صفحة 15 من 17 الأولىالأولى ... 51314151617 الأخيرةالأخيرة
النتائج 57 إلى 60 من 66

الموضوع: ألف ليلة وليلة/الجزء الثالث

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز لما اتفقت مع من معها على الكلام قالت : فإذا ألقى إليكم الملك شركان سمعه فقولوا له : فلما سمعنا هذا الكلام من تلك الصورة علمنا أن ذلك العابد من أكابر الصالحين وعباد الله المخلصين فسافرنا مدة ثلاثة أيام ثم رأينا ذلك الدير فعرجنا عليه وملنا إليه وأقمنا هناك يوماً في البيع والشراء على عادة التجار ، فلما ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار قصدنا تلك الصومعة التي فيها السرداب فسمعناه بعد تلاوة الآيات ينشد هذه الأبيات : كيداً أكـايده وصـدري ضـيق ........ وجرى بقلبي بحرهم مغـرق إن لم يكن فرج فموت عاجـل ........ إن الحمام من الرزايا أرفـق يا برق إن جئت الديار وأهلهـا ........ وعلا عليك من البشائر رونق كيف السبيل إلى اللقاء وبينـنـا ........ تلك الحروب وباب رهن مغلق بلغ أحبتنا السلام وقـل لـهـم ........ إني بدير الروم قاص موثـق ثم قالت : إذا وصلتم بي إلى عسكر المسلمين وصرت أعرف أدبر حيلة في خديعتهم وقتلهم عن أخرهم . فلما سمع النصارى كلام العجوز قبلوا يديها ووضعوها في الصندوق بعد أن ضربوها أشد الضربات الموجعات تعظيماً لها لأنهم يرون طاعتها من الواجب ثم قصدوا بها عسكر المسلمين كما ذكرنا . هذا ما كان من أمر اللعينة ذات الدواهي ومن معها . وأما ما كان من أمر عسكر المسلمين فإنهم لما نصرهم الله على أعدائهم وغنموا ما كان في المراكب من الأموال والذخائر قعدوا يتحدثون مع بعضهم فقال ضوء المكان لأخيه : إن الله عز وجل قد نصرنا بسبب عذلنا وانقيادنا لبعضنا فكن يا شركان ممتثلاً لأمري في طاعة الله . فقال شركان : حباً وكرامة . ومد يده إلى أخيه وقال : إن جاءك ولد أعطيته ابنتي قضى فكان . ففرح بذلك وصار يهنئ بعضهم بعضاً بالنصر على الأعداء وهنا الوزير دندان شركان وقال لهما : اعلما أيها الملكان أن الله عز وجل نصرنا حيث وهبنا أنفسنا وهجرنا الأهل والأوطان ، والرأي عندي أن نرحل وراءهم ونحاصرهم ونقاتلهم لعل الله أن يبلغنا مرادنا ونستأصل أعداءنا وإن شئتم فانزلوا في هذه المراكب وسيروا في البحر ونحن نسير في البر ونصبر على القتال والطعن والنزال . ثم أن الوزير دندان ما زال يحرضهم على القتال وأنشد قول من قال : أطيب الطيبات قتل الأعادي ........ واحتمال على ظهور الجياد ورسول يأتي بوعد حبـيب ........ وحبيب يأتي بلا مـيعـاد وقال آخر : وإن عمرت جعلت الحرب والدة ........ والمشرفي أخا والسمهري أبـا بكل أشعث يلقي الموت مبتسماً ........ حتى كان له في قتـلـه إربـا فلما فرغ الوزير دندان من شعره قال : سبحان من أيدنا بنصره العزيز وأظفرنا بغنيمة الفضة والإبريز . ثم أمر ضوء المكان العسكر بالرحيل فسافروا طالبين القسطنطينية وجدوا في سيرهم حتى أشرفوا على مرج فسيح وفيه كل شيء مليح ما بين وحوش تمرح وغزلان تسنح وكانوا قد قطعوا مغاور كثيرة وانقطع عنهم الماء ستة أيام ، فلما أشرفوا على ذلك المرج نظروا تلك العيون النابعة والأثمار اليانعة وتلك الأرض كأنها جنة أخذت زخرفها وازّينت وسكرت أغصانها من رحيق الظل فتمايلت وجمعت بين عذوبة التنسيم فتدهش العقل والناظر كما قال الشاعر : انظر إلى الروض النضـير كأنـما ........ نشرت عليه ملاءة خـضـراء إن ما سنحت بلحظ عينك لا تـرى ........ إلا غديراً جـال فـيه الـمـاء وترى بنفسك عـزة فـي دوحـة ........ إذ فوق رأسك حيث سرت لواء وما أحسن قول الآخر : النهر خد بـالـشـعـاع مـورد ........ قد دب فيه عذار ظـل الـبـان والماء في سوق الغصون خلاخل ........ من فضة والزهر كالتـيجـان فلما نظر ضوء المكان إلى ذلك المرج الذي التفت أشجاره وزهت أزهاره وترنمت أطياره نادى أخاه شركان وقال له : إن دمشق ما فيها مثل هذا المكان فلا نرحل منه إلا بعد ثلاثة أيام نأخذ راحة لأجل أن تنشط عساكر الإسلام وتقوي نفوسهم على لقاء الكفرة اللئام . فأقاموا فيه . فبينما هم كذلك إذ سمعوا أصواتاً من بعيد فسأل عنهم ضوء المكان فقيل أنها قافلة تجار من بلاد الشام كانوا نازلين في هذا المكان للراحة ولعل العساكر صادفوهم وربما أخذوا شيئاً من بضائعهم التي معهم حيث كانوا في بلاد الكفار وبعد ساعة جاء التجار وهم صارخون يستغيثون بالملك ، فلما رأى ضوء المكان ذلك أمر بإحضارهم فحضروا بين يديه وقالوا : أيها الملك إنا كنا في بلاد الكفار ولم ينهبوا منا شيئاً فكيف تنهب أموالنا أخواننا المسلمون ونحن أخبرناك بما حصل لنا ? ثم أخرجوا له كتاب ملك القسطنطينية فأخذه شركان وقرأه ثم قال لهم : سوف نرد عليكم ما أخذ منكم ولكن كان من الواجب أن لا تحملوا تجارة إلى بلاد الكفار . فقالوا : يا مولانا إن الله سيرنا إلى بلادهم لنظفر بما لم يظفر به أحد من الغزاة ولا أنتم في غزوتكم . فقال له شركان : وما الذي ظفرتم به ? فقالوا : ما نذكر لك ذلك إلا في خلوة لأن هذا الأمر إذا شاع بين الناس ربما اطلع عليه أحد فيكون ذلك سبباً لهلاكنا وهلاك كل من توجه إلى بلاد الروم من المسلمين . وكانوا قد خبئوا الصندوق الذي فيه اللعينة ذات الداوهي ، فأخذهم ضوء المكان وأخوه واختليا بهم فشرحوا لهما حديث الزاهد وصاروا يبكون حتى أبكوهما .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة الخامسة عشرة بعد المئة
    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أن النصارى الذين في هيئة التجار لما اختلى بهم ضوء المكان وأخوه شركان شرحوا لهما حديث الزاهد وبكوا حتى أبكوهما وأخبروهما كما أعلمتهم الكاهنة ذات الدواهي فرق قلب شركان للزاهد وأخذته الرأفة عليه وقامت به الحمية لله تعالى وقال لهم : هل خلصتم هذا الزاهد أم هو في الدير إلى الآن ? فقالوا : بل خلصناه وقتلنا صاحب الدير من خوفنا على أنفسنا ثم أسرعنا في الهرب خوفاً من العطب ، وقد أخبرنا بعض الثقات أن في هذا الدير قناطير من الذهب والفضة والجواهر . وبعد ذلك أتوا بالصندوق وأخرجوا منه تلك الملعونة كأنها قرن خيار شنبر من شدة السواد والنحول وهي مكبلة بتلك السلاسل والقيود ، فلما نظرها ضوء المكان هو والحاضرون ظنوا أنها رجل من خيار العباد ومن أفضل الزهاد خصوصاً وجبينها يضيء من الدهان الذي دهنت به وجهها ، فبكى ضوء المكان وأخوه شركان بكاء شديداً ثم قاموا إليها وقبلا يديها ورجليها وصارا ينتحبان ، فأشارت إليهما وقالت : اعلما أني قد رضيت بما صنعه بي مولاي لأني أرى أن البلاء الذي حل بي لأجل أن أموت تحت حوافر خيل المجاهدين الذين هم بعد القتل أحياء غير أموات . ثم أنشدت هذه الأبيات : الحصن طور ونار الحرب موقـدة ........ وأنت موسى وهذا الوقت ميقـات ألق العصا تتلقف كل ما صنـعـوا ........ ولا تخف ما حبال القـوم حـيات فاقرأ سطور العدا يوم الوغى سورا ........ فإن سيفك فـي الأعـنـاق آيات فلما فرغت العجوز من شعرها تناثرت من عينيها المدامع وجبينها بالدهان كالضوء اللامع فقام إليها شركان وقبل يدها وأحضر لها الطعام فامتنعت وقالت : إني لم أفطر من مدة خمسة عشر عاماً فكيف أفطر في هذه الساعة وقد جاد على المولى بالخلاص من أسر الكفار ودفع عني ما هو أشق من عذاب النار فأنا أصبر إلى الغروب . فلما جاء وقت العشاء أقبل شركان هو وضوء المكان وقدما إليها الأكل وقالا لها : كل أيها الزاهد . فقالت : ما هذا وقت الأكل وإنما هذا وقت عبادة الملك الديان . ثم انتصبت في المحراب تصلي إلى أن ذهب الليل ولم تزل على هذه الحالة ثلاثة أيام بلياليها هي لا تقعد إلا وقت التحية ، فلما رآها ضوء المكان على تلك الحالة ملك قلبه حسن الاعتقاد فيها وقال لشركان : اضرب خيمة من الأديم لذلك العابد ووكل فراشاً بخدمته . وفي اليوم الرابع دعت بالطعام فقدموا لها من الألوان ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فلم تأكل من ذلك كله إلا رغيفاً واحداً ثم نوت الصوم ، ولما جاء الليل قامت إلى الصلاة فقال شركان لضوء المكان : أما هذا الرجل فقد زهد الدنيا غاية الزهد ولولا هذا الجهاد لكنت لازمته وأعبد الله بخدمته حتى ألقاه ، وقد اشتهيت أن أدخل معه الخيمة وأتحدث معه ساعة . فقال له ضوء المكان : وأنا كذلك ولكن نحن في غد ذاهبون إلى غزو القسطنطينية ولم نجد لنا مثل هذه الساعة . فقال الوزير دندان : وأنا الآخر اشتهي أن أرى ذلك الزاهد لعله يدعو لي بقضاء نحبي في الجهاد ولقاء ربي ، فإني زهدت الدنيا . فلما جن الليل دخلوا على تلك الكاهنة ذات الدواهي في خيمتها فرأوها قائمة تصلي فدنوا منها وصاروا يبكون رحمة لها وهي لا تلتفت إليهم إلى أن انتصف الليل فسلمت من صلاتها ثم أقبلت عليهم وحيتهم وقالت لهم : لماذا جئتم ? فقالوا لها : أيها العابد أما سمعت بكاءنا حولك ? فقالت : إن الذي يقف بين يدي الله لا يكون له وجود في الكون حتى يسمع صوت أحد أو يراه . ثم قالوا : إننا نشتهي أن تحدثنا بسبب أسرك وتدعو لنا في هذه الليلة فإنها خير لنا من ملك القسطنطينية . فلما سمعت كلامهم قالت : والله لولا أنكم أمراء المسلمين ما أحدثكم بشيء من ذلك أبداً فإني لا أشكو إلا إلى الله وها أنا أخبركم بسبب أسري : اعلموا أنني كنت في القدس مع بعض الأبدال وأرباب الأحوال وكنت لا أتكبر عليهم لأن الله سبحانه وتعالى أنعم علي بالتواضع والزهد فاتفق أنني توجهت إلى البحر ليلة ومشيت على الماء فداخلني العجب من حيث لا أدري وقلت في نفسي : من مثلي يمشي على الماء فقسا قلبي من ذلك الوقت وابتلاني الله تعالى بحب السفر فسافرت إلى بلاد الروم وجلت في أقطارها سنة كاملة حتى لم أترك موضعاً إلا عبدت الله فيه ، فلما وصلت إلى هذا المكان صعدت إلى هذا الجبل وفيه دير راهب يقال له مطروحنا ، فلما رآني خرج إلي وقبل يدي ورجلي وقال : إني رأيتك منذ دخلت بلاد الروم وقد شوقني إلى بلاد الإسلام ثم أخذ بيدي وأدخلني في ذلك الدير ثم دخل بي إلى بيت مظلم فلما دخلت غافلني وأغلق الباب علي وتركني فيه أربعين يوماً من غير طعام ولا شراب وكان قصده بذلك قتلي صبراً ، فاتفق في بعض الأيام أنه دخل ذلك الدير بطريق يقال له دقيانوس ومعه عشرة من الغلمان ومعه ابنة يقال لها تماثيل ولكنها في الحسن ليس لها مثيل .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
    الليلة السادسة عشرة بعد المئة
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز ذات الدواهي قالت : إن البطريق دخل علي ومعه عشرة من الغلمان ومعه ابنة غاية في الجمال ليس لها مثيل ، فلما دخلوا الدير أخبرهم الراهب مطروحنا بخبري فقال البطريق : أخرجوه لأنه لم يبق من لحمه ما يأكله الطير . ففتحوا باب ذلك البيت المظلم فوجدوني منتصباً في المحراب أصلي وأقرأ وأسبح وأتضرع إلى الله تعالى فلما سمعوا كلامه قاموا جميعاً ودخلوا علي ، وأقبل علي دقيانوس هو وجماعته وضربوني ضرباً عنيفاً فعند ذلك تمنيت الموت ولمت نفسي وقلت : هذا جزاء من يتكبر ويعجب بما أنعم عليه ربه مما ليس في طاقته ، وأنت يا نفسي قد داخلك العجب والكبر أما علمت أن الكبر يغضب الرب ويقسي القلب ويدخل الإنسان في النار . ثم بعد ذلك قيدوني وردوني إلى مكاني وكان سرداباً في ذلك البيت تحت الأرض وكل ثلاثة أيام يرمون إلي قرص من الشعير وشربة ماء وكل شهر أو شهرين يأتي البطريق ويدخل ذلك الدير وقد كبرت ابنته تماثيل لأنها كانت بنت تسع سنين حين رأيتها ومضى لي في الأسر خمس عشرة سنة فجملة عمرها أربعة وعشرون عاماً ، وليس في بلادنا ولا في بلاد الروم أحسن منها وكان أبوها يخاف عليها من الملك أن يأخذها منه لأنها وهبت نفسها للمسيح غير أنها تركب مع أبيها في زي الرجال الفرسان وليس لها مثيل في الحسن ولم يعلم من رآها أنها جارية وقد خزن أبوها أمواله في هذا الدير لأن كل ما كان عنده شيء من نفائس الذخائر يضعه في ذلك الدير ، وقد رأيت فيه من أنواع الذهب والفضة والجواهر وسائر الألوان والتحف ما لا يحصي عدده إلا الله . فأنتم أولى به من هؤلاء الكفرة ، فخذوا ما في هذا الدير وأنفقوه على المسلمين وخصوصاً المجاهدين . ولما وصل هؤلاء التجار إلى القسطنطينية وباعوا بضاعتهم كلمتهم تلك الصورة التي في الحائط كرامة أكرمني الله بها فجاؤوا إلى ذلك الدير وقتلوا البطريق مطروحنا بعد أن عاقبوه أشد العقاب وشدوه من لحيته فدلهم على موضعي فأخذوني ولم يكن لهم سبيل إلا الهرب خوفاً من العطب . وفي ليلة غد تأتي تماثيل إلى ذلك الدير على عادتها ويلحقها أبوها مع غلمانه لأنه يخاف عليها ، فإن شئتم أن تشاهدوا هذا الأمر فخذوني بين أيديكم وأنا أسلم لكم الأموال وخزانة البطريق دقيانوس التي في ذلك الجبل وقد رأيتهم يخرجون أواني الذهب والفضة يتسربون فيها ورأيت عندهم جارية تغني لهم بالعربي ، فواحسرتاه لو كان الصوت الحسن في قراءة القرآن ، وإن شئتم فادخلوا هذا الدير واكمنوا فيه إلى أن يصل دقيانوس وتماثيل معه ، فخذوها فإنها لا تصلح إلا لملك الزمان شركان وللملك ضوء المكان . ففرحوا بذلك حين سمعوا كلامها إلا الوزير دندان فإنه ما دخل كلامها في عقله وإنما كان يتحدث معها لأجل خاطر الملك وصار باهتاً في كلامها ويلوح على وجهه علامة الإنكار عليها . فقالت ذات الدواهي : إني أخاف أن يقبل البطريق وينظر هذه العساكر في المرج فما يجسر أن يدخل الدير . فأمر السلطان العسكر أن يرحلوا صوب القسطنطينية ، وقال ضوء المكان : إن قصدي أن نأخذ معنا مائة فارس وبغالاً كثيرة ونتوجه إلى ذلك الجبل ونحملهم المال الذي في الدير . ثم أرسل من وقته وساعته إلى الحاجب الكبير فأحضره بين يديه وأحضر المقدمين والأتراك والديلم وقال : إذا كان وقت الصباح فارحلوا إلى القسطنطينية أنت أيها الحاجب تكون عوضاً عني في الرأي والتدبير ، وأنت يا رستم تكون نائباً عن أخي في القتال ولا تعلموا أحد أننا لسنا معكم وبعد ثلاثة أيام نلحقكم . ثم انتخب مائة فارس من الأبطال وانحاز هو وأخوه الوزير دندان والمائة فارس وأخذوا معهم البغال والصناديق لأجل حمل المال .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة السابعة عشرة بعد المئة
    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أنه لما أصبح الصباح نادى الحاجب بين العسكر بالرحيل فرحلوا وهم يظنون أن شركان وضوء المكان والوزير دندان معهم ولم يعلموا أنهم ذهبوا إلى الدير . هذا ما كان من أمرهم . وأما ما كان من أمر شركان وأخيه ضوء المكان والوزير دندان فإنهم أقاموا إلى آخر النهار ، وكان الكفار أصحاب ذات الدواهي رحلوا خفية بعد أن دخلوا عليها وقبلوا الأرض بين يديها ورجليها واستأذنوها في الرحيل فأذنت لهم وأمرتهم بما شاءت من المكر . فلما جن الظلام قالت العجوز لضوء المكان هو وأصحابه : قوموا معي إلى الجبل وخذوا معكم قليلاً من العسكر . فأطاعوها وتركوها في سفح الجبل مع خمسة فوارس بين يدي ذات الدواهي وصار عندها قوة من شدة فرحها ، وصار ضوء المكان يقول : سبحان من قوى هذا الزاهد الذي ما رأينا مثله . وكانت الكاهنة قد أرسلت كتاباً على أجنحة الطير إلى ملك القسطيطينية تخبره بما جرى ، وقالت في آخر الكتاب : أريد أن تنفذ لي عشرة آلاف فارس من شجعان الروم يكون سيرهم في سفح الجبل خفية لأجل أن لا يراهم عسكر الإسلام ويأتون إلى الدير ويكمنون فيه حتى أحضر إليهم ومعي ملك المسلمين وأخوه فإني خدعتهما وجئت بهما ومعهما الوزير ومائة فارس لا غير وسوف أسلم إليهم الصلبان التي في الدير وقد عزمت على قتل الراهب مطروحنا لأن الحيلة لا تتم إلا بقتله فإن تمت الحيلة فلا يصل من المسلمين إلى بلادهم لا ديار ولا من ينفخ النار ويكون مطروحنا فداء لأهل الملة النصرانية والعصبة الصليبية والشكر للمسيح أولاً وآخراً . فلما وصل الكتاب إلى القسطنطينية جاء براج الحمام إلى الملك أفريدون بالورقة فلما قرأها أنفذ من الجيش وقته وجهز كل واحد بفرس وهجين وبغل وأمرهم أن يصلوا إلى ذلك الدير . هذا ما كان من أمر هؤلاء . وأما ما كان من أمر ضوء المكان وأخيه شركان والوزير دندان والعسكر ، فإنهم لما وصلوا إلى الدير دخلوه فرأوا الراهب مطروحنا قد أقبل لينظر حالهم فقال الزاهد : اقتلوا هذا اللعين . فضربوه بالسيوف وأسقوه كأس الحتوف ، ثم مضت بهم الملعونة إلى موضع النذور فأخرجوا منه التحف والذخائر أكثر مما وصفته لهم ، وبعد أن جمعوا ذلك وضعوه في الصناديق وحملوه على البغال وأما تماثيل فإنها لم تحضر هي ولا أبوها خوفاً من المسلمين فأقام ضوء المكان في انتظارها ذلك النهار وثاني يوم وثالث يوم ، فقال شركان : والله إن قلبي مشغول بعسكر الإسلام ولا أدري ما حالهم . فقال أخوه : إنا قد أخذنا هذا المال وما أظن أن تماثيل ولا غيرها يأتي إلى هذا الدير بعد أن جرى لعسكر الروم ما جرى فينبغي أننا نقنع بما يسره الله لنا ونتوجه لعل الله يعيننا على فتح القسطنطينية . ثم نزلوا من الجبل فما أمكن ذات الدواهي أن تتعرض لهم خوفاً من التفطن لخداعها ، ثم أنهم ساروا إلى باب الشعب وإذا بالعجوز قد أكمنت لهم عشرة آلاف فارس فلما رأوهم احتاطوا بهم من كل جانب وأسرعوا نحو الرماح وجردوا عليهم بيض السفاح ونادى الكفار بكلمة كفرهم وفرقعوا سهام شرهم . فنظر ضوء المكان وأخوه شركان والوزير دندان إلى هذا الجيش فرأوه جيشاً عظيماً وقالوا : من أعلم هذه العساكر بنا ? فقال شركان : يا أخي ما هذا وقت كلام بل هذا وقت الضرب بالسيف والرمي بالسهام . فشدوا عزمكم وقووا نفوسكم فإن هذا الشعب مثل الدرب له بابان ، وحق سيد العرب والعجم لولا أن هذا المكان ضيق لكنت أفنيتهم ولو كانوا مائة ألف فارس . فقال ضوء المكان : لو علمنا لأخذنا معنا خمسة آلاف فارس . فقال الوزير دندان : لو كان معنا عشرة آلاف فارس في هذا المكان لا تفيدنا شيئاً ولكن الله يعيننا عليهم وأنا أعرف هذا الشعب وضيقه وأعرف أن فيها مفاوز كثيرة لأني قد غزوت فيه مع الملك عمر النعمان حين حاصرنا القسطنطينية وكنا نقيم فيه وفيه ماء أبرد من الثلج فانهضوا بنا لنخرج من هذا الشعب قبل أن يكثر عليها عساكر الكفار ويسبقونا إلى رأس الجبل فيرموا علينا الحجارة ولا نملك فيهم إرباً . فأخذوا في الإسراع من ذلك الشعب فنظر إليهم الزاهد وقال لهم : ما هذا الخوف وأنتم قد بعتم أنفسكم لله تعالى في سبيله ، والله إني مكثت مسجوناً تحت الأرض خمسة عشر عاماً ولم أعترض على الله فيما فعل بي ، فقاتلوا في سبيل الله فمن قتل منكم فالجنة مأواه ومن قتل فإلى الشرف مسعاه . فلما سمعوا من الزاهد هذا الكلام زال عنهم الهم والغم وثبتوا حتى هجم عليهم الكفار من كل مكان ولعبت في أعناقهم السيوف ودارت بينهم كأس الحتوف وقاتل المسلمون في طاعة الله أشد قتال وأعملوا في أعدائهم الأسنة والنصال وصار ضوء المكان يضرب الرجال ويجندل الأبطال ويرمي رؤوسهم خمسة خمسة وعشرة عشرة حتى أفنى منهم عدداً لا يحصى ورجالاً يستقصى فبينما هو كذلك إذ نظر الملعونة وهي تشير بالسيف إليهم وتقويهم جانب وكل ما خاف يهرب إليها وصارت تومئ إليهم بقتل شركان فيميلون إلى قتله فرقة بعد فرقة وكل فرقة حملت عليه يحمل عليها ويهزمها وتأتي بعدها فرقة أخرى حاملة عليها فيردها بالسيف على أعقابها ، فظن أن نصره عليهم ببركة العابد وقال في نفسه : إن هذا العابد قد نظر إلي بعين عنايته وقوى عزمي على الكفار بخالص نيته فأراهم يخافونني ولا يستطيعون الإقدام علي بل كلما حملوا علي يولون الأدبار ويركنون إلى الفرار . ثم قاتلوا بقية يومهم إلى آخر النهار ولما أقبل الليل نزلوا في مغارة من ذلك الشعب من كثرة ما حصل لهم من الوبال ورمي الحجارة وقتل منهم في ذلك اليوم خمسة وأربعون رجلاً ولما اجتمعوا مع بعضهم فتشوا على ذلك الزاهد فلم يروا له أثر فعظم عليهم ذلك وقالوا : لعله استشهد . فقال شركان : أنا رأيته يقوي الفرسان بالإشارة الربانية ويعيدهم بالآيات الرحمانية . فبينما هم في الكلام وإذا بالملعونة ذات الدواهي قد أقبلت وفي يدها رأس البطريق الكبير الرئيس على العشرين ألفاً وكان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً وقد قتله رجل من الأتراك بسهم فعجل الله بروحه إلى النار فلما رأى الكفار ما فعل ذلك المسلم بصاحبهم مالوا بكليتهم عليه وأوصلوا الأذية إليه وقطعوه بالسيوف فعجل الله به إلى الجنة . ثم إن الملعونة قطعت رأس ذلك البطريق وأتت به وألقته بين يدي شركان والملك ضوء المكان والوزير دندان ، فلما رآها شركان وثب قائماً على قدميه وقال : الحمد لله على رؤيتك أيها العابد المجاهد الزاهد . فقالت : ولدي إني قد طلبت الشهادة في هذا اليوم فصرت أرمي روحي بين عسكر الكفار يهابونني فلما انفصلتم أخذتني الغيرة عليكم وهجمت على البطريق الكبير رئيسهم وكان يعد بألف فارس فضربته حتى أطحت رأسه عن بدنه ولم يقدر أحد من الكفار أن يدنو مني وأتيت برأسه إليكم .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة الثامنة عشرة بعد المئة


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أن اللعينة ذات الدوهي قالت : أتيت برأسه إليكم لتقوى نفوسكم على الجهاد وترضوا بسيوفكم رب العباد وأريد أن أشغلكم في الجهاد وأذهب إلى عسكركم ولو كانوا على باب القسطنطينية وآتيكم من عندهم بعشرين ألف فارس يهلكون هؤلاء الكفرة . فقال شركان : وكيف تمضي إليهم أيها الزاهد والوادي مسدود بالكفار من كل جانب ? فقالت الملعونة : الله يسترني عن أعينهم فلا يروني ومن رآني لا يجسر أن يقبل علي فإني في ذلك الوقت أكون فانياً في الله وهو يقاتل عني أعداءه . فقال شركان : صدقت أيها الزاهد لأني شاهدت ذلك وإذا كنت تقدر أن تمضي أول الليل يكون أجود لنا . فقالت الملعونة : أنا أمضي في هذه الساعة وإن كنت تريد أن تجيء معي ولا يراك أحد فقم وإن كان أخوك يذهب معنا أخذناه دون غيره فإن ظل الولي لا يستر غير اثنين . فقال شركان : أما أنا فلا أترك أصحابي ولكن إذا كان أخي يرضى بذلك فلا بأس حيث ذهب معك وخلص من هذا الضيق فإنه هو حصن المسلمين وسيف رب العالمين وإن شاء فليأخذ معه الوزير دندان أو من يختار ، ثم يرسل إلينا عشرة آلاف فارس إعانة على هؤلاء اللئام . واتفقوا على هذا الحال ثم أن العجوز قالت : أمهلوني حتى أذهب قبلكم وأنظر حال الكفرة هل هم نيام أو يقظون . فقالوا : ما نخرج إلا معك ونسلم أمرنا لله . فقالت : إذا طاوعتكم لا تلوموني ولوموا أنفسكم فالرأي عندي أن تمهلوني حتى أكتشف خبرهم . فقام شركان وحدث أخاه بعد خروجهما وقال : إن هذا الزاهد صاحب كرامات ما قتل هذا البطريق الجبار وفي هذا القدر كفاية في كرامة هذا الزاهد وقد انكسرت شوكة الكفار بقتل هذا البطريق لأنه كان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً . فبينما هم يتحدثون في كرامات الزاهد ، وإذا باللعينة ذات الدواهي قد دخلت عليهم ووعدتهم بالنصر على الكفرة فشكروا الزاهد على ذلك ولم يعلموا أن هذا حيلة وخداع ، ثم قالت اللعينة : أين ملك الزمان ضوء المكان ? فأجابها بالتلبية فقالت له : خذ معك وزيرك وسر خلفي حتى نذهب إلى القسطنطينية . وكانت ذات الدواهي قد أعلمت الكفار بالحيلة التي عملتها ففرحوا بذلك غاية الفرح وقالوا : ما يجبر خاطرنا إلا قتل ملكهم في نظير قتل البطريق لأنه لم يكن عندنا أفرس منه . وقالوا لعجوز النحس ذات الدواهي حين أخبرتهم بأنها تذهب إليهم بملك المسلمين إذا أتيت به نأخذه إلى الملك أفريدون . ثم إن العجوز ذات الدواهي توجهت وتوجه معها ضوء المكان والوزير دندان وهي سابقة عليهما وتقول لهما : سيروا على بركة الله تعالى . فأجاباها إلى قولها ونفذ فيهما سهم القضاء والقدر ولم تزل سائرة بهما حتى توسطت بهما بين عسكر الروم وصلوا إلى الشعب المذكورة الضيق وعساكر الكفار ينظرون إليهم ولا يتعرضون لهم بسوء لأن الملعونة أوصتهم بذلك فلما نظر ضوء المكان والوزير دندان إلى عساكر الكفار وعرفوا أن الكفار عاينوهم ولم يتعرضوا لهم قال الوزير دندان إلى ضوء المكان : والله إن هذه كرامة من الزاهد ولا شك أنه من الخواص . فقال ضوء المكان : والله ما أظن الكفار إلا عمياناً لأننا نراهم وهم لا يروننا . فبينما هم في الثناء على الزاهد وتعداد كراماته وزهده وعبادته وإذا بالكفار قد هجموا عليهما واحتاطوا بهما وقبضوا عليهما وقالوا : هل معكما أحد غيركما فنقبض عليه ? فقال الوزير دندان : أما ترون هذا الرجل الآخر الذي بين أيدينا ? فقال لهم الكفار : وحق المسيح والرهبان والجاثليق والمطران إننا لم نر أحداً غيركما . فقال ضوء المكان : والله إن الذي حل بنا عقوبة لنا من الله تعالى .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة التاسعة عشرة بعد المئة
    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أن الكفار وضعوا القيود في أرجلهما ووكلوا بهما من يحرسهما في المبيت ، فصارا يتأسفان ويقولان لبعضهما : إن الاعتراض على الصالحين يؤدي إلى أكثر من ذلك وجزاؤنا ما حل بنا من الضيق الذي نحن فيه . هذا ما كان من أمر ضوء المكان والوزير دندان . وأما ما كان من أمر الملك شركان فإنه بات تلك الليلة فلما أصبح الصباح قام وصلى صلاة الصبح ثم نهض هو ومن معه من العساكر وتأهبوا إلى قتال الكفار وقوى قلوبهم شركان ووعدهم بكل خير ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى الكفار فلما رآهم الكفار من بعيد قالوا لهم : يا مسلمين إنا أسرنا سلطانكم ووزيره الذي به انتظام أمركم وإن لم ترجعوا عن قتالنا قتلناكم عن آخركم وإذا سلمتم لنا أنفسكم فإننا نروح بكم إلى ملكنا فيصالحكم على أن تخرجوا من بلادنا وتذهبوا إلى بلادكم ولا تضرونا بشيء ولا نضركم بشيء فإن طاب خاطركم كان الحظ لكم وإن أبيتم فما يكون إلا قتلكم وقد عرفناكم وهذا آخر كلامنا . فلما سمع شركان كلامهم وتحقق أسر أخيه والوزير دندان عظم عليه وبكى وضعفت قوته وأيقن بالهلاك وقال في نفسه : يا ترى ما سبب أسرهما ? هل حصل منهما إساءة أدب في حق الزاهد واعتراض عليه ? وما شأنهما ? ثم نهضوا إلى قتال الكفار فقتلوا منهم خلقاً كثيراً وتبين في ذلك اليوم الشجاع من الجبان واختضب السيف والسنان وتهافتت عليهم الكفار تهافت الذباب على الشراب من كل مكان وما زال شركان ومن معه يقاتلون قتال من لا يخاف الموت ولا يعتريه في طلب الفرصة قوت حتى سال الوادي بالدماء وامتلأت الأرض بالقتلى . فلما أقبل الليل تفرقت الجيوش وكل من الفريقين ذهب إلى مكانه وعاد المسلمون إلى تلك المغارة ولم يبق منهم إلا القليل ولم يكن منهم إلا على الله والله عليه كل تعويل وقد قتل منهم في هذا النهار خمسة وثلاثون فارساً من الأمراء والأعيان وإن من قتل بسيفهم من الكفار آلاف من الرجال والركبان فلما عاين شركان ذلك ضاق عليه الأمر وقال لأصحابه : كيف العمل ? فقال له أصحابه : لا يكون إلا ما يريده الله تعالى . فلما كان ثاني يوم قال شركان لبقية العسكر : إن خرجتم للقتال ما بقي منكم أحد لأنه لم يبق عندنا إلا قليل من الماء والزاد والرأي الذي عندي فيه الرشاد أن تجردوا سيوفكم وتخرجوا وتقفوا على باب تلك المغارة لأجل أن تدفعوا عن أنفسكم كل من يدخل عليكم فلعل الزاهد أن يكون وصل إلى عسكر المسلمين ويأتينا بعشرة آلاف فارس فيعينون على قتال الكفرة ولعل الكفار لم ينظروه هو ومن معه . فقال له أصحابه : إن هذا الرأي هو الصواب وما في سداده ارتياب . ثم إن العسكر خرجوا وملكوا باب المغارة ووقفوا في طرفيه وكل من أراد أن يدخل عليهم من الكفار يقتلوه وصاروا يدفعون الكفار عن الباب وصبروا على قتال الكفار إلى أن ذهب النهار وأقبل الليل بالاعتكار .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة العشرين بعد المئة
    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أنه عندما أقبل الليل لم يبق عند الملك شركان إلا خمسة وعشرون رجلاً لا غير فقال الكفار لبعضهم : متى تنقضي هذه الأيام فإننا قد تعبنا من قتال المسلمين . فقال بعضهم لبعض : قوموا نهجم عليهم فإنه لم يبق منهم إلا خمسة وعشرون رجلاً فإن لم نقدر عليهم نضرم عليهم النار فإن انقادوا وسلموا أنفسهم إلينا أخذناهم أسرى وإن أبوا تركناهم حطباً للنار حتى يصيروا عبرة لأولي الأبصار فلا رحم المسيح أباهم ولا جعل مستقر النصارى مثواهم . ثم إنهم حطوا الحطب على باب المغارة وأضرموا فيه النار فأيقن شركان ومن معه بالبوار فبينما هم كذلك وإذا بالبطريق الرئيس عليهم التفت إلى المشير بقتلهم وقال له : لا يكون قتلهم إلا عند الملك أفريدون لأجل أن يشفي غليله فينبغي أن نبقيهم عندنا أسارى وفي غد نسافر إلى القسطنطينية ونسلمهم إلى الملك أفريدون فيفعل بهم ما يريد . فقالوا : هذا هو الرأي الصواب . ثم أمروا بتكتيفهم وجعلوا عليهم حرساً فلما جن الظلام اشتغل الكفار باللهو والطعام ودعوا بالشراب فشربوا حتى انقلب كل منهم على قفاه وكان شركان وضوء المكان مقيدين وكذلك من معهم من الأبطال فعند ذلك نظر شركان إلى أخيه ، وقال له : يا أخي كيف الخلاص ? فقال ضوء المكان : والله لا أدري وقد صرنا كالطير في الأقفاص . فاغتاظ شركان وتنهد من شدة غيظه فانقطع الكتاف فلما خلص من الوثاق قام إلى رئيس الحراس وأخذ مفاتيح القيود من جيبه وفك ضوء المكان وفك الوزير دندان وفك بقية العسكر ثم التفت إلى أخيه ضوء المكان والوزير دندان وقال : إني أريد أن أقتل من الحراس ثلاثة ونأخذ ثيابهم ونلبسها نحن الثلاثة حتى نصير في زي الروم ، ونسير بينهم حتى لا يعرفوا أحداً منا ، ثم نتوجه إلى عسكرنا . فقال ضوء المكان : إن هذا الرأي غير صواب لأننا إذا قتلناهم نخاف أن يسمع أحد شخيرهم فتنتبه إلينا الكفار فيقتلوننا والرأي السديد أن نسير إلى خارج الشعب . فأجابوه إلى ذلك فلما صاروا بعيداً عن الشعب بقليل رأوا خيلاً مربوطة وأصحابها نائمون فقال شركان لأخيه : ينبغي أن يأخذ كل واحد منا جواداً من هذه الخيول . وكانوا خمسة وعشرين رجلاً فأخذوا خمسة وعشرين جواداً ، وقد ألقى الله النوم على الكفار لحكمة يعلمها الله . ثم إن شركان جعل يختلس من الكفار السلاح من السيوف والرماح ، حتى اكتفوا ثم ركبوا الخيل التي أخذوها وساروا ، وكان في ظن الكفار أنه لا يقدر أحد على فكاك ضوء المكان وأخيه ومن معهما من العساكر وأنهم لا يقدرون على الهروب فلما خلصوا جميعاً من الأسر وصاروا في أمن من الكفار التفت إليهم شركان وقال لهم : لا تخافوا حيث سترنا الله ولكن عندي رأي ولعله صواب . فقالوا : وما هو ? قال : أريد أن تطلعوا فريق الجبل وتكبروا كلكم تكبيرة واحدة وتقولوا : لقد جاءتكم العساكر الإسلامية . ونصيح كلنا صيحة واحدة ونقول : الله أكبر . فيفترق الجمع من ذلك ولا يجدون لهم في هذا الوقت حيلة فإنهم يسكنون ويظنون أن عسكر المسلمين أحاطوهم من كل جانب ، واختلطوا بهم فيقعون ضرباً بالسيف في بعضهم من دهشة السكر والنوم فنقطعهم بسيوفهم ويدور السيف فيهم إلى الصباح . فقال ضوء المكان : إن هذا الرأي غير صواب علينا أن نسير إلى عسكرنا ولا ننطق بكلمة لأننا إن كبرنا تنبهوا لنا ولحقونا فلم يسلم منا أحد . فقال شركان : والله لو انتبهوا لنا ما علينا بأس وأشتهي أن توافقونني على هذا الرأي وهو لا يكون الأخير . فأجابوه إلى ذلك وطلعوا إلى فوق الجبل وصاحوا بالتكبير ، فكبرت معه الجبال والأشجار والأحجار من خشية الله تعالى فسمع الكفار ذلك التكبير فصاح الكفار صيحة مزعجة .

    الليلة الحادية والعشرين بعد المئة


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قالت شهرزاد :
    بلغني أيها الملك السعيد أنه عندما صاح الكفار على بعضهم ولبسوا السلاح وقالوا : قد هجمت علينا الأعداء وحق المسيح . ثم قتلوا من بعضهم ما لا يعلم عدده إلا الله تعالى فلما كان الصباح فتشوا على الأسارى فلم يجدوا لهم أثراً . فقال رؤساؤهم : إن الذي فعل بكم هذه الفعال هم الأسارى الذين كانوا عندنا فدونكم والسعي خلفهم حتى تلحقوهم فتسقوهم كأس الوبال ولا يحصل لكم خوف ولا انذهال . ثم إنهم ركبوا خيولهم وسعوا خلفهم فما كان إلا لحظة حتى لحقوهم وأحاطوا بهم فلما رأى ضوء المكان ذلك ازداد به الفزع وقال لأخيه : إن الذي خفت من حصوله قد حصل وما بقي لنا حيلة إلا الجهاد . فلزم شركان السكوت عن المقال ثم انحدر ضوء المكان من أعلى الجبل وكبرت معه الرجال وعولوا على الجهاد وبيع أنفسهم في طاعة رب العباد فبينما هم كذلك وإذا باصوات يصيحون بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير فالتفتوا إلى جهة الصوت فرأوا جيوش المسلمين وعساكر الموحدين مقبلين ، فلما رأوهم قويت قلوبهم ، وحمل شركان على الكافرين وهلل وكبر هو ومن معه من الموحدين فارتجت الأرض كالزلزال وتفرقت عساكر الكفار في عرض الجبال فتبعتهم المسلمين بالضرب والطعان وأطاحوا منهم الرؤوس عن الأبدان ولم يزل ضوء المكان هو ومن معه من المسلمين يضربون في أعناق الكافرين إلى أن ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار . ثم انحاز المسلمون إلى بعضهم وباتوا مستبشرين طول ليلهم ، فلما أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح رأوا بهرام مقدم الديلم ورستم مقدم الأتراك ، ومعهما عشرين ألف فارس مقبلين عليهم كالليوث العوابس ، فلما رأوا ضوء المكان ترجل الفرسان وسلموا عليه وقبلوا الأرض بين يديه فقال لهم ضوء المكان : أبشروا بنصر المسلمين وهلاك الكافرين . ثم هنوا بعضهم بالسلامة وعظيم الأجر في القيامة وكان السبب في مجيئهم إلى هذا المكان أن الأمير بهرام والأمير رستم والحاجب الكبير لما ساروا بجيوش المسلمين والرايات على رؤوسهم منشورة حتى وصلوا إلى القسطنطينية رأوا الكفار قد طلعوا على الأسوار وملكوا الأبراج والقلاع واستعدوا في كل حصن مناع حين علموا بقدوم العساكر الإسلامية والأعلام المحمدية وقد سمعوا قعقعة السلاح وضجة الصياح ونظروا فرأوا المسلمين وسمعوا حوافر خيولهم من تحت الغبار فإذا هم كالجراد المنتشر والسحاب المنهمر وسمعوا أصوات المسلمين بتلاوة القرآن وتسبيح الرحمن وكان السبب في أعلام الكفار بذلك ما دبرته العجوز ذات الدواهي من زورها وعهرها وبهتانها ومكرها حتى قربت العساكر كالبحر الزاخر من كثرة الرجال والفرسان والنساء والصبيان ، فقال أمير الترك لأمير الديلم : يا أمير إننا بقينا على خطر منا للأعداء الذين فوق الأسوار فانظر إلى تلك الأبراج وإلى هذا العالم الذي كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج إن هؤلاء الكفار قدرنا مائة مرة ولا نأمن من جاسوس شر فيخبرهم أننا على خطر من الأعداء الذين لا يحصى عددهم ولا ينقطع مددهم خصوصاً مع غيبة الملك ضوء المكان وأخيه والوزير الأجل دندان فعند ذلك يطمعون فينا لغيبتهم عنا فيمحقوننا بالسيف عن آخرنا ولا ينجو منا ناج ومن الرأي أن نأخذ عشرة آلاف فارس من المواصلة والأتراك ونذهب بهم إلى الدير مطروحنا ومرج ملوخنا في طلب إخواننا وأصحابنا فإن أطعتموني فلا لوم علي وإذا توجهتم ينبغي أن ترجعوا إلينا مسرعين فإن من الحزم سوء الظن . فعندما قبل الأمير المذكور كلامه وانتخب عشرين ألف فارس وساروا يقطعون الطرقات طالبين المرج المذكور والدير المشهور . هذا ما كان سبب مجيئهم . وأما ما كان من أمر العجوز ذات الدواهي فإنها لما أوقعت السلطان ضوء المكان وأخاه شركان والوزير دندان في أيدي الكفار أخذت تلك العاهرة جواداً وركبته وقالت للكفار : إني أريد أن ألحق عسكر المسلمين وأتحيل على هلاكهم لأنهم في القسطنطينية فأعلمهم أن أصحابهم هلكوا فإذا سمعوا ذلك مني تشتت شملهم وانصرم حبلهم وتفرق جمعهم ، ثم أدخل أنا إلى الملك أفريدون ملك القسطنطينية وولدي الملك حردوب ملك الروم وأخبرهما بهذا الخبر فيخرجان بعساكر إلى المسلمين ويهلكونهم ولا يتركون أحداً منهم . ثم سارت لقطع الأرض على ذلك الجواد طول الليل فلما أصبح الصباح لاح عسكر بهرام ورستم فدخلت بعض الغابات وأخفت جوادها هناك ، ثم خرجت وتمشت قليلاً وهي تقول في نفسها : لعل عساكر المسلمين قد رجعوا منهزمين من حرب القسطنطينية . فلما قربت منهم نظرت إليهم وتحققت أعلامهم فرأتها غير منكسة فعلمت أنهم أتوا غير منهزمين ولا خائفين على ملكهم وأصحابهم . فلما عاينت ذلك أسرعت نحوهم بالجري الشديد مثل الشيطان المريد إلى أن وصلت إليهم وقالت لهم : العجل يا جند الرحمن إلى جهاد حزب الشيطان . فلما رآها بهرام أقبل عليها وترجل وقبل الأرض بين يديها وقال لها : يا ولي الله ما وراءك ? فقالت : لا تسأل عن سوء الحال وشديد الأهوال فإن أصحابنا لما أخذوا المال من دير مطروحنا أرادوا أن يتوجهوا إلى القسطنطينية فعند ذلك خرج عليهم عسكر جرار ذو بأس من الكفار . ثم إن الملعونة أعادت عليهم أرجافاً وجلاً وقالت : إن أكثرهم هلك ولم يبق إلا خمسة وعشرون رجلاً . فقال بهرام : أيها الزاهد متى فارقتهم ? فقال : في ليلتي هذه . فقال بهرام : سبحان الذي طوى لك الأرض البعيدة وأنت ماشي على قدميك متكئاً على جريدة لكنك من الأولياء الطيارة المهمين وحي الإشارة . ثم ركب على ظهر جواده وهو مدهوش وحيران بما سمعه من ذات الإفك والبهتان ، وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لقد ضاع تعبنا وضاقت صدرونا وأسر سلطاننا ومن معه . ثم جعلوا يقطعون الأرض طولاً وعرضاً ليلاً ونهاراً ، فلما كان وقت السحر أقبلوا على رأس الشعب فرأوا ضوء المكان وأخاه شركان يناديان بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير ، فحمل هو وأصحابه أحاطوا بالكفار إحاطة السيل بالقفار وصاحوا عليهم صياحاً ضجت منه الأبطال وتصدعت منه الجبال فلما أصبح الصباح وأشرق بنوره ولاح لهم من ضوء المكان طيبه ونشره وتعارفوا ببعضهم كما تقدم ذكره فقبلوا الأرض بين يدي ضوء المكان وأخيه شركان وأخبروهم بما جرى لهم في المغارة فتعجبوا من ذلك . ثم قالوا لبعضهم : أسرعوا بنا إلى القسطنطينية لأننا تركنا أصحابنا هناك وقلوبنا عندهم . فعند ذلك أسرعوا في المسير وتوكلوا على اللطيف الخبير وكان ضوء المكان يقوي المسلمين على الثبات وينشد هذه الأبيات : لك الحمد مستوجب الحمد والشكر ........ فما زلت لي بالعون يا رب في أمري ربيت غريباً في البلاد وكنـت لي ........ كفيلاً وقد قدرت يا ربنـا نـصري وأعطيتني مالاً وملـكـاً ونعـمة ........ وقلدتني سيف الشجاعة والـنصر وخولتني ظل المليك معـمراً وقد ........ وجدت لي من فيض وجودك بالغمر بفضلك قد صلنا على الروم صولة ........ وقد رجعوا بالضرب فـي خور وأظهرت أني قد هـزمت هزيمة ........ وعدت عليهم عودة الضيغم الغـمر تركتهم في القاع صرعى كأنـهم ........ نشاوى بكأس الموت لا قهوة الحمر وصارت بأيدينا المراكـب كلـها ........ وصار لنا السلطان في البر والبحر وجاء إلينا الزاهـد العـابد الذي ........ كرامته شاعت لذي البدو والحضر أتينا لأخذ الثأر من كل كافر وقد ........ شاع عند الناس ما كان من أمري وقد قتلوا منا رجالاً فأصـبحـوا ........ لهم غرف في الخلد تعلو على نهر فلما فرغ ضوء المكان من شعره هنأه أخوه شركان بالسلامة وشكره على أفعاله ، ثم إنهم توجهوا مجدين المسير .


    وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح . الليلة الثانية والعشرين بعد المئة

  • صفحة 15 من 17 الأولىالأولى ... 51314151617 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. ألف ليلة وليلة/الجزء الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 24
      آخر مشاركة: 08-01-2010, 06:49 PM
    2. ألف ليلة وليلة/الجزء الأول
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 17
      آخر مشاركة: 08-01-2010, 06:34 PM
    3. نجدة حولي أفسدوا ليلة سوداء «لمجموعة من الجنس الثالث
      بواسطة En.Khaled Alfaiomi في المنتدى أخــبار متنوعة ( غريب جداً , جرائم , حوادث , طرائف ) من كل أنحاء العالم
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-31-2010, 04:56 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1