صفحة 15 من 19 الأولىالأولى ... 51314151617 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 57 إلى 60 من 73

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم دخلت سنة أربع وتسعين

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    فمن ذلك ما كان من غزوة العباس بن الوليد أرض الروم، فقيل: إنه فتح فيها أنطاكية.
    وفيها غزا - فيما قيل - عبد العزيز بن الوليد أرض الروم حتى بلغ غزالة.
    وبلغ الوليد بن هشام المعيطي أرض برج الحمام، ويزيد بن أبي كبشة أرض سورية.
    وفيها كانت الرجفة بالشأم.
    وفيها افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند.
    غزو الشاش وفرغانة

    وفيها غزا قُتيبة شاش وفَرْغانة حتى بلغ خَجَنْدة وكاشان، مدينتَيْ فرغانة.
    ذكر الخبر عن غزوة قتبية هذه
    ذكر علي بن محمد؛ أن أبا الفوارس التميمي، أخبره عن ماهان ويونس ابن أبي إسحاق، أن قتيبة غزا سنة أربع وتسعين. فلما قطع النهر فرض على أهل بخارى وكس ونسف وخوارزم عشرين ألف مقاتل. قال: فساروا معه إلى السند، فوجهوا إلى الشاش، وتوجه هو إلى فرغانة، وسار حتى أتى خجنده، فجمع له أهلها. فلقوه فاقتتلوه مرارًا، كل ذلك يكون الظفر للمسلمين. ففرغ الناس يومًا فركبوا خيولهم، فأوفى رجل على نشز فقال: تالله ما رأيت كاليوم غزة، لو كان هيج اليوم ونحن على ما أرى من الانتشار لكانت الفضيحة، فقال له رجل إلى جنبه: كلا، نحن كما قال: عوف بن الخرع:
    نؤم البلاد لحب اللقا ** ولا نتقي طائرًا حيث طارا
    سنيحًا ولا جاريًا بارحًا ** على كل حال نلاقي اليسارا
    وقال سحبان وائل يذكر قتالهم بخجندة:
    فسل الفوارس في خجن ** دة تحت مرهفة العوالي
    هل كنت أجمعهم إذا ** هزموا وأقدم في قتالي
    أم كنت أضرب هامة ال عاتي واصبر للعوالي
    هذا وأنت قريع قي س كلها ضخم النوال
    وفضلت قيسًا في الندى ** وأبوك في الحجج الخوالي
    ولقد تبين عدل حك مك فيهم في كل مال
    تمت مروءتكم ونا غى عزكم غلب الجبال
    قال: ثم أتى قتيبة كاشان مدينة فرغانة، وآتاه الجنود الذين وجههم إلى الشاش وقد فتحوها وحرقوا أكثرها، وانصرف قتيبة إلى مرو. وكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن وجه من قبلك من أهل العراق إلى قتيبة، ووجه إليهم جهم بن زحر بن قيس، فإنه في أهل العراق خير منه في أهل الشام. وكان محمد وادن لجهم بن زحر، فبعث سليمان بن صعصعة وجهم بن زحر، فلما ودعه جهم بكى وقال: يا جهم، إنه للفراق؛ قال: لا بد منه. قال: وقدم على قتيبة سنة خمس وتسعين.
    ولاية عثمان بن حيان المري على المدينة

    وفي هذه السنة قدم عثمان بن حيان المرّي المدينة واليًا عليها من قبل الوليد بن عبد الملك.
    ذكر الخبر عن ولايته
    قد ذكرنا قبل سبب عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة ومكة وتأميره على المدينة عثمان بن حيان، فزعم محمد بن عمر أن عثمان قدم المدينة أميرًا عليها لليلتين بقيتا من شوال سنة أربع وتسعين، فنزل بها دار مروان وهو يقول: محلة والله مظعان، المغرور من غر بك. فاستقضي أبا بكر بن حزم. قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن عبد الله بن أبي حرة، عن عمه قال: رأيت عثمان بن حيان أخذ رياح بن عبيد الله ومنقذًا العراقي فحبسهم وعاقبهم، ثم بعث بهم في جوامع إلى الحجاج بن يوسف، ولم يترك بالمدينة أحدًا من أهل العراق تاجرًا ولا غير تاجر، وأمر بهم أن يخرجوا من كل بلد، فرأيتهم في الجوامع، واتبع أهل الأهواء، وأخذ هيصما فقطعه، ومنحورًا - وكان من الخوارج - قال: وسمعته يخطب على المنبر يقول بعد حمد الله: أيها الناس، إن وجدناكم أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه، وقد ضوى إليكم من يزيدكم خبالا. أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق. هم والله عش النفاق وبيضته التي تفلقت عنه. والله ما جربت عراقيًا قط إلا وجدت أفضلهم عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول، وما هم لهم بشيعة، وإنهم لأعداء لهم ولغيرهم، ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم فإني والله لا أوتي بأحد أوى أحدًا منهم، أو إكراه منزلا، ولا أنزله، إلا هدمت منزله، وأنزلت به ما هو أهله. ثم إن البلدان لما مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته جعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره: الشام أحب إليك أم العراق؟ فيقول: الشام أحب إلي. إني رأيت العراق داء عضالا، وبها فرخ الشيطان. والله لقد أعضلوا بي، وإني لأراني سأفرقهم في البلدان، ثم أقول: لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه بجدل وحجاج، وكيف؟ ولما؟ وسرعة وجيف في الفتنة، فإن خبروا عند السيوف لم يخبر منهم طائل. لم يصلحوا على عثمان فلقى منهم الأمرين، وكان أول الناس فتق هذا الفتق العظيم، ونقدوا عرى الإسلام عروة عروة، وأنغلوا البلدان. والله إني لأتقرب إلى الله بكل ما أفعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم. ثم وليهم أمير المؤمنين معاوية فدامجهم فلم يصلحوا عليه، ووليهم رجل الناس جلدًا فبسط عليهم السيف، وأخافهم، فاستقاموا له أحبوا أو كرهوا، وذلك أنه خبرهم وعرفهم. أيها الناس، إنا والله ما رأينا شعارًا قط مثل الأمن، ولا رأينا حلسًا قط شرًا من الخوف، فالزموا الطاعة، فإن عندي يا أهل المدينة خبرة من الخلاف. والله ما أنتم بأصحاب قتال، فكونوا من أحلاس بيوتكم، وعضوا على النواجذ، فإني قد بعثت في مجالسكم من يسمع فيبلغني عنكم. إنكم في فضول كلام غيره ألزم لكم، فدعوا عيب الولاة. فإن الأمر إنما ينقض شيئًا شيئًا حتى تكون الفتنة وإن الفتنة من البلاء. والفتن تذهب بالدين وبالمال والولد. قال: يقول القاسم بن محمد: صدق في كلامه هذا الأخير، إن الفتنة لهكذا. قال محمد بن عمرو: وحدثني خالد بن القاسم، عن سعيد بن عمرو الأنصاري قال: رأيت منادي عثمان بن حيان ينادي عندنا: يا بني أمية بن زيد، برئت ذمة ممن آوى عراقيًا - وكان عندنا رجل من أهل البصرة له فضل يقال له أبو سوادة، من العباد - فقال: والله ما أحب أن أدخل عليكم مكروه، بلغوني مأمني؛ قلت: لا خير لك في الخروج، إن الله يدفع عنا وعنك. قال: فأدخلته بيتي، وبلغ عثمان بن حيان فبعث أحراسًا فأخرجته إلى بيت أخي، فما قدروا على شيء، وكان الذي سعى بي عدوًا، فقلت للأمير: أصلح الله الأمير! يؤتى بالباطل فلا تعاقب عليه. قال: فضرب الذي سعى بي عشرين سوطًا. وأخرجنا العراقي، فكان يصلي معنا ما يغيب يومًا واحدًا وحدب عليه أهل دارنا، فقالوا: نموت دونك! فما برح حتى عزل الخبيث. قال محمد بن عمر: وحدثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، قال: غنما بعث الوليد عثمان بن حيان إلى المدينة لإخراج من بها من العراقيين وتفريق أهل الأهواء ومن ظهر عليهم أو علا بأمرهم، فلم يبعثه واليًا، فكان لا يصعد المنبر ولا يخطب عليه فلما فعل في أهل العراق ما فعل. وفي منحور وغيره أثبته على المدينة، فكان يصعد على المنبر.
    ذكر الخبر عن مقتل سعيد بن جبير

    وفي هذه السنة قتل الحجاج سعيد بن جبير.
    ذكر الخبر عن مقتله
    وكان سبب قتل الحجاج إياه خروجه عليه معمن خرج عليه. مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكان الحجاج جعله على عطاء الجند حين وجه عبد الرحمن إلى رتبيل لقتاله، فلما خلع عبد الرحمن الحجاج كان سعيد فيمن خلعه معه، فلما هزم عبد الرحمن وهرب إلى بلاد رتبيل هرب سعيد. فحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: كتب الحجاج إلى فلان وكان على أصبهان - وكان سعيد، قال الطبري: أظنه أنه لما هرب من الحجاج ذهب إلى أصبهان فكتب إليه -: إن سعيدًا عندك فخذه. فجاء الأمر إلى رجل تحرج، فأرسل إلى سعيد: تحول عني، فتنحى عنه، فأتى أذربيجان، فلم يزل بأذربيجان فطال عليه السنون. واعتمر فخرج إلى مكة فأقام بها، فكان ناس من ضربه يستخفون فلا يخبرون بأسمائهم. قال: أبو حصين وهو يحدثنا هذا: الرجل لا يؤمن، وهو رجل سوء، وأنا أتقيه عليك، فاطعن واشخص، فقال: يا أبا حصين، قد والله فررت حتى استجيب من الله: سيجيئني ما كتب الله لي. قلت: أظنك والله سعيدًا كما سمتك أمك قال: فقدم ذلك الرجل إلى مكة، فأرسل فأخذ فلان له وكلمه، فجعل يديره. وذكر أبو عاصم عن عمر بن قيس، قال: كتب الحجاج إلى الوليد: إن أهل النفاق والشقاق قد لجثوا إلى مكة. فإن رأى أمير المؤمنين يأذن في فيهم! فكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله القسري؛ فأخذ عطاء وسعيد بن جبير ومجاهد وطلق بن حبيب وعمرو بن دينار؛ فأما عمرو بن دينار وعطاء فأرسلا لأنهما مكيان، وأما الآخرون فبعث بهم إلى الحجاج، فمات طلق في الطريق، وحبس مجاهد حتى مات الحجاج، وقتل سعيد بن جبير، حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الأشجعي، قال: لما أقبل الحرسيان بسعيد بن جبير نزل منزلا قريبًا من الربذة، فانطلق أحد الحرسيين في حاجته وبقي الآخر، فاستيقظ الذي عنده، وقد رأى رؤيا، فقال: يا سعيد، إني أبرأ إلى الله من دمك! إني رأيت في منامي؛ فقيل لي: ويلك! تبرأ من دم سعيد بن جبير. اذهب حيث شئت لا أطلبك أبدًا؛ فقال سعيد: أرجو العافية وأرجو، وأبى حتى جاء ذاك؛ فنزلا من الغد، فأرى مثلها، فقيل: ابرأ من دم سعيد فقال: يا سعيد، اذهب حيث شئت، إني أبرأ إلى الله من دمك، حتى جاء به. فلما جاء به إلى داره التي كان فيها سعيد وهي دارهم هذه، حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد مولى بني هاشم قال: دخلت عليه في دار سعيد هذه. جيء به مقيدًا فدخل عليه قراء أهل الكوفة. قلت: يا أبا عبد الله، فحدثكم؟ قال: إي والله ويضحك، وهو يحدثنا، وبنية له في حجرة، فنظرت نظرة فأبصرت القيد فبكت، فسمعته يقول: أي بنية لا تطيري إياك - وشق والله عليه - فاتبعناه نشيعه، فانتهينا به إلى الجسر، فقال الحرسيان: لا نعبر به أبدًا حتى يعطينا كفيلًا، نخاف أن يغرق نفسه. قال: قلنا: سعيد يغرق نفسه! فما عبروا حتى كفلنا به. قال وهب بن جرير: حدثنا أبي، قال: سمعت الفضل بن سويد قال: بعثني الحجاج في حاجة، فجيء بسعيد بن جبير، فرجعت فقلت: لأنظرن ما يصنع فقمت على رأس الحجاج، فقال له الحجاج: يا سعيد، ألم أشركك في أمانتي! ألم أستعملك! ألم أفعل! حتى ظننت أنه يخلى سبيله؛ قال: بلى، قال: فما حملك على خروجك على؟ قال: عزم على، قال: فطار غضبًا وقال: هيه! رأيت لعزمة عدو الرحمن عليك حقًا، ولم تر لله ولا لأمير المؤمنين ولا لي عليك حقًا! اضربا عنقه، فضربت عنقه، فندر رأسه عليه كمة بيضاء لا طية صغيرة. وحدثت عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، قال: سمعت خلف بن خليفة يذكر عن رجل قال: لما قتل سعيد بن جبير فندر رأسه لله، هلل ثلاثًا: مرة يفصح بها، وفي الثنتين يقول. مثل ذلك فلا يفصح بها.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وذكر أبو بكر الباهلي، قال: سمعت أنس بن أبي شيخ، يقول: لما أتى الحجاج بسعيد بن جبير، قال: لعن الله ابن النصرانية - قال: يعني خالدًا القسري، وهو الذي أرسل به من مكة - أما كنت أعرف مكانه! بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة. ثم أقبل عليه فقال: يا سعيد، ما أخرجك على؟ فقال: أصلح الله الأمير! إنما أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب مرة، قال: فطابت نفس الحجاج، وتطلق وجهه، ورجا أن يتخلص من أمره، قال: فعاوده في شيء، فقال له: إنما كانت له بيعة في عنقي؛ قال: فغضب وانتفخ حتى سقط أحد طرفي ردائه عن منكبه، فقال: يا سعيد. ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير، ثم أخذت بيعة أهلها، وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك! قال: بلى، قال: ثم قدمت الكوفة واليًا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة، فأخذت بيعتك له ثانية! قال: بلى؛ قال: فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين، وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك! اضربا عنقه؛ قال: فإياه عني جرير بقوله:
    يا رب ناكث بيعتين تركته ** وخضاب لحيته دم الأوداج
    وذكر عتاب بن بشر، عن سالم الأفطس، قال: أتى الحجاج بسعيد بن جبير وهو يريد الركوب، وقد وضع إحدى رجليه في الغرز - أو الركاب - فقال: والله لا أركب حتى تبوء مقعدك من النار، اضربوا عنقه، فضربت عنقه، فالتبس مكانه، فجعل يقول: قيودنا قيودنا، فظنوا أنه قال: القيود التي على سعيد بن جبير: فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود. قال محمد بن حاتم: حدثنا عبد الملك بن عبد الله عن هلال بن خباب قال: جيء بسعيد بن جبير إلى الحجاج فقال: أكتبت إلى مصعب ابن الزبير؟ قال: بل كتب إلى مصعب؛ قال: والله لأقتلنك؛ قال: إتي إذًا لسعيد كما سمتني أمي! قال: فقتله؛ فلم يلبث بعده إ لا نحوًا من أربعين يومًا، فكان إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه فيقول: يا عدو الله، لم قتلتني؟ فيقول: مالي ولسعيد بن جبير! مالي ولسعيد ابن جبير! قال أبو جعفر: وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء، مات فيها عامة فقهاء أهل المدينة، مات في أولها علي بن الحسين عليه السلام ثم عروة بن الزبير، ثم سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. واستقضى الوليد في هذه السنة بالشام سليمان بن حبيب واختلف فيمن أقام الحج للناس في هذه السنة، فقال أبو معشر - فيما حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى عنه - قال: حج بالناس مسلمة بن عبد الملك سنة أربع وتسعين وقال الواقدي: حج بالناس سنة أربع وتسعين عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك - قال: ويقال: مسلمة بن عبد الملك. وكان العامل فيها على مكة خالد بن عبد الله القسري، وعلى المدينة عثمان بن حيان المري، وعلى الكوفة زياد بن جرير، وعلى قضائها أبو بكر ابن أبي موسى، وعلى البصرة الجراح بن عبد الله. وعلى قضائها عبد الرحمن ابن أذينة وعلى خراسان قتيبة بن مسلم، وعلى مصر قرة بن شريك، وكان العراق والمشرق كله إلى الحجاج.
    ثم دخلت سنة خمس وتسعين

    ذكر الأحداث التي كانت فيها

    ففيها كانت غزوة العباس بن الوليد بن عبد الملك أرض الروم، ففتح الله على يديه ثلاثة حصون فيما قبل، وهي: طولس، والمرزبانين، وهرقلة. وفيها فتح آخر الهند إلا الكيرج والمندل. وفيها بنيت واسط القصب في شهر رمضان وفيها انصرف موسى بن نصير إلى إفريقية من الأندلس، وضحى بقصر الماء - فيما قيل - على ميل من القيروان.
    بقية الخبر عن غزو الشاش

    وفيها غزا قتيبة بن مسلم الشاش
    ذكر الخبر عن غزوته هذه
    رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد، قال: وبعث الحجاج جيشًا من العراق فقدموا على قتيبة سنة خمس وتسعين، فغزا فلما كان بالشاش - أو بكشماهن - أتاه موت الحجاج في شوال، فغمه ذلك، وقفل راجعًا إلى مرو، وتمثل:
    لعمري لنعم المرء من آل جعفر ** بحوران أمسى أعلقته الحبائل
    فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت ** فما في حياة بعد موتك طائل
    قال: فرجع بالناس ففرقهم، فخلف في بخارى قومًا، ووجه قومًا إلى كس ونسف، ثم أتى مرو فأقام بها، وأتاه كتاب الوليد: قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجدك في جهاد أعداء المسلمين، وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك كالذي يجب لك، فالمم مغازيك، وانتظر ثواب ربك، ولا تغب عن أمير المؤمنين كتبك؛ حتى كأني أنظر إلى بلادك والثغر الذي أنت به وفيها مات الحجاج بن يوسف في شوال - وهو يومئذ ابن أربع وخمسين سنة وقيل: ابن ثلاث وخمسين سنة - وقيل: كانت وفاته في هذه السنة لخمس ليال بقين من شهر رمضان وفيها استخلف الحجاج لما حضرته الوفاة على الصلاة ابنه عبد الله بن الحجاج وكانت إمرة الحجاج على العراق فيما قال الواقدي عشرين سنة وفي هذه السنة افتتح العباس بن الوليد قنسرين. وفيها قتل الوضاحي بأرض الروم ونحو من ألف رجل معه. وفيها - فيما ذكر - ولد المنصور عبد الله بن محمد بن علي. وفيها ولي الوليد بن عبد الملك يزيد بن أبي كبشة على الحرب والصلاة بالمصرين: الكوفة والبصرة، وولى خراجهما يزيد بن أبي مسلم. وقيل: إن الحجاج كان استخلف حين حضرته الوفاة على حرب البلدين والصلاة بأهلهما يزيد بن أبي كبشة، وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم، فأقرهما الوليد بعد موت الحجاج على ما كان الحجاج استخلفهما عليه، وكذلك فعل بعمال الحجاج كلهم، أقرهم بعده على أعمالهم التي كانوا عليها في حياته. وحج بالناس في هذه السنة بثر بن الوليد بن عبد الملك، حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها، إلا ما كان من الكوفة والبصرة، فإنهما ضمتا إلى من ذكرت بعد موت الحجاج.
    ثم دخلت سنة ست وتسعين

    ذكر الأحداث التي كانت فيها

    ففيها كانت - فيما قال الواقدي - غزوة بشر بن الوليد الشاتية، فقفل ومات الوليد.
    ذكر الخبر عن موت الوليد بن عبد الملك

    وفيها كانت وفاة الوليد بن عبد الملك، يوم السبت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين في قول جميع أهل السير. واختلف في قدر مدة خلافته، فقال الزهري في ذلك - ما حدثت عن ابن وهب عن يونس عنه: ملك الوليد عشر سنين إلا شهرًا. وقال أبو معشر فيه، ما حدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عنه: كانت خلافة الوليد تسع سنين وسبعة أشهر، وقال هشام بن محمد: كانت ولاية الوليد ثمان سنين وتسعة أشهر. وقال الواقدي: كانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر وليلتين. واختلف أيضًا في مبلغ عمره، فقال محمد بن عمر: توفي بدمشق وهو ابن ست وأربعين سنة وأشهر.
    وقال هشام بن محمد: توفي وهو ابن خمس وأربعين سنة. وقال عليبن محمد: توفي وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وأشهر. وقال علي: كانت وفاة الوليد بدير مران، ودفن خارج باب الصغير. ويقال: في مقابر الفراديس. ويقال: إنه توفي وهو ابن سبع وأربعين سنة. وقيل: صلى عليه عمر بن عبد العزيز. وكان له - فيما قال علي - تسعة عشر ابنًا: عبد العزيز، ومحمد، والعباس، وإبراهيم، وتمام، وخالد، وعبد الرحمن، ومبشر، ومسرور، وأبو عبيدة، وصدقة، ومنصور، ومروان، وعنبسة، وعمر، وروح، وبشر، ويزيد، ويحيى؛ أم عبد العزيز ومحمد وأم البنين بنت عبد العزيز ابن مروان، وأم أبي عبيدة فزارية، وسائرهم لأمهات شتى.
    ذكر الخبر عن بعض سيره

    حدثني عمر، قال: حدثني علي، قال: كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلائفهم، بنى المساجد مسجد دمشق ومسجد المدينة، ووضع المنار، وأعطى الناس، وأعطى المجذمين، وقال: لا تسألوا الناس. وأعطى كل مقعد خادمًا، وكل ضرير قائدًا، وفتح في ولايته فتوح عظام؛ فتح موسى بن نصير الأندلس، وفتح قتيبة كاشغر. وفتح محمد بن القاسم الهند. قال: وكان الوليد يمر بالبقال فيقف عنده فيأخذ حزمة البقل فيقول: بكم هذه؟ فيقول بفلس فيقول زد فيها. قال: أتاه رجل من بني مخزوم يسأله عن دينه، فقال: نعم، إن كنت مستحقًا لذلك، قال: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقًا لذلك مع قرابي! لذلك، قال: أقرأت القرآن؟ قال: لا، قال: ادن مني، فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب كان في يده، وقرعه قرعات بالقضيب، وقال لرجل ضم هذا إليك، فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن، فقام إليه عثمان ابن يزيد بن خالد بن عبد الله بن أسيد، فقال: يا أمير المؤمنين، إن على دينًا، فقال: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، فاستقرأه عشر آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ، فقال: نعم، نقضي عنكم، قال: مرض الوليد فرهقته غشية، فمكث عامه يومه عندهم ميتًا، فبكى عليه، وخرجت البرد بموته، فقدم رسول على الحجاج، فاسترجع، ثم أمر بحبل فشد في يديه، ثم أوثق إلى اسطوانة، وقال: اللهم لا تسلط علي من لا رحمة له، فقد طالما سألتك أن تجعل منيتي قبل منيته! وجعل يدعو، فإنه لكذلك إذ قدم عليه بريد بإفاقته. قال علي: ولما أفاق الوليد قال: ما أحد أسر بعافية أمير المؤمنين من الحجاج؛ فقال عمر بن عبد العزيز: ما أعظم نعمة الله علينا بعافيتك، وكأني بكتاب الحجاج قد أتاك يذكر فيه أنه لما بلغه برؤك خر الله ساجدًا، وأعتق كل مملوك له، وبعث بقوارير من أنبج الهند. فما لبث إلا أيامًا حتى جاء الكتاب بما قال. قال: ثم لم يمت الحجاج حتى ثقل على الوليد، فقال خادم للوليد: إني لأوضئ الوليد يومًا للغداء، فمد يده، فجعلت أصب عليه الماء وهو ساه والماء يسيل ولا أستطيع أن أتكلم، ثم نضح الماء في وجهي، وقال: أناعس أنت! ورفع رأسه إلي وقال: ما تدري ما جاء الليلة؟ قلت: لا؛ قال: ويحك! مات الحجاج! فاسترجعت. فقال: أسكت ما يسر مولاك أن في يده تفاحة يشمها.
    قال علي: وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ للمصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه، فإنما يسأل بعضهم بعضًا عن البناء والمصانع. فولى سليمان، فكان صاحب نكاح وطعام، فكان يسأل الناس بعضهم بعضًا عن التزويج والجواري. فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم؟ ومتى ختمت؟ وما تصوم من الشهر؟ ورثى جرير الوليد فقال:
    يا عين جودي بدمع هاجه الذكر ** فما لدمعك بعد اليوم مدخر
    إن الخليفة قد وارت شمائله ** غبراء ملحدة في جولها زور
    أضحى بنوه وقد جلت مصيبتهم ** مثل النجوم هوى من بينها القمر
    كانوا جميعًا فلم يدفع منيته ** عبد العزيز ولا روح ولا عمر
    حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حج الوليد بن عبد الملك، وحج محمد بن يوسف من اليمن، وحمل هدايا للوليد، فقالت أم البنين للوليد: يا أمير المؤمنين، اجعل لي هدية محمد بن يوسف، فأمر بصرفها إليها، فجاءت رسل من أم البنين إلى محمد فيها، فأبى وقال: ينظر إليها أمير المؤمنين فيرى رأيه - وكانت هدايا كثيرة - فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أمرت بهدايا محمد أن تصرف إلي، ولا حاجة لي بها، قال: ولم؟ قالت: بلغني أنه غصبها الناس، وكلفهم عملها، وظلمهم. وحمل محمد المتاع إلى الوليد، فقال: بلغني أنك أصبتها غصبًا، قال: معاذ الله! فامر فاستخلف بين الركن والمقام خمسين يمينًا بالله ما غصب شيئًا منها، ولا ظلم أحدًا، ولا أصابها إلا من طيب؛ فحلف، فقبلها الوليد ودفعها إلى أم البنين، فمات محمد بن يوسف باليمين، أصابه داء تقطع منه. وفي هذه السنة كان الوليد أراد الشخوص إلى أخيه سليمان لخلعه، وأراد البيعة لابنه من بعده، وذلك قبل مرضته التي مات فيها. حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: كان الوليد وسليمان وليي عهد عبد الملك، فلما أفضى الأمر إلى الوليد، أراد أن يبايع لابنه عبد العزيز ويخلع سليمان، فأبى سليمان، فأراده أن يجعله له من بعده، فأبى، فعرض عليه أموالًا كثيرة، فأبى، فكتب إلى عماله أن يبايعوا لعبد العزيز، ودعا الناس إلى ذلك؛ فلم يجبه أحد إلا الحجاج وقتيبة وخواص من الناس. فقال عباد بن زياد: إن الناس لا يجيبونك إلى هذا، ولو أجابوك لم آمنهم على الغدر بابنك، فاكتب إلى سليمان فليقدم عليك، فإن لك عليه طاعة، فأرده على البيعة لعبد العزيز من بعده، فإنه لا يقدر على الامتناع وهو عندك، فإن أبى كان الناس عليه. فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم، فأبطأ، فاعتزم الوليد على المسير إليه وعلى أن يخلعه، فأمر الناس بالتأهب، وأمر بحجره فأخرجت، فمرض، ومات قبل أن يسير وهو يريد ذلك. قال عمر: قال علي: وأخبرنا أبو عاصم الزيادي عن الهلواث الكلبي، قال: كنا بالهند مع محمد بن القاسم، فقتل الله داهرًا، وجاءنا كتاب من الحجاج أن اخلعوا سليمان، فلما ولى سليمان جاءنا كتاب سليمان، أن ازرعوا واحرثوا، فلا شام لكم، فلم نزل يتلك البلاد حتى قام عمر بن عبد العزيز فأقفلنا. قال عمر: قال علي: أراد الوليد أن يبني مسجد دمشق، وكانت فيه كنيسة، فقال الوليد لأصحابه: أقسمت عليكم لما أتاني كل رجل منكم بلبنة، فجعل كل رجل يأتيه بلبنة، ورجل من أهل العراق يأتيه بلبنتين، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق؛ قال: يا أهل العراق، تفرطون في كل شيء حتى في الطاعة! وهدموا الكنيسة وبناها مسجدًا، فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكوا ذلك إليه، فقيل: أن كل ما كان خارجًا من المدينة افتتح عنوة، فقال لهم عمر: نرد عليكم كنيستكم ونهدم كنيسة توما، فإنها فتحت عنوة، نبنيها مسجدًا، فلما قال لهم ذلك قالوا: بل ندع لكم هذا الذي هدم الوليد، ودعوا لنا كنيسة توما. ففعل ذلك عمر.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فتح قتيبة كاشغر وغزو الصين

    وفي هذه السنة افتتح بن مسلم كاشغر، وغزا الصين.
    ذكر الخبر عن ذلك
    رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد بالإسناد الذي ذكرت قبل. قال: ثم غزا قتيبة في سنة ست وتسعين، وحمل مع الناس عيالهم وهو يريد أن يحرز عياله في سمرقند خوفًا من سليمان. فلما عبر النهر استعمل رجلًا من مواليه يقال الخوارزمي على مقطع النهر، وقال: لا يجوزن أحد إلا بجواز؛ ومضى إلى فرغانة، وأرسل إلى شعب عصام من يسهل له الطريق إلى كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين، فأتاه موت الوليد وهو بفرغانة. قال: فأخبرني أبو الذيال عن المهلب بن إياس، قال: قال إياس بن زهير: لما عبر قتيبة النهر أتيته فقلت له: إنك خرجت ولم أعلم رأيك في العيال فنأخذ أهبة ذلك، وبني الأكابر معي، ولي عيال قد خلفتهم وأم عجوز، وليس عندهم من يقوم بأمرهم، فإن رأيت أن تكتب لي كتابًا مع بعض بني أوجهه فيقدم علي بأهلي! فكتب، فأعطاني الكتاب فانتهيت إلى النهر وصاحب النهر من الجانب الآخر، فألويت بيدي، فجاء قوم في سفينة فقالوا: من أنت؟ أين جوازك؟ فأخبرتهم، فقعد معي قوم ورد قوم السفينة إلى العامل، فأخبروه. قال: ثم رجعوا إلي فحملوني، فانتهيت إليهم وهم يأكلون وأنا جائع، فرميت بنفسي، فسألني عن الأمر، وأنا آكل لا أجيبه، فقال: هذا أعرابي قد مات من الجوع، ثم ركبت فمضيت فأتيت مرو، فحملت أمي، ورجعت أريد العسكر، وجاءنا موت الوليد، فانصرفت إلى مرو.
    وقال: وأخبرنا أبو مخنف، عن أبيه، قال: بعث قتيبة كثير بن فلان إلى كاسغر، فسبى منها سبيًا، فختم أعناقهم مما أفاء الله على قتيبة، ثم رحع قتيبة وجاءهم موت الوليد. قال: وأخبرنا يحيى بن زكريا الهمداني عن أشياخ من أهل خراسان والحكم بن عثمان، قال: حدثني شيخ من أهل خراسان. قال: وغل قتيبة حتى قرب من الصين. قال: فكتب إليه ملك الصين أن ابعث لنا رجلًا من أشراف من معكم يخبرنا عنكم، ونسائله عن دينكم. فانتخب قتيبة من عسكره اثنا عشر رجلًا - وقال بعضهم: عشرة - من أفناء القبائل، لهم جمال وأجسام وشعور وبأس، بعدما سأل عنهم فوجدهم من صالح من هم منه. فكلمهم قتيبة، وفاطنهم فرأى عقولًا جمالًا، فأمر لهم بعدة حسنة من السلاح والمتاع الجيد من الحز والوشى واللين من البياض والرقيق والنعال والعطر، وحملهم على خيول مطهمة تقاد معهم، ودواب يركبونها. قال: وكان هبيرة بن المشمرج الكلابي مفوهًا بسيط اللسان، فقال: يا هبيرة كيف أنت صانع؟ قال: أصلح الله الأمير! قد كفيت الأدب وقل ماشئت اقله. وآخذ به، قال: سيروا على بركة الله، وبالله التوفيق. لا تضعوا العمائم عنكم حتى تقدموا البلاد، فإذا دخلتم عليه فأعلموه أني قد حلفت ألا انصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم. قال: فساروا، عليهم هبيرة بن المشمرج، فلما قدموا أرسل إليهم ملك الصين يدعوهم، فدخلوا الحمام، ثم خرجوا فلبسوا ثيابًا بيضًا تحتها الغلائل، ثم مسوا الغالية، وتدخنوا ولبسوا النعال والأردية، ودخلوا عليه وعنده عظماء أهل مملكته، فجلسوا، فلم يكلمهم الملك ولا أحد من جلسائه فنهضوا، فقال الملك لمن حضره: كيف رأيتم هؤلاء؟ قالوا: رأينا قومًا ما هم إلا نساء، ما بقي منا أحد حين رآهم ووجد رائحتهم إلا انتشر ما عنده. قال: فلما كان الغد أرسل إليهم فلبسوا الوشي وعمائم الحز والمطارف، وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا، فقال لأصحابه: كيف رأيتم هذه الهيئة؟ قالوا: هذه الهيئة أشبه بهيئة الرجال من تلك الأولى، وهم أولئك. فلما كان اليوم الثالث أرسل إليهم فشدوا عليهم سلاحهم، ولبسوا البيض والمغافر. وتقلدوا السيوف، وأخذوا الرماح، وتنكبوا القسي، وركبوا خيولهم، وغدوا فنظر إليهم صاحب الصين فرأى أمثال الجبال مقبلة، فلما دنوا ركزوا رماحهم، ثم أقبلوا نحو مشمرين، فقيل لهم قبل أن يدخلوا: ارجعوا، لما دخل قلوبهم من خوفهم. قال: فانصرفوا فركبوا خيولهم، واختلجوا رماحهم، ثم دفعوا خيولهم كأنهم يتطاردون بها، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ قالوا: ما رأينا مثل هؤلاء قط، فلما أمسى أرسل إليهم الملك، أن ابعثوا إلى زعيمكم وأفضلكم رجلًا، فبعثوا إلى هبيرة، فقال له حين دخل عليه: قد رأيتم عظيم ملكي، وليس أحد يمنعكم مني، وأنتم في بلادي، وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي. وأنا سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم. قال: سل؛ قال: لم صنعتم ما صنعتم من الزي في اليوم الأول والثاني والثالث؟ قال: أما زينا الأول فلبسناه في أهالينا وريحنا عندهم، وأما اليوم الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما اليوم الثالث فزينا لعدونا، فإذا هاجنا هيج وفزع كنا هكذا. قال: ما أحسن ما دبرتم دهركم! فانصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه، قال له: كيف يكون قليل الأصحاب من أول خليه في بلادك وآخرها في منابت الزيتون! وكيف يكون حريصًا من خلف الدنيا قادرًا عليها وغزاك! وأما تخويفك إلينا بالقتل فإن لنا آجالًا إذا حضرت فأكرمها بالقتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه؛ قال: فما الذي يرضي صاحبك؟ قال: إنه قد حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويعطى الجزية، قال: فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها، قال: فدعا بصحاف من ذهب فيها تراب، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعث به، فقبل الجزية وختم الغلمة وردهم، ووطئ التراب، فقال سوادة بن عبد الله السلولي:
    لا عيب في الوفد الذين بعثتهم ** للصين إن سلكوا طريق المنهج
    كسروا الجفون على القذى خوف الردى ** حاشا الكريم هبيرة بن مشمرج
    لم يرض غير الختم في أعناقهم ** ورهائن دفعت بحمل سمرج
    أدى رسالتك التي استرعيته ** وأتاك من حنث اليمين بمخرج
    قال: فأوفد قتيبة هبيرة إلى الوليد، فمات بقرية من فارس، فرثاه سوادة، فقال:
    لله قبر هبيرة بن مشمرج ** ماذا تضمن من ندى وجمال!
    وبديهة يعيا بها أبناؤه ** عند احتفال مشاهد الأقوال
    كان الربيع إذا السنون تتابعت ** والليث عند تكعكع الأبطال
    فسقت بقرية حيث أمسى قبره ** غر يرحن بمسبل هطال
    بكت الجياد الصافنات لفقده ** وبكاه كل مثقف عسال
    وبكته شعث لم يجدن مواسيًا ** في العام ذي السنوات والإمحال
    قال: وقال: الباهليون: كان قتيبة إذا رجع من غزاته كل سنة اشترى اثنى عشر فرسًا من جياد الخيل؛ واثنى عشر هجينًا، لا يجاوز بالفرس أربعة آلاف، فيقام عليها وقت الغزو، فإذا تأهب للغزو وعسكر قيدت وأضمرت، فلا يقطع نهرًا بخيل حتى تخف لحومها، فيحمل عليها من يحمله في الطلائع. وكان يبعث في الطلائع الفرسان من الأشراف، ويبعث معهم رجالًا من العجم ممن يستنصح على تلك الهجن، وكان إذا بعث بطليعة أمر بلوح فنقش، ثم يشقه شقين فأعطاه شقة، واحتبس شقة، لئلا يمثل مثلها، ويأمره أن يدفنها في موضع يصفه له من مخاضة معروفة، أو تحت شجرة معلومة، أو خربة، ثم يبعث بعده من يستبريها ليعلم أصادق في طليعته أم لا. وقال ثابت قطنة العتكي يذكر من قتل من ملوك الترك:
    أقر العين مقتل كارزنك ** وكشبيز وما لاقى بيار
    وقال كميت يذكر غزوة السغد وخوارزم:
    وبعد في غزوة كانت مباركة ** تردى زراعة أقوام وتحتصد
    نالت غمامتها فيلًا بوابلها ** والسغد حين دنا شؤبوبها البرد
    إذ لا يزال له نهب ينفله ** من المقاسم لا وخش ولا نكد
    تلك الفتوح التي تدلي بحجتها ** على الخليفة إنا معشر حشد
    لم تثن وجهك عب قوم غزوتهم ** حتى يقال لهم: بعدًا وقد بعدوا
    لم ترض من حصنهم إن كان ممتنعًا ** حتى يكبر فيه الواحد الصمد
    خلافة سليمان بن عبد الملك

    قال أبو جعفر: وفي هذه السنة بويع سليمان بن عبد الملك بالخلافة، وذلك في اليوم الذي توفي فيه الوليد بن عبد الملك، وهو بالرملة. وفيها عزل سليمان بن عبد الملك عثمان بن حيان عن المدينة، ذكر محمد بن عمر، أنه نزعه عن المدينة لسبع بقين من شهر رمضان سنة ست وتسعين. قال: وكان عمله على المدينة ثلاث سنين. وقيل: كانت امرأته عليها سنتين غير سبع ليال. قال الواقدي: وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قد استأذن عثمان أن ينام في غد، ولا يجلس للناس ليقوم ليلة إحدى وعشرين، فأذن له. وكان أيوب بن سلمة المخزومي عنده، وكان الذي بين أيوب بن سلمة وبين أبي بكر بن عمرو بن حزم سيئًا، فقال أيوب لعثمان: ألم تر إلى ما يقول هذا؟ إنما هذا منه رثاء؛ فقال عثمان: قد رأيت ذلك، ولست لأبى إن أرسلت إليه غدوة ولم أجده جالسًا لأجلدنه مائة، ولأحلقن رأسه ولحيته. قال أيوب: فجاءني أمر أحبه، فعجلت من السحر، فإذا شمعة في الدار، فقلت: عجل المري، فإذا رسول سليمان قد قدم على أبي بكر بتأميره وعزل عثمان وحده. قال أيوب: فدخلت دار الإمارة، فإذا لبن حيان جالس، وإذا بأبي بكر على كرسي يقول للحداد: اضرب في رجل هذا الحديد، ونظر إلى عثمان فقال:
    آبوا على أدبارهم كشفًا ** والأمر يحدث بهده الأمر
    وفي هذه السنة عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق، وأمر عليه يزيد بن المهلب، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج، وأمره أن يقتل آل أبي عقيل وبسط عليهم العذاب. فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن محمد، قال: قدم صالح العراق على الخراج ويزيد على الحرب، فبعث يزيد زياد بن المهلب على عثمان، وقال له: كاتب صالحًا، وكان يلي عذابهم عبد الملك بن المهلب.
    خبر مقتل قتيبة بن مسلم

    وفي هذه السنة قتل قتيبة بن مسلم بخراسان.
    ذكر الخبر عن سبب مقتله
    وكان سبب ذلك أن الوليد بن عبد الملك أراد أن يجعل ابنه عبد العزيز ابن الوليد ولي عهده، ودس في ذلك إلى القواد والشعراء، فقال جرير في ذلك:
    إذا قيل أي الناس خير خليفة ** أشارت إلى عبد العزيز الأصابع
    رأوه أحق الناس كلهم بها ** وما ظلموا، فبايعوه وسارعوا
    وقال أيضًا جرير يحضن الوليد على بيعة عبد العزيز:
    إلى عبد العزيز سمت عيون الر ** عية إذ تحيرت الرعاء
    إليه دعت دواعيه إذا ما ** عماد الملك خرت والسماء
    وقال أولو الحكومة من قريش ** علينا البيع إن بلغ الغلاء
    رأوا عبد العزيز ولي عهد ** وما ظلموا بذاك ولا أساؤوا
    فماذا تنظرون بها وفيكم ** جسور بالعظائم واعتلاء!
    فزحلفها بأزملها إليه ** أمير المؤمنين إذا تشاء
    فإن الناس قد مدوا إليه ** أكفهم وفي برح الخفاء
    ولو قد بايعوك ولي عهد ** لقام الوزن واعتدل البناء


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فبايعه على خلع سليمان الحجاج بن يوسف وقتيبة، ثم هلك الوليد وقام سليمان بن عبد الملك، فخافه قتيبة. قال علي بن محمد: أخبرنا بشر بن عيسى والحسن بن رشيد وكليب ابن خلف. عن طفيل بن مرداس، وجبلة بن فروخ، عن محمد بن عزيز الكندي، وجبلة بن أبي رواد ومسلمة بن محارب، عن السكن بن قتادة؛ أن قتيبة لما أتاه موت الوليد بن عبد الملك وقيام سليمان. أشفق من سليمان لأنه كان يسعى في بيعة عبد العزيز بن الوليد مع الحجاج. وخاف أن بولي سليمان يزيد بن المهلب خراسان. قال: فكتب إليه كتابًا يهنئه بالخلافة، ويعزيه على الوليد، ويعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد، وأنه له على مثل ما كان لهما عليه من الطاعة والنصيحة إن لم يعزله عن خراسان. وكتب إليه كتابًا آخر يعلمه فيه فتوحه ونكايته وعظم قدره عند ملوك العجم، وهيبته في صدورهم، وعظم صوته فيهم، ويذم المهلب وآل المهلب، ويحلف بالله لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنه. وكتب كتابًا ثالثًا في خلعه، وبعث بالكتب الثلاثة مع رجل من باهلة، وقال له: ادفع إليه هذا الكتاب. فإن كان يزيد بن المهلب حاضرًا، فقرأه ثم ألقاه إليه، فادفع إليه هذا الكتاب، فإن قرأه وألقاه إلى يزيد فادفع إليه هذا الكتاب، فإن قرأ الأول ولم يدفعه إلى يزيد فاحتبس الكتابين الآخرين. فقد قام رسول قتيبة فدخل على سليمان وعنده يزيد ين المهلب دفع إليه الكتاب، فقرأه، ثم ألقاه إلى يزيد، فدفع إليه كتابًا آخر فقرأه، ثم رمى به إلى يزيد، فأعطاه الكتاب الثالث، فقرأه فتمعر لونه، ثم دعا بطين فختمه ثم أمسكه بيده. وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى، فإنه قال - فيما حدثت عنه: كان في الكتاب الأول وقيعة في يزيد بن المهلب، وذكر غدره وكفره وقلة شكره، وكان في الثاني ثناء على يزيد، وفي الثالث: لئن لم تقرني على ما كنت عليه وتؤمني لأخلعنك خلع النعل، ولأملأنها عليك خيلا ورجالا. وقال أيضًا: لما قرأ سليمان الكتاب الثالث وضعه بين مثالين من المشل التي تحته ولم يحر في ذلك مرجوعًا. رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد. قال: ثم أمر - يعني سليمان برسول قتيبة أن ينزل، فحول إلى دار الضيافة، فلما أمسى دعا به سليمان فأعطاه صرة فيها دنانير، فقال: هذه جائزتك. وهذا عهد صاحبك على خراسان فسر، وهذا رسولي معك بعهده. قال: فخرج الباهلي، وبعث معه سليمان رجلًا من عبد القيس، ثم أحد بني ليث يقال له صعصعة - أو مصعب - فلما كان بحلوان تلقاهم الناس بخلع قتيبة، فرجع العبدي، ودفع العهد إلى رسول قتيبة، وقد خلع؛ واضطرب الأمر، فدفع إليه عهده، فاستشار إخوته، فقالوا: لا يثق بك سليمان بعد هذا. قال علي: وحدثني بعض العنبريين، عن أشياخ منهم، أن توبة ابن أبي أسيد العنبري، قال: قدم صالح العراق، فوجهني إلى قتيبة ليطلعني طلع ما في يده، فصحبني رجل من بني أسد، فسألني عما خرجت فيه، فكاتمته أمري، فإنا لنسير إذ سنح لنا سانح؛ فنظر إلى رفيقي فقال: أراك في أمر جسيم وأنت تكتمني! فمضيت، فلما كنت بحلوان تلقاني الناس بقتل قتيبة. قال علي: وذكر أبو الذيال وكليب بن خلف وأبو علي الجوزجاني عن طفيل بن مرداس، وأبو الحسن الجثمي ومصعب بن حيان عن أخيه مقاتل بن حيان، وأبو مخنف وغيرهم، أن قتيبة لما هم بالخلع استشار إخوته، فقال له عبد الرحمن: اقطع بعثًا فوجه فيه كل من تخافه، ووجه قومًا إلى مرو، وسر حتى تنزل سمرقند، ثم قل لمن معك: من أحب المقام فله المواساة، ومن أراد الانصراف فغير مستكره ولا متبوع بسوء، فلا يقم معك إلا مناصح. وقال له عبد الله: اخلعه مكانك، وادع الناس إلى خلعه. فليس يختلف عليك رجلان. فأخذ برأي عبد الله، فخلع سليمان، ودعا الناس إلى خلعه، فقال للناس: إني قد جمعتكم من عين التمر وفيض البحر فضممت الأخ إلى أخيه، والولد إلى أبيه، وقسمت بينكم فيئكم، وأجريت عليكم أعطياتكم غير مكدرة ولا مؤخرة، وقد جربتم الولاة قبلي؛ أتاكم أمية فكتب إلى أمير المؤمنين إن خراج خراسان لا يقوم بمطبخي، ثم جاءكم أبو سعيد فدوم بكم ثلاث سنين لا تدرون أفي طاعة أنتم أم في معصية! لم يجب فيئًا، ولم ينكأ عدوًا، ثم جاءكم بنوه بعده؛ يزيد، فحل تباري إلى النساء، وإنما خليفتكم يزيد بن ثروان هبنقة القيسي قال: فلم يجبه أحد، فغضب فقال: لا أعز الله من نصرتم، والله لو اجتمعتم على عنز ما كسرتم قرنها، يا أهل السافلة - ولا أقول أهل العالية - يا أوباش الصدقة، جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب يا معشر بكر بن وائل، يا أهل النفخ والكذب والبخل، بأي يوميكم تفخرون؟ بيوم حربكم، أن بيوم سلمكم! فوالله لأنا أعز منكم. يا أصحاب مسيلمة، يا بني ذميم - ولا أقول تميم - يا أهل الخور والقصف والغدر، كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسان يا أصحاب سجاح، يا معشر عبد القيس القساة، تبدلتم بأبر النحل أعنة الخيل، يا معشر الأزد، تبدلتم بقلوس السفن أعنه الخيل الحصن؛ إن هذا لبدعة في الإسلام! والأعراب، وما الأعراب! لعنة الله على الأعراب! يا كناسة المصرين، جمعتكم من منابت الشيخ والفيصوم ومنابت القلقل، تركبون البقر والحمر في جزيرة ابن كاوان، حتى إذا جمعتكم كما تجمع قزع الخريف قلتم كيت وكيت! أما والله إني لابن أبيه! وأخو أخيه، أما والله لأعصبنكم عصب السلمة. إن حول الصليان الزمزمة يا أهل خراسان، هل تدرون من وليكم؟ وليكم يزيد بن ثروان. كأني بأمير مزجاء، وحكم قد جاءكم فغلبكم على فيئكم وأظلالكم. إن ها هنا نارًا ارموها أرم معكم، ارموا غرضكم الأقصى. قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات. إن الشام أب مبرور، وإن العراق أب مكفور. حتى متى يتبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم! يا أهل خراسان، انسبوني تجدوني عراقي الأم، عراقي الأب، عراقي المولد، عراقي الهوى والرأي والدين، وقد أصبحتم اليوم فيما ترون من الأمن والعافية قد فتح الله لكم البلاد، وآمن سبلكم، فالظعينة تخرج من مرو إلى بلخ بغير جواز، فاحمدوا الله على النعمة وسلوه الشكر والمزيد قال: ثم نزل فدخل منزله، فأتاه أهل بيته فقالوا: ما رأينا كاليوم قط، والله ما اقتصرت على أهل العالية وهم شعارك ودثارك، حتى تناولت بكرًا وهم أنصارك، ثم لم ترض بذلك حتى تناولت تميمًا وهم إخوتك، ثم لم ترض بذلك حتى تناولت الأزد وهم يدك! فقال: لما تكلمت فلم يجيبني أحد غضبت، فلم أدر ما قلت؛ إن أهل العالية كإبل الصدقة قد جمعت من كل أوب، وأما بكر فإنها أمة لا تمنع يد لامس وأما تميم فجمل أجرب، وأما عبد القيس فما يضرب العير بذنبه، وأما الأزد فأعلاج، شرار من خلق الله، لو ملكت أمرهم لو سمتهم قال: فغضب الناس وكرهوا خلع سليمان، وغضبت القبائل من شتم قتيبة، فأجمعوا على خلافه وخلعه، وكان أول من تكلم في ذلك الأزد، فأتوا حضين بن المنذر فقالوا: إن هذا قد دعا إلى ما دعا إليه من خلع الخليفة، وفيه فساد الدين والدنيا، ثم لم يرض بذلك حتى قصر بنا وشتمنا، فما ترى يا أبا حفص؟ وكان يكتني في الحرب بأبي ساسان، ويقال: كنيته أبو محمد - فقال لهم: حضين: مضر بخراسان تعدل هذه الثلاثة الأخماس؛ وتميم أكثر الخمسين، وهم فرسان خراسان، ولا يرضون أن يصير الأمر في غير مضر، فإن أخرجتموهم من الأمر أعانوا قتيبة؛ قالوا: إنه قد وتر بني تميم بقتل ابن الأهتم، قال: لا تنظروا إلي هذا فإنهم يتعصبون للمضربة، فانصرفوا رادين لرأي حضين، فأرادوا أن يولوا عبد الله بن حوذان الجهضمي، فأبى وتدافعوها، فرجعوا إلى حضين، فقالوا: قد تدافعنا الرياسة، فنحن نوليك أمرنا، وربيعة لا تخالفك، قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل؛ قالوا: ما ترى؟ قال: إن جعلتم هذه الرياسة في تميم تم أمركم؛ قالوا: فمن ترى من تميم؟ قال: ما أرى أحدًا غير وكيع، فقال حيان مولى بني شيبان: إن أحدًا لا يتقلد هذا الأمر فيصلي بحره، ويبذل دمه، ويتعرض للقتل، فإن قدم أمير أخذه بما جنى وكان المهنأ لغيره إلا هذا الأعرابي وكيع؛ فإنه مقدام لا يبالي ما ركب، ولا ينظر في عاقبة، وله عشيرة كثيرة تطيعه، وهو موتور يطلب قتيبة برياسته التي صرفها عنه وصيرها لضرار بن حصين بن زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي. فمشى الناس بعضهم إلى بعض سرًا، وقيل لقتيبة: ليس يفسد أمر الناس إلا حيان، فأراد أن يغتاله - وكان حيان يلاطف حشم الولاة فلا يخفون عنه شيئًا - قال: فدعا قتيبة رجلا فأمره بقتل حيان، وسمعه بعض الخدم، فأتى حيان فأخبره، فأرسل إليه يدعوه، فحذر وتمارض، وأتى الناس وكيعًا فسألوه أن يقوم بأمرهم؛ فقال: نعم، وتمثل قول الأشهب بن رميلة:
    سأجني ما جنيت وإن ركني ** لمعتمد إلى نضد ركين
    قال: وبخراسان يومئذ من المقاتلة من أهل البصرة من أهل العالية تسعة آلاف، وبكر سبعة آلاف، رئيسهم الحضين بن المنذر، وتميم عشرة آلاف عليهم ضرار بن حصين الضبي، وعبد القيس أربعة آلاف عليهم عبد الله بن علوان عوذي، والأزد عشرة آلاف رأسهم عبد الله أبو حوذان، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف عليهم جهم بن زحر - أو عبيد الله بن علي - والموالي سبعة آلاف عليهم حيان - وحيان يقال إنه من الديلم، ويقال: إنه من خراسان، وإنما قيل له نبطي للكنته - فأرسل حيان إلى وكيع: أرأيت إن كففت عنك وأعنتك تجعل في جانب نهر بلخ وخراجه ما دمت حيا، وما دمت واليًا؟ قال: نعم، فقال للعجم: هؤلاء يقاتلون على غير دين، فدعوهم يقتل بعضهم بعضًا؛ قالوا: نعم، فبايعوا وكيعًا سرًا، فأتى ضرار بن حصين قتيبة، فقال: إن الناس يختلفون إلى وكيع، وهم يبايعونه - وكان وكيع يأتي منزل عبد الله بن مسلم الفقير فيشرب عنده - فقال عبد الله: هذا يحسد وكيعًا، وهذا الأمر باطل، هذا وكيع في بيتي يشرب ويسكر ويسلح في ثيابه؛ وهذا يزعم أنهم يبايعونه. قال: وجاء وكيع إلى قتيبة فقال: احذر ضرارًا فإني لا آمنه عليك، فأنزل قتيبة ذلك منهما على التحاسد. وتمارض وكيع ثم إن قتيبة دس ضرار بن سنان الضبي إلى وكيع فبايعه سرًا، فتبين لقتيبة أن الناس يبايعونه، فقال لضرار: قد كنت صدقتني، قال: إن لم أخبرك إلا يعلم، فأنزلت ذلك مني على الحسد، وقد قضيت الذي كان علي، قال: صدقت. وأرسل قتيبة إلى وكيع يدعوه فوجده رسول قتيبة قد طلى على رجله مغرةً، وعلى ساقه خرزًا وودعًا، وعنده رجلان من زهران يرقيان رجله، فقال له: أجب الأمير، قال: قد ترى ما برجلي. فرجع الرسول إلى قتيبة فأعاده إليه، قال: يقول لك: ائتني محمولًا على سرير، قال: لا أستطيع. قال قتيبة لشريك بن الصامت الباهلي أحد بني وائل - وكان على شرطته - ورجل من غني انطلقا إلى وكيع فأتياني به. فإن أبى فاضربا عنقه؛ ووجه معهما خيلا، ويقال: كان على شرطه بخراسان ورقاء بن نصر الباهلي. قال علي: قال أبو الذيال: قال ثمامة بن ناجذ العدوي: أرسل قتيبة إلى وكيع من يأتيه به، فقلت: أنا آتيك به أصلحك الله! فقال: ائتني به، فأتيت وكيعًا - وقد سبق إليه الخبر أن الخيل تأتيه - فلما رآني قال: يا ثمامة، ناد في الناس؛ فناديت: فكان أول من أتاه هريم بن أبي طحمة في ثمانية. قال: وقال الحسن بن رشيد الجوزجاني: أرسل قتيبة إلى وكيع. فقال هريم: أنا آتيك به، قال: فانطلق. قال هريم: فركبت برذوني مخافة أن يردني، فأتيت وكيعًا وقد خرج قال: وقال كليب بن خلف: أرسل قتيبة إلى وكيع شعبة بن ظهير أحد بني صخر بن نهشل، فأتاه، فقال: يا بن ظهير: لبث قليلًا تلحق الكتائب ثم دعا بسكين فقطع خرزًا كان على رجليه. ثم لبس سلاحه، وتمثل:
    شدوا على سرتي لا تنقلف ** يوم لهمدان ويوم للصدف
    وخرج وحده ونظر إليه نسوة فقلن: أبو مطرف وحده؛ فجاء هريم بن أبي طحمة في ثمانية، فيهم عميرة البريد بن ربيعة العجيفي. قال حمزة بن إبراهيم وغيره: إن وكيعًا خرج فتلقاه رجل، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني أسد؛ قال: ما اسمك؟ قال: ضرغامة؛ قال: ابن من؟ قال: ابن ليث، قال: دونك هذه الراية. قال المفضل بن محمد الضبي: ودفع وكيع رايته إلى عقبة بن شهاب المازني؛ قال: ثم رجع إلى حديثهم، قالوا: فخرج وكيع وأمر غلمانه، فقال: اذهبوا بثقلي إلى بني العم، فقالوا: لا نعرف موضعهم، قال: انظروا رمحين مجموعين أحدهما فوق الآخر، فوقهما مخلاة، فهم بنو العم، قال: وكان في العسكر منهم خمسمائة؛ قال: فنادى وكيع في الناس، فأقبلوا أرسالا من كل وجه، فأقبل في الناس يقول:
    قرم إذا حمل مكروهة ** شد الشراسيف لها الحزيم
    وقال قوم: تمثل وكيع حين خرج:
    أنخن بلقمان بن عاد فجسنه ** أريني سلاحي لن يطيروا بأعزل
    واجتمع إلى قتيبة أهل بيته، وخواص من أصحابه وثقاته، فيهم إياس ابن بيهس بن عمرو، ابن عم قتيبة دنيا، وعبد الله بن وألان العدوي، وناس من رهطه، بني وائل. وأتاه حيان بن إياس العدوي في عشرة، فيهم عبد العزيز بن الحارث، قال: وأتاه ميسرة الجدلي - وكان شجاعًا - فقال: إن شئت أتيتك برأس وكيع، فقال: قف مكانك. وأمر قتيبة رجلا، فقال: ناد في الناس، أين بنو عامر؟ فنادى: أين بنو عامر؟ فقال محفن بن جزء الكلابي - وقد كان جفاهم: حيث وضعتهم؛ قال: ناد أذكركم الله والرحم! فنادى محفن: أنت قطعتها، قال: ناد لكم العتبي، فناداه محفن أو غيره: لا أقالنا الله إذا، فقال قتيبة:
    يا نفس صبرًا على ما كان من ألم ** إذ لم أجد لفضول القوم أقرانا
    ودعا بعمامة كانتأمه بعثت بها إليه، فاعتم بها، كان يعتم بها في الشدائد، ودعا بيرذون له مدرب، كان يتطير إليه في الزحوف، فقرب إليه ليركبه، فجعل يقمص حتى أعياه، فلما رأى ذلك عاد إلى سريره فقعد عليه وقال: دعوه؛ فإن هذا أمر يراد. وجاء حيان النبطي في العجم، فوقف وقتيبة واجد عليه، فوقف معه عبد الله بن مسلم، فقال عبد الله لحيان: احمل على هذين الطرفين، قال: لم يأن لذلك، فغضب عبد الله، وقال: ناولني قوسي، قال حيان: ليس هذا يوم قوس، فأرسل وكيع إلى حيان: أين ما وعدتني؟ فقال حيان لابنه: إذا رأيتني قد حولت قلنسوتي، ومضيت نحو عسكر وكيع. فمل بمن معك في العجم إلى. فوقف ابن حيان مع العجم، فلما حول حيان قلنسوته مالت الأعجام إلى عسكر وكيع، فكبر أصحابه، وبعث قتيبة أخاه صالحًا إلى الناس فرماه رجل من بني ضبة يقال له سليمان الزنجيرج - وهو الخرنوب، ويقال: بل رماه رجل من بلعم فأصاب هامته - فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل، فوضع في مصلاه، فتحول قتيبة فجلس عنده ساعة، ثم تحول إلى سريره. قال: وقال أبو السري الأزدي: رمى صالحًا رجل من بني ضبة فأثقله، وطعنه زياد بن عبد الرحمن الأزدي، من بني شريك بن مالك قال: وقال أبو مخنف: حمل رجل من غنى علي الناس فرأى رجلا مجففًا فشبهه بجهم بن زحر بن قيس فطعنه، وقال:
    إن غنيا أهل عز ومصدق ** إذا حاربوا والناس مفتتنونا
    فإذا الذي طعن علج، وتهايج الناس، وأقبل عبد الرحمن بن مسلم نحوهم، فرماه أهل السوق والغوغاء، فقتلوه، وأحرق الناس موضعًا كانت فيه إبل لقتيبة ودوابه، ودنوا منه فقاتل عنه رجل من باهلة من بني وائل، فقال له قتيبة: انج بنفسك، فقال له: بئس ما جزيتك إذًا، وقد أطعمتني الجردق وألبستني النرمق قال: فدعا قتيبة بدابة، فأتى ببرذون فم يقر ليركبه، فقال: إن له لشأنًا؛ فلم يركبه. وجلس وجاء الناس حتى بلغوا الفسطاط، فخرج إياس بن بيهس وعبد الله بن وألان حين بلغ الناس الفسطاط وتركا قتيبة. وخرج عبد العزيز بن الحارث يطلب ابنه عمرًا - أو عمر - فلقيه الطائي فحذره، ووجد ابنه فأردفه. قال: وفطن قتيبة للهيثم بن المنخل وكان ممن يعين عليه، فقال:

  • صفحة 15 من 19 الأولىالأولى ... 51314151617 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1