رفض فياض تولي المهمة قائلاً أنه لن يستطيع رفع عينه في عين شقيقته بعد ذاك إن فعل وتمنى عليّ القيام بتلك المهمة حيث أن أم مجد تكن لي معزة ًخاصة
وتعاملني دائماً كولدها
رفضت بادئ الأمر وأجلنا البت بالنقاش لنحمل المرحوم إلى الطابق الثاني حيث يسكن فياض بالقرب من شقة شقيقته
مددناه على السرير ليبدوا كأنه نائم ولم أزل أنا على عنادي ورفضي إلى أن سمعنا صوت قرع جرس المنزل نهض فياض يلتمس من بالباب فإذ بشقيقته تسأله إن كان مجد نائمٌ عنده
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
لم يجرؤ على أن يقول لها حتى نعم لاحظت ارتباكه الشديد وهو يقول لها أنه ربما أطال السهر عندي فخلد للنوم كعادته
ضحكت الأم المسكينة متوعدة ً أن تؤنبه أشد تأنيب في الصباح كيلا يشغل قلبها عليه مرة ً أخرى
أدركت في تلك اللحظة صعوبة أو استحالة قيام الأخ بتحطيم قلب شقيقته مرة ً أخرى
وأمام إلحاح فياض ولعلمي أنها لابد ستعلم لأن إكرام الميت دفنه ولن تنتظرنا الجثة كثيراً قبل أن يناديها الحنين إلى مثواها الأخير
قام فياض بالإيعاز إلى الأب بالعودة حالاً لأن ولده قد أصيب بحادث سيارة وهو في وضع ٍ حرج يستدعي قدومه حالاً
بينما كنت أقرع الجرس على الأم فتح لي محمود الصغير الباب وأدخلني إلى الصالون
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
دخلت علي الأم تحمل القهوة مرحبة ً بي ولم تخفي استغرابها لهذه الزيارة وفي هذا الوقت المتأخر من الليل
قالت لعلك جئت تلتمس العذر لصديقك لأنه تأخر خارج المنزل لا تتعب نفسك يا بني لن أصفح عنه حتى يعدني أن لا يعاود الكرّه مرة ً أخرى
هيا قم وأحضره فإذا وعدني سأصدقه
وضعت فنجان القهوة قبل أن تلاحظ الأم المسكينة إرتعاشت أصابعي ذهب بي الشرود وأنا أحاول ترتيب أفكاري فكرت بهذه الابتسامة الجميلة و أين ستذهب بعد حين
تضاربت الأفكار في ذهني بل تشاجرت حتى كدت أفقد صوابي ولكن ولما لم يكن أمامي خياراتٌ أختار بينها
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
استجمعت قواي مستنجداً بكل ما حباني إياه الله من بلاغة قلت :
في جعبتي كلامٌ يجب أن أنقله لكِ سيدتي ولكن وقبل ذاك دعيني استند على ما أشعر به من ودّ ينبع منك نحوي ومنطلقاً من الحيز الذي أشغله في قلبك الكبير
ـ مثل ولدي و الله فقل إلى أين تود أن تذهب بعد هذه المقدمة
" إنها تزيد الأمر صعوبة "
ـ ماذا لو جئت أودع لديك أمانة ً أ تقبليها ثم إذا عدت أطلبها لا أراكِ عني تمنعيها
ـ تكلم يا ولدي فقد طيّرت قلبي من صدري
ـ حسناً هذا حالكِ معي وأنا الذي أقبع في إحدى زوايا القلب فما قولكِ لو جاء من زرع الحب والحنان في قلبك يلتمس ما استأمنكِ عليه
ـ ماذا تريد أن تقول... الموت.. " و حدقت بي بعيون ٍ كادت أو لعلها مزقت كياني أشلاءً لم أعد أشعر بأي شيء وفكرت بالتراجع جبناً أو شجاعة ً سيان الآن فقد أهتز أمامي كل شيء " لكن الأم الحائرة سدت بوجهي سبل الهرب وهي تهزني بعنف ممسكة ً بكتفي وهي تصرخ بي :
تكلم هيا قل لي أن علي بخير قل لي أن أبو المجد لم ...
" حركت رأسي نافياً "
هو فياض إذاً " قالتها وهمّت واقفة بينما بدأت أدرك أنا أني على شفير هاوية الانهيار تحت ضغط الخيارات الضيقة لكني قررت وبسرعة أنه خيرٌ لها أن تعلم الآن من أن تفاجئ بولدها ممدداً على سرير الموت "
ـ بل هو مجد
صمتت وصمت كل الكون من حولي وأطبقت جدران وسقف الغرفة على صدري
لحظات قصيرة طويلة انتهت بصرخة هزت المبنى المؤلف من ست طبقات بل هزت العالم
مجد ..مجد ولدي حبيبي
دفعتني بقوةٍ لم أعهدها بامرأة وتوجهت نحو شقة شقيقها لتدخل غرفة النوم وترى ولدها وقد فارق الحياة
أنكبت عليه تقبله بشوق ٍ كبير وتغسل وجهه بدموع الحرقة الحزينة ـ لا تزال كلماتها تهدر في مسامعي إلى الآن ـ
ولدي حبيبي قم دنيا تنتظرك كيف استطعت أن تترك دنيا تترك الدنيا أرجوك يا ولدي لا تثكل قلبي مرة ً أخرى
أنت حياتي لا تجعلني أموت بعدك يا رب لماذا أخذته وتركتني لمن تتركني بعد ابني
نحن قومٌ أعزنا الله عز وجل بالإسلام
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)