مكة

    وفي هذه السنة ولى الوليد بن عبد الملك مكة خالد بن عبد الله القسري فلم يزل واليًا عليها إلى أن مات الوليد. فذكر محمد بن عمر الواقدي أن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة حدثه عن نافع مولى بني مخزوم، قال: سمعت خالد بن عبد الله يقول: يا أيها الناس إنكم بأعظم بلاد الله حرمه، وهي التي اختار الله من البلدان، فوضع بها بيته، ثم كتب على عباده حجه من استطاع إليه سبيلًا. أيها الناس، فعليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، وإياكم والشبهات، فإني والله ما أوتي بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم. إن الله جعل الخلافة منه بالموضع الذي جعلها، فسلموا وأطيعوا، ولا تقولوا كيت وكيت. إنه لا أرى فيما كتب به الخليفة أو رأه إلا إمضاؤه، واعلموا أنه بلغني أن قومًا من أهل الخلاف يقدمون عليكم، ويقيمون في بلادكم، فإياكم أن تنزلوا أحدًا ممن تعلمون أنه زائغ عن الجماعة، فإني لا أجد أحدًا منهم في منزل أحد منكم إلا هدمت منزله، فانظروا من تنزلون في منازلكم، وعليكم بالجماعة الطاعة فإن الفرقة هي البلاء العظيم. قال محمد بن عمرو: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة، قال: اعتمرت فنزلت دور بني أسد في منازل الزبير، فلم أشعر به يدعوني، فدخلت عليه، فقالت: من أنت؟ قلت: من أهل المدينة؛ قال: ما أنزلك في منازل مخالف للطاعة! قلت: إنما مقامي إن أقمت يومًا أو بعضه، ثم ارجع منزلي وليس عندي خلاف، أنا ممن يعظم أمر الخلافة، وأزعم أن من جحدها فقد هلك. قال: فلا عليك ما أقمت، إنما يكره أن يقيم من كان زاريًا على الخليفة. قلت: ما عاذ الله! وسمعته يومًا يقول: والله لو أعلم هذه الوحش التي تأمن في الحرم لو نطقت لم تقر بالطاعة لأخرجتها من الحرم. إنه لا يسكن حرم الله وآمنه مخالف للجماعة، زار عليهم. قلت: وفق الله الأمير. وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عبد الملك، حدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: حج الوليد بن عبد الملك سنة إحدى وتسعين. وكذلك قال محمد بن عمر: حدثني موسى بن أبي بكر، قال: حدثنا صالح بن كيسان، قال: لما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلًا من قريش يخرجون معه، فيتلقون الوليد بن عبد الملك. منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الحارث بن هشام، وأخوه محمد بن عبد الرحمن وعبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان، فخرجوا حتى بلغوا السويداء، وهم مع عمر بن عبد العزيز - وفي الناس يومئذ دواب وخيل - فلقوا الوليد وهو على ظهر، فقال لهم الحاجب: انزلوا لأمير المؤمنين، فنزلوا، ثم أمرهم فركبوا، فدعا بعمر بن عبد العزيز فسايره حتى نزل بذى خشب، ثم أحضروا، فدعاهم رجلًا رجلا فسلموا عليه، ودعا بالغداء فتغدوا عنده، وراح من ذى خشب، فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بناءه فأخرج الناس منه، فما ترك فيه أحد، وبقي سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه، وما عليه إلا ريطتان ما تساويان إلا خمسة دراهم في مصلاه، فقيل له: لو قمت! قال: والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه. قيل: فلو سلمت على أمير المؤمنين! قال: والله لا أقوم إليه. قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد رجاء ألا يرى سعيدًا حتى يقوم، فحانت من الوليد نظرة إلى القبلة، فقال: من ذالك الجالس؟ أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فجعل عمر يقول: نعم يا أمير المؤمنين ومن حاله ومن حاله ولو علم بمكانك فسلم عليك، وهو ضعيف البصر. قال الوليد: قد علمت حاله، ونحن نأتيه فنسلم عليه، فدار في المسجد حتى وقف على القبر، ثم أقبل حتى وقف على سعيد فقال: كيف أنت أيها الشيخ؟ فوالله ما تحرك سعيد ولا قام، فقال: بخير والحمد لله، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ قال الوليد: خير والحمد لله. فانصرف وهو يقول لعمر: هذا بقية الناس، فقلت أجل يا أمير المؤمنين. قال: وقسم الوليد بالمدينة رفيقًا كثيرًا عجمًا بين الناس، وآنية من ذهب وفضة، وأموالًا وخطب بالمدينة في الجمعة وصلى بهم قال محمد بن عمر: وحدثني إسحاق بن يحيى قال: رأيت الوليد يخطب على منبر رسول الله يوم الجمعة عام حج، قد صف له جنده صفين من المنبر إلى جدار مؤخر المسجد، في أيديهم، الجرزة وعمد الحديد على العواتق، فرأيته طلع في دراعة وقلنسوة، ما عليه رداء، فصعد المنبر فلما صعد سلم ثم جلس فأذن المؤذن، ثم سكتوا، فخطب الخطبة الأولى وهو جالس، ثم قام فخطب الثانية قائمًا، قال إسحاق: فلقيت رجاء بن حيوة وهو معه، فقلت: هكذا يصنعون! قال: نعم، وهكذا صنع معاوية فلهم جرا، قلت: أفلا تكلمه؟ قال: أخبرني قبيضة بن ذؤيب أنه كلم عبد الملك بن مروان فأبى أن يفعل؛ وقال: هكذا خطب عثمان، فقلت: والله ما خطب هكذا، ما خطب عثمان إلا قائمًا. قال رجاء: روي لهم هذا فأخذوا به. قال إسحاق: لم نر منهم أحدًا أشد تجبرًا منه. قال محمد بن عمر: وقدم بطيب مسجد رسول الله ومجمرة وبكسوة الكعبة فنشرت وعلقت على حبال في المسجد من ديباج حسن لم ير مثله قط، فنشرها يومًا وطوى ورفع. قال: وأقام الحج الوليد بن عبد الملك.
    وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا عمالها في سنة تسعين، غير مكة فإن عاملها كان في هذه السنة خالد بن عبد الله القسري في قول الواقدي. وقال غيره: كانت ولاية مكة في هذه السنة أيضًا إلى عمر بن عبد العزيز.
    ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين

    ذكر الأحداث التي كانت فيها

    فمن ذلك غزوة مسلمة بن عبد الملك وعمر بن الوليد أرض الروم، ففتح على يد مسلمة حصون ثلاثة، وجلا أهل سوسنة إلى جوف أرض الروم.
    فتح الأندلس

    وفيها غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير الأندلس في اثني عشر ألفًا، فلقى ملك الأندلس - زعم الواقدي أنه يقال له أدرينوق، وكان رجلا من أهل أصبهان، قال: وهم ملوك عجم الأندلس – فزحف له طارق بجميع من معه، فزحف الأدرينوق في سرير الملك وعلى الأدرينوق تاجه وقفازه وجميع الحلية التي كان يلبسها الملوك، فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى قتل الله الأدرينوق، وفتح الأندلس سنة اثنتين وتسعين. وفيها غزا - فيما زعم بعض أهل السير - قتيبة سجستان يريد رتبيل الأعظم والزابل، فلما نزل السجستان تلقته رسل رتبيل بالصلح، فقبل ذلك وانصرف واستعمل عليهم عبد ربه عبد الله بن عمير الليثي. وحج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة، كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وكذلك قال الواقدي وغيره. وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها.
    ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين

    ذكر الأحداث التي كانت فيها

    فمما كان فيها من ذلك غزوة العباس بن الوليد أرض الروم، ففتح الله على يديه سمسطية.
    وفيها كانت أيضًا غزوة مروان بن الوليد الروم. فبلغ خنجرة وفيها كانت غزوة مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، فافتتح ماسا وحصن الحديد وغزالة وبرجمة من ناحية ملطية.
    صلح قتيبة ملك خوارزم شاه وفتح خام جود

    وفيها قتل قتيبة ملك خام جرد، وصالح ملك خوارزم صلحًا مجددًا


  • #56
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان الأمر فيه
    ذكر علي بن محمد أن أبا الذيال أخبره عن المهلب بن إياس والحسن بن رشيد، عن طفيل بن مرداس العمي وعلى بن مجاهد، عن حنبل ابن أبي حريدة، عن مرزبان قهستان وكليب بن خلف والباهليين وغيرهم - وقد ذكر بعضهم مالم يذكر بعض فألفته - أن ملك خوارزم كان ضعيفًا، فغلبه أخوه خرزاذ على أمره - وخرزاذ أصغر منه - فكان إذا بلغه أن عند أحد ممن هو منقطع إلى الملك جارية أو دابة أو متاعًا فاخرًا أرسل فأخذه، أو بلغه أن لأحد منهم بنتًا أو أختًا أو امرأةً جميلة أرسل إليه فغصبه، وأخذ ما شاء، وحبس ما شاء، لا يمتنع عليه أحد، ولا يمنعه الملك، فإذا قيل له، قال: لا أقوى عليه، وقد ملأه مع هذا غيظًا، فلما طال ذلك منه عليه كتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه يريد أن يسلمها إليه، وبعث إليه بمافتيح مدائن خوارزم، ثلاثة مفاتيح من ذهب، واشترط عليه أن يدفع إليه أخاه وكل من كان يضاده، يحكم فيه بما يرى، وبعث في ذلك رسلا، ولم يطلع أحدًا من مرازبته ولا دهاقنه على ما كتب به إلى قتيبة، فقدمت رسله على قتيبة في آخر الشتاء ووقت الغزو، وقد تهيأ للغزو، فأظهر قتيبة أنه يريد السغد، ورجع رسل خوارزم شاه إليه بما يحب من قبل قتيبة، وسار واستخلف على مرو ثابتًا الأعور مولى مسلم قال: فجمع ملوكه أحباره ودهاقينه فقال: إن قتيبة يريد السغد، وليس بغازيكم، فهلم نتنعم في ربيعنا هذا فأقبلوا على الشرب والتنعم، وأمنوا عند أنفسهم الغزو، قال: فلم يشعروا حتى نزل قتيبة في هزارسب دون النهر، فقال خوارزم شاه لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: نرى أن نقاتله، قال: لكني لا أرى ذلك، قد عجز عنه من هو أقوى منا وأشد شوكة؛ ولكني أرى أن نصرفه بشيء نؤديه إليه، فنصرفه عامنا هذا، ونرى رأينا قالوا: ورأينا رأيك. فأقبل خوارزم شاه فنزل في مدينة الفيل من وراء النهر قال: ومدائن خوارزم شاه ثلاث مدائن يطيف بها فارقين واحد، فمدينة الفيل أحصنهن، فنزلها خوارزم شاه - وقتيبة في هرازسب دون النهر لم يعبره بينه وبين خوارزم شاه نهر بلخ - فصالحه على عشرة آلاف رأس، وعين ومتاع، وعلى أن يعينه على ملك خام جرد، وأن يفي له بما كتب إليه، فقبل ذلك منه قتيبة، ووفى له. وبعث قتيبة أخاه إلى ملك خام جرد، وكان يعادي خوارزم شاه، فقاتله، فقتله عبد الرحمن، وغلب على أرضه وقد منهم على قتيبة بأربعة آلاف أسير، فقتلهم، وأمر قتيبة لما جاءه بهم عبد الرحمن بسريره فأخرج وبرز للناس. قال: وأمر بقتل الأسرى فقتل بين يديه ألف وعن يمينه ألف وعن يساره ألف وخلف ظهره ألف. قال: قال المهلب بن إياس: أخذت يومئذ سيوف الأشراف فضرب بها الأعناق، فكان فيها ما لا يقطع ولا يجرح، فأخذوا سيفي فلم يضرب به شيء إلا أبانه، فحسدني بعض آل قتيبة، فغمز الذي يضرب أن أصفح به، فصفح به قليلا، فوقع في ضرس المقتول فثلمه قال أبو الذيال: والسيف عندي. قال: ودفع قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه ومن كان يخالفه فقتلهم، واصطفى أموالهم فبعث بها إلى قتيبة، ودخل قتيبة مدينة فيل، فقبل من خورازم شاه ما صالحه عليه، ثم رجع إلى هزارسب، وقال كعب الأشقري:
    رمتك فيل بما فيها وما ظلمت ** ورامها قبلك الفجفاجة الصلف
    لا يجزئ الثغر خوار القناة ولا ** هش المكاسر والقلب الذي يجف
    هل تذكرون ليالي الترك تقتلهم ** ما دون كازه الفجفاج ملتحف
    لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا ** فهم ثقال على أكتافها عنف
    أنتم شباس ومرداذان محتقر ** وبسخراء قبور حشوها القلف
    إني رأيت أبا حفص تفضله ** أيامه ومساعي الناس تختلف
    قيس صريح وبعض الناس يجمعهم ** قرى وريف فمنسوب ومقترف
    لو كنت طاوعت أهل العجز ما اقتسموا ** سبعين ألفًا وعز السغد مؤتنف
    وفي سمرقند أخرى أتت قاسها ** لئن تأخر عن حوبائك التلف
    ما قدم الناس من خير سبقت به ** ولا يفوتك مما خلفوا شرف
    قال: أنشدني علي بن مجاهد: رمتك فيل بما دون كاز.. قال: وكذلك قال الحسن بن رشيد الجوزجاني؛ وأما غيرهما فقال: رمتك فيل بما فيها..
    وقالوا: فيل مدينة سمرقند؛ قال: وأثبتها عندي قول علي بن مجاهد. قال: وقال الباهليون: أصاب قتيبة من خوارزم مائة ألف رأس. قال: وكان خاصة قتيبة كلموه سنة ثلاث وتسعين وقالوا: الناس كانوا قدموا من سجستان فأجمه عامهم هذا، فأبى. قال: فلما صالح أهل خوارزم سار إلى السغد، فقال الأشقزي:
    لو كنت طاوعت أهل العجز ما اقتسموا ** سبعين ألفًا أعز السغد مؤتنف
    فتح سمرقند

    قال أبو جعفر: وفي هذه السنة غزا قتيبة بن مسلم منصرفه من خوارزم سمرقند، فافتتحها.
    ذكر الخبر عن ذلك
    قد تقدم ذكرى الإسناد عن القوم الذين ذكر علي بن محمد أنه أخذ عنهم حين صالح قتيبة صاحب خوارزم، ثم ذكر مدرجًا في ذلك أن قتيبة لما قبض صلح خوارزم قام إليه المجشر بن مزاحم السلمي فقال: إن لي حاجة، فأخلني، فأخلاه، فقال: إن أردت السغد يومًا من الدهر فالآن، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا، وإنما بينك وبينهم عشرة أيام. قال: أشار بهذا عليك أحد؟ قال: لا، قال: فأعلمته أحدًا؟ قال: لا، قال: والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك. فأقام يومه ذلك، فلما أصبح من الغد دعا عبد الرحمن فقال: سر في الفرسان والمرامية، وقدم الأثقال إلى مرو، فوجهت الأثقال إلى مرو، ومضى عبد الرحمن يتبع الأثقال يريد مرو يومه كله، فلما أمسى كتب إليه: إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو وسر في الفرسان والمرامية نحو السغد، واكتم الأخبار، فإني بالأثر. قال: فلما أتى عبد الرحمن الخبر أمر أصحاب الأثقال أن يمضوا إلى مرو، وسار حيث أمرهم، وخطب قتيبة الناس فقال: إن الله قد فتح لكم هذه البلدة في وقت الغزو فيه ممكن، وهذه السغد شاغرة برجلها، قد نقضوا العهد الذي كان بيننا، منعونًا ما كنا صالحنا عليه طرخون، وصنعوا به ما بلغكم، وقال الله: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه "، فسيروا على بركة الله، فإني أرجو أن يكون خوارزم والسغد كالنضير وقريظة، وقال الله: " وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ". قال: فأتى السغد وقد سبقه إليها عبد الرحمن بن مسلم في عشرين ألفًا، وقدم عليه قتيبة في أهل خوارزم وبخارى بعد ثلاثة أو أربعة من نزول عبد الرحمن بهم، فقال: إنا إذا نزلنا بساحة قوم " فساء صباح المنذرين ". فحصرهم شهرًا، فقاتلوا في حصارهم مرارًا من وجه واحد. وكتب أهل السغد وخافوا طول الحصار إلى ملك الشاش وإخشاذ فرغانة: إن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به، فانظروا لأنفسكم. فأجمعوا على أن يأتوهم، وأرسلوا إليهم: أرسلوا من يشغلهم حتى نبيت عسكرهم. قال: وانتخبوا فرسانًا من أبناء المرازبة والأساورة والأشداء الأبطال فوجهوهم وأمروهم أن يبيتوا عسكرهم، وجاءت عيون المسلمين فأخبروهم.
    فانتخب قتيبة ثلثمائة أو ستمائة من أهل النجدة، واستعمل عليهم صالح ابن مسلم، فصيره في الطريق الذي يخاف أن يؤتى منه. وبعث صالح عيونًا يأتونه بخبر القوم، ونزل على فرسخين من عسكر القوم، فرجعت إليه عيونه فأخبروه أنهم يصلون إليه من ليلتهم، ففرق صالح خيله ثلاث فرق؛ فجعل كمينًا في موضعين، وأقام على قارعة الطريق، وطرقهم المشركون ليلًا، ولا يعلمون بمكان صالح، وهم آمنون في أنفسهم من أن يلقاهم أحد دون العسكر، فلم يعلموا بصالح حتى غشوه. قال: فشدوا عليه حتى إذا اختلفت الرماح بينهم خرج الكمينان فاقتتلوا. قال: وقال رجل من البراجم: حصرتهم فما رأيت قط قومًا كانوا أشد قتالًا من أبناء أولئك الملوك ولا أصبر، فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا نفر يسير، وحوينا سلاحهم، واحترزنا رءوسهم، وأسرنا منهم أسرى، فسألناهم عمن قتلنا، فقالوا: ما قتلتم إلا ابن ملك، أو عظيمًا من العظماء، أو بطلًا من الأبطال؛ ولقد قتلتم رجالًا إن كان الرجل ليعدل بمائة رجل، فكتبنا على آذانهم، ثم دخلنا العسكر حين أصبحنا وما منا رجل إلا معلق رأسًا معروفًا بإسمه، وسلبنا من جيد السلاح وكريم المتاع ومناطق الذهب ودواب فرهة، فنفلنا قتيبة ذلك كله وكسر ذلك أهل السغد، ووضع قتيبة عليهم المجانيق، فرماهم بها، وهو في ذلك يقاتلهم لا يقلع عنهم، وناصحه من معه من أهل بخارى وأهل خوارزم، فقاتلوا قتالًا شديدًا، وبذلوا أنفسهم. فأرسل إليه غوزك: إنما تقاتلني بإخوتي وأهل بيتي من العجم، فأخرج إلي العرب، فغضب قتيبة ودعا الجدلي فقال: أعرض الناس، وميز، أهل البأس فجمعهم، ثم جلس قتيبة يعرضهم بنفسه، ودعا العرفاء وجعل يدعو برجل رجل. فيقول: ما عندك؟ فيقول العريف: شجاع، ويقول: ما هذا؟ فيقول: مختصر، ويقول: ماهذا؟ فيقول: جبان، فسمى قتيبة الجبناء الأنتان، وأخذ خيلهم وجيد سلاحهم فأعطاه الشجعان والمختصرين، وترك لهم رفث السلاح، ثم زحف بهم فقاتلهم بهم فرسانًا ورجالًا، ورمى المدينة بالمجانيق، فثلم فيها ثلمة فسدوها بغرائر الدخن، وجاء رجل حتى قام على الثلمة فشتم قتيبة، وكان مع قتيبة قوم رماة، فقال لهم قتيبة: اختاروا منكم رجلين، فاختاروا، فقال: أيكمايرمي هذا الرجل، فإن أصابه فله عشرة آلاف، وإن أخطأه قطعت يده، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر، فرماه فلم يخطئ عينه، فأمر له بعشرة آلاف. قال: وأخبرنا الباهليون، عن يحيى بن خالد عن أبيه خالد بن باب مولى مسلم بن عمرو، قال: كنت في رماة قتيبة، فلما افتتحنا المدينة صعدت السور فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه فوجدته ميتًا على الحائط، وما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه، ثم أصبحوا من غد فرموا المدينة، فثلموا فيها، وقال قتيبة: ألحوا حتى تعبروا الثلمة، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة، ورماهم السغد بالنشاب، فوضعوا ترستهم فكان الرجل يضع ترسه على عينه، ثم يحمل حتى صاروا على الثلمة، فقالوا له: انصرف عنا اليوم حتى نصالحك غدًا. فأما باهل فيقولون: قال قتيبة: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم. قال: وأما غيرهم فيقولون: قال قتيبة: جزع العبيد، فانصرفوا على ظفركم، فانصرفوا، فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف في كل عام على أن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس، ليس فيهم صبي ولا شيخ ولا عيب، على أن يخلوا المدينة لقتيبة فلا يكون فهم فيها مقاتل، فيبني له فيه مسجد فيدخل ويصلي، ويوضع له فيها منبر فيخطب، ويتغدى ويخرج، قال: فلما تم الصلح بعث قتيبة عشرة، من كل خمس برجلين، فقبضوا ما صالحوهم عليه، فقال قتيبة: الآن ذلوا حين صار إخوانهم وأولادهم في أيديكم، ثم أخلوا المدينة وبنوا مسجدًا ووضعوا منبرًا، ودخلها في أربعة آلاف انتخبهم، فلما دخلها أتى المسجد فصلى وخطب ثم تغدى، وأرسل إلى أهل السغد: من أراد منكم أن يأخذ متاعه فليأخذه؛ فإني لست خارجًا منها، وإنما صنعت هذا لكم، ولست أخذ منكم أكثر مما صالحتكم عليه، غير أن الجند يقيمون فيها، قال: أما الباهليون فيقولون: صالحهم قتيبة على مائة ألف رأس، وبيوت النيران وحلية الأصنام، فقبض ما صالحهم عليه، وأتى بالأصنام فسلبت؛ ثم وضعت بين يديه، فكانت كالقصر العظيم حين جمعت، فأمر بتحريقها، فقالت الأعاجم: إن فيها أصنامًا من حرقها هلك. فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، فجاء غوزك، فجثا بين يديه وقال: أيها الأمير. إن شكرك علي واجب، لا تعرض لهذه الأصنام؛ فدعا قتيبة بالنار وأخذ شعلة بيده، وخرج فكبر، ثم أشعلها، وأشعل الناس فاضطرمت، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال، قال: وأخبرنا مخلد بن حمزة بن بيض، عن أبيه، قال: حدثني من شهد قتيبة وفتح سمرقند أو بعض كور خراسان فاستخرجوا منها قدورًا عظامًا من نحاس، فقال قتيبة لحضين: يا أبا ساسان، أترى رقاش كان لها مثل هذه القدور؟ قال: لا، لكن كان لعيلان قدر مثل هذه القدور، فضحك قتيبة وقال:

  • صفحة 14 من 19 الأولىالأولى ... 41213141516 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1