صفحة 15 من 25 الأولىالأولى ... 51314151617 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 57 إلى 60 من 100

الموضوع: تجارب أمم المجلد الرابع

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    هروب محمد بن البعيث

    وفيها هرب محمد بن البعيث بن حليس، وكان جيء به أسيرا من أذربيجان وحبس، وكانت له قلعتان تدعى أحداهما شاها والأخرى يكدر.
    فأمّا شاها فهي وسط البحيرة وأمّا يكدر فهي خارج البحيرة وهذه البحيرة قدر عشرين فرسخا من حدّ أرمينية إلى بلاد محمد بن الروّاد، وشاها قلعة حصينة تحيط بها البحيرة ويركب فيها الناس من أطراف المراغة إلى أرمينية وغيرها. وكانت مدينة محمد بن البعيث مرند فهرب إلى مدينته فجمع بها الطعام وفيها عيون ماء فرمّ ما كان وهي من سورها، وأتاه من أراد الفتنة من كلّ ناحية من ربيعة وغيرها فصار في نحو ألفى رجل.
    وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة فقصّر في طلبه. فولّى المتوكّل حمدويه بن عليّ أذربيجان ووجّهه من سرّ من رأى على البريد.
    فلمّا صار إليها جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له فصار في عشرة آلاف. فزحف إلى ابن البعيث فألجأه إلى مدينة مرند وهي مدينة استدارتها فرسخان في داخلها بساتين كثيرة ومن خارجها كما تدور شجر إلّا في مواضع أبوابها. وقد جمع فيها ابن البعيث آلة الحصار، وفيها عيون ماء.
    فلمّا طالت مدّته وجّه إليه المتوكّل زيرك التركي في مائتي فارس من الأتراك فلم يصنع شيئا فوجّه المتوكّل عمر بن سليل بن كال في جماعة من الشاكرية فلم يغن شيئا.
    فوجّه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف ما بين تركيّ وشاكريّ ومغربيّ، وقد كان الجند قد زحفوا إلى مدينة مرند وقطعوا ما حولها من الشجر فقطعوا نحوا من مائة ألف شجرة من شجر الغياض وغيره ونصبوا عليها عشرين منجنيقا وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنّون فيه ونصب عليهم محمد بن البعيث من المجانيق مثل ذلك. وكان من معه من علوج رساتيقه يرمون بالمقاليع، فكان الرجل لا يقدر على الدنوّ من السور فكانوا يغادونه القتال ويراوحونه، وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلّون بالجبال معهم الرماح فيقاتلون، فإذا حمل عليهم أصحاب السلطان لجأوا إلى الحائط بالمقاليع وكانوا ربّما فتحوا بابا يقال له باب الماء فيخرج منه عدّة يقاتلون ثم يرجعون.
    فلمّا قرب بغا الشرابي من مرند بعث عيسى بن الشيخ بن السليل الشيبانى ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث ولابن البعيث على أن ينزلوا وينزل على حكم المتوكّل، وإلّا قاتلهم فإن ظفر بهم لم يستبق منهم أحدا، ومن نزل فله الأمان.
    وكان عامّة من مع ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ، فنزل منهم قوم كثير بالجبال ونزل ختن ابن البعيث، ثم فتحوا باب المدينة فدخل أصحاب حمدويه وزيرك وخرج ابن البعيث من منزله هاربا يريد أن يخرج من وجه آخر فلحقه قوم من الجند فأخذوه أسيرا وانتهبوا منزله ومنازل أصحابه وأخذ له أختان وثلاث بنات وخالته والبواقي سراريّ ونحو مائتي رجل وهرب الباقون ووافاهم بغا فمنع من النهب وكتب بغا بالفتح لنفسه. ثم قدم بغا بابن البعيث وأصحابه وهم نحو مائتي رجل. فلمّا قربوا من سرّ من رأى حملوا على الجمال ليستشرفهم الناس. فأتى المتوكّل محمد بن البعيث فأمر بضرب عنقه فطرح على نطع، وجاء السيّافون فلوّحوا فقال المتوكّل:
    « ما دعاك يا محمد إلى ما صنعت؟ » قال: « الشقوة وأنت الحبل الممدود بين الله وخلقه وإنّ لي فيك لظنّين أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك وهو العفو. » ثم اندفع بلا فصل:
    أبي الناس إلّا أنّك اليوم قاتلي ** إمام الهدى والعفو في الله أجمل
    وهل أنا إلّا جبلة من خطيئة ** وعفوك من نور النّبوّة يجبل
    فإنّك خير السابقين إلى العلى ** ولا شكّ أن خير الفعالين تفعل
    فالتفت المتوكّل فقال لمن عنده:
    « إنّ معه لأدبا. » فقال بعضهم وبادر:
    « بل يفعل أمير المؤمنين خيرهما ويمنّ عليك. »
    فقال المتوكّل:
    « ارجع إلى منزلك. » ويقال إنّ ابن البعيث لمّا تكلّم بما تكلّم به شفع فيه المعتزّ واستوهبه فوهبه له.
    وكان محمد بن البعيث أحد شجعان أذربيجان وله شعر كثير جيّد بالعربية والفارسية. وحجّ في هذه السنة إيتاخ وكان والى مكّة والمدينة والموسم، ودعى له على المنابر.
    ذكر سبب ذلك

    كان إيتاخ غلاما طبّاخا خزريّا لسلام الأبرش، فاشتراه منه المعتصم، وكان لإيتاخ بأس ورجلة، فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق وولّى الأعمال الكبار، وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله حبس عند إيتاخ.
    فلمّا ولى المتوكّل كان إلى إيتاخ الحبس والمغاربة والأتراك والبريد والحجابة ودار الخلافة. فخرج المتوكّل بعد الخلافة متنزّها إلى ناحية القاطول فشرب ليلة فعربد على إيتاخ، فهمّ إيتاخ بقتله. فلمّا أصبح المتوكّل قيل له، فاعتذر إلى إيتاخ والتزمه وقال:
    « أنت أبي وأنت ربّيتنى. » فلمّا صار المتوكّل إلى سرّ من رأى دسّ إليه من يشير عليه بالاستئذان للحجّ ففعل وأذن له وصيّره أمير كلّ بلدة يدخلها وخلع عليه وركب القوّاد معه، فحين خرج صيّرت الحجابة إلى وصيف.
    ودخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين

    وفيها كان مقتل إيتاخ
    ذكر سبب مقتله

    لمّا انصرف إيتاخ من مكّة راجعا إلى العراق وجّه المتوكّل إليه سعيد بن صالح الحاجب مع كسوة وألطاف، وأمره أن يلقاه بالكوفة وقد تقدّم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه.
    فذكر إبراهيم بن المدبّر أنّه خرج مع إسحاق بن إبراهيم في تلقّى إيتاخ وكان أراد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار ثم يخرج إلى سرّ من رأى.
    فكتب إليه إسحاق:
    « إنّ أمير المؤمنين قد أمر أن يدخل بغداد وأن يلقاك بنو هاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم فتأمر لهم بجوائز. » قال: فخرجنا حتى إذا كنّا بالياسريّة وقد شحن إسحاق بن إبراهيم الجسرين بالجند والشاكرية، وخرج في خاصّته وطرح له بالياسرية صفّة فجلس عليها وأقبل قوم قد رتّبهم في الطريق. كلّما صاروا إلى موضع أعلموه، حتى قالوا:
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « قد قرب منك. » فركب فاستقبله. فلمّا نظر إليه أهوى إسحاق لينزل. فحلف عليه إيتاخ أن لا يفعل. وكان إيتاخ في نحو ثلاثمائة من أصحابه وعليه قباء أبيض متقلّدا سيفا بحمائل، فسارا جميعا حتى إذا صار عند الجسر تقدّمه إسحاق عند الجسر وعبر حتى وقف على باب خزيمة بن خازم. فقال لإيتاخ:
    « تدخل أعزّ الله الأمير. » وكان الموكّلون بالجسر كلّما مرّ بهم غلام من غلمانه قدّموه حتى بقي في خاصّة غلمانه، فدخل بين يديه قوم وقد فرشت له دار خزيمة بن خازم، وتأخّر إسحاق وأمر ألّا يدخل الدار من غلمانه إلّا ثلاثة أو أربعة وأخذت عليه الأبواب وأمر بحراسته من ناحية الشطّ وكسرت كلّ درجة في قصر خزيمة، فحين دخل أغلق الباب، خلفه فنظر فإذا ليس فيه إلّا ثلاثة غلمان.
    فقال:
    « قد فعلوها. » ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على أخذه، ولو صار إلى سرّ من رأى فأراد بأصحابه قتل جميع من خالفه أمكنه ذلك.
    ثم ركب إسحاق حرّاقة وأعدّ لإيتاخ أخرى. ثم أرسل إليه أن يصير إلى الأخرى وأمر بأخذ سيفه، فحدّروه إلى الحرّاقة وصيّر قوم معه بالسلاح، وصاعد إسحاق إلى منزله، وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق فأدخل ناحية منها، ثم قيّد وثقّل بالحديد في عنقه ورجليه، ثم قدم بابنيه:
    منصور والمظفّر وبكاتبيه: سليمان بن وهب وقدامة بن زياد النصراني بغداد وكان سليمان على أعمال السلطان وقدامة على ضياع إيتاخ خاصّة فحبسوا ببغداد.
    وذكر ترك مولى إسحاق قال: وقفت على باب البيت الذي فيه إيتاخ محبوس فقال:
    « يا ترك ».
    قلت:
    « ما تريد؟ » قال: « أقرأ على الأمير السلام وقل له قد علمت ما كان يأمرنى به المعتصم والواثق في أمرك فكنت أدفع عنك ما أمكننى فلينفعنى ذلك عندك، أمّا أنا فقد مرّ بي شدّة ورخاء فما أبالى ما أكلت وما شربت، وأمّا هذان الغلامان فإنّهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس فصيّر لهما لحما ومرقة وشيئا يأكلان منه. » قال ترك: فذهبت إلى مجلس إسحاق فوقفت، فقال لي:
    « ما تريد؟ فأرى في وجهك كلاما. » قلت: « نعم. » قال لي:
    « إيتاخ كذا وكذا. » وكانت وظيفة إيتاخ في كلّ يوم رغيفا وكوزا من ماء، ويؤمر لابنيه بخوان عليه سبعة أرغفة وخمسة ألوان فلم يزل ذلك قائما حياة إسحاق.
    ثم هلك إيتاخ بالعطش فإنّه أطعم ومنع الماء حتى مات وأحضر إسحاق القضاة والفقهاء وعرضه عليهم لا ضرب به ولا أثر.
    وأمّا ابناه فبقيا في الحبس حياة المتوكّل. فلمّا أفضى الأمر إلى المنتصر أخرجهما.
    ما عامل به المتوكل أهل الذمة في ملابسهم ومنازلهم

    وفي هذه السنة أمر المتوكّل بأخذ النصارى وأهل الذمّة بلبس العسليّ والزنانير وركوب السروج بركب الخشب وبتصيير كرتين على مؤخر السرج، وبتغيير القلانس لمن لبس قلنسوة، وبتغيير زيّ النساء في أزرهن العسلية ليعرفن، وكذلك مماليكهم، ومنعهم لبس المناطق، وإن دخلوا الحمام كان معهم جلاجل ليعرفوا، وأمر بهدم بيعهم المستحدثة وبأخذ العشر من منازلهم. فإن كان الموضع واسعا صيّر مسجدا وإن لم يصلح أن يكون مسجدا صيّر فضاء. وأمر أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة تفريقا بين منازلهم ومنازل المسلمين، ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي تجرى فيها أحكامهم على المسلمين، ونهى أن يتعلّم أولادهم في كتاتيب المسلمين وألّا يعلّمهم مسلم، ونهى أن يظهروا في أعيادهم صليبا وأن يشمعوا في الطريق، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض لئلّا يشبه قبورهم قبور المسلمين، وكتب إلى العمّال في الآفاق بذلك.
    عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة

    وفي هذه السنة عقد المتوكّل البيعة لبنيه الثلاثة: لمحمد وسمّاه المنتصر، ولأبي عبد الله واسمه الزبير وسمّاه المعتزّ، ولإبراهيم وسمّاه المؤيد، بولاية العهد. وذكر ذلك للشعراء وكتبت بينهم كتب وفرّقت في الأمصار.
    ودخلت سنة ستّ وثلاثين ومائتين

    ومن حوادثها هدم قبر الحسين
    وفيها توجّه الفتح بن خاقان عند المتوكّل وولّى أعمالا منها أخبار الخاصّة والعامّة بسرّ من رأى وما يليها.
    وفيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين وما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويمنع الناس من إتيانه. وفيها هلك أبو سعيد محمد بن يوسف فجأة، وكان قد ولّى أذربيجان فعسكر بكرخ فيروز، وأراد الركوب فلبس أحد خفّيه ومدّ الآخر ليلبسه فسقط ميّتا، فولّى المتوكّل ابنه يوسف ما كان يتولّاه أبوه من الحرب وولّاه مع ذلك خراج الناحية وضياعها، فشخص إلى الناحية فضبطها.
    ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائتين

    وفيها وثب أهل ارمينية بيوسف بن محمد بن يوسف فيها
    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في ذلك أنّه لمّا صار إلى عمله من أرمينية خرج رجل من البطارقة يقال له بقراط بن أشوط وكان يقال له: بطريق البطارقة. فطلب الأمان فأخذه يوسف بن محمد وقيّده وبعث به إلى باب السلطان. فأسلم بقراط وابنه واجتمع على يوسف ابن أخي بقراط بن أشوط وجماعة من بطارقة أرمينية فتحالفوا ونذروا دمه لمّا حمل بقراط فنهى أصحاب يوسف يوسف عن المقام وعرّفوه اجتماع القوم فلم يقبل، وأقام فحاصروه من كلّ وجه.
    وسقطت الثلوج فخرج يوسف إلى ظاهر المدينة وكان أصحابه متفرّقين في الأعمال، فقاتلهم فقتلوه وقتلوا من معه. فأمّا من لم يقاتل فإنّه قالوا لهم:


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    « ضع ثيابك وانج عريانا. »
    فطرحوا ثيابهم ونجوا عراة حفاة فمات أكثرهم من البرد وسقطت أصابع قوم منهم ونجوا.
    فوجّه المتوكّل بغا الكبير إلى أرمينية طالبا بدم يوسف. فشخص إليها فبدأ بأرزن. وكان موسى بن زرارة قد واطأ قتلة يوسف فقبض بغا على موسى واخوته وحملهم إلى السلطان ثم سار فأناخ على الخويثيّة وهم جمّة أهل أرمينية، وقتلة يوسف بن محمد. فحاربهم فظفر بهم وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى خلقا فباعهم. ثم سار إلى بلاد الباق فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس، ثم سار إلى ديبل ثم إلى تفليس.
    غضب المتوكل على أبي دؤاد

    وفيها غضب المتوكّل على أحمد بن أبي دؤاد وأمر بالتوكيل بضياعه وحبسه وأولاده واخوته، فحمل أبو الوليد مائة ألف وعشرين ألف دينار وجوهرا كثيرا، وصولح بعد على ستّة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم جميعا ببيع كلّ ضيعة لهم وكان أحمد بن أبي دؤاد قد فلج فقال أبو العتاهية:
    لو كنت في الرّأى منسوبا إلى رشد ** وكان عزمك عزما فيه توفيق
    لكان في الفقه شغل لو قنعت به ** عن أن تقول: كتاب الله مخلوق
    ما ذا عليك وأصل الدين يجمعهم ** ما كان في الفرع لو لا الجهل والموق
    ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائتين

    وفيها ظفر بغا الكبير بإسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية بتفليس فأحرق مدينة تفليس. وكان إسحاق بن إسماعيل - ويكنى أبا العباس - قد تحصّن بتفليس وهي مدينة أكثر بنائها خشب الصنوبر. فلمّا قصدها بغا أمر النفاطين فضربوها بالنار وهاجت الريح وأحاطت النار به بقصر إسحاق وجواريه.
    ثم أتاه الأتراك والمغاربة فأخذوه أسيرا مع ابنه وأتوا به بغا، فأمر بضرب عنقه صبرا، وصلب جثّته واحترق في المدينة نحو خمسين ألف إنسان.
    ثم نهض بغا إلى عيسى بن يوسف ابن أخت اصطفانوس فحاربه في كورة السلطان ثم تحصّن في قلعة كتيش، ففتحها وأخذه وحمله وحمل ابنه وسنباط بن أشوط بطريق أرّان، وحمل معه آذرنرسى بن إسحاق.
    ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين

    ولم يجر فيها ما يكتب.
    ودخلت سنة أربعين ومائتين

    وتلك سبيلها.
    ودخلت سنة إحدى وأربعين ومائتين

    إغارة البجة وحرب المتوكل إياهم

    وفيها أغارت البجّة على حرش من أرض مصر، فوجّه المتوكّل لحربهم محمد بن عبد الله القمي.
    ذكر ما آلت إليه أمورهم

    كانت البجّة لا تغزو المسلمين ولا يغزوهم المسلمون لهدنة بينهم قديمة وهم جنس من أجناس الحبشة وفي بلادهم معادن ذهب. فهم يقاسمون من يعمل فيها ويؤدّون إلى عمّال مصر في كلّ سنة شيئا معلوما.
    فلمّا كان في أيّام المتوكّل امتنعت البجّة عن أداء ذلك الخراج سنين متوالية وهذه المعادن منها ما هو على التخوم فيما بين أرض مصر وبلاد بجّة. فقتلوا عدّة من المسلمين ممّن كان يعمل في المعادن ويستخرج الذهب، وسبوا عدّة من ذراريهم ونسائهم. وذكروا أنّ المعادن لهم في بلادهم وأنهم لا يأذنون للمسلمين في دخولها، وانّ ذلك أوحش المسلمين الذين كانوا يعملون هناك حتى انصرفوا عنه، فانقطع ما كان يؤخذ للسلطان بحقّ الخمس الذي كان يستخرج من المعادن.
    فلمّا بلغ ذلك المتوكّل أحفظه، وشاور في أمر البجّة فأنهى إليه أنّهم قوم أهل بدو وأصحاب إبل وماشية، وأنّ الوصول إلى بلادهم صعب لا يمكن أن تسلك إليهم الجيوش لأنّها مفاوز وصحار، وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة لا ماء فيها ولا زرع ولا معقل ولا حصن، وأنّ من يدخلها من أولياء السلطان يحتاج أن يتزوّد لجميع من معه المدّة التي يتوهّم أنّه يقيمها في بلادهم حتى يخرج إلى أرض الإسلام. فإن تجاوز تلك المدّة هلك وجمع من معه وأخذتهم البجّة بالأيدى دون المحاربة، وأنّ أرضهم لا تردّ على السلطان شيئا من خراج ولا غيره.
    فأمسك المتوكّل عن التوجيه إليهم وجعل أمرهم يتزيّد وحربهم يكثر حتى خاف أهل الصعيد من أرض مصر على أنفسهم وذراريّهم. فولّى المتوكّل محمد بن عبد الله القمي محاربتهم وولّاه معادن تلك الكور، وتقدّم إليه في محاربة البجّة وكتب إلى عنبسة بن إسحاق الضبي العامل على حرب مصر بإعطائه جميع ما يحتاج إليه من الجند والشاكريّة بمصر. فأزاح عنبسة علّته في ذلك، وخرج إليه من جميع ما اقترحه عليه، وانضمّ إليه جميع من كان يعمل في المعادن وقوم كثير من المطوّعة، وكانت عدّة من معه نحوا من عشرين ألف إنسان بين فارس وراجل، ووجّه إلى القلزم فحمل في البحر سبعة مراكب موقّرة بالدقيق والزيت والتمر والسويق والشعير، وأمر قوما من سبعة مراكب موقّرة بالدقيق والزيت والتمر والسويق والشعير، وأمر قوما من أصحابه أن يلجّجوا بها في البحر حتى يوافوه في سواحل البحر من أرض البجّة.
    ولم يزل محمد بن عبد الله القمّى يسير في أرض البجّة حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها وصار إلى حصونهم وقلاعهم، وخرج إليه ملكهم واسمه: على بابا، وله ابن يسمّى بغسى في جيش كثير وعدد أضعاف من كان مع القمّى وكانت البجّة على إبلهم ومعهم الحراب وإبلهم فرّه تشبه المهارى في النجابة. فجعلوا يلتقون أيّاما متوالية فيتناوشون ولا يصحّحون القتال.
    وجعل ملك البجّة يتطارد للقمّى ويطوّل الأيّام طمعا في نفاد الأزواد والعلوفة التي معهم فلا يكون لهم قوّة، فتأخذهم البجّة بالأيدى. فلمّا توهّم عظيم البجّة أنّ الأزواد قد نفدت أقبلت المراكب السبعة التي حملها القمّى حتى خرجت إلى ساحل من سواحل البحر في موضع يعرف بصنجة فوجّه القمّى إلى ما هناك من أصحابه يحمون المراكب من البجّة وفرّق ما كان فيها على أصحابه فاتّسعوا في الزاد والعلوفة.
    فلمّا رأى ذلك على بابا رئيس البجّة قصد لمحاربتهم وجمع لهم. فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا وكانت إبلهم زعرة تكثر الفزع من كلّ شيء. فلمّا رأى ذلك محمّد بن عبد الله القمّى جمع أجراس الإبل والخيل، التي في معسكره كلّها فجعلها في أعناق الخيل ثم حمل على البجّة فنفرت إبلهم واشتدّ رعبهم فحملتهم على الجبال والأودية فمزّقتهم كلّ ممزّق، واتبعهم القمّى بأصحابه قتلا وأسرا حتى غشاهم الليل ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم. فلمّا أصبح القمّى وجدهم قد جمعوا جمعا من الرجّالة ثم صاروا إلى موضع أمنوا فيه طلب القمّى.
    فوافاهم القمّى في الليل في خيله فهرب ملكهم وأخذ تاجه ومتاعه ثم طلب الأمان على أن يردّ إلى بلاده ويؤدّى الخراج للسنين التي عليه. فأعطاه القمّى ذلك وأدّى ما عليه واستخلف على مملكته ابنه بغسى.
    وانصرف القمّى بعلى بابا إلى المتوكّل فوصل إليه في آخر سنة إحدى وأربعين فكانت غيبته دون سنة.
    وكسا القمّى على بابا درّاعة ديباج وعمّامة سوداء وكسا جمله رحلا مدبّجا وجلال ديباج ليتميّز عن أصحابه، ووقف بباب العامّة مع قوم من البجّة على الإبل بالحراب وفي رؤوس حرابهم رؤوس القوم الذين قتلهم القمّى. فأمر المتوكّل أن يقبضوا من القمّى.
    ثم ولّى المتوكّل البجّة وطريق ما بين مصر ومكّة سعدا الخادم الإيتاخى. فولّى سعد محمد بن عبد الله القمّى، فخرج القمّى بعلى بابا وهو مقيم على دينه.
    ودخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثة وأربعين [ ومائتين ]

    ولم يجر فيهما ما يكتب.
    ودخلت سنة أربع وأربعين ومائتين

    وفيها دخل المتوكّل دمشق وكان عزم على المقام بها، ووصف له من فضائلها وطيبها ما شوّقه إليها. فأمر بالبناء فيها ونقل دواوين الملك إليها ثم استوبأ البلد وذلك أنّ الهواء بها بارد نديّ، والماء ثقيل والريح تهبّ مع العصر، فلا تزال تشتدّ حتى تمضى عامّة الليل، وهي كثيرة البراغيث، وغلت الأسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة وتحرّكت الأتراك يطلبون أرزاقهم وأرزاق عيالاتهم.
    فرجع المتوكّل إلى سرّ من رأى وكان مقامه بدمشق شهرين وأيّاما.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    ودخلت سنة خمس وأربعين ومائتين

    وفيها أمر المتوكّل ببناء الجعفري وأقطع قوّاده وأصحابه فيها وجدّ في بنائها وأنفق عليها ألفى دينار، وكان يسمّيها هو وأصحابه المتوكّلية.
    وفيها كان هلاك نجاح بن سلمة الكاتب.
    ذكر سبب هلاكه

    كان نجاح إليه ديوان التوقيع والتتبّع على العمّال فكان العمّال. يتّقونه ويقضون حوائجه ولا يمنعونه من شيء يريده. وكان المتوكّل ربّما نادمه وكان عبيد الله بن خاقان وزير المتوكّل والأمور مفوّضة إليه، وكان الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك منقطعين إلى الوزير، وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع وموسى على ديوان الخراج.
    وكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكّل يذكر له، أنّه يعرف وجه أربعين ألف ألف درهم يستخرجها من وجوهها من خيانات قوم، فيتّسع بها أمير المؤمنين في نفقة البناء. فأدناه المتوكّل وشاربه تلك العشيّة وقال:
    « سمّ لي من تستخرج منه الأموال. » فسمّى الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك وقال:
    « يصحّ من جهة هذين أربعون ألف ألف درهم. » ثم سمّى قوما آخرين من الكتّاب وضمن مالا عظيما يصحّ بعد ذلك منهم. فوقع ذلك من المتوكّل موقعا عظيما وأعجبه وقال له:
    « أغد عليّ. » فلمّا أصبح لم يشكّ في أمره.
    وناظر المتوكّل عبيد الله بن يحيى وزيره في ذلك فقال:
    « يا أمير المؤمنين هؤلاء أعيان المملكة وكتّابك وعمّالك. فإن أوقعت بهم فمن يقوم بأعمالك وأنا أدبّر ذلك. » فلمّا غدا نجاح إلى المتوكّل وقد رتّب أصحابه وقال: « يا فلان خذ أنت الحسن وأصحابه ويا فلان خذ أنت موسى وأصحابه، » حجبه عبيد الله وتقدّم في ذلك فلقى، نجاح عبيد الله فقال له:
    « انصرف يا أبا الفضل حتى ننظر وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح. » فقال: « ما هو؟ » قال: « أصلح بينك وبينهما وتكتب رقعة إلى أمير المؤمنين تذكر فيها أنّك كنت شاربا وأنّك تكلّمت بما يحتاج إلى معاودة النظر فيها، وأنا أصلح أمرك عند المتوكّل. »
    فلم يزل يخدعه حتى كتب ما قال. ثم دعا عبيد الله الحسن بن المخلد وموسى بن عبد الملك وقال لهما:
    « ابذلا خطّا في نجاح وأصحابه بألفي ألف دينار، وإلّا فإنّه سيسلمكما إليه ويهلككما. » فكتبا له ذلك ودخل عبيد الله على المتوكّل وقال:
    « يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عمّا قاله البارحة وهذا خطّه وهذه رقعة موسى بن الحسن يتقبّلان به ممّا بذلا به خطوطهما فتأخذ ما ضمنا عنه ثم تعطف عليهما فتأخذ قريبا ممّا ضمن لك عنهما. » فسرّ المتوكّل وطمع فيما قال عبيد الله وقال:
    « ادفعه إليهما. » فأمرا بأن تؤخذ قلنسوته، وقبضا على كتّابه فاستخرجا من يومهما ذلك مائة وأربعين ألف دينار اعترف بها ابنه، وذلك سوى قيمة ضياعه وقصوره وفرشه ومستغلاته وآلاته. فقبض جميع ذلك وضرب مرارا بالمقارع وعذّب ثم خنق أو عصرت خصاه فأصبح ميّتا. وطولب أولاده ووكلاؤه، وأخذ بسببه قوم ببغداد وبسرّ من رأى وبمكّة وبناحية السواد فحبسوا وصودروا.
    ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائتين

    ولم يجر فيها شيء يكتب.
    ودخلت سنة سبع وأربعين ومائتين

    وفيها كان مقتل المتوكّل على الله
    ذكر السبب في قتله

    كان سبب ذلك أنّ المتوكّل أمر بقبض ضياع وصيف بإصبهان والجبل وأقطعها الفتح بن خاقان، فكتب الكتب بذلك وبلغ ذلك وصيفا.
    وكان المتوكّل واقف الفتح بن خاقان على أن يفتك بابنه المنتصر لأشياء كانت تبلغه عنه ويفتك أيضا بوصيف وبغا وغيرهما من قوّاد الأتراك ممّن كان يتّهم فكثر عتب المتوكّل قبل الموعد على ابنه المنتصر. كان يقول له:
    « سمّيتك: المنتصر، فسمّاك الناس لحمقك: المنتظر. » فمرّة كان يشتمه ومرّة يسقيه فوق طاقته ومرّة يصفعه.
    فتحدّث بعض من كان في ستارة المتوكّل قالت: التفت المتوكّل إلى الفتح وهو ثمل فقال:
    « برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله إن لم تلطمه. » - يعنى المنتصر.
    فقام الفتح فلطمه. ثم قال:
    « اصفعه. » فأمرّ يده على قفاه.
    ثم قال المتوكّل لندمائه:
    « اشهدوا جميعا أنّى قد خلعت المستعجل» - يعنى المنتصر.
    فقال المنتصر:
    « يا أمير المؤمنين لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل عليّ ممّا تفعله بي. » فقال: « اسقوه. » وأمر بالعشاء فأحضر وذلك في جوف الليل فجعل يأكل هو والفتح وهو سكران يلقم ويسقى المنتصر وهو يشتمه.
    ثم خرج المنتصر وأخذ بيد زرافة الحاجب وقال:
    « امض معي. » قال: « يا سيّدي، إنّ أمير المؤمنين لم يقم بعد. » فقال: « إنّ أمير المؤمنين قد أخذ منه الشراب، والساعة يخرج بغا والندماء، وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إليّ فإنّ أوتامش سألنى أن أزوّج ابنه من ابنتك وابنك من ابنته. » قال له زرافة:
    « نحن عبيدك يا سيّدي فمر بأمرك. » وأخذ المنتصر بيده وانصرف به معه فقال بنان المغنّى:
    فما بعد المنتصر حتى سمعنا الضجّة والصراخ وكنت مع المنتصر قد قمت لأشهد الأملاك والنثار.
    فلمّا سمع المنتصر الصراخ خرج فاستقبله بغا فقال له المنتصر:
    « ما هذه الضجّة. » قال: « خير يا أمير المؤمنين. » قال: « ما تقول ويلك؟ »

  • صفحة 15 من 25 الأولىالأولى ... 51314151617 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 12 (0 من الأعضاء و 12 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    2. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    3. أربع اخطاء في تذويب الطعام المجمد
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى ملتقى المطبخ والمأكولات والحلويات السورية Syrian food and sweets
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 06-10-2010, 03:26 AM
    4. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM
    5. العشى الليلي Night blindness
      بواسطة Dr.Ahmad في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 01:57 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1