خلافة أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
ذكر الخبر عن سبب خلافته
وكان بدء ذلك - فيما ذكر عن رسول الله - أنه أعلم العباس بن عبد المطلب أنه تؤول الخلافة إلى ولده، فلم يزل ولده يتوقّعون ذلك، ويتحدثون به بينهم.
وذكر علي بن محمد أن إسماعيل بن الحسن حدثه عن رشيد بن كريب، أنّ أبا هاشم خرج إلى الشأم، فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: يا بن عمّ، إن عندي علمًا أنبذه إليك فلا تطلعنّ عليه أحدًا؛ إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس، فيكم. قال: قد علمت فلا يسمعنّه منك أحد.
قال علي: وأخبرنا سليمان بن داود، عن خالد بن عجلان، قال: لما خالف ابن الأشعث، وكتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك، أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد فأخبره، فقال: أما إذا كان الفتق من سجستان فليس عليك بأس؛ إنما كنا نتخوّف لو كان من خراسان.
وقال علي: أخبرنا الحسن بن رشيد وجبلة بن فرّوخ التاجي ويحيى بن طفيل والنعمان بن سري وأبو حفص الأزدي وغيرهم أن الإمام محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس، قال: لنا ثلاثة أوقات: موت الطاغية يزيد بن معاوية، ورأس المائة، وفتق بإفريقية، فعند ذلك يدعو لنا دعاة، ثم يقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب، ويستخرجوا ما كنز الجبّارون فيها. فلمّا قتل يزيد بن أب يمسلم بإفريقية، ونقضت البربر، بعث محمد بن علي رجلًا إلى خراسان، وأمره أن يدعو إلى الرضا، ولا يسمّي أحدًا.
وقد ذكرنا قبل خبر محمد بن علي، وخبر الدعاة الذي وجههم إلى خراسان. ثم مات محمد بن علي وجعل وصيّه من بعده ابنه إبراهيم؛ فبعث إبراهيم بن محمد إلى خراسان أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع، وكتب معه إلى النقباء بخراسان، فقبلوا كتبه وقام فيهم، ثم رجع إليه فردّه ومعه أبو مسلم. وقد ذكرنا أمر أبي مسلم قبل وخبره.
ثم وقع في يد مروان بن محمد كتاب لإبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم، جواب كتاب لأبي مسلم يأمره بقتل كل من يتكلم بالعربيّة بخراسان. فكتب مروان إلى عامله بدمشق يأمره بالكتاب إلى صاحبه بالبلقاء أن يسير إلى الحميمة، ويأخذ إبراهيم بن محمد ويوجّه به إليه. فذكر أبو زيد عمر بن شبّة أن عيسى ابن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثه عن عثمان بن عروة ابن محمد بن عمار بن ياسر، قال: إني مع أبي جعفر بالحميمة ومعه ابناه محمد وجعفر، وأنا أرقّصهما، إذ قال لي: ماذا تصنع؟ أما ترى إلى ما نحن فيه! قال: فنظرت فإذا رسل مروان تطلب إبراهيم بن محمد، قال: فقلت: دعني أخرج إليهم، قال: تخرج من بيتي وأنت ابن عمار بن ياسر! قال: فأخذوا أبواب المسجد حين صلوا الصبحح، ثم قالوا للشاميّين الذين معهم: أين إبراهيم بن محمد؟ فقالوا: هو ذا، فأخذوه؛ وقد كان مروان أمرهم بأخذ إبراهيم، ووصف لهم صفة أبي العباس التي كان يجدها في الكتب أنه يقتلهم؛ فلما أتوه بإبراهيم، قال: ليس هذه الصفة التي وصفت لكم، فقالوا: قد رأينا الصفة التي وصفت، فردّهم في طلبه، ونذروا، فخرجوا إلى العراق هرّابًا.
قال عمر: وحدثني عبد الله بن كثير بن الحسن العبدي، قال: أخبرني علي بن موسى، عن أبيه، قال: بعث مروان بن محمد رسولًا إلى الحميمة يأتيه بإبراهيم بن محمد، ووصف له صفته، فقدم الرسول فوجد الصفة صفة أبي العباس عبد الله بن محمد، فلما ظهر إبراهيم بن محمد وأمن قيل للرسول: إنما أمرت بإبراهيم؛ وهذا عبد الله! فلما تظاهر ذلك عنده ترك أبا العباس وأخذ إبراهيم، وانطلق به. قال: فشخصت معه أنا وأناس من بني العباس ومواليهم، فانطلق بإبراهيم، ومعه أمّ ولد له كان بها معجبًا، فقلنا له: إنما أتاك رجل، فهلمّ فلنقتله ثم ننكفىء إلى الكوفة، فهم لنا شيعة، فقال: ذلك لكم، قلنا: فأمهل حتى نصير إلى الطريق التي تخرجنا إلى العراق. قال: فسرنا حتى صرنا إلى طريق تتشعّب إلى العراق، وأخرى إلى الجزيرة، فنزلنا منزلًا؛ وكان إذا أراد التعريس اعتزل لمكان أمّ ولده، فأتينا للأمر الذي اجتمعنا عليه، فصرخنا به، فقام ليخرج فتعلقت به أم ولده، وقالت: هذا وقت لم تكن تخرج فيه؛ فما هاجك! فالتوى عليها، فأبت حتى أخبرها، فقالت: أنشدك الله أن تقتله فتشأم أهلك! والله لئن قتلته لا يبقي مروان من آل العباس أحدًا بالحميمة إلّا قتله؛ ولم تفارقه حتى حلف لها ألا يفعل، ثم خرج إلينا وأخبرنا، فقلنا: أنت أعلم.
قال عبد الله: فحدثني ابن لعبد الحميدي بن يحيى كاتب مروان، عن أبيه، قال: قلت لمروان بن محمد: أتتّهمني؟ قال: لا، قلت: أفيحطك صهره؟ قال: لا، قلت: فإني أرى أمره ينبغ عليك فأنكحه وأنكح إليه، فإن ظهر كنت قد أعلقت بينك وبينه سببًا لا يريبك معه، وإن كفيته لم يشنك صهره. قال: ويحك! والله لو علمته صاحب ذاك لسبقت إليه؛ ولكن ليس بصاحب ذلك.
وذكر أن إبراهيم بن محمد حين أخذ للمضي به إلى مروان نعى إلى أهل بيته حين شيّعوه نفسه، وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس عبد الله ابن محمد، وبالسمع له وبالطاعة، وأوصى إلى أبي العباس، وجعله الخليفة بعده؛ فشخص أبو العباس عند ذلك ومن معه من أهل بيته؛ منهم عبد الله ابن محمد وداود بن عيسى، وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو علي ويحيى ابن محمد وعيسى بن موسى بن محمد بن علي، وعبد الوهاب ومحمد ابنا إبراهيم وموسى بن داود ويحيى بن جعفر بن تمام؛ حتى قدموا الكوفة، في صفر، فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود، وكتم أمرهم نحوًا من أربعين ليلة من جميع القوّاد والشيعة. وأراد - فيما ذكر - أبو سلمة تحويل الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم بن محمد؛ فذكر علي بن محمد أنّ جبلة بن فرّوخ وأبا السري وغيرهما قالا: قدم الإمام الكوفة في ناس من أهل بيته، فاختفوا، فقال أبو الجهم لأبي سلمة: ما فعل الإمام؟ قال: لم يقدم بعد، فألحّ عليه يسأله، قال: قد أكثرت السؤال، وليس هذا وقت خروجه فكانوا بذلك، حتى لقي أبو حميد خادمًا لأبي العباس، ييقال له سابق الخوارزمي، فسأله عن أصحابه، فأخبره أنهم بالكوفة، وأنّ أبا سلمة يأمرهم أن يختفوا، فجاء به إلى أبي الجهم، فأخبره خبرهم، فسرّح أبو الجهم أبا حميد مع سابق حتى عرف منزلهم بالكوفة، ثم رجع وجاء معه إبراهيم بن سلمة رجل كان معهم، فأخبر أبا الجهم عن منزلهم ونزول الإمام في بني أود، وأنه أرسل حين قدموا إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار، فلم يفعل، فمشى أبو الجهم وأبو حميد وإبراهيم إلى موسى بن كعب، وقصّوا عليه القصّة، وبعثوا إلى الإمام بمائتي دينار، ومضى أبو الجهم إلى أبي سلمة، فسأله عن الإمام، فقال: ليس هذا وقت خروجه؛ لأن واسطًا لم تفتح بعد، فرجع أبو الجهم إلى موسى بن كعب فأخبره، فأجمعوا على أن يلقوا الإمام، فمضى موشى بن كعب وأبو الجهم وعبد الحميد بن ربعي وسلمة ابن محمد وإبراهيم بن سلمة وعبد الله الطائي وإسحاق بن إبراهيم وشراحيل وعبد الله بن بسام وأبو حمييد محمد بن إبراهيم وسليمان بن الأسود ومحمد بن الحصين إلى الإمام، فبلغ أبا سلمة، فسأل عنهم فقيل: ركبوا إلى الكوفة في حاجة لهم.
وأتى القوم أبا العباس، فدخلوا عليه فقالوا: أيّكم عبد الله بن محمد ابن الحارثية؟ فقالوا: هذا، فسلموا عليه بالخلافة؛ فرجع موسى بن كعب وأبو الجهم الآخرين؛ فتخلفوا عند الإمام، فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم: أين كنت؟ قال: ركبت إلى إمامي. فركب أبو سلمة إليهم، فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد أنّ أبا سلمة قد أتاكم؛ فلا يدخلنّ على الإمام إلّا وحده؛ فلما انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد، فدخل وحده، فسلم بالخلافة على أبي العباس.
وخرج أبو العباس على برذون أبلق يوم الجمعة، فصلّى بالناس؛ فأخبرنا عمارة مولى جبرئيل وأبو عبد الله السلمي أن أبا سلمة لما سلم على أبي العباس بالخلافة، قال له أبو حميد: على رغم أنفك يا ماصّ بظر أمّه! فقال له أبو العباس: مّهْ!
وذكر أنّ أبا العباس لما صعد المنبر حين بويع له بالخلافة، قام في أعلاه، وصعد داود بن علي فقام دونه، فتكلم أبو العباس، فقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه تكرمة، وشرّفه وعظّمه، واختاره لنا وأيّده بنا، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوّام به، والذّابين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحقّ بها وأهلها، وخصّنا برحم رسول الله وقرابته، وأنشأنا من آبائه، وأنبتنا من شجرته، واشتقّنا من نبعته؛ جعله من أنفسنا عزيزًا عليه ما عنتنا، حريصًا علينا بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابًا يتلى عليهم، فقال عزّ من قائل فيما أنزل من محكم القرآن: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا "، وقال: " قل لا أسألكم عليه أجرًا إلّا المودّة في القربى " وقال: " وأنذر عشيرتك الأقربين "، وقال: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى " فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودّتنا، وأجزل من الفىء والغنيمة نصيبنا تكرمةً لنا، وفضلًا علينا، والله ذو الفضل العظيم.
وزعمت السبيّئة الضلّال، أن غيرنا أحقّ بالراسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم! بم ولم أيّها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، وبصّرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحقّ، وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا، ورفع بنا الخسيسة، وتمّ بنا النقيصة، وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبرّ ومواساة في دينهم ودنياهم، وإخوانًا على سرر متقابلين في آخرتهم؛ فتح الله ذلك منّةً ومنحةً لمحمد ؛ فلما قبضه الله إليه، قام بذلك الأمر من بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم، فعدّلوا فيها ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصًا منها. ثم وثب بنو حرب ومروان، فابتزّوها وتدالولوها بينهم، فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينًا حتى آسفوه، فلما آسفون انتقم منهم بأيدينا، وردّ علينا حقّنا، وتدارك بنا أمّتنا، وولى نصرنا والقيام بأمرنا، ليمنّ بنا على الذين استُضعفوا في الأرض؛ وختم بنا كما افتتح بنا. وإني لأرجو ألّا يأتيكم الجور من حيث أتاكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح؛ وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة، أنتم محلّ محبّتنا ومنزل مودّتنا. أنتم الذين لم تتغيّروا عن ذلك، ولم يثنكم عن ذلك تحامل أهل الجور عليكم؛ حتى أدركتم زماننا، وأتاكم الله بدولتنا؛ فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا؛ وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا، فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير.
وكان موعوكًا فاشتدّ به الوعك، فجلس على المنبر، وصعد داود بن علي فقام دونه على مراقي المنبر، فقال:
الحمد لله شكرًا شكرًا شكرًا؛ الذي أهلك عدوّنا، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد . أيّها الناس، الآن أقشعت حنادس الدنيا، وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، وطلعت الشمس من مطلعها، وبزغ القمر من مبزغه؛ وأخذ القوس باريها، وعاد السهم إلى منزعه، ورجع الحق إلى نصابه؛ في أهل بيت نبيّكم، أهل الرأفة والرّحمة بكم والعطف علكيم. أهييا الناس، إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجينًا ولا عقيانًا، ولا نحفر نهرًا، ولا نبني قصرًا؛ وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقّنا، والغضب لبني عمنا، وما كرثنا من أموركم، وبهظنا من شؤونكم؛ ولقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا، ويشتدّ علينا سوء سيرة بني أمية فيكم، وخرقهم بكم، واستذلالهم لكم؛ واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم. لكم ذمة الله تبارك وتعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وذمة العبّاس رحمه الله؛ أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل فيكم بكتاب الله، ونسير في العامّة منكم والخاصّة بسيرة رسول الله . تبًّا تبًّا لبني حرب بن أمية وبني مروان! آثروا في مدّتهم وعصرهم العاجلة على الآجلة، والدار الفانية على الدار الباقية، فركبوا الآثام، وظلموا الأنام، وانتهكوا المحارم، وغشوا الجرائم، وجاروا في سيرتهم فيي العباد؛ وسنّتهم في البلاد التي بها استلذّوا تسربل الأوزار، وتجليبب الآصار، ومرحوا في أعنّة المعاصي، وركضوا في ميادين الغي؛ جهلًا باستدراج الله، وأمنًا لمكر الله؛ فأتاهم بأس الله بياتًا وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث، ومُزّقوا كلّ ممزّق، فبعدًا للقوم الظالمين! وأدالنا الله من مروان، وقد غرّه بالله الغرور، أرسل لعدوّ الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه، فظنّ عدوّ الله أن لن نقدر علييه، فنادى حزبه، وجمع مكايده، ورمى بكتائبه؛ فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وشماله، من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله، ومحق ضلاله، وجعل دائرة السوء به، وأحيا شرفنا وعزّنا، وردّ إلينا حقنا وإرثنا.
أيّها الناس؛ إن أمير المؤمنين نصره الله نصرًا عزييزًا، إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة؛ أنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره، وإنما قطعه عن استتمام الكلام بعد أن اسحنفر فييه شدّة الوعك؛ وادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية، فقد أبدلكم الله بمروان عدوّ الرحمن وخليفة الشيطان المتبع للسفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد صلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين، الشاب المتكهّل المتمهل، المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار؛ الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها، بمعالم الهدى، ومناهج التقوى.
فعجّ الناس له بالدعاء. ثم قال: يا أهل الكوفة؛ إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقّنا، حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان، فأحيا بهم حقّنا، وأفلج بهم حجّتنا، وأظهر بهم دولتنا، وأراكم الله ما كنتم تنتظرون، وإليه تتشوّفون، فأظهر فيكم الخليفة من هاشم، وبيّض به وجوهكم، وأدالكم على أهل الشأم، ونقل إليكم السلطان، وعزّ الإسلام، ومنّ عليكم بإمام منحه العدالة، وأعطاه حسن الإيالة. فخذوا ما آتاكم الله بشكر، والزموا طاعتنا، ولا تخدعوا عن أنفسكم فإن الأمر أمركم، وإنّ لكل أهل بيت مصرًا؛ وإنكم مصرنا. ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله إلا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد - وأشار بيده إلى أبي العباس - فاعلموا أنّ هذا الأمر فينا ليس بخارج منّا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم صلى الله عليه والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا.
ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه؛ حتى دخل القصر، وأجلس أبا جعفر ليأخذ البيعة على الناس في المسجد، فلم يزل يأخذها عليهم؛ حتى صلى بهم العصر، ثم صلى بهم المغرب، وجنّهم الليل، فدخل.
وذكر أن داود بن علي وابنه موسى كانا بالعراق أو بغيرها، فخرجا يريدان الشراة فلقيهما أبو العباس يريد الكوفة، معه أخوه أبو جعفر عبد الله بن محمد وعبد الله بن علي وعيسى بن موسى ويحيى بن جعفر بن تمام بن العباس، ونفر من مواليهم بدومة الجندل، فقال لهم داود: أين تريدون؟ وما قصّتكم؟ فقصّ عليه أبو العباس قصّتهم، وأنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها، ويظهروا أمرهم، فقال له داود: يا أبا العباس، تأتي الكوفة وشيخ بني مروان؛ مروان ابن محمد بحرّان مطلٌ على العراق في أهل الشأم والجزيرة، وشيخ العرب يزيد بن عمر بن هبيرة بالعراق في حلبة العرب! فقال أبو الغنائم: من أحبّ الحياة ذلّ، ثم تمثل بقول الأعشى:
فما ميتة إن متها غير عاجز ** بعار إذا ما غالت النفس غولها
فالتفت داود إلى ابنه موسى فقال: صدق والله ابن عمك، فارجع بنا معه نعش أعزّاء أو نمت كرامًا، فرجعوا جميعًا، فكان عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة: إن نفرًا أربعة عشر رجلًا خرجوا من دارهم وأهليهم يطلبون مطالبنا، لعظيم همّهم كبيرة أنفسهم، شديدة قلوبهم.
ذكر بقية الخبر عما كان من الأحداث في سنة اثنتين وثلاثين ومائة
تمام الخبر عن سبب البيعة لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي وما كان من أمره: قال أبو جعفر: قد ذكرنا من أمر أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي ما حضرنا ذكره قبل، عمّن ذكرنا ذلك عنه؛ وقد ذكرنا من أمره وأمر أبي سلمة وسبب عقد الخلافة لأبي العباس أيضًا ما أنا ذاكره؛ وهو أنه لما بلغ أبا سلمة قتل مروان بن محمد إبراهيم الذي كان يقال له الإمام، بدا له في الدعاء إلى ولد العباس وأضمر الدعاء لغيرهم؛ وكان أبو سلمة قد أنزل أبا العباس حين قدم الكوفة مع من قدم معه من أهل بيته في دار الوليد بن سعد في بني أود، فكان أبو سلمة إذا سئل عن الإمام يقول: لا تعجلوا، فلم يزل ذلك من أمره وهو في معسكره بحمّام أعين حتى خرج أبو حميد، وهو يريد الكناسة، فلقي خادمًا لإبراهيم يقال له سابق الخوارزمي، فعرفه، وكان يأتيهم بالشأم فقال له: ما فعل الإمام إبراهيم؟ فأخبره أنّ مروان قتله غيلة، وأن إبراهيم أوصى إلى أخيه أبي العباس، واستخلفه من بعده، وأنه قدم الكوفة ومعه عامّة أهل بيته، فسأله أبو حميد أن ينطلق به إليهم، فقال له سابق: الموعد بيني وبينك غدًا في هذا الموضع، وكره سابق أن يدلّه عليهم إلا بإذنهم، فرجع أبو حميد من الغد إلى الموضع الذي وعد فيه سابقًا، فلقيه، فانطلق به إلى أبي العباس وأهل بيته، فلما دخل عليهم سأل أبو حميد: من الخليفة منهم؟ فقال داود بن علي: هذا إمامكم وخليفتكم - وأشار إلى أبي العباس - فسلم عليه بالخلافة، وقبّل يديه ورجليه، وقال: مرنا بأمرك، وعزّاه بالإمام إبراهيم.
وقد كان إبراهيم بن سلمة دخل عسكر أبي سلمة متنكرًا، فأتى أبا الجهم فاستأمنه، فأخبره أنه رسول أبي العباس وأهل بيته، وأخبره بمن معه وبموضعهم، وأنّ أبا العباس كان سرّحه إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار، يعطيها للجمّال كراء الجمال التي قدم بهم عليها، فلم يبعث بها إليه، ورجع أبو حميد إلى أبي الجهم، فأخبره بحالهم، فمشى أبو الجهم وأبو حميد ومعهما إبراهيم بن سلمة، حتى دخلوا على موسى بن كعب، فقصّ عليه أبو الجهم الخبر، وما أخبره إبراهيم بن سلمة، فقال موسى بن كعب: عجل البعثة إليه بالدّنانير وسرّحه. فانصرف أبو الجهم ودفع الدنانير إلى إبراهيم بن سلمة، وحمله على بغل وسرّح معه رجلين، حتى أدخلاه الكوفة، ثم قال أبو الجهم لأبي سلمة، وقد شاع في العسكر أن مروان بن محمد قد قتل الإمام: فإن كان قد قتل كان أخوه أبو العباس الخليفة والإمام من بعده؛ فردّ عليه أبو سلمة: يا أبا الجهم، اكفف أبا حميد عن دخول الكوفة، فإنهم أصحاب إرجاف وفساد.
فلما كانت الليلة الثانية أتى إبراهيم بن سلمة أبا الجهم وموسى بن كعب، فبلّغهما رسالة من أبي العباس وأهل بيته، ومشى في القوّاد والشيعة تلك الليلة، فاجتمعوا في منزل موسى بن كعب؛ منهم عبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد وعبد الله الطائي وإسحق بن إبراهيم وشراحيل وعبد الله بن بسام وغيرهم من القوّاد. فأتمروا في الدخول إلى أبي العباس وأهل بيته، ثم تسللوا من الغد حتى دخلوا الكوفة وزعيمهم موسى بن كعب وأبو الجهم وأبو حميد الحميري - وهو محمد بن إبراهيم - فانتهوا إلى دار الوليد بن سعد، فدخلوا عليهم، فقال موسى ابن كعب وأبو الجهم: أيّكم أبو العباس؟ فأشاروا إليه، فسلموا عليه وعزّوه بالإمام إبراهيم، وانصرفوا إلى العسكر، وخلّفوا عنده أبا حميد وأبا مقاتل وسليمان بن الأسود ومحمد بن الحصين ومحمد بن الحارث ونهار بن حصين ويوسف بن محمد وأبا هريرة محمد بن فروخ.
فبعث أبو سلمة إلى أبي الجهم فدعاه، وكان أخبره بدخوله الكوفة، فقال: أين كنت يا أبا الجهم؟ قال: كنت عند إمامي، وخرج أبو الجهم فدعا حاجب بن صدّان، فبعثه إلى الكوفة، وقال له: ادخل، فسلّم على أبي العباس بالخلافة، وبعث إلى أبي حميد وأصحابه: إن أتاكم أبو سلمة فلا يدخل إلا وحده؛ فإن دخل وبايع فسبيله ذلك؛ وإلا فاضربوا عنقه؛ فلم يلبثوا أن أتاهم أبو سلمة فدخل وحده، فسلم على أبي العباس بالخلافة، فأمره أبو العباس بالانصراف إلى عسكره، فانصرف من ليلته، فأصبح الناس قد لبسوا سلاحهم، واصطفّوا لخروج أبي العباس، وأتوه بالدوابّ، فركب ومن معه من أهل بيته حتى دخلوا قصر الإمارة بالكوفة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر بيع الآخر. ثم دخل المسجد من دار الإمارة، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر عظمة الربّ تبارك وتعالى وفضل النبي ، وقاد الولاية والوراثة حتى انتهيا إليه، ووعد الناس خيرًا ثم سكت.
وتكلّم داود بن علي وهو على المنبر أسفل من أبي العباس بثلاث درجات، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ، وقال: أيّها الناس، إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله خليفة إلا علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا الذي لخفي. ثم نزلا وخرج أبو العباس، فعسكر بحمام أعين في عسكر أبي سلمة، ونزل معه في حجرته، بينهما ستر، وحاجب أبي العباس يومئذ عبد الله بن بسام. واستخلف على الكوفة وأرضها عمّه داود بن علي، وبعث عمه عبد الله بن علي إلى أبي عون ابن يزيد، وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة، وهو يومئذ بواسط محاصر ابن هبيرة، وبعث يحيى بن جعفر بن تمام ابن عباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن، وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن طريف، وأقام أبو العباس في العسكر أشهرًا ثم ارتحل، فنزل المدينة الهاشميّة في قصر الكوفة، وقد كان تنكّر لأبي سلمة قبل تحوّله حتى عرف ذلك.
ذكر هزيمة مروان بن محمد بموقعة الزاب
وفي هذه السنة هزم مروان بن محمد بالزّاب.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وما كان سببها وكيف كان ذلك
ذكر علي بن محمد أن أبا السري وجبلة بن فرّوخ والحسن بن رشيد وأبا صالح المروزي وغيرهم أخبروه أن أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي وجّهه قحطبة إلى شهرزور من نهاوند، فقتل عثمان بن سفيان، وأقام بناحية الموصل، وبلغ مروان أن عثمان قد قتل، فأقبل من حرّان، فنزل منزلًا في طريقه، فقال: ما اسم هذا المنزل؟ قالوا: بلوى، قال: بل علوى وبشرى. ثم أتى رأس العين، ثم أتى الموصل، فنزل على دجلة، وحفر خندقًا فسار إليه أبو عون، فنزل الزاب، فوجّه أبو سلمة إلى أبي عون عيينة بن موسى والمنهال بن فتّان وإسحاق بن طلحة؛ كلّ واحد في ثلاثة آلاف؛ فلما ظهر أبو العباس بعث سلمة بن محمد في ألفين وعبد الله الطائي في ألف وخمسمائة وعبد الحميد بن ربعي الطائي في ألفين، ووداس بن نضلة في خمسمائة إلى أبي عون. ثم قال: من يسير إلى مروان من أهل بيتي؟ فقال عبد الله بن علي: أنا، فقال: سر على بركة الله، فسار عبد الله بن علي، فقدم على أبي عون، فتحوّل له أبو عون عن سرادقه وخلّاه وما فيه، وصيّر عبد الله بن علي على شرطته حيّاش بن حبيب الطائيي، وعلى حرسه نصير بن المحتفز، ووجّه أبو العباس موسى بن كعب في ثلاثين رجلًا على البريد إلى عبد الله بن علي، فلما كان لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة ثنتين وثلاثين ومائة، سأل عبد الله بن علي عن مخاضة، فدلّ عليها بالزّاب، فأمر عيينة بن موسى فعبر في خمسة آلاف، فانتهى إلى عسكر مروان، فقاتلهم حتى أمسوا، ورفعت لهم النيران فتحاجزوا، ورجع عيينة فعبر المخاضة إلى عسكر عبد الله ابن علي؛ فأصبح مروان فعقد الجسر، وسرّح ابنه عبد الله يحفر خندقًا أسفل من عسكر عبد الله بن علي، فبعث عبد الله بن علي المخارق بن غفار في أربعة آلاف، فأقبل حتى نزل على خمسة أميال من عسكر عبد الله بن علي، فسرّح عبد الله بن مروان إليه الوليد بن معاوية، فلقي المخارق، فانهزم أصحابه، وأسروا، وقتل منهم يومئذ عدّة، فبعث بهم إلى عبد الله، وبعث بهم عبد الله إلى مروان مع الرءوس، فقال مروان: أدخلوا علي رجلًا من الأسارى، فأتوه بالمخارق - وكان نحيفًا - فقال: أنت المخارق؟ فقال: لا، أنا عبد من عبيد أهل العسكر، قال: فتعرف المخارق؟ قال: نعم، قال: فانظر في هذه الرءوس هل تراه؟ فنظر إلى رأس منها، فقال: هو هذا، فخلّى سبيله، فقال رجل مع مروان حين نظر إلى المخارق وهو لا يعرفه: لعن الله أبا مسلم حين جاءنا بهؤلاء يقاتلنا بهم!
قال علي: حدثنا شيخ من أهل خراسان قال: قال مروان للمخارق: تعرف المخارق إن رأيته؟ فإنهم زعموا أنه في هذه الرءوس التي أتينا بها، قال: نعم، قال: اعرضوا عليه تلك الرءوس، فنظر فقال: ما أرى رأسه في هذه الرءوس، ولا أراه إلّا وقد ذهب، فخلّى سبيله. وبلغ عبد الله بن علّ انهزام المخارق، فقال له موسى بن كعب: اخرج إلى مروان قبل أن يصل الفلّ إلى العسكر، فيظهر ما لقي المخارق. فدعا عبد الله بن علي محمد بن صول، فاستخلفه على العسكر، وسار على ميمنته أبو عون، وعلى ميسرة مروان الوليد بن معاوية، ومع مروان ثلاثة آلاف من المحمرة ومعه الذكوانية والصحصحية والرّاشدية، فقال مروان لما التقى العسكران لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: إن زالت الشمس اليوم ولم يقاتلونا كنا الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم؛ وإن قاتلونا قبل الزوال؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأرسل مروان إلى عبد الله بن علي يسأله الموادعة، فقال عبد الله: كذب ابن زريق، ولا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله. فقال مروان لأهل الشأم: قفوا لا تبدءوهم بقتال؛ فجعل ينظر إلى الشمس، فحمل الويد بن معاوية بن مروان وهو ختن مروان على ابنته، فغضب وشتمه. وقاتل ابن معاوية أهل الميمنة، فانحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي، فقال موسى. ابن كعب لعبد الله: مر الناس فلينزلوا، فنودي: الأرض، فنزل الناس، وأشرعوا الرماح، وجثوا على الكرب، فقاتلوهم، فجعل أهل الشأم يتأخّرون كأنهم يدفعون؛ ومشى عبد الله قدمًا وهو يقول: يا ربّ، حتى متى نقتل فيك! ونادى: يا أهل خراسان، يا لثارات إبراهيم! يا محمد، يا منصور! واشتدّ بينهم القتال. وقال مروان لقضاعة: انزلوا، فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا، فأرسل إلى السكاسك أن احملوا، فقالوا: قل لبني عامر فليحملوا، فأرسل إلى السكون أن احملوا، فقالوا: قل لغطفان فليحملوا، فقال لصاحب شرطه: انزل، فقال: لا والله ما كنت لأجعل نفسي غرضًا. قال: أما والله لأسوءنّك، قال: وددت والله أنك قدرت على ذلك. ثم انهزم أهل الشأم، وانهزم مروان، وقطع الجسر؛ فكان من غرق يومئذ أكثر ممن قتل؛ فكان فيمن غرق يومئذ إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع، وأمر عبد الله بن علي فعقد الجسر على الزاب، واستخرجوا الغرقى فأخرجوا ثلثمائة، فكان فيمن أخرجوا إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، فقال عبد الله بن علي: " وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ".
وأقام عبد الله بن علي في عسكره سبعة أيام، فقال رجل من ولد سعيد ابن العاص يعيّر مروان:
لج الفرار بمروان فقلت له ** عاد الظلوم ظلمًا همّه الهرب
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت ** عنك الهوينى فلا دين ولا حسب
فراشة الحلم فرعون العقاب وإن ** تطلب نداه فكلب دونه كلب
وكتب عبد الله بن علي إلى أمير المؤمنين أبي العباس بالفتح، وهرب مروان وحوى عسكر مروان بما فيه، فوجد فيه سلاحًا كثيرًا وأموالًا؛ ولم يجدوا فيه امرأةً إلا جارية كانت لعبد الله بن مروان؛ فلمّا أتى العباس كتاب عبد الله ابن علي صلى ركعتين، ثم قال: " فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر " إلى قوله: " وعلّمه مما يشاء ". وأمر لمن شهد الوقعة بخمسمائة خمسمائة، ورفع أرزاقهم إلى ثمانين.
حدثنا أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، قال: قال عبد الرحمن بن أميّة: كان مروان لما لقيه أهل خراسان لا يدبّر شيئًا إلا كان فيه الخلل والفساد. قال: بلغني أنّه كان يوم انهزم واقفًا، والناس يقتتلون؛ إذ أمر بأموال فأخرجت، وقال للناس: اصبروا وقاتلوا، فهذه الأموال لكم، فجعل ناس من الناس يصيبون من ذلك المال، فأرسلوا إليه: إنّ الناس قد مالوا على هذا المالل، ولا نأمنهم أن يذهبوا به. فأرسل إلى ابنه عبد الله أن سر في أصحابك إلى مؤخّر عسكرك، فاقتل من أخذ من ذلك المال وامنعهم؛ فمال عبد الله برايته وأصحابه، فقال الناس: الهزيمة؛ فانهموا.
حدثنا أحمد بن علي، عن أبي الجارود السلمي، قال: حدثني رجل من أهل خراسان، قال: لقينا مروان على الزاب، فحمل علينا أهل الشأم كأنهم جبال حديد، فجثونا وأشرعنا الرماح، فمالوا عنا كأنهم سحابة، ومنحنا الله أكتافهم، وانقطع الجسر مما يليهم حين عبروا، فبقي عليه رجل من أهل الشأم، فخرج عليه رجل منا، فقتله الشأمي، ثم خرج آخر فقتله؛ حتى والى بين ثلاثة؛ فقال رجل منا: اطلبوا لي سيفًا قاطعًا، وترسًا صلبًا، فأعطيناه، فمشى إليه فضربه الشأمي فاتّقاه بالترس، وضرب رجله فقطعها، وقتله ورجع؛ وحملناه وكبّرنا فإذا هو عبيد الله الكابلي.
وكانت هزيمة مروان بالزّاب - فيما ذكر - صبيحة يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة.
ذكر خبر قتل إبراهيم بن محمد بن علي الإمام
وفي هذه السنة قتل إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
ذكر الخبر عن سبب مقتله
اختلف أهل السير في أمر إبراهيم بن محمد، فقال بعضهم: لم يقتل ولكنه مات في سجن مروان بن محمد بالطاعون.
ذكر من قال ذلك
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم بن خالد ابن يزيد بن هريم. قال: حدثنا أبو هاشم مخلّد بن محمد بن صالح، قال: قدم مروان بن محمد الرقة حين قدمها متوجهًا إلى الضحاك بسعيد بن هشام ابن عبد الملك وابنيه عثمان ومروان؛ وهم في وثاقهم معه؛ فسرّح بهم إلى خليفته بحرّان، فحبسهم في حبسها، ومعهم إبراهيم بن علي بن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز والعباس بن الوليد وأبو محمد السفياني - وكان يقال له البيطار -، فهلك في سجن حرّان منهم في وباء وقع بحرّان العباس ابن الوليد وإبراهيم بن محمد وعبد الله بن عمر. قال: فلما كان قبل هزيمة مروان من الزاب يوم هزمه عبد الله بن علي بجمعة، خرج سعيد بن هشام ومن معه من المحبسين، فقتلوا صاحب السجن، وخرج فيمن معه، وتخلف أبو محمد السفياني في الحبس، فلم يخرج فيمن خرج، ومعه غيره لم يستحلّوا الخروج من الحبس، فقتل أهل حرّان ومن كان فيها من الغوغاء سعيد ابن هشام وشراحيل بن مسلمة بن عبد الملك وعبد الملك بن بشر التغلبي، وبطريق أرمينية الرابعة - وكان اسمه كوشان - بالحجارة، ولم يلبث مروان بعد قتلهم إلا نحوًا من خمس عشرة ليلة؛ حتى قدم حرّان منهزمًا من الزاب، فخلّى عن أبي محمد ومن كان في حبسه من المحبّسين.
وذكر عمر أن عبد الله بن كثير العبدي حدثه عن علي بن موسى، عن أبيه، قال: هدم مروان على إبراهيم بن محمد بيتًا فقتله.
قال عمرو: وحدثني محمد بن معروف بن سويد، قال: حدثني أبي عن المهلهل بن صفوان - قال عمر: ثم حدثني المفضّل بن جعفر بن سليمان بعده؛ قال: حدثني المهلهل بن صفوان - قال: كنت أخدم إبراهيم بن محمد في الحبس؛ وكان معه في الحبس عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وشراحيل بن مسلمة بن عبد الملك فكانوا يتزاورون، وخصّ الذي بين إبراهيم وشراحيل فأتاه رسوله يومًا بلبن، فقال: يقول لك أخوك: إنّي شربت من هذا اللبن فاستطبته فأحببت أن تشرب منه، فتناوله فشرب فتوصّب من ساعته وتكسر جسده، وكان يومًا يأتي فيه شراحيل، فأبطأ عليه، فأرسل إليه: جعلت فداك! قد أبطأت فما حبسك؟ فأرسل إليه: إني لما شربت اللبن الذي أرسلته إلي أخلفني، فأتاه شراحيل مذعورًا وقال: لا والله الذي لا إله إلا هو؛ ما شربت اليوم لبنًا، ولا أرسلت به إليك، فإنا لله وإنا إليه راجعون! احتيل لك والله. قال: فوالله ما بات إلّا ليلته وأصح من غد ميتًا؛ فقال إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر ابن هرمة بن هذيل بن الربيع بن عامر بن صبيح بن عدي بن قيس - وقيس هو ابن الحارث بن فهر - يرثيه:
قد كنت أحسبني جلدًا فضعضعني ** قبر بحرّان فيه عصمة الدين
فيه الإمام وخير الناس كلهم ** بين الصفائح والأحجار والطين
فيه الإمام الذي عمّت مصيبته ** وعيّلت كل ذي مال ومسكين
فلا عفا الله عن مروان مظلمة ** لكن عفا الله عمّن قال آمين
ذكر الخبر عن قتل مروان بن محمد
وفي هذه السنة قتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم.
ذكر الخبر عن مقتله وقتاله من قاتله من أهل الشأم في طريقه وهو هارب من الطلب
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم، قال: حدثني أبو هاشم مخلد بن محمد، قال: لما انهزم مروان من الزاب كنت في عسكره. قال: كان لمروان في عسكره بالزّاب عشرون ومائة ألف؛ كان في عسكره ستون ألفًا، وكان في عسكر ابنه عبد الله مثل ذلك، والزّاب بينهم، فلقيه عبد الله بن علي فيمن معه وأبي عون وجماعة قوّاد، منهم حميد بن قحطبة؛ فلما هزموا سار إلى حرّان وبها أبان بن يزيد بن محمد بن مروان، ابن أخيه عامله عليها، فأقام بها نيّفًا وعشرين يومًا. فلما دنا منه عبد الله بن علي حمل أهله وولده وعياله، ومضى منهزمًا، وخلّف بمدينة حرّان أبان ابن يزيد؛ وتحته ابنة لمروان يقال لها أمّ عثمان، وقدم عبد الله بن علي، فتلقاه أبان مسوّدًا مبايعًا له، فبايعه ودخل في طاعته، فآمنه ومن كان بحرّان والجزيرة. ومضى مروان حتى مرّ بقنّسرين وعبد الله بن علي متبع له. ثم مضى من قنّسرين إلى حمص، فتلقاه أهلها بالأسواق وبالسمع والطاعة فأقام بها يومين أو ثلاثة، ثم شخص منها؛ فلما رأوا قلة من معه طمعوا فيه، وقالوا: مرعوب منهزم، فاتّبعوه بعد ما رحل عنهم؛ فلحقوه على أميال، فلما رأى غبرة خيلهم أكمن لهم في واديين قائدين من مواليه، يقال لأحدهما يزيد والآخر مخلّد؛ فلما دنوا منه وجازوا الكمينين ومضى الذراري صافّهم فيمن معه وناشدهم، فأبوا إلا مكاثرته وقتاله، فنشب القتال بينهم؛ وثار الكمينان من خلفهم؛ فهزمهم وقتلتهم خيله حتى انتهوا إلى قريب من المدينة.
قال: ومضى مروان حتى مر بدمشق، وعليها الوليد بن معاوية بن مروان؛ وهو ختن لمروان، متزوج بابنة له يقال لها أمّ الوليد، فمضى وخلفه بها حتى قدم عبد الله بن علي عليه، فحاصره أيامًا، ثم فتحت المدينة، ودخلها عنوة معترضًا أهلها. وقتل الوليد بن معاوية فيمن قتل، وهدم عبد الله بن علي حائط مدينتها. ومرّ مروان بالأردنّ، فشخص معه ثعلبة ابن سلامة العاملي، وكان عامله عليها، وتركها ليس عليها وال، حتى قدم عبد الله بن علي فولى عليها، ثم قدم فلسطين وعليها من قبله الرماحس بن عبد العزيز. فشخص به معه؛ ومضى حتى قدم مصر، ثم خرج منها حتى نزل منزلًا منها يقال له بوصير؛ فبيّته عامر بن إسماعيل وشعبة ومعهما خيل أهل الموصل فقتلوه بها، وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان ليلة بيّت مروان إلى أرض الحبشة، فلقوا من الحبشة بلاء وقاتلتهم الحبشة، فقتلوا عبيد الله، وأفلت عبد الله في عدّة ممن معه؛ وكان فيهم بكر بن معاوية الباهلي، فسلم حتى كان في خلافة المهدي، فأخذه نصر بن محمد بن الأشعث عامل فلسطين، فبعث به إلى المهدي.
وأما علي بن محمد؛ فإنه ذكر أن بشر بن عيسى والنعمان أبا السري ومحرز بن إبراهيم وأبا صالح المروزي وعمارة مولى جبريل أخبروه أنّ مروان لقي عبد الله بن علي في عشرين ومائة ألف وعبد الله في عشرين ألفًا.
وقد خولف هؤلاء في عدد من كان مع عبد الله بن علي يومئذ. فذكر مسلم بن المغيرة، عن مصعب بن الربيع الخثعمي وهو أبو موسى ابن مصعب - وكان كاتبًا لمروان - قال: لما انهزم مروان، وظهر عبد الله بن علي على الشأم، طلبت الأمان فآمنني، فإني يومًا جالس عنده؛ وهو متّكىء إذ ذكر مروان وانهزامه، قال: أشهدت القتال؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير! فقال: حدثني عنه؛ قال: قلت: لما كان ذلك اليوم قال لي: احزر القوم، فقلت: إنما أنا صاحب قلم؛ ولست صاحب حرب؛ فأخذ يمنة ويسرة ونظر فقال: هم اثنا عشر ألفًا، فجلس عبد الله، ثم قال: ما له قاتله الله! ما أحصى الديوان يومئذ فضلًا على اثني عشر ألف رجل!.
رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد عن أشياخه: فانهزم مروان حتى أتى مدينة الموصل؛ وعليها هشام بن عمرو التغلبي وبشر بن خزيمة الأسدي، وقطعوا الجسر، فناداهم أهل الشأم: هذا مروان، قالوا: كذبتم، أمير المؤمنين لا يفرّ، فسار إلى بلد، فعبر دجلة، فأتى حرّان ثم أتى دمشق، وخلّف بها الوليد بن معاوية، وقال: قاتلهم حتى يجتمع أهل الشأم. ومضى مروان حتى أتى فلسطين، فنزل نهر أبي فطرس، وقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي، فأرسل مروان إلى عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع، فأجازه، وكان بيت المال في يد الحكم. وكتب أبو العباس إلى عبد الله بن علي يأمره باتباع مروان، فسار عبد الله إلى الموصل، فتلقاه هشام بن عمرو التغلبي وبشر بن خزيمة. وقد سوّدا في أهل الموصل، ففتحوا له المدينة، ثم سار إلى حرّأن، وولّى الموصل محمد بن صول؛ فهدم الدار التي حبس فيها إبراهيم ابن محمد، ثم سار من حرّان إلى منبج وقد سوّدوا، فنزل منبج وولاها أبا حميد المروروذي، وبعث إليه أهل قنّسرين ببيعتهم إياه بما أتاه به عنهم أبو أمية التغلبي. وقدم عليه عبد الصمد بن علي، أمده به أبو العباس في أربعة آلاف، فأقام يومين بعد قدوم عبد الصمد، ثم سار إلى قنسرين، فأتاها وقد سوّد أهلها، فأقام يومين، ثم سار حتى نزل حمص، فأقام بها أيّامًا وبايع أهلها، ثم سار إلى بعلبكّ فأقام يومين ثم ارتحل؛ فنزل بعين الحرّ، فأقام يومين ثم ارتحل، فنزل مزّة قرية من قرى دمشق فأقام. وقدم علييه صالح بن علي مددًا، فنزل مرج عذراء في ثمانية آلاف، معه بسام بن إبراهيم وخفّاف وشعبة والهيثم بن بسام. ثم سار عبد الله بن علي، فنزل علي الباب الشرقي، ونزل صالح بن علي علي باب الجابية، وأبو عون على باب كيسان، وبسام على باب الصغير، وحميد بن قحطبة على باب توما، وعبد الصمد ويحيى بن صفوان والعباس بن يزيد على باب الفراديس - وفي دمشق الوليد بن معاوية - فحصروا أهل دمشق والبلقاء، وتعصّب الناس بالمدينة، فقتل بعضهم بعضًا، وقتلوا الوليد، ففتحوا الأبواب يوم الأربعاء لعشر مضين من رمضان سنة ثنتين وثلاثين ومائة، فكان أوّل من صعد سور المدينة من الباب الشرقي عبد الله الطائي، ومن قبل باب الصغير بسّام بن إبراهيم، فقاتلوا بها ثلاث ساعات، وأقام عبد الله بن علي بدمشق خمسة عشر يومًا، ثم سار ييريد فلسطين، فنزل نهر الكسوة، فوجّه منها يحيى بن جعفر الهاشمي إلى المدينة، ثم ارتحل إلى الأردنّ، فأتوه وقد سوّدوا، ثم نزل بيسان، ثم سار إلى مرج الروم، ثم أتى نهر أبي فطرس، وقد هرب مروان، فأقام بفلسطين، وجاءه كتاب أبي العباس؛ أنْ وجه صالح بن علي في طلب مروان، فسار صالح بن علي من نهر أبي فطرس في ذلك القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائة؛ ومعه ابن فتان وعامر بن إسماعيل وأبو عون، فقدّم صالح ابن علي أبا عون على مقدّمته وعامر بن إسماعيل الحارثي، وسار فنزل الرملة، ثم سار فنزلوا ساحل البحر، وجمع صالح بن علي السفن وتجهز يريد مروان، وهو بالفرماء، فسار على الساحل والسفن حذاءه في البحر؛ حتى نزل العريش.
وبلغ مروان فأحرق ما كان حوله من علف وطعام وهرب، ومضى صالح ابن علي فنزل الليل، ثم سار حتى نزل الصعيد. وبلغه أن خيلًا لمروان بالساحل يحرقون الأعلاف، فوجّه إليهم قوّادًا، فأخذوا رجالًا، فقدموا بهم على صالح وهو بالفسطاط، فعبر مروان النيل، وقطع الجسر، وحرق ما حوله، ومضى صالح يتبعه، فالتقى هو وخيل لمروان على النيل فاقتتلوا، فهزمهم صالح، ثم مضى إلى خليج، فصادف عليه خيلًا لموان، فأصاب منهم طرفًا وهزمهم، ثم سار إلى خليج آخر فعبروا، ورأوا رهجًا فظنوه مروان، فبعث طليعة عليها الفضل بن دينار ومالك ابن قادم، فلم يلقوا أحدًا ينكرونه، فرجعوا إلى صالح فارتحل، فنزل موضعًا يقال له ذات الساحل؛ ونزل فقدم أبو عون عامر بن إسماعيل الحارثي، ومعه شعبة بن كثير المازني، فلقوا خيلًا لمروان وافوهم، فهزموهم وأسروا منهم رجالًا، فقتلوا بعضهم، واستحيوا بعضًا، فسألوا عن مروان فأخبروهم بمكانه، على أن يؤمنوهم، وساروا فوجدوه نازلًا في كنيسة في بوصير، ووافوهم في آخر الليل، فهرب الجند وخرج إليهم مروان في نفرٍ يسير، فأحاطوا به فقتلوه.
قال علي: وأخبرني إسماعيل بن الحسن، عن عامر بن إسماعيل قال: لقينا مروان ببوصير ونحن في جماعة يسيرة فشدوا علينا، فانضوينا إلى نخل ولو يعلمون بقلّتنا لأهلوكنا، فقلت لمن معي من أصحابي: فإن أصبحنا فرأوا قلّتنا وعددنا لم ينج منا أحد؛ وذكرت قول بكير بن ماهان: أنت والله تقتل مروان؛ كأني أسمعك، تقول " دهيد ياجونكثان "؛ فكسرت جفن سيفي، وكسر أصحابي جفون سيوفهم، وقلت: " دهيد ياجونكثان "؛ فكأنها نار صبّت عليهم، فانهزموا وحمل رجل على مروان فضربه بسيفه فقتله. وركب عامر بن إسماعيل إلى صالح بن علي، فكتب صالح بن علي إلى أمير المؤمنين أبي العباس: إنّا اتّبعنا عدوّ الله الجعدي حتى ألجأناه إلى أرض عدوّ الله شبيهه فرعون، فقتلته بأرضه.
قال علي: حدثنا أبو طالب الأنصاري، قال: طعن مروان رجلٌ من أهل البصرة - يقال له المغود، وهو لا يعرفه - فصرعه، فصاح صائح: صرع أمير المؤمنين، وابتدروه، فسبق إليه رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان، فاحتزّ رأسه، فبعث عامر بن إسماعيل برأس مروان إلى أبي عون، فبعث بها أبو عون إلى صالح بن علي، وبعث صالح برأسه مع يزيد بن هانىء - وكان على شرطه - إلى أبي العباس يوم الأحد، لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثنتين وثلاثين ومائة، ورجع صالح إلى الفسطاط، ثم انصرف إلى الشأم، فدفع الغنائم إلى أبي عون، والسلاح والأموال والرّقيق إلى الفضل بن دينار، وخلّف أبا عون على مصر.
قال علي: وأخبرنا أبو الحسن الخراساني، قال: حدثنا شيخ من بكر ابن وائل، قال: إني لبدير قنّي مع بكير بن ماهان ونحن نتحدث؛ إذ مرّ فتىً معه قربتان؛ حتى انتهى إلى دجلة، فاستقى ماء، ثم رجع فدعاه بكير، فقال: ما اسمك يا فتى؟ قال: عامر، قال: ابن من؟ قال: ابن إسماعيل، من بلحارث، قال: وأنا من بلحارث، قال: فكن من بني مسلية، قال: فأنا منهم، قال: فأنت والله تقتل مروان، لكأني والله أسمعك تقول: " يا جوانكثان دهيد ".
قال علي: حدثنا الكناني، قال: سمعت أشياخنا بالكوفة يقولون: بنو مسلية قتلة مروان.
وقتل مروان يوم قتل وهو ابن اثنتين وستين سنة في قول بعضهم، وفي قول آخرين: وهو ابن تسع وستين، وفي قول آخرين: وهو ابن ثمان وخمسين.
وقتل يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة، وكانت ولايته من حين بويع إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وستة عشر يومًا، وكان يكنى أبا عبد الملك. وزعم هشام بن محمد أن أمه كانت أم ولد كرديّة.
وقد حدثني أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، عن علي بن مجاهد وأبي سنان الجهني، قالا: كان يقال: إنّ أم مروان بن محمد كانت لإبراهيم بن الأشتر؛ أصابها محمد بن مروان بن الحكم يوم قتل ابن الأشتر، فأخذها من ثقله وهي تتنيّق، فولدت مروان على فراشه، فلما قام أبو العباس دخل عليه عبد الله بن عيّاش المنتوف، فقال: الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع ابن عمّ رسول الله وابن عبد المطلب.
وفي هذه السنة قتل عبد الله بن علي من قتل بنهر أبي فطرس من بني أمية، وكانوا اثنين وسبعين رجلًا.
وفيها خلع أبو الورد أبا العباس بقنّسرين؛ فبيّض وبيّضوا معه.
ذكر الخبر عن تبيض أبي الورد وما آل إليه أمره وأمر من بيض معه
وكان سبب ذلك - فيما حدثني أحمد بن زهير - قال: حدثني عبد الوهاب ابن إبراهيم، قال: حدثني أبو هاشم مخلد بن محمد بن صالح، قال: كان أبو الورد - واسمه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي، من أصحاب مروان وقوّاده وفرسانه - فلما هزم مروان، وأبو الورد بقنّسرين، قدمها عبد الله بن علي فبايعه ودخل فيما دخل فيه جنده من الطاعة. وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قوّاد عبد الله ابن علي من الأزار مردين في مائة وخمسين فارسًا، فبعث بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم، فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد، فخرج من مزرعة يقال لها زرّاعة بني زفر - ويقال لها خساف - في عدّة من أهل بيته؛ حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل في حصن مسلمة؛ فقاتله حتى قتله ومن معه، وأظهر التبييض والخلع لعبد الله بن علي، ودعا أهل قنّسرين إلى ذلك، فبيّضوا بأجمعهم، وأبو العباس يومئذ بالحيرة وعبد الله بن علي يومئذ مشتغل بحرب حبيب بن مرّة المرّي، فقاتله بأرض البلقاء والبثنيّة وحوران. وكان قد لقيه عبد الله بن علي في جموعه فقاتلهم وكان بينه وبينهم وقعات؛ وكان من قوّاد مروان وفرسانه. وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وعلى قومه، فبايعته قيس وغيرهم ممن يليهم من أهل تلك الكور؛ البثنية وحوران. فلما بلغ عبد الله بن علي تبييضهم، دعا حبيب بن مرّة إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن معه، وخرج متوجّهًا نحو قنّسرين للقاء أبي الورد، فمرّ بدمشق، فخلف فيها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف رجل من جنده؛ وكان بدمشق يومئذ امرأة عبد الله بن علي أمّ البنين بنت محمد بن عبد المطلب النوفليّة أخت عمرو بن محمد، وأمهات أولاد لعبد الله وثقل له. فلما قدم حمص في وجهه ذلك انتقض عليه بعده أهل دمشق فبيّضوا، ونهضوا مع عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي. قال: فلقوا أبا غانم ومن معه، فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وانتهبوا ما كان عبد الله بن علي خلّف من ثقله ومتاعه؛ ولم يعرضوا لأهله، وبيّض أهل دمشق واستجمعوا على الخلاف، ومضى عبد الله بن علي - وقد كان تجمّع مع أبي الورد جماعة أهل قنّسرين، وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، وقدمهم ألوف، عليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا عليهم أبا محمد، ودعوا إليه وقالوا: هو السفياني الذي كان يذكر وهم في نحو من أربعين ألفًا - فلما دنا منهم عبد الله بن علي وأبو محمد معسكر في جماعته بمرج يقال له مرج الأخرم - وأبو الورد المتولي لأمر العسكر والمدبّر له وصاحب القتال والوقائع - وجّه عبد الله أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف من فرسان من معه؛ فناهضهم أبو الورد، ولقيهم فيما بين العسكرين، واشتجر القتل فيما بين الفريقين وثبت القوم، وانكشف عبد الصمد ومن معه، وقتل منهم يومئذ ألوف، وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بن قحطبة وجماعة من معه من القوّاد، فالتقوا ثانية بمرج الأخرم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وانكشف جماعة ممّن كان مع عبد الله، ثم ثابوا، وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم، وثبت أبو الورد في ينحو من خمسمائة من أهل بيته وقومه، فقتلوا جميعًا، وهرب أبو محمد ومن معه من الكلبيّة حتى لحقوا بتدمر، وآمن عبد الله أهل قنّسرين، وسوّدوا وبايعوه، ودخلوا في طاعته؛ ثم انصرف راجعًا إلى أهل دمشق، لما كان من تبييضهم عليه، وهزيمتهم أبا غانم. فما دنا من دمشق هرب الناس وتفرقوا، ولم يكن بينهم وقعة، وآمن عبد الله أهلها، وبايعوه ولم يأخذهم بما كان منهم.
قال: ولم يزل أبو محمد متغيبًا هاربًا؛ ولحق بأرض الحجاز. وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر مكانه الذي تغيّب فيه، فوجّه إليه خيلًا، فقاتلوه حتى قتل، وأخذ ابنين له أسيرين، فبعث زياد برأس أبي محمد وابنيه إلى أبي جعفر أمير المؤمنين، فأمر بتخلية سبيلهما وآمنهما.
وأما علي بن محمد فإنه ذكر أنّ النعمان أبا السري حدثه وجبلة بن فرّوخ وسليمان بن داود وأبو صالح المروزي. قالوا: خلع أبو الورد بقنّسرين، فكتب أبو العباس إلى عبد الله بن علي وهو بفطرس أن يقاتل أبا الورد، ثم وجّه عبد الصمد إلى قنّسرين في سبعة آلاف، وعلى حرسه مخارق بن غفار، وعلى شرطه كلثوم بن شبيب؛ ثم وجّه بعده ذؤيب بن الأشعث في خمسة آلاف، ثم جعل يوجه الجنود، فلقي عبد الصمد أبا الورد في جمع كثير، فانهزم الناس عن عبد الصمد حتى أتوا حمص؛ فبعث عبد الله بن علي العباس بن يزيد بن زياد ومروان الجرجاني وأبا المتوكل الجرجاني؛ كلّ رجل في أصحابه إلى حمص؛ وأقبل عبد الله بن علي بنفسه، فنزل على أربعة أميال من حمص - وعبد الصمد بن علي بحمص - وكتب عبد الله إلى حميد ابن قحطبة، فقدم عليه من الأردنّ، وبايع أهل قنسرين لأبي محمد السفياني زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية وأبو الورد بن.. وبايعه الناس، وأقام أربعين يومًا، وأتاهم عبد الله بن علي ومعه عبد الصمد وحميد بن قحطبة، فالتقوا فاقتتلوا أشدّ القتال بينهم، واضطرهم أبو محمد إلى شعب ضيّق، فجعل الناس يتفرّقون، فقال حميد بن قحطبة لعبد الله بن علي: علام نقيم؟ هم يزيدون وأصحابنا ينقصون! ناجزهم؛ فاقتتلوا يوم الثلاثاء في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وعلى ميمنة أبي محمد أبو الورد وعلى مييسرته الأصبغ بن ذؤالة، فجرح أبو الورد، فحمل إلى أهله فمات. ولجأ قوم من أصحاب أبي الورد إلى أجمة فأحرقوها عليهم؛ وقد كان أهل حمص نقضوا، وأرادوا إيثار أبي محمد؛ فلما بلغهم هزيمته أقاموا.
ذكر خبر خلع حبيب بن مرة المري
وفي هذه السنة خلع حبيب بن مرّة المرّي وبيّض هو ومن معه من أهل الشأم.
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي عن شيوخه، قال: بيّض حبيب بن مرّة المري وأهل البثنيّة وحوران، وعبد الله بن علي في عسكر أبي الورد الذي قتل فيه.
وقد حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد، قال: كان تبييض حبيب بن مرة وقتاله عبد الله بن علي قبل تبييض أبي الورد، وإنما بيّض أبو الورد وعبد الله مشتغل بحرب حبيب بن مرة المري بأرض البلقاء أو البثنية وحوران، وكان قد لقيه عبد الله بن علي في جموعه فقاتله، وكان بينه وبينه وقعات، وكان من قوّاد مروان وفرسانه؛ وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه، فبايعه قيس وغيرهم ممّن يليهم من أهل تلك الكور؛ البثنية وحوران، فلما بغل عبد الله ابن علي تبييض أهل قنّسرين، دعا حبيب بن مرّة إلى الصلح فصالحه، وآمنه ومن معه، وخرج متوجهًا إلى قنّسرين للقاء أبي الورد.
ذكر خبر تبييض أهل الجزيرة وخلعهم أبا العباس
وفي هذه السنة بيّض أيضًا أهل الجزيرة وخلعوا أبا العباس.
ذكر الخبر عن أمرهم وما آل إليه حالهم فيه
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد، قال: كان أهل الجزيرة بيّضوا ونقضوا؛ حيث بلغهم خروج أبي الورد وانتقاض أهل قنّسرين، وساروا إلى حرّان، وبحرّان يومئذ موسى بن كعب في ثلاثة آلاف من الجند، فتشبّث بمدينتها، وساروا إليه مبيّضين من كلّ وجه، وحاصروه ومن معه؛ وأمرهم مشتت؛ ليس عليهم رأس يجمعهم.
وقدم على تفيئة ذلك إسحاق بن مسلم من أرمينية - وكان شخص عنها حين بلغه هزيمة مروان - فرأسه أهل الجزيرة عليهم. وحاصر موسى بن كعب نحوًا من شهرين، ووجّه أبو العباس أبا جعفر فيمن كان معه من الجنود التي كانت بواسط محاصرة ابن هبيرة، فمضى حتى مرّ بفرقيسيا وأهلها مبيّضون، وقد غلّقوا أبوابها دونه. ثم قدم مدينة الرقة وهم على ذلك، وبها بكار بن مسلم، فمضى نحو حرّان، ورحل إسحاق بن مسلم إلى الرهاء - وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وخرج موسى بن كعب فيمن معه من مدينة حرّان، فلقوا أبا جعفر. وقدم بكار على أخيه إسحاق بن مسلم، فوجّهه إلى جماعة ربيعة بدارا وماردين - ورئيس ربيعة يومئذ رجل من الحروريّة يقال له بريكة - فصمد إليه أبو جعفر، فلقيهم فقاتلوه بها قتالًا شديدًا، وقتل بريكة في المعركة، وانصرف بكار إلى أخيه إسحاق بالرهاء فخلفه إسحاق بها، ومضى في عظم العسكر إلى سميساط، فخندق على عسكره. وأقبل أبو جعفر في جموعه حتى قابله بكار بالرّهاء؛ وكانت بينهما وقعات.
وكتب أبو العباس إلى عبد الله بن علي في المسير بجنوده إلى إسحاق بسميساط، فأقبل من الشأم حتى نزل بإزاء إسحاق بسميساط؛ وهم في ستين ألفًا أهل الجزيرة جميعها، وبينهما الفرات، وأقبل أبو جعفر من الرهاء فكاتبهم إسحاق وطلب إليهم الأمان، فأجابوا إلى ذلك وكتبوا إلى أبي العباس، فأمرهم أن يؤمنوه ومن معه، ففعلوا وكتبوا بينهم كتابًا، ووثقوا له فيه، فخرج إسحاق إلى أبي جعفر، وتمّ الصلح بينهما؛ وكان عنده من آثر أصحابه. فاستقام أهل الجزيرة وأهل الشأم، وولّى أبو العباس أبا جعفر الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، فلم يزل على ذلك حتى استخلف.
وقد ذكر أن إسحاق بن مسلم العقيلي هذا أقام بسمييساط سبعة أشهر، وأبو جعفر محاصره، وكان يقول: في عنقي بيعة، فأنا لا أدعها حتى أعلم أنّ صاحبها قد مات أو قتل. فأرسل إليه أبو جعفر: إنّ مروان قد قتل، فقال: حتى أتيقن، ثم طلب الصلح، وقال: قد علمت أن مروان قد قتل، فآمنه أبو جعفر وقد قيل: إن عبد الله بن علي هو الذي آمنه.
ذكر خبر شخوص أبي جعفر إلى خراسان
وفي هذه السنة شخص أبو جعفر إلى أبي مسلم بخراسان لاستطلاع رأيه في قتل أبي سلمة حفص بن سليمان.
ذكر الخبر عن سبب مسير أبي جعفر في ذلك وما كان من أمره وأمر أبي مسلم في ذلك
قد مضى ذكري قبل أمر أبي سلمة، وما كان من فعله فيي أمر أبي العباس ومن كان معه من بني هاشم عند قدومهم الكوفة، الذي صار به عندهم متّهمًا؛ فذكر علي بن محمد أنّ جبلة بن فرّوخ قال: قال يزيد بن أسيد: قال أبو جعفر: لما ظهر أبو العباس أمير المؤمنين سمرنا ذات ليلة، فذكرنا ما صنع أبو سلمة، فقال رجل منا: ما يدريكم، لعلّ ما صنع أبو سلمة كان عن رأي أبي مسلم! فلم ينطق منّا أحد، فقال: أمير المؤمنين أبو العباس: لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم إنا لبعرض بلاء؛ إلّا أن يدفعه الله عنّا. وتفرّقنا. فأرسل إلي أبو العباس، فقال: ما ترى؟ فقلت: الرأي رأيك، فقال: ليس منا أحد أخص بأبي مسلم منك، فاخرج إليه حتى تعلم ما رأيه، فليس يخفى عليك؛ فلو قد لقيته، فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا، وإن لم يكن عن رأيه طابت أنفسنا.
فخرجت على وجل؛ فلما انتهيت إلى الري، إذا صاحب الري قد أتاه كتاب أبي مسلم: إنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجّه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعة قدومه عليك. فلما قدمت أتاني عامل الري فأخبرني بكتاب أبي مسلم، وأمرني بالرّحيل، فازددت وجلًا، وخرجت من الري وأنا حذرٌ خائف فسرت؛ فلما كنت بنيسابور إذا عاملها قد أتاني بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تدعه يقيم، فإن أرضك أرض خوارج ولا آمن عليه. فطابت نفسي وقلت: أراه يعنى بأمري. فسرت، فلما كنت من مرو على فرسخين، تلقاني أبو مسلم في الناس، فلما دنا منّي أقبل يمشيإلي؛ حتى قبّل يدي، فقلت: اركب، فركب فدخل مرو، فنزلت دارًا فمكثت ثلاثة أيام، لا يسألني عن شيء، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته، فقال: فعلها أبو سلمة! أكفيكموه! فدعا مرّارا ابن أنس الضبي، فقال: انطلق إلى الكوفة، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته؛ وانته في ذلك إلى رأي الإمام. فقدم مرار الكوفة؛ فكان أبو سلمة يسمر عند أبي العباس، فقعد في يطريقه، فلما خرج قتله فقالوا: قتله الخوارج.
قال علي: فحدثني شيخ من بني سليم، عن سالم، قال: صحبت أبا جعفر من الري إلى خراسان، وكنت حاجبه، فكان أبو مسلم يأتيه فينزل على باب الدار ويجلس في اعلدهليز، ويقول: استأذن لي، فغضب أبو جعفر علي، وقال: ويلك! إذا رأيته فافتح له الباب، وقل له يدخل على دابته. ففعلت وقلت لأبي مسلم: إنه قال كذا وكذا، قال: نعم، أعلم، واستأذن لي عليه.
وقد قيل: إنّ أبا العباس قد كان تنكّر لأبي سلمة قبل ارتحاله من عسكره بالنخيلة، ثم تحوّل عنه إلى المدينة الهاشميّة، فنزل قصر الإمارة بها، وهو متنكر له، قد عرف ذلك منه، وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه، وما كان همّ به من الغشّ، وما يتخوّف منه، فكتب أبو مسلم إلى أمير المؤمنين: إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله؛ فقال داود بن علي لأبي العبااس: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فيحتجّ عليك بها أبو مسلم وأهل خراسان الذين معك، وحاله فيهم حاله؛ ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله، فكتب إلى أبي مسلم بذلك، فبعث بذلك أبو مسلم مرّار بن أنس الضبي، فقدم على أبي أبي العباس في المدينة الهاشميّة، وأعلمه سبب قدومه، فأمر أبو العباس مناديًا فنادى: إن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة ودعاه وكساه، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلةً، فلم يزل عنده حتى ذهب عامّة الليل، ثم خرج منصرفًا إلى منزله يمشي وحده؛ حتى دخل الطاقات، فعرض له مرّار بن أنس ومن كان معه من أعوانه فقتلوه، وأغلقت أبواب المدينة، وقالوا: قتل الخوارج أبا سلمة. ثم أخرج من الغد؛ فصلى عليه يحيى بن محمد بن علي، ودفن في المدينة الهاشميّة، فقا سليمان بن المهاجر البجلي:
إن الوزير وزير آل محمد ** أودى فمن يشناك كان وزيرا
وكان يقال لأبي سلمة: وزير آل محمد، ولأبس مسلم: أمين آل محمد. فلما قتل أبو سلمة وجّه أبو العباس أخاه أبا جعفر في ثلاثين رجلًا إلى أبي مسلم؛ فيهم الحجاج بن أرطاة وإسحاق بن الفضل الهاشمي.
ولما قدم أبو جعفر على أبي مسلم سايره عبيد الله بن الحسين الأعرج وسليمان بن كثير معه، فقال سليمان بن كثير للأعرج: يا هذا؛ إنا كنّا نرجو أن يتمّ أمركم؛ فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون، فظنّ عبيد الله أنه دسيس من أبي مسلم، فخاف ذلك. وبلغ أبا مسلم مسايرة سليمان بن كثير إياه، وأتى عبيد الله أبا مسلم، فذكر له ما قال سليمان، وظنّ أنه إن لم يفعل ذلك اغتاله فقتله، فبعث أبو مسلم إلى سليمان بن كثير، فقال له: أتحفظ قول الإمام لي: من اتهمته فاقتله؟ قال: نعم، قال: فإني قد اتّهمتك، فقال: أنشدك الله! قال: لا تناشدني الله وأ، ت منطوٍ على غشّ الإمام؛ فأمر بضرب عنقه. ولم ير أحدًا ممن كان يضرب عنقه أبو مسلم غيره، فانصرف أبو جعفر من عند أبي مسلم، فقال لأبي العباس: لست خليفة ولا أمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله، قال: وكيف؟ قال: والله ما يصنع إلا ما أراد، قال أبو العباس: اسكت فاكتمها.
ذكر الخبر عن حرب يزيد بن عمر بن هبيرة بواسط
وفي هذه السنة وجّه أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط لحرب يزيد بن عمر بن هبيرة؛ وقد ذكرنا ما ككان من أمر الجيش الذين لقوه من أهل خراسان مع قحطبة، ثم مع ابنه الحسن بن قحطبة وانهزامه ولحاقه بمن معه من جنود الشأم بواسط متحصّنًا بها؛ فذكر علي بن محمد عن أبي عبد الله السلمي عن عبد الله بن بدر وزهير بن هنيد وبشر بن عيسى وأبي السري أنّ ابن هبيرة لما انهزم تفرّق الناس عنه، وخلّف على الأثقال قومًا، فذهبوا بتلك الأموال فقال له حوثرة: أين تذهب وقد قتل صاحبهم! امض إلى الكوفة ومعك جند كثير، فقاتلهم حتى تقتل أو تظفر، قال: بل نأتي واسطًا فننظر، قال: ما تزيد على أن تمكّنه من نفسك وتقتل، فقال له يحيى بن حضين: إنك لا تأتي مروان بشيء أحبّ إليه من هذه الجنود، فالزم الفرات حتى تقدم عليه؛ وإياك وواسطًا؛ فتصير في حصار، وليس بعد الحصار إلا القتل. فأبى. وكان يخاف مروان لأنه كان يكتب إليه في الأمر فيخالفه؛ فخافه إن قدم عليه أن يقتله، فأتى واسطًا فدخلها، وتحصّن بها.
وسرّح أبو سلمة الحسن بن قحطبة، فخندق الحسن وأصحابه، فنزلوا فيما بين الزاب ودجلة؛ وضرب الحسن سرادقه حيال باب المضمار، فأوّل وقعة كانت بينهم يوم الأربعاء، فقال أهل الشأم لابن هبيرة: ائذن لنا فيي قتالهم، فأذن لهم، فخرجوا وخرج ابن هبيرة، وعلى ميمنته ابنه داود، ومعه محمد بن نباتة في ناس من أهل خراسان، فيهم أبو العود الخراساني، فالتقوا وعلى ميمنته الحسن خازم بن خزيمة، وابن هبيرة قبالة باب المضمار، فحمل خازم على ابن هبيرة، فهزموا أهل الشأم حتى ألجئوهم إلى الخنادق، وبادر الناس باب المدينة حتى غصّ باب المضمار، ورمى أصحاب العرّادات بالعرّادات والحسن واقف. وأقبل يسير في الخيل فيما بين النهر والخندق، ورجع أهل الشأم، فكرّ عليهم الحسن، فحالوا بينه وبين المدينة، فاضطروهم إلى دجلة، فغرق منهم ناس كثير، فتلقّوه هم بالسفن، فحملوهم، وألقى ابن نابة يومئذ سلاحه واقتحم، فتبعوه بسفينة فركب وتحاجزوا، فمكثوا سبعة أيام، ثم خرجوا إليهم يوم الثلاثاء فاقتتلوا، فحمل رجل من أهل الشام على أبي حفص هزار مرد، فضربه وانتمى: أنا الغلام السلمي، وضربه أبو حفص وانتمى: أنا الغلام العتكي، فصرعه، وانهزم أهل الشأم هزيمة قبيحة، فدخلوا المديينة؛ فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميًا من وراء الفصيل.
وبلغ ابن هبيرة وهو في الحصار أن أبا أميّة التغلبي قد سوّد، فأرسل أبا عثمان إلى منزله، فدخل على أبي أمية في قبّته، فقال: إنّ الأمير أرسلني إليك لأفتّش قبتك، فإن كان فيها سواد علقته في عنقك وحبلًا، ومضيت بك إليه؛ وإن لم يكن في بيتك سواد فهذه خمسون ألفًا صلة لك. فأبى أن يدعه أن يفتش قبّته، فذهب به إلى ابن هبيرة فحبسه، فتكلّم في ذلك معن ابن زائدة وناس من ربيعة، وأخذوا ثلاثة من بني فزارة؛ فحبسوهم وشتموا ابن هبيرة، فجاءهم يحيى بن حضين، فكلّمهم فقالوا: لا نخلي عنهم حتى يخلى عن صاحبنا؛ فأبى ابن هبيرة، فقال له: ما تفسد إلّا على نفسك وأنت محصور؛ خلّ سبيل هذا الرجل، قال: لا ولا كرامة؛ فرجع ابن حضين إليهم فأخبرهم، فاعتزل معن وعبد الرحمن بن بشير العجلي، فقال ابن حضين لابن هبيرة: هؤلاء فرسانك قد أفسدتهم؛ وإن تماديت في ذلك كانوا أشدّ عليك ممّن حصرك؛ فدعا أبا أميّة فكساه، وخلى سبيله، فاصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه.
وقدم أبو نصر مالك بن الهيثم من ناتحية سجستان، فأوفد الحسن بن قحطبة وفدًا إلى أبي العباس بقدوم أبي نصر عليه، وجعل على الوفد غيرلان ابن عبد الله الخزاعي - وكان غيلان واجدًا على الحسن لأنه سرّحه إلى روح ابن حاتم مددًا له - فلما قدم على أبي العباس قال: أشهد أنك أمير المؤمنين، وأنك حبل الله المتين، وأنك إمام المتقين؛ فقال: حاجتك يا غيلان؟ قال: أستغفرك، قال: غفر الله لك، فقال داود بن علي: وفّقك الله يا أبا فضالة، فقال له غيلان: يا أميير المؤمنين، مُنّ علينا برجل من أهل بيتك، قال: أوليس عليكم رجل من أهل بيتي! الحسن بن قحطبة؛ قال: يا أمير المؤمنين، مُنّ علينا برجل من أهل بيتك ننظر إلى وجهه، وتقرّ أعيننا به، قال: نعم يا غيلان؛ فبعث أبا جعفر، فجعل غيلان على شرطه فقدم واسطًا، فقال أبو نصر لغيلان: ما أردت لا ما صنعت؟ قال: " به بود "، فمكث أيامًا على الشرط، ثم قال لأبي جعفر: لا أقوى على الشرط؛ ولكني أدلك على مَن هو أجلد مني، قال: من هو؟ قال: جهور بن مرار، قال: لا أقدر على عزلك؛ لأن أمير المؤمنين استعملك، قال: اكتب إليه فأعلمه، فكتب إليه، فكتب إليه أبو العباس: أن اعمل برأي غيلان، فولّى شرطه جهورًا. وقال أبو جعفر للحسن: ابغني رجلًا أجعله على حرسي، قال: من قد رضيته لنفسي؛ عثمان بن نهيك، فولّى الحرس.
قال بشر بن عيسى: ولما قدم أبو جعفر واسطًا، تحوّل له الحسن عن حجرته، فقاتلهم وقاتلوه، فقاتلهم أبو نصر يومًا، فانهزم أهل الشأم إلى خنادقهم؛ وقد كمن لهم معن وأبو يحيى الجذامي، فلما جاوزهم أهل خراسان، خرجوا عليهم؛ فقاتلوهم حتى أمسوا، وترجّل لهم أبو نصر؛ فاقتتلوا عند الخنادق، ورفعت لهم النيران وابن هبيرة على برج باب الخلّالين، فاقتتلوا ما شاء الله من الليل. وسرّح ابن هبيرة إلى معن أن ينصرف. فانصرف ومكثوا أيامًا. وخرج أهل الشأم أيضًا مع محمد بن نباتة ومعن بن زائدة وزياد بن صالح وفرسان من فرسان أهل الشأم، فقاتلهم أهل خراسان، فهموهم إلى دجلة، فجعلوا يتساقطون في دجلة، فقال أبو نصر: يا أهل خراسان مردمان خائنه بيابان هستيدوبرخزيد، فرجعوا وقد صرع ابنه، فحماه روح بن حاتم، فمرّ به أبوه، فقال له بالفارسية: قد قتلوك يا بني؛ لعن الله الدنيا بعدك! وحملوا على أهل الشأم فهزموهم حتى أدخلوهم مدينة واسط، فقال بعضهم لبعض: لا والله لا تفلح بعد عيشتنا أبدًا؛ خرجنا عليهم ونحن فرسان أهل الشأم، فهزمونا حتى دخلنا المدينة.
وقتل تلك العشيّة من أهل خراسان بكار الأنصاري ورجل من أهل خراسان؛ كانا من فرسان أهل خراسان؛ وكان أبو نصر في حصار ابن هبيرة يملأ السفن حطبًا، ثم يضرمها بالنار لتحرق ما مرّت به؛ فكان ابن هبيرة يهيّىء حرّاقات كان فيها كلاليب تجرّ تلك السفن؛ فمكثوا بذلك أحد عشر شهرًا، فلما طال ذلك عليهم طلبوا الصلح؛ ولم يطلبوه حتى جاءهم خبر قتل مروان، أتاهم به إسماعيل بن عبد الله القسري، وقال لهم: علام تقتلون أنفسكم، وقد قتل مروان!
وقد قيل: إنّ أبا العباس وجّه أبا جعفر عند مقدمه من خراسان منصرفًا من عند أبي مسلم إلى ابن هبيرة لحربه، فشخص أبو جعفر حتى قدم على الحسن ابن قحطبة؛ وهو محاصر ابن هبيرة بواسط، فتحوّل له الحسن عن منزله، فنزله أبو جعفر، فلما طال الحصار على ابن هبيرة وأصحابه تحنّى عليه أصحابه فقالت اليمانية: لا نعين مروان وآثاره فينا آثاره. وقالت النزاريّة: لا نقاتل حتى تقاتل معنا اليمانية؛ وكان إنما يقاتل معه الصعاليك والفتيان؛ وهمّ ابن هبيرة أن يدعو إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن؛ فكتب إليه فأبطأ جوابه؛ وكاتب أبو العباس اليمانية من أصحاب ابن هبيرة؛ وأطمعهم. فخرج إليه زياد بن صالح وزياد بن عبيد الله الحارثيان؛ ووعدا ابن هبيرة أن يصلحا له ناحية أبي العباس فلم يفعلا؛ وجرت السفراء بين أبي جعفر وبين ابن هبيرة حتى جعل له أمانًا، وكتب به كتابًا، مكث يشاور فيه العلماء أربعين يومًا حتى رضيه ابن هبيرة، ثم أنفذه إلى أبي جعفر، فأنفذه أبو جعفر إلى أبي العباس، فأمره بإمضائه؛ وكان رأي أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه، وكان أبو العباس لا يقطع أمرًا دون أبي مسلم، وكان أبو الجهم عينًا لأبي مسلم على أبي العباس، فكتب غليه بأخباره كلها، فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: إنّ الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد؛ لا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة.
ولما تمّ الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلثمائة من البخاريّة؛ فأراد أن يدخل الحجرة على دابته، فقام إليه الحاجب سلّام بن سليم، فقال: مرحبًا بك أبا خالد! انزل راشدًا؛ وقد أطاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل خراسان، فنزل، ودعا له بوسادة ليجلس عليها، ثم دعا بالقوّاد فدخلوا، ثم قال سلّام: ادخل أبا خالد؛ فقال له: أنا ومن معي؟ فقال: إنما استأذنت لك وحدك، فقام فدخل، ووضعت له وسادة، فجلس عليها، فحادثه ساعة، ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصره حتى غاب عنه؛ ثم مكث يقيم عنه يومًا، ويأتيه يومًا في خمسمائة فارس وثلثمائة راجل؛ فقال يزيد بن حاتم لأبي جعفر: أيّها الأمير؛ إنّ ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر؛ وما نقص من سلطانه شيء، فإذا كان يسير في هذه الفرسان والرّجالة، فما يقول عبد الجبار وجهور! فقال أبو جعفر لسلام: قل لابن هبيرة يدع الجماعة ويأتينا في يحاشيته نحوًا من ثلاثين. فقال له سلّام: كأنك تأتي مباهيًا! فقال: إن أمرتم أن نمشي إليكم مشينا، فقال: ما أردنا بك استخفافًا، ولا أمر الأمير بما أمر به إلا نظرًا لك؛ فكان بعد ذلك يأتي في ثلاثة.
وذكر أبو زيد أنّ محمد بن كثير حدثه، قال: كلّم ابن هبيرة يومًا أبا جعفر، فقال: يا هناه - أو يأيّها المرء - ثم رجع، فقال: أيها الأمير؛ إنّ عندي بكلام الناس بمثل ما خاطبتك به حديث، فسبقني لساني إلى ما لم أرده. وألحّ أبو العباس على أبي جعفر يأمره بقتله وهو يراجعه؛ حتى كتب إليه: والله لتقتلنّه أو لأرسلنّ إليه من يخرجه من حجرتك، ثم يتولى قتله. فأزمع على قتله، فبعث خازم بن خزيمة والهيثم بن شعبة بن ظهير؛ وأمرهما بختم بيوت الأموال. ثم بعث إلى وجوه من معه من القيسيّة والمضرّية، فأقبل محمد ابن نباة وحوثرة بن سهيل وطارق بن قدامة وزياد بن سويد وأبو بكر بن كعب العقيلي وأبان وبشر ابنا عبد الملك بن بشر؛ في اثنين وعشرين رجلًا من قيس، وجعفر بن حنظلة وهزّان بن سعد.
قال: فخرج سلّام بن سليم، فقال: أين حوثرة ومحمد بن نباتة؟ فقاما، فدخلا، وقد أجلس عثمان بن نهيك والفضل بن سليمان وموسى بن عقيل في مائة في حجرة دون حجرته، فنزعت سيوفهما وكتّفا، ثم دخل بشر وأبان ابنا عبد الملك بن بشر، ففعل بهما ذلك؛ ثمّ دخل أبو بكر بن كعب وطارق ابن قدامة، فقام جعفر بن حنظلة، فقال: نحن رؤساء الأجناد، ولم يكون هؤلاء يقدّمون علينا؟ فقال: ممن أنت؟ قال: من بهراء، فقال: وراءك أوسع لك، ثم قام هزّان، فتكلم فأخّر، فقال روح بن حاتم: يا أبا يعقوب، نزعت سيوف القوم، فخرج عليهم موسى بن عقيل، فقالوا له: أعطيتمونا عهد الله ثم خستم به! إنا لنرجو أن يدرككم الله؛ وجعل ابن نباتة يضرط في لحية نفسه، فقال له حوثرة: إنّ هذا لا يغني عنك شيئًا؛ فقال: كأني كنت أنظر إلى هذا، فقتلوا. وأخذت خواتيمهم.
وانطلق خازم والهيثم بن شعبة والأغلب بن سالم في نحو من مائة، فأرسلوا إلى ابن هبيرة: إنا نريد حمل المال، فقال ابن هبيرة: إنا نريد حمل المال، فقال ابن هبيرة لحاجبه: يا أبا عثمان، انطلق فدلّهم عليه، فأقاموا عند كلّ بيت نفرًا، ثم جعلوا ينظرون في نواحي الدار، ومع ابن هبيرة ابنه داود وكاتبه عمرو بن أيّوب وحاجبه وعدّة من مواليه، وبنيٌّ له صغير في حجره؛ فجعل ينكر نظرهم فقال: أقسم بالله إنّ في وجوه القوم لشرًا، فأقبلوا نحوه، فقام حاجبه في وجوههم، فقال: ما وراءكم؟ فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه، وقاتل ابنه داود فقتل وقتل مواليه، ونحّى الصبي من حجره، وقال: دونكم هذا الصبي، وخرّ ساجدًا فقتل وهو ساجد، ومضوا برءوسهم إلى أبي جعفر، فنادى بالأمان للناس إلّا للحكم بن عبد الملك بن بشر وخالد بن سلمة المخزومي وعمر بن ذرّ، فاستأمن زياد بن عبيد الله لابن ذرّ فآمنه أبو العباس، وهرب الحكم، وآمن أبو جعفر خالدًا، فقتله أبو العباس، ولم يجز أمان أبي جعفر، وهرب أبو علاقة وهشام ابن هشيم بن صفوان بن مزيد الفزاريّان، فلحقهما حجر بن سعيد الطائي فقتلهما على الزاب، فقال أبو عطاء السندي يرثيه:
ألا إنّ عينًا لم تجد يوم واسط ** عليك بجاري دمعها لجمود
عشيّة قام النائحات وشققت ** جيوب بأيدي مأتمٍ وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربّما ** أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهّد ** بلى كل من تحت التراب بعيد
وقال منقذ بن عبد الرحمن الهلالي يرثيه:
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)